عماد المهدي
2010-04-06, 01:41 PM
د. محمد الزيني يدعو الباحثين العمانيين لاستكشاف أرض عمان البكر -
وحصر جهود المستشرقين وتتبع بحوثهم والنهوض بترجمتها ونقدها -
عرض - سيف بن ناصر الخروصي -
http://www9.0zz0.com/2010/04/06/11/427986290.jpg (http://www.0zz0.com)
صدر حديثًا عن مكتبة الضامري بالسيب كتاب (الاستشراق والتنصير- رؤية موضوعية) لمؤلفه الدكتور: محمد عبدالرحيم الزيني – أستاذ الفلسفة بمعهد العلوم الشرعية بالسلطنة والكتاب يعد من أحدث ما كتب في الاستشراق والتنصير مع قلة الكتابات العربية والإسلامية في هذا الموضوع.
والمؤلف هو الدكتور محمد بن عبدالرحيم الزيني من مصر، درس وتعلم فيها حتى وصل إلى درجة الأستاذية، ثم انتقل إلى الجزائر ثم اليمن وحاليًا في عمان لممارسة مهنة التدريس والتصدق بعلمه الذي وهبه الله إياه، وكان للدكتور الزيني دور بارز في إحياء الفكر الإسلامي والدفاع عنه من خلال محاضراته وكتاباته المتنوعة، فله عدة مؤلفات أثرى بها المكتبة الإسلامية خصوصًا والإنسانية عمومًا، فله كتاب «ابن القيم وآراؤه الكلامية»، وكتاب «مشكلة الفيض عند فلاسفة الإسلام»، وكتاب «نشأة علم الكلام وأهدافه»، و«أبو سليمان السجستاني وآراؤه الفلسفية» وهي مطبوعة في عدد من الدول العربية والإسلامية، وله عدد من البحوث شارك بها في بعض المجلات التي تصدر في الوطن العربي، ومن بحوثه: «جمال الدين الأفغاني رائد التنوير» نشر في مجلة الموافقات»، و«منهج للحوار بين اتجار الفكر الإسلامي» نشر في مجلة منبر الحوار، وله مشاركات في موسوعة أعلام فلاسفة العرب وموسوعة علماء العرب والمسلمين التي تصدرها المنظمة العربية للثقافة والتربية بتونس، وما زال عطاؤه مستمرا إلى الآن فله مؤلفات قيد الطباعة، منها: «الفلسفة الطبيعية عند الإمام أحمد بن يحيى المرتضي» و«هوامش على سيرة الدكتور عبدالرحمن بدوي».
صدرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب عام 1430هـ / 2010م في 462 صفحة من القطع المتوسطة.
وقد قسم المؤلف كتابه إلى قسمين: الأول: الاستشراق والثاني: التنصير والكتاب يجمع بين قضيتين تكون الهوة واسعة بينهما، فالاستشراق كما يقول الدكتور في مقدمة كتابه هذا: «يتعلق بجهود علماء الاستشراق تجاه فهم الحضارة العربية الإسلامية ودراستهم لعلومها، وعكوفهم على النظر في إبداع عقول علمائها، من فقه وتفسير وحديث وأدب وشعر وفلسفة وعقيدة وتصوف وتاريخ» ثم يذكر الدكتور فائدة من فوائد الاستشراق على الأمة الإسلامية وهي أنهم خلفوا لها كما عظيمًا من الإنتاج العلمي ونهضوا بتحقيق المخطوطات ونشرها. والقسم الأول من الكتاب وهو «الاستشراق» يحتوي على مقدمة وستة فصول كالآتي:
الفصل الأول: تعريف الاستشراق وفيه ثلاثة محاور، الأول: تعريف الاستشراق، والثاني موقف المفكرين العرب من الاستشراق، والثالث: نظرة تاريخية لحركة الاستشراق.
والفصل الثاني: مراحل الاستشراق، وفيه ألقى المؤلف نظرة تاريخية لنشأة الحركة الاستشراقية، وجعل المؤلف ذلك على عدة مراحل، المرحلة الأولى: من ظهور الإسلام إلى ما قبل اندلاع الحروب الصليبية، والمرحلة الثانية: من الحروب الصليبية إلى نهاية القرن 18، والمرحلة الثالثة: من القرن 19 إلى 20.
والفصل الثالث: أهداف الاستشراق، وفيه وقف المؤلف طويلاً لشرح دوافع حركة الاستشراق، قدم المؤلف هذا الفصل بتمهيد، وخمسة محاور بعده، فكان المحور الأول في: الهدف الديني، والمحور الثاني: الهدف السياسي، والمحور الثالث: الهدف التجاري، والمحور الرابع الهدف العلمي، والمحور الخامس: الهدف المادي.
والفصل الرابع: قصور المستشرقين ودور اليهود في الاستشراق، وفي هذا الفصل تحدث عن سبب القصور عند الكثير من المستشرقين، والأخطاء التي وقعوا فيها، واجتهد المؤلف في البحث عن سبب اقتحام اليهود هذا الميدان، وعلل ذلك بما استطاع أن يتوصل إليه من أسباب نفسية ودينية وسياسية، واحتوى على محورين، الأول: أسباب القصور عند المستشرقين، والثاني: دور اليهود في الاستشراق (الأسباب النفسية والأسباب الدينية والأسباب السياسية).
والفصل الخامس: وسائل الاستشراق، وفيه أربعة محاور، الأول: المؤتمرات العلمية، والمحور الثاني: المجلات الاستشراقية، والمحور الثالث: المؤلفات، والمحور الرابع: الموسوعات. والفصل السادس: تقييم أعمال المستشرقين، وفي هذا الفصل تحدث عن مساهمة المستشرقين في الإنتاج العلمي، ونوه المؤلف بأسمائهم وإنتاجهم وتحقيقاتهم للمخطوطات وجهودهم الواسعة في هذا المجال والترجمات للكتب العربية التي نقلوها للقارئ الأوروبي وتعريفه بأبعاد هذه الحضارة، فضلاً عن الموسوعات التي نشروها في مجال الأدب العربي والنحو والفكر الإسلامي والمعاجم الضخمة في ميدان فهرسة القرآن والحديث الشريف، واللغة العربية، ومع التنويه بأفضالهم، وقد ركز أيضًا على أهم سلبياتهم التي لمسها في مؤلفاتهم وحديثهم السقيم عن بشرية القرآن وإنكار وحيه الإلهي والنظر إلى الرسول على أنه زعيم ثورة ومصلح اجتماعي، وقائد سياسي لا غير، والقصور الواضح في قراءتهم للتاريخ العربي الإسلامي، وتجنيهم عليه وانحرافهم عن قواعد المنهج العلمي بسبب تعصب بعضهم وموقفهم موقف العداء من إبداعاتها، قدم لهذا الفصل بتمهيد وأربعة محاور، الأول: الجانب السلبي، والثاني: الجانب الايجابي، والثالث: صور المستشرقين في عيون المفكرين العرب، والرابع: مستقبل الدراسات الاستشراقية.
والجدير بالذكر أن المؤلف استخدم أكثر من منهج لبسط وجهة نظره، فقد عول على المنهج التاريخي في سرد الأحداث والوقائع لكي يستطيع القارئ متابعة التسلسل الزمني، وفهم أبعاد القضية التي يتكلم عنها، واستعان المؤلف بالمنهج المقارن للبحث عن النظائر والاشباه للأفكار التي تعرض لها وناقشها مناقشة علمية، وقد يقارن بين الشخصيات المسيحية والإسلامية أو الوسائل التي استعان بها المستشرقون والمنصرون، ووسائل علماء العرب والمسلمين، وقد صاحب المؤلف في كافة البحث المنهج العلمي إذ استخدم منهج الشك في قراءة الأفكار للتثبت من المعلومات والأخبار الواردة في بطون الكتب للوصول إلى اليقين، وقاعدته في ذلك أنه «لا يسلم بشيء على أنه صدق إذا لم يكن يعلم أنه كذلك، وألا يدخل في حكمه شيئًا أكثر مما كان حاضرًا أمام عقلي في وضوح وتميز»، وقد حاول المؤلف عرض القضايا كما هي في المراجع والمصادر المعتمدة بعد ذلك يوضح وجهة نظره مؤيدًا ذلك بالدليل العلمي والحجة المقنعة والبرهان الفلسفي، وبجانب هذا تكون مناقشته هادئة دون تعصب.
ومما تميز به الكتاب سهولة العبارة ووضوح الكلمة والتسلسل في الأفكار، وتناول القضايا من جميع جوانبها وأبعادها، ويطرح جانبًا من التاريخ والحضارة العمانية وعلاقتها بالاستشراق والتنصير كونها جزءا من الأمة الإسلامية التي ابتليت بهذا الأمر.
القسم الثاني
وقد تناول المؤلف (قضية التنصير) وهي القسم الثاني من كتابه من جميع أبعادها، فأشار إلى النشأة التاريخية للحركة وبداية ظهورها ودوافعها، وأهدافها ومعظم الوسائل التي استخدمتها، ثم توقف طويلاً أمام تقييم هذه الحركة، وأظهر أهم إيجابياتها وسلبياتها، ونوه المؤلف بدور علماء الإسلام في الوقوف صفًا واحدًا أمام هذه المجموعة الشرسة التي ابتلي بها العالم الإسلامي، ولم يغفل عن جهود الحكومات الإسلامية في محاربة الحركات التنصيرية، سواء عن طريق مراقبتها والحد من آثارها أو عن طريق تقديم الخدمات التعليمية والطبية للاستغناء عن خدماتها، وناقشت مستقبل حركة التنصير في الوطن العربي وفي إفريقيا وآسيا، وقد تناول كل ذلك بالشرح والتحليل والدراسة والمناقشة، والقبول والرفض والتأييد والتفنيد.
وقد احتوى القسم الثاني من الكتاب «التنصير» على خمسة فصول، وهي:
الفصل الأول: مفهوم التنصير ونشأته، وفيه أربعة محاور، الأول: مفهوم التنصير، الثاني: نشأة حركة التنصير في الوطن العربي، والثالث: التنصير في سلطنة عمان، والرابع: التنصير في شبه الجزيرة العربية.
والفصل الثاني: أهداف التنصير، وفيه ستة محاور، الأول: تنصير العالم العربي تنصيرًا كاملاً، والثاني: منع قيام الوحدة العربية الإسلامية، والثالث: إثارة الشك في عقيدة المسلمين، والرابع: محاربة اللغة العربية للقضاء عليها ونشر اللهجات المحلية، والخامس: تعاون حركة التنصير مع الدول الاستعمارية، والمحور الأخير: ميدان واسع للأرزاق وللكسب المادي.
والفصل الثالث: شروط المنصر، وفيه ستة محاور أيضًا، الأول: تعلم اللغة العربية، والثاني: دراسة الدين الإسلامي، والثالث: دراسة خصائص النفس الشرقية، والرابع: التحلي بالصفات الخلقية، والخامس: التحلي بالصفات النفسية، وأخيرًا: إعداد المنصر.
والفصل الرابع: وسائل التنصير، ويحتوي على تمهيد وستة محاور مطبقة على الوطن العربي بشكل عام والسلطنة بشكل خاص، أما المحور الأول فهو: الخدمات التعليمية، والثاني: الخدمات الطبية، والثالث: الكتب والمكتبات، والرابع: الأعمال الخيرية، والخامس: الإذاعات الموجهة، والسادس: بناء الكنائس. والفصل الخامس: حركة التنصير في الميزان، ويحتوي على تمهيد وخمسة محاور، الأول: التنصير في الميزان، والثاني: الآثار السلبية، والثالث: الآثار الإيجابية في مجالات التعليم والطب والجمعيات الخيرية والصحوة الإسلامية، والرابع: حركة التنصير بين الفشل والنجاح، والمحور الأخير: مستقبل التنصير، وفي نهاية الكتاب أسدل المؤلف الستار عن فشل وسقوط الإرساليات في الوطن العربي، وعادت بخفي حنين إلى موطنها.
ومن الجدير بالذكر أن المؤلف أولى الحديث عن دور المستشرقين وحملات التنصير في السلطنة إيلاءً واضحًا واهتمامهم بتصنيف المخطوطات وفهرستها ودراسة بعضها ونشر الكثير منها، ورأيهم في المذهب الإباضي ومقارنته بباقي الفرق الكلامية، ويدعو المؤلف الباحثين العمانيين لاستكشاف هذه الأرض البكر، وحصر جهود المستشرقين وتتبع بحوثهم والنهوض بترجمتها، والعكوف على مناقشتها ونقدها.
وكذلك أسهب الحديث عن دور الحركات التنصيرية في السلطنة وأهدافهم ووسائلهم في اختراق القرى والمدن العمانية، وأهم الإيجابيات التي تمخضت عنها هذه الحركة، فرب ضارة نافعة ولكل محنة منحة، وكذلك السلبيات التي خلوها وراءهم.
والكتاب في حقيقته موضوعيًا واقعيًا بعيدًا عن التكلف، شاملاً لأهم النقاط والمحاور التي ينبغي الإلمام بها في قضيتي التنصير والاستشراق، وينافس هذا الكتاب غيره من الكتب التي تحدثت عن قضيتي الاستشراق والتنصير، فقد عالج المؤلف الخلل في تلك الكتب بكتابه هذا، من تطرقه للتنصير والاستشراق شروطه وأهدافه، ووزن كل من القضيتين بميزان الواقع والمنطق العقلي، والعلمي.
مقدمة
وقد قدم الدكتور الزيني لكتابه مقدمة بين فيها أهمية الكتاب والدافع للكتابة في هذا الموضوع وأهميته والجهود التي بذلها ليخرج الكتاب بهذه الصورة والمنهجية التي اتبعها في بحثه وخطته في تقسيم كتابه يقول فيها: تموج ساحة الفكر العربي بالعديد من القضايا التي تطرح نفسها،وتحتاج إلى معالجة عميقة، وفتح باب المناقشة فيها،إذ مازالت تطرح إشكاليات عديدة ورؤى متباينة، وإجابات مختلفة؛ ومن هذه القضايا قضية الغزو الفكري وأبعاده ومدى تأثيره في أبعاد الشخصية العربية، وقضية العولمة التي فرضت نفسها على الدول العربية وانعكاساتها الإيجابية والسلبية على الفكر والاقتصاد والسياسة، وقضية تجديد الخطاب الديني وضرورة تناوله لقضايا حيوية تساعد المسلم في إيجاد حلول لمشاكله اليومية بدلا من إغراقه في الخرافات، وتغييب عقله في مسائل لا تقدم ولا تؤخر في معترك الحياة، وتركيز الخطاب كافة على مسائل وعظية، وقضايا جانبية، وقصص خرافية، يحشون بها عقل المستمع فيصبح عقلا مسطحا قابلا للاستهواء وتصديق كل شيء حتى دخول الجمل في البندقة على حد تعبير محمد عبده؛ إذ نحتاج في يومنا هذا –وكل يوم –إلى الأسلوب العلمي، في مناقشة قضايا الدين التي تهم المسلم لكي تحفز همته وتطلق إرادته لكي يشارك في تقرير مصيره وأخذ زمام المبادرة الإيجابية وبناء حياته وتاريخه ووطنه.
ومن هذه القضايا أيضا قضية الاستشراق والتنصير، وقد اخترناهما لكي يدور الحديث حولهما.
أما القضية الأولى فما زالت تحتل مساحة عريضة من النقاش بين المهتمين بقضايا الفكر العربي الإسلامي، وتتناولها الأقلام بالتحليل والدراسة، وبلغت أهميتها أن بعض الجامعات أفردت لها قسما ينهض بدراستها من جميع أبعادها ؛تاريخ الاستشراق ونشأته وتطوره وعصوره وأهدافه ورجاله وإيجابياته وسلبياته، وكل ما يتعلق به من إنتاج علمي وفكري.
وكذلك قضية التنصير، فهي قضية حساسة تتعلق بثوابت الأمة الإسلامية، إذ في فترة من فترات التاريخ الكئيبة، وتدهور الحضارة العربية الإسلامية، هجمت جماعات من الرهبان والقساوسة واللاهوتيين يؤازرهم الاستعمار الذي سيطر على مقدراتنا وإرادتنا ومصائرنا؛ وعلى الجملة حياتنا وبلادنا، وأفسح مجالا واسعا لهذه الإرساليات التي تدفقت على أوطاننا تدفق الجراد على الأرض الخضراء، مسلحة بالمال والعلم والإمكانيات الضخمة والوسائل المختلفة، وراحت تنشر أفكارها ومعتقداتها لنقل المسلمين إلى المسيحية، وتشويه عقيدة الإسلام.
تقسيم الكتاب
قسم الكتاب إلى قسمين؛ القسم الأول يدور حول الاستشراق، والثاني يتناول حركة التنصير،وبذلت غاية جهدي في هذين الموضوعين حقهما، ومن البديهي أن هناك هوة واسعة بين القضيتين، فالقضية الأولى تتعلق بجهود علماء الاستشراق تجاه فهم الحضارة العربية الإسلامية ودراستهم لعلومها، وعكوفهم على النظر في إبداع عقول علمائها، من فقه وتفسير وحديث و أدب وشعر وفلسفة وعقيدة وتصوف وتاريخ... وعلى الرغم من تباين أهداف المستشرقين،المقبولة والمرفوضة، إلا أنهم خلفوا لنا كما عظيما من الإنتاج العلمي و نهضوا بتحقيق المخطوطات ونشرها، مع استخدام المنهج العلمي، وقد وقفت طويلا لشرح دوافع حركة الاستشراق والوسائل المتعددة التي استخدمتها،بعد أن ألقيت نظرة تاريخية لنشأتها، وتحدثت عن سبب القصور عند الكثير منهم، والأخطاء التي وقعوا فيها، واجتهدت في البحث عن سبب اقتحام اليهود هذا الميدان، وعللت ذلك بما استطعت أن أتوصل إليه من أسباب نفسية ودينية وسياسية، وانتقلت للحديث عن مساهمة المستشرقين في الإنتاج العلمي ونوهت بأسمائهم وإنتاجهم وتحقيقاتهم المخطوطات وجهودهم الواسعة في هذا المجال، والترجمات للكتب العربية التي نقلوها للقارئ الأوروبي وتعريفه بأبعاد هذه الحضارة، فضلا عن الموسوعات التي نشروها في مجال الأدب العربي والنحو والفكر الإسلامي والمعاجم الضخمة، في ميدان فهرسة القرآن والحديث الشريف واللغة العربية، ومع التنويه بأفضالهم، ركزت أيضا على أهم السلبيات التي لمسناها في مؤلفاتهم وحديثهم السقيم عن بشرية القرآن وإنكار وحيه الإلهي والنظر إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) على أنه زعيم ثورة ومصلح اجتماعي وقائد سياسي لا غير، والقصور الواضح في قراءتهم للتاريخ العربي الإسلامي، وتجنيهم عليه وانحرافهم عن قواعد المنهج العلمي، بسبب تعصب بعضهم وموقفهم موقف العداء من إبداعاتها.
حركة التنصير
أما حركة التنصير فتختلف في المنطلقات والوسائل والأهداف والنتائج، إذ أنها تعترف بدوافعها من البداية والقائمون عليها لا يخفون ذلك ولا يترددون في إعلانها والاعتراف صراحة أنهم حضروا إلى الشرق الإسلامي للمجاهدة في تنصيره وإدخاله في الديانة المسيحية، وتصميمهم على انتصار الصليب على الهلال كما أعلن بذلك زعيمهم صمويل زويمر، وما الخدمات الطبية والتعليمية إلا ذرائع للولوج إلى هذا الميدان الفسيح الذي استباحوه.
وقد تناولت هذه القضية من جميع أبعادها؛ فأشرت إلى النشأة التاريخية للحركة وبداية ظهورها ودوافعها، وأهدافها ومعظم الوسائل التي استخدمتها، ثم توقفت طويلا أمام تقييم هذه الحركة، وأظهرت أهم إيجابياتها وسلبياتها، ونوهت بدور علماء الإسلام في الوقوف صفا واحدا أمام هذه الهجمة الشرسة التي ابتلي بها العالم الإسلامي، ولم أغفل جهود الحكومات الإسلامية في محاربة الحركات التنصيرية، سواء عن طريق مراقبتها والحد من آثارها أو عن طريق تقديم الخدمات التعليمية والطبية للاستغناء عن خدماتها، وناقشت مستقبل حركة التنصير، في الوطن العربي وفي إفريقيا وآسيا، وقد تناولت كل ذلك بالشرح والتحليل، والدراسة والمناقشة، والقبول والرفض، والتأييد والتفنيد.
وغني عن الإشارة أننا أولينا الحديث عن دور المستشرقين في السلطنة إيلاءً واضحا واهتمامهم بتصنيف المخطوطات وفهرستها ودراسة بعضها ونشر الكثير منها، ورأيهم في المذهب الإباضي والمقارنات الواسعة التي عقدوها بينه وبين الشيعة و المعتزلة، والأشاعرة وباقي الفرق الكلامية ونوهت بدراسات يوليوس فلهوزن وكارلو نللينو ورودلف اشتروتمن وغيرهم .
وهذه قضية مازالت تحتاج إلى جهود مضنية من الباحثين العمانيين لاستكشاف هذه الأرض البكر، وحصر جهود المستشرقين وتتبع بحوثهم والنهوض بترجمتها، والعكوف على مناقشتها ونقدها؛ وبالجملة دراستها دراسة علمية دقيقة ؛ و ياحبذا لو نهضت جامعة السلطان قابوس بهذه المسؤولية وأعطت هذا الميدان حقه من الدراسة والاهتمام، أو مركز الدراسات العمانية، إذ عليه مهام علمية واسعة سواء في مجال نشر المخطوطات وتحقيقها أو تقديم بحوث معمقة تتعلق بتاريخ عمان ودور علمائه في مجال الفقه والتفسير والمنطق والفلسفة والتصوف، ومشاركتهم في بناء الحضارة العربية الإسلامية.
وكذلك أسهبت في الحديث عن دور الحركات التنصيرية في السلطنة وأهدافهم ووسائلهم في اختراق القرى والمدن العمانية وأهم الإيجابيات التي تمخضت عنها هذه الحركة، فرب ضارة نافعة كما يقول المثل العربي، ولكل محنة منحة، وكذلك السلبيات التي خلفوها وراءهم.
ومن الجدير بالذكر أن معظم الكتب التي تناولت تاريخ حركة التنصير في الخليج أو الوطن العربي، أشارت بطريقة عرضية و مختصرة إلى السلطنة،ويعد كتاب الدكتور سليمان سالم الحسيني: الحملات التنصيرية إلى عمان؛ من أوفى الكتب وأشملها وأوسعها إحاطة بهذه القضية فقد أوفاها حقها، وأشار إلى الإرساليات التي توافدت على البلاد، ونوه بخدماتهم الطبية والعلمية، ثم أفول نجمهم مع إشراقة أنوار النهضة العمانية المباركة، واعتمد في كتابه على الكثير من الوثائق الهامة، والمراجع الأجنبية، وهو كتاب يستحق القراءة والإشادة والمدح، وقد عولت عليه كثيرا فيما يتعلق بالتنصير في السلطنة.
محايدة
حاولت قدر الطاقة الإنسانية أن أكون محايدا وأعرض القضية كما هي في المراجع والمصادر المعتمدة، ثم بعد ذلك أوضح وجهة نظري مؤيدا ذلك بالدليل العلمي، والحجة المقنعة، والبرهان الفلسفي، وقد استخدمت أكثر من منهج لبسط وجهة نظري، عولت على المنهج التاريخي، في سرد الأحداث والوقائع لكي يستطيع القارئ متابعة التسلسل الزمني وفهم أبعاد القضية التي نتكلم عنها.
واستعنت بالمنهج المقارن للبحث عن النظائر والأشباه، للأفكار التي تعرضنا لها وناقشناها مناقشة علمية، أو المقارنة بين الشخصيات المسيحية والإسلامية، أو الوسائل التي استعان بها المستشرقون والمنصرون ووسائل علماء العرب و المسلمين.
ولاغرو أن يصاحبني المنهج العلمي في كافة صفحات البحث إذ استخدمت منهج الشك في قراءة الأفكار، للتثبت من المعلومات والأخبار الواردة في بطون الكتب، للوصول إلى اليقين، ولا أسلم بشيء على أنه صدق إذا لم أكن أعلم أنه كذلك، وألا أدخل في حكمي شيئا أكثر مما كان حاضرا أمام عقلي في وضوح وتميز على حد تعبير ديكارت (1650).
لقد ناقشت معظم القضايا التي تناولتها مناقشة عقلية هادئة مهتديا بالدليل العلمي دون تعصب ومراجعا ضميري في كل ما توصلت إليه من آراء، مؤمنا «أن العقل الذي يخاطبه الإسلام هو العقل الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميز بين الأمور ويوازن بين الأضداد ويتبصر ويتدبر ويحسن الادكار والرواية، وإنه هو العقل الذي يقابله الجمود والعنت والضلال».
وقد أكون مصيبا فيما عرضته من وجهة نظري، وما ذهبت إليه من آراء وما توصلت إليه من نتائج، أو مخطئا؛ فإذا كانت الأولى فالحمد لله رب العالمين على توفيقه، وإن كانت الثانية ؛ فلي أجر الاجتهاد، وإعمال العقل في محاولة البحث عن الحقيقة والأمل في الاقتراب منها، أما الحقيقة الكاملة فلا توجد في عالمنا الناقص الذي من أهم سماته التغير والصيرورة، ولا في حياتنا اليومية، إنما توجد في السماء في عالم التأمل والمعقولات،عند الله الكامل كمالا مطلقا، فهو واجب الوجود له صفات الكمال والجلال والجمال.
أما الإنسان فلا شك أن عوامل النشأة والبيئة والتربية والتوجيه والثقافة والعادات والتقاليد، تقوم بدورها في تحديد منظوره للموجودات، وتشكل رؤيته للقضايا، ومهما ادعينا الموضوعية والحيدة والنزاهة، فكل منا مسجون داخل هذا الكهف الذي أشار إليه أفلاطون في محاوره الجمهورية؛ ومن ثم نقع جميعا في هذه الأخطاء التي لا فكاك منها، وهي التي أطلق عليها فرنسيس بيكون (1650) أوهام الكهف، أضف إلى ذلك أوهام الجنس أي جملة الأخطاء التي يقع فيها الإنسان بحكم طبيعته البشرية، مثل التسرع فى إصدار الحكم وعواطف الكبرياء والقلق والشهوة التي تدفعه للتمسك برأيه بعد أن يستبين أمامه طريق الرشاد والصواب
وحصر جهود المستشرقين وتتبع بحوثهم والنهوض بترجمتها ونقدها -
عرض - سيف بن ناصر الخروصي -
http://www9.0zz0.com/2010/04/06/11/427986290.jpg (http://www.0zz0.com)
صدر حديثًا عن مكتبة الضامري بالسيب كتاب (الاستشراق والتنصير- رؤية موضوعية) لمؤلفه الدكتور: محمد عبدالرحيم الزيني – أستاذ الفلسفة بمعهد العلوم الشرعية بالسلطنة والكتاب يعد من أحدث ما كتب في الاستشراق والتنصير مع قلة الكتابات العربية والإسلامية في هذا الموضوع.
والمؤلف هو الدكتور محمد بن عبدالرحيم الزيني من مصر، درس وتعلم فيها حتى وصل إلى درجة الأستاذية، ثم انتقل إلى الجزائر ثم اليمن وحاليًا في عمان لممارسة مهنة التدريس والتصدق بعلمه الذي وهبه الله إياه، وكان للدكتور الزيني دور بارز في إحياء الفكر الإسلامي والدفاع عنه من خلال محاضراته وكتاباته المتنوعة، فله عدة مؤلفات أثرى بها المكتبة الإسلامية خصوصًا والإنسانية عمومًا، فله كتاب «ابن القيم وآراؤه الكلامية»، وكتاب «مشكلة الفيض عند فلاسفة الإسلام»، وكتاب «نشأة علم الكلام وأهدافه»، و«أبو سليمان السجستاني وآراؤه الفلسفية» وهي مطبوعة في عدد من الدول العربية والإسلامية، وله عدد من البحوث شارك بها في بعض المجلات التي تصدر في الوطن العربي، ومن بحوثه: «جمال الدين الأفغاني رائد التنوير» نشر في مجلة الموافقات»، و«منهج للحوار بين اتجار الفكر الإسلامي» نشر في مجلة منبر الحوار، وله مشاركات في موسوعة أعلام فلاسفة العرب وموسوعة علماء العرب والمسلمين التي تصدرها المنظمة العربية للثقافة والتربية بتونس، وما زال عطاؤه مستمرا إلى الآن فله مؤلفات قيد الطباعة، منها: «الفلسفة الطبيعية عند الإمام أحمد بن يحيى المرتضي» و«هوامش على سيرة الدكتور عبدالرحمن بدوي».
صدرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب عام 1430هـ / 2010م في 462 صفحة من القطع المتوسطة.
وقد قسم المؤلف كتابه إلى قسمين: الأول: الاستشراق والثاني: التنصير والكتاب يجمع بين قضيتين تكون الهوة واسعة بينهما، فالاستشراق كما يقول الدكتور في مقدمة كتابه هذا: «يتعلق بجهود علماء الاستشراق تجاه فهم الحضارة العربية الإسلامية ودراستهم لعلومها، وعكوفهم على النظر في إبداع عقول علمائها، من فقه وتفسير وحديث وأدب وشعر وفلسفة وعقيدة وتصوف وتاريخ» ثم يذكر الدكتور فائدة من فوائد الاستشراق على الأمة الإسلامية وهي أنهم خلفوا لها كما عظيمًا من الإنتاج العلمي ونهضوا بتحقيق المخطوطات ونشرها. والقسم الأول من الكتاب وهو «الاستشراق» يحتوي على مقدمة وستة فصول كالآتي:
الفصل الأول: تعريف الاستشراق وفيه ثلاثة محاور، الأول: تعريف الاستشراق، والثاني موقف المفكرين العرب من الاستشراق، والثالث: نظرة تاريخية لحركة الاستشراق.
والفصل الثاني: مراحل الاستشراق، وفيه ألقى المؤلف نظرة تاريخية لنشأة الحركة الاستشراقية، وجعل المؤلف ذلك على عدة مراحل، المرحلة الأولى: من ظهور الإسلام إلى ما قبل اندلاع الحروب الصليبية، والمرحلة الثانية: من الحروب الصليبية إلى نهاية القرن 18، والمرحلة الثالثة: من القرن 19 إلى 20.
والفصل الثالث: أهداف الاستشراق، وفيه وقف المؤلف طويلاً لشرح دوافع حركة الاستشراق، قدم المؤلف هذا الفصل بتمهيد، وخمسة محاور بعده، فكان المحور الأول في: الهدف الديني، والمحور الثاني: الهدف السياسي، والمحور الثالث: الهدف التجاري، والمحور الرابع الهدف العلمي، والمحور الخامس: الهدف المادي.
والفصل الرابع: قصور المستشرقين ودور اليهود في الاستشراق، وفي هذا الفصل تحدث عن سبب القصور عند الكثير من المستشرقين، والأخطاء التي وقعوا فيها، واجتهد المؤلف في البحث عن سبب اقتحام اليهود هذا الميدان، وعلل ذلك بما استطاع أن يتوصل إليه من أسباب نفسية ودينية وسياسية، واحتوى على محورين، الأول: أسباب القصور عند المستشرقين، والثاني: دور اليهود في الاستشراق (الأسباب النفسية والأسباب الدينية والأسباب السياسية).
والفصل الخامس: وسائل الاستشراق، وفيه أربعة محاور، الأول: المؤتمرات العلمية، والمحور الثاني: المجلات الاستشراقية، والمحور الثالث: المؤلفات، والمحور الرابع: الموسوعات. والفصل السادس: تقييم أعمال المستشرقين، وفي هذا الفصل تحدث عن مساهمة المستشرقين في الإنتاج العلمي، ونوه المؤلف بأسمائهم وإنتاجهم وتحقيقاتهم للمخطوطات وجهودهم الواسعة في هذا المجال والترجمات للكتب العربية التي نقلوها للقارئ الأوروبي وتعريفه بأبعاد هذه الحضارة، فضلاً عن الموسوعات التي نشروها في مجال الأدب العربي والنحو والفكر الإسلامي والمعاجم الضخمة في ميدان فهرسة القرآن والحديث الشريف، واللغة العربية، ومع التنويه بأفضالهم، وقد ركز أيضًا على أهم سلبياتهم التي لمسها في مؤلفاتهم وحديثهم السقيم عن بشرية القرآن وإنكار وحيه الإلهي والنظر إلى الرسول على أنه زعيم ثورة ومصلح اجتماعي، وقائد سياسي لا غير، والقصور الواضح في قراءتهم للتاريخ العربي الإسلامي، وتجنيهم عليه وانحرافهم عن قواعد المنهج العلمي بسبب تعصب بعضهم وموقفهم موقف العداء من إبداعاتها، قدم لهذا الفصل بتمهيد وأربعة محاور، الأول: الجانب السلبي، والثاني: الجانب الايجابي، والثالث: صور المستشرقين في عيون المفكرين العرب، والرابع: مستقبل الدراسات الاستشراقية.
والجدير بالذكر أن المؤلف استخدم أكثر من منهج لبسط وجهة نظره، فقد عول على المنهج التاريخي في سرد الأحداث والوقائع لكي يستطيع القارئ متابعة التسلسل الزمني، وفهم أبعاد القضية التي يتكلم عنها، واستعان المؤلف بالمنهج المقارن للبحث عن النظائر والاشباه للأفكار التي تعرض لها وناقشها مناقشة علمية، وقد يقارن بين الشخصيات المسيحية والإسلامية أو الوسائل التي استعان بها المستشرقون والمنصرون، ووسائل علماء العرب والمسلمين، وقد صاحب المؤلف في كافة البحث المنهج العلمي إذ استخدم منهج الشك في قراءة الأفكار للتثبت من المعلومات والأخبار الواردة في بطون الكتب للوصول إلى اليقين، وقاعدته في ذلك أنه «لا يسلم بشيء على أنه صدق إذا لم يكن يعلم أنه كذلك، وألا يدخل في حكمه شيئًا أكثر مما كان حاضرًا أمام عقلي في وضوح وتميز»، وقد حاول المؤلف عرض القضايا كما هي في المراجع والمصادر المعتمدة بعد ذلك يوضح وجهة نظره مؤيدًا ذلك بالدليل العلمي والحجة المقنعة والبرهان الفلسفي، وبجانب هذا تكون مناقشته هادئة دون تعصب.
ومما تميز به الكتاب سهولة العبارة ووضوح الكلمة والتسلسل في الأفكار، وتناول القضايا من جميع جوانبها وأبعادها، ويطرح جانبًا من التاريخ والحضارة العمانية وعلاقتها بالاستشراق والتنصير كونها جزءا من الأمة الإسلامية التي ابتليت بهذا الأمر.
القسم الثاني
وقد تناول المؤلف (قضية التنصير) وهي القسم الثاني من كتابه من جميع أبعادها، فأشار إلى النشأة التاريخية للحركة وبداية ظهورها ودوافعها، وأهدافها ومعظم الوسائل التي استخدمتها، ثم توقف طويلاً أمام تقييم هذه الحركة، وأظهر أهم إيجابياتها وسلبياتها، ونوه المؤلف بدور علماء الإسلام في الوقوف صفًا واحدًا أمام هذه المجموعة الشرسة التي ابتلي بها العالم الإسلامي، ولم يغفل عن جهود الحكومات الإسلامية في محاربة الحركات التنصيرية، سواء عن طريق مراقبتها والحد من آثارها أو عن طريق تقديم الخدمات التعليمية والطبية للاستغناء عن خدماتها، وناقشت مستقبل حركة التنصير في الوطن العربي وفي إفريقيا وآسيا، وقد تناول كل ذلك بالشرح والتحليل والدراسة والمناقشة، والقبول والرفض والتأييد والتفنيد.
وقد احتوى القسم الثاني من الكتاب «التنصير» على خمسة فصول، وهي:
الفصل الأول: مفهوم التنصير ونشأته، وفيه أربعة محاور، الأول: مفهوم التنصير، الثاني: نشأة حركة التنصير في الوطن العربي، والثالث: التنصير في سلطنة عمان، والرابع: التنصير في شبه الجزيرة العربية.
والفصل الثاني: أهداف التنصير، وفيه ستة محاور، الأول: تنصير العالم العربي تنصيرًا كاملاً، والثاني: منع قيام الوحدة العربية الإسلامية، والثالث: إثارة الشك في عقيدة المسلمين، والرابع: محاربة اللغة العربية للقضاء عليها ونشر اللهجات المحلية، والخامس: تعاون حركة التنصير مع الدول الاستعمارية، والمحور الأخير: ميدان واسع للأرزاق وللكسب المادي.
والفصل الثالث: شروط المنصر، وفيه ستة محاور أيضًا، الأول: تعلم اللغة العربية، والثاني: دراسة الدين الإسلامي، والثالث: دراسة خصائص النفس الشرقية، والرابع: التحلي بالصفات الخلقية، والخامس: التحلي بالصفات النفسية، وأخيرًا: إعداد المنصر.
والفصل الرابع: وسائل التنصير، ويحتوي على تمهيد وستة محاور مطبقة على الوطن العربي بشكل عام والسلطنة بشكل خاص، أما المحور الأول فهو: الخدمات التعليمية، والثاني: الخدمات الطبية، والثالث: الكتب والمكتبات، والرابع: الأعمال الخيرية، والخامس: الإذاعات الموجهة، والسادس: بناء الكنائس. والفصل الخامس: حركة التنصير في الميزان، ويحتوي على تمهيد وخمسة محاور، الأول: التنصير في الميزان، والثاني: الآثار السلبية، والثالث: الآثار الإيجابية في مجالات التعليم والطب والجمعيات الخيرية والصحوة الإسلامية، والرابع: حركة التنصير بين الفشل والنجاح، والمحور الأخير: مستقبل التنصير، وفي نهاية الكتاب أسدل المؤلف الستار عن فشل وسقوط الإرساليات في الوطن العربي، وعادت بخفي حنين إلى موطنها.
ومن الجدير بالذكر أن المؤلف أولى الحديث عن دور المستشرقين وحملات التنصير في السلطنة إيلاءً واضحًا واهتمامهم بتصنيف المخطوطات وفهرستها ودراسة بعضها ونشر الكثير منها، ورأيهم في المذهب الإباضي ومقارنته بباقي الفرق الكلامية، ويدعو المؤلف الباحثين العمانيين لاستكشاف هذه الأرض البكر، وحصر جهود المستشرقين وتتبع بحوثهم والنهوض بترجمتها، والعكوف على مناقشتها ونقدها.
وكذلك أسهب الحديث عن دور الحركات التنصيرية في السلطنة وأهدافهم ووسائلهم في اختراق القرى والمدن العمانية، وأهم الإيجابيات التي تمخضت عنها هذه الحركة، فرب ضارة نافعة ولكل محنة منحة، وكذلك السلبيات التي خلوها وراءهم.
والكتاب في حقيقته موضوعيًا واقعيًا بعيدًا عن التكلف، شاملاً لأهم النقاط والمحاور التي ينبغي الإلمام بها في قضيتي التنصير والاستشراق، وينافس هذا الكتاب غيره من الكتب التي تحدثت عن قضيتي الاستشراق والتنصير، فقد عالج المؤلف الخلل في تلك الكتب بكتابه هذا، من تطرقه للتنصير والاستشراق شروطه وأهدافه، ووزن كل من القضيتين بميزان الواقع والمنطق العقلي، والعلمي.
مقدمة
وقد قدم الدكتور الزيني لكتابه مقدمة بين فيها أهمية الكتاب والدافع للكتابة في هذا الموضوع وأهميته والجهود التي بذلها ليخرج الكتاب بهذه الصورة والمنهجية التي اتبعها في بحثه وخطته في تقسيم كتابه يقول فيها: تموج ساحة الفكر العربي بالعديد من القضايا التي تطرح نفسها،وتحتاج إلى معالجة عميقة، وفتح باب المناقشة فيها،إذ مازالت تطرح إشكاليات عديدة ورؤى متباينة، وإجابات مختلفة؛ ومن هذه القضايا قضية الغزو الفكري وأبعاده ومدى تأثيره في أبعاد الشخصية العربية، وقضية العولمة التي فرضت نفسها على الدول العربية وانعكاساتها الإيجابية والسلبية على الفكر والاقتصاد والسياسة، وقضية تجديد الخطاب الديني وضرورة تناوله لقضايا حيوية تساعد المسلم في إيجاد حلول لمشاكله اليومية بدلا من إغراقه في الخرافات، وتغييب عقله في مسائل لا تقدم ولا تؤخر في معترك الحياة، وتركيز الخطاب كافة على مسائل وعظية، وقضايا جانبية، وقصص خرافية، يحشون بها عقل المستمع فيصبح عقلا مسطحا قابلا للاستهواء وتصديق كل شيء حتى دخول الجمل في البندقة على حد تعبير محمد عبده؛ إذ نحتاج في يومنا هذا –وكل يوم –إلى الأسلوب العلمي، في مناقشة قضايا الدين التي تهم المسلم لكي تحفز همته وتطلق إرادته لكي يشارك في تقرير مصيره وأخذ زمام المبادرة الإيجابية وبناء حياته وتاريخه ووطنه.
ومن هذه القضايا أيضا قضية الاستشراق والتنصير، وقد اخترناهما لكي يدور الحديث حولهما.
أما القضية الأولى فما زالت تحتل مساحة عريضة من النقاش بين المهتمين بقضايا الفكر العربي الإسلامي، وتتناولها الأقلام بالتحليل والدراسة، وبلغت أهميتها أن بعض الجامعات أفردت لها قسما ينهض بدراستها من جميع أبعادها ؛تاريخ الاستشراق ونشأته وتطوره وعصوره وأهدافه ورجاله وإيجابياته وسلبياته، وكل ما يتعلق به من إنتاج علمي وفكري.
وكذلك قضية التنصير، فهي قضية حساسة تتعلق بثوابت الأمة الإسلامية، إذ في فترة من فترات التاريخ الكئيبة، وتدهور الحضارة العربية الإسلامية، هجمت جماعات من الرهبان والقساوسة واللاهوتيين يؤازرهم الاستعمار الذي سيطر على مقدراتنا وإرادتنا ومصائرنا؛ وعلى الجملة حياتنا وبلادنا، وأفسح مجالا واسعا لهذه الإرساليات التي تدفقت على أوطاننا تدفق الجراد على الأرض الخضراء، مسلحة بالمال والعلم والإمكانيات الضخمة والوسائل المختلفة، وراحت تنشر أفكارها ومعتقداتها لنقل المسلمين إلى المسيحية، وتشويه عقيدة الإسلام.
تقسيم الكتاب
قسم الكتاب إلى قسمين؛ القسم الأول يدور حول الاستشراق، والثاني يتناول حركة التنصير،وبذلت غاية جهدي في هذين الموضوعين حقهما، ومن البديهي أن هناك هوة واسعة بين القضيتين، فالقضية الأولى تتعلق بجهود علماء الاستشراق تجاه فهم الحضارة العربية الإسلامية ودراستهم لعلومها، وعكوفهم على النظر في إبداع عقول علمائها، من فقه وتفسير وحديث و أدب وشعر وفلسفة وعقيدة وتصوف وتاريخ... وعلى الرغم من تباين أهداف المستشرقين،المقبولة والمرفوضة، إلا أنهم خلفوا لنا كما عظيما من الإنتاج العلمي و نهضوا بتحقيق المخطوطات ونشرها، مع استخدام المنهج العلمي، وقد وقفت طويلا لشرح دوافع حركة الاستشراق والوسائل المتعددة التي استخدمتها،بعد أن ألقيت نظرة تاريخية لنشأتها، وتحدثت عن سبب القصور عند الكثير منهم، والأخطاء التي وقعوا فيها، واجتهدت في البحث عن سبب اقتحام اليهود هذا الميدان، وعللت ذلك بما استطعت أن أتوصل إليه من أسباب نفسية ودينية وسياسية، وانتقلت للحديث عن مساهمة المستشرقين في الإنتاج العلمي ونوهت بأسمائهم وإنتاجهم وتحقيقاتهم المخطوطات وجهودهم الواسعة في هذا المجال، والترجمات للكتب العربية التي نقلوها للقارئ الأوروبي وتعريفه بأبعاد هذه الحضارة، فضلا عن الموسوعات التي نشروها في مجال الأدب العربي والنحو والفكر الإسلامي والمعاجم الضخمة، في ميدان فهرسة القرآن والحديث الشريف واللغة العربية، ومع التنويه بأفضالهم، ركزت أيضا على أهم السلبيات التي لمسناها في مؤلفاتهم وحديثهم السقيم عن بشرية القرآن وإنكار وحيه الإلهي والنظر إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) على أنه زعيم ثورة ومصلح اجتماعي وقائد سياسي لا غير، والقصور الواضح في قراءتهم للتاريخ العربي الإسلامي، وتجنيهم عليه وانحرافهم عن قواعد المنهج العلمي، بسبب تعصب بعضهم وموقفهم موقف العداء من إبداعاتها.
حركة التنصير
أما حركة التنصير فتختلف في المنطلقات والوسائل والأهداف والنتائج، إذ أنها تعترف بدوافعها من البداية والقائمون عليها لا يخفون ذلك ولا يترددون في إعلانها والاعتراف صراحة أنهم حضروا إلى الشرق الإسلامي للمجاهدة في تنصيره وإدخاله في الديانة المسيحية، وتصميمهم على انتصار الصليب على الهلال كما أعلن بذلك زعيمهم صمويل زويمر، وما الخدمات الطبية والتعليمية إلا ذرائع للولوج إلى هذا الميدان الفسيح الذي استباحوه.
وقد تناولت هذه القضية من جميع أبعادها؛ فأشرت إلى النشأة التاريخية للحركة وبداية ظهورها ودوافعها، وأهدافها ومعظم الوسائل التي استخدمتها، ثم توقفت طويلا أمام تقييم هذه الحركة، وأظهرت أهم إيجابياتها وسلبياتها، ونوهت بدور علماء الإسلام في الوقوف صفا واحدا أمام هذه الهجمة الشرسة التي ابتلي بها العالم الإسلامي، ولم أغفل جهود الحكومات الإسلامية في محاربة الحركات التنصيرية، سواء عن طريق مراقبتها والحد من آثارها أو عن طريق تقديم الخدمات التعليمية والطبية للاستغناء عن خدماتها، وناقشت مستقبل حركة التنصير، في الوطن العربي وفي إفريقيا وآسيا، وقد تناولت كل ذلك بالشرح والتحليل، والدراسة والمناقشة، والقبول والرفض، والتأييد والتفنيد.
وغني عن الإشارة أننا أولينا الحديث عن دور المستشرقين في السلطنة إيلاءً واضحا واهتمامهم بتصنيف المخطوطات وفهرستها ودراسة بعضها ونشر الكثير منها، ورأيهم في المذهب الإباضي والمقارنات الواسعة التي عقدوها بينه وبين الشيعة و المعتزلة، والأشاعرة وباقي الفرق الكلامية ونوهت بدراسات يوليوس فلهوزن وكارلو نللينو ورودلف اشتروتمن وغيرهم .
وهذه قضية مازالت تحتاج إلى جهود مضنية من الباحثين العمانيين لاستكشاف هذه الأرض البكر، وحصر جهود المستشرقين وتتبع بحوثهم والنهوض بترجمتها، والعكوف على مناقشتها ونقدها؛ وبالجملة دراستها دراسة علمية دقيقة ؛ و ياحبذا لو نهضت جامعة السلطان قابوس بهذه المسؤولية وأعطت هذا الميدان حقه من الدراسة والاهتمام، أو مركز الدراسات العمانية، إذ عليه مهام علمية واسعة سواء في مجال نشر المخطوطات وتحقيقها أو تقديم بحوث معمقة تتعلق بتاريخ عمان ودور علمائه في مجال الفقه والتفسير والمنطق والفلسفة والتصوف، ومشاركتهم في بناء الحضارة العربية الإسلامية.
وكذلك أسهبت في الحديث عن دور الحركات التنصيرية في السلطنة وأهدافهم ووسائلهم في اختراق القرى والمدن العمانية وأهم الإيجابيات التي تمخضت عنها هذه الحركة، فرب ضارة نافعة كما يقول المثل العربي، ولكل محنة منحة، وكذلك السلبيات التي خلفوها وراءهم.
ومن الجدير بالذكر أن معظم الكتب التي تناولت تاريخ حركة التنصير في الخليج أو الوطن العربي، أشارت بطريقة عرضية و مختصرة إلى السلطنة،ويعد كتاب الدكتور سليمان سالم الحسيني: الحملات التنصيرية إلى عمان؛ من أوفى الكتب وأشملها وأوسعها إحاطة بهذه القضية فقد أوفاها حقها، وأشار إلى الإرساليات التي توافدت على البلاد، ونوه بخدماتهم الطبية والعلمية، ثم أفول نجمهم مع إشراقة أنوار النهضة العمانية المباركة، واعتمد في كتابه على الكثير من الوثائق الهامة، والمراجع الأجنبية، وهو كتاب يستحق القراءة والإشادة والمدح، وقد عولت عليه كثيرا فيما يتعلق بالتنصير في السلطنة.
محايدة
حاولت قدر الطاقة الإنسانية أن أكون محايدا وأعرض القضية كما هي في المراجع والمصادر المعتمدة، ثم بعد ذلك أوضح وجهة نظري مؤيدا ذلك بالدليل العلمي، والحجة المقنعة، والبرهان الفلسفي، وقد استخدمت أكثر من منهج لبسط وجهة نظري، عولت على المنهج التاريخي، في سرد الأحداث والوقائع لكي يستطيع القارئ متابعة التسلسل الزمني وفهم أبعاد القضية التي نتكلم عنها.
واستعنت بالمنهج المقارن للبحث عن النظائر والأشباه، للأفكار التي تعرضنا لها وناقشناها مناقشة علمية، أو المقارنة بين الشخصيات المسيحية والإسلامية، أو الوسائل التي استعان بها المستشرقون والمنصرون ووسائل علماء العرب و المسلمين.
ولاغرو أن يصاحبني المنهج العلمي في كافة صفحات البحث إذ استخدمت منهج الشك في قراءة الأفكار، للتثبت من المعلومات والأخبار الواردة في بطون الكتب، للوصول إلى اليقين، ولا أسلم بشيء على أنه صدق إذا لم أكن أعلم أنه كذلك، وألا أدخل في حكمي شيئا أكثر مما كان حاضرا أمام عقلي في وضوح وتميز على حد تعبير ديكارت (1650).
لقد ناقشت معظم القضايا التي تناولتها مناقشة عقلية هادئة مهتديا بالدليل العلمي دون تعصب ومراجعا ضميري في كل ما توصلت إليه من آراء، مؤمنا «أن العقل الذي يخاطبه الإسلام هو العقل الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميز بين الأمور ويوازن بين الأضداد ويتبصر ويتدبر ويحسن الادكار والرواية، وإنه هو العقل الذي يقابله الجمود والعنت والضلال».
وقد أكون مصيبا فيما عرضته من وجهة نظري، وما ذهبت إليه من آراء وما توصلت إليه من نتائج، أو مخطئا؛ فإذا كانت الأولى فالحمد لله رب العالمين على توفيقه، وإن كانت الثانية ؛ فلي أجر الاجتهاد، وإعمال العقل في محاولة البحث عن الحقيقة والأمل في الاقتراب منها، أما الحقيقة الكاملة فلا توجد في عالمنا الناقص الذي من أهم سماته التغير والصيرورة، ولا في حياتنا اليومية، إنما توجد في السماء في عالم التأمل والمعقولات،عند الله الكامل كمالا مطلقا، فهو واجب الوجود له صفات الكمال والجلال والجمال.
أما الإنسان فلا شك أن عوامل النشأة والبيئة والتربية والتوجيه والثقافة والعادات والتقاليد، تقوم بدورها في تحديد منظوره للموجودات، وتشكل رؤيته للقضايا، ومهما ادعينا الموضوعية والحيدة والنزاهة، فكل منا مسجون داخل هذا الكهف الذي أشار إليه أفلاطون في محاوره الجمهورية؛ ومن ثم نقع جميعا في هذه الأخطاء التي لا فكاك منها، وهي التي أطلق عليها فرنسيس بيكون (1650) أوهام الكهف، أضف إلى ذلك أوهام الجنس أي جملة الأخطاء التي يقع فيها الإنسان بحكم طبيعته البشرية، مثل التسرع فى إصدار الحكم وعواطف الكبرياء والقلق والشهوة التي تدفعه للتمسك برأيه بعد أن يستبين أمامه طريق الرشاد والصواب