دانة
2010-04-17, 04:45 PM
أرفع هذا الموضوع بمناسبة ما سمعناه جميعا حول بركان إيسلندا الذي نشر الدخان البركاني فوق أوروبا
الكوارث والتفسيرات المادية
للشيخ/ إبراهيم بن صالح العجلان
خطبة ألقاها في جامع الشيخ بن باز
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون- حقَّ التقوى، واعلموا أن تقوى الله الملك الرحمن هي العصمة من البلايا، والمنعة من الرَّزايا؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطَّلاق: 4].
معاشر المسلمين: ويخرج المصطفى -صلَّى الله عليه وسلَّم- من بيته إلى المسجد مسرعًا، يجرُّ إزاره خلفه، قلقًا فزعًا، ويأمرُ المنادي فينادي: "الصلاةُ جامعة، الصلاة جامعة".
ما الذي أفزعه -صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ما الأمر؟ ما الخبر؟ لقد حدث شيءٌ غريب في هذا الكون، انكسفت الشمس، تغيّر شكلها، ذهب ضياؤها.
ويجتمع الصحابة -رضي الله عنهم- في المسجد، ويصطفّون خلف نبيهم -صلَّى الله عليه وسلَّم- في صلاةٍ خاشعة، أطال فيها القيامَ والركوع والسجود، حتى إذا قضى النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- صلاته، التفت إلى أصحابه، فقال: "إنَّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، يُخوّف الله بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك، فادعوا الله، وكبروا، وصلوا، وتصدقوا"، ثم قال: "يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده، أو أن تزني أَمَته، يا أمةَ محمد، لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا".
عباد الله: ولنا مع هذا المشهد وقفات وتأملات:
الوقفة الأولى: في موقف المعصوم -صلَّى الله عليه وسلَّم- في التعامل مع هذا التغيير الكوني، فلم يتعامل النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- مع هذه الظاهرة تعاملاً جامدًا، وتحليلاً ماديًّا؛ بل ربط ذلك بالخالق وتدبيره في هذا الكون.
وهكذا أهل الإيمان ينبغي أن تكون لهم نظرةٌ تَختلف عن غيرهم تجاه المتغيِّرات الكونية والكوارث الأرضية، من زلازل وأعاصير وفيضانات، لماذا؟
لأنَّ لهم عقيدة تخبرهم بأن ما يَجري في هذا الكون كله بقدر الله، فلا يَخرج شيءٌ عن إرادته، ولا يَجري شيءٌ من دون مشيئته.
نعم: للكوارث أسبابُها الحسية، وتفسيراتها العلمية، ولكن هذا لا يعني التعلق بهذه الأسباب، ونسيان خالقها ومسببها وموجدها.
فإن الله -تعالى- إذا أراد شيئًا، أوجد سببه، ثم رتب عليه نتيجته؛ كما قال سبحانه: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16].
بل إنَّ الركونَ إلى التفسيرات المادية والتعلُّق بها مع ما فيه من خلل عقدي - هو من تزيين الشيطان وعمله؛ كما قال سبحانه: (فَلَوْلاَ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 43].
الوقفة الثانية: أنَّ ما يَحدث في هذا الكون من متغيرات وكوارث هي رسائل خطاب لأهل الأرض، تخاطبهم بعظمة الخالق وعجز المخلوق وضعفه، تُخاطبهم بأن الأمر لله من قبلُ ومن بعد، وأن المخلوق مهما طغى وبغى، ومهما تكبر وتجبَّر، فليس بمعجز في الأرض، وليس له من دون الله من ولي ولا نصير؛ فمهما أوتيت البشرية من تقدمٍ وقوةٍ وعلم، يقفوا عاجزين حائرين أمامَ هذه الآيات والْمَثُلات، لا يَملكون ردَّها، ولا يستطيعون صدَّها. وصدق الله: (وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد: 11].
الوقفة الثالثة: أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- سمَّى كسوف الشمس آية من آيات الله، يُخوف الله بها عباده، فالواجب على أهل الإيمان أن ينظروا إلى هذه المتغيرات الكونية، والكوارث المؤلمة للبشرية أنها آياتُ إنذار من الواحد القهار، فترتجُّ لها القلوب وتدمعُ عندها العيون، وتقشعرُّ لرؤيتها الجلود؛ (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59]، فالتذكر والاعتبار من آلام الأقدار حكمةٌ أرادها الله -تعالى- قال سبحانه: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 130].
وإذا حصلت العبرة والذكرى، جاء بعدها الندم والرجوع والتضرُّع لله -تعالى: (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الرُّوم: 41].
وكم في هذه الأقدار المؤلمة من الخيرية المخبَّأة تحت ستار الغيب! فكم من هائم غافل أفاق يوم حلَّت الكوارث بأرضِه! وكم من مُضيعٍ لحقوق الله عرف حقَّ الله يوم أن مسه ضر الفواجع! وكم من مُمسك بسط يُمناه حين اعتصر قلبه أسًى من مناظر البائسين المنكوبين!
ناهيكم عن مناظر الإخبات والتضرُّع والدعاء والالتجاء إلى الله، فيحصل في هذه الكوارث من الخيرية والرجوع والإقبال ما لا يَحصل في غيرها، وهذا هو الرجوعُ المعنيُّ في آيات القرآن؛ (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأعراف: 168]، (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الزُّخرف: 48].
الكوارث والتفسيرات المادية
للشيخ/ إبراهيم بن صالح العجلان
خطبة ألقاها في جامع الشيخ بن باز
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون- حقَّ التقوى، واعلموا أن تقوى الله الملك الرحمن هي العصمة من البلايا، والمنعة من الرَّزايا؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطَّلاق: 4].
معاشر المسلمين: ويخرج المصطفى -صلَّى الله عليه وسلَّم- من بيته إلى المسجد مسرعًا، يجرُّ إزاره خلفه، قلقًا فزعًا، ويأمرُ المنادي فينادي: "الصلاةُ جامعة، الصلاة جامعة".
ما الذي أفزعه -صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ما الأمر؟ ما الخبر؟ لقد حدث شيءٌ غريب في هذا الكون، انكسفت الشمس، تغيّر شكلها، ذهب ضياؤها.
ويجتمع الصحابة -رضي الله عنهم- في المسجد، ويصطفّون خلف نبيهم -صلَّى الله عليه وسلَّم- في صلاةٍ خاشعة، أطال فيها القيامَ والركوع والسجود، حتى إذا قضى النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- صلاته، التفت إلى أصحابه، فقال: "إنَّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، يُخوّف الله بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك، فادعوا الله، وكبروا، وصلوا، وتصدقوا"، ثم قال: "يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده، أو أن تزني أَمَته، يا أمةَ محمد، لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا".
عباد الله: ولنا مع هذا المشهد وقفات وتأملات:
الوقفة الأولى: في موقف المعصوم -صلَّى الله عليه وسلَّم- في التعامل مع هذا التغيير الكوني، فلم يتعامل النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- مع هذه الظاهرة تعاملاً جامدًا، وتحليلاً ماديًّا؛ بل ربط ذلك بالخالق وتدبيره في هذا الكون.
وهكذا أهل الإيمان ينبغي أن تكون لهم نظرةٌ تَختلف عن غيرهم تجاه المتغيِّرات الكونية والكوارث الأرضية، من زلازل وأعاصير وفيضانات، لماذا؟
لأنَّ لهم عقيدة تخبرهم بأن ما يَجري في هذا الكون كله بقدر الله، فلا يَخرج شيءٌ عن إرادته، ولا يَجري شيءٌ من دون مشيئته.
نعم: للكوارث أسبابُها الحسية، وتفسيراتها العلمية، ولكن هذا لا يعني التعلق بهذه الأسباب، ونسيان خالقها ومسببها وموجدها.
فإن الله -تعالى- إذا أراد شيئًا، أوجد سببه، ثم رتب عليه نتيجته؛ كما قال سبحانه: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16].
بل إنَّ الركونَ إلى التفسيرات المادية والتعلُّق بها مع ما فيه من خلل عقدي - هو من تزيين الشيطان وعمله؛ كما قال سبحانه: (فَلَوْلاَ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 43].
الوقفة الثانية: أنَّ ما يَحدث في هذا الكون من متغيرات وكوارث هي رسائل خطاب لأهل الأرض، تخاطبهم بعظمة الخالق وعجز المخلوق وضعفه، تُخاطبهم بأن الأمر لله من قبلُ ومن بعد، وأن المخلوق مهما طغى وبغى، ومهما تكبر وتجبَّر، فليس بمعجز في الأرض، وليس له من دون الله من ولي ولا نصير؛ فمهما أوتيت البشرية من تقدمٍ وقوةٍ وعلم، يقفوا عاجزين حائرين أمامَ هذه الآيات والْمَثُلات، لا يَملكون ردَّها، ولا يستطيعون صدَّها. وصدق الله: (وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد: 11].
الوقفة الثالثة: أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- سمَّى كسوف الشمس آية من آيات الله، يُخوف الله بها عباده، فالواجب على أهل الإيمان أن ينظروا إلى هذه المتغيرات الكونية، والكوارث المؤلمة للبشرية أنها آياتُ إنذار من الواحد القهار، فترتجُّ لها القلوب وتدمعُ عندها العيون، وتقشعرُّ لرؤيتها الجلود؛ (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59]، فالتذكر والاعتبار من آلام الأقدار حكمةٌ أرادها الله -تعالى- قال سبحانه: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 130].
وإذا حصلت العبرة والذكرى، جاء بعدها الندم والرجوع والتضرُّع لله -تعالى: (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الرُّوم: 41].
وكم في هذه الأقدار المؤلمة من الخيرية المخبَّأة تحت ستار الغيب! فكم من هائم غافل أفاق يوم حلَّت الكوارث بأرضِه! وكم من مُضيعٍ لحقوق الله عرف حقَّ الله يوم أن مسه ضر الفواجع! وكم من مُمسك بسط يُمناه حين اعتصر قلبه أسًى من مناظر البائسين المنكوبين!
ناهيكم عن مناظر الإخبات والتضرُّع والدعاء والالتجاء إلى الله، فيحصل في هذه الكوارث من الخيرية والرجوع والإقبال ما لا يَحصل في غيرها، وهذا هو الرجوعُ المعنيُّ في آيات القرآن؛ (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأعراف: 168]، (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الزُّخرف: 48].