مشاهدة النسخة كاملة : دورة تكوينية في علوم البلاغة
الليث الأغلب
2009-12-31, 06:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على المصطفى، وعلى آله وصحبه الخلصاء.
أما بعد:
يسرني كثيرا أن أجري دورة تكوينية في علوم البلاغة في منتداكم القيم.
فترقبوا موضوعات الدورة،وأهدافها، وجدولتها الزمنية، وشروط المشاركة فيها، عما قريب إن أمد الله في أعمارنا.
وتقبلوا فائق احترامي وتقديري لجهودكم المباركة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الليث الأغلب
2010-01-10, 10:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
برنامج الدورة التكوينية في علوم البلاغة
الأهداف:
· صقل ملكاتنا اللغوية.
· التعرف على أساليب العرب في التعبير، ومعرفة معهودهم في مخاطباتهم.
· فهم وتذوق النص العربي الفصيح، ولاسيما القرآن الكريم.
· استثمار الأساليب البلاغية في خطاباتنا المعاصرة.
شروط المشاركة:
· الالتزام بالضوابط الأخلاقية.
· متابعة حلقات الدورة
· الحرص على الإفادة والاستفادة
الموضوعات وجدولتها الزمنية:
المحور الأول: الفصاحة والبلاغة: 12/01/2010
المحور الثاني: الخبر والإنشاء:1- الخبر: 26/01/2010
2- الإنشاء: 09/02/2010
المحور الثالث: التشبيه: 23/02/2010
المحور الرابع: الحقيقة والمجاز 09/03/2010
المحور الخامس: الكناية 23/03/2010
المحور السادس: محسنات بديعية 06/04/2010
هذه بعض علوم البلاغة، وإلا فعلوم البلاغة بحر عميق غوره، بعيد قعره، وما مثلي بقادر على الغوص على ذرره، واستخراج كنوزه التي حفلت بها كتب العربية قديمها وحديثها. وقد توخيت من وراء ذلك التعريف بجملة من هذه العلوم التي هي جزء من علم العربية الخادم لعلوم الدين التي هي أشرف العلوم، وأعلاها منزلة، لشرف موضوعها، وجلالة قدره.
وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.
الليث الأغلب
ذو الفقار
2010-01-12, 03:12 PM
الحمد لله الذي من علينا بك أخي الكريم ، ونشكرك جداً على تلبية الدعوة
تم تثبيت الموضوع أخي الحبيب
متابع بعون الله
الليث الأغلب
2010-01-12, 03:31 PM
دورة تكوينية في علوم البلاغة
مقدمة:
يقسم البلاغيون علوم البلاغة إلى ثلاثة أصناف: علم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع.
· علم المعاني: وهو العلم الذي " تعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق اقتضاء الحال"[1] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftn1) " بحيث يكون وفق الغرض الذي سيق له". "وموضوعه: اللفظ العربي من حيث إفادته المعاني الثواني التي هي الأغراض المقصودة للمتكلم"[2] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftn2). وذلك أن للألفاظ العربية معان أول، وهي ما يفهم من اللفظ بعد التركيب، ومعان ثوان، وهي الأغراض التي يساق لها الكلام، ألا ترى أن قولك: زيد قائم، يختلف عن قولك: إن زيدا قائم، وعن قولك: إن زيدا لقائم. فالمعنى الأول هو القيام في كل، لكن المتكلم قصد في المثال الأول مجرد الإخبار بالقيام، في حين قصد بالثاني نفي الشك والتردد، وفي الثالث نفي الإنكار والجحود، فهذه هي المعاني الثواني.
· علم البيان: وهو العلم الذي تعرف به كيفيات أداء المعنى الواحد، بطرق يغاير بعضها بعضا. ألا تراك تعبر عن سخاء السخي تارة بالحقيقة، فتقول: فلان سخي، وتارة بالتشبيه فتقول: فلان كالبحر جودا، وتارة بالاستعارة، كقول أبي الطيب المتنبي:
تعرض لي السحاب، وقد قفلنا *** فقلت: إليك! إن معي السحابا
· علم البديع: وهو العلم الذي تعرف به "المزايا التي تزيد الكلام حسنا وطلاوة، وتكسوه بهاء ورونقا، بعد مطابقته لمقتضى الحال".[3] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftn3)
هذه توطئة أردنا من خلالها التعريف بعلم البلاغة، وإليكم الآن المحور الأول من هذه الدورة:
المحور الأول:
في معنى البلاغة والفصاحة:
ü الفصاحة:
· الفصاحة لغة:
جاء في معجم مقاييس اللغة:
«فصح: الفاء والصاد والحاء أصل يدل على خلوص في شيء ونقاء من الشَّوْب. من ذلك: اللسان الفصيح: الطليق، والكلام الفصيح: العربي، والأصل: أفصح اللبن: سكنت رغوته. وأفصح الرجل: تكلم بالعربية، وفصُح: جادت لغته حتى لا يلحنُ؛ في كتاب ابن دريد:" أفصح العربي إفصاحا، وفصح العجمي فصاحة، إذا تكلم بالعربية"، وأراه غلطا، والقول هو الأول. وحكى: فَصُح اللبن فهو فصيح، إذا أخذت عنه الرغوة... ويقولون: أفصح الصبح، إذا بدا ضوؤه»[4] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftn4).
فمجمل المعاني التي ذكرت لهذا الأصل لا تعدو النقاء والصفاء، والبيان، والظهور. ومن ذلك قوله تعالى: «وأخي هارون هو أفصح مني لسانا». ومن ثم أمكننا القول: إن الفصاحة لغة هي: الصفاء والنقاء، والظهور. ولا شك أن هذا المعنى اللغوي يتداخل مع المعنى الاصطلاحي.
· الفصاحة اصطلاحا:
تأمل الأمثلة الثالية تعرف معنى الفصاحة:
1- قال أعرابي:
تركت ناقتي ترعى الهُعْجُعَ[5] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftn5).
2- وقال عيسى بن عمرو النحوي، وقد سقط من على حماره فاجتمع عليه الناس:
مالَكُمْ تَكَأْكَأْتُمْ[6] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftn6) علي، كَتَكَأْكُئِكُمْ على ذي جِنَّةٍ[7] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftn7)؟ اِفْرَنْقِعُوا عني[8] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftn8).
3- قال أبو النجم:
الحمد لله العلي الأجْلَلِ *** الواحد الفرد القديم الأول
4- قال الشاعر:
وقبْرِ حَرْبٍ بمكان قَفْرٍ *** وليس قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ
5- قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
ولو أن مجدا أخلدَ الدهرَ واحدا *** من الناس أبقى مجدُه الدهرَ مُطمِعا[9] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftn9)
6- قال عباس بن الأحنف:
سأطلبُ بُعْدَ الدارِ عنكم لتقربُوا *** وتسكُبُ عيناي الدموعَ لِتجْمُدَا
تأمل المثال الأول تجد كلمة الهُعْجُع ثقيلة على اللسان لتنافر حروفها، ومن ثم استكرهوها، فعدوها غير فصيحة. وأما المثال الثاني فقد ذكر فيه عيسى ابن عمر النحوي كلمتين غريبتين هما: تكأكأ، وافرنقع، والغرابة كون الكلمة غير ظاهرة المعنى، أو غير مألوفة الاستعمال عند العرب الفصحاء، حتى يخفى معناها، فيحتاج فيه إلى التنقيب وكثرة البحث في المعاجم وقواميس اللغة المطولة. وقد تنتج الغرابة عن تردد الكلمة بين معنيين أو أكثر بلا قرينة تحدد المعنى المراد. وأما في المثال الثالث فقد استعمل أبو النجم كلمة الأجلل، وهي مخالفة للقياس اللغوي، إذ القياس يقتضي إدغام اللام في اللام. وأما في المثال الرابع فالكلمات كلها فصيحة إلا أن نظم بعضها إلى جوار بعض جعلها متنافرة، فثقلت على اللسان، فعد البيت غير فصيح لتنافر كلماته. وأما المثال الخامس فقد خفي المعنى بسبب ضعف النظم (التأليف) لخروجه عما يقتضيه نسق الجملة العربية من الترتيب بين الوظائف النحوية، فإن الضمير في (مجده) عائد على (مطمعا)، وهو متأخر لفظا ورتبة، والصواب خلاف ذلك. ومعنى البيت: «أنه لو كان مجد الإنسان سببا لخلوده في هذه الدنيا لكان (مطعم بن عدي) أولى الناس بالخلود، لأنه حاز من المجد ما لم يحزه غيره، على يد أصحاب الشريعة»[10] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftn10) وأما المثال السادس ففيه تعقيد معنوي، وهو أن يكون «التركيب خفي الدلالة على المعنى المراد بحيث لا يفهم معناه إلا بعد عناء وتفكير طويل»[11] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftn11)فقد جعل الشاعر جمود العين كناية عن قرب التلاقي، وهو معنى بعيد لم تألفه العرب في كلامها، بل جمود العين عندها دلالة على الصلابة والقسوة.
الآن وقد استأنست بهذه الأمثلة وعرفت مكامن العيب فيها تستطيع أن تستنتج أن الفصاحة تتناول الكلمة كما تتناول الكلام، وإليك البيان:
- فصاحة الكلمة:
يشترط في الكلمة لتكون فصيحة خلوصها من:
· تنافر الحروف
· الغرابة
· مخالفة القياس اللغوي
- فصاحة الكلام:
يشترط في الكلام ليكون فصيحا، فضلا عن فصاحة كلماته،خلوصه من:
· تنافر الكلمات
· ضعف التأليف
· التعقيد المعنوي
كما يوصف المتكلم أيضا بالفصاحة إذا أتى بكلام فصيح، وكان نطقه سليما. ولذلك سمي زياد الأعجم بالأعجم « لنقصان آلة نطقه عن إقامة الحروف، وكان يعبر عن الحمار بالهمار، فهو أعجم وشعره فصيح لتمام بيانه»[12] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftn12)
ü البلاغة:
· البلاغة لغة:
جاء في معجم مقاييس اللغة:
« بلغ: الباء واللام والغين أصل واحد وهو الوصول إلى الشيء: تقول: بلغتُ المكان، إذا وصلت إليه. وقد تسمى المشارفة بلوغا بحق المقاربة، قال تعالى: «فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف»[الطلاق/2]. ومن هذا الباب قولهم: هو أحمق بِلْغٌ وبَلْغٌ، أي إنه مع حماقته يبلغ ما يريده. والبلغة ما يُتبلّغ به من عيش، كأنه يراد أنه يبلغ رتبة المكثر إذا رضي وقنع، وكذلك البلاغة التي يمدح بها الفصيحُ اللسان، لأنه يبلغ بها ما يريده، ولي في هذا بلاغ، أي كفاية..»[13] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftn13)
فالبلاغة، إذن، هي الوصول، وبلوغ المراد.
· البلاغة اصطلاحا:
وأما اصطلاحا فهي مطابقة الكلام لمقتضى الحال، مع فصاحته. وذلك بمراعاة أحوال المخاطَبين، ومقامات التخاطب، وقصد المخاطِب. فيكون الكلام على قدر الحاجة، من غير زيادة ولا نقصان، مراعيا تنوع المقامات والحوال، وما يقتضيه ذلك من تنوع العبارة؛ فمقام الشكر يباين مقام الذم، ومقام الجد يباين مقام الهزل. وهناك مواطن يحسن فيها الإطناب، وأخرى يحسن فيها الإيجاز، وثالثة يحسن فيها الإشارة والتلميح.. وإلى مثل هذا أشار الثعالبي في كتابه: «سحر البلاغة وسر البراعة»[14] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftn14)بقوله:« ليست البلاغة أن يٌطال عنان القلم أو سنانه، ويٌبسط رهان القول أو ميدانه، بل هو أن يبلغ أمد المراد، بألفاظ أعيان ومعان أفراد، من حيث لا مزيد على الحاجة، ولا إخلال يفضي إلى الفاقة. البلاغة ميدان لا يقطع إلا بسوابق الأذهان، ولا يسلك إلا ببصائر البيان».
وقال أبو هلال العسكري في كتاب «الصناعتين»: «البلاغة كل ما تبلغ به المعنى قلب السامع فتمكنه في نفسه لتمكنه في نفسك مع صورة مقبولة، ومعرض حسن (وإنما) جعلنا حسن المعرض وقبول الصورة شرطا في البلاغة؛ لأن الكلام إذا كانت عبارته رثة، ومعرضه خلقا لم يسم بليغا، وإن كان مفهوم المعنى، مكشوف المغزى».[15] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftn15)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
[1] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftnref1) - السيد أحمد الهاشمي: جواهر البلاغة/دار الفكر 1414هـ/1994م/ص: 38.
[2] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftnref2) - نفسه/ ص: 39.
[3] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftnref3) - نفسه/ص: 308.
[4] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftnref4) - ابن فارس: معجم مقاييس اللغة/ باب الفاء والصاد وما يثلثهما/ مادة فصح/ج2/ص:356)
[5] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftnref5) - نبت ترعاه الإبل.
[6] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftnref6) - اجتمعتم.
[7] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftnref7) - مجنون.
[8] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftnref8) - انصرفوا.
[9] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftnref9) - مطمع: أحد رؤساء المشركين، وكان يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[10] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftnref10) - جواهر البلاغة: هامش ص: 22.
[11] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftnref11) - نفسه/ص: 22
- أبو هلال العسكري: كتاب الصناعتين/ تحقيق الدكتور مفيد قميحة/الطبعة الثانية: 1409-1989/ دار الكتب العلمية: بيروت لبنان/ ص:17.[12]
[13] (http://www.albshara.com/showthread.php?t=11181#_ftnref13) - معجم مقاييس اللغة/ الجزء 1/ باب الباء واللام وما يثلثهما في الثلاثي/ (مادة بلغ) ص: 156.
- مكتبة مشكاة الإسلامية (قرص مدمج)[14]
- كتاب الصناعتين/ ص: 19.[15]
ذو الفقار
2010-01-13, 12:01 PM
تم تخصيص هذه الصفحة (http://www.albshara.com/showthread.php?p=117210#post117210)للمناقشة والأسئلة وتسجيل المتابعة حتى لا نقطع تسلسل الدروس
http://www.albshara.com/showthread.php?p=117210#post117210
الليث الأغلب
2010-01-26, 05:25 PM
المحور الثاني: الخبر والإنشاء:
1- حد الخبر والإنشاء:
قال طرفة بن العبد:
وظلمُ ذوي القُرْبى أشَدُّ مَضَاضَةً ****** على المَرْءِ من وقْعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ
وقال امرؤ القيس:
وليس غريبا مَنْ تَنَاءَتْ دِيَارُهُ ****** ولكنَّ مَنْ وَارَى الترابُ غريبُ
وقال أب يوصي ابنه:
«يا بُنيَّ، زاحِمِ العلماءَ بركبتيك, وأنْصِتْ إليهم بأذنيك، فإن القلب يحيا بنور العلم، كما تحيا الأرضُ المَيْتَةُ بمطر السماء»
تأمل المثال الأول تجد طرفة بن العبد يخبرك أن ظلم الأقارب أشد وقعا وتأثيرا من الضرب بالسيف القاطع الحاد، وهو في ذلك قد يكون صادقا، وقد يكون كاذبا، وصدقه وكذبه بعرض كلامه على الواقع، فإن أيده ووافقه، فهو صادق، وإن خالفه ورده، فهو كاذب.
وفي المثال الثاني يخبرك امرؤ القيس أن الغريب من الناس ليس ذاك الذي هاجر وطنه وأهله، وإنما الغريبُ من غَيَّبَهُ الموتُ، وهو في ذلك قد يكون صادقا، وقد يكون كاذبا، ويعرف صدقه من كذبه بعرض كلامه –أيضا- على الواقع.
وأما في المثال الثالث فالأب لا يخبر بحصول شيء أو عدم حصوله، وإنما ينادي ابنه، ويأمره بمزاحمة العلماء، والإنصات إليهم. وأنت في هذه الحال لا تملك أن تقول: إنه صادق في ندائه وأمره، أو كاذب.
وقد تتبع العلماء كلام العرب فوجدوه لا يعدو هذين النمطين. فالكلام، إذن، خبر وإنشاء. فما هو الخبر؟ وما هو الإنشاء؟
- الخبر: كلام يحتمل الصدق والكذب لذاته، أي بصرف النظر عن قائله، وبهذا نخرج الأخبار الواجبة الصدق ككلام الله عز وجل، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، والحقائق البدهية المألوفة.
- الإنشاء: كلام لا يحتمل الصدق والكذب لذاته، أي بصرف النظر عما يستلزمه، فإن قولك: اغفر لي أمر يستلزم خبرا، وهو: أطلب منك المغفرة.
2- الغرض من إلقاء الخبر:
· قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا» ( رواه أحمد وأبو داود)
· وتقول لأحدهم:
«اشتريتَ أَمْسِ ثلاجة»
· وقال الله عز وجل على لسان موسى عليه السلام:
« رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ » ( القصص/ 24)
· وقال الله عز وجل على لسان زكرياء عليه السلام:
«رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا» (مريم/4)
· وقال الشاعر:
مَضتِ الليالي البيضُ في زمن الصِّبا **** وأتى المشِيبُ بِكُل يوم أسودِ
· وقال عمرو بن كلثوم:
إذا بلغ الفطامَ لنا صبيٌّ **** تَخِرُّ لهُ الجبابِرُ ساجِدينا
· وقال النابغة الذبياني:
فإنك شمسٌ والملوكُ كواكبُ **** إذا طلعتْ لم يَبْدُ مِنْهُنَّ كوكبُ
· وتقول لِعَاصٍ:
«إن الله شديدُ العقاب»
· وتقول لمن كذب:
«المؤمن لا يكذب»
· وتقول لصديق:
«فزنا ورب الكعبة!»
تأمل المثال الأول، تجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقصد أن يفيد المخاطَبَ الحكمَ المتضمن في الخبر، وهو أن كمال الإيمان يحصل بحسن الخلق. ويسمى هذا الغرض الذي ألقي من أجله الخبر: فائدة الخبر.
وفي المثال الثاني يعرف المخاطِبُ أن المخاطَب عالِمٌ بالخبر إلا أنه يقصد أن يُعْلِمَهُ أنه هو –أيضا- عالم به. ويسمى هذا الغرض بلازم الفائدة.
وفي المثال الثالث لا يقصد موسى عليه السلام فائدة الخبر ولا لازم الفائدة، وإنما يسترحم ربه ويستعطفه، فهو مفتقر إلى فضله ونعمائه. ويسمى هذا الغرض الاسترحام والاستعطاف.
وفي المثال الرابع يظهر زكرياء عليه السلام ضعفه وافتقاره. ويسمى الغرض إظهار الضعف.
وفي المثال الخامس يتحسر الشاعر على ذهاب الشباب، ويسمى الغرض إظهار التحسر.
وفي المثال السادس يفتخر عمرو بن هند بشجاعة قومه، ويباهي بما لهم من القوة والمنعة التي جعلت الأعداء يهابون حتى الرضع، والغرض هو الفخر.
وفي المثال السابع يمدح النابغة النعمان بن المنذر ويشبه حاله وحال باقي الملوك بحال الشمس مع الكواكب، فالغرض هو المدح.
وفي المثال الثامن يقصد المتكلم تحذير المخاطب من عقاب الله لتماديه في المعصية، فالغرض هو التحذير.
وفي المثال التاسع يقصد المتكلم توبيخ هذا الكاذب، فالغرض هو التوبيخ.
وفي المثال العاشر يظهر المتكلم فرحه بالفوز، فالغرض هو إظهار الفرح.
الآن وقد عرفت أن الخبر يلقى لأغراض تختلف بحسب الأحوال والمقامات بإمكانك أن تستنتج أن للخبر غرضان أصليان هما: فائدة الخبر ولازم الفائدة. إلا أنه قد يخرج عن هذين الغرضين لأداء أغراض أخرى تفهم من سياق الكلام، ومن هذه الأغراض: الاسترحام والاستعطاف/ إظهار الضعف والافتقار/ إظهار التحسر/ الفخر/ المدح/ التحذير/ التوبيخ/ إظهار الفرح. وهناك أغراض أخرى كالهجاء، والعتاب، وتحريك الهمة...
3- أضرب الخبر:
تقول:
· زيدٌ قائِمٌ
· إنَّ زيدا قائمٌ
· إنَّ زيدا لَقائمٌ
لا شك أن قارئ هذه الجمل يظن للوهلة الأولى أن معناها واحد، فكلها تثبت القيام لزيد. فهل هي كذلك؟
الجواب أن ليست كذلك؛ وذلك أن المتكلم قصد في الأولى مجرد إثبات القيام، وفي الثانية دفع شك الشاك، وتردد المتردد، وفي الثالثة دفع حجود الجاحد، وإنكار المنكر. ولا شك أنه خاطب بالأولى الخالية من التوكيد مخاطبا خالي الذهن من الخبر، وبالثانية المؤكدة توكيدا خفيفا الشاك والمتردد، وبالثالثة الجاحد والمنكر. فلهذا تنوعت العبارة وإن كان المعنى متحدا في الظاهر.
فاعلم - رحمك الله – أن البلاغة تقتضي مخاطبة الناس على قدر حاجتهم، بلا زيادة ولا نقصان مع مراعاة أحوالهم. ومن هنا تنوعت أضرب الخبر؛ فكان منها الخبر الابتدائي، وهو الخبر الخالي من التوكيدِ المخاطَبُ به الخالي الذهن من الخبر، والخبر الطلبي، وهو الخبر المؤكد توكيدا خفيفا المخاطب به المتردد والشاك في مضمون الخبر، والخبر الإنكاري، وهوالخبر المؤكد توكيدا شديدا المخاطب به المنكر والجاحد لمضمون الخبر.
فائدة: يؤكد الخبر بأدوات كثيرة منها: إن، أن، القسم، لام الابتداء، نونا التوكيد، أحرف التنبيه، الحروف الزائدة، قد، أما الشرطية...
4- خروج الخبر عن مقتضى الظاهر:
· تقول لمن يعلم وجوب الصلاة، ولا يصلي:
«الصلاة واجبة»
· قال تعالى:
«ولا تُخاطِبْنِي في الذِينَ ظلموا إنَّهُمْ مُغْرَقُون» (هود/37)
· وقال سبحانه وتعالى:
«ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ» (المؤمنون/15)
· وتقول لمن يشك في انتصار الموحدين:
« النصرُ حَلِيفُ الْمُؤمنين»
· وتقول له أيضا:
«إنَّ النصرَ لَحَلِيفُ المؤمنين »
· قال تعالى:
«وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد» (البقرة/163)
تدبر المثال الأول تجد الخبر خاليا من التوكيد، وقد عرفت أن هذا النوع من الخبر المسمى ابتدائيا يخاطب به خالي الذهن، لكنه هنا خوطب به من يعلم مضمونه، فخرج بذلك عن مقتضى الظاهر، إذ مقتضى الظاهر يقتضي أن يخاطب به الجاهل أو خالي الذهن. فلماذا آثر المتكلم تنزيل العالم بالخبر منزلة الجاهل به؟
لاشك أن عدم عمل هذا المخاطب بما علم جعله بمنزلة الجاهل فكانت صيغة الخبر توبيخا له على عدم عمله بمقتضى ما علم.
وفي المثال الثاني جاء الخبر مؤكدا توكيدا خفيفا، وهذا النوع من الأخبار يسمى طلبيا كما عرفت سابقا، وقد خوطب به نوح عليه السلام وهو لا يعلم ما سيحل بقومه، فثم تنزيل خالي الذهن منزلة الشاك لَـمَّا تقدَّم في الكلام ما يشير إلى حكم الخبر، وهو نهيُ الله عز وجل نوحا عليه السلام عن مخاطبته بشأن مخالفيه، فعلم أن خَطبا ما سيحل بقومه، فصار بمنزلة المتردد الشاك.
وفي المثال الثالث تجد المخاطبين غير منكرين لحتمية الموت، ومع ذلك خاطبهم الله عز وجل وكأنهم منكرون لهذه الحقيقة بخبر مؤكد توكيدا شديدا، مع أن لا أحد ينكر الموت على الإطلاق مؤمنا كان أو كافرا. فما السبب في ذلك؟
لا شك أن هذا الخبر الإنكاري اقتضاه ما هم عليه من انشغال بالحياة الدنيا، وعدم استعدادهم للآخرة، فأشبهت حالهم حال من ينكر الموت فأُنْزِلُوا منزلةَ المنكرين.
وفي المثال الرابع خوطب المتردد أو الشاك بخبر ابتدائي فُنُزِّلُ مَنْزِلَةَ خالي الذهن من الخبر. فما السبب في ذلك؟
إنه لما كان الخبر مما يُعْلَمُ يَقينُهُ بما ثبت في محكم التنزيل من أن التمكين للمؤمنين صار كالأمور المعلومة بالاضطرار، وكان الشاك فيه كالجاهل، خوطب خطاب الخالي الذهن. وكذلك الحال في المثال الخامس حيث ثم تنزيل المتردد منزلة المنكر إمعانا في التأكيد على أن الخبر مما لا يَسُوغُ إنكاره لِقِيَامِ الدليلِ على تحققه.
وفي المثال السادس خاطب الله عز وجل المنكرين لوحدانيته خطاب الخالي الذهن من الخبر، فَنَزَّلَهُمْ منزلة الجاهلين، لأن معهم من الأدلة والبراهين الساطعة ما لو تدبروه لرجعوا عن الإنكار إلى الإقرار.
وهكذا ينبغي أن تعلم -رحمك الله- أن الخبر قد يخرج عن مقتضى الظاهر لاعتبارات يقتضيها المقام، ومن ذلك:
1- تنزيل العالم بالخبر منزلة الجاهل.
2- تنزيل خالي الذهن من الخبر منزلة الشاك والمتردد.
3- تنزيل غير المنكر منزلة المنكر.
4- تنزيل المتردد منزلة خالي الذهن.
5- تنزيل المتردد منزلة المنكر.
6- تنزيل المنكر منزلة خالي الذهن.
انتهى الجزء الأول من المحور الثاني بفضل الله وكرمه.
ترقبوا مجموعة من التمارين المتعلقة بهذا الجزء
( المحور الخاص بالإنشاء سيجيء في وقته المحدد له إن شاء الله)
الليث الأغلب
الليث الأغلب
2010-02-12, 08:59 PM
أعتذر للإخوة الكرام عن تأخير الجزء الثاني وتمارين الجزء الأول عن وقتهما لظروف قاهرة ونعدهم بمواصلة الموضوع عما قريب، والله المستعان.
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir