عَبْدٌ مُسْلِمٌ
2010-01-01, 01:41 AM
شرح حديث مررت على موسى :salla: وهو يصلي في قبره
ذُكر في أحد أحاديث صحيح مسلم أن النبي :salla:رأى موسى :salla: يصلي في قبره . أرجو شرح هذا الحديث بالتفصيل .
الجواب : الحمد لله
هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة التي يوردها العلماء في فضائل نبي الله موسى عليه السلام ، يرويه الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي :salla: قال :" أَتَيْتُ – وفي رواية : مررت - عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ" رواه مسلم (2375) .
وفي هذا الحديث مسائل ، يمكن إجمالها فيما يأتي :
أولا :اختلف العلماء في مكان قبر موسى :salla:، وهذا الحديث يدل على أنه في طريق بيت المقدس عند الكثيب الأحمر ، وهذا وصف مبهم بعض الشيء ، وليس وصفا محددا ، ولعل الحكمة من ذلك ألا يتخذ قبره معبدا .
قال القرطبي رحمه الله : الكثيب : هو الكوم من الرمل ، وهذا الكثيب هو بطريق بيت المقدس.ا.هـ." المفهم " (6/192)
وقال أيضا :" وهذا يدل على أن قبر موسى :salla:أخفاه الله تعالى عن الخلق ، ولم يجعله مشهورا عندهم ، ولعل ذلك لئلا يعبد ، والله أعلم "ا.هـ." المفهم " (6/222).وانظر: " عمدة القاري " للعيني (12/474)
ثانيا : في هذا الحديث دليل على حياة الأنبياء بعد موتهم ، وأنهم يتميزون عن سائر الأموات ، إلا الشهداء ، بأن الله يحييهم مرة أخرى حياة خاصة ، فيها من النعيم والكرامة ما لا يتعرض له أحد من الناس .
وقد دلت على ذلك أدلة أخرى كثيرة ، من أصحها وأشهرها حديث الإسراء والمعراج ، حيث جاء فيه أن النبي :salla: رأى الأنبياء في السماوات ، وصلى بهم إماما في بيت المقدس.
ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي :salla: قال :"الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون" .رواه البزار (256)، وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (621)
وقد قرر ذلك أهل العلم في كتبهم ، حتى صنف الإمام البيهقي في هذه المسألة جزءًا بعنوان : " حياة الأنبياء بعد وفاتهم "، وصنف الإمام السيوطي جزءًا بعنوان : " إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء ".
وقال البيهقي رحمه الله :" لِحياة الأنبياء بعد موتهم صلوات الله عليهم شواهدُ من الأحاديث الصحيحة " ا.هـ." حياة الأنبياء " (ص/77)
وقال السيوطي رحمه الله :" حياة النبي :salla: في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علماً قطعياً ؛ لما قام عندنا من الأدلة في ذلك ، وتواترت به الأخبار " ا.هـ." الحاوي للفتاوي " (2/139)
ثالثا :
قال القرطبي رحمه الله : " وهذا الحديث يدل بظاهره على : أنه :salla: رأى موسى :salla: رؤية حقيقية في اليقظة ، وأن موسى :salla:كان في قبره حيا ، يصلي فيه الصلاة التي كان يصليها في الحياة ، وهذا كله ممكن لا إحالة في شيء منه ، وقد صح أن الشهداء أحياء يرزقون ، ووجد منهم من لم يتغير في قبره من السنين ، وإذا كان هذا في الشهداء كان في الأنبياء أحرى وأولى " ا.هـ." المفهم " (6/192)
وقال ابن القيم رحمه الله : " الأنبياء إنما استقرت أرواحهم هناك – يعني في السماء - بعد مفارقة الأبدان ، وروح رسول الله :salla: صعدت إلى هناك في حال الحياة ثم عادت – يعني في الإسراء والمعراج - ، وبعد وفاته استقرت في الرفيق الأعلى مع أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ومع هذا فلها إشراف على البدن ، وإشراق ، وتعلق به ، بحيث يرد السلام على من سلم عليه ، وبهذا التعلق رأى موسى قائما يصلى في قبره ، ورآه في السماء السادسة ، ومعلوم أنه لم يعرج بموسى من قبره ثم رد إليه ، وإنما ذلك مقام روحه واستقرارها ، وقبره مقام بدنه واستقراره إلى يوم معاد الأرواح إلى أجسادها ، فرآه يصلى في قبره ، ورآه في السماء السادسة ، كما أنه :salla: في أرفع مكان في الرفيق الأعلى مستقرا هناك ، وبدنه في ضريحه غير مفقود ، وإذا سلم عليه المسلم رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ، ولم يفارق الملأ الأعلى .
ومن كَثُف إدراكه وغلظت طباعه عن إدراك هذا ، فلينظر إلى الشمس في علو محلها ، وتعلقها وتأثيرها في الأرض ، وحياة النبات والحيوان بها ، هذا وشأن الروح فوق هذا ، فلها شأن ، وللأبدان شأن ، وهذه النار تكون في محلها ، وحرارتها تؤثر في الجسم البعيد عنها ، مع أن الارتباط والتعلق الذي بين الروح والبدن أقوى وأكمل من ذلك وأتم ، فشأن الروح أعلى من ذلك وألطف " ا.هـ. " زاد المعاد " (3/40-41)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :" حياته :salla: بعد وفاته مخالفة لحياته قبل الوفاة ، ذلك أن الحياة البرزخية غيب من الغيوب ، ولا يدري كنهَها إلا الله سبحانه وتعالى ، ولكن من الثابت والمعلوم أنها تختلف عن الحياة الدنيوية ، ولا تخضع لقوانينها ، فالإنسان في الدنيا يأكل ويشرب ويتنفس ويتزوج ويتحرك ويتبرز ويمرض ويتكلم ، ولا أحد يستطيع أن يثبت أن أحدا بعد الموت حتى الأنبياء عليهم السلام - وفي مقدمتهم نبينا محمد :salla:- تعرض له هذه الأمور بعد موته. ومما يؤكد هذا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في مسائل كثيرة بعد وفاته ، ولم يخطر في بال أحد منهم الذهاب إليه صلى الله عليه وسلم في قبره ومشاورته في ذلك وسؤاله عن الصواب فيها لماذا ؟
إن الأمر واضح جدا وهو أنهم كلهم يعلمون أنه :salla:انقطع عن الحياة الدنيا ، ولم تعد تنطبق عليه أحوالها ونواميسها ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حي أكمل حياة يحياها إنسان في البرزخ ، ولكنها حياة خاصة لا تشبه حياة الدنيا ، ولعل مما يشير إلى ذلك قوله :salla::"ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام "، وعلى كل حال فإن حقيقتها لا يدريها إلا الله سبحانه وتعالى ، ولذلك فلا يجوز قياس الحياة البرزخية أو الحياة الأخروية على الحياة الدنيوية ، كما لا يجوز أن تعطى واحدة منها أحكام الأخرى ، بل لكل منها شكل خاص ، وحكم معين ، ولا تتشابه إلا في الاسم ، أما الحقيقة فلا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى " ا.هـ." التوسل " (ص/60)
رابعا : صلاة موسى :salla:وسائر الأنبياء في قبورهم ليست على وجه التكليف ، إذ التكليف منقطع بالموت ، وإنما هي على وجه التنعم والتلذذ بعبادة الله وإقامة ذكره .
قال القرطبي رحمه الله :" فإن قيل : كيف يصلون بعد الموت وليس تلك الحال حال تكليف ؟
فالجواب : أن ذلك ليس بحكم التكليف ، وإنما ذلك بحكم الإكرام لهم والتشريف ، وذلك أنهم كانوا في الدنيا حببت لهم عبادة الله تعالى والصلاة بحيث كانوا يلازمون ذلك ، ثم توفوا وهم على ذلك ، فشرَّفهم الله تعالى بعد موتهم بأن أبقى عليهم ما كانوا يحبون ، وما عرفوا به ، فتكون عبادتهم إلهامية كعبادة الملائكة ، لا تكليفية ، وقد وقع مثل هذا لثابت البناني رضى الله عنه ؛ فإنه حببت الصلاة إليه حتى كان يقول : اللهم إن كنت أعطيت أحدا يصلي لك في قبره ، فأعطني ذلك ، فرآه مُلَحِّدُهُ بعدما سوى عليه لحده قائما يصلي في قبره ، وقد دل على صحة ذلك كله قول نبينا :salla::" يموت المرء على ما عاش عليه ، ويحشر على ما مات عليه "، وقد جاء في الصحيح :"أن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما تلهمون النفس"ا.هـ." المفهم "
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" هذه الصلاة ونحوها مما يتمتع بها الميت ويتنعم بها كما يتنعم أهل الجنة بالتسبيح ، فإنهم يلهمون التسبيح كما يلهم الناس في الدنيا النَّفَس ؛ فهذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل ، بل نفس هذا العمل هو من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به " ا.هـ." مجموع الفتاوى " (4/330)
خامسا :حياة الأنبياء بعد موتهم ، وخصائصها ، وكيفيتها ، وما يتعلق بذلك : كله أمر غيبي لا يرجع المرء من تكلف التنقير عنه بطائل ، فالتسليم أولى ، وتفويض العلم إلى الله هو الواجب ابتداء وانتهاء .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة":" كل ذلك حق يجب الإيمان به والتسليم له ، وإثبات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى موسى :salla:في قبره يصلي ، ورآه أيضا في السماء ، والله على كل شيء قدير ، ولا يجوز إنكار ما ثبت في النصوص الصحيحة عن النبي :salla: لحيرة العقول فيه ، أو قياس عالم الغيب وعالم البرزخ على عالم الشهادة ، أو دعوى أن ذلك من مختلقات اليهود ، فكل ذلك خطأ وضلال ، وانحراف عن الصراط المستقيم " ا.هـ.
عبد العزيز بن باز – عبد العزيز آل الشيخ – عبد الله غديان – صالح الفوزان – بكر أبو زيد."المجموعة الثانية" (1/175)
وجاء في " الدرر السنية " (1/548):
" سئل الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن أيضا - رحمهم الله - عما ورد أن النبي :salla: رأى موسى وهو يصلي في قبره ، ورآه يطوف بالبيت ، ورآه في السماء ، وكذلك الأنبياء .
فأجاب : هذه الأحاديث وأشباهها تُمَرُّ كما جاءت ويُؤمَن بها ، إذ لا مجال للعقل في ذلك ؛ ومن فتح على نفسه هذا الباب هلك في جملة من هلك ; وقد غضب مالك بن أنس لمَّا سأله رجل عن الاستواء ، فقال : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، إلى آخر كلامه ، ثم قال : وما أراك إلا رجل سوء ، فأمر بإخراجه ; هذه عادة السلف "ا.هـ.
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : قوله تعالى:"وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ" الآية ، هذه الآية تدل بظاهرها على أن الشهداء أحياء غير أموات , وقد قال في آية أخرى لمن هو أفضل من كل الشهداء :salla::"إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ" .
والجواب عن هذا : أن الشهداء يموتون الموتة الدنيوية ، فتورث أموالهم ، وتنكح نساؤهم بإجماع المسلمين , وهذه الموتة التي أخبر الله نبيه أنه يموتها صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت في الصحيح عن صاحبه الصِّدِّيق رضي الله عنه أنه قال لما توفي :salla::"بأبي أنت وأمي والله لا يجمع الله عليك موتتين , أما الموتة التي كتب الله عليك فقد متها" وقال :" من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات"، واستدل على ذلك بالقرآن ورجع إليه جميع أصحاب النبي :salla:
وأما الحياة التي أثبتها الله للشهداء في القرآن ، وحياته :salla: التي ثبت في الحديث أنه يرد بها السلام على من سلم عليه : فكلتاهما حياة برزخية ، ليست معقولة لأهل الدنيا .
أما في الشهداء فقد نص تعالى على ذلك بقوله :"... وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ" وقد فسرها النبي :salla: بأنهم :"تجعل أرواحهم في حواصل طيور خضر ترتع في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فهم يتنعمون بذلك "
وأما ما ثبت عنه :salla:من أنه ( لا يسلم عليه أحد إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ) و ( أن الله وَكَّل ملائكته يبلغونه سلام أمته ) فإن تلك الحياة أيضا لا يعقل حقيقتها أهل الدنيا ؛ لأنها ثابتة له :salla: مع أن روحه الكريمة في أعلى عليين مع الرفيق الأعلى ، فوق أرواح الشهداء ، فتعلق هذه الروح الطاهرة التي هي في أعلى عليين بهذا البدن الشريف الذي لا تأكله الأرض يعلم الله حقيقته ، ولا يعلمها الخلق ، كما قال في جنس ذلك :"... وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ"، ولو كانت كالحياة التي يعرفها أهل الدنيا لما قال الصديق رضي الله عنه أنه :salla: مات ، ولما جاز دفنه ، ولا نصب خليفة غيره ، ولا قتل عثمان ، ولا اختلف أصحابه ، ولا جرى على عائشة ما جرى ، ولسألوه عن الأحكام التي اختلفوا فيها بعده ، كالعول ، وميراث الجد ، والإخوة ، ونحو ذلك .
وإذا صرح القرآن بأن الشهداء أحياء في قوله تعالى :"... بل أحياء "، وصرح بأن هذه الحياة لا يعرف حقيقتها أهل الدنيا بقوله :"...وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ" وكان النبي :salla: أثبت حياته في القبر بحيث يسمع السلام ويرده ، وأصحابه الذين دفنوه صلى الله عليه وسلم لا تشعر حواسهم بتلك الحياة ، عرفنا أنها حياة لا يعقلها أهل الدنيا أيضا , ومما يقرب هذا للذهن حياة النائم ، فإنه يخالف الحي في جميع التصرفات ، مع أنه يدرك الرؤيا ، ويعقل المعاني والله تعالى أعلم " ا.هـ. " دفع إيهام الاضطراب " (24-25)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (http://www.islam-qa.com/ar/ref/142769)
وَ الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ .
ذُكر في أحد أحاديث صحيح مسلم أن النبي :salla:رأى موسى :salla: يصلي في قبره . أرجو شرح هذا الحديث بالتفصيل .
الجواب : الحمد لله
هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة التي يوردها العلماء في فضائل نبي الله موسى عليه السلام ، يرويه الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي :salla: قال :" أَتَيْتُ – وفي رواية : مررت - عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ" رواه مسلم (2375) .
وفي هذا الحديث مسائل ، يمكن إجمالها فيما يأتي :
أولا :اختلف العلماء في مكان قبر موسى :salla:، وهذا الحديث يدل على أنه في طريق بيت المقدس عند الكثيب الأحمر ، وهذا وصف مبهم بعض الشيء ، وليس وصفا محددا ، ولعل الحكمة من ذلك ألا يتخذ قبره معبدا .
قال القرطبي رحمه الله : الكثيب : هو الكوم من الرمل ، وهذا الكثيب هو بطريق بيت المقدس.ا.هـ." المفهم " (6/192)
وقال أيضا :" وهذا يدل على أن قبر موسى :salla:أخفاه الله تعالى عن الخلق ، ولم يجعله مشهورا عندهم ، ولعل ذلك لئلا يعبد ، والله أعلم "ا.هـ." المفهم " (6/222).وانظر: " عمدة القاري " للعيني (12/474)
ثانيا : في هذا الحديث دليل على حياة الأنبياء بعد موتهم ، وأنهم يتميزون عن سائر الأموات ، إلا الشهداء ، بأن الله يحييهم مرة أخرى حياة خاصة ، فيها من النعيم والكرامة ما لا يتعرض له أحد من الناس .
وقد دلت على ذلك أدلة أخرى كثيرة ، من أصحها وأشهرها حديث الإسراء والمعراج ، حيث جاء فيه أن النبي :salla: رأى الأنبياء في السماوات ، وصلى بهم إماما في بيت المقدس.
ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي :salla: قال :"الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون" .رواه البزار (256)، وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (621)
وقد قرر ذلك أهل العلم في كتبهم ، حتى صنف الإمام البيهقي في هذه المسألة جزءًا بعنوان : " حياة الأنبياء بعد وفاتهم "، وصنف الإمام السيوطي جزءًا بعنوان : " إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء ".
وقال البيهقي رحمه الله :" لِحياة الأنبياء بعد موتهم صلوات الله عليهم شواهدُ من الأحاديث الصحيحة " ا.هـ." حياة الأنبياء " (ص/77)
وقال السيوطي رحمه الله :" حياة النبي :salla: في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علماً قطعياً ؛ لما قام عندنا من الأدلة في ذلك ، وتواترت به الأخبار " ا.هـ." الحاوي للفتاوي " (2/139)
ثالثا :
قال القرطبي رحمه الله : " وهذا الحديث يدل بظاهره على : أنه :salla: رأى موسى :salla: رؤية حقيقية في اليقظة ، وأن موسى :salla:كان في قبره حيا ، يصلي فيه الصلاة التي كان يصليها في الحياة ، وهذا كله ممكن لا إحالة في شيء منه ، وقد صح أن الشهداء أحياء يرزقون ، ووجد منهم من لم يتغير في قبره من السنين ، وإذا كان هذا في الشهداء كان في الأنبياء أحرى وأولى " ا.هـ." المفهم " (6/192)
وقال ابن القيم رحمه الله : " الأنبياء إنما استقرت أرواحهم هناك – يعني في السماء - بعد مفارقة الأبدان ، وروح رسول الله :salla: صعدت إلى هناك في حال الحياة ثم عادت – يعني في الإسراء والمعراج - ، وبعد وفاته استقرت في الرفيق الأعلى مع أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ومع هذا فلها إشراف على البدن ، وإشراق ، وتعلق به ، بحيث يرد السلام على من سلم عليه ، وبهذا التعلق رأى موسى قائما يصلى في قبره ، ورآه في السماء السادسة ، ومعلوم أنه لم يعرج بموسى من قبره ثم رد إليه ، وإنما ذلك مقام روحه واستقرارها ، وقبره مقام بدنه واستقراره إلى يوم معاد الأرواح إلى أجسادها ، فرآه يصلى في قبره ، ورآه في السماء السادسة ، كما أنه :salla: في أرفع مكان في الرفيق الأعلى مستقرا هناك ، وبدنه في ضريحه غير مفقود ، وإذا سلم عليه المسلم رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ، ولم يفارق الملأ الأعلى .
ومن كَثُف إدراكه وغلظت طباعه عن إدراك هذا ، فلينظر إلى الشمس في علو محلها ، وتعلقها وتأثيرها في الأرض ، وحياة النبات والحيوان بها ، هذا وشأن الروح فوق هذا ، فلها شأن ، وللأبدان شأن ، وهذه النار تكون في محلها ، وحرارتها تؤثر في الجسم البعيد عنها ، مع أن الارتباط والتعلق الذي بين الروح والبدن أقوى وأكمل من ذلك وأتم ، فشأن الروح أعلى من ذلك وألطف " ا.هـ. " زاد المعاد " (3/40-41)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :" حياته :salla: بعد وفاته مخالفة لحياته قبل الوفاة ، ذلك أن الحياة البرزخية غيب من الغيوب ، ولا يدري كنهَها إلا الله سبحانه وتعالى ، ولكن من الثابت والمعلوم أنها تختلف عن الحياة الدنيوية ، ولا تخضع لقوانينها ، فالإنسان في الدنيا يأكل ويشرب ويتنفس ويتزوج ويتحرك ويتبرز ويمرض ويتكلم ، ولا أحد يستطيع أن يثبت أن أحدا بعد الموت حتى الأنبياء عليهم السلام - وفي مقدمتهم نبينا محمد :salla:- تعرض له هذه الأمور بعد موته. ومما يؤكد هذا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في مسائل كثيرة بعد وفاته ، ولم يخطر في بال أحد منهم الذهاب إليه صلى الله عليه وسلم في قبره ومشاورته في ذلك وسؤاله عن الصواب فيها لماذا ؟
إن الأمر واضح جدا وهو أنهم كلهم يعلمون أنه :salla:انقطع عن الحياة الدنيا ، ولم تعد تنطبق عليه أحوالها ونواميسها ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حي أكمل حياة يحياها إنسان في البرزخ ، ولكنها حياة خاصة لا تشبه حياة الدنيا ، ولعل مما يشير إلى ذلك قوله :salla::"ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام "، وعلى كل حال فإن حقيقتها لا يدريها إلا الله سبحانه وتعالى ، ولذلك فلا يجوز قياس الحياة البرزخية أو الحياة الأخروية على الحياة الدنيوية ، كما لا يجوز أن تعطى واحدة منها أحكام الأخرى ، بل لكل منها شكل خاص ، وحكم معين ، ولا تتشابه إلا في الاسم ، أما الحقيقة فلا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى " ا.هـ." التوسل " (ص/60)
رابعا : صلاة موسى :salla:وسائر الأنبياء في قبورهم ليست على وجه التكليف ، إذ التكليف منقطع بالموت ، وإنما هي على وجه التنعم والتلذذ بعبادة الله وإقامة ذكره .
قال القرطبي رحمه الله :" فإن قيل : كيف يصلون بعد الموت وليس تلك الحال حال تكليف ؟
فالجواب : أن ذلك ليس بحكم التكليف ، وإنما ذلك بحكم الإكرام لهم والتشريف ، وذلك أنهم كانوا في الدنيا حببت لهم عبادة الله تعالى والصلاة بحيث كانوا يلازمون ذلك ، ثم توفوا وهم على ذلك ، فشرَّفهم الله تعالى بعد موتهم بأن أبقى عليهم ما كانوا يحبون ، وما عرفوا به ، فتكون عبادتهم إلهامية كعبادة الملائكة ، لا تكليفية ، وقد وقع مثل هذا لثابت البناني رضى الله عنه ؛ فإنه حببت الصلاة إليه حتى كان يقول : اللهم إن كنت أعطيت أحدا يصلي لك في قبره ، فأعطني ذلك ، فرآه مُلَحِّدُهُ بعدما سوى عليه لحده قائما يصلي في قبره ، وقد دل على صحة ذلك كله قول نبينا :salla::" يموت المرء على ما عاش عليه ، ويحشر على ما مات عليه "، وقد جاء في الصحيح :"أن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما تلهمون النفس"ا.هـ." المفهم "
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" هذه الصلاة ونحوها مما يتمتع بها الميت ويتنعم بها كما يتنعم أهل الجنة بالتسبيح ، فإنهم يلهمون التسبيح كما يلهم الناس في الدنيا النَّفَس ؛ فهذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل ، بل نفس هذا العمل هو من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به " ا.هـ." مجموع الفتاوى " (4/330)
خامسا :حياة الأنبياء بعد موتهم ، وخصائصها ، وكيفيتها ، وما يتعلق بذلك : كله أمر غيبي لا يرجع المرء من تكلف التنقير عنه بطائل ، فالتسليم أولى ، وتفويض العلم إلى الله هو الواجب ابتداء وانتهاء .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة":" كل ذلك حق يجب الإيمان به والتسليم له ، وإثبات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى موسى :salla:في قبره يصلي ، ورآه أيضا في السماء ، والله على كل شيء قدير ، ولا يجوز إنكار ما ثبت في النصوص الصحيحة عن النبي :salla: لحيرة العقول فيه ، أو قياس عالم الغيب وعالم البرزخ على عالم الشهادة ، أو دعوى أن ذلك من مختلقات اليهود ، فكل ذلك خطأ وضلال ، وانحراف عن الصراط المستقيم " ا.هـ.
عبد العزيز بن باز – عبد العزيز آل الشيخ – عبد الله غديان – صالح الفوزان – بكر أبو زيد."المجموعة الثانية" (1/175)
وجاء في " الدرر السنية " (1/548):
" سئل الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن أيضا - رحمهم الله - عما ورد أن النبي :salla: رأى موسى وهو يصلي في قبره ، ورآه يطوف بالبيت ، ورآه في السماء ، وكذلك الأنبياء .
فأجاب : هذه الأحاديث وأشباهها تُمَرُّ كما جاءت ويُؤمَن بها ، إذ لا مجال للعقل في ذلك ؛ ومن فتح على نفسه هذا الباب هلك في جملة من هلك ; وقد غضب مالك بن أنس لمَّا سأله رجل عن الاستواء ، فقال : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، إلى آخر كلامه ، ثم قال : وما أراك إلا رجل سوء ، فأمر بإخراجه ; هذه عادة السلف "ا.هـ.
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : قوله تعالى:"وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ" الآية ، هذه الآية تدل بظاهرها على أن الشهداء أحياء غير أموات , وقد قال في آية أخرى لمن هو أفضل من كل الشهداء :salla::"إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ" .
والجواب عن هذا : أن الشهداء يموتون الموتة الدنيوية ، فتورث أموالهم ، وتنكح نساؤهم بإجماع المسلمين , وهذه الموتة التي أخبر الله نبيه أنه يموتها صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت في الصحيح عن صاحبه الصِّدِّيق رضي الله عنه أنه قال لما توفي :salla::"بأبي أنت وأمي والله لا يجمع الله عليك موتتين , أما الموتة التي كتب الله عليك فقد متها" وقال :" من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات"، واستدل على ذلك بالقرآن ورجع إليه جميع أصحاب النبي :salla:
وأما الحياة التي أثبتها الله للشهداء في القرآن ، وحياته :salla: التي ثبت في الحديث أنه يرد بها السلام على من سلم عليه : فكلتاهما حياة برزخية ، ليست معقولة لأهل الدنيا .
أما في الشهداء فقد نص تعالى على ذلك بقوله :"... وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ" وقد فسرها النبي :salla: بأنهم :"تجعل أرواحهم في حواصل طيور خضر ترتع في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فهم يتنعمون بذلك "
وأما ما ثبت عنه :salla:من أنه ( لا يسلم عليه أحد إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ) و ( أن الله وَكَّل ملائكته يبلغونه سلام أمته ) فإن تلك الحياة أيضا لا يعقل حقيقتها أهل الدنيا ؛ لأنها ثابتة له :salla: مع أن روحه الكريمة في أعلى عليين مع الرفيق الأعلى ، فوق أرواح الشهداء ، فتعلق هذه الروح الطاهرة التي هي في أعلى عليين بهذا البدن الشريف الذي لا تأكله الأرض يعلم الله حقيقته ، ولا يعلمها الخلق ، كما قال في جنس ذلك :"... وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ"، ولو كانت كالحياة التي يعرفها أهل الدنيا لما قال الصديق رضي الله عنه أنه :salla: مات ، ولما جاز دفنه ، ولا نصب خليفة غيره ، ولا قتل عثمان ، ولا اختلف أصحابه ، ولا جرى على عائشة ما جرى ، ولسألوه عن الأحكام التي اختلفوا فيها بعده ، كالعول ، وميراث الجد ، والإخوة ، ونحو ذلك .
وإذا صرح القرآن بأن الشهداء أحياء في قوله تعالى :"... بل أحياء "، وصرح بأن هذه الحياة لا يعرف حقيقتها أهل الدنيا بقوله :"...وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ" وكان النبي :salla: أثبت حياته في القبر بحيث يسمع السلام ويرده ، وأصحابه الذين دفنوه صلى الله عليه وسلم لا تشعر حواسهم بتلك الحياة ، عرفنا أنها حياة لا يعقلها أهل الدنيا أيضا , ومما يقرب هذا للذهن حياة النائم ، فإنه يخالف الحي في جميع التصرفات ، مع أنه يدرك الرؤيا ، ويعقل المعاني والله تعالى أعلم " ا.هـ. " دفع إيهام الاضطراب " (24-25)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (http://www.islam-qa.com/ar/ref/142769)
وَ الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ .