Ahmed_Negm
2010-02-20, 12:12 AM
http://www.islamonline.net/images/arabic/templates/slogo.gif
ومازال الأذان يصدح فوق جليد سيبيريا
د. رياض مصطفى
برغم المحاولات الكثيرة التي بذلت في مراحل مختلفة من تاريخ روسيا لطمس معالم الهوية الإسلامية في منطقة سيبيريا فإن ذلك لم يقض على نور الإسلام في تلك المنطقة الجليدية الواقعة شمال شرق روسيا.
ففي مدينة "توبولسك" التي نالت حظا بالغا من تلك الجهود لا يزال مسجد "توختاسين" قائما يدوي أذانه في سماء المدينة، التي كانت تعج بعشرات المساجد قبل أن تتعرض للهدم لصالح الكنائس التي صار عددها الآن 40 كنيسة.
كما لا يزال مسجدان آخران تحت الإنشاء، أحدهما وضع حجر أساسه في أغسطس من العام الماضي شمال المدينة، بينما الثاني في مرحلة جمع تبرعات لبنائه.
أذان المسجد لا يعد الدليل الوحيد حاليا على الوجود الإسلامي بسيبيريا؛ فشوارع توبولسك وسكانها توحي إلى الزائر في الوهلة الأولى أن الشعب المسلم الذي تسود فيه اللكنة التركية يمثل أغلبية المدينة، وإن كانت الإحصائيات الرسمية تقول إن نسبة المسلمين لا تتجاوز الـ30%.
ومن هذا المنطلق يقول كميل عبد الوحيدوف أحد سكان المدينة المسلمين والمتخصص في تاريخ المنطقة: "إن شاء الله سيكون الغد أفضل من الأمس".
ماض عريق
هذه الملامح الإسلامية في المدينة التي عرفت التوحيد في النصف الثاني من القرن الأول الهجري ليست إلا مؤشرا على تاريخ عريق للمسلمين في سيبيريا التي شهدت قيام دولة إسلامية في القرن السادس عشر استمرت عشر سنوات تحت حكم الإمبراطور "كوشيم خان".
وبنيت مدينة توبولسك في عهد "كوشيم خان" على جزأين؛ جزء في الجبال والآخر في التلال، أما الجزء الجبلي فقد تغيرت معالمه عبر السنوات، لكن الجزء الآخر الذي يوجد محصورا بين نهري إرتيش و غُرُويْ، فقد بقي على هيئته القديمة تقريبا.
وفي حديثه عن تاريخ "توبولسك" في ظل دولة المسلمين السابقة بسيبيريا استشهد المؤرخ الروسي ألكسيف بما ذكره رحالة دنماركي زار توبولسك قائلا: "لقد كانوا يحصلون على أرباح كبيرة، إنهم يعيشون في حرية، لا يدفعون مكوسا لأحد، يبيعون الكثير من الحبوب، والزبدة، والأسماك والبط والطيور الأخرى التي كانوا يصطادونها عند الأنهار بالفخاخ وصنارات الصيد".
وتابع قائلا: "الحياة هناك كانت مليئة بالحركة والنشاط فالحركة التجارية والاقتصادية كانت مبهرة، أسواق تعمل ليلا ونهارا، وفيها ما تلذ الأعين ومن كل ما تشتهيه الأنفس في تلك الأحياء كانت هناك محلات عديدة، وسوق كبير يعمل صباحا ومساء بأسعار مناسبة".
وأوضح أن: "لغة المسلمين في تلك الحقبة وفي عاصمة الدولة المسلمة كانت تكتب بالأحرف العربية، كما كان الحال في جميع الدول الإسلامية".
وعن الجانب الديني كتب: "أما أذانهم للصلاة فيذكرك بالأتراك المسلمين الذين يعتقدون أن المسيح كان نبيا، ويعرفون عن آدم، وإبراهيم، فضلا عن الأسلاف من الآباء والأنبياء".
هدم المساجد
ولكن تغير حال المدينة بعد سقوط الدولة في يد روسيا القيصرية، حيث يقول أحمد مكاروف أحد المؤرخين في تاريخ المسلمين بروسيا لـ"إسلام أون لاين": "لقد كانت هناك مقولة مشهورة في التاريخ تقول: حتى لا يكون بين الكنائس مسجد.. وقد قصد به في الفترة القيصرية أن لا يكون المسجد معلما ظاهرا في المدينة، كما اتخذت المقولة حجة لهدم المساجد في تلك الحقبة التاريخية".
ويضيف قائلا: "وعليه فقد كانت المساجد التي بنيت في الحقبة القيصرية لا تكاد تظهر فيها المآذن، في حين كانت الكنائس ترتفع شامخة في السماء".
ويوضح: "كان يمنع قبل القرن التاسع عشر بناء المساجد من الحجارة، حتى لا تصبح معالم أثرية مع الزمن، وحتى تتعرض إلى التلف بعد فترة زمنية معينة".
معركة المسجد والكنيسة
وفي ظل حكم القياصرة أيضا عمل رهبان الكنيسة في مدينة توبولسك محاولات عديدة لطرد المسلمين بل حاولوا أيضا إخراج المسيحيين الذين يعيشون بين المسلمين حتى لا يتأثروا بالمسلمين بحسب ما جاء في خطاب كبيرهم لموسكو عام 1643.
وبعد أن رفضت حكومة موسكو طلبا تقدموا به لتدمير المساجد وطرد التتار المسلمين من المدينة، تقدموا بطلب آخر لمنع بناء المساجد بين الكنائس.
ومع أن مطالب الرهبان لم تتحقق على الفور فقد ذكرت مصادر تاريخية أن اللجنة المتخصصة بتنصير المسلمين في كنيسة الدولة القيصرية قامت في منتصف القرن الثامن عشر بهدم 98 مسجدا في توبولسك من 133 مسجدا، وإن كانت جميع المحاولات التي اتخذت من طرف رجال الدين، في عام 1745 لطرد التتار والبخاريين وفرض المسيحية عليهم لم تنجح.
في المقابل نظم علماء المسلمين احتجاجات أوصلوها إلى القيصر آنذاك لكن الأمر لم يتغير على أرض الواقع، وبقي المسلمون ينظرون كيف تسقط مساجدهم وتظهر كنائس أخرى في أماكنها.
وتقدر بعض الإحصائيات غير الرسمية عدد سكان سيبيريا بـ28 مليون نسمة، بينهم نحو 4 ملايين مسلم، يتشكلون من قوميات التتار والمغول والأردية (زابرامكي كما يسميهم الروس) وبعض القوميات الأخرى المنتشرة في بلاد التركستان بالإضافة للسيبيريين المسلمين من أهل المنطقة.
ويتركز المسلمون في روسيا في منطقتين رئيستين: الأولى هي منطقة حوض الفولجا والأورال الواقعة في قلب روسيا وتتشكل من بشكيريا (60% من عدد سكانها مسلمون)، وأرينبيرج (30%)، وأدمورتيا (20%)، وتتارستان (60%)، وماري إيل (20%)، وتشوفاشيا (20%)، وموردوفيا (20%).
صحفي وباحث في الشؤون الروسية.
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1265890474513&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
ومازال الأذان يصدح فوق جليد سيبيريا
د. رياض مصطفى
برغم المحاولات الكثيرة التي بذلت في مراحل مختلفة من تاريخ روسيا لطمس معالم الهوية الإسلامية في منطقة سيبيريا فإن ذلك لم يقض على نور الإسلام في تلك المنطقة الجليدية الواقعة شمال شرق روسيا.
ففي مدينة "توبولسك" التي نالت حظا بالغا من تلك الجهود لا يزال مسجد "توختاسين" قائما يدوي أذانه في سماء المدينة، التي كانت تعج بعشرات المساجد قبل أن تتعرض للهدم لصالح الكنائس التي صار عددها الآن 40 كنيسة.
كما لا يزال مسجدان آخران تحت الإنشاء، أحدهما وضع حجر أساسه في أغسطس من العام الماضي شمال المدينة، بينما الثاني في مرحلة جمع تبرعات لبنائه.
أذان المسجد لا يعد الدليل الوحيد حاليا على الوجود الإسلامي بسيبيريا؛ فشوارع توبولسك وسكانها توحي إلى الزائر في الوهلة الأولى أن الشعب المسلم الذي تسود فيه اللكنة التركية يمثل أغلبية المدينة، وإن كانت الإحصائيات الرسمية تقول إن نسبة المسلمين لا تتجاوز الـ30%.
ومن هذا المنطلق يقول كميل عبد الوحيدوف أحد سكان المدينة المسلمين والمتخصص في تاريخ المنطقة: "إن شاء الله سيكون الغد أفضل من الأمس".
ماض عريق
هذه الملامح الإسلامية في المدينة التي عرفت التوحيد في النصف الثاني من القرن الأول الهجري ليست إلا مؤشرا على تاريخ عريق للمسلمين في سيبيريا التي شهدت قيام دولة إسلامية في القرن السادس عشر استمرت عشر سنوات تحت حكم الإمبراطور "كوشيم خان".
وبنيت مدينة توبولسك في عهد "كوشيم خان" على جزأين؛ جزء في الجبال والآخر في التلال، أما الجزء الجبلي فقد تغيرت معالمه عبر السنوات، لكن الجزء الآخر الذي يوجد محصورا بين نهري إرتيش و غُرُويْ، فقد بقي على هيئته القديمة تقريبا.
