لطفي عيساني
2010-03-19, 11:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
لما فتحت مدائن قبرص وقع الناس يقتسمون السبي، ويفرقون بينهم - أي بين سبايا العدو - ويبكى بعضهم على بعض، فتنحى أبو الدرداء ثم احتبى بحمائل سيفه فجعل يبكى، فأتاه جبير بن نفير فقال: ما يبكيك يا أبا الدرداء أتبكى في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، وأذل فيه الكفر وأهله؟ فضرب على منكبيه، ثم قال: ثكلتك أمك يا جبير بن نفير ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره؛ بينما هي أمة قاهرة ظاهرة على الناس لهم الملك حتى تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى، وإنه إذا سُلط السباء على قوم فقد خرجوا من عين الله ليست لله بهم حاجة. رواه سعيد بن منصور في السنن وأبو نعيم في الحلية.
تذكرت هذه المقولة في بلاد الأندلس (أسبانيا)..
فبينما أمة الإسلام أمة قاهرة ظاهرة على الناس في بلاد الأندلس ذات صولات وجولات تقف على حدود فرنسا (في بواتيه) وتهدد عروش الكفر يخاف الكل سطوتها حتى ضيّعت أمر الله وفتحت على نفها ثغرات قاتلة ابتداء من أبرز أسباب الهلاك (التنافس على الدنيا) (فتنافسوها كما تنافسوها) يعني الذين من قبلنا (فتهلككم كما أهلكتهم) إلى (الركون إلى الدنيا وكراهية الموت) وقد عبّر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بـ (الوهن) ..
إلى التناحر والتقاسم إلى دويلات يصفها شاعر معاصر لها هو الحسن بن رشيق بقوله:
مما يزهدني في أرض أندلس ***** أسـمـاء معتصم فيهـا ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها***** كالهـرِّ يحكي انتفاخا صولة الأسد
إلى ثغرات أخرى مثل (موالات الكافر والاستنصار به على المسلم) ولو أدى ذلك إلى التنازل عن شيء من الأرض أو الدين.
إلى الانهماك في الملذّات واتـّباع الشهوات، وتقديم الطرب وأهله على الجهاد والمجاهدين، بل والإنفاق عليه أكثر من الإنفاق في سبيل الله.
بينا هي أمة قاهرة إذ فتحت على نفسها تلك الثغرات وغيرها حتى إذا تمكّن العدو منها، خرجت ذليلة تجرّ أذيال الهزيمة حتى قالت أم أبي عبد الله الصغير لابنها الذي أضاع نفسه وملكه: أبك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال.
فلما أضاعوا أمر الله ضاعوا.
رأيت هذا رأي عين في أسبانيا، فبينما المسلمون ترتفع منائرهم تناطح السحاب، وتصدح منابرهم بأصوات الحق عالية مدوّية، حفظهم الله يوم حفظوا حدوده وأطاعوا أوامره.
ثم أضاعوا أمر الله فضيّعهم الله، حتى أصبح المسلمون اليوم في بلاد الأندلس يُمنحون شقوقا - ربما تكون تحت الأرض - لـيُصلّوا فيها، بل هذا المنح هو منح مؤقت قابل للاسترجاع في أي وقت.
فكم بين الأمس واليوم؟
كم بين دخول طارق بن زياد فاتحا بوابة الأندلس (جبل طارق) منتصرا، وكم بين خروج أبي عبد الله الصغير ذليلا منهزما يتلوا تلك الهزائم سقوط الأندلس ومحاكم التفتيش وما صاحبها من ذل للمسلمين حتى كان الاختتان يُعدّ جريمة في عرف النصارى، ولما أعلن النصارى العفو عمن خرج من المسلمين من بلاد الأندلس خرج يومئذ أكثر من خمسمائة ألف مسلم.
كم بين دخول طارق بن زياد فاتحا وبين تلف الأنفس اليوم - غرقا - في ذلك المضيق لجوءا إلى (أسبانيا) بحثا عن لقمة العيش؟
كم بين دخول الفاتحين أعزّة، وبين لجوء المهجّرين إلى بلاد المشركين؟
كم بين ذلك الأمس المشرق واليوم المظلم؟
من عَرَفَ الأمس ببطولاته وانتصاراته فلن يعتقد أن هناك صلة بين الأمس واليوم؟
بل ربما لن يعتقد أن ثمة صلة بين أولئك الآباء وهؤلاء الأحفاد.
كيف لو خرج طارق أو عبد الرحمن الناصر ورأى ما حلّ بالأندلس، وما حلّ بقصر الحمراء ومسجد قرطبة الجامع؟
أما إنه لن يبكي على الأطلال بل سيموت كمداً.
لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ ***** إن كان في القلب إسلام وإيمان
وكفى …
لما فتحت مدائن قبرص وقع الناس يقتسمون السبي، ويفرقون بينهم - أي بين سبايا العدو - ويبكى بعضهم على بعض، فتنحى أبو الدرداء ثم احتبى بحمائل سيفه فجعل يبكى، فأتاه جبير بن نفير فقال: ما يبكيك يا أبا الدرداء أتبكى في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، وأذل فيه الكفر وأهله؟ فضرب على منكبيه، ثم قال: ثكلتك أمك يا جبير بن نفير ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره؛ بينما هي أمة قاهرة ظاهرة على الناس لهم الملك حتى تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى، وإنه إذا سُلط السباء على قوم فقد خرجوا من عين الله ليست لله بهم حاجة. رواه سعيد بن منصور في السنن وأبو نعيم في الحلية.
تذكرت هذه المقولة في بلاد الأندلس (أسبانيا)..
فبينما أمة الإسلام أمة قاهرة ظاهرة على الناس في بلاد الأندلس ذات صولات وجولات تقف على حدود فرنسا (في بواتيه) وتهدد عروش الكفر يخاف الكل سطوتها حتى ضيّعت أمر الله وفتحت على نفها ثغرات قاتلة ابتداء من أبرز أسباب الهلاك (التنافس على الدنيا) (فتنافسوها كما تنافسوها) يعني الذين من قبلنا (فتهلككم كما أهلكتهم) إلى (الركون إلى الدنيا وكراهية الموت) وقد عبّر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بـ (الوهن) ..
إلى التناحر والتقاسم إلى دويلات يصفها شاعر معاصر لها هو الحسن بن رشيق بقوله:
مما يزهدني في أرض أندلس ***** أسـمـاء معتصم فيهـا ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها***** كالهـرِّ يحكي انتفاخا صولة الأسد
إلى ثغرات أخرى مثل (موالات الكافر والاستنصار به على المسلم) ولو أدى ذلك إلى التنازل عن شيء من الأرض أو الدين.
إلى الانهماك في الملذّات واتـّباع الشهوات، وتقديم الطرب وأهله على الجهاد والمجاهدين، بل والإنفاق عليه أكثر من الإنفاق في سبيل الله.
بينا هي أمة قاهرة إذ فتحت على نفسها تلك الثغرات وغيرها حتى إذا تمكّن العدو منها، خرجت ذليلة تجرّ أذيال الهزيمة حتى قالت أم أبي عبد الله الصغير لابنها الذي أضاع نفسه وملكه: أبك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال.
فلما أضاعوا أمر الله ضاعوا.
رأيت هذا رأي عين في أسبانيا، فبينما المسلمون ترتفع منائرهم تناطح السحاب، وتصدح منابرهم بأصوات الحق عالية مدوّية، حفظهم الله يوم حفظوا حدوده وأطاعوا أوامره.
ثم أضاعوا أمر الله فضيّعهم الله، حتى أصبح المسلمون اليوم في بلاد الأندلس يُمنحون شقوقا - ربما تكون تحت الأرض - لـيُصلّوا فيها، بل هذا المنح هو منح مؤقت قابل للاسترجاع في أي وقت.
فكم بين الأمس واليوم؟
كم بين دخول طارق بن زياد فاتحا بوابة الأندلس (جبل طارق) منتصرا، وكم بين خروج أبي عبد الله الصغير ذليلا منهزما يتلوا تلك الهزائم سقوط الأندلس ومحاكم التفتيش وما صاحبها من ذل للمسلمين حتى كان الاختتان يُعدّ جريمة في عرف النصارى، ولما أعلن النصارى العفو عمن خرج من المسلمين من بلاد الأندلس خرج يومئذ أكثر من خمسمائة ألف مسلم.
كم بين دخول طارق بن زياد فاتحا وبين تلف الأنفس اليوم - غرقا - في ذلك المضيق لجوءا إلى (أسبانيا) بحثا عن لقمة العيش؟
كم بين دخول الفاتحين أعزّة، وبين لجوء المهجّرين إلى بلاد المشركين؟
كم بين ذلك الأمس المشرق واليوم المظلم؟
من عَرَفَ الأمس ببطولاته وانتصاراته فلن يعتقد أن هناك صلة بين الأمس واليوم؟
بل ربما لن يعتقد أن ثمة صلة بين أولئك الآباء وهؤلاء الأحفاد.
كيف لو خرج طارق أو عبد الرحمن الناصر ورأى ما حلّ بالأندلس، وما حلّ بقصر الحمراء ومسجد قرطبة الجامع؟
أما إنه لن يبكي على الأطلال بل سيموت كمداً.
لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ ***** إن كان في القلب إسلام وإيمان
وكفى …