صفاء
2010-02-21, 05:46 PM
عبدالعزيز الثعالبي رجل الحماسة والهمة
عبد العزيز الثعالبي علم من أعلام تونس الخضراء ، وكم في تونس من أعلام ، وكم ظهر فيها من رجال عظام منذ أنست بالفتح الإسلامي إلى يوم الناس هذا ، ولئن نكبت في هذا الزمان ببورقيبة وابن علي فإن فجرها قادم بإذن الله تعالى ، وضياءها منتشر عما قريب ، ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً.
كانت تونس إلى القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي ولاية تابعة للخلافة العثمانية ، ولما ضعفت الدولة العثمانية في أوائل ذلك القرن بدأت الأخطار تتهدد تونس من جهتي فرنسا وبريطانيا ، وابتدأ التدخل الأجنبي يؤثر في تونس منذ الثلث الأول من ذلك القرن ، وظهر ذلك فيما يعرف بالامتيازات التي منحت لفرنسا ثم انجلترا ، وفي عدد الأجانب الكبير الذي انتشر في البلد ، وصبغ الحياة هناك بالصبغة الغربية ، وأحاطت الدسائس بتونس التي كانت قد خطت خطوات إلى الحضارة والعمران على يد خير الدين التونسي الوزير ، والشيخ محمود قابادو وآخرين..
لكن ذلك لم يدم إذ سرعان ما سقطت البلاد في قبضة الفرنسيين سنة 1881 إثر مناوشات قبلية حدودية بين تونس والجزائر اتخذتها فرنسا ذريعة لاحتلال تونس ومن ثم إعلان الحماية عليها سنة 1882 في الثاني عشر من مايو ، وعلى إثر ذلك عينت فرنسا فرنسياً مستعرباً يدعي لويس ماشويل رئيساً لإدارة المعارف وأطلقت يده في البلد فاستولى على كل ما له علاقة بالتعليم والثقافة ، واستولى على التعليم في الجامعة الزيتونية ، ووضع قوانين تقدم الفرنسية على العربية في مناهج التدريس ، وأوقف النهضة العلمية في الزيتونة التي كانت قد جمعت آنذاك بين العلوم الشرعية والعصرية ، وقيدت فرنسا حريات التونسيين في التعبير والنشر وحولت الإدارة إلى النظم الفرنسية وجعلت اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية في البلد وأهملت المؤسسات التي خطت خطوات في الطريق إلى الحضارة والعمران كالزيتونة ومدرسة باردو الحربية التي جمعت بين العلوم العسكرية والهندسية والرياضية ، وكان غياب خير الدين التونسي عن تونس مؤثراً في الروح المعنوية لأهلها ، فقد استقال من الوزارة قبل الاحتلال الفرنسي لتونس وصار صدراً أعظم - رئيساً للوزراء - في الدولة العثمانية وبقي فيها إلى وفاته سنة 1890.
وظهر على إثر ذلك في تونس رجال يريدون الإصلاح والارتقاء مستمسكين بحبل الإسلام والعربية ، ومقابل هؤلاء ظهرت فئة تريد السير في ركاب فرنسا ، وهي فئة مستغربة أنشأت جمعية سمتها " قدماء الصادقية" ، وظهرت فئة ثالثة هي فئة المشايخ المعتزلين لذينك الفريقين ، وهم بين سلفي وصوفي .
أما الفئة الأولى التي بنت دعائم إصلاحها على أسس إسلامية وعربية وعلى إرادة الخلاص من فرنسا واحتلالها البغيض فقد برز فيها الشيخ سالم بو حاجب ، والبشير بن مصطفى صفر تلميذ خير الدين التونسي ، وقد كان لهم جمعية سموها (الحاضرة) وأصدروا جريدة أسبوعية لها الاسم نفسه ، ومن ثم أسسوا المدرسة الخلدونية سنة 1896 ، وفي تلك المدة برز الشيخ عبد العزيز الثعالبي الذي ولد سنة 1293 /1874 في تونس ، وهو من أصول جزائرية ، واهتم به جده المجاهد عبد الرحمن الثعالبي الذي قاوم الفرنسيين في الجزائر وقام على تعليمه وتحفيظه القرآن ومبادئ النحو والعقيدة ، ومن المواقف التي أثرت فيه في صغره أنه لما كان في السابعة من عمره رأى أمه تبكي فسألها عن السبب فقالت : أما رأيت الفرنجة يمرون من هنا ؟ إنهم يحتلون تونس ولن يخرجوا منها إلا بالحرب.
ثم التحق بمدرسة باب سويقة الابتدائية بتونس ثم بجامع الزيتونة ، واختلف المؤرخون هل أكمل دراسته أو لا ، وكان كثير الانتقاد لطرائق التدريس ومناهجه وكتبه ، وهذا أدى إلى تبرم بعض المشايخ منه.
ولما تألف في تونس الحزب الوطني الذي كان أول حزب يطالب بتحرير تونس سنة 1895 انضم إليه ، ثم أسس الحزب الوطني الإسلامي ، وكتب في الصحف داعياً إلى الاستقلال فعطل الفرنسيون جريدتين : المنتظر والمبشر ، فأسس جريدة سبيل الرشاد التي استمرت عاماً ثم عطلت ، ومن بعدها ضيقت الحكومة على الصحافة ، وهنا رأى أن تونس ضاقت عليه فقرر الخروج منها لكن الفرنسيين منعوه فهرب إلى طرابلس التي كانت لا تزال تحت الحكم العثماني فعمل السفير الفرنسي في طرابلس على إخراجه منها فخرج إلى استانبول عن طريق اليونان وبلغاريا فوصلها سنة 1898 وتحدث مع رجال الدولة وناقشهم في القضية التونسية ، ومن ثم غادرها إلى مصر واجتمع بكثير من كبارها ، ثم عاد إلى استانبول ومنها عاد إلى تونس فوصلها سنة 1902 بعد أن بقي أربع سنوات خارجها ، ومنذ ذلك الوقت أحاطت به محن وبلاءات أوجزها في الآتي :
1- قبض عليه سنة 1906 ووضع في السجن بتهمة محاربته للأولياء ، وأخذ سيراً على الأقدام من السجن إلى المحكمة وكان هناك عدد كبير من أهل البلاد قد اجتمعوا حوله رافعين علماً أبيض وكتبوا فيه : اقتلوا الثعالبي الكافر !! فسجن شهرين ثم خرج لينادي بالإصلاح الذي لم يرض عنه الفرنسيون ولا بعض المشايخ ، ولما احتلت إيطاليا ليبيا سنة 1911 حاول مساعدة المجاهدين وإرسال المساعدات فنقم عليه الفرنسيون صنيعه.
2- سنة 1912 قبض عليه الفرنسيون وأخرجوه خارج البلاد فأضربت البلاد ثلاثة أيام وأصر الشعب على رجوعه فأبى أن يرجع حتى يحقق الفرنسيون الإصلاح المنشود فقال له الفرنسيون : إن الحرب العامة على الأبواب فإذا انتهت الحرب قاموا بذلك ، فعاد إلى تونس سنة 1914.
3- ظل عاملاً في مجالات الإصلاح إلى أن اعتقل سنة 1920 وسجن في تونس ، ثم خرج من البلاد سنة 1923 وبقي خارج تونس حتى عام 1937 ، وكان سبب إخراجه هو مطالبته المستمرة بالحريات وعداؤه مع الباي – الحاكم – الجديد محمد الحبيب الذي كان من أصفيائه ثم لما تولى الحكم انقلب عليه وعلى مبادئه التي كان ينادي بها من قبل ، فغادر تونس إلى إيطاليا ففرنسا ، ثم إلى مصر فالحجاز ، ثم استقر به المقام في العراق حيث درّس في جامعة آل البيت ببغداد منذ سنة 1925 إلى سنة 1930 ، ولقد استفاد منه العراق فانتدبه للإشراف على البعثة الطلابية العراقية إلى مصر ، ومثّل العراق في مؤتمر الخلافة بمصر سنة 1925 الذي دعا إليه شيخ الأزهر عقب إسقاط الخلافة في اسطنبول ، وقد قيل إن ترشيحه ليشرف على الطلاب في مصر هو لإبعاده عن العراق التي كان له فيها مكانه عالية أخافت ذوي الأمر من الإنجليز وأذنابهم.
4- ثم ترك العراق إلى مصر ، ومنها سافر إلى الصين وسنغافورة وبورما والهند ، ثم عاد للقاهرة ومنها إلى تونس حيث استقبل استقبالاً حافلاً من الشعب وكاد الشعب يتوّجه عليه لكن قطعت فرنسا عليه الطريق حيث أعلنت حالة الحصار على البلاد ، وأنشأت المحاكم العرفية ، وهذا أدى إلى أن ينزوي في بيته ويتفرغ للتأليف والمحاضرات – أحياناً – إلى أن توفي سنة 1944 قبل أن يمتع ناظريه برؤية الاستخراب الفرنسي مطروداً من أرضه لكنه كان بلا منازع من أهم العوامل التي أسست لهذا الاستقلال وعملت له بجد واجتهاد.
يتبع بعون الله
عبد العزيز الثعالبي علم من أعلام تونس الخضراء ، وكم في تونس من أعلام ، وكم ظهر فيها من رجال عظام منذ أنست بالفتح الإسلامي إلى يوم الناس هذا ، ولئن نكبت في هذا الزمان ببورقيبة وابن علي فإن فجرها قادم بإذن الله تعالى ، وضياءها منتشر عما قريب ، ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً.
كانت تونس إلى القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي ولاية تابعة للخلافة العثمانية ، ولما ضعفت الدولة العثمانية في أوائل ذلك القرن بدأت الأخطار تتهدد تونس من جهتي فرنسا وبريطانيا ، وابتدأ التدخل الأجنبي يؤثر في تونس منذ الثلث الأول من ذلك القرن ، وظهر ذلك فيما يعرف بالامتيازات التي منحت لفرنسا ثم انجلترا ، وفي عدد الأجانب الكبير الذي انتشر في البلد ، وصبغ الحياة هناك بالصبغة الغربية ، وأحاطت الدسائس بتونس التي كانت قد خطت خطوات إلى الحضارة والعمران على يد خير الدين التونسي الوزير ، والشيخ محمود قابادو وآخرين..
لكن ذلك لم يدم إذ سرعان ما سقطت البلاد في قبضة الفرنسيين سنة 1881 إثر مناوشات قبلية حدودية بين تونس والجزائر اتخذتها فرنسا ذريعة لاحتلال تونس ومن ثم إعلان الحماية عليها سنة 1882 في الثاني عشر من مايو ، وعلى إثر ذلك عينت فرنسا فرنسياً مستعرباً يدعي لويس ماشويل رئيساً لإدارة المعارف وأطلقت يده في البلد فاستولى على كل ما له علاقة بالتعليم والثقافة ، واستولى على التعليم في الجامعة الزيتونية ، ووضع قوانين تقدم الفرنسية على العربية في مناهج التدريس ، وأوقف النهضة العلمية في الزيتونة التي كانت قد جمعت آنذاك بين العلوم الشرعية والعصرية ، وقيدت فرنسا حريات التونسيين في التعبير والنشر وحولت الإدارة إلى النظم الفرنسية وجعلت اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية في البلد وأهملت المؤسسات التي خطت خطوات في الطريق إلى الحضارة والعمران كالزيتونة ومدرسة باردو الحربية التي جمعت بين العلوم العسكرية والهندسية والرياضية ، وكان غياب خير الدين التونسي عن تونس مؤثراً في الروح المعنوية لأهلها ، فقد استقال من الوزارة قبل الاحتلال الفرنسي لتونس وصار صدراً أعظم - رئيساً للوزراء - في الدولة العثمانية وبقي فيها إلى وفاته سنة 1890.
وظهر على إثر ذلك في تونس رجال يريدون الإصلاح والارتقاء مستمسكين بحبل الإسلام والعربية ، ومقابل هؤلاء ظهرت فئة تريد السير في ركاب فرنسا ، وهي فئة مستغربة أنشأت جمعية سمتها " قدماء الصادقية" ، وظهرت فئة ثالثة هي فئة المشايخ المعتزلين لذينك الفريقين ، وهم بين سلفي وصوفي .
أما الفئة الأولى التي بنت دعائم إصلاحها على أسس إسلامية وعربية وعلى إرادة الخلاص من فرنسا واحتلالها البغيض فقد برز فيها الشيخ سالم بو حاجب ، والبشير بن مصطفى صفر تلميذ خير الدين التونسي ، وقد كان لهم جمعية سموها (الحاضرة) وأصدروا جريدة أسبوعية لها الاسم نفسه ، ومن ثم أسسوا المدرسة الخلدونية سنة 1896 ، وفي تلك المدة برز الشيخ عبد العزيز الثعالبي الذي ولد سنة 1293 /1874 في تونس ، وهو من أصول جزائرية ، واهتم به جده المجاهد عبد الرحمن الثعالبي الذي قاوم الفرنسيين في الجزائر وقام على تعليمه وتحفيظه القرآن ومبادئ النحو والعقيدة ، ومن المواقف التي أثرت فيه في صغره أنه لما كان في السابعة من عمره رأى أمه تبكي فسألها عن السبب فقالت : أما رأيت الفرنجة يمرون من هنا ؟ إنهم يحتلون تونس ولن يخرجوا منها إلا بالحرب.
ثم التحق بمدرسة باب سويقة الابتدائية بتونس ثم بجامع الزيتونة ، واختلف المؤرخون هل أكمل دراسته أو لا ، وكان كثير الانتقاد لطرائق التدريس ومناهجه وكتبه ، وهذا أدى إلى تبرم بعض المشايخ منه.
ولما تألف في تونس الحزب الوطني الذي كان أول حزب يطالب بتحرير تونس سنة 1895 انضم إليه ، ثم أسس الحزب الوطني الإسلامي ، وكتب في الصحف داعياً إلى الاستقلال فعطل الفرنسيون جريدتين : المنتظر والمبشر ، فأسس جريدة سبيل الرشاد التي استمرت عاماً ثم عطلت ، ومن بعدها ضيقت الحكومة على الصحافة ، وهنا رأى أن تونس ضاقت عليه فقرر الخروج منها لكن الفرنسيين منعوه فهرب إلى طرابلس التي كانت لا تزال تحت الحكم العثماني فعمل السفير الفرنسي في طرابلس على إخراجه منها فخرج إلى استانبول عن طريق اليونان وبلغاريا فوصلها سنة 1898 وتحدث مع رجال الدولة وناقشهم في القضية التونسية ، ومن ثم غادرها إلى مصر واجتمع بكثير من كبارها ، ثم عاد إلى استانبول ومنها عاد إلى تونس فوصلها سنة 1902 بعد أن بقي أربع سنوات خارجها ، ومنذ ذلك الوقت أحاطت به محن وبلاءات أوجزها في الآتي :
1- قبض عليه سنة 1906 ووضع في السجن بتهمة محاربته للأولياء ، وأخذ سيراً على الأقدام من السجن إلى المحكمة وكان هناك عدد كبير من أهل البلاد قد اجتمعوا حوله رافعين علماً أبيض وكتبوا فيه : اقتلوا الثعالبي الكافر !! فسجن شهرين ثم خرج لينادي بالإصلاح الذي لم يرض عنه الفرنسيون ولا بعض المشايخ ، ولما احتلت إيطاليا ليبيا سنة 1911 حاول مساعدة المجاهدين وإرسال المساعدات فنقم عليه الفرنسيون صنيعه.
2- سنة 1912 قبض عليه الفرنسيون وأخرجوه خارج البلاد فأضربت البلاد ثلاثة أيام وأصر الشعب على رجوعه فأبى أن يرجع حتى يحقق الفرنسيون الإصلاح المنشود فقال له الفرنسيون : إن الحرب العامة على الأبواب فإذا انتهت الحرب قاموا بذلك ، فعاد إلى تونس سنة 1914.
3- ظل عاملاً في مجالات الإصلاح إلى أن اعتقل سنة 1920 وسجن في تونس ، ثم خرج من البلاد سنة 1923 وبقي خارج تونس حتى عام 1937 ، وكان سبب إخراجه هو مطالبته المستمرة بالحريات وعداؤه مع الباي – الحاكم – الجديد محمد الحبيب الذي كان من أصفيائه ثم لما تولى الحكم انقلب عليه وعلى مبادئه التي كان ينادي بها من قبل ، فغادر تونس إلى إيطاليا ففرنسا ، ثم إلى مصر فالحجاز ، ثم استقر به المقام في العراق حيث درّس في جامعة آل البيت ببغداد منذ سنة 1925 إلى سنة 1930 ، ولقد استفاد منه العراق فانتدبه للإشراف على البعثة الطلابية العراقية إلى مصر ، ومثّل العراق في مؤتمر الخلافة بمصر سنة 1925 الذي دعا إليه شيخ الأزهر عقب إسقاط الخلافة في اسطنبول ، وقد قيل إن ترشيحه ليشرف على الطلاب في مصر هو لإبعاده عن العراق التي كان له فيها مكانه عالية أخافت ذوي الأمر من الإنجليز وأذنابهم.
4- ثم ترك العراق إلى مصر ، ومنها سافر إلى الصين وسنغافورة وبورما والهند ، ثم عاد للقاهرة ومنها إلى تونس حيث استقبل استقبالاً حافلاً من الشعب وكاد الشعب يتوّجه عليه لكن قطعت فرنسا عليه الطريق حيث أعلنت حالة الحصار على البلاد ، وأنشأت المحاكم العرفية ، وهذا أدى إلى أن ينزوي في بيته ويتفرغ للتأليف والمحاضرات – أحياناً – إلى أن توفي سنة 1944 قبل أن يمتع ناظريه برؤية الاستخراب الفرنسي مطروداً من أرضه لكنه كان بلا منازع من أهم العوامل التي أسست لهذا الاستقلال وعملت له بجد واجتهاد.
يتبع بعون الله