وفي حديثه عن تاريخ "توبولسك" في ظل دولة المسلمين السابقة بسيبيريا استشهد المؤرخ الروسي ألكسيف بما ذكره رحالة دنماركي زار توبولسك قائلا: "لقد كانوا يحصلون على أرباح كبيرة، إنهم يعيشون في حرية، لا يدفعون مكوسا لأحد، يبيعون الكثير من الحبوب، والزبدة، والأسماك والبط والطيور الأخرى التي كانوا يصطادونها عند الأنهار بالفخاخ وصنارات الصيد".
وتابع قائلا: "الحياة هناك كانت مليئة بالحركة والنشاط فالحركة التجارية والاقتصادية كانت مبهرة، أسواق تعمل ليلا ونهارا، وفيها ما تلذ الأعين ومن كل ما تشتهيه الأنفس في تلك الأحياء كانت هناك محلات عديدة، وسوق كبير يعمل صباحا ومساء بأسعار مناسبة".
وأوضح أن: "لغة المسلمين في تلك الحقبة وفي عاصمة الدولة المسلمة كانت تكتب بالأحرف العربية، كما كان الحال في جميع الدول الإسلامية".
وعن الجانب الديني كتب: "أما أذانهم للصلاة فيذكرك بالأتراك المسلمين الذين يعتقدون أن المسيح كان نبيا، ويعرفون عن آدم، وإبراهيم، فضلا عن الأسلاف من الآباء والأنبياء".
هدم المساجد
ولكن تغير حال المدينة بعد سقوط الدولة في يد روسيا القيصرية، حيث يقول أحمد مكاروف أحد المؤرخين في تاريخ المسلمين بروسيا لـ"إسلام أون لاين": "لقد كانت هناك مقولة مشهورة في التاريخ تقول: حتى لا يكون بين الكنائس مسجد.. وقد قصد به في الفترة القيصرية أن لا يكون المسجد معلما ظاهرا في المدينة، كما اتخذت المقولة حجة لهدم المساجد في تلك الحقبة التاريخية".
ويضيف قائلا: "وعليه فقد كانت المساجد التي بنيت في الحقبة القيصرية لا تكاد تظهر فيها المآذن، في حين كانت الكنائس ترتفع شامخة في السماء".
ويوضح: "كان يمنع قبل القرن التاسع عشر بناء المساجد من الحجارة، حتى لا تصبح معالم أثرية مع الزمن، وحتى تتعرض إلى التلف بعد فترة زمنية معينة".
معركة المسجد والكنيسة
وفي ظل حكم القياصرة أيضا عمل رهبان الكنيسة في مدينة توبولسك محاولات عديدة لطرد المسلمين بل حاولوا أيضا إخراج المسيحيين الذين يعيشون بين المسلمين حتى لا يتأثروا بالمسلمين بحسب ما جاء في خطاب كبيرهم لموسكو عام 1643.
وبعد أن رفضت حكومة موسكو طلبا تقدموا به لتدمير المساجد وطرد التتار المسلمين من المدينة، تقدموا بطلب آخر لمنع بناء المساجد بين الكنائس.
ومع أن مطالب الرهبان لم تتحقق على الفور فقد ذكرت مصادر تاريخية أن اللجنة المتخصصة بتنصير المسلمين في كنيسة الدولة القيصرية قامت في منتصف القرن الثامن عشر بهدم 98 مسجدا في توبولسك من 133 مسجدا، وإن كانت جميع المحاولات التي اتخذت من طرف رجال الدين، في عام 1745 لطرد التتار والبخاريين وفرض المسيحية عليهم لم تنجح.
في المقابل نظم علماء المسلمين احتجاجات أوصلوها إلى القيصر آنذاك لكن الأمر لم يتغير على أرض الواقع، وبقي المسلمون ينظرون كيف تسقط مساجدهم وتظهر كنائس أخرى في أماكنها.
وتقدر بعض الإحصائيات غير الرسمية عدد سكان سيبيريا بـ28 مليون نسمة، بينهم نحو 4 ملايين مسلم، يتشكلون من قوميات التتار والمغول والأردية (زابرامكي كما يسميهم الروس) وبعض القوميات الأخرى المنتشرة في بلاد التركستان بالإضافة للسيبيريين المسلمين من أهل المنطقة.
ويتركز المسلمون في روسيا في منطقتين رئيستين: الأولى هي منطقة حوض الفولجا والأورال الواقعة في قلب روسيا وتتشكل من بشكيريا (60% من عدد سكانها مسلمون)، وأرينبيرج (30%)، وأدمورتيا (20%)، وتتارستان (60%)، وماري إيل (20%)، وتشوفاشيا (20%)، وموردوفيا (20%).
صحفي وباحث في الشؤون الروسية.
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1265890474513&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout