عزتي بديني
2009-12-14, 06:32 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
المَفْهُوم التَّطْبِيقِيّ لِكَلِمَةِ التَّوْحِيد
الشيخ د. ماهر ياسين الفحل -رحمه الله تعالى-
إن أصل الرسالة المحمدية هي كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهي كما يقول ابن القيم:«لأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكافرين، والأبرار والفجار، وأسست الملة، ولأجلها جردت السيوف للجهاد، وهي حق الله على جميع العباد».
هذه الكلمة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - علماً، والتصديق به عقداً، والإقرار به نطقاً، والانقياد له محبةً وخضوعاً، والعمل به باطناً وظاهراً، وكماله في الحب في الله، والبغض في الله، والعطاء لله، والمنع لله. والطريق إليه تجريد متابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً وباطناً. فإن الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، وتحقيقهما في واقعنا هو المقياس السديد تجاه الناس بشتى أنواعهم، والحب في الله والبغض في الله هما الحصن لعقائد المسلمين وأخلاقهم أمام تيارات التذويب والمسخ كزَمالة الأديان، والنظام العالمي الجديد، والعولمة.
والحـب والبغـض فـي الله مـتفرعان عـن حـب الله، وهـذا ما نسميه مختصراً بـ: (الولاء والبراء). فالولاء والبراء من مفاهيم (لا إله إلا الله) ومقتضاها، وهما التطبيق الواقعي لهذه العقيدة، وهما مفهوم عظيم في حس المسلم بمقدار وعظمة هذه العقيدة.
فأصل الموالاة: الحب، وأصل المعاداة: البغض،
وينشأ عنهما من أعمال القلب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعـاداة: كالنصرة والأنس والمعاونة، وكالجهاد والهجرة ونحـو ذلك من الأعـمال، ولن تتحقق كلمة التوحيد في الأرض إلّا بتحقق الولاء لمن يستحق الولاء، والبراء ممن يستحق البراء.
قال - تعالى -:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِـمُونَ}[التوبة: 23]،
وقال - تعالى -:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِم بِالْـمَوَدَّةِ}[الممتحنة: 1]،
وقال - تعالى -:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ}[المائدة: 51]،
وقال - تعالى -:{تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}[المائدة: 80 - 81]،
فالإنسان لا يستقيم إسلامه ولو وحّد الله وتَرَكَ الشرك إلاّ بعداوة المشركين، كما قال - تعالى -:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المجادلة: 22]،
هذه الكلمة العظيمة بكل مفاهيمها ومقتضياتها قد غابت عن حس الناس اليوم إلا من رحم الله، وحسِبَ بعض الناس جهلاً أو قصداً أن هذا المفهوم العقدي الكبير يندرج ضمن القضايا الجزئية أو الثانوية، ولكن حقيقة الأمر بعكس ذلك. وفي وقتنا الراهن نجد أن لهذا المفهوم الجليل من مفاهيم (لا إله إلا الله) مناسبةً خاصةً يفرض علينا واجب الوقت الحتمي مضاعفة المجهود في ترسيخه لدى المسلمين، وتبيينه أشد البيان وأوضحه، فأمتنا الإسلامية تمر بأشد أوقاتها عسراً واستضعافاً، وقد تكالبت عليها الأمم الكافرة من كل حدب وصوب بمالم يسبق له نظير في سالف تاريخها، واجتالت بقضّها وقضيضها، وحدّها وحديدها الأخضر واليابس، ووطئـت المدن والقرى والبوادي، واختلط أعداء الله بالمدنيين وغيـرهم، ونشـأ عـن ذلك مصالح وتعاملات، وبدأت تبرز دعـوات مشبـوهة كثـيرة تـنادي بالإخاء، والمساواة، والاتحاد بـين الأمم على اختلاف مشاربها وعقائدها وأهدافها، مع احتفـاظ كـل ذي دين بديـنه، شـريطـة أن يكون ديناً (كهنوتياً) لا صلة له بالحياة، وللأسف الشديد انساق كثير من المسلمين وراء هذه الدعوات، وغـاب عـنهم المفـهوم العقدي للولاء والبراء، وربما تعـاون بعضهم مع المحتل، وسيّروا له أموره تحت شعارات «إننا نتعامل...لا نتعاون»،
وهذه الدعوات تشبه دعوى المنافقين المذكورين في قوله - تعالى -:{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ}[المائدة: 52]،
وقد انكشف للقاصي والداني زيف هذه الشعارات وعـوارها؛ فـهم بين مخدوع وضال نسي أو تناسى أن الأصل هو الاتباع لا الابتـداع، وأنّ الفـلاح والصـلاح والرشاد إنما بسلوك خُطى مـن سلف، فضـلاً عـن أنـه ديـن وعقيدة وتشـريع.
ممـا تقــدم عُـلِمَ ضرورة هـذا المفـهـوم مـن مفاهيم (لا إله إلا الله)، فالإنسان لا يستقيم إسلامه ولو وحّد الله وتَرَكَ الشرك إلا بعداوة المشركين، و (لا إله إلا الله) معناها: لا معبود بحق إلا الله، وبذلك تنفي الألوهية عمّا سوى الله وتثبتها لله وحده، وليس للقلب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله، والتقرب إليه بما يحبه، ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذه حقيقة (لا إله إلا الله)، فـ (لا إله إلا الله) ولاء وبراء ونفي وإثبات، ولاء لله ولدينه وكتابه وسنة نبيه وعباده الصالحين، وبراء من كل طاغوت عُبِدَ من دون الله،
قال - تعالى -:{لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[البقرة: 256]،
ولما كان أصل الموالاة: الحب، وأصل المعاداة: البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة: كالنصرة والأنس والمعاونة، وكالجهاد والهجرة ونحو ذلك؛ فإن الولاء والبراء من لوازم (لا إله إلا الله). وأدلة ذلك كثيرة من الكتاب والسنة،
قال - تعالى -:{لا يَتَّخِذِ الْـمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْـمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإلَى اللَّهِ الْـمَصِيرُ}[آل عمران: 28].
وقد روى الإمـام أحـمـد في مسنده من حديث جرير بن عبد الله البجلي: أن رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - بايـعه على أن:[ تنصح لكل مسلم، وتبرأ من الكـافر ]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:[ أوثـق عـرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:[ من أحب في الله، وأبغـض فـي الله، وأعـطـى لله، ومنـع لله، فـقـد استكمل الإيمان ]، وقـال رسـول الله - صلى الله عليه وسلم -:[ لا تصـاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي ]، مما تقدم عُرِفَ أن الولاء والبراء عقيدة وأصل من أصول الدين، وأنه لا نصرة ولا موالاة مع الكفار البتة، وأنهما ليسا بالأمر الجزئي كما يصورهما بعضهم ويتهاون فيهما بأعذار شتى، فبعضهم حصل له تلبيس وقلب للمفاهيم، فتجد بعض الناس إذا تحدثت عن الحب في الله والبغض في الله، قال: هذا يؤدي إلى نفرة الناس، ويؤدي إلى كراهية الناس لدين الله - عز وجل -. وهذا الفهم مصيبة،
يتبع بعون الرحمن
المَفْهُوم التَّطْبِيقِيّ لِكَلِمَةِ التَّوْحِيد
الشيخ د. ماهر ياسين الفحل -رحمه الله تعالى-
إن أصل الرسالة المحمدية هي كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهي كما يقول ابن القيم:«لأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكافرين، والأبرار والفجار، وأسست الملة، ولأجلها جردت السيوف للجهاد، وهي حق الله على جميع العباد».
هذه الكلمة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - علماً، والتصديق به عقداً، والإقرار به نطقاً، والانقياد له محبةً وخضوعاً، والعمل به باطناً وظاهراً، وكماله في الحب في الله، والبغض في الله، والعطاء لله، والمنع لله. والطريق إليه تجريد متابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً وباطناً. فإن الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، وتحقيقهما في واقعنا هو المقياس السديد تجاه الناس بشتى أنواعهم، والحب في الله والبغض في الله هما الحصن لعقائد المسلمين وأخلاقهم أمام تيارات التذويب والمسخ كزَمالة الأديان، والنظام العالمي الجديد، والعولمة.
والحـب والبغـض فـي الله مـتفرعان عـن حـب الله، وهـذا ما نسميه مختصراً بـ: (الولاء والبراء). فالولاء والبراء من مفاهيم (لا إله إلا الله) ومقتضاها، وهما التطبيق الواقعي لهذه العقيدة، وهما مفهوم عظيم في حس المسلم بمقدار وعظمة هذه العقيدة.
فأصل الموالاة: الحب، وأصل المعاداة: البغض،
وينشأ عنهما من أعمال القلب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعـاداة: كالنصرة والأنس والمعاونة، وكالجهاد والهجرة ونحـو ذلك من الأعـمال، ولن تتحقق كلمة التوحيد في الأرض إلّا بتحقق الولاء لمن يستحق الولاء، والبراء ممن يستحق البراء.
قال - تعالى -:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِـمُونَ}[التوبة: 23]،
وقال - تعالى -:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِم بِالْـمَوَدَّةِ}[الممتحنة: 1]،
وقال - تعالى -:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ}[المائدة: 51]،
وقال - تعالى -:{تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}[المائدة: 80 - 81]،
فالإنسان لا يستقيم إسلامه ولو وحّد الله وتَرَكَ الشرك إلاّ بعداوة المشركين، كما قال - تعالى -:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المجادلة: 22]،
هذه الكلمة العظيمة بكل مفاهيمها ومقتضياتها قد غابت عن حس الناس اليوم إلا من رحم الله، وحسِبَ بعض الناس جهلاً أو قصداً أن هذا المفهوم العقدي الكبير يندرج ضمن القضايا الجزئية أو الثانوية، ولكن حقيقة الأمر بعكس ذلك. وفي وقتنا الراهن نجد أن لهذا المفهوم الجليل من مفاهيم (لا إله إلا الله) مناسبةً خاصةً يفرض علينا واجب الوقت الحتمي مضاعفة المجهود في ترسيخه لدى المسلمين، وتبيينه أشد البيان وأوضحه، فأمتنا الإسلامية تمر بأشد أوقاتها عسراً واستضعافاً، وقد تكالبت عليها الأمم الكافرة من كل حدب وصوب بمالم يسبق له نظير في سالف تاريخها، واجتالت بقضّها وقضيضها، وحدّها وحديدها الأخضر واليابس، ووطئـت المدن والقرى والبوادي، واختلط أعداء الله بالمدنيين وغيـرهم، ونشـأ عـن ذلك مصالح وتعاملات، وبدأت تبرز دعـوات مشبـوهة كثـيرة تـنادي بالإخاء، والمساواة، والاتحاد بـين الأمم على اختلاف مشاربها وعقائدها وأهدافها، مع احتفـاظ كـل ذي دين بديـنه، شـريطـة أن يكون ديناً (كهنوتياً) لا صلة له بالحياة، وللأسف الشديد انساق كثير من المسلمين وراء هذه الدعوات، وغـاب عـنهم المفـهوم العقدي للولاء والبراء، وربما تعـاون بعضهم مع المحتل، وسيّروا له أموره تحت شعارات «إننا نتعامل...لا نتعاون»،
وهذه الدعوات تشبه دعوى المنافقين المذكورين في قوله - تعالى -:{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ}[المائدة: 52]،
وقد انكشف للقاصي والداني زيف هذه الشعارات وعـوارها؛ فـهم بين مخدوع وضال نسي أو تناسى أن الأصل هو الاتباع لا الابتـداع، وأنّ الفـلاح والصـلاح والرشاد إنما بسلوك خُطى مـن سلف، فضـلاً عـن أنـه ديـن وعقيدة وتشـريع.
ممـا تقــدم عُـلِمَ ضرورة هـذا المفـهـوم مـن مفاهيم (لا إله إلا الله)، فالإنسان لا يستقيم إسلامه ولو وحّد الله وتَرَكَ الشرك إلا بعداوة المشركين، و (لا إله إلا الله) معناها: لا معبود بحق إلا الله، وبذلك تنفي الألوهية عمّا سوى الله وتثبتها لله وحده، وليس للقلب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله، والتقرب إليه بما يحبه، ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذه حقيقة (لا إله إلا الله)، فـ (لا إله إلا الله) ولاء وبراء ونفي وإثبات، ولاء لله ولدينه وكتابه وسنة نبيه وعباده الصالحين، وبراء من كل طاغوت عُبِدَ من دون الله،
قال - تعالى -:{لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[البقرة: 256]،
ولما كان أصل الموالاة: الحب، وأصل المعاداة: البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة: كالنصرة والأنس والمعاونة، وكالجهاد والهجرة ونحو ذلك؛ فإن الولاء والبراء من لوازم (لا إله إلا الله). وأدلة ذلك كثيرة من الكتاب والسنة،
قال - تعالى -:{لا يَتَّخِذِ الْـمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْـمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإلَى اللَّهِ الْـمَصِيرُ}[آل عمران: 28].
وقد روى الإمـام أحـمـد في مسنده من حديث جرير بن عبد الله البجلي: أن رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - بايـعه على أن:[ تنصح لكل مسلم، وتبرأ من الكـافر ]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:[ أوثـق عـرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:[ من أحب في الله، وأبغـض فـي الله، وأعـطـى لله، ومنـع لله، فـقـد استكمل الإيمان ]، وقـال رسـول الله - صلى الله عليه وسلم -:[ لا تصـاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي ]، مما تقدم عُرِفَ أن الولاء والبراء عقيدة وأصل من أصول الدين، وأنه لا نصرة ولا موالاة مع الكفار البتة، وأنهما ليسا بالأمر الجزئي كما يصورهما بعضهم ويتهاون فيهما بأعذار شتى، فبعضهم حصل له تلبيس وقلب للمفاهيم، فتجد بعض الناس إذا تحدثت عن الحب في الله والبغض في الله، قال: هذا يؤدي إلى نفرة الناس، ويؤدي إلى كراهية الناس لدين الله - عز وجل -. وهذا الفهم مصيبة،
يتبع بعون الرحمن