لطفي عيساني
2010-03-19, 01:27 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وأصلي وأسلم على من لا نبي بعده، - صلى الله عليه وآله وسلم -،
وبعد:
فإنَّ رأس مال المسلم في هذه الدنيا هو الوقت، والوقت أنفس من المال وأغلى، أرأيت لو أن محتضرًا وضع أمواله جميعًا ليُزاد في عمره يومًا واحدًا، أو ساعة، أو دقيقة واحدة هل يحصل له ذلك التمديد وتلك الزيادة؟ والجواب: لا، فإن ذلك لن يكون.
والأيام مراحل ومطايا، تُبْعِدُ من الدنيا وتُدني من الآخرة.
إنَّا لنفرحُ بالأيام نقْطعُهَا وكُلُّ يومٍ مَضَى يُدْني مِنَ الأجلِ نعم كلُّ يوم يُدني من القبور، ويبعدُ عن عامِرِ الدُّورِ، فهل من وقفة مع النفس؟
إنَّ الموفَّق من يسعى لصلاح حاله، بحيثُ يكونُ غدُهُ خيرًا مِنْ يومهِ، ويومُهُ أفضلَ من أمسهِ، وعامُهُ الجديدُ أفضلَ من عامِهِ الماضي، والكيس من حاسبَ نفسَهُ، وراجَعَ حساباتهِ، وفتحَ صفحةً جديدةً من حياتهِ، وتعهَّدَ رصيدَهُ الأُخرويَّ، وتزوَّدَ من العمل الصالح، وقدَّر لخطاهُ مواضِعَهَا، فعمر الإنسان هو موسم الزرع في هذه الدنيا، والحصاد هناك في الآخرة، فلا يحسن
بالمسلم أن يضيع أوقاته، وينفق رأس ماله فيما لا فائدة فيه، ومَن جَهِل قيمة الوقت الآن فسيأتي عليه حينٌ يعرف فيه قدره ونفاسته وقيمة العمل فيه، ولكن بعد فوات الأوان، وفي هذا يذكر القرآن موقفين للإنسان يندم فيهما على ضياع وقته حيث لا ينفع الندم:
الموقف الأول: ساعة الاحتضار، حيث يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو مُنح مهلة من الزمن، وأُخِّر إلى أجل قريب ليصلح ما أفسده ويتدارك ما فاته، قال الله - تعالى -: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون: 99- 100].
وهل يجاب لطلبه؟ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون: 100].
وقال - تعالى -: وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [المنافقون: 10].
يقول - تعالى -: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون: 11].
والموقف الثاني: في الآخرة، حيث تُوفَّى كل نفس ما عملت وتُجزى بما كسبت، ويدخل أهل الجنّةِ الجنةَ، وأهل النارِ النارَ، هناك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى حياة التكليف، ليبدأوا من جديد عملاً صالحًا.
هيهات هيهات لما يطلبون؛ فقد انتهى زمن العمل وجاء زمن الجزاء، قال الله - تعالى -: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام: 27- 28].
أخي الحبيب: الزمن كالمال كلاهما يجب الحرص عليه والاقتصاد في إنفاقه وتدبير أمره، وإن كان المال يمكن جمعه وادخاره بل وتنميته، فإنَّ الزمن عكس ذلك، وإذا كان الزمن مقدرًا بأجل معين وعُمر محدّد لا يمكن أن يُقدَّم أو يؤخَّر، وكانت قيمته في حُسن إنفاقه، وجب على كل إنسان أن يحافظ عليه ويستعمله أحسن استعمال ولا يفرط في شيء منه قلَّ أو كثر.
ولكي يحافظ الإنسان على وقته يجب أن يعرف أين يصرفه، وكيف يصرفه، وأعظم المصارف وأجلها طاعة الله - عز وجل -، فكل زمن أنفقته في تلك الطاعة لن تندم عليه أبدًا.
وليكن شعارك: إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ [الأنعام: 162- 163].
قال الحسن: من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه خذلانًا من الله - عز وجل -.
فينبغي للمؤمن أن يتخذ من مرور الليالي والأيام عبرة لنفسه، فإنَّ الليل والنهار يُبْلِيان كلَّ جديد، ويُقَرِّبان كل بعيد، ويطويان الأعمار، ويُشِيبَانِ الصغار، ويفنيان الكبار، قال بلال بن سعد: يُقال لأحدنا: تريد أن تموت؟ فيقول: لا، فيقال له: لِمَ؟ فيقول: حتى أتوب وأعمل صالحًا، فيقال له: اعمل؟ فيقول: سوف أعمل، فلا يحب أن يموت ولا يحب أن يعمل، فيؤخر عمل الله - تعالى -ولا يؤخر عمل الدّنيا.
فيا أخي الحبيب: استثمر وقتك ولا تضيع دقيقة منه، ولا تكن كمن إذا جاءه هاذم اللذات، ومفرق الجماعات، قال: رَبِّ ارْجِعُونِ، ولكن الرجعة مستحيلة، والعود بعيد، «كلا».
فاعمل - أخي - لهذا اليوم، واستعد له، واعلم أنه لن يصوم عنك أحد، ولن يصلِّي عنك أحد، ولن يُرضي عنك ربك أحدًا، فاعمل لنفسك، وأحسن فيما بقي يُغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي أُخذت بما مضى وما بقي.
جعلني الله وإياك ووالدينا في روضات الجنات، وبارك في أعمالنا وأوقاتنا، وجعل خير أعمالنا آخرها، وخير أعمارنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقائه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الحمد لله وحده، وأصلي وأسلم على من لا نبي بعده، - صلى الله عليه وآله وسلم -،
وبعد:
فإنَّ رأس مال المسلم في هذه الدنيا هو الوقت، والوقت أنفس من المال وأغلى، أرأيت لو أن محتضرًا وضع أمواله جميعًا ليُزاد في عمره يومًا واحدًا، أو ساعة، أو دقيقة واحدة هل يحصل له ذلك التمديد وتلك الزيادة؟ والجواب: لا، فإن ذلك لن يكون.
والأيام مراحل ومطايا، تُبْعِدُ من الدنيا وتُدني من الآخرة.
إنَّا لنفرحُ بالأيام نقْطعُهَا وكُلُّ يومٍ مَضَى يُدْني مِنَ الأجلِ نعم كلُّ يوم يُدني من القبور، ويبعدُ عن عامِرِ الدُّورِ، فهل من وقفة مع النفس؟
إنَّ الموفَّق من يسعى لصلاح حاله، بحيثُ يكونُ غدُهُ خيرًا مِنْ يومهِ، ويومُهُ أفضلَ من أمسهِ، وعامُهُ الجديدُ أفضلَ من عامِهِ الماضي، والكيس من حاسبَ نفسَهُ، وراجَعَ حساباتهِ، وفتحَ صفحةً جديدةً من حياتهِ، وتعهَّدَ رصيدَهُ الأُخرويَّ، وتزوَّدَ من العمل الصالح، وقدَّر لخطاهُ مواضِعَهَا، فعمر الإنسان هو موسم الزرع في هذه الدنيا، والحصاد هناك في الآخرة، فلا يحسن
بالمسلم أن يضيع أوقاته، وينفق رأس ماله فيما لا فائدة فيه، ومَن جَهِل قيمة الوقت الآن فسيأتي عليه حينٌ يعرف فيه قدره ونفاسته وقيمة العمل فيه، ولكن بعد فوات الأوان، وفي هذا يذكر القرآن موقفين للإنسان يندم فيهما على ضياع وقته حيث لا ينفع الندم:
الموقف الأول: ساعة الاحتضار، حيث يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو مُنح مهلة من الزمن، وأُخِّر إلى أجل قريب ليصلح ما أفسده ويتدارك ما فاته، قال الله - تعالى -: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون: 99- 100].
وهل يجاب لطلبه؟ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون: 100].
وقال - تعالى -: وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [المنافقون: 10].
يقول - تعالى -: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون: 11].
والموقف الثاني: في الآخرة، حيث تُوفَّى كل نفس ما عملت وتُجزى بما كسبت، ويدخل أهل الجنّةِ الجنةَ، وأهل النارِ النارَ، هناك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى حياة التكليف، ليبدأوا من جديد عملاً صالحًا.
هيهات هيهات لما يطلبون؛ فقد انتهى زمن العمل وجاء زمن الجزاء، قال الله - تعالى -: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام: 27- 28].
أخي الحبيب: الزمن كالمال كلاهما يجب الحرص عليه والاقتصاد في إنفاقه وتدبير أمره، وإن كان المال يمكن جمعه وادخاره بل وتنميته، فإنَّ الزمن عكس ذلك، وإذا كان الزمن مقدرًا بأجل معين وعُمر محدّد لا يمكن أن يُقدَّم أو يؤخَّر، وكانت قيمته في حُسن إنفاقه، وجب على كل إنسان أن يحافظ عليه ويستعمله أحسن استعمال ولا يفرط في شيء منه قلَّ أو كثر.
ولكي يحافظ الإنسان على وقته يجب أن يعرف أين يصرفه، وكيف يصرفه، وأعظم المصارف وأجلها طاعة الله - عز وجل -، فكل زمن أنفقته في تلك الطاعة لن تندم عليه أبدًا.
وليكن شعارك: إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ [الأنعام: 162- 163].
قال الحسن: من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه خذلانًا من الله - عز وجل -.
فينبغي للمؤمن أن يتخذ من مرور الليالي والأيام عبرة لنفسه، فإنَّ الليل والنهار يُبْلِيان كلَّ جديد، ويُقَرِّبان كل بعيد، ويطويان الأعمار، ويُشِيبَانِ الصغار، ويفنيان الكبار، قال بلال بن سعد: يُقال لأحدنا: تريد أن تموت؟ فيقول: لا، فيقال له: لِمَ؟ فيقول: حتى أتوب وأعمل صالحًا، فيقال له: اعمل؟ فيقول: سوف أعمل، فلا يحب أن يموت ولا يحب أن يعمل، فيؤخر عمل الله - تعالى -ولا يؤخر عمل الدّنيا.
فيا أخي الحبيب: استثمر وقتك ولا تضيع دقيقة منه، ولا تكن كمن إذا جاءه هاذم اللذات، ومفرق الجماعات، قال: رَبِّ ارْجِعُونِ، ولكن الرجعة مستحيلة، والعود بعيد، «كلا».
فاعمل - أخي - لهذا اليوم، واستعد له، واعلم أنه لن يصوم عنك أحد، ولن يصلِّي عنك أحد، ولن يُرضي عنك ربك أحدًا، فاعمل لنفسك، وأحسن فيما بقي يُغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي أُخذت بما مضى وما بقي.
جعلني الله وإياك ووالدينا في روضات الجنات، وبارك في أعمالنا وأوقاتنا، وجعل خير أعمالنا آخرها، وخير أعمارنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقائه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.