مشاهدة النسخة كاملة : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
عِظَمُ المِنَّةْ
في رؤيَةِ المؤمنِيْنَ رَبهم في الجنَّةِ
تأليف
عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل
الحمد لله الذي منَّ على أهل الإيمان بالنعيم المقيم في جنات النعيم ، وزادهم على ذلك النظر إلى وجهه الكريم ، فنعمه على عباده لاتحصى وفضله عليهم لايستقصى . أحمده حمد معترف بآلائه ، وأشكره شكراً يوصل إلى المزيد من نعمائه وأشهد ألاَّ إله إلا الله وحده لاشريك له شهادة أرجو بها الفوز في يوم القيام وأدخرها سلم نجاة في يوم الزحام .
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، أرسله إلى العالمين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، وعلى آله وصحبه الأتقياء الأمجاد ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد .
وبعد ..
فهذا بحث أقدمه بين أيدي القراء وموضوعه (( إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الجنة )) بالأدلة ، راجيا من المولى عزوجل أن ينفعهم بما فيه من بيان وهدى .
الباعث على اختيار الموضوع :
أولاً : إن هذا الموضوع قد غلط فيه أقوام كثيرون وزلت بسببه أقدامهم كالمعتزلة (1) والجهمية (2) ومن نحا نحوهم حيث أنكروا رؤية أهل الجنة ربهم واستدلوا بما لاينهض بحجة ولا يتشبث به إلا معاند لأن الأدلة السمعية من الكتاب والسنة على إثبات الرؤية ظاهرة جلية لمن تدبر وأمعن وحالفه التوفيق
وفي بحثي هذا سوف أستعرض أدلة النافين للرؤية وأناقشها لأبين ماترزح فيه من وَهَن وأُوفي الموضوع حقه إن شاء الله تعالى .
ثانياً : سوف أحاول جمع أدلة الرؤية من كتاب الله تقدست أسماؤه وسنة رسولهsalla ليكون البحث مستوفياً أطرافه جامعاً لما تفرق .
ثم إني بعد أن أورد الأدلة من الكتاب العزيز أذكر أقوال أهل العلم وأئمة التفسير في بيانها عازيا كل قول إلى صاحبه وإن كان التفسير نبويَّا أو قول صحابي أو تابعي ذكرته وعند سوقي للأدلة من السنة سوف أعزو الأحاديث إلى مخرجيها .
والله أسأل أن يوفقنا لسلوك المحجة البيضاء ويحشرنا يوم القيامة في زمرة خير الأنبياءsalla .
______________
1_ المعتزلة : هم أصحاب واصل بن عطاء البصري الغزال المتكلم البليغ قديم المعتزلة
وشيخها وأول من أظهر المنزلة بين المنزلين وقد اعتزل عن الحسن لما خالفه وجلس
إليه عمرو بن عبيد فقيل لهما ولأتباعهما معتزلون ولد بالمدينة سنة ثمانين وتوفي
سنة مائة واحدى وثلاثين من الهجرة : ابن حجر : لسان الميزان 6 / 313 .
2_ الجهمية : هم أصحاب جهم بن صفوان وهم من الجبرية الخالصة ظهرت بدعته
بترمذ وقتله سام بن أحوز المازني بمرو في آخر ملك أمية وافق المعتزلة في نفي
الصفات وزاد عليهم بأشياء : الشهرستاني ، الملل والنحل 1 / 86 .
أدلة الرؤية من الكتاب :
اعلم نفعني الله تعالى وإياك بهدي كتابه العزيز أنه أجمع أهل السنة والجماعة على أن رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة ممكنة وقد جاء الوعد بها صريحا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه ما نصه (( نعم رؤية الله بالأبصار هي للمؤمنين في الجنة وهي أيضا للناس في عرصات القيامة كما تواترت بها الأحاديث عن النبي salla حيث قال : ( إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب ) إلى أن قال : (( وهذه الأحاديث وغيرها في الصحاح وقد تلقاها السلف والأئمة بالقبول واتفق عليها أهل السنة والجماعة وإنما يكذبها أو يحرفها الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة والرافضة ونحوهم الذين يكذبون بصفات الله تعالى وبرؤيته وغير ذلك وهم المعطلة شرار الخلق والخليقة )) (1) .
وقد استند أهل السنة والجماعة في إثبات الرؤية إلى الأدلة القاطعة من الكتاب والسنة .
وسوف نسرد أولا أدلتهم مشفعة بما قاله فيها أولو العلم وأئمة هذا الشأن .
الدليل الأول :
قول الله عزوجل : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
اعلم رحمني الله وإياك أن هذه الآية العظيمة من أقوى الأدلة وأصرحها على أن المؤمنين يرون ربهم في يوم القيامة كما ينظرون إلى القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته كذا فسرها رسول الله salla كما في حديث ابن عمر الثابت الآتي قريبا مع جملة من أحاديث الرؤية .
وقد أجمع علماء التفسير _ عدا المعتزلة ومن جرى في سلكهم _ على أن قول الله تبارك وتعالى : { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } أنها تراه عيانا لتعديه في الآية بإلى وإليك ذكر ما قالوه حولها :
قال أهل اللغة : (( يقال شجر ناضر وروض ناضر أي حسن ناعم ونضارة العيش حسنه وبهجته )) قال ابن كثير : (( أي حسنة بهية مشرقة مسرورة )) (2) .
ثم اعلم أن النظر له عدة استعمالات كما ذكره صاحب حادي الأرواح (3) وشارح الطحاوية (4) وغيرهما ، وذلك بحسب صلاته وتعديه :
فإن عُدي بنفسه فمعناه التوقف والانتظار كقوله عز من قائل : { انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } (5)
وإن عدي بفي فمعناه التفكر والاعتباركقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } (6)
وإن عدي بإلى فمعناه المعاينة بالأبصار كقوله تعالى : { انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ } (7) .
ومنه قول امرئ القيس :
نظرت إليها والنجوم كأنها
مصابيح رهبان تشب لقفال
وقول عمر بن أبي ربيعة :
نظرت إليها بالمحصب من منى
ولي نظر لولا التحرج عارم
______________
1_ ابن تيمية : الفتاوى 3 / 390 – 391
2- ابن كثير 4 / 450 .
3_ / 304 .
4_ / 305 .
5_ الحديد : 13 .
6_ الأعراف : 184 .
7_ الأنعام : 99 .
وقول الآخر :
إني إليك لما وعدت لناظر .
نظر الفقير إلى الغني الموسر .
والمعنى أنظر إليك نظر ذل كما ينظر الفقير إلى الغني لأن نظر الذل أرق لقلب المسؤول فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل للإبصار .
قال أبو الحسن الأشعري : (( ولما قرن الله النظر بذكر الوجه أراد نظر العينين اللتين في الوجه كما قال تعالى : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } (1) فذكر الوجه وإنما أراد تقلب عينيه نحو السماء ينظر نزول الملك عليه بصرف الله له عن قبلة بيت المقدس إلى الكعبة )) .
وعلى هذا فإن الآية الكريمة من المعنى الأخير وهو المعاينة بالأبصار لتعديه في الآية بإلى ولذا خطأ الأزهري مجاهدا حينما قال (( إن النظر في هذه الآية انتظار مالهم عند الله من الثواب قال لأنه لا يقال نظر إلى كذا بمعنى الانتظار وقول القائل نظرت إلى فلان ليس إلا رؤية عين . وإذا أراد الإنتظار قالوا نظرته كما في قول امرئ القيس :
فإنكما إن تنظراني ساعة .
من الدهر تنفعني لدى أم جندب .
أي تنتظراني )) (2) .
قال النسفي عند تفسير هذه الآية (( وحمل النظر على الانتظار لأمر ربها أو الثواب لايصح لأنه لايقال نظرت فيه أي تفكرت ونظرته وانتظرته ولايعدى بإلى إلا بمعنى الرؤية مع أنه لايليق الانتظار في دار القرار )) (3) .
______________
1_ البقرة : 144 .
2_ القرطبي : الجامع لأحكام القرآن 19 / 109 ، الشوكاني : فتح القدير 5 / 338.
3_ تفسير النسفي 53 / 31 .
فقوله لايليق الانتظار إلخ هذا أمر ظاهر لأن الانتظار كما قال أبو الحسن الأشعري : (( معه تنغيص وتكدير وأهل الجنة لهم مالا عين رأت ولا أذن سمعت من العيش السليم والنعيم المقيم إلى أن قال : وإذا كان هكذا لم يجز أن يكونوا منتظرين لأنهم كلما خطر ببالهم شئ أتوا به مع خطوره ببالهم )) (1)
ونقل صاحب الفتح عن البيهقي مالفظه (( وجه الدليل من الآية أن لفظ ناضرة الأول بالضاد المعجمة من النضرة بمعنى السرور ولفظ ناظرة بالظاء المعجمة يحتمل في كلام العرب أربعة أشياء :
نظر التفكر والاعتبار كقوله تعالى : { أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ }
ونظر الانتظار كقوله تعالى : { مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً }
ونظر التعطف والرحمة كقوله تعالى : { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ }
ونظر الرؤية كقوله تعالى : { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ }
والثلاثة الأول غير مرادة أما الأول فلأن الآخرة ليست بدار استدلال وأما الثاني فلأن في الانتظار تنغيصا وتكديرا والآية خرجت مخرج الامتنان والبشارة وأهل الجنة لاينتظرون شيئا لأنه مهما خطر لهم أتوا به وأما الثالث فلا يجوز لأن المخلوق لا يتعطف على خالقه فلم يبق إلا نظر الرؤية وانضم إلى ذلك أن النظر إذا ذكر مع الوجه انصرف إلى نظر العينين اللتين في الوجه ولأنه هو الذي يتعدى بإلى كقوله تعالى : { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ }
وإذا ثبت أن ناظرة هنا بمعنى رائية اندفع قول من زعم أن المعنى ناظرة إلى ثواب ربها لأن الأصل عدم التقدير وأيد منطوق الآية في حق المؤمنين بمفهوم الآية الأخرى في حق الكافرين { إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } وقيدها بالقيامة في الآيتين إشارة إلى أن الرؤية تحصل للمؤمنين في الآخرة دون الدنيا (2)
وقال ابن حجر أيضا (( وقد أخرج أبو العباس السراج في تاريخه عن الحسن بن عبد العزيز الجروي وهو من شيوخ البخاري سمعت عمرو بن أبي سلمة يقول سمعت مالك بن أنس وقيل له يا أبا عبدالله قول الله تعالى : { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } يقول قوم ينظر إلى ثوابه فقال كذبوا فأين هم عن قول الله تعالى : { كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} (3)
وقال أبو عبد الله القرطبي عند تفسير قوله عزوجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} .
الأول : من النضرة التي هي الحسن والنعمة .
والثاني : من النظر أي وجوه المؤمنين مشرقة حسنة ناعمة . يقال : نضرهم نضارة وهو الإشراق والعيش والغنى ومنه الحديث (( نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها )) ثم قال : إلى ربها إلى خالقها ومالكها ناظرة أي تنظر إلى ربها على هذا أجمع جمهور العلماء (4).
وأورد الطبري في تفسيره الاختلاف في ذلك ثم قال عقب ذلك ما نصه (( وأولى القولين عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه عن الحسن عن عكرمة من أن معنى ذلك تنظر إلى خالقها وبذلك جاء الأثر عن رسول اللهsalla (5) )) .
وقال ابن كثير في قوله تعالى : { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } تراه عيانا إلى أن قال : ومن تأول ذلك بأن المراد مفرد الآلاء كما قال الثوري عن منصور عن مجاهد إلى ربها ناظرة تنتظر الثواب من ربها فقد أبعد هذا الناظر النجعة وأبطل (6) )) .
يتبع...
_____________
1_ الإبانة عن أصول الديانة / 13 .
2_ ابن حجر : فتح الباري 13 / 425 .
3_ ابن حجر : فتح الباري 13 / 426 .
4_ تفسير القرطبي 19 / 107 .
5_ تفسير الطبري 37 / 119 .
6_ تفسير ابن كثير 4 / 450 .
وقال الشوكاني ما لفظه { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } هذا من النظر إليه هكذا قال جمهور أهل العلم والمراد به ما تواترت به الأحاديث الصحيحة من أن العباد ينظرون إلى ربهم كما ينظرون إلى القمر ليلة البدر (1) )) .
قال أبو الفداء ابن كثير : (( وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام وهداة الأنام (2) )) .
وقال ابن بطال : ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله تعالى في الآخرة ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة ، وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثاً وحالاً في مكان وأولوا قوله ناضرة بمنتظرة وهو خطأ لأنه لا يتعدى بإلى - إلى أن قال - وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود والرؤية في تعلقها بالمرئي بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم فإذا كان تعلق العلم لايوجب حدوثه فكذلك المرئي (3) )) .
ولابن القيم كلام حسن عند الاستدلال بهذه الآية على إثبات الرؤية وهذا نصه (( وأنت إذا أجرت هذه الآية من تحريفها عن مواضعها والكذب على المتكلم بها سبحانه فيما أراده منها وجدتها منادية نداء صريحا بأن الله سبحانه يرى عيانا بالأبصار يوم القيامة وإن أبيت إلا تحريفها الذي يسميه المحرفون تأويلا فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والميزان أسهل على أربابه من تأويلها وتأويل كل نص تضمنه القرآن والسنة كذلك ولايشاء مبطل على وجه الأرض أن يتأول النصوص ويحرفها عن مواضعها إلا وجد إلى ذلك السبيل ما وجده متأول مثل هذه النصوص وهذا الذي أفسد الدين والدنيا (4) ))
ومن خلال ما أوردناه يظهر أن المفسرين مطبقون على أن هذه الآية الكريمة صريحة في أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة كما ينظرون إلى القمر ليلة البدر وهذه النصوص المنقولة عن أئمة التفسير تؤكد لنا أن المخالف في هذه المسألة خارج عن ميدان الحق لم يحالفه التوفيق في فهم الآية على وجهها وبحسب تركيبها البين ، وسوف تعرف ما ترزح فيه أدلة المخالف من وهن عند مناقشتها وقد أشار بعض العلماء إلى مسألتنا هذه في أبيات فقال :
وقد يتجلى الله للخلق جهرة
كما البدر لايخفى وربك أوضح
وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا
بمصداق ما قلنا حديث مصرح
رواه جرير عن مقال محمد
فقل مثل ما قدقال في ذاك تنجح
قلت إن قوله رواه جرير الخ يعني به ما أخرجه البخاري في صحيحه وغيره من طريق قيس عن جرير بن عبد الله قال : (( كنا جلوسا عند النبي salla إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال : (( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل الغروب فافعلوا (5) )) وفي رواية (( إنكم سترون ربكم عيانا )) .
فنسأل الله النعيم والنظر
لربنا من غير ما شين غبر
فإنه ينظر بالأبصار
كما أتى في النص والأخبار
لأنه سبحانه لم يحجب
إلا عن الكفار والمكذب(6) .
يتبع ....
______________
1_ الشوكاني : فتح القدير 5 / 338 .
2_ تفسير ابن كثير : 4 / 450 .
3_ فتح الباري لابن حجر 13 / 426 .
4_ ابن القيم : حادي الأرواح / 304 .
5_ صحيح البخاري 8 / 179 .
6_ الأبيات للسفاريني كما في الكواشف الجلية / 492
ورجوعا إلى تفسير الآية الكريمة بما ورد فيها من السنة وآثار الصحابة والتابعين· ما ورد في تفسير قوله تقدست أسماؤه : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } من السنة وأقوال الصحابة والتابعين :
1_ عن ابن عمر رضي الله عنهما : قال : قال رسول الله salla ( إن أدنى أهل
الجنة منزلة لمن ينظر إلى جناته وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف
سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله salla { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (1) .
2_ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله salla في قوله
تعالى { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } قال من البهاء والحسن { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
قال : (( في وجه الله عزوجل (2) )) .
3_ عن ابن عباس رضي الله عنهما { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } قال : (( تنظر إلى وجه
ربها (3) )) .
4_ وعنه أيضا _ قال : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } قال : حسنها ، { إِلَى رَبِّهَا
نَاظِرَةٌ } قال (( نظرت إلى الخالق (4) ))
5_ عن الحسن في قوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } قال حسنة { إِلَى رَبِّهَا
نَاظِرَةٌ } قال تنظر إلى الخالق وحق لها أن تتضرع وهي تنظر إلى الخالق (5)
6_ عن عكرمة { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } قال تنظر نظرا (6).
7_ عن عطية العوفي قال : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } قال هم
ينظرون إلى الله لاتحيط أبصارهم به من عظمته وبصره محيط بهم . فذلك
قوله تعالى : {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} (7) .
فتبين من هذه النصوص أن المراد من الآية الكريمة أن وجوه المؤمنين تنظر
إلى ربها يوم القيامة وهذه الآية كما قلنا من أقوى الأدلة على إثبات الرؤية
وإمكانها ووقوعها .
وآثار الصحابة والتابعين مؤيدة بالتركيب العربي الذي لايحتمل سوى ما
ذكروه ويقوي ذلك تلاوة رسول الله salla لها عقب بيان المكرمين المنعمين
بالنظر إلى ربهم غدوة وعشية .
والأحاديث في الرؤية متواترة سأوردها في موضعها إن شاء الله تعالى .
______________
1_ أخرجه أحمد في مسنده 3 / 64 ، والترمذي في سننه 4 / 93 ، وقال هذا حديث غريب وقد روي غير واحد عن ثوير عن اسرائيل مثل هذا مرفوعا ، وانظر المنذري الترغيب والترهيب 6 / 380 .
2_ أخرجه ابن مردويه في تفسيره كذا في حادي الأرواح 304 ني .
3_ قال الشوكاني : في فتح القدير 5 / 340 ، اخرجه ابن مردويه .
4_ أخرجه ابن المنذر والآجري في الشريعة واللالكائي في السنة : كذا في فتح القدير للشوكاني 5 / 340.
5_ أخرجه الطبري في تفسيره مسندا 27 / 119 .
6_ أخرجه الطبري في تفسيره 27 / 119 .
7_ أخرجه الطبري في تفسيره 27 / 119 .
عزتي بديني
2010-03-25, 01:50 PM
اللهم انا نسألك النظر لوجهك الكريم من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة..
بارك الله فيك غاليتي دانه
مميزة دائما
رفع الله قدرك
اللهم انا نسألك النظر لوجهك الكريم من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة..
اللهم آمين
بارك الله فيك غاليتي دانه
مميزة دائما
رفع الله قدرك
رفع الله قدركِ أختي الفاضلة وجزاكِ الله خيرا على كلامكِ الطيب
الدليل الثاني
قوله تعالى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } .
أي الذين أحسنوا في القيام بما أوجبه الله تعالى عليهم من الأعمال والكف عما نهاهم عنه من المعاصي فلهم الحسنى
قال ابن الأنباري : (( والحسنى كلمة مستغنى عن وصفها ونعتها لأن العرب توقعها على الخصلة المحبوبة المرغوب فيها المفروح بها فكان الذي تعلمه العرب من أمرها يغنى عن نعتها فكذلك المزيد عليها محمول على معناها ومتعرف من جهتها يدل على ذلك قول امرئ القيس )) :
فلما تنازعنا الحديث وأسمحت*** فصرت إلى الحسنى ورق كلامنا .
هصرت بغصن ذي شماريخ ميال*** ورضت فذلت صعبة أي إذلال .
أي إلى الأمر المحبوب (1) .
وللمفسرين في المراد بالحسنى أقوال خمسة كما في الزاد منها أنها الجنة قال ابن الجوزي (( وبه قال الأكثرون )) .
فلنقتصر على هذا التفسير لأنه هو الصحيح المروي عن رسول الله salla من حديث أبي موسى الأشعري وأبي بن كعب الآتيان قريبا عند ذكر معنى الزيادة.
( معنى الزيادة وما ورد فيها )
أورد أبو عبد الله القرطبي في الزيادة أقوالا إليك ذكرها .
1_ أن الزيادة أن تضاعف الحسنات الحسنة بعشر أمثالها إلى أكثر من ذلك روى ذلك عن ابن عباس .
2_ وعن علي رضي الله عنه الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة آلاف باب .
3_ وقال مجاهد : الحسنى حسنة مثل حسنة والزيادة مغفرة من الله ورضوان .
4_ وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الحسنى الجنة والزيادة ما أعطاهم الله في الدنيا من فضله لايحاسبهم به يوم القيامة .
5 _ وقال يزيد بن شجرة . الزيادة أن تمر السحاب بأهل الجنة فتمطرهم من كل النوادر التي لم يروها وتقول يا أهل الجنة ما تريدون أن أمطركم فلا يريدون شيئا إلا مطرتهم (2) .
وقال أبو الفداء ابن كثير الزيادة (( هي تضعيف ثواب الأعمال الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وزيادة على ذلك أيضا ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضى عنهم وما أخفاه لهم من قرة أعين وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه . لايستحقونها بعملهم بل بفضله ورحمته )) .
وعن ابن مسعود رضي الله عنهما قال : (( أما الحسنى فالجنة وأما الزيادة فالنظر إلى وجه الله (3) )) .
وهذا القول هو الراجح (( أعني أن الزيادة في الآية الكريمة المراد بها النظر إلى وجه الرحمن سبحانه وتعالى )) .
وقد روي عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم روايات في تفسير الزيادة _ معظمها أنها النظر إلى الرب تقدست أسماؤه .
وقد ثبت التفسير بذلك من قول رسول الله salla فلم يبق حينئذ لقائل مقال .
أخرج الإمام مسلم في صحيحه من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي salla قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة قال : ( يقول تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم ) فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار .
قال : ( فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عزوجل وزاد ) ثم تلا هذه الآية { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } (4) .
المصادر
______________
1_ كذا في زاد المسير لابن الجوزي 4 / 23
2_ تفسير القرطبي 8 / 331 .
3_ أخرجه أسباط بن نصر في تفسيره كما في حادي الأرواح 200 .
4 _ صحيح مسلم 1 / 112 .
ورواية ابن ماجة عن صهيب (( تلا رسول الله salla هذه الآية { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } وقال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو ألم يثقل الله موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة وينجنا من النار قال فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر يعني إليه ولا أقر لأعينهم (1) )) .
وأخرج ابن جرير من طريق كعب بن عجرة عن النبي salla في قوله تعالى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } قال (( الزيادة النظر إلى وجه الرحمن تبارك وتعالى (2) )) .
وأخرج أيضا عن أبي تميمة الجهني أنه سمع أبا موسى الأشعري يحدث عن رسول الله salla ، (( إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي يا أهل الجنة بصوت يسمع أولهم وآخرهم إن الله وعدكم الحسنى والزيادة فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عزوجل (3) )) .
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه سأل رسول الله salla عن قول الله عزوجل للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال (( الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عزوجل (4) )) .
وعن أبي بن كعب قال : سألت رسول الله salla عن الزيادتين في كتاب الله في قوله : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } قال : النظر إلى وجه الرحمن وعن قوله { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } قال عشرون ألفا (5) )) .
وعن أنس رضي الله عنه قال (( سئل رسول الله salla عن هذه الآية { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } : قال : للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى وهي الجنة والزيادة وهي النظر إلى وجه الله عزوجل (6) )) .
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال (( إذا دخل أهل الجنة الجنة أعطوا فيها ما سألوا قال : يقال لهم قد بقي من حقكم شيء لم تعطوه قال : فيتجلى لهم تبارك وتعالى ، قال : وتلا { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } . الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى ربهم ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة بعد نظرهم إلى ربهم رواه ابن خزيمة (7) )) .
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى أيضا (( الزيادة النظر إلى وجه الله )) وعنه أيضا أنه سئل عن قول الله تبارك وتعالى { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } قال : إن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة وأعطوا فيها من النعيم والكرامة نودوا يا أهل الجنة إن الله قد وعدكم الزيادة قـال فيكشف لهم الحجاب تبـارك وتعـالىفما ظنك بهم حين ثقلت موازينهم وحين طارت صحفهم في أيمانهم وحين جازوا جسر جهنم فقطعوه وحين دخلوا الجنة فأعطوا فيها من النعيم والكرامة فكأن لم يكن بشيء مما أعطوا . رواه الطبري (8) وابن خزيمة (9) يعني أن كل ما أعطوه في الجنة لا يعد شيئا إذا قيس بما يحصل لهم من اللذة عند النظر إلى وجه الله عزوجل وأخرج ابن خزيمة بسنده عن حذيفة رضي الله عنه { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } قال : الزيادة النظر إلى وجه ربكم .
المصادر
_____________
1_ سنن ابن ماجة 1 /67 .
2_ تفسير ابن جرير 11 / 107 .
3_ تفسير ابن جرير 11 / 107 .
4_ تفسير ابن جرير 11 / 107 .
5_ أخرجه الترمذي الحكيم ذكره القرطبي في تفسيره 8 / 330 .
6_ كذا في حادي الأرواح 119 .
7_ من كتاب التوحيد _ 181 / 182 .
8_ في تفسيره 11 / 105 / 106
9_ في كتاب التوحيد / 183
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir