لطفي عيساني
2010-03-17, 03:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
معاشر دعاة الإصلاح:
إن من المعلوم أن هذا الدين قد قام بعد توفيق الله - تعالى - وعونه على أيدي أناس قد صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ونذروا أنفسهم، ابتغاء مرضات الله وطاعته، لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولذا فتحوا الأمصار، وتشرّف التاريخ بتخليد ذكرهم ومآثرهم على مر العصور.
وأغلب أولئك طائفة من الشباب الذين نشئوا وترعرعوا على طاعة الله، تدفق الإيمان في قلوبهم تدفق الدم في العروق، والنبي معهم بقلبه وقالبه، يعلمهم ويوجههم، حتى استطاع بفضل الله تعلى ثم بجهاده وجهادهم أن يبلّغ رسالة ربه أتم بلاغ، فبلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلى الله وسلم وبارك عليه وجزاه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
معاشر دعاة الإصلاح:
لما كان الشباب هم عماد الأمم، وعليهم أو بسببهم تقوم الأمم أو تهبط، حرص عليهم النبي، واهتم بشأنهم، وخصّهم بالذكر في أحاديث كثيرة، فأوصاهم بحفظ الفروج وصيانتها عما حرّم الله - تعالى - فقال: {يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء} [أخرجه الشيخان عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -] وجاء الأمر بذلك؛ لأن في الزواج عفة للطرفين، وفيه الاستغناء بالحلال عن الحرام، وفيه تكثير لأمة محمد.
ومن وصايا النبي لشباب أمته: حثه على النشأة في طاعة الله ثبت في الصحيح عنه أنه قال: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله} ومن ضمن أولئك {شاب نشأ في طاعة الله}.
ومن حرصه على شباب أمته أنه حذرهم من التفريط في ذلك العمر؛ لأنه زمن القوة والاكتمال، أخرج الحاكم والبيهقي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله: {اغتنم خمساً قبل خمس ـ وذكر منها ـ وشبابك قبل هرمك} فعدّ رسول الله زمن الشباب غنيمة، وحث على تداركها قبل فواتها؛ وذلك لأن تلك المرحلة يستطيع العبد أن يحصّل فيها ما يعجز بعد فواته.
ومن حرص الشارع الحكيم على تلك المرحلة أنه بين أن العبد مسؤول عنها بعينها، لعظم شأنها. عن ابن مسعود قال: قال رسول الله: {لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟..} إلخ الحديث، [أخرجه الترمذي].
معاشر دعاة الإصلاح:
لما كانت مرحلة الشباب أخصب مراحل العمر، ومنها يبني المرء شخصيته، ويشق طريقه في معترك الحياة، اغتنم الصحابة شبابهم في خدمة الإسلام وإعلاء كلمته، والمتأمل في مجتمع شباب الصحابة رضي الله - تعالى - عنهم يعجب من صادق عزمهم وعلو همتهم، فلقد كان الواحد لا يدخر وسعاً في تقديم النفع للإسلام على حسب طاقته وقدرته.
فمعاذ وابن مسعود وسالم - رضي الله عنهم - كانوا من القرآء، فكانوا مدارس لإقراء القرآن وتعليمه.
وزيد بن ثابت كان من كتاب الوحي وممن يجيد فهم لغة اليهود فكان ترجماناً لهم.
وعمرو بن سلمة على صغر سنه كان إذا حضرت الصلاة يَؤُم قومه ولا يُؤَم، لضبطه وحفظه كثيراً من آي القرآن الكريم.
وتميز عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله - تعالى - عنهما بشدة عنايته بكتابة السنة وتحريرها.
ومالك بن الحويرث يقول: أتينا إلى النبي ونحن شببه متقاربون.. إلى أن قال: فقال: {ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم ومروهم..} جاؤوا فتعلموا وعلموا، فكانوا رسل تعليم إلى أقوامهم.
وأما في مجال الجهاد والقتال فشجاعة ورباطة جأش لا مثيل لها، فقد فعلوا أموراً تسبق أعمارهم بمراحل كثيرة ولكن:
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
قال سعد بن أبي وقاص رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله يوم بدر يتوارى، فقلت: مالك يا أخي؟ قال: إني أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج؛ لعل الله أن يرزقني الشهادة.
قال: فعرض على رسول الله فاستصغره فرده، فبكى فأجازه، فكان سعد يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره فقتل وهو ابن ست عشرة سنة.
ولم يقف الحد عن مشاركتهم في الغزو فحسب، بل وصل بهم الأمر أن يكونوا رؤوساء في البعوث والسرايا بأمر النبي. فكان عكاشة بن محصن أميراً على أربعين رجلاً في سرية إلى الغمر، وزيد بن حارثه أميراً على سرية الحموم، وعمرو بن العاص أميراً على ثلاث مائة من المهاجرين والأنصار في ذات السلاسل، وأما أسامة بن زيد فكان من القادة الأفذاذ، فعلى صغر سنه إلا أنه تولى قيادة جيش فيه من يفوقه علماً وعمراً.
شاهد المقال: أن أولئك كانوا صغار الأعمار كبار الأقدار، علم الله صدق إيمانهم وإخلاصهم فرفع شأنهم وأعلى مكانتهم.
فكانوا مُثُلاً عُلياً يحتذي بهم المسلمون عامة وناشئهم خاصة، - فرضي الله عنهم - وجمعنا بهم في دار كرامته، إنه - تعالى - سميع مجيب.
معاشر دعاة الإصلاح:
لئن كان زمن الصحابة قد تميز عن غيره بسابق الفضل، لوجود النبي بينهم، إلا أن الخير باق في أمة محمد إلى قيام الساعة.
وقد حفظت لنا قصص التاريخ عجائب تذكّر بأمثلة الصحابة - رضي الله عنهم - في علو الهمة وعزة النفس، فهذا عقبة بن نافع أحد قادة بني أمية يقف - رحمه الله - تعالى - في أقصى المغرب بعد أن خاض بجواده بحر الظلمات المسمى بالمحيط الأطلسي يقف قائلا: (اللهم رب محمد لولا هذا البحر لفتحت الدنيا في سبيل إعلاء كلمتك، اللهم فاشهد).
وهذا قتيبة الباهلي الذي توغل في آخر المشرق، وأبى إلا أن يدخل بلاد الصين، فقال له أحد أتباعه محذراً مشفقاً: لقد أوغلت في بلاد الترك يا قتيبة، والحوادث بين أجنحة الدهر تقبل وتدبر، فأجابه قتيبة بقوله الخالد: (بثقتي بنصر الله توغلت، وإذا انقضت المدة لم تنفع العدة).
فلما رأى ذلك المحذر عزمه وتصميمه على المضي قال له: اسلك سبيلك يا قتيبة فهذا عزم لا يقله إلا الله.
معاشر دعاة الإصلاح:
ليس نفع الأمة مقصوراً على الجهاد فحسب، بل هناك ثغور كثيرة من التعلم والتعليم والتربية، والبذل والتضحية والفداء كل بحسب جهده.
فعلى شباب الأمة المصلحين أن يضعوا نصب أعينهم تلك الأمثلة من شباب الصحابة - رضي الله تعالى - عنهم وغيرهم.
تلك الأمثلة التي صنعت على العلم والإيمان، فكانوا قدوات في أقوالهم، وقدوات في أفعالهم وعباداتهم.
كانت هممهم تعلو الجبال. صدقوا الله فصدقهم.
كان الإمام البخاري في أول نشأته وشبابه حريصاً على العلم، وكان مثال القدوة في سمته ودلّه حتى أصبح من أشهر أئمة الإسلام، وكتابه أصح الكتب بعد القرآن، قل مثل هذا من قبله وبعده من الأئمة الأعلام كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، ومن جاء بعدهم وتأخر زمنهم كابن تيمية وغيره.
كانت نشأتهم على علم وبصيرة، فكانوا من آيات الله - تعالى - بين خلقه، فهنيئاً لهم ولمن تعاهد تعليمهم وتربيتهم فقل لي بربك كم يجري عليهم وعلى معلميهم من الأجر والثواب، فيا معشر من يتولى تربية ناشئة الإسلام أخلصوا النية لله - تعالى - في أقوالكم وأعمالكم، واجتهدوا وسعكم في إصلاح أولئك النشء، وتنشأتهم تنشئة مستمدة من الهدي النبوي على نهج سلف الأمة، عظّموا أمر الله - تعالى - في نفوسهم، عظموا جانب المعتقد، حذّروهم من البدع والمنكرات، رسخوا في قلوبهم محبة الله - تعالى - والعمل لمرضاته واتباع السنة، علموهم سير أولئك الأماجد، وتلك النماذج من شباب الصحابة - رضي الله عنهم -حبّبوا إليهم مجالس الخير، وحذّروهم من مجالس السوء وأصحاب السوء.
عظموا شأن الوالدين ووجوب البر بهما وخطورة عقوقهما.
معاشر دعاة الإصلاح:
إن من أعظم الأسباب الرئيسية في صلاح الناشئة ونفعهم لمجتمعهم وأمتهم: أن يلتفوا حول علماء الأمة الراسخين، يلتفون حولهم، تزوداً واستشارة ومجالسة، فإلى العلماء يردون، وعنهم يصدرون.
وكيف لا يكون ذلك وقد تعبّدنا الله - تعالى - بسؤالهم عما أشكل علينا " فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " [النحل: 43] فالقرب من العلماء وسؤالهم عما أشكل وتعسر من أعظم الأسباب في اجتناب الأخطاء أو تقليصها، فالقرب من العلماء غنيمة والبعد عنهم مصيبة.
معاشر الصالحين عليكم بمضاعفة الجهد واحتساب الأجر في رعاية ناشئة الإسلام.
فأعداء الخير من الداخل والخارج لا يدخرون وسعاً في عبور القنوات، وتسلق الأسوار، والدخول من كل باب؛ لإفساد المجتمع عامة وشبابه بخاصة.
كونوا على بصيرة.. والبصيرة هي العلم.
احذروا اليأس والقنوط.. احذروا العواطف المبهجة بغير علم، فالعواطف بلا علم تنقلب عواصف، واعلموا أن نجاح دعوة المصلح ليست مرهونة برؤية ثمار دعوته، بل المقصد أن يبذل ما عنده والتوفيق بيد الله وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ [هود: 88].
معاشر المصلحين من يتولى تربية الشباب:
اجتهدوا في دعوة الخير ونشر الخير، وأبشروا وأمّلوا بالأجر من الله والدعاء من الآباء والأمهات.
واعلموا أن أولئك النشء بذرة جعل الله غرسها على أيديكم، فأحسنوا غرسها، وتعاهدوا سقايتها حتى تؤتي أكلها على بصيرة.
فترى الداعية يعلم ونرى الشاعر يعلم والخطيب يعلم والواعظ يعلم.
معاشر المصلحين:
لينوا في أيدي ناشئتكم، وكونوا قدوة بأقوالكم وأفعالكم وجميع شأنكم، فأثر ذلك ينعكس عليهم، ومن سنّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
اللهم وفق المصلحين، وارزقهم البصيرة، وزدهم حرصاً على نشر الخير.
اللهم وفق الناشئة واجعلهم دعاة خير بعلم وبصيرة، إنك سميع مجيب الدعاء.
(http://www.midad.me/arts/view/20678#)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
معاشر دعاة الإصلاح:
إن من المعلوم أن هذا الدين قد قام بعد توفيق الله - تعالى - وعونه على أيدي أناس قد صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ونذروا أنفسهم، ابتغاء مرضات الله وطاعته، لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولذا فتحوا الأمصار، وتشرّف التاريخ بتخليد ذكرهم ومآثرهم على مر العصور.
وأغلب أولئك طائفة من الشباب الذين نشئوا وترعرعوا على طاعة الله، تدفق الإيمان في قلوبهم تدفق الدم في العروق، والنبي معهم بقلبه وقالبه، يعلمهم ويوجههم، حتى استطاع بفضل الله تعلى ثم بجهاده وجهادهم أن يبلّغ رسالة ربه أتم بلاغ، فبلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلى الله وسلم وبارك عليه وجزاه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
معاشر دعاة الإصلاح:
لما كان الشباب هم عماد الأمم، وعليهم أو بسببهم تقوم الأمم أو تهبط، حرص عليهم النبي، واهتم بشأنهم، وخصّهم بالذكر في أحاديث كثيرة، فأوصاهم بحفظ الفروج وصيانتها عما حرّم الله - تعالى - فقال: {يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء} [أخرجه الشيخان عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -] وجاء الأمر بذلك؛ لأن في الزواج عفة للطرفين، وفيه الاستغناء بالحلال عن الحرام، وفيه تكثير لأمة محمد.
ومن وصايا النبي لشباب أمته: حثه على النشأة في طاعة الله ثبت في الصحيح عنه أنه قال: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله} ومن ضمن أولئك {شاب نشأ في طاعة الله}.
ومن حرصه على شباب أمته أنه حذرهم من التفريط في ذلك العمر؛ لأنه زمن القوة والاكتمال، أخرج الحاكم والبيهقي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله: {اغتنم خمساً قبل خمس ـ وذكر منها ـ وشبابك قبل هرمك} فعدّ رسول الله زمن الشباب غنيمة، وحث على تداركها قبل فواتها؛ وذلك لأن تلك المرحلة يستطيع العبد أن يحصّل فيها ما يعجز بعد فواته.
ومن حرص الشارع الحكيم على تلك المرحلة أنه بين أن العبد مسؤول عنها بعينها، لعظم شأنها. عن ابن مسعود قال: قال رسول الله: {لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟..} إلخ الحديث، [أخرجه الترمذي].
معاشر دعاة الإصلاح:
لما كانت مرحلة الشباب أخصب مراحل العمر، ومنها يبني المرء شخصيته، ويشق طريقه في معترك الحياة، اغتنم الصحابة شبابهم في خدمة الإسلام وإعلاء كلمته، والمتأمل في مجتمع شباب الصحابة رضي الله - تعالى - عنهم يعجب من صادق عزمهم وعلو همتهم، فلقد كان الواحد لا يدخر وسعاً في تقديم النفع للإسلام على حسب طاقته وقدرته.
فمعاذ وابن مسعود وسالم - رضي الله عنهم - كانوا من القرآء، فكانوا مدارس لإقراء القرآن وتعليمه.
وزيد بن ثابت كان من كتاب الوحي وممن يجيد فهم لغة اليهود فكان ترجماناً لهم.
وعمرو بن سلمة على صغر سنه كان إذا حضرت الصلاة يَؤُم قومه ولا يُؤَم، لضبطه وحفظه كثيراً من آي القرآن الكريم.
وتميز عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله - تعالى - عنهما بشدة عنايته بكتابة السنة وتحريرها.
ومالك بن الحويرث يقول: أتينا إلى النبي ونحن شببه متقاربون.. إلى أن قال: فقال: {ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم ومروهم..} جاؤوا فتعلموا وعلموا، فكانوا رسل تعليم إلى أقوامهم.
وأما في مجال الجهاد والقتال فشجاعة ورباطة جأش لا مثيل لها، فقد فعلوا أموراً تسبق أعمارهم بمراحل كثيرة ولكن:
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
قال سعد بن أبي وقاص رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله يوم بدر يتوارى، فقلت: مالك يا أخي؟ قال: إني أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج؛ لعل الله أن يرزقني الشهادة.
قال: فعرض على رسول الله فاستصغره فرده، فبكى فأجازه، فكان سعد يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره فقتل وهو ابن ست عشرة سنة.
ولم يقف الحد عن مشاركتهم في الغزو فحسب، بل وصل بهم الأمر أن يكونوا رؤوساء في البعوث والسرايا بأمر النبي. فكان عكاشة بن محصن أميراً على أربعين رجلاً في سرية إلى الغمر، وزيد بن حارثه أميراً على سرية الحموم، وعمرو بن العاص أميراً على ثلاث مائة من المهاجرين والأنصار في ذات السلاسل، وأما أسامة بن زيد فكان من القادة الأفذاذ، فعلى صغر سنه إلا أنه تولى قيادة جيش فيه من يفوقه علماً وعمراً.
شاهد المقال: أن أولئك كانوا صغار الأعمار كبار الأقدار، علم الله صدق إيمانهم وإخلاصهم فرفع شأنهم وأعلى مكانتهم.
فكانوا مُثُلاً عُلياً يحتذي بهم المسلمون عامة وناشئهم خاصة، - فرضي الله عنهم - وجمعنا بهم في دار كرامته، إنه - تعالى - سميع مجيب.
معاشر دعاة الإصلاح:
لئن كان زمن الصحابة قد تميز عن غيره بسابق الفضل، لوجود النبي بينهم، إلا أن الخير باق في أمة محمد إلى قيام الساعة.
وقد حفظت لنا قصص التاريخ عجائب تذكّر بأمثلة الصحابة - رضي الله عنهم - في علو الهمة وعزة النفس، فهذا عقبة بن نافع أحد قادة بني أمية يقف - رحمه الله - تعالى - في أقصى المغرب بعد أن خاض بجواده بحر الظلمات المسمى بالمحيط الأطلسي يقف قائلا: (اللهم رب محمد لولا هذا البحر لفتحت الدنيا في سبيل إعلاء كلمتك، اللهم فاشهد).
وهذا قتيبة الباهلي الذي توغل في آخر المشرق، وأبى إلا أن يدخل بلاد الصين، فقال له أحد أتباعه محذراً مشفقاً: لقد أوغلت في بلاد الترك يا قتيبة، والحوادث بين أجنحة الدهر تقبل وتدبر، فأجابه قتيبة بقوله الخالد: (بثقتي بنصر الله توغلت، وإذا انقضت المدة لم تنفع العدة).
فلما رأى ذلك المحذر عزمه وتصميمه على المضي قال له: اسلك سبيلك يا قتيبة فهذا عزم لا يقله إلا الله.
معاشر دعاة الإصلاح:
ليس نفع الأمة مقصوراً على الجهاد فحسب، بل هناك ثغور كثيرة من التعلم والتعليم والتربية، والبذل والتضحية والفداء كل بحسب جهده.
فعلى شباب الأمة المصلحين أن يضعوا نصب أعينهم تلك الأمثلة من شباب الصحابة - رضي الله تعالى - عنهم وغيرهم.
تلك الأمثلة التي صنعت على العلم والإيمان، فكانوا قدوات في أقوالهم، وقدوات في أفعالهم وعباداتهم.
كانت هممهم تعلو الجبال. صدقوا الله فصدقهم.
كان الإمام البخاري في أول نشأته وشبابه حريصاً على العلم، وكان مثال القدوة في سمته ودلّه حتى أصبح من أشهر أئمة الإسلام، وكتابه أصح الكتب بعد القرآن، قل مثل هذا من قبله وبعده من الأئمة الأعلام كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، ومن جاء بعدهم وتأخر زمنهم كابن تيمية وغيره.
كانت نشأتهم على علم وبصيرة، فكانوا من آيات الله - تعالى - بين خلقه، فهنيئاً لهم ولمن تعاهد تعليمهم وتربيتهم فقل لي بربك كم يجري عليهم وعلى معلميهم من الأجر والثواب، فيا معشر من يتولى تربية ناشئة الإسلام أخلصوا النية لله - تعالى - في أقوالكم وأعمالكم، واجتهدوا وسعكم في إصلاح أولئك النشء، وتنشأتهم تنشئة مستمدة من الهدي النبوي على نهج سلف الأمة، عظّموا أمر الله - تعالى - في نفوسهم، عظموا جانب المعتقد، حذّروهم من البدع والمنكرات، رسخوا في قلوبهم محبة الله - تعالى - والعمل لمرضاته واتباع السنة، علموهم سير أولئك الأماجد، وتلك النماذج من شباب الصحابة - رضي الله عنهم -حبّبوا إليهم مجالس الخير، وحذّروهم من مجالس السوء وأصحاب السوء.
عظموا شأن الوالدين ووجوب البر بهما وخطورة عقوقهما.
معاشر دعاة الإصلاح:
إن من أعظم الأسباب الرئيسية في صلاح الناشئة ونفعهم لمجتمعهم وأمتهم: أن يلتفوا حول علماء الأمة الراسخين، يلتفون حولهم، تزوداً واستشارة ومجالسة، فإلى العلماء يردون، وعنهم يصدرون.
وكيف لا يكون ذلك وقد تعبّدنا الله - تعالى - بسؤالهم عما أشكل علينا " فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " [النحل: 43] فالقرب من العلماء وسؤالهم عما أشكل وتعسر من أعظم الأسباب في اجتناب الأخطاء أو تقليصها، فالقرب من العلماء غنيمة والبعد عنهم مصيبة.
معاشر الصالحين عليكم بمضاعفة الجهد واحتساب الأجر في رعاية ناشئة الإسلام.
فأعداء الخير من الداخل والخارج لا يدخرون وسعاً في عبور القنوات، وتسلق الأسوار، والدخول من كل باب؛ لإفساد المجتمع عامة وشبابه بخاصة.
كونوا على بصيرة.. والبصيرة هي العلم.
احذروا اليأس والقنوط.. احذروا العواطف المبهجة بغير علم، فالعواطف بلا علم تنقلب عواصف، واعلموا أن نجاح دعوة المصلح ليست مرهونة برؤية ثمار دعوته، بل المقصد أن يبذل ما عنده والتوفيق بيد الله وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ [هود: 88].
معاشر المصلحين من يتولى تربية الشباب:
اجتهدوا في دعوة الخير ونشر الخير، وأبشروا وأمّلوا بالأجر من الله والدعاء من الآباء والأمهات.
واعلموا أن أولئك النشء بذرة جعل الله غرسها على أيديكم، فأحسنوا غرسها، وتعاهدوا سقايتها حتى تؤتي أكلها على بصيرة.
فترى الداعية يعلم ونرى الشاعر يعلم والخطيب يعلم والواعظ يعلم.
معاشر المصلحين:
لينوا في أيدي ناشئتكم، وكونوا قدوة بأقوالكم وأفعالكم وجميع شأنكم، فأثر ذلك ينعكس عليهم، ومن سنّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
اللهم وفق المصلحين، وارزقهم البصيرة، وزدهم حرصاً على نشر الخير.
اللهم وفق الناشئة واجعلهم دعاة خير بعلم وبصيرة، إنك سميع مجيب الدعاء.
(http://www.midad.me/arts/view/20678#)