مشاهدة النسخة كاملة : رسالة سيدنا عيسى ( إلى قوم بنى إسرائيل _ اليهود_ )
السعيد شويل
2019-01-01, 09:29 PM
رسالة سيدنا عيسى ( إلى قوم بنى إسرائيل _ اليهود _ ) ************************************************** ************************* ............ نذرت امرأة عمران ( زوجة عمران ) أن يكون حملها وما فى بطنها محرراً لله فتقبل الله نذرها واستجاب دعاءها وولدت بالسيدة مريم عليها السلام .. وضعتها وأعاذتها بالله من الشيطان الرجيم .. اختلف أولياؤها فى كفالتها واختصموا واقترعوا بأقلامهم أيهم أحق وأوْلى بها .. كفلها سيدنا زكريا عليه السلام .. يقول عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ .. وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ .. وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } ... أنبتها الله نباتاً حسناً وتولى الله حفظها وصدّقت بكلمات ربها واتخذت محراباً لعبادة الله .. كانت من القانتين الراكعين الساجدين ومن الحامدين الشاكرين لنِعم وفضل الله .. ولقد يسّر الله رزقها كلما دخل عليها سيدنا زكريا المحراب وجد عندها رزقا فيسألها عنه فتخبره أن الله يرزق من يشاء بغير حساب .. { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ... أتتها الملائكة فى محرابها بشروها بأن الله قد اصطفاها .. وطهرها .. واصطفاها على كافة نساء العالمين { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ .. وَطَهَّرَكِ .. وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ } اصطفاها الله : بأنِ اختارها من بين عباده وخلقه بأن تحمل بحملٍ لا يخضع للقوانين والنواميس التى وضعها الله لهذه الحياة ولا يخضع لنظام الأجنّة المعهودة بين البشر .. وطهرها: بأن جعل الله حملها ( دون ذكر ) والإخصاب وتكوّن الجنين ( دون أن يمسسها بشر ) . واصطفاها الله على نساء العالمين: بأنِ اختصها لتكون آية ومعجزة إلى قوم بنى إسرائيل _ من اليهود_ وآية ومعجزة إلى كافة الخلق أجمعين .. فهذا الحمل لم يكن لأحدٍ سواها ولن يكون لأىٍ من نساء العالمين .. يقول العزيز الحكيم : { وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } ... وأخبرتها الملائكة أنها سوف تحمل بكلمة من الله .. وأن الله قد سماه : " المسيح عيسى بن مريم " .. { إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ } وأنه سيكلم الناس فى مهده وصباه .. وسيكون وجيهاً فى الدنيا والآخرة .. ومن الصالحين المقربين . وسوف يبعثه الله نبياً ورسولاً إلى قوم بنى إسرائيل .. { وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ .. وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ } ... ابتهلت السيدة مريم إلى الله وتضرعت إليه متسائلة حزينة ومتعجبة متحسرة .. وقالت مما يختلجها وينتابها وكأنها تكلم نفسها : { قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } .. { قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } أوحى الله إليها ألا تأسى ولاتحزن لما قدره الله وقضاه .. فامتثلت لأمر وحكم الله .. ... جاءها النفخ من روح الله .. وأدركت حملها .. فاتخذت مكاناً بعيداً نائياً قصياً شرقياً لكى تحتجب فيه عن الناس .. { فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } .. { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً } .. ( موضع ولادته قيل : أنه كان فى كنيسة المهد فى بيت لحم " مغارة الميلاد " .. وقيل : بالمسجد الأقصى فى موضع " قبة مهد عيسى " حيث وصفها الرحالة والمؤرخون باسم " قبة مهد عيسى ومسجده " .. يقول المقدسى فى كتابه " أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم " : وقبة مهد عيسى ومسجده محمولة على أربعة أعمدة تحتها حوض حجرى يسمى مهد النبى عيسى الذى ولد فيه ... ) ... جاءها المخاض .. فكتمت السيدة مريم ما تشعر به من أسى وحزن ومرارة وتمنّت الموت وطلبت من الله أنْ يا ليتها لم تكن فى هذه الحياة .. { فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتنِي مِت قَبْلَ هَذَا وَكُنت نَسْياً مَّنسِيّاً } وضعت السيدة مريم : المسيح عيسى .. وبدّد الله حزنها وأسكن فؤادها وقرّ عينها بولدها . وجعل الله تحتها مكاناً سريّا طريا وأوحى إليها أن تهز بجذع النخلة وسوف يتساقط عليها رطباً جنيا سيكون طعاماً وشراباً لهما بأمر وإذن من الله .. { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً } ... أتت إلى القوم تحمل ولدها .. وقد أمرها الله إنْ رأت بشراً وتكلم أو تحدث معها بأن تصمت عن الكلام وتُشِر إليه .. { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً } سألها القوم من بنى إسرائيل " اليهود " فأشارت إليه .. قالوا كيف نكلم طفلاً رضيعاً مازال فى مهده وصباه .. فأنطقه الله .. أول مانطق به المسيح عيسى عليه السلام : " قَالَ إِني عَبْدُ اللَّهِ " .. { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً .. قَالَ إِني عَبْدُ اللَّهِ .. آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنت وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدت وَيَوْمَ أَمُوت وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } ... من القوم : من عمت أبصارهم وصمت آذانهم وأظلمت قلوبهم .. لم يفقهوا ويعقلوا .. كذبوا بما رأوا وما سمعوا .. رموا السيدة مريم بالإفك والباطل والبهتان .. كان قولهم لها أثيم وبهتانهم عليها عظيم .. لعنهم الله .. { قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئت شَيْئاً فَرِيّاً يَا أُخْت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } ومنهم : من كانوا أصحاب عقول وأبصار وأعين وآذان .. آمنوا وأيقنوا أن حمل السيدة مريم ونطق المسيح عيسى فى مهده وصباه آية ومعجزة من معجزات الله .. ... بلغ سيدنا عيسى أشده وعلّمه الله الكتاب والحكمة وبعثه نبياً ورسولاً .. وأمره الله ببلاغ دعوته وبيان تعاليم وأحكام رسالته .. وأنزل الله عليه آيات الإنجيل شرعاً ومنهاجاً له ولبنى إسرائيل " اليهود " وهدىً ونوراً وموعظة للمتقين .. أنزلها الله مصدقة ومكملة لما نزل عليهم فى الصحف والألواح والتوراة .. { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }. ... دعاهم المسيح عيسى إلى عبادة الله ونبذ ضلالهم وما قبعوا فيه من الكفر والشرك والبطلان .. وأخبرهم بما نزل عليه فى الإنجيل وبما شرعه الله فيه من تعاليم وأحكام ومن موعظة وحكمة وبيان .. وحثهم على طاعة الله وحذرهم من الكفر والطغيان حتى لايكون مآلهم إلى نار جهنم وبئس المصير .. { وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأوَاهُ النَّارُ } بين لليهود أن رسالته قد نزلت مصدقة ومكملةً لرسالة نبى الله موسى .. ومبينةً لما هم فيه يتفرقون ويختلفون .. { وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } كشف لهم ما حرمه الله عليهم فى الصحف والألواح والتوراة من أكل كل ذى ظفر ومن شحوم البقر والغنم إلا ماحملت ظهورهما وماحملت حواياها وما اختلط بعظمهما .. وأخبرهم أن الله قد أحل ما حرمه وفرضه عليهم ورفع عنهم ما وضعه من الإصر والأغلال .. { وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } بشّرهم بمبعث رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. وبين لهم أنه آخر نبى ورسول وخاتم الأنبياء والمرسلين وأنه سوف يأتى من بعده بآخر دين من الأديان دين وشريعة الإسلام .. { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} ... آمنت منهم طائفة .. وكفرت طائفة .. من آمن منهم : هم الحواريون .. هداهم الله ومنّ عليهم بفضله ورحمته فآمنوا بوحدانية الله وصدّقوا بالمسيح وبما نزل عليه فى الإنجيل .. ونصروه وآزروه وصدقوه وكانوا له أتباعاً وأنصارا .. وهؤلاء هم ( النصارى ) .. { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } ... والطائفة الأخرى من بنى إسرائيل .. وهم ( اليهود ) . طمس الله على عقولهم وختم على قلوبهم .. كذبوه وأنكروه وجحدوا دعوته ورسالته .. وفى صحفهم وألواحهم جاءتهم فيها بشارته . زعموا أن المسيح ليس بنبى ولا رسول .. واتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله .. ونقضوا الميثاق مع الله وأصروا على شركهم بوحدانية الله .. وقالوا عزير بن الله .. وادّعوا زوراً وبهتاناً أنهم أحباء وأبناء لله .. وأن الله قال لهم " أنتم أولاد للرب إلهكم " .. سبحانه عما يقولون وتعالى الله عما به يصفون . كشف لهم سيدنا عيسى كذبهم وافترائهم وبين لهم تبديلهم وتحريفهم لتعاليم وأحكام التوراة.. أتاهم بآيات باهرة ومعجزات ظاهرة : أحيا لهم من كان ميْتاً . وصوّر لهم من الطين كهيئة الطير ونفخ فيه فصار طيراً . وأبرأ لهم الأعمى فأصبح بصيراً . وشفى الأبرص فعاد معافاً سليماً . وأخبرهم بما يأكلون ومايدخرون فى بيوتهم .. { وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أصروا على ضلالهم وإعراضهم .. وحاجوه وجادلوه.. واتهموه بالسحر فيما جاءهم به من آيات ومعجزات .. { إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } ....... ظلوا على عنادهم وسوء أعمالهم .. ودأبوا على تشكيك الطائفة المؤمنة من " الحواريين النصارى " فى تصديقهم بالمسيح عليه السلام .. ولم يفتروا عن إدخال الريب والشك فى إيمانهم ويقينهم بنبيهم وتوحيدهم لله .. ... طلب الحواريون من المسيح أن يدعو الله لهم أن يُنزل إليهم مائدة من السماء .. حثهم نبى الله أن يؤمنوا حق الإيمان .. فقالوا له نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونوقن بدعوتك وصِدق رسالتك .. دعا الله لهم وأنزل الله عليهم مائدة من السماء فكانت لهم عيداً وآية من الله .. وأوحى الله إلى المسيح أن يخبرهم بأن من يكفر منهم من بعد نزولها فسوف يعذبه الله عذاباً لايعذبه أحداً من العالمين .. { قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ } ....... ضاق اليهود بالمسيح ودعوته .. وأضمروا له الكيد والشر والعداوة وعقدوا العزم والنية على قتله كما قتلوا أنبياء الله من قبله .. توجهوا إليه عند الربوة على سفح جبل الزيتون فألقى الله شبهه على بعض منهم فأخذوه وقتلوه وصلبوه .. ادّعوا زوراً وبهتاناً أنهم اقتادوا المسيح وقاموا بمساءلته ومحاكمته وحبسه وجلده ثم قاموا بصلبه وقتله .. { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ } ....... ظل الحواريون للمسيحأتباعاً وأعواناً وأنصاراً .. فأيدهم الله على اليهود وجعلهم ظاهرين عليهم .. انتشروا بين القبائل ومختلف البلاد والبلدان يبلغونهم رسالة سيدنا عيسى عليه السلام .. ويحذرونهم من كذب اليهود وإفكهم .. ويبينون لهم أن الله قد توفى نبيه وطهره من رجسهم ونجّاه من كيدهم وشرهم ورفعه من بينهم إلى السماء . { فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ } ***** توالت العصور والأزمان . زعم اليهود للحواريين أن رب العالمين قد نزل إليهم وأنزل ابنه المسيح لكى يقتل ويصلب فداء منه وتضحية بحجة التكفير عن خطيئة أبينا آدم وخطايا البشرية .. وترصدوا لكل من يخالفهم فى زعمهم وطاردوا كل من يعارضهم ووشوا بهم ووصفوهم بأبشع الصفات .. ... ظل الحواريون زمناً يسيراً على إيمانهم ويقينهم .. ثم جحدوا وقست قلوبهم .. وأقروا بزعم اليهود وكذبهم .. تهوروا فى اعتقادات تذودهم عن جنة النعيم وتسوقهم إلى نار جهنم وسكنى الجحيم .. كفروا وأشركوا بوحدانية الله .. وقالوا : المسيح بن الله . وقالوا إن الله هو المسيح ابن مريم . وقالوا إن الله ثالث ثلاثة : الإله الأب هو الله ( وله خصائص الألوهية ) . والإله الإبن هو سيدنا عيسى ( له خصائص البشرية ) . والروح القدس قد حلّت بالسيدة مريم ( جعلوها تجمع بين خصائص البشرية والألوهية ) .. ران الجهل على عقولهم وباعوا الدنيا بالآخرة واشترواْ بآيات الله ثمناً قليلا وحرفوا وبدلوا فيما أنزل الله ونقضوا الميثاق مع الله واتخذوا رهبانهم أرباباً من دون الله .. فضلوا وأضلوا أبناءهم .. وأضلوا كل من جاء من بعدهم .. ***** مرت فترة من الزمان لم يبعث الله فيها نبى أو رسول " عصر الجاهلية " .. فى خلاله كانت البشرية " عرباً وعجماً " يعجون بالكفر والشرك والضلال ويزخرون بالبغى والظلم والجور الإضطهاد .. . بلغ دين الله أجله المعلوم عند الله وموعده المحتوم فى علم الله وحُقّ نزول كتاب الله على هذه الأرض والحياة .. بعث الله آخر نبى ورسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. بعثه الله إلى قومه خاصة . وإلى الناس عامة .. وأمره أن ينذر الكفار والمشركين واليهود والنصارى والمجوس والصابئين .. { وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا }.. { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ } { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } .. { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً } .. وأنزل الله عليه كتابه الكريم وقرآنه الحكيم وقضى بحفظه إلى يوم الدين ليظل بشيراً ونذيراً له ولقومه ولكل من يأتى من بعده من كافة الشعوب والأقوام ممن خلقهم الله ويخلقهم فى هذه الحياة منذ نزول الرسالة وحتى يوم القيامة .. { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ .. لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } ............................. ************************************************** ************************** سعيد شويل
السعيد شويل
2019-01-02, 02:59 PM
رسالة سيدنا عيسى ( إلى قوم بنى إسرائيل _ اليهود _ )
************************************************** *************************
............
نذرت امرأة عمران ( زوجة عمران ) أن يكون حملها وما فى بطنها محرراً لله فتقبل الله نذرها واستجاب دعاءها وولدت بالسيدة مريم عليها السلام ..
وضعتها وأعاذتها بالله من الشيطان الرجيم ..
اختلف أولياؤها فى كفالتها واختصموا واقترعوا بأقلامهم أيهم أحق وأوْلى بها .. كفلها سيدنا زكريا عليه السلام .. يقول عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ .. وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ .. وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }
...
أنبتها الله نباتاً حسناً وتولى الله حفظها وصدّقت بكلمات ربها واتخذت محراباً لعبادة الله ..
كانت من القانتين الراكعين الساجدين ومن الحامدين الشاكرين لنِعم وفضل الله .. ولقد يسّر الله رزقها كلما دخل عليها سيدنا زكريا المحراب
وجد عندها رزقا فيسألها عنه فتخبره أن الله يرزق من يشاء بغير حساب ..
{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً
قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }
...
أتتها الملائكة فى محرابها بشروها بأن الله قد اصطفاها .. وطهرها .. واصطفاها على كافة نساء العالمين
{ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ .. وَطَهَّرَكِ .. وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ }
اصطفاها الله : بأنِ اختارها من بين عباده وخلقه بأن تحمل بحملٍ لا يخضع للقوانين والنواميس التى وضعها الله لهذه الحياة
ولا يخضع لنظام الأجنّة المعهودة بين البشر ..
وطهرها: بأن جعل الله حملها ( دون ذكر ) والإخصاب وتكوّن الجنين ( دون أن يمسسها بشر ) .
واصطفاها الله على نساء العالمين: بأنِ اختصها لتكون آية ومعجزة إلى قوم بنى إسرائيل _ من اليهود_ وآية ومعجزة إلى كافة الخلق أجمعين ..
فهذا الحمل لم يكن لأحدٍ سواها ولن يكون لأىٍ من نساء العالمين .. يقول العزيز الحكيم : { وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ }
...
وأخبرتها الملائكة أنها سوف تحمل بكلمة من الله .. وأن الله قد سماه : " المسيح عيسى بن مريم " ..
{ إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ }
وأنه سيكلم الناس فى مهده وصباه .. وسيكون وجيهاً فى الدنيا والآخرة .. ومن الصالحين المقربين .
وسوف يبعثه الله نبياً ورسولاً إلى قوم بنى إسرائيل ..
{ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ .. وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ }
...
ابتهلت السيدة مريم إلى الله وتضرعت إليه متسائلة حزينة ومتعجبة متحسرة .. وقالت مما يختلجها وينتابها وكأنها تكلم نفسها :
{ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } ..
{ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }
أوحى الله إليها ألا تأسى ولاتحزن لما قدره الله وقضاه .. فامتثلت لأمر وحكم الله ..
...
جاءها النفخ من روح الله .. وأدركت حملها .. فاتخذت مكاناً بعيداً نائياً قصياً شرقياً لكى تحتجب فيه عن الناس ..
{ فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } .. { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً } ..
( موضع ولادته قيل : أنه كان فى كنيسة المهد فى بيت لحم " مغارة الميلاد " .. وقيل : بالمسجد الأقصى فى موضع " قبة مهد عيسى "
حيث وصفها الرحالة والمؤرخون باسم " قبة مهد عيسى ومسجده " .. يقول المقدسى فى كتابه " أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم " :
وقبة مهد عيسى ومسجده محمولة على أربعة أعمدة تحتها حوض حجرى يسمى مهد النبى عيسى الذى ولد فيه ... )
...
جاءها المخاض .. فكتمت السيدة مريم ما تشعر به من أسى وحزن ومرارة وتمنّت الموت وطلبت من الله أنْ يا ليتها لم تكن فى هذه الحياة ..
{ فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتنِي مِت قَبْلَ هَذَا وَكُنت نَسْياً مَّنسِيّاً }
وضعت السيدة مريم : المسيح عيسى .. وبدّد الله حزنها وأسكن فؤادها وقرّ عينها بولدها .
وجعل الله تحتها مكاناً سريّا طريا وأوحى إليها أن تهز بجذع النخلة وسوف يتساقط عليها رطباً جنيا سيكون طعاماً وشراباً لهما بأمر وإذن من الله ..
{ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً }
...
أتت إلى القوم تحمل ولدها .. وقد أمرها الله إنْ رأت بشراً وتكلم أو تحدث معها بأن تصمت عن الكلام وتُشِر إليه ..
{ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً }
سألها القوم من بنى إسرائيل " اليهود " فأشارت إليه .. قالوا كيف نكلم طفلاً رضيعاً مازال فى مهده وصباه ..
فأنطقه الله .. أول مانطق به المسيح عيسى عليه السلام : " قَالَ إِني عَبْدُ اللَّهِ " ..
{ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً .. قَالَ إِني عَبْدُ اللَّهِ .. آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنت وَأَوْصَانِي
بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدت وَيَوْمَ أَمُوت وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }
...
من القوم : من عمت أبصارهم وصمت آذانهم وأظلمت قلوبهم .. لم يفقهوا ويعقلوا ..
كذبوا بما رأوا وما سمعوا .. رموا السيدة مريم بالإفك والباطل والبهتان .. كان قولهم لها أثيم وبهتانهم عليها عظيم .. لعنهم الله ..
{ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئت شَيْئاً فَرِيّاً يَا أُخْت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً }
{ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً }
ومنهم : من كانوا أصحاب عقول وأبصار وأعين وآذان ..
آمنوا وأيقنوا أن حمل السيدة مريم ونطق المسيح عيسى فى مهده وصباه آية ومعجزة من معجزات الله ..
...
بلغ سيدنا عيسى أشده وعلّمه الله الكتاب والحكمة وبعثه نبياً ورسولاً ..
وأمره الله ببلاغ دعوته وبيان تعاليم وأحكام رسالته ..
وأنزل الله عليه آيات الإنجيل شرعاً ومنهاجاً له ولبنى إسرائيل " اليهود " وهدىً ونوراً وموعظة للمتقين ..
أنزلها الله مصدقة ومكملة لما نزل عليهم فى الصحف والألواح والتوراة ..
{ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ
وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }.
...
دعاهم المسيح عيسى إلى عبادة الله ونبذ ضلالهم وما قبعوا فيه من الكفر والشرك والبطلان ..
وأخبرهم بما نزل عليه فى الإنجيل وبما شرعه الله فيه من تعاليم وأحكام ومن موعظة وحكمة وبيان ..
وحثهم على طاعة الله وحذرهم من الكفر والطغيان حتى لايكون مآلهم إلى نار جهنم وبئس المصير ..
{ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأوَاهُ النَّارُ }
بين لليهود أن رسالته قد نزلت مصدقة ومكملةً لرسالة نبى الله موسى .. ومبينةً لما هم فيه يتفرقون ويختلفون ..
{ وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ }
كشف لهم ما حرمه الله عليهم فى الصحف والألواح والتوراة من أكل كل ذى ظفر ومن شحوم البقر والغنم إلا ماحملت ظهورهما وماحملت حواياها
وما اختلط بعظمهما .. وأخبرهم أن الله قد أحل ما حرمه وفرضه عليهم ورفع عنهم ما وضعه من الإصر والأغلال ..
{ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ }
بشّرهم بمبعث رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. وبين لهم أنه آخر نبى ورسول وخاتم الأنبياء والمرسلين
وأنه سوف يأتى من بعده بآخر دين من الأديان دين وشريعة الإسلام ..
{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}
...
آمنت منهم طائفة .. وكفرت طائفة ..
من آمن منهم : هم الحواريون .. هداهم الله ومنّ عليهم بفضله ورحمته فآمنوا بوحدانية الله وصدّقوا بالمسيح وبما نزل عليه فى الإنجيل ..
ونصروه وآزروه وصدقوه وكانوا له أتباعاً وأنصارا .. وهؤلاء هم ( النصارى ) ..
{ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ }
...
والطائفة الأخرى من بنى إسرائيل .. وهم ( اليهود ) . طمس الله على عقولهم وختم على قلوبهم ..
كذبوه وأنكروه وجحدوا دعوته ورسالته .. وفى صحفهم وألواحهم جاءتهم فيها بشارته .
زعموا أن المسيح ليس بنبى ولا رسول .. واتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله .. ونقضوا الميثاق مع الله وأصروا على شركهم بوحدانية الله ..
وقالوا عزير بن الله .. وادّعوا زوراً وبهتاناً أنهم أحباء وأبناء لله .. وأن الله قال لهم " أنتم أولاد للرب إلهكم " ..
سبحانه عما يقولون وتعالى الله عما به يصفون .
كشف لهم سيدنا عيسى كذبهم وافترائهم وبين لهم تبديلهم وتحريفهم لتعاليم وأحكام التوراة..
أتاهم بآيات باهرة ومعجزات ظاهرة : أحيا لهم من كان ميْتاً . وصوّر لهم من الطين كهيئة الطير ونفخ فيه فصار طيراً .
وأبرأ لهم الأعمى فأصبح بصيراً . وشفى الأبرص فعاد معافاً سليماً . وأخبرهم بما يأكلون ومايدخرون فى بيوتهم ..
{ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ
وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
أصروا على ضلالهم وإعراضهم .. وحاجوه وجادلوه.. واتهموه بالسحر فيما جاءهم به من آيات ومعجزات ..
{ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }
.......
ظلوا على عنادهم وسوء أعمالهم .. ودأبوا على تشكيك الطائفة المؤمنة من " الحواريين النصارى " فى تصديقهم بالمسيح عليه السلام ..
ولم يفتروا عن إدخال الريب والشك فى إيمانهم ويقينهم بنبيهم وتوحيدهم لله ..
...
طلب الحواريون من المسيح أن يدعو الله لهم أن يُنزل إليهم مائدة من السماء ..
حثهم نبى الله أن يؤمنوا حق الإيمان .. فقالوا له نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونوقن بدعوتك وصِدق رسالتك ..
دعا الله لهم وأنزل الله عليهم مائدة من السماء فكانت لهم عيداً وآية من الله ..
وأوحى الله إلى المسيح أن يخبرهم بأن من يكفر منهم من بعد نزولها فسوف يعذبه الله عذاباً لايعذبه أحداً من العالمين ..
{ قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ }
.......
ضاق اليهود بالمسيح ودعوته .. وأضمروا له الكيد والشر والعداوة وعقدوا العزم والنية على قتله كما قتلوا أنبياء الله من قبله ..
توجهوا إليه عند الربوة على سفح جبل الزيتون فألقى الله شبهه على بعض منهم فأخذوه وقتلوه وصلبوه ..
ادّعوا زوراً وبهتاناً أنهم اقتادوا المسيح وقاموا بمساءلته ومحاكمته وحبسه وجلده ثم قاموا بصلبه وقتله ..
{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ }
.......
ظل الحواريون للمسيحأتباعاً وأعواناً وأنصاراً .. فأيدهم الله على اليهود وجعلهم ظاهرين عليهم ..
انتشروا بين القبائل ومختلف البلاد والبلدان يبلغونهم رسالة سيدنا عيسى عليه السلام .. ويحذرونهم من كذب اليهود وإفكهم ..
ويبينون لهم أن الله قد توفى نبيه وطهره من رجسهم ونجّاه من كيدهم وشرهم ورفعه من بينهم إلى السماء .
{ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ }
*****
توالت العصور والأزمان .
زعم اليهود للحواريين أن رب العالمين قد نزل إليهم وأنزل ابنه المسيح لكى يقتل ويصلب فداء منه وتضحية بحجة
التكفير عن خطيئة أبينا آدم وخطايا البشرية ..
وترصدوا لكل من يخالفهم فى زعمهم وطاردوا كل من يعارضهم ووشوا بهم ووصفوهم بأبشع الصفات ..
...
ظل الحواريون زمناً يسيراً على إيمانهم ويقينهم .. ثم جحدوا وقست قلوبهم .. وأقروا بزعم اليهود وكذبهم ..
تهوروا فى اعتقادات تذودهم عن جنة النعيم وتسوقهم إلى نار جهنم وسكنى الجحيم ..
كفروا وأشركوا بوحدانية الله .. وقالوا : المسيح بن الله . وقالوا إن الله هو المسيح ابن مريم . وقالوا إن الله ثالث ثلاثة :
الإله الأب هو الله ( وله خصائص الألوهية ) . والإله الإبن هو سيدنا عيسى ( له خصائص البشرية ) .
والروح القدس قد حلّت بالسيدة مريم ( جعلوها تجمع بين خصائص البشرية والألوهية ) ..
ران الجهل على عقولهم وباعوا الدنيا بالآخرة واشترواْ بآيات الله ثمناً قليلا وحرفوا وبدلوا فيما أنزل الله ونقضوا الميثاق مع الله
واتخذوا رهبانهم أرباباً من دون الله .. فضلوا وأضلوا أبناءهم .. وأضلوا كل من جاء من بعدهم ..
*****
مرت فترة من الزمان لم يبعث الله فيها نبى أو رسول " عصر الجاهلية " ..
فى خلاله كانت البشرية " عرباً وعجماً " يعجون بالكفر والشرك والضلال ويزخرون بالبغى والظلم والجور الإضطهاد ..
.
بلغ دين الله أجله المعلوم عند الله وموعده المحتوم فى علم الله وحُقّ نزول كتاب الله على هذه الأرض والحياة ..
بعث الله آخر نبى ورسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ..
بعثه الله إلى قومه خاصة . وإلى الناس عامة .. وأمره أن ينذر الكفار والمشركين واليهود والنصارى والمجوس والصابئين ..
{ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا }..
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ }
{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } .. { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً }
..
وأنزل الله عليه كتابه الكريم وقرآنه الحكيم وقضى بحفظه إلى يوم الدين ليظل بشيراً ونذيراً له ولقومه ولكل من يأتى من بعده من
كافة الشعوب والأقوام ممن خلقهم الله ويخلقهم فى هذه الحياة منذ نزول الرسالة وحتى يوم القيامة ..
{ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ .. لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً }
.............................
************************************************** **************************
سعيد شويل
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir