السعيد شويل
2018-12-11, 06:17 PM
رسالة سيدنا موسى ( إلى فرعون وقومه . وإلى قوم بنى إسرائيل )
************************************************** *************
..............
رسالة سيدنا موسى إلى فرعون وقومه
الفراعنةهم أهل مصر أو المصريون القدماء .. كانوا مُترفين منعّمين ينعمون بما أفاض الله عليهم من النِعَم والفضل العظيم ويتنعمون بما خصهم الله واختصهم به
من جنات وعيون ومن ثروات وأموال وكنوز .. حضارتهم كانت عريقة ومجدهم كان شامخاً وعلومهم كانت رفيعة وفريدة عزّ نظيرها وقلما يوجد مثيلها على وجه الكرة الأرضية ..
جحدوا فضل الله عليهم وكفروا بوحدانيته وكانوا جبابرة طغاة .. قصّ الله نبأهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
{ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }
...
كان فرعون الذى ملَك مِصر فاجراً كفارا طغى وتكبر فى الأرض وكان عاتياً جبارا كفر بالله وادعى أنه ربٌ وإله .
علِم بأمر نبىٍ سيولد من بنى اسرائيل وأنه سوف يزلزل عرشه ويزيل ملكه فأمر جنده وحاشيته بذبح كل الغلمان فى كل مكان .. فاستحيوا النساء
وذبّحوا أبناءهم دون شفقة أو رحمة بهم ولم يثنهم صِغر الأطفال أو صرخات أمهاتهم ..
{ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِى نِسَاءهُمْ }
...
ولدت أم موسى بنبى الله والخوف والوجل يعتصر قلبها من أن يُقتل ولدها فأوحى الله إليها أن ترضعه وإن تملكها الفزع والخوف فلتضعه فى تابوت
وتلْقِه فى البحر .. وأمرها بألا تخاف ولا تحزن فإن الله واقيه وراعيه وسوف يعيده ويردّه إليها وسوف يجعله من الأنبياء والمرسلين ..
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَألقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }
انتاب أم موسى الخوف والفزع ..
وضعته فى التابوت وألقته فى النهر وأرسلت أخته وراءه وقالت لها اتبعيه وقصّيه ..
كانت أخته تراقبه وترْقبه وتسير بإزائه حيث يسير .. توقف التابوت عن المسير وقذفه اليم إلى الساحل .. أقبل عليه جند فرعون وأتواْ به إلى عدو الله وعدوه ..
فأخذته امرأة فرعون وأمرت الجند بعدم قتله وأخبرتهم أنه سيكون قرة عين لها ولزوجها ..
(امرأة فرعون كانت من المؤمنين الموحدين تبرأت من جرم فرعون وعمله وابتهلت إلى الله أن ينجيها منه ومن فساده وظلمه ) ..
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }
...
شاء الله بقدرته وحكمته أن يجعل نبى الله موسى أمام عين فرعون وفى داره وأن يكون مهده ورقاده على فراشه ..
وشاء الله بحكمته وإرادته أن يجعل هامان وجنده هم من يقومون برعايته وهم من يتولون وحراسته بل ويبحثون له عن المرضعات ويجوبون له الدروب والطرقات
وهم لايدركون أنهم يبحثون له عن أمه ..
حرّم الله كل مرضعة أتت إليه إلى أن جاءت أخته عليه وقالت للجند ألا أدلكم على من تكفله وترضعه ..
تحقق وعد الله وعاد نبى الله إلى أمه لكى يتبدد خوفها وحزنها ولكى يقرّ عينها ويسكن فؤادها ..
يقول العزيز الحكيم :
{ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ }
...
بلغ نبى الله أشده .. وذات يوم كان سائراً فى المدينة فوجد رجلاً من شيعته " من بنى إسرائيل " يقتتل مع رجل من قوم فرعون فطلب الغوث منه
فأغاثه سيدنا موسى ووكز الفرعونى فقضى عليه ..
وفى اليوم التالى استصرخه ذات الرجل على فرعونى آخر وحين همّ لإجابة صرخته قال له الفرعونى أتريد يا موسى أن تقتلنى كما قتلت نفساً بالأمس ..
استغفر موسى ربه وتاب وأناب من فِعلته التى أضله فيها الشيطان .. وتاب الله عليه ..
{ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
أضمر جند فرعون لنبى الله الغدر والمكر والغيلة فجاءه رجلاً يسعى إليه ويحذره وينصحه ويأمره بالخروج من مصر ..
فخرج منها موسى خائفاً يترقب من أن يلحق به هؤلاء الطغاة العتاة ودعا الله أن ينجيه منهم ..
فنجاه الله وأنجاه ..
{ وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ }
...
توجه موسى إلى أرض مدين وورد ماءها وبئرها فوجد جمعاً من الناس تجمعوا على البئر وتزاحموا عليه ..
ورأى امرأتان قد ابتعدا عن الجمع والزحام فتقدم إليهما وسألهما عن أمرهما فأخبراه أنهما يريدان السقيا وأن أبوهما شيخ كبير وأنهما ينتظران إلى أن ينفض الرجال من سقياهم ..
سقى لهما نبى الله .. ثم تولى إلى الظل يستظل من وهج الشمس وحرها .. وعادت الإمرأتان إلى أبيهما شعيب وقصّتا له أمر ماكان فقال لهما ادْعواه يأخذ أجر سقياه
فتوجهتا إليه وقالت له إحداهما إن أبى يدعوك ليعطيك أجر ماسقيت لنا ..
أتى موسى إلى شعيب وقصّ عليه أمره .. فأخبره شعيب بأن الله قد نجاه من القوم الظالمين ..
طلبت إحدى الإبنتين من أبيها أن يستأجره لخلقه وأمانته وقوته .. فأظهر له شعيب أنه يريد أن يزوجه إحدى ابنتيه على ثمانى حجج
فإن أتم عشراً فهو إحسان وزيادة منه .. وفّى نبى الله بما طلب وتزوج ابنته .
{ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }
..
فى ليلة باردة سار سيدنا موسى بزوجته بجانب جبل الطور بسيناء فرأى سنا مضيئاً ونوراً مبهراً ظن أنه ناراً فطلب من زوجته أن تمكث فى مكانها
إلى أن يأتها بأمر مارأى فإن كان ناراً فسوف يأتها بجذوة منها لكى يصطليا بها للتدفئة ..
اتجه نبى الله إلى حيث مايرى فإذا به يلج فى نورٍ قدسى ونور إلهى أحاطه انشرح به صدره وارتفع به قدره وسكن له فؤاده ..
وسمع النداء من الله : { يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
{ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }
...
اصطفاه الله وآتاه العلم والحكمة وبعثه الله نبياً ورسولاً .. ( وأرسله إلى فرعون وقومه .. وإلى قوم بنى إسرائيل .. )
...
سأله سبحانه عما فى يُمناه فأجاب بأنها عصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى .. أمره الله أن يلقها فإذا بها تهتز كأنها جان فابتعد عنها وهاب منها ..
فأوحى الله إليه أن لا يخاف ويأخذها وأنها سوف تعود إلى سيرتها الأولى .. وأمره الله أن يُدخل يده فى جيبه وأن يخرجها فإذا هى بيضاء ناصعة .. ثم عادت إلى سيرتها الأولى ..
أخبره الله أن اليد والعصا آيتان إلى فرعون وقومه .. ودلالة له على يقين دعوته وصدق نبوته ورسالته ..
طلب نبى الله من ربه أن يشدّ أزره بأخيه هارون فأجابه الله وبعث سيدنا هارون وزيراً واصطفاه الله نبياً ورسولاً ..
...
اتجه موسى وهارون إلى فرعون وملئه وحاشيته .. دعاهم سيدنا موسى إلى عبادة رب العالمين وحده . سألهما فرعون عن ربهما فقال له موسى إلهك وإلههم وإله آبائك وآباؤهم
ورب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشرق والمغرب هو الذى جعل لكم الأرض مهداً وسلك فيها طرقاً وسبلاً وأنزل لكم من السماء ماء ..
نظر فرعون إلى بطانته وحاشيته وقال : ألا تستمعون لما يقول به موسى وهارون إن موسى هذا لمجنون إنه يقول بأن هناك ربٌ وإلهٌ غيرى ..
وقال لوزيره متهكماً ساخراً إبْنِ لى ياهامان صرحاً لكى أصعد عليه وأطلع على هذا الإله الذى يقول به موسى وهارون ..
{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِى يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّى لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ }
باللطف واللين حذرهم نبى الله من العذاب والعقاب إن أعرضوا وكذبوا عن دعوته وأصروا على كفرهم وشركهم
{ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى }
قال له فرعون ألم نربك فينا وليداً يا موسى وقد لبثت معنا عمراً من السنين ولقد قتلت نفساً وفررت من القوم فكيف تأتى اليوم وتقول بأنك من المرسلين ..
أخبره نبى الله أنه أناب واستغفر من عمل الشيطان وتاب الله عليه .. فقال له إن لم تكف يا موسى عما تدعيه وتدعو إليه فسوف أجعلنك من المسجونين ..
فأظهر لهم نبى الله آيته ومعجزته وألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين .. ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين ..
{ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ }
نظر فرعون إلى ملئه وحاشيته وقال اتركونى أقتله ولاتؤمنوا بما جاءكم به ولا تصدقوه إنه ساحر مبين لا تسمعوا له ولا تنصتوا إليه
إنه يريد أن يفشى الفساد بينكم أو يبدل دينكم أو يخرجكم من مصر أرضكم ..
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ }
...
دون فكر أو وعى ودون بصر أو بصيرة أقر القوم وخضعوا وأذعنوا لما أخبرهم به فرعون ..
أقروا بأن موسى ساحر عظيم وأنه يريد أن يفشى الفساد بينهم أو يبدل دينهم أو يخرجهم من مصر أرضهم..
جثت الظلمة على أبصارهم وجثم الكفر والشرك على قلوبهم ولم يفقهوا ويعقلوا ..
فاستهان بهم واستخف بعقولهم وادّعى أن ما يخبرهم وما يقوله لهم هو الحق والصدق وأنه يهديهم إلى الرشد والصواب ..
{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأطَاعُوهُ } .. { قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }..
...
ولعِلْمه بإفكه وكذبه .. ويقينه فى نفسه بأنه ضالٌ ومضل لقومه .. صار عاجزاً ضعيفاً أمام جنده وملئه وحاشيته ..
وبعد أن كان يدّعى أنه ربهم وإلههم .. أصبح صاغراً ذليلاً يستجدى الطلب والأمر منهم .. وقال لهم : ماذا تأمرون .. ؟
{ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ .. فَمَاذَا تَأمُرُونَ } .
أمروه أن يترك موسى وأخيه وأن يرجئه إلى موعد ومكان يأتيان فيه ..
وطلبوا منه أن يرسل الجند إلى مختلف المدائن فى مصر لكى يجمعوا السحرة من كل البلاد والبلدان .. وأن يحشروا الناس للمكان والموعد الذى سوف يلتقيان فيه ..
{ قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ }
انصاع فرعون لما طلبوا ولما أشاروا به عليه .. وكان الموعد واللقاء فى يوم الزينة فى وقت الضحى ..
...
أتى الجند بالجمع الغفير والخلق الكثير .. وجاءت السحرة من مختلف البلاد والبلدان وطلبوا من فرعون الأجر العظيم إن
كانوا هم الغالبين فوعدهم بما يريدون وقال لهم مغدقاً عليهم بأنهم سوف يكونوا من بطانته المقربين ..
التقى الفريقان ..
دعا نبى الله السحرة إلى الإيمان والتصديق بأنه نبى ورسول .. فأقسموا له بعزة فرعون بأنهم العالين وسوف يكونوا من الغالبين ..
قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ..
فألقى السحرة حبالهم وعصيهم وما صنعوه وخيلوه بمكرهم بهروا بها العقول وسحروا بها العيون وتوجس الناس مما رأوه وشاهدوه واضطربت قلوبهم ..
وتوجس نبى الله مما شاهد ورآه ومما خيّلوه بسحرهم ودهائهم .. فثبّته الله وأوحى إليه بأن يلق بعصاه .
فإذا بالعصا تلقف كل ما صنعوا وتلتقف كل ما سحروا .. فخرّ السحرة ساجدين شاهدين مؤمنين بالله رب العالمين ..
{ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ فَألقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ فَألْقَى مُوسَى عَصَاهُ
فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَألقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ }
...
وقع الحق المبين وأضحى فرعون وهامان وجنودهما من المغلوبين الصاغرين ..
شهد السحرة بأن لاإله إلا الله وأن موسى وهارون رسولان من الله ولم يأبهوا بفرعون وهامان ولابجندهما وحاشيتهما .
أيقنوا أن ما شاهدوه من العصا لا قدرة للبشر عليه .. وأنه ليس بسحرٍ كما يسحرون بل هو معجزة وآية من آيات الله ..
فهم يعلمون السحر وكيف يخيلون به الأنظار ويدركون كيف يخدعون به العيون ويسحرون به الأبصار ..
توعدهم الطاغى اللعين بعذاب أليم ..
أغلظ لهم القول وقال كيف تؤمنون بإلهٍ غيرى وأنا إلهكم وكيف تؤمنون بموسى قبل أن أأذن لكم ..
قالوا من الخير لك يا فرعون أن تلقى ربك مؤمناً بدلاً أن تأته كافراً مجرماً .. فيكون مآلك إلى نار لا تموت فيها ولا تحيا ..
وإنّا نحمد الله أن هدانا إلى الإيمان وكنا أول المؤمنين .. وندعوك أن تؤمن معنا وتكون من المؤمنين ..
ادّعى عليهم الأثيم أنهم تآمروا مع موسى وهارون وأن موسى كبيرهم الذى علمهم السحر وما يسحرون ..
وقال لهم متجبراً متكبراً سوف أقطع أيديكم وأرجلكم من خلاف وسوف أصلبنكم فى جذوع النخل
( تقطيع الأيدى والأرجل من خلاف هو قطع الأيدى اليمنى مع الأرجل اليسرى أو قطع الأيدى اليسرى مع الأرجل اليمنى ) ..
..
قال السحرة لا ضير يا فرعون مما تقول وما سوف تفعله بنا ولْتقض ماأنت قاضٍ .. ولتفعل بنا ما تشاء فإن العذاب
الذى سوف تؤذينا به إنما هو عذاب فى دنيا وحياة فانية وأما عذاب الله فهو فى حياة خالدة دائمة ..
{ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ
عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا }
...
أصاب فرعون الذل والصَغار أمام ملئه وجنده وأصبح مضطرباً أمام بطانته وحاشيته وصار يهذى ويقول
ألست أنا إلهكم وربكم ..أليس لى ملك مصر .. أليست هذه الأنهار تجرى من تحتى ..
وقال للسحرة سوف ترون عذابى أشد من العذاب الذى يعِدكم به موسى وتخشونه ولم ترونه ( عذاب الله ) ..
وادعى لهم بأن موسى ضعيف لايملك جنداً ولاحاشية فكيف تؤمنون به وتصدقونه .. وأنه يخبركم بعذابٍ لايكشفه أو يُظهره لكم ولايستطيع أن يُبِينه أو يبيّنه أمامكم ..
{ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ }
قالوا لن نطيعك يافرعون ولن نؤثرك بما تقول ولن نخشاك أو نخشى عذابك ..
وابتهلوا إلى الله بالدعاء بأن يلهمهم الصبر ويتحملوا فتنة عذاب هذا الطاغى الأثيم مهما كان شديد وأليم ..
أخبرهم سيدنا موسى أن يستعينوا بالله وأن يصبروا على أذى هذا اللعين ..
قالوا : يانبى الله لقد كان فرعون وجنده يؤذونا قبل أن تأتينا بدعوتك ورسالتك وكنا حينها فى كفر وضلال .. فلا ضير أن يؤذونا بعد أن آمنّا بالله ..
فقال لهم إن الله سوف يهلكهم وسوف يستخلفكم فى الأرض إن شاء الله ..
{ قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأتِينَا .. وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا .. قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ }
...
ظل فرعون وقومه على كفرهم وشركهم ودأبوا على فسادهم وطغيانهم .. وجحدوا كل الآيات التى أنزلها الله لهم ..
{ تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ }
لم يؤمنوا بآيتى العصا واليد .. وعاندوا بما أخذهم الله به من القحط والجدب والنقص من النبات والثمرات ..
وتجبروا على ما ابتلاهم الله به من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم من الزواحف والهوام والحشرات ..
{ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَات لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }
{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ }
لم يصلح لهم زرع ولم تمطر لهم سماء ولم يهنأ لهم عيش أو قرار ..
...
جاءوا إلى سيدنا موسى يطلبون منه أن يدع لهم ربه بأن يكشف عنهم البلاء ويرفع ما أصابهم به من الرجز والعذاب ..
وأخبروه بأنهم سوف يؤمنون له ويكفون عن القتل والبطش والتنكيل ببنى إسرائيل وسوف يأتون بهم إليه ..
{ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئن كَشَفْت عَنا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَن لَكَ وَلَنُرْسِلَن مَعَكَ
بَنِي إِسْرَائيلَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ }
...
كشف الله عنهم البلاء وما أصابهم به من رجز وعذاب .. ولكنهم نكثوا عهدهم وظلوا على دأبهم فحُقّ عليهم العذاب ..
{ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ }
أمر الله سيدنا موسى أن يخرج بمن معه من المؤمنين ويسْر بهم ليلاً .. وأوحى إليه أن فرعون وجنده وملئه وحاشيته سوف يتْبعوهم ولكن لن يدركوهم ...
أشرق الصباح وتراءى الجمعان ( شاهد كل منهم الآخر ) ...
توجس المؤمنون خوفاً ووجلاً .. فالبحر أمامهم والطغاة جاءوا من خلفهم .. فثبّتهم نبى الله وشد أزرهم ..
أمر الله نبيه أن يضرب النهر بعصاه فانفلق البحر وانشقّ يُمنة ويسرة وحُبس الماء كل فِرق كالجبل والطود العظيم ..
جعل الله للمؤمنين طريقاً يابساً ممهداً فى وسط البحر وفى هذا الخضم الهائل من المياه ..
وظلت المياه حبيسةً إلى أن جاءها الأمر من الله بإغراق من كفر بباريها والإطباق على من كذب وجحد بمُنزِلها ومجريها ..
أخذهم الله أخْذ عزيز مقتدر .. أخذهم الله أخْذاً وبيلاً وغشّاهم من العذاب ماغشاهم . ولهم فى الآخرة عذاب عظيم .
{ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ }
...
أيقن فرعون قبل غرقه وحال احتضاره قبل موته أنّ هناك إلهٌ جبار وواحدٌ قهار .. هو من آمنت به قوم بنى إسرائيل ..
أقرّ قسراً وجبراً وقهراً بخضوعه وإذعانه لله وقدرته.. وأقر بانقياده وتسليمه له وإسلامه لجبروت الله وعزته ..
علِم أن الله هو أكبر وأشد منه قوة وأنه عبدٌ صاغرٌ ذليلٌ لاحول له ولاقوة ..
{ حَتى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنت أَنهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }
...
وكذلك أيقن وأقر قومه .. أيقنوا أن هناك إلهٌ جبار وواحدٌ قهار قاهر لجميع مخلوقاته ولكل ما فى أرضه وسماواته ..
وأقروا .. أنهم أطاعوا من ليس للطاعة أهلاً وأنهم قد خضعوا لعبدٍ ذليلٍ ضعيفٍ لايملك لهم ضراً ولا نفعاً ..
فكان مصيرهم هو مصيره وعذابهم هو عذابه : النار يعرضون عليها غدواً وعشياً .. وفى الآخرة جزاؤهم شرب الحميم
وسكنى الجحيم خالدين فيها صُمّاً لا يسمعون بُكماً لا ينطقون عُمياً لايبصرون ..
يقول العزيز الحكيم :
{ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ }
............................................
************************************************** ******************
سعيد شويل
************************************************** *************
..............
رسالة سيدنا موسى إلى فرعون وقومه
الفراعنةهم أهل مصر أو المصريون القدماء .. كانوا مُترفين منعّمين ينعمون بما أفاض الله عليهم من النِعَم والفضل العظيم ويتنعمون بما خصهم الله واختصهم به
من جنات وعيون ومن ثروات وأموال وكنوز .. حضارتهم كانت عريقة ومجدهم كان شامخاً وعلومهم كانت رفيعة وفريدة عزّ نظيرها وقلما يوجد مثيلها على وجه الكرة الأرضية ..
جحدوا فضل الله عليهم وكفروا بوحدانيته وكانوا جبابرة طغاة .. قصّ الله نبأهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
{ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }
...
كان فرعون الذى ملَك مِصر فاجراً كفارا طغى وتكبر فى الأرض وكان عاتياً جبارا كفر بالله وادعى أنه ربٌ وإله .
علِم بأمر نبىٍ سيولد من بنى اسرائيل وأنه سوف يزلزل عرشه ويزيل ملكه فأمر جنده وحاشيته بذبح كل الغلمان فى كل مكان .. فاستحيوا النساء
وذبّحوا أبناءهم دون شفقة أو رحمة بهم ولم يثنهم صِغر الأطفال أو صرخات أمهاتهم ..
{ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِى نِسَاءهُمْ }
...
ولدت أم موسى بنبى الله والخوف والوجل يعتصر قلبها من أن يُقتل ولدها فأوحى الله إليها أن ترضعه وإن تملكها الفزع والخوف فلتضعه فى تابوت
وتلْقِه فى البحر .. وأمرها بألا تخاف ولا تحزن فإن الله واقيه وراعيه وسوف يعيده ويردّه إليها وسوف يجعله من الأنبياء والمرسلين ..
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَألقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }
انتاب أم موسى الخوف والفزع ..
وضعته فى التابوت وألقته فى النهر وأرسلت أخته وراءه وقالت لها اتبعيه وقصّيه ..
كانت أخته تراقبه وترْقبه وتسير بإزائه حيث يسير .. توقف التابوت عن المسير وقذفه اليم إلى الساحل .. أقبل عليه جند فرعون وأتواْ به إلى عدو الله وعدوه ..
فأخذته امرأة فرعون وأمرت الجند بعدم قتله وأخبرتهم أنه سيكون قرة عين لها ولزوجها ..
(امرأة فرعون كانت من المؤمنين الموحدين تبرأت من جرم فرعون وعمله وابتهلت إلى الله أن ينجيها منه ومن فساده وظلمه ) ..
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }
...
شاء الله بقدرته وحكمته أن يجعل نبى الله موسى أمام عين فرعون وفى داره وأن يكون مهده ورقاده على فراشه ..
وشاء الله بحكمته وإرادته أن يجعل هامان وجنده هم من يقومون برعايته وهم من يتولون وحراسته بل ويبحثون له عن المرضعات ويجوبون له الدروب والطرقات
وهم لايدركون أنهم يبحثون له عن أمه ..
حرّم الله كل مرضعة أتت إليه إلى أن جاءت أخته عليه وقالت للجند ألا أدلكم على من تكفله وترضعه ..
تحقق وعد الله وعاد نبى الله إلى أمه لكى يتبدد خوفها وحزنها ولكى يقرّ عينها ويسكن فؤادها ..
يقول العزيز الحكيم :
{ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ }
...
بلغ نبى الله أشده .. وذات يوم كان سائراً فى المدينة فوجد رجلاً من شيعته " من بنى إسرائيل " يقتتل مع رجل من قوم فرعون فطلب الغوث منه
فأغاثه سيدنا موسى ووكز الفرعونى فقضى عليه ..
وفى اليوم التالى استصرخه ذات الرجل على فرعونى آخر وحين همّ لإجابة صرخته قال له الفرعونى أتريد يا موسى أن تقتلنى كما قتلت نفساً بالأمس ..
استغفر موسى ربه وتاب وأناب من فِعلته التى أضله فيها الشيطان .. وتاب الله عليه ..
{ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
أضمر جند فرعون لنبى الله الغدر والمكر والغيلة فجاءه رجلاً يسعى إليه ويحذره وينصحه ويأمره بالخروج من مصر ..
فخرج منها موسى خائفاً يترقب من أن يلحق به هؤلاء الطغاة العتاة ودعا الله أن ينجيه منهم ..
فنجاه الله وأنجاه ..
{ وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ }
...
توجه موسى إلى أرض مدين وورد ماءها وبئرها فوجد جمعاً من الناس تجمعوا على البئر وتزاحموا عليه ..
ورأى امرأتان قد ابتعدا عن الجمع والزحام فتقدم إليهما وسألهما عن أمرهما فأخبراه أنهما يريدان السقيا وأن أبوهما شيخ كبير وأنهما ينتظران إلى أن ينفض الرجال من سقياهم ..
سقى لهما نبى الله .. ثم تولى إلى الظل يستظل من وهج الشمس وحرها .. وعادت الإمرأتان إلى أبيهما شعيب وقصّتا له أمر ماكان فقال لهما ادْعواه يأخذ أجر سقياه
فتوجهتا إليه وقالت له إحداهما إن أبى يدعوك ليعطيك أجر ماسقيت لنا ..
أتى موسى إلى شعيب وقصّ عليه أمره .. فأخبره شعيب بأن الله قد نجاه من القوم الظالمين ..
طلبت إحدى الإبنتين من أبيها أن يستأجره لخلقه وأمانته وقوته .. فأظهر له شعيب أنه يريد أن يزوجه إحدى ابنتيه على ثمانى حجج
فإن أتم عشراً فهو إحسان وزيادة منه .. وفّى نبى الله بما طلب وتزوج ابنته .
{ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }
..
فى ليلة باردة سار سيدنا موسى بزوجته بجانب جبل الطور بسيناء فرأى سنا مضيئاً ونوراً مبهراً ظن أنه ناراً فطلب من زوجته أن تمكث فى مكانها
إلى أن يأتها بأمر مارأى فإن كان ناراً فسوف يأتها بجذوة منها لكى يصطليا بها للتدفئة ..
اتجه نبى الله إلى حيث مايرى فإذا به يلج فى نورٍ قدسى ونور إلهى أحاطه انشرح به صدره وارتفع به قدره وسكن له فؤاده ..
وسمع النداء من الله : { يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
{ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }
...
اصطفاه الله وآتاه العلم والحكمة وبعثه الله نبياً ورسولاً .. ( وأرسله إلى فرعون وقومه .. وإلى قوم بنى إسرائيل .. )
...
سأله سبحانه عما فى يُمناه فأجاب بأنها عصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى .. أمره الله أن يلقها فإذا بها تهتز كأنها جان فابتعد عنها وهاب منها ..
فأوحى الله إليه أن لا يخاف ويأخذها وأنها سوف تعود إلى سيرتها الأولى .. وأمره الله أن يُدخل يده فى جيبه وأن يخرجها فإذا هى بيضاء ناصعة .. ثم عادت إلى سيرتها الأولى ..
أخبره الله أن اليد والعصا آيتان إلى فرعون وقومه .. ودلالة له على يقين دعوته وصدق نبوته ورسالته ..
طلب نبى الله من ربه أن يشدّ أزره بأخيه هارون فأجابه الله وبعث سيدنا هارون وزيراً واصطفاه الله نبياً ورسولاً ..
...
اتجه موسى وهارون إلى فرعون وملئه وحاشيته .. دعاهم سيدنا موسى إلى عبادة رب العالمين وحده . سألهما فرعون عن ربهما فقال له موسى إلهك وإلههم وإله آبائك وآباؤهم
ورب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشرق والمغرب هو الذى جعل لكم الأرض مهداً وسلك فيها طرقاً وسبلاً وأنزل لكم من السماء ماء ..
نظر فرعون إلى بطانته وحاشيته وقال : ألا تستمعون لما يقول به موسى وهارون إن موسى هذا لمجنون إنه يقول بأن هناك ربٌ وإلهٌ غيرى ..
وقال لوزيره متهكماً ساخراً إبْنِ لى ياهامان صرحاً لكى أصعد عليه وأطلع على هذا الإله الذى يقول به موسى وهارون ..
{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِى يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّى لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ }
باللطف واللين حذرهم نبى الله من العذاب والعقاب إن أعرضوا وكذبوا عن دعوته وأصروا على كفرهم وشركهم
{ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى }
قال له فرعون ألم نربك فينا وليداً يا موسى وقد لبثت معنا عمراً من السنين ولقد قتلت نفساً وفررت من القوم فكيف تأتى اليوم وتقول بأنك من المرسلين ..
أخبره نبى الله أنه أناب واستغفر من عمل الشيطان وتاب الله عليه .. فقال له إن لم تكف يا موسى عما تدعيه وتدعو إليه فسوف أجعلنك من المسجونين ..
فأظهر لهم نبى الله آيته ومعجزته وألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين .. ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين ..
{ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ }
نظر فرعون إلى ملئه وحاشيته وقال اتركونى أقتله ولاتؤمنوا بما جاءكم به ولا تصدقوه إنه ساحر مبين لا تسمعوا له ولا تنصتوا إليه
إنه يريد أن يفشى الفساد بينكم أو يبدل دينكم أو يخرجكم من مصر أرضكم ..
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ }
...
دون فكر أو وعى ودون بصر أو بصيرة أقر القوم وخضعوا وأذعنوا لما أخبرهم به فرعون ..
أقروا بأن موسى ساحر عظيم وأنه يريد أن يفشى الفساد بينهم أو يبدل دينهم أو يخرجهم من مصر أرضهم..
جثت الظلمة على أبصارهم وجثم الكفر والشرك على قلوبهم ولم يفقهوا ويعقلوا ..
فاستهان بهم واستخف بعقولهم وادّعى أن ما يخبرهم وما يقوله لهم هو الحق والصدق وأنه يهديهم إلى الرشد والصواب ..
{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأطَاعُوهُ } .. { قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }..
...
ولعِلْمه بإفكه وكذبه .. ويقينه فى نفسه بأنه ضالٌ ومضل لقومه .. صار عاجزاً ضعيفاً أمام جنده وملئه وحاشيته ..
وبعد أن كان يدّعى أنه ربهم وإلههم .. أصبح صاغراً ذليلاً يستجدى الطلب والأمر منهم .. وقال لهم : ماذا تأمرون .. ؟
{ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ .. فَمَاذَا تَأمُرُونَ } .
أمروه أن يترك موسى وأخيه وأن يرجئه إلى موعد ومكان يأتيان فيه ..
وطلبوا منه أن يرسل الجند إلى مختلف المدائن فى مصر لكى يجمعوا السحرة من كل البلاد والبلدان .. وأن يحشروا الناس للمكان والموعد الذى سوف يلتقيان فيه ..
{ قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ }
انصاع فرعون لما طلبوا ولما أشاروا به عليه .. وكان الموعد واللقاء فى يوم الزينة فى وقت الضحى ..
...
أتى الجند بالجمع الغفير والخلق الكثير .. وجاءت السحرة من مختلف البلاد والبلدان وطلبوا من فرعون الأجر العظيم إن
كانوا هم الغالبين فوعدهم بما يريدون وقال لهم مغدقاً عليهم بأنهم سوف يكونوا من بطانته المقربين ..
التقى الفريقان ..
دعا نبى الله السحرة إلى الإيمان والتصديق بأنه نبى ورسول .. فأقسموا له بعزة فرعون بأنهم العالين وسوف يكونوا من الغالبين ..
قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ..
فألقى السحرة حبالهم وعصيهم وما صنعوه وخيلوه بمكرهم بهروا بها العقول وسحروا بها العيون وتوجس الناس مما رأوه وشاهدوه واضطربت قلوبهم ..
وتوجس نبى الله مما شاهد ورآه ومما خيّلوه بسحرهم ودهائهم .. فثبّته الله وأوحى إليه بأن يلق بعصاه .
فإذا بالعصا تلقف كل ما صنعوا وتلتقف كل ما سحروا .. فخرّ السحرة ساجدين شاهدين مؤمنين بالله رب العالمين ..
{ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ فَألقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ فَألْقَى مُوسَى عَصَاهُ
فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَألقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ }
...
وقع الحق المبين وأضحى فرعون وهامان وجنودهما من المغلوبين الصاغرين ..
شهد السحرة بأن لاإله إلا الله وأن موسى وهارون رسولان من الله ولم يأبهوا بفرعون وهامان ولابجندهما وحاشيتهما .
أيقنوا أن ما شاهدوه من العصا لا قدرة للبشر عليه .. وأنه ليس بسحرٍ كما يسحرون بل هو معجزة وآية من آيات الله ..
فهم يعلمون السحر وكيف يخيلون به الأنظار ويدركون كيف يخدعون به العيون ويسحرون به الأبصار ..
توعدهم الطاغى اللعين بعذاب أليم ..
أغلظ لهم القول وقال كيف تؤمنون بإلهٍ غيرى وأنا إلهكم وكيف تؤمنون بموسى قبل أن أأذن لكم ..
قالوا من الخير لك يا فرعون أن تلقى ربك مؤمناً بدلاً أن تأته كافراً مجرماً .. فيكون مآلك إلى نار لا تموت فيها ولا تحيا ..
وإنّا نحمد الله أن هدانا إلى الإيمان وكنا أول المؤمنين .. وندعوك أن تؤمن معنا وتكون من المؤمنين ..
ادّعى عليهم الأثيم أنهم تآمروا مع موسى وهارون وأن موسى كبيرهم الذى علمهم السحر وما يسحرون ..
وقال لهم متجبراً متكبراً سوف أقطع أيديكم وأرجلكم من خلاف وسوف أصلبنكم فى جذوع النخل
( تقطيع الأيدى والأرجل من خلاف هو قطع الأيدى اليمنى مع الأرجل اليسرى أو قطع الأيدى اليسرى مع الأرجل اليمنى ) ..
..
قال السحرة لا ضير يا فرعون مما تقول وما سوف تفعله بنا ولْتقض ماأنت قاضٍ .. ولتفعل بنا ما تشاء فإن العذاب
الذى سوف تؤذينا به إنما هو عذاب فى دنيا وحياة فانية وأما عذاب الله فهو فى حياة خالدة دائمة ..
{ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ
عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا }
...
أصاب فرعون الذل والصَغار أمام ملئه وجنده وأصبح مضطرباً أمام بطانته وحاشيته وصار يهذى ويقول
ألست أنا إلهكم وربكم ..أليس لى ملك مصر .. أليست هذه الأنهار تجرى من تحتى ..
وقال للسحرة سوف ترون عذابى أشد من العذاب الذى يعِدكم به موسى وتخشونه ولم ترونه ( عذاب الله ) ..
وادعى لهم بأن موسى ضعيف لايملك جنداً ولاحاشية فكيف تؤمنون به وتصدقونه .. وأنه يخبركم بعذابٍ لايكشفه أو يُظهره لكم ولايستطيع أن يُبِينه أو يبيّنه أمامكم ..
{ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ }
قالوا لن نطيعك يافرعون ولن نؤثرك بما تقول ولن نخشاك أو نخشى عذابك ..
وابتهلوا إلى الله بالدعاء بأن يلهمهم الصبر ويتحملوا فتنة عذاب هذا الطاغى الأثيم مهما كان شديد وأليم ..
أخبرهم سيدنا موسى أن يستعينوا بالله وأن يصبروا على أذى هذا اللعين ..
قالوا : يانبى الله لقد كان فرعون وجنده يؤذونا قبل أن تأتينا بدعوتك ورسالتك وكنا حينها فى كفر وضلال .. فلا ضير أن يؤذونا بعد أن آمنّا بالله ..
فقال لهم إن الله سوف يهلكهم وسوف يستخلفكم فى الأرض إن شاء الله ..
{ قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأتِينَا .. وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا .. قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ }
...
ظل فرعون وقومه على كفرهم وشركهم ودأبوا على فسادهم وطغيانهم .. وجحدوا كل الآيات التى أنزلها الله لهم ..
{ تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ }
لم يؤمنوا بآيتى العصا واليد .. وعاندوا بما أخذهم الله به من القحط والجدب والنقص من النبات والثمرات ..
وتجبروا على ما ابتلاهم الله به من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم من الزواحف والهوام والحشرات ..
{ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَات لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }
{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ }
لم يصلح لهم زرع ولم تمطر لهم سماء ولم يهنأ لهم عيش أو قرار ..
...
جاءوا إلى سيدنا موسى يطلبون منه أن يدع لهم ربه بأن يكشف عنهم البلاء ويرفع ما أصابهم به من الرجز والعذاب ..
وأخبروه بأنهم سوف يؤمنون له ويكفون عن القتل والبطش والتنكيل ببنى إسرائيل وسوف يأتون بهم إليه ..
{ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئن كَشَفْت عَنا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَن لَكَ وَلَنُرْسِلَن مَعَكَ
بَنِي إِسْرَائيلَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ }
...
كشف الله عنهم البلاء وما أصابهم به من رجز وعذاب .. ولكنهم نكثوا عهدهم وظلوا على دأبهم فحُقّ عليهم العذاب ..
{ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ }
أمر الله سيدنا موسى أن يخرج بمن معه من المؤمنين ويسْر بهم ليلاً .. وأوحى إليه أن فرعون وجنده وملئه وحاشيته سوف يتْبعوهم ولكن لن يدركوهم ...
أشرق الصباح وتراءى الجمعان ( شاهد كل منهم الآخر ) ...
توجس المؤمنون خوفاً ووجلاً .. فالبحر أمامهم والطغاة جاءوا من خلفهم .. فثبّتهم نبى الله وشد أزرهم ..
أمر الله نبيه أن يضرب النهر بعصاه فانفلق البحر وانشقّ يُمنة ويسرة وحُبس الماء كل فِرق كالجبل والطود العظيم ..
جعل الله للمؤمنين طريقاً يابساً ممهداً فى وسط البحر وفى هذا الخضم الهائل من المياه ..
وظلت المياه حبيسةً إلى أن جاءها الأمر من الله بإغراق من كفر بباريها والإطباق على من كذب وجحد بمُنزِلها ومجريها ..
أخذهم الله أخْذ عزيز مقتدر .. أخذهم الله أخْذاً وبيلاً وغشّاهم من العذاب ماغشاهم . ولهم فى الآخرة عذاب عظيم .
{ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ }
...
أيقن فرعون قبل غرقه وحال احتضاره قبل موته أنّ هناك إلهٌ جبار وواحدٌ قهار .. هو من آمنت به قوم بنى إسرائيل ..
أقرّ قسراً وجبراً وقهراً بخضوعه وإذعانه لله وقدرته.. وأقر بانقياده وتسليمه له وإسلامه لجبروت الله وعزته ..
علِم أن الله هو أكبر وأشد منه قوة وأنه عبدٌ صاغرٌ ذليلٌ لاحول له ولاقوة ..
{ حَتى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنت أَنهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }
...
وكذلك أيقن وأقر قومه .. أيقنوا أن هناك إلهٌ جبار وواحدٌ قهار قاهر لجميع مخلوقاته ولكل ما فى أرضه وسماواته ..
وأقروا .. أنهم أطاعوا من ليس للطاعة أهلاً وأنهم قد خضعوا لعبدٍ ذليلٍ ضعيفٍ لايملك لهم ضراً ولا نفعاً ..
فكان مصيرهم هو مصيره وعذابهم هو عذابه : النار يعرضون عليها غدواً وعشياً .. وفى الآخرة جزاؤهم شرب الحميم
وسكنى الجحيم خالدين فيها صُمّاً لا يسمعون بُكماً لا ينطقون عُمياً لايبصرون ..
يقول العزيز الحكيم :
{ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ }
............................................
************************************************** ******************
سعيد شويل