way_2_islam
2010-01-02, 11:30 AM
كتبه/ إيهاب الشريف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فاقتضت حكمة الله -تعالى- وجرت سنته بأن يجعل العباد يخلف بعضهم بعضًا في هذه الدنيا؛ فتموت طائفة وتأتي أخرى حتى يرث الله الأرض ومن عليها، تجري هذه السنة على كل البشر على حد سواء، غير أن أعظم فئات البشر وأكثرها أهمية طائفة العلماء والدعاة؛ لأنهم حياة الكون وروحه، بل أغلى من الهواء الذي يُتنفس؛ ولذا ينبغي علينا ألا نتهاون بوجودهم بيننا، وخاصة مع قِصَر الأعمار، وكثرة الحوائج والشواغل، فينبغي أن يهتم بهم أعظم اهتمام، وخاصة الجيل الثاني الذي سيتسلم الراية من بعدهم.
هذا والملاحظ في كثير من الأحيان والعصور أن الأتباع يكونون أقل وأضعف ممن سبقهم، ولربما كانت هذه هي السمة الغالبة.
ولذا كانت هذه الرسائل والتي أستغفر الله -تعالى- منها؛ لأني لست أهلاً لها، ولكنني أبذلها تأثمًا إذ خطرت ببالي فلعل البعض ينتفع بها.
أيها الدعاة الأكارم:
أولى هذه الرسائل: اعلموا حفظكم الله -تعالى- أن وجود العلماء نعمة عظيمة يجب شكرها، وللشكر صور كثيرة، منها:
الالتفاف حولهم والاستفادة من علمهم، والقرب المباشر منهم حتى يسهل انتقال التجارب منهم إليكم كما هي، سواء ما كان منها يتعلق بجانب التحصيل والطلب، أو بجانب الحركة والدعوة، فأوصي بجانب التأله والتعبد، وهو من الأهمية بمكان خاصة في زمن التصحر الإيماني المنتشر الآن!
فعليكم معشر الدعاة بالقرب المباشر من العلماء، وكثرة السؤال لهم، وطرح المشكلات عليهم، ومناقشتهم في حلها -مع العمق الفكري بلا شك كي لا تضيع أوقاتهم-؛ وذلك لنضم عقولنا إلى أنقى وأفضل عقول على ظهر الأرض -بإذن الله تعالى-، ولنبدأ من حيث انتهوا.
ولقد طالعنا في كتب أهل العلم المتقدمين أمثلة لذلك لعل من أبرزها: سؤالات ابن القيم لشيخ الإسلام -رحمهما الله-، بل أصبح مؤلفـًا يتداول.
وإنك -إن شاء الله- لترى نفع ذلك وأثره عندما تـُطعِّم كلامك وخطابك بفتاويهم، وتجاربهم، ووصاياهم.
2- الحرص التام على فهم المنهج بطريقة تفصيلية دقيقة، لا تـُترك صغيرة ولا كبيرة إلا جاء عليها؛ لأنها أمانة يراد إيصالها للأجيال القادمة، فمن الوفاء أن يكون الإبلاغ تامًا بلا تحريف ولا تبديل، ولربما وُجدت بعض المسائل لم يكن الجو مناسبًا لطرحها طبقـًا لميزان المصالح والمفاسد -وليس كل ما يعلم يقال ونحو ذلك- لربما تبث مع ذلك القرب.
هذا وإن هذه الرسالة من الأهمية بمكان لمن عاصر العلماء في عمرهم المبارك الكثير من المراحل بخلاف الجيل الثاني فلربما لم يواكب إلا رحلة واحدة، فلابد من نقل هذه الخبرات لمن بعدهم.
3- لكل عالم طريقة في التعليم والتربية والدعوة، والكل بلا شك يدور في فلك الكتاب والسنة بفهم السلف، لكن ربما يكون هناك بعض الاختلاف السائغ في هذه المناحي، فينبغي علينا أن نسع ذلك بعقولنا، ونحرص على الانتفاع بذلك التنوع في تكوين الصورة المتكاملة للمنهج والتي ينتج عنها الشخصية المتزنة.
ويتفرع على ذلك أهمية الانتقال بين العلماء والانتفاع بهم لا التقوقع على واحد فحسب، إذ ربما -وهو الغالب- برع الواحد في فرع وليس للآخر فيه نفس البراعة، ثم لكل منهم أيضًا تجارب دعوية وتربوية عميقة ينبغي ألا تهمل ولا يكون ذلك إلا بما ذكرته من الحرص على التكامل والتوازن، ولعله قد يكون من الأوقع والأفضل أن يُعطى كل باب إلى المتخصص فيه، وهكذا كان السلف يدورون على المشايخ، ولبعضهم من الشيوخ ما يصل إلى الألف أو يزيد.
4- كن في خدمة العلماء، تنتفع وترتقي، بل وتقوى الدعوة وتتقدم، إذ لا تقوم دعوة على جهود فردية، بل لابد من التعاون على البر والتقوى، ولعل هذه الكينونة توفر لهم من الوقت ما يبذل لتقدم الدعوة والإنتاج العلمي، وفي ذلك تفريغ للهم الذي يحملونه والذي تنوء بحمله الجبال الرواسي، ولنا في قصة موسى والخصر -عليهما السلام- مثلٌ وأسوة.
5- تيقن أنك كلما كبرت كبر شيخك، فاحذر من التعالم والتعالي عليهم، بل تواضع لهم تنتفع أكثر، فالماء إنما يستقر في السهول والوديان، لا التلال والهضاب!
ثم احذر أيضًا من رؤية النفس والعجب؛ خاصة في تعاملك مع من هو دونك، أو الفخر بما منَّ الله -تعالى- عليك به من القرب من العلماء، بل أدِ الزكاة مما منَّ الله به عليك يؤتك الله المزيد، ثم احذر كل الحذر من الصحبة لهم بعين النقد ورؤية العيوب، بل ردد: "اللهم استر عيب معلمي عني، ولا تنزع بركة علمه مني".
فخذ من كلٍ منهم أحسن ما تجد، واستر ما ترى من العيوب؛ إذ لا كمال لبشر سوى محمد -صلى الله عليه وسلم-، لا سيما والقرب مدعاة للاطلاع على ما لا يطلع عليه غيرك، فإياك أن تنشر ما لا يُنشر، أو تصد عن الانتفاع بهم لشيء رأيته من ذلك إذ "ليس من شريف، ولا عالم، ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه، ومن كان فضله أكثر من نقصه وُهب نقصه لفضله" كما قال ابن المسيب -رحمه الله-، ولا تنس أن تلك اللحوم مسمومة! ولربما فات العلم بضياع الأدب!
6- لنسجل ما تقع عليه أعيننا من تجاربهم ومواقفهم الحياتية: كيف طلبوا العلم؟ حالهم في العبادة، وكيف دعوا؟ وبم قوبِلوا؟؟ وكيف صارعوا الفتن وقاوموا الشهوات قابضين على جمر الصبر حتى منَّ الله -تعالى- على الصحوة بهذا الانتشار الكمي والكيفي؟!
ولعل الله يقيض لنا من يسجل هذه التجارب لتحلق فيما بعد بـ"سير أعلام النبلاء"، فعل الله أن ينفع بها.
7- الاعتناء بتراثهم ونتاجهم، تعلمًا وتعليمًا، واقتناء، بل وقبل ذلك طباعة ونشرًا، ولتقم على ذلك فئة من الواعين بخدمة التراث؛ حتى لا نتحسر بعدُ لفقد الجزء الفلاني من الكتاب الفلاني، كما يَرد في كتب التراث عند ذكر مؤلفات القدامى.
ولعل الله -عز وجل- يثيب هذه الثلة المتفرغة للعناية بهذا التراث وإخراجه في أحسن صورة، وتيسر الوصول إليه، لعل الله أن يجعل ذلك مما يصلهم بعد موتهم فيرفع به قدرهم.
أيها الأكارم الأفاضل: تلك سبع رسائل، ولربما كان الأولى أن تكون إلى السبعين أقرب، لكن كما ذكرتُ لكم لسنا لذلك أهلاً، ولعل بعض الغيورين يضيف لذلك بما يكون نفعه عامًا للدعاة كي لا يخرج جيل أضعف من الجيل الحالي، بل بنفس الفهم وعلى نفس المنهج، وقد اكتسب خبرة وحنكة تلك الثلة المباركة التي منَّ الله بها علينا، والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل، وبالإجابة جدير.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فاقتضت حكمة الله -تعالى- وجرت سنته بأن يجعل العباد يخلف بعضهم بعضًا في هذه الدنيا؛ فتموت طائفة وتأتي أخرى حتى يرث الله الأرض ومن عليها، تجري هذه السنة على كل البشر على حد سواء، غير أن أعظم فئات البشر وأكثرها أهمية طائفة العلماء والدعاة؛ لأنهم حياة الكون وروحه، بل أغلى من الهواء الذي يُتنفس؛ ولذا ينبغي علينا ألا نتهاون بوجودهم بيننا، وخاصة مع قِصَر الأعمار، وكثرة الحوائج والشواغل، فينبغي أن يهتم بهم أعظم اهتمام، وخاصة الجيل الثاني الذي سيتسلم الراية من بعدهم.
هذا والملاحظ في كثير من الأحيان والعصور أن الأتباع يكونون أقل وأضعف ممن سبقهم، ولربما كانت هذه هي السمة الغالبة.
ولذا كانت هذه الرسائل والتي أستغفر الله -تعالى- منها؛ لأني لست أهلاً لها، ولكنني أبذلها تأثمًا إذ خطرت ببالي فلعل البعض ينتفع بها.
أيها الدعاة الأكارم:
أولى هذه الرسائل: اعلموا حفظكم الله -تعالى- أن وجود العلماء نعمة عظيمة يجب شكرها، وللشكر صور كثيرة، منها:
الالتفاف حولهم والاستفادة من علمهم، والقرب المباشر منهم حتى يسهل انتقال التجارب منهم إليكم كما هي، سواء ما كان منها يتعلق بجانب التحصيل والطلب، أو بجانب الحركة والدعوة، فأوصي بجانب التأله والتعبد، وهو من الأهمية بمكان خاصة في زمن التصحر الإيماني المنتشر الآن!
فعليكم معشر الدعاة بالقرب المباشر من العلماء، وكثرة السؤال لهم، وطرح المشكلات عليهم، ومناقشتهم في حلها -مع العمق الفكري بلا شك كي لا تضيع أوقاتهم-؛ وذلك لنضم عقولنا إلى أنقى وأفضل عقول على ظهر الأرض -بإذن الله تعالى-، ولنبدأ من حيث انتهوا.
ولقد طالعنا في كتب أهل العلم المتقدمين أمثلة لذلك لعل من أبرزها: سؤالات ابن القيم لشيخ الإسلام -رحمهما الله-، بل أصبح مؤلفـًا يتداول.
وإنك -إن شاء الله- لترى نفع ذلك وأثره عندما تـُطعِّم كلامك وخطابك بفتاويهم، وتجاربهم، ووصاياهم.
2- الحرص التام على فهم المنهج بطريقة تفصيلية دقيقة، لا تـُترك صغيرة ولا كبيرة إلا جاء عليها؛ لأنها أمانة يراد إيصالها للأجيال القادمة، فمن الوفاء أن يكون الإبلاغ تامًا بلا تحريف ولا تبديل، ولربما وُجدت بعض المسائل لم يكن الجو مناسبًا لطرحها طبقـًا لميزان المصالح والمفاسد -وليس كل ما يعلم يقال ونحو ذلك- لربما تبث مع ذلك القرب.
هذا وإن هذه الرسالة من الأهمية بمكان لمن عاصر العلماء في عمرهم المبارك الكثير من المراحل بخلاف الجيل الثاني فلربما لم يواكب إلا رحلة واحدة، فلابد من نقل هذه الخبرات لمن بعدهم.
3- لكل عالم طريقة في التعليم والتربية والدعوة، والكل بلا شك يدور في فلك الكتاب والسنة بفهم السلف، لكن ربما يكون هناك بعض الاختلاف السائغ في هذه المناحي، فينبغي علينا أن نسع ذلك بعقولنا، ونحرص على الانتفاع بذلك التنوع في تكوين الصورة المتكاملة للمنهج والتي ينتج عنها الشخصية المتزنة.
ويتفرع على ذلك أهمية الانتقال بين العلماء والانتفاع بهم لا التقوقع على واحد فحسب، إذ ربما -وهو الغالب- برع الواحد في فرع وليس للآخر فيه نفس البراعة، ثم لكل منهم أيضًا تجارب دعوية وتربوية عميقة ينبغي ألا تهمل ولا يكون ذلك إلا بما ذكرته من الحرص على التكامل والتوازن، ولعله قد يكون من الأوقع والأفضل أن يُعطى كل باب إلى المتخصص فيه، وهكذا كان السلف يدورون على المشايخ، ولبعضهم من الشيوخ ما يصل إلى الألف أو يزيد.
4- كن في خدمة العلماء، تنتفع وترتقي، بل وتقوى الدعوة وتتقدم، إذ لا تقوم دعوة على جهود فردية، بل لابد من التعاون على البر والتقوى، ولعل هذه الكينونة توفر لهم من الوقت ما يبذل لتقدم الدعوة والإنتاج العلمي، وفي ذلك تفريغ للهم الذي يحملونه والذي تنوء بحمله الجبال الرواسي، ولنا في قصة موسى والخصر -عليهما السلام- مثلٌ وأسوة.
5- تيقن أنك كلما كبرت كبر شيخك، فاحذر من التعالم والتعالي عليهم، بل تواضع لهم تنتفع أكثر، فالماء إنما يستقر في السهول والوديان، لا التلال والهضاب!
ثم احذر أيضًا من رؤية النفس والعجب؛ خاصة في تعاملك مع من هو دونك، أو الفخر بما منَّ الله -تعالى- عليك به من القرب من العلماء، بل أدِ الزكاة مما منَّ الله به عليك يؤتك الله المزيد، ثم احذر كل الحذر من الصحبة لهم بعين النقد ورؤية العيوب، بل ردد: "اللهم استر عيب معلمي عني، ولا تنزع بركة علمه مني".
فخذ من كلٍ منهم أحسن ما تجد، واستر ما ترى من العيوب؛ إذ لا كمال لبشر سوى محمد -صلى الله عليه وسلم-، لا سيما والقرب مدعاة للاطلاع على ما لا يطلع عليه غيرك، فإياك أن تنشر ما لا يُنشر، أو تصد عن الانتفاع بهم لشيء رأيته من ذلك إذ "ليس من شريف، ولا عالم، ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه، ومن كان فضله أكثر من نقصه وُهب نقصه لفضله" كما قال ابن المسيب -رحمه الله-، ولا تنس أن تلك اللحوم مسمومة! ولربما فات العلم بضياع الأدب!
6- لنسجل ما تقع عليه أعيننا من تجاربهم ومواقفهم الحياتية: كيف طلبوا العلم؟ حالهم في العبادة، وكيف دعوا؟ وبم قوبِلوا؟؟ وكيف صارعوا الفتن وقاوموا الشهوات قابضين على جمر الصبر حتى منَّ الله -تعالى- على الصحوة بهذا الانتشار الكمي والكيفي؟!
ولعل الله يقيض لنا من يسجل هذه التجارب لتحلق فيما بعد بـ"سير أعلام النبلاء"، فعل الله أن ينفع بها.
7- الاعتناء بتراثهم ونتاجهم، تعلمًا وتعليمًا، واقتناء، بل وقبل ذلك طباعة ونشرًا، ولتقم على ذلك فئة من الواعين بخدمة التراث؛ حتى لا نتحسر بعدُ لفقد الجزء الفلاني من الكتاب الفلاني، كما يَرد في كتب التراث عند ذكر مؤلفات القدامى.
ولعل الله -عز وجل- يثيب هذه الثلة المتفرغة للعناية بهذا التراث وإخراجه في أحسن صورة، وتيسر الوصول إليه، لعل الله أن يجعل ذلك مما يصلهم بعد موتهم فيرفع به قدرهم.
أيها الأكارم الأفاضل: تلك سبع رسائل، ولربما كان الأولى أن تكون إلى السبعين أقرب، لكن كما ذكرتُ لكم لسنا لذلك أهلاً، ولعل بعض الغيورين يضيف لذلك بما يكون نفعه عامًا للدعاة كي لا يخرج جيل أضعف من الجيل الحالي، بل بنفس الفهم وعلى نفس المنهج، وقد اكتسب خبرة وحنكة تلك الثلة المباركة التي منَّ الله بها علينا، والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل، وبالإجابة جدير.