الصارم الصقيل
2009-11-24, 01:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله و كفى و سلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
فإن حُبَّ يسوع الإنسان أعمى قلوب و عقول النصارى و أُشربوا ابن الإنسان، حتى كان لذلك أثرٌ سيئٌ على تصرفاتهم أقوالا و أفعالا.و من آثار ذلك ما ظهر في موضوع لهم ناقشوا فيه ما يرونه حيفا و ظلما وقع على يسوعهم من خلال حديث الشفاعة الآتي :
أخرج الإمام البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
: أتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة ثم قال ( أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون مم ذلك ؟ يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس لبعض عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟ فيقول آدم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح . فيأتون نوحا فيقولون يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول إن ربي عز و جل قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم . فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات - فذكرهن أبو حيان في الحديث - نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى . فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى . فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبيا اشفع لنا ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله قط ولن يغضب بعده مثله - ولم يذكر ذنبا - نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه و سلم . فيأتون محمدا صلى الله عليه و سلم فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي عز و جل ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي يا رب أمتي يا رب فيقال يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ثم قال والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير أو كما بين مكة وبصرى )
من خلال ما ورد في الحديث قال النصارى إن الرُّسل أولي العزم عليهم السلام لا يستحقون الشفاعة، باستثناء المسيح عيسى عليه السلام، لأنهم أذنبوا .أما المسيح فلم يذكر له ذنبا فوجب أن يكون صاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة.و أقول في الرد عليهم و بالله التوفيق:
بين يدي الرد أحب أن أهْمِس في آذانهم بهذه الكلمة:
ما دمتم أيها النصارى تبحثون عن الحجج و البراهين و تريدون إقامة الحجة علينا .فحاكمونا إلى كتاب ربنا و سُنَّة نبينا .و لا تؤمنوا كمُعَلميكم اليهود ببعض الكتاب و تكفرون ببعض.فأنتم في معرض الرد ما تلبث أن تأخذكم الحمية النصرانية إلى إسقاط ما تعتقدون و تخلطون ذلك باستدلالاتكم الفجة فيكون ذلك كله مزيجا من الطرهات و المضحكات التي تجعلكم مسخرة بيننا نحن المسلمين.و العجيب الغريب أنكم في لحظة من لحظات الانفلات تعقدون مقارنات بين من تعتقدونه رسولا و بين من ترونه إنسانا و شتان بين الإله و الإنسان :و أقصد بذلك ما تعقدون من مقارنات بين ربكم يسوع و بين خير الخلق محمد صلى الله عليه و سلم.
أمر آخر مهم لمسته من خلال مناقشتي للنصارى أو من وراء مطالعتي لبعض مكتوبهم أنهم عاطفيون زيادة و أنهم يريدون إقناع الآخرين بأحد أمرين:
الأمر الأول:
إما دغدغة مشاعر مخاطَبِيهم بأمور لا تمت إلى العقل بصلة كالاستدلالات المضحكة للتثليث بأمور طبيعية ثلاثية كقولهم :
ثلاثة مجالات للحياة في كوكبنا:الأرض الجو البحر.
جوهر الأشياء على ثلاث صور: جماد نبات حيوان
بل إنهم ليستشهدون بقواعد اللغة العربية و قالوا إن الضمائر لا تعدو ثلاثة:المتكلم المخاطب و الغائب.و أمثلة كثيرة ،أقف عند هذا الأخير لحبي للغة العربية.فهل حالفهم الحظ في الاستشهاد به؟
في نظري إنه أسوأُ مثالٍ يمكن أن يستشهدوا به لأنه يدينهم و يحكم عليهم بالهبل و الجنون.هم يقولون إن الأقانيم ثلاثة و المتصف بها واحد.أو بتعبيرهم كما في قانون الإيمان .يقول يوسف رياض :
كلمة أقنوم ليست كلمة عربية تدل على من له تمييز عن سواه بغير انفصال عنه و هكذا أقانيم الثالوث اللاهوت ، فكل أقنوم ،مع أن له تميز عن الأقنومين الآخرين،لكنه غير منفصل عنهما.انتهى كلامه بنصه من كتابه ثلاث حقائق أساسية في الإيمان المسيحي الصفحة43.
على ضوء كلام يوسف رياض نقول إن الأقانيم تجتمع في واحد رغم أنها ثلاثة.فهل المتكلم و المخاطب و الغائب يجتمعان في واحد ؟
أن يكون الشخص الواحد متكلما مخاطبا غائبا في الآن نفسه. اللهم لا. إلا في عقول المجانين و العرجى فكريا.
الأمر الثاني:
الهجوم الحاد الذي لا يستند حتى إلى أدنى دليل ،قوامه سيل جارف من السباب و الشتم .إنه التحكم الفاضح المدعم بالإسقاط الشديد.
و الآن أهدم قولهم و أجعل البنيان الذي بنى هؤلاء يخِـــــــــرُّ على رؤوسهم .و من باب التسهيل للوقوف على الدليل قسمته إلى مقدمة و أدلة و خاتمة مرتبة على النحو الآتي :
مقدمة:
لقد شهد العقل و النقل و التجربة أن محمدا صلى الله عليه و سلم صادق لا ينطق عن الهوى و لم يُـــجَــرَّب عليه الكذب و بشهادة أعدائه:ففي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما،
قال :
: لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } . صعد النبي صلى الله عليه و سلم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال ( أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ) . قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال ( فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) . فقال أبو لهب تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فنزلت { تبت يدا أبي لهب وتب . ما أغنى عنه ماله وما كسب } .
فهذا الذي يشهد عدوه بصدقه و لم يجرب عليه الكذب حري بالناس تصديقه في كل حين.و قد أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بكثير من الأخبار الماضية و المستقبلية و وقعت كما قال .
أخبر عن فتح مكة في السنة السادسة ووقع في السنة الثامنة.
و أخبر عن فتوح الهند و العراق و مصر القسطنطينية و غيرها و تم ذلك كما أخبر صلى الله عليه و سلم.و أخبر عن الأحوال التي سيكون عليها الناس من استحلال الفروج و الخمر و آلات اللهو و القتل و الفساد فكان كما أخبر صلى الله عليه و سلم.
لكن في المقابل لا ندع للنصارى فرصة التملص و النجاة بل لا بد أن نحاكم يسوعهم و نعرضه على المحك.فما هذه الأحداث التي أخبر عنها ووقعت كما أخبر و هل جرب عليه الكذب؟
في كتاب النصارى الذي يقدسون بحسب :
Mt / إنجيل متى إ 10 ع 23
ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى. فإني الحق أقول لكم لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان.. ترجمة : الفانديك
قال بن حزم رحمه الله في كتابه الفصل في الملل و الأهواء و النحل بعد إيراد النص الآنف الذكر:
وكذبُ هذا القول قد ظهر علانية فقد استوعبوا مدائن بني إسرائيل وغيرها ولم يروا ما وعدهم به من رجوعه بالقدرة علانية قبل أن يموت كل من بحضرته يومئذ وحاش لله أن يكذب نبيٌ فكيف إلهٌ ففي هذا الفصل وحده كفاية لو كان ثم عاقل في أن الذين كتبوا هذه الأناجيل كانو كذابين قوم سوء.انتهى بالحرف الواحدقول ابن حزم.
و يقول العلامة الحجة و المناظر المصقع رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي في كتابه الماتع النافع إظهار الحق بعد سوقه للنص المتقدم من كتاب النصارى الذي يقدسون:
وهذا أيضاً غلط، لأنهم أكملوا مدن إسرائيل وماتوا، ومضى على موتهم أزيد من ألف وثمانمائة سنة، وما أتى ابن الإنسان في ملكوته.انتهى كلامه بنصه يرحمه الله.
يقول منقذ بن محمود السقار بعد إيراد جملة من الأقوال في عودة المسيح :
فهذه الأقوال وسواها تدل على أن وقوع القيامة وعودة المسيح قبلها، سيحصل في زمن الجيل الأول، لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، وقد مرت قرون طويلة متطاولة دون تحققه ، فدل ذلك على أن هذه النبوءات من الغلط الذي وقع به الإنجيليون.
ويبدو أن المسيح أبلغ أصحابه بنزوله من السماء قبيل يوم القيامة، وذكر لهم بعضاً من الأمور التي تحدث قبله، وطرأ الغلط والتحريف من قولهم بأن ذلك سيكون في زمن الجيل الأول.
و نقرأ في متى هذا النص:
ـ{ إنجيل متى إ 19} {ع 29 وكل من ترك بيوتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو أولادا أو حقولا من أجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية. }ـ
فهل صدق قول يسوع و هل صدَّق النصارى قوله في الواقع ؟ و ما الذي شهد لقوله أنه صدق؟
ما يهمنا أن يسوع النصارى كذب و ما أخبر به كان ضربا من الكذب .لقد أخطأت نبوته التقدير.و العجيب أنه يتحدث عن موعد الساعة و القيامة .و لم يكن منذ لك شيء.فهل بعدها نقبل من أتباع المتخرص المتخرصين قول؟
أشرع الآن في إيراد الأدلة على أن الشفاعة لمحمد صلى الله عليه و سلم .و أن المسيح عليه السلام معترف بالأمر و لا يخالف أمر ربه بصفته رسولا مأمورا لا يعصي ربه ما أمره و يفعل ما يؤمر .فصلوات الله و سلامه على جميع الأنبياء و المرسلين.
الدليل الأول:
الشفاعة فضل من الله .و الله تعالى يقول :
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ .سورة المائدة الآية:(54)
قال القرطبي رحمه الله في الجامع لأحكام القرآن :
وروي عن علي رضي عنه أن رجلا قال له يا أمير المؤمنين : أيحب ربنا أن يعصى ؟ قال : أفيعصى ربنا قهرا ؟ قال : أرأيت إن منعني الهدى ومنحني الردى أأحسن إلي أم أساء ؟ قال : إن منعك حقك فقد أساء ، وإن منعك فضله فهو يؤتيه من يشاء. ثم تلا الآية : "لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ".
الدليل الثاني:
عيسى عليه السلام لم يعترض .فلماذا تعترضون أنتم.
فالعجب منكم .كيف تطلبون لشخص ما لم يطلب و هو أعلم بنفسه منكم.و هذه المسألة عينها تثار عندما يتعلق الأمر بمناظرة النصارى في ألوهية ربهم.أين قال أنا الله ؟ و أين قال اعبدوني؟وإذا لم يثبت عنه ذلك أخذنا بقوله هو لأنه لم يتجاوز قدره.و ههنا في الحديث لا تقوِّلوا[ تنسبوا إلى المسيح عليه السلام قولا] المسيح ما لم يقل.قال علماء الفقه و الأصول :
لا ينسب إلى ساكت قول لكنه في معرض الحاجة بيان.
المسيح عليه السلام لم يقل شيئا مما قاله سفهاء النصارى و متخرصوهم.و في ذلك الموقف العظيم دل صمته و صمت غيره من الأنبياء فيما يتعلق بما يريد النصارى على بيان و هذا البيان يلمسه كل عاقل قرأ الحديث و نظر في رواياته.و باختصار شديد اشتط هؤلاء عن الحق وزاغوا هداهم الله. و عندما قلت السكوت فأقصد سكوته عن المطالبة أو بالأحرى القول بأحقية الشفاعة .و سيأتي قول أولي العزم من الرسل يضرب دعوى كل أفاك متخرص في مقتل.
الدليل الثالث:
ليس المتحدث عنه يسوع في الحديث .بل عبد الله عيسى عليه السلام و شتان بينهما.لأن الحديث صريح في ذكره باسم عيسى و لو حاكمناكم إلى كتابكم الذي تقدسونه أيها النصارى أظهرنا لكم البون الشاسع بينهما مع إيماننا و اعتقادنا الراسخ بتنزه المسيح عن قول و فعل كل قبيح منسوب إليه .و لما كانت نسبة ذلك من الأمور العقدية اليقينية عند النصارى قلنا لهم إنكم مخطئون لأننا نؤمن برجل رسول نبي لم يثبت ما نسبتم إليه عندنا.فلمَّا لم يثبت ،بان كذبكم و لله الحمد و المنة.قلت هذا مثال واحد له و لغيره من الأنبياء تصور يسوعكم ، من يكون و لماذا جاء :
في كتابكم الذي تقدسون .
قال يسوعكم:
ـ{ إنجيل يوحنا إ 10} {ع 8 جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص ولكن الخراف لم تسمع لهم. }ـ
و قال في موضع آخر:
ـ{ إنجيل متى إ 5} {ع 17 «لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. }ـ
فها أنت ترى أنه لا يعدو أن يكون لصا و سارقا من السراق جاء ليكمل ناموس اللصوص و قطاع الطرق بنص كلامه.
اللهم غفرا.
الدليل الرابع:
قال تعالى:
لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. سورة الأنبياء الآية: (23)
فنحن نؤمن يقينا أن الله يفعل ما يشاء و لا معقب لحكمه، و أن رسوله الكريم لا ينطق عن الهوى.فلما أخبرنا بحالٍ مستقبليٍّ علمنا أنه و حيٌ من الله له.فهل سمي المسلم مسلما إلا لاستسلامه و انقياده.
الدليل الخامس:
عيسى عليه السلام لم يُصَل ِّبهذه الأمة. و إنه اعترف بفضلها .فإذا كان قَدَّم المهدي في الدنيا فكان المسيح عليه السلام مأموما . أفلا يقدم المسيح عليه السلام من هو أفضل منه في الآخرة؟ و فضل النبي صلى الله عليه و سلم يظهر من خلال إشارة المسيح عليه السلام للناس بالذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه ليس أهلا لما جاءوا إليه.
الدليل السادس:
محمد صلى الله عليه و سلم أمَّ الأنبياء و صلَّى بهم في المسجد الأقصى و لم يعترض واحد منهم و ذلك بأمر من الله لما قدمه جبريل عليه السلام.و من المأمومين عيسى عليه السلام.فرسول الله صلى الله عليه و سلم إمام و أمير الأنبياء.
في دلائل النبوة للإمام البيهقي رحمه الله :
ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء عليهم السلام فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة..الحديث..و فيه بعض الغرابة و النكارة كما قال الحافظ ابن كثير .
هذا ما كتبت في الرد السادس ثم عدلت عنه.فبعد رجوعي من التأمل في الطبيعة قبل الشروق صبيحة يوم الأحد الخامس عشر من شوال1430، بان لي أن تلوح مني إطلالة على الموضوع، و لم يكن استشهادي بحديثٍ فيه مقالٌ ليروقني ،فلا أحب أن أدع للنصارى متمسكا يتشبثون به،و لا مغمزا يتذرعون به خاصة و أنني من الذين يشنعون عليهم إقامة الحجة على المسلمين بالأحاديث المنكرة و الشنيعة الموضوعة.فرجعت إلى الحديث مرة أخرى و نظرت فيه و أقصد حديث صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأنبياء فوجدت أن فيه مقالا رغم تحسين الضياء في المختارة إسناده ، و أحببت أن يكون الرد السادس هكذا:
في الحديث الذي ساق الأقباط النصارى بعض رواياته. آثرت أن أنظر في المُخَرَّجة في الصحيح أقيم بها الحجة على كل من يريد أن يسلك إلى الله طريق المحجة.
ورد في الحديث و هو مخرج في الصحيح كما قلت آنفا:
فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبيا اشفع لنا ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله قط ولن يغضب بعده مثله - ولم يذكر ذنبا - نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري.
أقف عند أمرين:
أولهما:
الناس لما جاءوا عيسى عليه السلام،قال :
نفسي نفسي نفسي.
و محمد رسول الله لم يقلها.
قال الحافظ أبو الفضل أحمدبن علي بن حجر العسقلاني في كتابه الحافل فتح الباري:
وقول آدم ومن بعده نفسي نفسي نفسي أي نفسي هي التي تستحق أن يشفع لها لأن المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد به بعض اللوازم ويحتمل أن يكون أحدهما محذوفا وفيه تفضيل محمد صلى الله عليه و سلم على جميع الخلق لان الرسل والأنبياء والملائكة أفضل ممن سواهم وقد ظهر فضله في هذا المقام عليهم قال القرطبي ولو لم يكن في ذلك إلا الفرق بين من يقول نفسي نفسي وبين من يقول أمتي أمتي لكان كافيا.
ثانيهما:
قال عيسى عليه السلام :اذهبوا إلى غيري. و محمد صلى الله عليه و سلم لم يقلها.قال ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لرياض الصالحين:
يأتون إلى عيسى ويذكرون منه منة الله عليه أنه نفخ فيه من روحه وأنه كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه لأنه عيسى خلق بلا أب فلا يذكر ذنبا ولكنه يحيلهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهذا شرف عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان أربعة من الأنبياء يعتذرون بذكر ما فعلوه وواحد لا يعتذر بشيء ولكن يرى أن محمدا صلى الله عليه وسلم أولى منه فيأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقبل ذلك.
الدليل السابع:
في صحيح الترغيب و الترهيب:
عن أنس رضي الله عنه قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني لقائم أنتظر أمتي تعبر إذ جاء عيسى عليه السلام قال فقال هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يسألون أو قال يجتمعون إليك يدعون الله أن يفرق بين جمع الأمم إلى حيث يشاء لعظم ما هم فيه فالخلق ملجمون في العرق فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة وأما الكافر فيتغشاه الموت قال يا عيسى انتظر حتى أرجع إليك
قال وذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم فقام تحت العرش فلقي ما لم يلق ملك مصطفى ولا نبي مرسل فأوحى الله إلى جبريل عليه السلام أن اذهب إلى محمد فقل له ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع
قال فشفعت في أمتي أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانا واحدا
قال فما زلت أتردد على ربي فلا أقوم فيه مقاما إلا شفعت حتى أعطاني الله من ذلك أن قال أدخل من أمتك من خلق الله من شهد أن لا إله إلا الله يوما واحدا مخلصا ومات على ذلك.
رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح
فها أنت ترى أن المسيح عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه و سلم و معه باقي إخوته من الأنبياء يطلب من محمد صلى الله عليه و سلم أن يشفع إلى الله.فعيسى عليه السلام يسأل النبي صلى الله عليه و سلم أن يشفع إلى الله لما هم _ الخلق كلهم بمن فيهم الأنبياء _ من شدة يشكون إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم.وهذا عيسى عليه السلام يأتي رسول الله بنفسه و يقول ما قال .في رواية الإمام أحمد رحمه الله:
إذ جاءني عيسى فقال هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يشتكون أو قال يجتمعون إليك ويدعون الله عز و جل أن يفرق جمع الأمم إلى حيث يشاء الله لغم ما هم فيه.
إن ذلك الموقف ليس له إلا رجل واحد ،و هو محمد بن عبد الله و رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول كما في صحيح مسلم بن الحجاج عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن جده عن أبى بن كعب قال كنت في المسجد فدخل رجل يصلى فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرءا فحسن النبي -صلى الله عليه وسلم- شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال لي « يا أبي أرسل إلي أن اقرإ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي. فرد إلى الثانية اقرأه على حرفين.
فرددت إليه أن هون على أمتي. فرد إلى الثالثة اقرأه على سبعة أحرف فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها. فقلت اللهم اغفر لأمتي. اللهم اغفر لأمتي. وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم حتى إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- ».
فإذا كان أب الأنبياء يرغب إلى رسول الله في ذلك الموقف .فما القول في أبنائه؟
فقوله صلى الله عليه و سلم:
وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم.تدل بما لا يدع مجالا للشك أن منهم المسيح عليه السلام.لأن "كل " من ألفاظ العموم.
يتبع بحول الله مع الدليل الثامن..
الحمد لله و كفى و سلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
فإن حُبَّ يسوع الإنسان أعمى قلوب و عقول النصارى و أُشربوا ابن الإنسان، حتى كان لذلك أثرٌ سيئٌ على تصرفاتهم أقوالا و أفعالا.و من آثار ذلك ما ظهر في موضوع لهم ناقشوا فيه ما يرونه حيفا و ظلما وقع على يسوعهم من خلال حديث الشفاعة الآتي :
أخرج الإمام البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
: أتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة ثم قال ( أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون مم ذلك ؟ يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس لبعض عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟ فيقول آدم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح . فيأتون نوحا فيقولون يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول إن ربي عز و جل قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم . فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات - فذكرهن أبو حيان في الحديث - نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى . فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى . فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبيا اشفع لنا ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله قط ولن يغضب بعده مثله - ولم يذكر ذنبا - نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه و سلم . فيأتون محمدا صلى الله عليه و سلم فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي عز و جل ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي يا رب أمتي يا رب فيقال يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ثم قال والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير أو كما بين مكة وبصرى )
من خلال ما ورد في الحديث قال النصارى إن الرُّسل أولي العزم عليهم السلام لا يستحقون الشفاعة، باستثناء المسيح عيسى عليه السلام، لأنهم أذنبوا .أما المسيح فلم يذكر له ذنبا فوجب أن يكون صاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة.و أقول في الرد عليهم و بالله التوفيق:
بين يدي الرد أحب أن أهْمِس في آذانهم بهذه الكلمة:
ما دمتم أيها النصارى تبحثون عن الحجج و البراهين و تريدون إقامة الحجة علينا .فحاكمونا إلى كتاب ربنا و سُنَّة نبينا .و لا تؤمنوا كمُعَلميكم اليهود ببعض الكتاب و تكفرون ببعض.فأنتم في معرض الرد ما تلبث أن تأخذكم الحمية النصرانية إلى إسقاط ما تعتقدون و تخلطون ذلك باستدلالاتكم الفجة فيكون ذلك كله مزيجا من الطرهات و المضحكات التي تجعلكم مسخرة بيننا نحن المسلمين.و العجيب الغريب أنكم في لحظة من لحظات الانفلات تعقدون مقارنات بين من تعتقدونه رسولا و بين من ترونه إنسانا و شتان بين الإله و الإنسان :و أقصد بذلك ما تعقدون من مقارنات بين ربكم يسوع و بين خير الخلق محمد صلى الله عليه و سلم.
أمر آخر مهم لمسته من خلال مناقشتي للنصارى أو من وراء مطالعتي لبعض مكتوبهم أنهم عاطفيون زيادة و أنهم يريدون إقناع الآخرين بأحد أمرين:
الأمر الأول:
إما دغدغة مشاعر مخاطَبِيهم بأمور لا تمت إلى العقل بصلة كالاستدلالات المضحكة للتثليث بأمور طبيعية ثلاثية كقولهم :
ثلاثة مجالات للحياة في كوكبنا:الأرض الجو البحر.
جوهر الأشياء على ثلاث صور: جماد نبات حيوان
بل إنهم ليستشهدون بقواعد اللغة العربية و قالوا إن الضمائر لا تعدو ثلاثة:المتكلم المخاطب و الغائب.و أمثلة كثيرة ،أقف عند هذا الأخير لحبي للغة العربية.فهل حالفهم الحظ في الاستشهاد به؟
في نظري إنه أسوأُ مثالٍ يمكن أن يستشهدوا به لأنه يدينهم و يحكم عليهم بالهبل و الجنون.هم يقولون إن الأقانيم ثلاثة و المتصف بها واحد.أو بتعبيرهم كما في قانون الإيمان .يقول يوسف رياض :
كلمة أقنوم ليست كلمة عربية تدل على من له تمييز عن سواه بغير انفصال عنه و هكذا أقانيم الثالوث اللاهوت ، فكل أقنوم ،مع أن له تميز عن الأقنومين الآخرين،لكنه غير منفصل عنهما.انتهى كلامه بنصه من كتابه ثلاث حقائق أساسية في الإيمان المسيحي الصفحة43.
على ضوء كلام يوسف رياض نقول إن الأقانيم تجتمع في واحد رغم أنها ثلاثة.فهل المتكلم و المخاطب و الغائب يجتمعان في واحد ؟
أن يكون الشخص الواحد متكلما مخاطبا غائبا في الآن نفسه. اللهم لا. إلا في عقول المجانين و العرجى فكريا.
الأمر الثاني:
الهجوم الحاد الذي لا يستند حتى إلى أدنى دليل ،قوامه سيل جارف من السباب و الشتم .إنه التحكم الفاضح المدعم بالإسقاط الشديد.
و الآن أهدم قولهم و أجعل البنيان الذي بنى هؤلاء يخِـــــــــرُّ على رؤوسهم .و من باب التسهيل للوقوف على الدليل قسمته إلى مقدمة و أدلة و خاتمة مرتبة على النحو الآتي :
مقدمة:
لقد شهد العقل و النقل و التجربة أن محمدا صلى الله عليه و سلم صادق لا ينطق عن الهوى و لم يُـــجَــرَّب عليه الكذب و بشهادة أعدائه:ففي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما،
قال :
: لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } . صعد النبي صلى الله عليه و سلم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال ( أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ) . قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال ( فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) . فقال أبو لهب تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فنزلت { تبت يدا أبي لهب وتب . ما أغنى عنه ماله وما كسب } .
فهذا الذي يشهد عدوه بصدقه و لم يجرب عليه الكذب حري بالناس تصديقه في كل حين.و قد أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بكثير من الأخبار الماضية و المستقبلية و وقعت كما قال .
أخبر عن فتح مكة في السنة السادسة ووقع في السنة الثامنة.
و أخبر عن فتوح الهند و العراق و مصر القسطنطينية و غيرها و تم ذلك كما أخبر صلى الله عليه و سلم.و أخبر عن الأحوال التي سيكون عليها الناس من استحلال الفروج و الخمر و آلات اللهو و القتل و الفساد فكان كما أخبر صلى الله عليه و سلم.
لكن في المقابل لا ندع للنصارى فرصة التملص و النجاة بل لا بد أن نحاكم يسوعهم و نعرضه على المحك.فما هذه الأحداث التي أخبر عنها ووقعت كما أخبر و هل جرب عليه الكذب؟
في كتاب النصارى الذي يقدسون بحسب :
Mt / إنجيل متى إ 10 ع 23
ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى. فإني الحق أقول لكم لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان.. ترجمة : الفانديك
قال بن حزم رحمه الله في كتابه الفصل في الملل و الأهواء و النحل بعد إيراد النص الآنف الذكر:
وكذبُ هذا القول قد ظهر علانية فقد استوعبوا مدائن بني إسرائيل وغيرها ولم يروا ما وعدهم به من رجوعه بالقدرة علانية قبل أن يموت كل من بحضرته يومئذ وحاش لله أن يكذب نبيٌ فكيف إلهٌ ففي هذا الفصل وحده كفاية لو كان ثم عاقل في أن الذين كتبوا هذه الأناجيل كانو كذابين قوم سوء.انتهى بالحرف الواحدقول ابن حزم.
و يقول العلامة الحجة و المناظر المصقع رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي في كتابه الماتع النافع إظهار الحق بعد سوقه للنص المتقدم من كتاب النصارى الذي يقدسون:
وهذا أيضاً غلط، لأنهم أكملوا مدن إسرائيل وماتوا، ومضى على موتهم أزيد من ألف وثمانمائة سنة، وما أتى ابن الإنسان في ملكوته.انتهى كلامه بنصه يرحمه الله.
يقول منقذ بن محمود السقار بعد إيراد جملة من الأقوال في عودة المسيح :
فهذه الأقوال وسواها تدل على أن وقوع القيامة وعودة المسيح قبلها، سيحصل في زمن الجيل الأول، لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، وقد مرت قرون طويلة متطاولة دون تحققه ، فدل ذلك على أن هذه النبوءات من الغلط الذي وقع به الإنجيليون.
ويبدو أن المسيح أبلغ أصحابه بنزوله من السماء قبيل يوم القيامة، وذكر لهم بعضاً من الأمور التي تحدث قبله، وطرأ الغلط والتحريف من قولهم بأن ذلك سيكون في زمن الجيل الأول.
و نقرأ في متى هذا النص:
ـ{ إنجيل متى إ 19} {ع 29 وكل من ترك بيوتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو أولادا أو حقولا من أجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية. }ـ
فهل صدق قول يسوع و هل صدَّق النصارى قوله في الواقع ؟ و ما الذي شهد لقوله أنه صدق؟
ما يهمنا أن يسوع النصارى كذب و ما أخبر به كان ضربا من الكذب .لقد أخطأت نبوته التقدير.و العجيب أنه يتحدث عن موعد الساعة و القيامة .و لم يكن منذ لك شيء.فهل بعدها نقبل من أتباع المتخرص المتخرصين قول؟
أشرع الآن في إيراد الأدلة على أن الشفاعة لمحمد صلى الله عليه و سلم .و أن المسيح عليه السلام معترف بالأمر و لا يخالف أمر ربه بصفته رسولا مأمورا لا يعصي ربه ما أمره و يفعل ما يؤمر .فصلوات الله و سلامه على جميع الأنبياء و المرسلين.
الدليل الأول:
الشفاعة فضل من الله .و الله تعالى يقول :
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ .سورة المائدة الآية:(54)
قال القرطبي رحمه الله في الجامع لأحكام القرآن :
وروي عن علي رضي عنه أن رجلا قال له يا أمير المؤمنين : أيحب ربنا أن يعصى ؟ قال : أفيعصى ربنا قهرا ؟ قال : أرأيت إن منعني الهدى ومنحني الردى أأحسن إلي أم أساء ؟ قال : إن منعك حقك فقد أساء ، وإن منعك فضله فهو يؤتيه من يشاء. ثم تلا الآية : "لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ".
الدليل الثاني:
عيسى عليه السلام لم يعترض .فلماذا تعترضون أنتم.
فالعجب منكم .كيف تطلبون لشخص ما لم يطلب و هو أعلم بنفسه منكم.و هذه المسألة عينها تثار عندما يتعلق الأمر بمناظرة النصارى في ألوهية ربهم.أين قال أنا الله ؟ و أين قال اعبدوني؟وإذا لم يثبت عنه ذلك أخذنا بقوله هو لأنه لم يتجاوز قدره.و ههنا في الحديث لا تقوِّلوا[ تنسبوا إلى المسيح عليه السلام قولا] المسيح ما لم يقل.قال علماء الفقه و الأصول :
لا ينسب إلى ساكت قول لكنه في معرض الحاجة بيان.
المسيح عليه السلام لم يقل شيئا مما قاله سفهاء النصارى و متخرصوهم.و في ذلك الموقف العظيم دل صمته و صمت غيره من الأنبياء فيما يتعلق بما يريد النصارى على بيان و هذا البيان يلمسه كل عاقل قرأ الحديث و نظر في رواياته.و باختصار شديد اشتط هؤلاء عن الحق وزاغوا هداهم الله. و عندما قلت السكوت فأقصد سكوته عن المطالبة أو بالأحرى القول بأحقية الشفاعة .و سيأتي قول أولي العزم من الرسل يضرب دعوى كل أفاك متخرص في مقتل.
الدليل الثالث:
ليس المتحدث عنه يسوع في الحديث .بل عبد الله عيسى عليه السلام و شتان بينهما.لأن الحديث صريح في ذكره باسم عيسى و لو حاكمناكم إلى كتابكم الذي تقدسونه أيها النصارى أظهرنا لكم البون الشاسع بينهما مع إيماننا و اعتقادنا الراسخ بتنزه المسيح عن قول و فعل كل قبيح منسوب إليه .و لما كانت نسبة ذلك من الأمور العقدية اليقينية عند النصارى قلنا لهم إنكم مخطئون لأننا نؤمن برجل رسول نبي لم يثبت ما نسبتم إليه عندنا.فلمَّا لم يثبت ،بان كذبكم و لله الحمد و المنة.قلت هذا مثال واحد له و لغيره من الأنبياء تصور يسوعكم ، من يكون و لماذا جاء :
في كتابكم الذي تقدسون .
قال يسوعكم:
ـ{ إنجيل يوحنا إ 10} {ع 8 جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص ولكن الخراف لم تسمع لهم. }ـ
و قال في موضع آخر:
ـ{ إنجيل متى إ 5} {ع 17 «لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. }ـ
فها أنت ترى أنه لا يعدو أن يكون لصا و سارقا من السراق جاء ليكمل ناموس اللصوص و قطاع الطرق بنص كلامه.
اللهم غفرا.
الدليل الرابع:
قال تعالى:
لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. سورة الأنبياء الآية: (23)
فنحن نؤمن يقينا أن الله يفعل ما يشاء و لا معقب لحكمه، و أن رسوله الكريم لا ينطق عن الهوى.فلما أخبرنا بحالٍ مستقبليٍّ علمنا أنه و حيٌ من الله له.فهل سمي المسلم مسلما إلا لاستسلامه و انقياده.
الدليل الخامس:
عيسى عليه السلام لم يُصَل ِّبهذه الأمة. و إنه اعترف بفضلها .فإذا كان قَدَّم المهدي في الدنيا فكان المسيح عليه السلام مأموما . أفلا يقدم المسيح عليه السلام من هو أفضل منه في الآخرة؟ و فضل النبي صلى الله عليه و سلم يظهر من خلال إشارة المسيح عليه السلام للناس بالذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه ليس أهلا لما جاءوا إليه.
الدليل السادس:
محمد صلى الله عليه و سلم أمَّ الأنبياء و صلَّى بهم في المسجد الأقصى و لم يعترض واحد منهم و ذلك بأمر من الله لما قدمه جبريل عليه السلام.و من المأمومين عيسى عليه السلام.فرسول الله صلى الله عليه و سلم إمام و أمير الأنبياء.
في دلائل النبوة للإمام البيهقي رحمه الله :
ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء عليهم السلام فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة..الحديث..و فيه بعض الغرابة و النكارة كما قال الحافظ ابن كثير .
هذا ما كتبت في الرد السادس ثم عدلت عنه.فبعد رجوعي من التأمل في الطبيعة قبل الشروق صبيحة يوم الأحد الخامس عشر من شوال1430، بان لي أن تلوح مني إطلالة على الموضوع، و لم يكن استشهادي بحديثٍ فيه مقالٌ ليروقني ،فلا أحب أن أدع للنصارى متمسكا يتشبثون به،و لا مغمزا يتذرعون به خاصة و أنني من الذين يشنعون عليهم إقامة الحجة على المسلمين بالأحاديث المنكرة و الشنيعة الموضوعة.فرجعت إلى الحديث مرة أخرى و نظرت فيه و أقصد حديث صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأنبياء فوجدت أن فيه مقالا رغم تحسين الضياء في المختارة إسناده ، و أحببت أن يكون الرد السادس هكذا:
في الحديث الذي ساق الأقباط النصارى بعض رواياته. آثرت أن أنظر في المُخَرَّجة في الصحيح أقيم بها الحجة على كل من يريد أن يسلك إلى الله طريق المحجة.
ورد في الحديث و هو مخرج في الصحيح كما قلت آنفا:
فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبيا اشفع لنا ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله قط ولن يغضب بعده مثله - ولم يذكر ذنبا - نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري.
أقف عند أمرين:
أولهما:
الناس لما جاءوا عيسى عليه السلام،قال :
نفسي نفسي نفسي.
و محمد رسول الله لم يقلها.
قال الحافظ أبو الفضل أحمدبن علي بن حجر العسقلاني في كتابه الحافل فتح الباري:
وقول آدم ومن بعده نفسي نفسي نفسي أي نفسي هي التي تستحق أن يشفع لها لأن المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد به بعض اللوازم ويحتمل أن يكون أحدهما محذوفا وفيه تفضيل محمد صلى الله عليه و سلم على جميع الخلق لان الرسل والأنبياء والملائكة أفضل ممن سواهم وقد ظهر فضله في هذا المقام عليهم قال القرطبي ولو لم يكن في ذلك إلا الفرق بين من يقول نفسي نفسي وبين من يقول أمتي أمتي لكان كافيا.
ثانيهما:
قال عيسى عليه السلام :اذهبوا إلى غيري. و محمد صلى الله عليه و سلم لم يقلها.قال ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لرياض الصالحين:
يأتون إلى عيسى ويذكرون منه منة الله عليه أنه نفخ فيه من روحه وأنه كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه لأنه عيسى خلق بلا أب فلا يذكر ذنبا ولكنه يحيلهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهذا شرف عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان أربعة من الأنبياء يعتذرون بذكر ما فعلوه وواحد لا يعتذر بشيء ولكن يرى أن محمدا صلى الله عليه وسلم أولى منه فيأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقبل ذلك.
الدليل السابع:
في صحيح الترغيب و الترهيب:
عن أنس رضي الله عنه قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني لقائم أنتظر أمتي تعبر إذ جاء عيسى عليه السلام قال فقال هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يسألون أو قال يجتمعون إليك يدعون الله أن يفرق بين جمع الأمم إلى حيث يشاء لعظم ما هم فيه فالخلق ملجمون في العرق فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة وأما الكافر فيتغشاه الموت قال يا عيسى انتظر حتى أرجع إليك
قال وذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم فقام تحت العرش فلقي ما لم يلق ملك مصطفى ولا نبي مرسل فأوحى الله إلى جبريل عليه السلام أن اذهب إلى محمد فقل له ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع
قال فشفعت في أمتي أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانا واحدا
قال فما زلت أتردد على ربي فلا أقوم فيه مقاما إلا شفعت حتى أعطاني الله من ذلك أن قال أدخل من أمتك من خلق الله من شهد أن لا إله إلا الله يوما واحدا مخلصا ومات على ذلك.
رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح
فها أنت ترى أن المسيح عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه و سلم و معه باقي إخوته من الأنبياء يطلب من محمد صلى الله عليه و سلم أن يشفع إلى الله.فعيسى عليه السلام يسأل النبي صلى الله عليه و سلم أن يشفع إلى الله لما هم _ الخلق كلهم بمن فيهم الأنبياء _ من شدة يشكون إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم.وهذا عيسى عليه السلام يأتي رسول الله بنفسه و يقول ما قال .في رواية الإمام أحمد رحمه الله:
إذ جاءني عيسى فقال هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يشتكون أو قال يجتمعون إليك ويدعون الله عز و جل أن يفرق جمع الأمم إلى حيث يشاء الله لغم ما هم فيه.
إن ذلك الموقف ليس له إلا رجل واحد ،و هو محمد بن عبد الله و رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول كما في صحيح مسلم بن الحجاج عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن جده عن أبى بن كعب قال كنت في المسجد فدخل رجل يصلى فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرءا فحسن النبي -صلى الله عليه وسلم- شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال لي « يا أبي أرسل إلي أن اقرإ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي. فرد إلى الثانية اقرأه على حرفين.
فرددت إليه أن هون على أمتي. فرد إلى الثالثة اقرأه على سبعة أحرف فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها. فقلت اللهم اغفر لأمتي. اللهم اغفر لأمتي. وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم حتى إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- ».
فإذا كان أب الأنبياء يرغب إلى رسول الله في ذلك الموقف .فما القول في أبنائه؟
فقوله صلى الله عليه و سلم:
وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم.تدل بما لا يدع مجالا للشك أن منهم المسيح عليه السلام.لأن "كل " من ألفاظ العموم.
يتبع بحول الله مع الدليل الثامن..