اسامة اللامي
2010-06-04, 09:33 AM
ولد الإمام المهدي القائم بالعدل في النصف من شعبان(1) سنة 255 هجرية قمرية و في مدينة سامراء ( سر من رأى) و أصبح إماماً سنة 260 هجرية قمرية أي في السنة التي توفى فيها والده العظيم الإمام الحسن العسكري (ع) ، اسمه و كنيته هما مثل اسم النبي و كنيته ، و أبوه هو الإمام العسكري الإمام الحادي عشر للشيعة و أمه هي المرأة الطاهرة " نرجس" سلام الله عليها .
ولم يظهر الإمام لعموم الناس منذ أيامه الأولى ، و لم يتصل به الناس إلى حدود 70 سنة إلا بواسطة نوابه الخاصين ( و هم على الترتيب : عثمان بن سعيد ، محمد بن عثمان ، الحسين بن روح ، و علي بن محمد السمري ) ، و يطلق على هذه الفترة الزمانية التي بلغت 70 سنة اسم ( الغيبة الصغرى ) و بعد ذلك بدأت الغيبة الكبرى و في عهد الغيبة الكبرى لم و لن يعين أحدٌ كنائب خاص ، و على الأمة في هذا العهد أن ترجع إلى نوابه العامين وهم الفقهاء و رواة الحديث المتخصصون في الشؤون الدينية .
الإعتقاد بالمهدي (ع) و الإصلاح العالمي
ليس الإعتقاد بظهور الإمام المهدي (ع) و المصلح العالمي مختصاً بالشيعة بل هو أمرُ تعتقد به سائر الفرق الإسلامية و حتى غير المسلمين أيضاً كاليهود و النصارى و العلماء الكبار في العالم .
جاء في زبور داود :
" و الذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض . . . أما الودعاء فيرثون الأرض و يتلذذون في كثرة السلامة . . . و عاضد الصديقين الرب . . . الرب عارف أيام الكملة و ميراثهم إلى الأبد يكون . . . لأن المباركين منه يرثون الأرض و الملعونين منه يقطعون . . . الصديقون يرثون الأرض و يسكنون فيها إلى الأبد " (2) .
القرآن و الإعتقاد بالمهدي(ع)
لقد وعد القرآن الكريم الأمة بيوم يستلم فيه رجال الحق و الأناس اللائقون أزمة القيادة في الأرض ، و ينتصر فيه الدين الإسلامي على سائر الأديان و يعم الأرض ، هذا بالإضافة إلى ورود آيات فيه تفسر بالإمام المهدي (ع) :
-1{ و لقد كتبنا في الزبور(3) من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون }.(4)
-2{وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً } (5)
-3{هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون } (6) .
-4{و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين} (7)
و هكذا يتوضح من هذه الآيات أن العالم سيصل حتماً إلى اليوم الذي تستلم فيه القيادة الرشيدة اللائقه أزمة الأمور فيه ، فيكون أولياء الله قادة الأرض يعلو الإسلام فيه على سائر العقائد (8) .
المهدي في المصادر السنية
و قد روى علماء السنة في هذا المجال روايات كثيرة عن رواة يوثقونهم عن النبي الأكرم (ص) و تؤكد هذه الروايات على أن الأئمة هم اثنا عشر إماماً و إنهم كلهم من قريش ، و أن المهدي من أهل بيته (ص) و أبناء علي و فاطمة ، و قد صرح الكثير منها انه من نسل الإمام الحسين (ع) . و قد رووا في هذا المجال المئات من الأحاديث و التي جاءت في أكثر من 70 مصدراً معتبراً و نحن نشير إلى بعض منها فيما يلي :
-المسند تأليف أحمد بن حنبل المتوفي سنة 24 سنة 241 هجرية .
-صحيح البخاري تأليف البخاري المتوفي سنة 256 هجرية .
-صحيح مسلم تأليف مسلم بن حجاج النيشابوري المتوفي سنة 275 هجرية .
-صحيح الترمذي تأليف محمد بن عيسى الترمذي المتوفي سنة 279 هجرية .
و من الملاحظ أن مؤلفين هذه الكتب المذكورة . و كل منها أصح المسانيد المعتبرة عن أهل السنة هؤلاء توفوا إما قبل ولادة الإمام المهدي (ع) – سنة 255 هجرية- أو بعد ولادته بقليل .
و هكذا :
-مصابيح السنة تأليف البغوي المتوفي سنة 516 هجرية .
-جامع الأصول تأليف ابن الأثير المتوفي سنة 606 هجرية .
-الفتوحات المكية تأليف محي الدين بن عربي المتوفي سنة 654 هجرية .
-تذكرة الخواص تأليف سبط ابن الجوزي المتوفي سنة 654 هجرية .
-فوائد السميطي تأليف الحموي المتوفي سنة 716 هجرية .
-الصواعق تأليف ابن حجر الهيثمي المتوفي سنة 973 هجرية .
-ينابيع المودة تأليف الشيخ سليمان القندوزي المتوفي سنة 1293 هجرية .
و قد ألف عدة من علماء السنة كتباً مستقلة حول الإمام المهدي (ع) و منها :
-1" البيان في أخبار صاحب الزمان " للعلامة الكنجي الشافعي .
-2" عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر " للشيخ جمال الدين يوسف الدمشقي .
-3" مهدي آل الرسول " لعلي بن سلطان محمد الهروي الحنفي .
-4" كتاب المهدي " تأليف أبى داود .
-5" علامات المهدي " جلال الدين السيوطي .
-6" مناقب المهدي " الحافظ أبى النعيم الأصفهاني .
-7" القول المختصر في علامات المهدي المنتظر " لإبن حجر .
-8" البرهان في علامات مهدي آخر الأزمان للملا علي المتقي .
-9" أربعون حديثاً في المهدي " لأبي العلاء الهمداني و غيرها (9)
المصلح الغيبي عند الشيعة
لدينا أكثر من ثلاثة آلاف حديث (3000) عن النبي (ص) و الأئمة الطاهرين حول الإمام المهدي (ع) و يستفاد منها
أن الإمام المهدي (ع) هو التاسع من ولد الحسين (ع) وأن أباه هو الإمام الحسن العسكري (ع) و أن أمه هي " نرجس خاتون " و اسمه اسم نبي آخر الزمان (ص) و و طفولته و هو حي إلى اليوم و سيبقى إلى ما شاء الله و أنه سيظهر في يوم من الأيام و يملأ الأرض قسطاً و عدلاً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً و أنه غائبٌ عن الناس لحكم في ذلك و انه ما أن يظهر بطلعته المباركة ، حتى يتكي على جدار الكعبة و يعلن ذلك ، و يدعو أتباعه و عددهم 313 شخصاً فيلبون نداءه و يحيطون به ، و ينزل عيسى من السماء و يصلي جماعه خلفه،و سينشر أحكام الإسلام في أرجاء العالم و تصير الأرض كالفردوس.
إن الأحاديث التي نقلها علماء الشيعة و السنة في الأمور المختلفة التي تطوف حول الإمام العظيم (ع) كثيرة جداً و قد ذكرت في كتب مثل " بحار الأنوار ، ومنتخب الأثر " وغيرها ونحن هنا نعطي إحصائية لبعضها كما ذكرها صاحب منتخب الأثر في كتابه ، ثم نعقب ذلك بذكر بعض متون تلك الأحاديث :
موضوع الرواية
عدد الأحاديث
التي تصرح بأن الأئمة اثنا عشر أولهم علي (ع) و آخرهم المهدي(ع)
58
التي تبشر بظهور المهدي
657
التي تصرح بأن المهدي من أهل البيت (ع)
389
التي تصرح بأن اسمه و كنيته هما كاسم النبي(ص) و كنيته
48
التي تصرح بأنه من أبناء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
214
التي تصرح بأنه من أبناء الزهراء (ع)
192
التي تصرح بأنه من أبناء الحسين (ع)
185
التي تصرح بأنه التاسع من أبناء الحسين (ع)
148
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام زين العابدين (ع)
185
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الباقر (ع)
103
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الصادق (ع)
103
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الكاظم (ع)
101
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الرضا (ع)
95
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الجواد (ع)
90
التي تصرح بأنه من أبناء الهادي (ع)
90
التي تصرح بأنه ابن الإمام العسكري (ع)
146
التي تصرح بأن اسم أبيه هو الحسن (ع)
147
التي تقول بأنه سيملأ العالم عدلاً
123
التي تقول بأن غيبته طويلة الأمد
91
التي تبين طول عمره الشريف (ع)
318
التي تقول بأن دين الإسلام سيكون عالمياً على يديه
47
التي تقول أنه الإمام الثاني عشر و أنه الإمام الأخير
136
مجموع الأحاديث
3666
مع ملاحظة الأرقام التي ذكرناها و غير ذلك الأحاديث يتوضح تماماً أن الروايات الواردة في هذا المجال قد تجاوزت حد التواتر بلا شك و أنه يقل ورود مثل هذا العدد من الروايات في موضوع إسلامي آخر و على هذا فيجب على كل مؤمن بالإسلام و النبي الأكرم أن يؤمن إيماناً راسخاً بوجود المهدي الموعود الذي يعيش الآن غائباً عن عيون الناس
بعض النصوص الواردة
-1يذكر مؤلف كتاب " ينابيع المودة " في هذا الكتاب أن النبي (ص) قال : " المهدي من ولدي تكون له غيبة إذا ظهر يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً" (10)
-2وجاء في ذلك الكتاب أن سلمان الفارسي قال : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا الحسين بن علي على فخذه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه و هو يقول أنت سيد ابن سيد أخو سيد أنت إمام ابن إمام أخو إمام أنت حجة ابن حجة أخو حجة و أنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم" (11) .
-3يقول ابن أبي دلف " سمعت علي بن محمد بن علي الرضا يقول : الإمام بعدي الحسن ابني و بعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً " (12)
-4و يروي حذيفة أن النبي (ص) قال : " المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدري " (13) .
-5ينقل مسعدة عن الإمام الصادق أنه قال : " إن قائمنا يخرج من صلب الحسن (يعني العسكري ) و الحسن يخرج من صلب علي (يعني الهادي) و علي يخرج من صلب محمد (يعني الجواد) و محمد يخرج من صلب علي (يعني الرضا) و علي يخرج من صلب ابنيهذا (يعني الكاظم) - وأشار إلى موسى- وهذا خرج من صلبي ، و نحن اثنا عشر إماما ، كلنا معصومون مطهرون ، والله لو لم يبق إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت " (14) .
رأي علماء الإجتماع
يرى علماء الإجتماع الكبار في العالم أن الحروب و سفك الدماء و قتل الأنفس و كل هذه المفاسد المتزايدة اليوم إنما هي ناتجة من عدم توفر التوازن بين متطلبات الجسم و الروح الإنسانين .
فالإنسان اليوم قد سحق الفضائل الأخلاقية و المنابع المعنوية ، و إن كان قد سخر البحر و الفضاء و الصحراء لصالحه و صعد إلى القمر .
و من البديهي أنه لا يمكن إقرار العدالة و النظام الصحيح بالقوة و القدرة و لا يمكن أن تضمن سعادة البشرية بحصول التكنيك المتقدم و باقي العلوم المادية و ليس للإنسانية محيص من أن تقيم علاقاتها على أساس من الإيمان و الأخلاق و تنجي نفسها من دوامة الخطر بقيادة مصلح عالمي عظيم ، و تصل إلى إقرار الحكم القائم على أساس العدالة و الأمن و الصفاء و الأخوة .
و على هذا نستنتج أن البشرية تسرع اليوم و تستعد لتقبل قيادة الإمام صاحب الزمان (ع) .
طول عمر الإمام (ع)
نحن نرى أن طول عمر الإنسان ليس من الأمور المستحيلة و ذلك لأنا نقرأ في القرآن الكريم أن نوحاً (ع) قد عمّر طويلاً إذ دامت مدة تبليغه فقط 950 سنة (15) .
و على أساس من التحقيقات العلمية التي قام بها علماء الطبيعة فقد ثبت إمكان كون عمر الإنسان طويلاً و حتى أن أكابر العلماء صمموا على تهيئة أنواع من الأغذية و الأدوية التي تساعد في إطالة العمر .
و ينقل المرحوم آية الله الصدر في كتابه ( المهدي ) مقالاً و رد في مجلة ( المقتطف ) العدد الثالث من سنة 1959 و ذلك كشاهد على المدعى السابق و نحن نذكر مقتبسات مما جاء فيه : " لكن العلماء الموثوق بعلمهم يقولون أن كل الأنسجة الرئيسية من جسم الحيوان تقبل البقاء إلى ما لا نهاية و أنه في الإمكان يبقى الإنسان حياً ألوفا من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته و قولهم هذا ليس مجرد ظن بل هو نتيجة عملية مؤيدة بالامتحان . . .
قال الأستاذ ديمندوبرل من أساتذة جامعة جونس هبكنس : أن كل الأجزاء الخلوية الرئيسية من جسم الإنسان قد ثبت أن خلودها بالقوة صار أمراً مثبتاً بالامتحان أو مرجحاً ترجيحاً تاماً لطول ما عاشه حتى الآن . . . و الظاهر أن أول من امتحن ذلك في أجزاء من جسم الحيوان هو الدكتور جاك لوب . . . ثم أثبت الدكتور (ودن لويس) و زوجته أنه يمكن وضع أجزاء خلوية من جسم جنين طائر في سائل ملحي فتبقى حية و توالت التجارب . . . حتى قام الدكتور الكسيس كارل و أثبت منها أن هذه الأجزاء لا تشيخ الحيوان الذي أُخذت منه بل تعيش أكثر مما يعيش هو عادة و قد شرع في التجارب المذكورة في شهر يناير سنة 1912 ميلادية و لقي عقبات كثيرة و ثبت له :
-1أن هذه الأجزاء الخلوية تبقى حية ما لم يعرض لها عارض يميتها إما من قلة الغذاء أو من دخول بعض الميكروبات .
-2أنها لا تكتفي بالبقاء حية بل تنمو خلاياها و تتكاثر كما لو كانت باقية في جسم الحيوان .
-3أنه يمكن قياس نموها و تكاثرها و معرفة ارتباطها بالغذاء الذي يقدم لها .
-4لا تأثير للزمن أي أنها لا تشيخ و تضعف بمرور الزمن بل لا يبدو عليها أقل أثر للشيخوخة تنمو و تتكاثر هذه السنة كما كانت تنمو و تتكاثر في السنة الماضية و ما قبلها من السنين .
و لكن لماذا يموت الإنسان ؟ و لماذا نرى سنينه محدودة لا تتجاوز المائة إلا نادراً جداً ؟ الجواب : أن أعضاء الإنسان كثيرة مختلفة و هي مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً محكماً حتى أن حياة بعضها تتوقف على حياة البعض الآخر فإذا ضعف بعضها أو مات لسبب من الأسباب مات بموته سائر الأعضاء ناهيك بفتك الأمراض الميكروبية المختلفة و هذا مما يجعل متوسط العمر أقل جداً من سبعين و الثمانين . . . و غاية ، ثبت الآن العمر أقل جداً من سبعين أو الثمانين أو مائة أو أكثر بل لأن العوارض تثاب ببعض تموت كلها فإذا استطاع العلم أن يزيل هذه العوارض أو يمنع فعلها لم يبق مانع يمنع استمرار الحياة مئات من السنين " (15) .
و على أساس هذا فإنه بعد أن علمنا بعدم المانع من طول العمر فلا إشكال إذن في أن يمن الله القادر تعالى بحفظه على إنسان ويبقيه آلاف السنين وذلك لأن تنظيم و تحقيق الشروط التي تؤدي إلى طول العمر ، كل ذلك بيده تعالى ن وهو تعالى ، يستطيع أن يوجد نظاماً حاكماً و مقدماً على النظام العادي و ذلك كما فعل في إجراء كل المعاجز ، فإن كل معاجز الأنبياء كصيرورة النار برداً على إبراهيم ، و تحول عصى موسى إلى ثعبان ، و إحياء الموتى لعيسى و غيرها كانت قد تمت على أساس خرق العادة المألوفة حيث أن الله تعالى أوجد نظاماً آخر بقدرته ما انتج حصول المعجزة ، و أن جميع المسلمين بل اليهود و النصارى ليصدقون بتلك المعاجز ، فلا يبقى ة الحالة هذه أي إشكال في طول عمر الإمام المهدي (ع) وذلك لأن الحكم بعد إمكانه لا يمكن قبوله بعد تصريح القرآن الكريم بطول عمر نوح (ع) و رؤية نتائج المكتشفات العلمية الحديثة ، وإذا قيل لنا أن هذا الأمر ممكن لكنه يجري على خلاف النظام المألوف وجب أن نقول في الجواب قلنا لا مانع في أن يكون طول عمر الإمام خلافاً للمألوف المعتاد بعد أن كانت كل معاجز الأنبياء تجري هذا المجرى بقدرة الله تعالى و وقوع المعاجز لا يحصل في ذهنه أي إشكال في مسألة طول عمر الإمام (ع) .
غيبة الإمام المهدي (ع)
كان النبي الأكرم (ص) يذكر الإمام الثاني عشر للأمة بين الحين و الآخر و قد ذكر الأئمة الأطهار بهذه المسألة دائماً . و قد كان لكل ذلك التذكير المتواصل بغيبة الإمام أثر في جعل كل إنسان معتقدٌ بالإمام المهدي معتقداً بطول عمره (ع) و هذه نماذج من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال .
-1قال رسول (ص) : " و الذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعد معهود له مني حتى يقول أكثر الناس : ما لله في آل محمد حاجة و يشك آخرون في ولادته فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه و لا يجعل للشيطان عليه سبيلاً بشكه فيزيله عن ملتي و يخرجه من ديني فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل و أن الله عز وجل جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون" (17) .
-2و قال أمير المؤمنين (ع) : " للقائم منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه ، ألا فمن ثبت منهم على دينه ، و لم يقس قلبه بطول غيبته إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة ثم قال : إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفى ولادته و يغيب شخصه" (18) .
-3وروى محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : " إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها" (19)
-4و يقول العلامة الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان متحدثاً عن أخبار الغيبة " وخلدها المحدثون من الشيعة في أصولهم المؤلفة في أيام السيدين الباقر و الصادق (ع) . . ومن جملة ثقات المحدثين و المصنفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراو وقد صنف كتاب المشيخة . . . ذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة و منها ما عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له كان أبو جعفر يقول :" لقائم آل محمد غيبتان واحدة طويلة و الأخرى قصيرة ، قال : فقال لي : نعم يا أبا بصير أحدهما أطول من الأخرى " (20)
و يتوضح في هذا أن الرسول (ص) و الأئمة (ع) أخبروا بوجود الإمام المهدي (ع) أخبروا بأن الإعتقاد بوجوده يصحبه الإعتقاد بغيبته ، ينقل الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن السيد الحميري قوله : " كنت أقول بالغلو و أعتقد غيبة محمد بن علي -ابن حنيفة- قد ضللت في ذلك زمانا فمن الله علي بالصادق جعفر بن محمد و أنقذني به من النار و هداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علىّ و على جميع أهل زمانه و أنه الإمام الذي فرض الله طاعته و أوجب الإقتداء به فقلت له : يا بن رسول الله قد روى لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة و صحة كونها فأخبرني بمن تقع ؟ فقال عليه السلام : " إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي و هو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و آخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض و صاحب الزمان . ."(21)
لماذا كانت الغيبة ؟
إن وجود الإمام (ع) و وصي النبي (ص) أمر ضروري لجهات عديدة منها رفع الاختلافات ، و تفسير و توضيح القوانين الإلهية و الهداية المعنوية الباطنية و غير ذلك و أن الله تعالى برحمته جعل الإمام أمير المؤمنين (ع) و بعده أحد عشر إماماً من أبنائه واحداً بعد الآخر أوصياء للنبي (ص) و أئمة للأمة و من الواضح أن مهمة الإمام صاحب الزمان تشبه من حيث تمام جوانب الإمامة وظائف الأئمة الآخرين (ع) ، و أنه لو لم تكن هناك موانع فإن عليه أن يظهر للناس لكي يستفيدوا منه ، و إذا كان الأمر كذلك فلماذا كان غائباً منذ بدء حياته ؟
و عند الإجابة على هذا السؤال نقول :
إن الإعتقاد بحكمة الله تعالى يجعل من غير اللازم أساساً نعرف فلسفة الغيبة بعد أن ثبتت ثبوتاً قاطعاً لا شك فيه ، فلا يضرنا مطلقاً إذن أن لا نعرف علة الغيبة و ذلك شبيه بتلك الموارد الكثيرة التي لا نعرف وجه الحكمة فيها ، و إنما يكفينا فقط أن يثبت لدينا بالروايات الصحيحة و البراهين القوية أن الله العظيم أرسل حجته إلى الأمة و لكن كانت هناك بعض المصالح التي استدعت أن يبقى وراء ستار الغيبة و يبدو من بعض الروايات أن السبب الأصلي للغيبة سيعرف بعد ظهوره (ع) يقول : " إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها يرتاب منها كل مبطل فقلت له : و لم جعلت فداك ؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم قلت فما وجه الحكمة في غيبته ، قال : وجه الحكمة في غيبة وجه الحكمة في غياب من تقدم من حجج الله تعالى ذكره ، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاة الخضر (ع) لموسى عليه السلام إلا بعد إفتراقهما ، يا بن الفضل إن هذا الأمر من أمر الله وسر من سر الله و غيب من غيب الله و متى علمنا أن الله عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة و إن كان وجهها غير منكشف " (22) .
على أنه يمكننا أن نعد للغيبة بعض الفوائد التي قد تكون بعض الأخبار قد أشارت إليه و منها :
-1امتحان الأمة
فإن إحدى فوائد غيبة صاحب الزمان هي امتحان الناس ليظهروا على واقعهم فتنكشف الفئة التي استبطنت السوء و عدم الإيمان ، و تبدو ظاهرة متميزة عن الفئة التي تمكن الإيمان من أعماق قلوبها و راح يزداد و يتعمق بانتظارها للفرح و صبرها في الشدائد و اعتقادها بالغيب ، و بازدياد الإيمان ترتفع قدرها و تحصل على درجات عالية من الثواب .
يقول الإمام موسى بن جعفر (ع) :" إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة فالله في أديانكم لا يزيلنكم عنها أحد يا بني أنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به إنما هي محنة من الله امتحن الله بها خلقه " (23) .
-2حفظه (ع) من القتل
إن ملاحظة تاريخ الأئمة (ع) و الجور الذي توجه إليهم من قبل خلفاء بني أمية و بني العباس ، ترشدنا إلى أن الإمام الثاني عشر لو كان ظاهراً فإنه سيقتل لا محاله كما قتل آباؤه من قبل ، وذلك لأن الأعداء و السلطة الجائره كان قد انتهى إلى سمعها أنه سيظهر شخص من أهل بيت النبي (ص) من ولد علي و فاطمة سلام الله عليهما ، يحطم عروش الظالمين المستبدين و أنه ابن الإمام العسكري (ع) ، لذا فإن العباسيين لم يدخروا وسعاً في تقصي أخبار هذا الإمام و لكن الله تعالى سلمه من كيدهم و خيب آمالهم .
ينقل زراره عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : " إن للقائم غيبة قبل ظهوره قلت : لم قال يخاف القتل"(24) .
-3لئلا تكون في عنقه (ع) بيعة لأحد
فهناك بعض الروايات تؤكد هذا المعنى و أن غيبته (ع) حفظته من بيعة الظالمين و الحكام الغاصبين، و أن سيظهر حين يظهر و ليس لأحد بيعة في عنقه ، فيظهر الحق عياناً و بلا أي مداربه و يقر في الأرض حكم القسط و العدل .
يقول الإمام الصادق (ع) : " يقوم القائم و ليس لأحد في عنقه بيعة " (25)
فوائد وجود الإمام الغائب (ع)
قلنا -سابقاً- بأن الله تعالى عين الإمام المهدي (ع) لكي يهدي الناس إلى الحق و لكن الناس أنفسهم هم الذين منعوه (ع) من تنفيذ هذه المهمة ، و متى ما كان الناس أنفسهم مستعدين للسير نحو الحكومة الإلهية العالمية الموحدة .
القائمة عل أساس من العدالة الواقعية و رعاية الحقائق و الواقع ، و تطبيق كل أحكام الإسلام بلا أي خوف أو تقية فإنه (ع) سيظهر .
إذن ليس هناك من جانب الله الرحيم تعالى أي تقصير في مجال العناية و الرحمة ، بل إن تقصير الناس أنفسهم هو الذي أوجب غيبة الإمام و تأخير ظهور هذه الحكومة العالمية ، و لكنا يجب أن نعلم أن فوائد وجود الإمام لا تنحصر بالإرشادات و الهداية الظاهرية أن كان بين الناس ، بل أن هناك فوائد أخرى من حيث (التكوين و التشريع ) تترتب على وجوده و إن كان غائباً عن الناس .
و إن أهم فوائد وجوده (ع) هو كونه ( واسطة في الفيض) و ذلك لأنه طبقاً للأدلة في مجال الإمامة ، توضح أن الرابطة بين العالم و الخالق تنقطع بعدم وجود الإمام ، و ذلك لأن تمام أنواع الفيض الإلهي أنما تنزل على الناس بواسطة الإمام و قد ورد مضمون الحديث التالي في أحاديث كثيرة وهو " لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت" (26) ، نعم إن الإمام هو قلب عالم الوجود و قائد البشرية و مربيها و من هذه الزاوية فإن وجوده ظاهراً أو غائباً لا يفترقان بالنسبة إلى مركزه .
هذا و إن الهداية المعنوية للإمام (ع) بالنسبة للأفراد و اللائقين لذلك هي هداية متصلة و إن لم يستطيع هؤلاء أن يروه (ع) خصوصاً و أنه ورد أنه يتردد على مجالس الناس و محافلهم و إن لم يكونوا يعرفونه .
و على هذا فإن صيانة الإمام للدين و هداية الأناس هما أمران حاصلان بتمام المعنى في زمان الغيبة .
إن الإمام في الحقيقة كالشمس التي يغطيها السحاب تستمد الخلائق منها النور و الحرارة كان الجهال و العمى ينكرونها .
و هذا هو الإمام الصادق (ع) يجيب على سؤال عن كيفية استفادة الناس من الإمام الغائب بأنهم ينتفعون ، " كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب" (27) .
و هنا لا بأس من ملاحظة ما يقول أحد المستشرقين بهذا الصدد " أعتقد أن مذهب التشيع هو المذهب الوحيد الذي احتفظ دائماً بوجود رابطة الهداية الإلهية بين الله و الخلق و جعل رابطة الولاية حية قائمة بشكل مستمر .
إن المذهب اليهودي ختم النبوة و هي رابطة واقعية بين الله و الإنسان بموسى و لم يذعن بعد ذلك بنبوة السيد المسيح و الرسول محمد (ص) و قطع تلك الرابطة و هكذا المسيحيون الذين ختموا النبوة بالمسيح و هكذا أهل السنة عندما قطعوا الرابطة بالرسول الأكرم (ص) و مع ختم النبوة به (ص) فهم لا يقيمون الترابط بين الخالق و المخلوق .
و لكن مذهب التشيع لوحده هو الذي يعتقد بختم بالرسول محمد (ص) و لكن الولاية و هي رابطة الهداية و التكميل ستبقى حية و إلى يوم القيامة . . نعم إن قيام هذه الحقيقة بين العالم الإنساني و الإلهي إلى الأبد إنما هو في مذهب التشيع و حسب " (29) .
تذكير لازم (http://www.fadak.org/MOSHARAK/5.htm#f)
إن الاعتقاد بالإمام المهدي (ع) يعني أن ارتباط الناس بعالم الغيب لم ينقطع و إن من يعتقدون بذلك يجب أن يتذكروا الإمام دائماً و ينتظروا ظهور ذلك المصلح الغيبي العظيم و طبيعي أن انتظار الإمام المهدي (ع) لا يعني أن يتخلى المسلمون و الشيعة عن مسؤولياتهم و لا يقوموا بأي خطوة في سبيل تحقيق الأهداف الإسلامية و يكتفوا . بمجرد استظهاره (ع) بل الأمر على العكس من ذلك تماماً كما صرحوا به العلماء الكبار و باحثوا الشيعة منذ مئات السنين بأن المسلمين و الشيعة يجب عليهم -مهما كانت الظروف- أن يعملوا على نشر المعارف الإسلامية وإقرار الأحكام الشرعية و أن يصمدوا في وجه الظلم و الذنب و الانحراف و يعارضوه بما يمكنهم . وبعبارة أخرى فإن عليهم أن يعملوا على تهيئة الأرضية المساعدة لقيام حكومة العدل فيربوا الأفراد و المجتمع حتى يكون بنفسه مجتمعاً يسعى نحو الحق و إذا كان الظلم هو الحاكم في المجتمع فإن عليهم أن يعترضوا عليه و يعرضوا عنه ، إن على كل مسلم أن يضحي في سبيل الإيمان و الإسلام و أن يكون مستعداً في كل آن لاستقبال دعوة الإمام المهدي (ع) و ذلك بأن ينظم حياته بشكل لا يتناقض مع دعوته (ع) لكي يكون مؤهلاً للانخراط في سلك أتباعه و أنصاره و يقارع أعداءه بكل ثبات.
ولد الإمام المهدي القائم بالعدل في النصف من شعبان(1) سنة 255 هجرية قمرية و في مدينة سامراء ( سر من رأى) و أصبح إماماً سنة 260 هجرية قمرية أي في السنة التي توفى فيها والده العظيم الإمام الحسن العسكري (ع) ، اسمه و كنيته هما مثل اسم النبي و كنيته ، و أبوه هو الإمام العسكري الإمام الحادي عشر للشيعة و أمه هي المرأة الطاهرة " نرجس" سلام الله عليها .
ولم يظهر الإمام لعموم الناس منذ أيامه الأولى ، و لم يتصل به الناس إلى حدود 70 سنة إلا بواسطة نوابه الخاصين ( و هم على الترتيب : عثمان بن سعيد ، محمد بن عثمان ، الحسين بن روح ، و علي بن محمد السمري ) ، و يطلق على هذه الفترة الزمانية التي بلغت 70 سنة اسم ( الغيبة الصغرى ) و بعد ذلك بدأت الغيبة الكبرى و في عهد الغيبة الكبرى لم و لن يعين أحدٌ كنائب خاص ، و على الأمة في هذا العهد أن ترجع إلى نوابه العامين وهم الفقهاء و رواة الحديث المتخصصون في الشؤون الدينية .
الإعتقاد بالمهدي (ع) و الإصلاح العالمي
ليس الإعتقاد بظهور الإمام المهدي (ع) و المصلح العالمي مختصاً بالشيعة بل هو أمرُ تعتقد به سائر الفرق الإسلامية و حتى غير المسلمين أيضاً كاليهود و النصارى و العلماء الكبار في العالم .
جاء في زبور داود :
" و الذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض . . . أما الودعاء فيرثون الأرض و يتلذذون في كثرة السلامة . . . و عاضد الصديقين الرب . . . الرب عارف أيام الكملة و ميراثهم إلى الأبد يكون . . . لأن المباركين منه يرثون الأرض و الملعونين منه يقطعون . . . الصديقون يرثون الأرض و يسكنون فيها إلى الأبد " (2) .
القرآن و الإعتقاد بالمهدي(ع)
لقد وعد القرآن الكريم الأمة بيوم يستلم فيه رجال الحق و الأناس اللائقون أزمة القيادة في الأرض ، و ينتصر فيه الدين الإسلامي على سائر الأديان و يعم الأرض ، هذا بالإضافة إلى ورود آيات فيه تفسر بالإمام المهدي (ع) :
-1{ و لقد كتبنا في الزبور(3) من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون }.(4)
-2{وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً } (5)
-3{هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون } (6) .
-4{و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين} (7)
و هكذا يتوضح من هذه الآيات أن العالم سيصل حتماً إلى اليوم الذي تستلم فيه القيادة الرشيدة اللائقه أزمة الأمور فيه ، فيكون أولياء الله قادة الأرض يعلو الإسلام فيه على سائر العقائد (8) .
المهدي في المصادر السنية
و قد روى علماء السنة في هذا المجال روايات كثيرة عن رواة يوثقونهم عن النبي الأكرم (ص) و تؤكد هذه الروايات على أن الأئمة هم اثنا عشر إماماً و إنهم كلهم من قريش ، و أن المهدي من أهل بيته (ص) و أبناء علي و فاطمة ، و قد صرح الكثير منها انه من نسل الإمام الحسين (ع) . و قد رووا في هذا المجال المئات من الأحاديث و التي جاءت في أكثر من 70 مصدراً معتبراً و نحن نشير إلى بعض منها فيما يلي :
-المسند تأليف أحمد بن حنبل المتوفي سنة 24 سنة 241 هجرية .
-صحيح البخاري تأليف البخاري المتوفي سنة 256 هجرية .
-صحيح مسلم تأليف مسلم بن حجاج النيشابوري المتوفي سنة 275 هجرية .
-صحيح الترمذي تأليف محمد بن عيسى الترمذي المتوفي سنة 279 هجرية .
و من الملاحظ أن مؤلفين هذه الكتب المذكورة . و كل منها أصح المسانيد المعتبرة عن أهل السنة هؤلاء توفوا إما قبل ولادة الإمام المهدي (ع) – سنة 255 هجرية- أو بعد ولادته بقليل .
و هكذا :
-مصابيح السنة تأليف البغوي المتوفي سنة 516 هجرية .
-جامع الأصول تأليف ابن الأثير المتوفي سنة 606 هجرية .
-الفتوحات المكية تأليف محي الدين بن عربي المتوفي سنة 654 هجرية .
-تذكرة الخواص تأليف سبط ابن الجوزي المتوفي سنة 654 هجرية .
-فوائد السميطي تأليف الحموي المتوفي سنة 716 هجرية .
-الصواعق تأليف ابن حجر الهيثمي المتوفي سنة 973 هجرية .
-ينابيع المودة تأليف الشيخ سليمان القندوزي المتوفي سنة 1293 هجرية .
و قد ألف عدة من علماء السنة كتباً مستقلة حول الإمام المهدي (ع) و منها :
-1" البيان في أخبار صاحب الزمان " للعلامة الكنجي الشافعي .
-2" عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر " للشيخ جمال الدين يوسف الدمشقي .
-3" مهدي آل الرسول " لعلي بن سلطان محمد الهروي الحنفي .
-4" كتاب المهدي " تأليف أبى داود .
-5" علامات المهدي " جلال الدين السيوطي .
-6" مناقب المهدي " الحافظ أبى النعيم الأصفهاني .
-7" القول المختصر في علامات المهدي المنتظر " لإبن حجر .
-8" البرهان في علامات مهدي آخر الأزمان للملا علي المتقي .
-9" أربعون حديثاً في المهدي " لأبي العلاء الهمداني و غيرها (9)
المصلح الغيبي عند الشيعة
لدينا أكثر من ثلاثة آلاف حديث (3000) عن النبي (ص) و الأئمة الطاهرين حول الإمام المهدي (ع) و يستفاد منها
أن الإمام المهدي (ع) هو التاسع من ولد الحسين (ع) وأن أباه هو الإمام الحسن العسكري (ع) و أن أمه هي " نرجس خاتون " و اسمه اسم نبي آخر الزمان (ص) و و طفولته و هو حي إلى اليوم و سيبقى إلى ما شاء الله و أنه سيظهر في يوم من الأيام و يملأ الأرض قسطاً و عدلاً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً و أنه غائبٌ عن الناس لحكم في ذلك و انه ما أن يظهر بطلعته المباركة ، حتى يتكي على جدار الكعبة و يعلن ذلك ، و يدعو أتباعه و عددهم 313 شخصاً فيلبون نداءه و يحيطون به ، و ينزل عيسى من السماء و يصلي جماعه خلفه،و سينشر أحكام الإسلام في أرجاء العالم و تصير الأرض كالفردوس.
إن الأحاديث التي نقلها علماء الشيعة و السنة في الأمور المختلفة التي تطوف حول الإمام العظيم (ع) كثيرة جداً و قد ذكرت في كتب مثل " بحار الأنوار ، ومنتخب الأثر " وغيرها ونحن هنا نعطي إحصائية لبعضها كما ذكرها صاحب منتخب الأثر في كتابه ، ثم نعقب ذلك بذكر بعض متون تلك الأحاديث :
موضوع الرواية
عدد الأحاديث
التي تصرح بأن الأئمة اثنا عشر أولهم علي (ع) و آخرهم المهدي(ع)
58
التي تبشر بظهور المهدي
657
التي تصرح بأن المهدي من أهل البيت (ع)
389
التي تصرح بأن اسمه و كنيته هما كاسم النبي(ص) و كنيته
48
التي تصرح بأنه من أبناء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
214
التي تصرح بأنه من أبناء الزهراء (ع)
192
التي تصرح بأنه من أبناء الحسين (ع)
185
التي تصرح بأنه التاسع من أبناء الحسين (ع)
148
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام زين العابدين (ع)
185
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الباقر (ع)
103
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الصادق (ع)
103
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الكاظم (ع)
101
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الرضا (ع)
95
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الجواد (ع)
90
التي تصرح بأنه من أبناء الهادي (ع)
90
التي تصرح بأنه ابن الإمام العسكري (ع)
146
التي تصرح بأن اسم أبيه هو الحسن (ع)
147
التي تقول بأنه سيملأ العالم عدلاً
123
التي تقول بأن غيبته طويلة الأمد
91
التي تبين طول عمره الشريف (ع)
318
التي تقول بأن دين الإسلام سيكون عالمياً على يديه
47
التي تقول أنه الإمام الثاني عشر و أنه الإمام الأخير
136
مجموع الأحاديث
3666
مع ملاحظة الأرقام التي ذكرناها و غير ذلك الأحاديث يتوضح تماماً أن الروايات الواردة في هذا المجال قد تجاوزت حد التواتر بلا شك و أنه يقل ورود مثل هذا العدد من الروايات في موضوع إسلامي آخر و على هذا فيجب على كل مؤمن بالإسلام و النبي الأكرم أن يؤمن إيماناً راسخاً بوجود المهدي الموعود الذي يعيش الآن غائباً عن عيون الناس
بعض النصوص الواردة
-1يذكر مؤلف كتاب " ينابيع المودة " في هذا الكتاب أن النبي (ص) قال : " المهدي من ولدي تكون له غيبة إذا ظهر يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً" (10)
-2وجاء في ذلك الكتاب أن سلمان الفارسي قال : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا الحسين بن علي على فخذه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه و هو يقول أنت سيد ابن سيد أخو سيد أنت إمام ابن إمام أخو إمام أنت حجة ابن حجة أخو حجة و أنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم" (11) .
-3يقول ابن أبي دلف " سمعت علي بن محمد بن علي الرضا يقول : الإمام بعدي الحسن ابني و بعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً " (12)
-4و يروي حذيفة أن النبي (ص) قال : " المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدري " (13) .
-5ينقل مسعدة عن الإمام الصادق أنه قال : " إن قائمنا يخرج من صلب الحسن (يعني العسكري ) و الحسن يخرج من صلب علي (يعني الهادي) و علي يخرج من صلب محمد (يعني الجواد) و محمد يخرج من صلب علي (يعني الرضا) و علي يخرج من صلب ابنيهذا (يعني الكاظم) - وأشار إلى موسى- وهذا خرج من صلبي ، و نحن اثنا عشر إماما ، كلنا معصومون مطهرون ، والله لو لم يبق إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت " (14) .
رأي علماء الإجتماع
يرى علماء الإجتماع الكبار في العالم أن الحروب و سفك الدماء و قتل الأنفس و كل هذه المفاسد المتزايدة اليوم إنما هي ناتجة من عدم توفر التوازن بين متطلبات الجسم و الروح الإنسانين .
فالإنسان اليوم قد سحق الفضائل الأخلاقية و المنابع المعنوية ، و إن كان قد سخر البحر و الفضاء و الصحراء لصالحه و صعد إلى القمر .
و من البديهي أنه لا يمكن إقرار العدالة و النظام الصحيح بالقوة و القدرة و لا يمكن أن تضمن سعادة البشرية بحصول التكنيك المتقدم و باقي العلوم المادية و ليس للإنسانية محيص من أن تقيم علاقاتها على أساس من الإيمان و الأخلاق و تنجي نفسها من دوامة الخطر بقيادة مصلح عالمي عظيم ، و تصل إلى إقرار الحكم القائم على أساس العدالة و الأمن و الصفاء و الأخوة .
و على هذا نستنتج أن البشرية تسرع اليوم و تستعد لتقبل قيادة الإمام صاحب الزمان (ع) .
طول عمر الإمام (ع)
نحن نرى أن طول عمر الإنسان ليس من الأمور المستحيلة و ذلك لأنا نقرأ في القرآن الكريم أن نوحاً (ع) قد عمّر طويلاً إذ دامت مدة تبليغه فقط 950 سنة (15) .
و على أساس من التحقيقات العلمية التي قام بها علماء الطبيعة فقد ثبت إمكان كون عمر الإنسان طويلاً و حتى أن أكابر العلماء صمموا على تهيئة أنواع من الأغذية و الأدوية التي تساعد في إطالة العمر .
و ينقل المرحوم آية الله الصدر في كتابه ( المهدي ) مقالاً و رد في مجلة ( المقتطف ) العدد الثالث من سنة 1959 و ذلك كشاهد على المدعى السابق و نحن نذكر مقتبسات مما جاء فيه : " لكن العلماء الموثوق بعلمهم يقولون أن كل الأنسجة الرئيسية من جسم الحيوان تقبل البقاء إلى ما لا نهاية و أنه في الإمكان يبقى الإنسان حياً ألوفا من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته و قولهم هذا ليس مجرد ظن بل هو نتيجة عملية مؤيدة بالامتحان . . .
قال الأستاذ ديمندوبرل من أساتذة جامعة جونس هبكنس : أن كل الأجزاء الخلوية الرئيسية من جسم الإنسان قد ثبت أن خلودها بالقوة صار أمراً مثبتاً بالامتحان أو مرجحاً ترجيحاً تاماً لطول ما عاشه حتى الآن . . . و الظاهر أن أول من امتحن ذلك في أجزاء من جسم الحيوان هو الدكتور جاك لوب . . . ثم أثبت الدكتور (ودن لويس) و زوجته أنه يمكن وضع أجزاء خلوية من جسم جنين طائر في سائل ملحي فتبقى حية و توالت التجارب . . . حتى قام الدكتور الكسيس كارل و أثبت منها أن هذه الأجزاء لا تشيخ الحيوان الذي أُخذت منه بل تعيش أكثر مما يعيش هو عادة و قد شرع في التجارب المذكورة في شهر يناير سنة 1912 ميلادية و لقي عقبات كثيرة و ثبت له :
-1أن هذه الأجزاء الخلوية تبقى حية ما لم يعرض لها عارض يميتها إما من قلة الغذاء أو من دخول بعض الميكروبات .
-2أنها لا تكتفي بالبقاء حية بل تنمو خلاياها و تتكاثر كما لو كانت باقية في جسم الحيوان .
-3أنه يمكن قياس نموها و تكاثرها و معرفة ارتباطها بالغذاء الذي يقدم لها .
-4لا تأثير للزمن أي أنها لا تشيخ و تضعف بمرور الزمن بل لا يبدو عليها أقل أثر للشيخوخة تنمو و تتكاثر هذه السنة كما كانت تنمو و تتكاثر في السنة الماضية و ما قبلها من السنين .
و لكن لماذا يموت الإنسان ؟ و لماذا نرى سنينه محدودة لا تتجاوز المائة إلا نادراً جداً ؟ الجواب : أن أعضاء الإنسان كثيرة مختلفة و هي مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً محكماً حتى أن حياة بعضها تتوقف على حياة البعض الآخر فإذا ضعف بعضها أو مات لسبب من الأسباب مات بموته سائر الأعضاء ناهيك بفتك الأمراض الميكروبية المختلفة و هذا مما يجعل متوسط العمر أقل جداً من سبعين و الثمانين . . . و غاية ، ثبت الآن العمر أقل جداً من سبعين أو الثمانين أو مائة أو أكثر بل لأن العوارض تثاب ببعض تموت كلها فإذا استطاع العلم أن يزيل هذه العوارض أو يمنع فعلها لم يبق مانع يمنع استمرار الحياة مئات من السنين " (15) .
و على أساس هذا فإنه بعد أن علمنا بعدم المانع من طول العمر فلا إشكال إذن في أن يمن الله القادر تعالى بحفظه على إنسان ويبقيه آلاف السنين وذلك لأن تنظيم و تحقيق الشروط التي تؤدي إلى طول العمر ، كل ذلك بيده تعالى ن وهو تعالى ، يستطيع أن يوجد نظاماً حاكماً و مقدماً على النظام العادي و ذلك كما فعل في إجراء كل المعاجز ، فإن كل معاجز الأنبياء كصيرورة النار برداً على إبراهيم ، و تحول عصى موسى إلى ثعبان ، و إحياء الموتى لعيسى و غيرها كانت قد تمت على أساس خرق العادة المألوفة حيث أن الله تعالى أوجد نظاماً آخر بقدرته ما انتج حصول المعجزة ، و أن جميع المسلمين بل اليهود و النصارى ليصدقون بتلك المعاجز ، فلا يبقى ة الحالة هذه أي إشكال في طول عمر الإمام المهدي (ع) وذلك لأن الحكم بعد إمكانه لا يمكن قبوله بعد تصريح القرآن الكريم بطول عمر نوح (ع) و رؤية نتائج المكتشفات العلمية الحديثة ، وإذا قيل لنا أن هذا الأمر ممكن لكنه يجري على خلاف النظام المألوف وجب أن نقول في الجواب قلنا لا مانع في أن يكون طول عمر الإمام خلافاً للمألوف المعتاد بعد أن كانت كل معاجز الأنبياء تجري هذا المجرى بقدرة الله تعالى و وقوع المعاجز لا يحصل في ذهنه أي إشكال في مسألة طول عمر الإمام (ع) .
غيبة الإمام المهدي (ع)
كان النبي الأكرم (ص) يذكر الإمام الثاني عشر للأمة بين الحين و الآخر و قد ذكر الأئمة الأطهار بهذه المسألة دائماً . و قد كان لكل ذلك التذكير المتواصل بغيبة الإمام أثر في جعل كل إنسان معتقدٌ بالإمام المهدي معتقداً بطول عمره (ع) و هذه نماذج من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال .
-1قال رسول (ص) : " و الذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعد معهود له مني حتى يقول أكثر الناس : ما لله في آل محمد حاجة و يشك آخرون في ولادته فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه و لا يجعل للشيطان عليه سبيلاً بشكه فيزيله عن ملتي و يخرجه من ديني فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل و أن الله عز وجل جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون" (17) .
-2و قال أمير المؤمنين (ع) : " للقائم منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه ، ألا فمن ثبت منهم على دينه ، و لم يقس قلبه بطول غيبته إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة ثم قال : إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفى ولادته و يغيب شخصه" (18) .
-3وروى محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : " إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها" (19)
-4و يقول العلامة الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان متحدثاً عن أخبار الغيبة " وخلدها المحدثون من الشيعة في أصولهم المؤلفة في أيام السيدين الباقر و الصادق (ع) . . ومن جملة ثقات المحدثين و المصنفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراو وقد صنف كتاب المشيخة . . . ذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة و منها ما عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له كان أبو جعفر يقول :" لقائم آل محمد غيبتان واحدة طويلة و الأخرى قصيرة ، قال : فقال لي : نعم يا أبا بصير أحدهما أطول من الأخرى " (20)
و يتوضح في هذا أن الرسول (ص) و الأئمة (ع) أخبروا بوجود الإمام المهدي (ع) أخبروا بأن الإعتقاد بوجوده يصحبه الإعتقاد بغيبته ، ينقل الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن السيد الحميري قوله : " كنت أقول بالغلو و أعتقد غيبة محمد بن علي -ابن حنيفة- قد ضللت في ذلك زمانا فمن الله علي بالصادق جعفر بن محمد و أنقذني به من النار و هداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علىّ و على جميع أهل زمانه و أنه الإمام الذي فرض الله طاعته و أوجب الإقتداء به فقلت له : يا بن رسول الله قد روى لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة و صحة كونها فأخبرني بمن تقع ؟ فقال عليه السلام : " إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي و هو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و آخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض و صاحب الزمان . ."(21)
لماذا كانت الغيبة ؟
إن وجود الإمام (ع) و وصي النبي (ص) أمر ضروري لجهات عديدة منها رفع الاختلافات ، و تفسير و توضيح القوانين الإلهية و الهداية المعنوية الباطنية و غير ذلك و أن الله تعالى برحمته جعل الإمام أمير المؤمنين (ع) و بعده أحد عشر إماماً من أبنائه واحداً بعد الآخر أوصياء للنبي (ص) و أئمة للأمة و من الواضح أن مهمة الإمام صاحب الزمان تشبه من حيث تمام جوانب الإمامة وظائف الأئمة الآخرين (ع) ، و أنه لو لم تكن هناك موانع فإن عليه أن يظهر للناس لكي يستفيدوا منه ، و إذا كان الأمر كذلك فلماذا كان غائباً منذ بدء حياته ؟
و عند الإجابة على هذا السؤال نقول :
إن الإعتقاد بحكمة الله تعالى يجعل من غير اللازم أساساً نعرف فلسفة الغيبة بعد أن ثبتت ثبوتاً قاطعاً لا شك فيه ، فلا يضرنا مطلقاً إذن أن لا نعرف علة الغيبة و ذلك شبيه بتلك الموارد الكثيرة التي لا نعرف وجه الحكمة فيها ، و إنما يكفينا فقط أن يثبت لدينا بالروايات الصحيحة و البراهين القوية أن الله العظيم أرسل حجته إلى الأمة و لكن كانت هناك بعض المصالح التي استدعت أن يبقى وراء ستار الغيبة و يبدو من بعض الروايات أن السبب الأصلي للغيبة سيعرف بعد ظهوره (ع) يقول : " إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها يرتاب منها كل مبطل فقلت له : و لم جعلت فداك ؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم قلت فما وجه الحكمة في غيبته ، قال : وجه الحكمة في غيبة وجه الحكمة في غياب من تقدم من حجج الله تعالى ذكره ، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاة الخضر (ع) لموسى عليه السلام إلا بعد إفتراقهما ، يا بن الفضل إن هذا الأمر من أمر الله وسر من سر الله و غيب من غيب الله و متى علمنا أن الله عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة و إن كان وجهها غير منكشف " (22) .
على أنه يمكننا أن نعد للغيبة بعض الفوائد التي قد تكون بعض الأخبار قد أشارت إليه و منها :
-1امتحان الأمة
فإن إحدى فوائد غيبة صاحب الزمان هي امتحان الناس ليظهروا على واقعهم فتنكشف الفئة التي استبطنت السوء و عدم الإيمان ، و تبدو ظاهرة متميزة عن الفئة التي تمكن الإيمان من أعماق قلوبها و راح يزداد و يتعمق بانتظارها للفرح و صبرها في الشدائد و اعتقادها بالغيب ، و بازدياد الإيمان ترتفع قدرها و تحصل على درجات عالية من الثواب .
يقول الإمام موسى بن جعفر (ع) :" إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة فالله في أديانكم لا يزيلنكم عنها أحد يا بني أنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به إنما هي محنة من الله امتحن الله بها خلقه " (23) .
-2حفظه (ع) من القتل
إن ملاحظة تاريخ الأئمة (ع) و الجور الذي توجه إليهم من قبل خلفاء بني أمية و بني العباس ، ترشدنا إلى أن الإمام الثاني عشر لو كان ظاهراً فإنه سيقتل لا محاله كما قتل آباؤه من قبل ، وذلك لأن الأعداء و السلطة الجائره كان قد انتهى إلى سمعها أنه سيظهر شخص من أهل بيت النبي (ص) من ولد علي و فاطمة سلام الله عليهما ، يحطم عروش الظالمين المستبدين و أنه ابن الإمام العسكري (ع) ، لذا فإن العباسيين لم يدخروا وسعاً في تقصي أخبار هذا الإمام و لكن الله تعالى سلمه من كيدهم و خيب آمالهم .
ينقل زراره عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : " إن للقائم غيبة قبل ظهوره قلت : لم قال يخاف القتل"(24) .
-3لئلا تكون في عنقه (ع) بيعة لأحد
فهناك بعض الروايات تؤكد هذا المعنى و أن غيبته (ع) حفظته من بيعة الظالمين و الحكام الغاصبين، و أن سيظهر حين يظهر و ليس لأحد بيعة في عنقه ، فيظهر الحق عياناً و بلا أي مداربه و يقر في الأرض حكم القسط و العدل .
يقول الإمام الصادق (ع) : " يقوم القائم و ليس لأحد في عنقه بيعة " (25)
فوائد وجود الإمام الغائب (ع)
قلنا -سابقاً- بأن الله تعالى عين الإمام المهدي (ع) لكي يهدي الناس إلى الحق و لكن الناس أنفسهم هم الذين منعوه (ع) من تنفيذ هذه المهمة ، و متى ما كان الناس أنفسهم مستعدين للسير نحو الحكومة الإلهية العالمية الموحدة .
القائمة عل أساس من العدالة الواقعية و رعاية الحقائق و الواقع ، و تطبيق كل أحكام الإسلام بلا أي خوف أو تقية فإنه (ع) سيظهر .
إذن ليس هناك من جانب الله الرحيم تعالى أي تقصير في مجال العناية و الرحمة ، بل إن تقصير الناس أنفسهم هو الذي أوجب غيبة الإمام و تأخير ظهور هذه الحكومة العالمية ، و لكنا يجب أن نعلم أن فوائد وجود الإمام لا تنحصر بالإرشادات و الهداية الظاهرية أن كان بين الناس ، بل أن هناك فوائد أخرى من حيث (التكوين و التشريع ) تترتب على وجوده و إن كان غائباً عن الناس .
و إن أهم فوائد وجوده (ع) هو كونه ( واسطة في الفيض) و ذلك لأنه طبقاً للأدلة في مجال الإمامة ، توضح أن الرابطة بين العالم و الخالق تنقطع بعدم وجود الإمام ، و ذلك لأن تمام أنواع الفيض الإلهي أنما تنزل على الناس بواسطة الإمام و قد ورد مضمون الحديث التالي في أحاديث كثيرة وهو " لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت" (26) ، نعم إن الإمام هو قلب عالم الوجود و قائد البشرية و مربيها و من هذه الزاوية فإن وجوده ظاهراً أو غائباً لا يفترقان بالنسبة إلى مركزه .
هذا و إن الهداية المعنوية للإمام (ع) بالنسبة للأفراد و اللائقين لذلك هي هداية متصلة و إن لم يستطيع هؤلاء أن يروه (ع) خصوصاً و أنه ورد أنه يتردد على مجالس الناس و محافلهم و إن لم يكونوا يعرفونه .
و على هذا فإن صيانة الإمام للدين و هداية الأناس هما أمران حاصلان بتمام المعنى في زمان الغيبة .
إن الإمام في الحقيقة كالشمس التي يغطيها السحاب تستمد الخلائق منها النور و الحرارة كان الجهال و العمى ينكرونها .
و هذا هو الإمام الصادق (ع) يجيب على سؤال عن كيفية استفادة الناس من الإمام الغائب بأنهم ينتفعون ، " كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب" (27) .
و هنا لا بأس من ملاحظة ما يقول أحد المستشرقين بهذا الصدد " أعتقد أن مذهب التشيع هو المذهب الوحيد الذي احتفظ دائماً بوجود رابطة الهداية الإلهية بين الله و الخلق و جعل رابطة الولاية حية قائمة بشكل مستمر .
إن المذهب اليهودي ختم النبوة و هي رابطة واقعية بين الله و الإنسان بموسى و لم يذعن بعد ذلك بنبوة السيد المسيح و الرسول محمد (ص) و قطع تلك الرابطة و هكذا المسيحيون الذين ختموا النبوة بالمسيح و هكذا أهل السنة عندما قطعوا الرابطة بالرسول الأكرم (ص) و مع ختم النبوة به (ص) فهم لا يقيمون الترابط بين الخالق و المخلوق .
و لكن مذهب التشيع لوحده هو الذي يعتقد بختم بالرسول محمد (ص) و لكن الولاية و هي رابطة الهداية و التكميل ستبقى حية و إلى يوم القيامة . . نعم إن قيام هذه الحقيقة بين العالم الإنساني و الإلهي إلى الأبد إنما هو في مذهب التشيع و حسب " (29) .
تذكير لازم (http://www.fadak.org/MOSHARAK/5.htm#f)
إن الاعتقاد بالإمام المهدي (ع) يعني أن ارتباط الناس بعالم الغيب لم ينقطع و إن من يعتقدون بذلك يجب أن يتذكروا الإمام دائماً و ينتظروا ظهور ذلك المصلح الغيبي العظيم و طبيعي أن انتظار الإمام المهدي (ع) لا يعني أن يتخلى المسلمون و الشيعة عن مسؤولياتهم و لا يقوموا بأي خطوة في سبيل تحقيق الأهداف الإسلامية و يكتفوا . بمجرد استظهاره (ع) بل الأمر على العكس من ذلك تماماً كما صرحوا به العلماء الكبار و باحثوا الشيعة منذ مئات السنين بأن المسلمين و الشيعة يجب عليهم -مهما كانت الظروف- أن يعملوا على نشر المعارف الإسلامية وإقرار الأحكام الشرعية و أن يصمدوا في وجه الظلم و الذنب و الانحراف و يعارضوه بما يمكنهم . وبعبارة أخرى فإن عليهم أن يعملوا على تهيئة الأرضية المساعدة لقيام حكومة العدل فيربوا الأفراد و المجتمع حتى يكون بنفسه مجتمعاً يسعى نحو الحق و إذا كان الظلم هو الحاكم في المجتمع فإن عليهم أن يعترضوا عليه و يعرضوا عنه ، إن على كل مسلم أن يضحي في سبيل الإيمان و الإسلام و أن يكون مستعداً في كل آن لاستقبال دعوة الإمام المهدي (ع) و ذلك بأن ينظم حياته بشكل لا يتناقض مع دعوته (ع) لكي يكون مؤهلاً للانخراط في سلك أتباعه و أنصاره و يقارع أعداءه بكل ثبات. ***والسلام
ولم يظهر الإمام لعموم الناس منذ أيامه الأولى ، و لم يتصل به الناس إلى حدود 70 سنة إلا بواسطة نوابه الخاصين ( و هم على الترتيب : عثمان بن سعيد ، محمد بن عثمان ، الحسين بن روح ، و علي بن محمد السمري ) ، و يطلق على هذه الفترة الزمانية التي بلغت 70 سنة اسم ( الغيبة الصغرى ) و بعد ذلك بدأت الغيبة الكبرى و في عهد الغيبة الكبرى لم و لن يعين أحدٌ كنائب خاص ، و على الأمة في هذا العهد أن ترجع إلى نوابه العامين وهم الفقهاء و رواة الحديث المتخصصون في الشؤون الدينية .
الإعتقاد بالمهدي (ع) و الإصلاح العالمي
ليس الإعتقاد بظهور الإمام المهدي (ع) و المصلح العالمي مختصاً بالشيعة بل هو أمرُ تعتقد به سائر الفرق الإسلامية و حتى غير المسلمين أيضاً كاليهود و النصارى و العلماء الكبار في العالم .
جاء في زبور داود :
" و الذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض . . . أما الودعاء فيرثون الأرض و يتلذذون في كثرة السلامة . . . و عاضد الصديقين الرب . . . الرب عارف أيام الكملة و ميراثهم إلى الأبد يكون . . . لأن المباركين منه يرثون الأرض و الملعونين منه يقطعون . . . الصديقون يرثون الأرض و يسكنون فيها إلى الأبد " (2) .
القرآن و الإعتقاد بالمهدي(ع)
لقد وعد القرآن الكريم الأمة بيوم يستلم فيه رجال الحق و الأناس اللائقون أزمة القيادة في الأرض ، و ينتصر فيه الدين الإسلامي على سائر الأديان و يعم الأرض ، هذا بالإضافة إلى ورود آيات فيه تفسر بالإمام المهدي (ع) :
-1{ و لقد كتبنا في الزبور(3) من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون }.(4)
-2{وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً } (5)
-3{هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون } (6) .
-4{و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين} (7)
و هكذا يتوضح من هذه الآيات أن العالم سيصل حتماً إلى اليوم الذي تستلم فيه القيادة الرشيدة اللائقه أزمة الأمور فيه ، فيكون أولياء الله قادة الأرض يعلو الإسلام فيه على سائر العقائد (8) .
المهدي في المصادر السنية
و قد روى علماء السنة في هذا المجال روايات كثيرة عن رواة يوثقونهم عن النبي الأكرم (ص) و تؤكد هذه الروايات على أن الأئمة هم اثنا عشر إماماً و إنهم كلهم من قريش ، و أن المهدي من أهل بيته (ص) و أبناء علي و فاطمة ، و قد صرح الكثير منها انه من نسل الإمام الحسين (ع) . و قد رووا في هذا المجال المئات من الأحاديث و التي جاءت في أكثر من 70 مصدراً معتبراً و نحن نشير إلى بعض منها فيما يلي :
-المسند تأليف أحمد بن حنبل المتوفي سنة 24 سنة 241 هجرية .
-صحيح البخاري تأليف البخاري المتوفي سنة 256 هجرية .
-صحيح مسلم تأليف مسلم بن حجاج النيشابوري المتوفي سنة 275 هجرية .
-صحيح الترمذي تأليف محمد بن عيسى الترمذي المتوفي سنة 279 هجرية .
و من الملاحظ أن مؤلفين هذه الكتب المذكورة . و كل منها أصح المسانيد المعتبرة عن أهل السنة هؤلاء توفوا إما قبل ولادة الإمام المهدي (ع) – سنة 255 هجرية- أو بعد ولادته بقليل .
و هكذا :
-مصابيح السنة تأليف البغوي المتوفي سنة 516 هجرية .
-جامع الأصول تأليف ابن الأثير المتوفي سنة 606 هجرية .
-الفتوحات المكية تأليف محي الدين بن عربي المتوفي سنة 654 هجرية .
-تذكرة الخواص تأليف سبط ابن الجوزي المتوفي سنة 654 هجرية .
-فوائد السميطي تأليف الحموي المتوفي سنة 716 هجرية .
-الصواعق تأليف ابن حجر الهيثمي المتوفي سنة 973 هجرية .
-ينابيع المودة تأليف الشيخ سليمان القندوزي المتوفي سنة 1293 هجرية .
و قد ألف عدة من علماء السنة كتباً مستقلة حول الإمام المهدي (ع) و منها :
-1" البيان في أخبار صاحب الزمان " للعلامة الكنجي الشافعي .
-2" عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر " للشيخ جمال الدين يوسف الدمشقي .
-3" مهدي آل الرسول " لعلي بن سلطان محمد الهروي الحنفي .
-4" كتاب المهدي " تأليف أبى داود .
-5" علامات المهدي " جلال الدين السيوطي .
-6" مناقب المهدي " الحافظ أبى النعيم الأصفهاني .
-7" القول المختصر في علامات المهدي المنتظر " لإبن حجر .
-8" البرهان في علامات مهدي آخر الأزمان للملا علي المتقي .
-9" أربعون حديثاً في المهدي " لأبي العلاء الهمداني و غيرها (9)
المصلح الغيبي عند الشيعة
لدينا أكثر من ثلاثة آلاف حديث (3000) عن النبي (ص) و الأئمة الطاهرين حول الإمام المهدي (ع) و يستفاد منها
أن الإمام المهدي (ع) هو التاسع من ولد الحسين (ع) وأن أباه هو الإمام الحسن العسكري (ع) و أن أمه هي " نرجس خاتون " و اسمه اسم نبي آخر الزمان (ص) و و طفولته و هو حي إلى اليوم و سيبقى إلى ما شاء الله و أنه سيظهر في يوم من الأيام و يملأ الأرض قسطاً و عدلاً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً و أنه غائبٌ عن الناس لحكم في ذلك و انه ما أن يظهر بطلعته المباركة ، حتى يتكي على جدار الكعبة و يعلن ذلك ، و يدعو أتباعه و عددهم 313 شخصاً فيلبون نداءه و يحيطون به ، و ينزل عيسى من السماء و يصلي جماعه خلفه،و سينشر أحكام الإسلام في أرجاء العالم و تصير الأرض كالفردوس.
إن الأحاديث التي نقلها علماء الشيعة و السنة في الأمور المختلفة التي تطوف حول الإمام العظيم (ع) كثيرة جداً و قد ذكرت في كتب مثل " بحار الأنوار ، ومنتخب الأثر " وغيرها ونحن هنا نعطي إحصائية لبعضها كما ذكرها صاحب منتخب الأثر في كتابه ، ثم نعقب ذلك بذكر بعض متون تلك الأحاديث :
موضوع الرواية
عدد الأحاديث
التي تصرح بأن الأئمة اثنا عشر أولهم علي (ع) و آخرهم المهدي(ع)
58
التي تبشر بظهور المهدي
657
التي تصرح بأن المهدي من أهل البيت (ع)
389
التي تصرح بأن اسمه و كنيته هما كاسم النبي(ص) و كنيته
48
التي تصرح بأنه من أبناء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
214
التي تصرح بأنه من أبناء الزهراء (ع)
192
التي تصرح بأنه من أبناء الحسين (ع)
185
التي تصرح بأنه التاسع من أبناء الحسين (ع)
148
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام زين العابدين (ع)
185
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الباقر (ع)
103
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الصادق (ع)
103
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الكاظم (ع)
101
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الرضا (ع)
95
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الجواد (ع)
90
التي تصرح بأنه من أبناء الهادي (ع)
90
التي تصرح بأنه ابن الإمام العسكري (ع)
146
التي تصرح بأن اسم أبيه هو الحسن (ع)
147
التي تقول بأنه سيملأ العالم عدلاً
123
التي تقول بأن غيبته طويلة الأمد
91
التي تبين طول عمره الشريف (ع)
318
التي تقول بأن دين الإسلام سيكون عالمياً على يديه
47
التي تقول أنه الإمام الثاني عشر و أنه الإمام الأخير
136
مجموع الأحاديث
3666
مع ملاحظة الأرقام التي ذكرناها و غير ذلك الأحاديث يتوضح تماماً أن الروايات الواردة في هذا المجال قد تجاوزت حد التواتر بلا شك و أنه يقل ورود مثل هذا العدد من الروايات في موضوع إسلامي آخر و على هذا فيجب على كل مؤمن بالإسلام و النبي الأكرم أن يؤمن إيماناً راسخاً بوجود المهدي الموعود الذي يعيش الآن غائباً عن عيون الناس
بعض النصوص الواردة
-1يذكر مؤلف كتاب " ينابيع المودة " في هذا الكتاب أن النبي (ص) قال : " المهدي من ولدي تكون له غيبة إذا ظهر يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً" (10)
-2وجاء في ذلك الكتاب أن سلمان الفارسي قال : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا الحسين بن علي على فخذه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه و هو يقول أنت سيد ابن سيد أخو سيد أنت إمام ابن إمام أخو إمام أنت حجة ابن حجة أخو حجة و أنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم" (11) .
-3يقول ابن أبي دلف " سمعت علي بن محمد بن علي الرضا يقول : الإمام بعدي الحسن ابني و بعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً " (12)
-4و يروي حذيفة أن النبي (ص) قال : " المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدري " (13) .
-5ينقل مسعدة عن الإمام الصادق أنه قال : " إن قائمنا يخرج من صلب الحسن (يعني العسكري ) و الحسن يخرج من صلب علي (يعني الهادي) و علي يخرج من صلب محمد (يعني الجواد) و محمد يخرج من صلب علي (يعني الرضا) و علي يخرج من صلب ابنيهذا (يعني الكاظم) - وأشار إلى موسى- وهذا خرج من صلبي ، و نحن اثنا عشر إماما ، كلنا معصومون مطهرون ، والله لو لم يبق إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت " (14) .
رأي علماء الإجتماع
يرى علماء الإجتماع الكبار في العالم أن الحروب و سفك الدماء و قتل الأنفس و كل هذه المفاسد المتزايدة اليوم إنما هي ناتجة من عدم توفر التوازن بين متطلبات الجسم و الروح الإنسانين .
فالإنسان اليوم قد سحق الفضائل الأخلاقية و المنابع المعنوية ، و إن كان قد سخر البحر و الفضاء و الصحراء لصالحه و صعد إلى القمر .
و من البديهي أنه لا يمكن إقرار العدالة و النظام الصحيح بالقوة و القدرة و لا يمكن أن تضمن سعادة البشرية بحصول التكنيك المتقدم و باقي العلوم المادية و ليس للإنسانية محيص من أن تقيم علاقاتها على أساس من الإيمان و الأخلاق و تنجي نفسها من دوامة الخطر بقيادة مصلح عالمي عظيم ، و تصل إلى إقرار الحكم القائم على أساس العدالة و الأمن و الصفاء و الأخوة .
و على هذا نستنتج أن البشرية تسرع اليوم و تستعد لتقبل قيادة الإمام صاحب الزمان (ع) .
طول عمر الإمام (ع)
نحن نرى أن طول عمر الإنسان ليس من الأمور المستحيلة و ذلك لأنا نقرأ في القرآن الكريم أن نوحاً (ع) قد عمّر طويلاً إذ دامت مدة تبليغه فقط 950 سنة (15) .
و على أساس من التحقيقات العلمية التي قام بها علماء الطبيعة فقد ثبت إمكان كون عمر الإنسان طويلاً و حتى أن أكابر العلماء صمموا على تهيئة أنواع من الأغذية و الأدوية التي تساعد في إطالة العمر .
و ينقل المرحوم آية الله الصدر في كتابه ( المهدي ) مقالاً و رد في مجلة ( المقتطف ) العدد الثالث من سنة 1959 و ذلك كشاهد على المدعى السابق و نحن نذكر مقتبسات مما جاء فيه : " لكن العلماء الموثوق بعلمهم يقولون أن كل الأنسجة الرئيسية من جسم الحيوان تقبل البقاء إلى ما لا نهاية و أنه في الإمكان يبقى الإنسان حياً ألوفا من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته و قولهم هذا ليس مجرد ظن بل هو نتيجة عملية مؤيدة بالامتحان . . .
قال الأستاذ ديمندوبرل من أساتذة جامعة جونس هبكنس : أن كل الأجزاء الخلوية الرئيسية من جسم الإنسان قد ثبت أن خلودها بالقوة صار أمراً مثبتاً بالامتحان أو مرجحاً ترجيحاً تاماً لطول ما عاشه حتى الآن . . . و الظاهر أن أول من امتحن ذلك في أجزاء من جسم الحيوان هو الدكتور جاك لوب . . . ثم أثبت الدكتور (ودن لويس) و زوجته أنه يمكن وضع أجزاء خلوية من جسم جنين طائر في سائل ملحي فتبقى حية و توالت التجارب . . . حتى قام الدكتور الكسيس كارل و أثبت منها أن هذه الأجزاء لا تشيخ الحيوان الذي أُخذت منه بل تعيش أكثر مما يعيش هو عادة و قد شرع في التجارب المذكورة في شهر يناير سنة 1912 ميلادية و لقي عقبات كثيرة و ثبت له :
-1أن هذه الأجزاء الخلوية تبقى حية ما لم يعرض لها عارض يميتها إما من قلة الغذاء أو من دخول بعض الميكروبات .
-2أنها لا تكتفي بالبقاء حية بل تنمو خلاياها و تتكاثر كما لو كانت باقية في جسم الحيوان .
-3أنه يمكن قياس نموها و تكاثرها و معرفة ارتباطها بالغذاء الذي يقدم لها .
-4لا تأثير للزمن أي أنها لا تشيخ و تضعف بمرور الزمن بل لا يبدو عليها أقل أثر للشيخوخة تنمو و تتكاثر هذه السنة كما كانت تنمو و تتكاثر في السنة الماضية و ما قبلها من السنين .
و لكن لماذا يموت الإنسان ؟ و لماذا نرى سنينه محدودة لا تتجاوز المائة إلا نادراً جداً ؟ الجواب : أن أعضاء الإنسان كثيرة مختلفة و هي مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً محكماً حتى أن حياة بعضها تتوقف على حياة البعض الآخر فإذا ضعف بعضها أو مات لسبب من الأسباب مات بموته سائر الأعضاء ناهيك بفتك الأمراض الميكروبية المختلفة و هذا مما يجعل متوسط العمر أقل جداً من سبعين و الثمانين . . . و غاية ، ثبت الآن العمر أقل جداً من سبعين أو الثمانين أو مائة أو أكثر بل لأن العوارض تثاب ببعض تموت كلها فإذا استطاع العلم أن يزيل هذه العوارض أو يمنع فعلها لم يبق مانع يمنع استمرار الحياة مئات من السنين " (15) .
و على أساس هذا فإنه بعد أن علمنا بعدم المانع من طول العمر فلا إشكال إذن في أن يمن الله القادر تعالى بحفظه على إنسان ويبقيه آلاف السنين وذلك لأن تنظيم و تحقيق الشروط التي تؤدي إلى طول العمر ، كل ذلك بيده تعالى ن وهو تعالى ، يستطيع أن يوجد نظاماً حاكماً و مقدماً على النظام العادي و ذلك كما فعل في إجراء كل المعاجز ، فإن كل معاجز الأنبياء كصيرورة النار برداً على إبراهيم ، و تحول عصى موسى إلى ثعبان ، و إحياء الموتى لعيسى و غيرها كانت قد تمت على أساس خرق العادة المألوفة حيث أن الله تعالى أوجد نظاماً آخر بقدرته ما انتج حصول المعجزة ، و أن جميع المسلمين بل اليهود و النصارى ليصدقون بتلك المعاجز ، فلا يبقى ة الحالة هذه أي إشكال في طول عمر الإمام المهدي (ع) وذلك لأن الحكم بعد إمكانه لا يمكن قبوله بعد تصريح القرآن الكريم بطول عمر نوح (ع) و رؤية نتائج المكتشفات العلمية الحديثة ، وإذا قيل لنا أن هذا الأمر ممكن لكنه يجري على خلاف النظام المألوف وجب أن نقول في الجواب قلنا لا مانع في أن يكون طول عمر الإمام خلافاً للمألوف المعتاد بعد أن كانت كل معاجز الأنبياء تجري هذا المجرى بقدرة الله تعالى و وقوع المعاجز لا يحصل في ذهنه أي إشكال في مسألة طول عمر الإمام (ع) .
غيبة الإمام المهدي (ع)
كان النبي الأكرم (ص) يذكر الإمام الثاني عشر للأمة بين الحين و الآخر و قد ذكر الأئمة الأطهار بهذه المسألة دائماً . و قد كان لكل ذلك التذكير المتواصل بغيبة الإمام أثر في جعل كل إنسان معتقدٌ بالإمام المهدي معتقداً بطول عمره (ع) و هذه نماذج من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال .
-1قال رسول (ص) : " و الذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعد معهود له مني حتى يقول أكثر الناس : ما لله في آل محمد حاجة و يشك آخرون في ولادته فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه و لا يجعل للشيطان عليه سبيلاً بشكه فيزيله عن ملتي و يخرجه من ديني فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل و أن الله عز وجل جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون" (17) .
-2و قال أمير المؤمنين (ع) : " للقائم منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه ، ألا فمن ثبت منهم على دينه ، و لم يقس قلبه بطول غيبته إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة ثم قال : إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفى ولادته و يغيب شخصه" (18) .
-3وروى محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : " إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها" (19)
-4و يقول العلامة الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان متحدثاً عن أخبار الغيبة " وخلدها المحدثون من الشيعة في أصولهم المؤلفة في أيام السيدين الباقر و الصادق (ع) . . ومن جملة ثقات المحدثين و المصنفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراو وقد صنف كتاب المشيخة . . . ذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة و منها ما عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له كان أبو جعفر يقول :" لقائم آل محمد غيبتان واحدة طويلة و الأخرى قصيرة ، قال : فقال لي : نعم يا أبا بصير أحدهما أطول من الأخرى " (20)
و يتوضح في هذا أن الرسول (ص) و الأئمة (ع) أخبروا بوجود الإمام المهدي (ع) أخبروا بأن الإعتقاد بوجوده يصحبه الإعتقاد بغيبته ، ينقل الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن السيد الحميري قوله : " كنت أقول بالغلو و أعتقد غيبة محمد بن علي -ابن حنيفة- قد ضللت في ذلك زمانا فمن الله علي بالصادق جعفر بن محمد و أنقذني به من النار و هداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علىّ و على جميع أهل زمانه و أنه الإمام الذي فرض الله طاعته و أوجب الإقتداء به فقلت له : يا بن رسول الله قد روى لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة و صحة كونها فأخبرني بمن تقع ؟ فقال عليه السلام : " إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي و هو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و آخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض و صاحب الزمان . ."(21)
لماذا كانت الغيبة ؟
إن وجود الإمام (ع) و وصي النبي (ص) أمر ضروري لجهات عديدة منها رفع الاختلافات ، و تفسير و توضيح القوانين الإلهية و الهداية المعنوية الباطنية و غير ذلك و أن الله تعالى برحمته جعل الإمام أمير المؤمنين (ع) و بعده أحد عشر إماماً من أبنائه واحداً بعد الآخر أوصياء للنبي (ص) و أئمة للأمة و من الواضح أن مهمة الإمام صاحب الزمان تشبه من حيث تمام جوانب الإمامة وظائف الأئمة الآخرين (ع) ، و أنه لو لم تكن هناك موانع فإن عليه أن يظهر للناس لكي يستفيدوا منه ، و إذا كان الأمر كذلك فلماذا كان غائباً منذ بدء حياته ؟
و عند الإجابة على هذا السؤال نقول :
إن الإعتقاد بحكمة الله تعالى يجعل من غير اللازم أساساً نعرف فلسفة الغيبة بعد أن ثبتت ثبوتاً قاطعاً لا شك فيه ، فلا يضرنا مطلقاً إذن أن لا نعرف علة الغيبة و ذلك شبيه بتلك الموارد الكثيرة التي لا نعرف وجه الحكمة فيها ، و إنما يكفينا فقط أن يثبت لدينا بالروايات الصحيحة و البراهين القوية أن الله العظيم أرسل حجته إلى الأمة و لكن كانت هناك بعض المصالح التي استدعت أن يبقى وراء ستار الغيبة و يبدو من بعض الروايات أن السبب الأصلي للغيبة سيعرف بعد ظهوره (ع) يقول : " إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها يرتاب منها كل مبطل فقلت له : و لم جعلت فداك ؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم قلت فما وجه الحكمة في غيبته ، قال : وجه الحكمة في غيبة وجه الحكمة في غياب من تقدم من حجج الله تعالى ذكره ، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاة الخضر (ع) لموسى عليه السلام إلا بعد إفتراقهما ، يا بن الفضل إن هذا الأمر من أمر الله وسر من سر الله و غيب من غيب الله و متى علمنا أن الله عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة و إن كان وجهها غير منكشف " (22) .
على أنه يمكننا أن نعد للغيبة بعض الفوائد التي قد تكون بعض الأخبار قد أشارت إليه و منها :
-1امتحان الأمة
فإن إحدى فوائد غيبة صاحب الزمان هي امتحان الناس ليظهروا على واقعهم فتنكشف الفئة التي استبطنت السوء و عدم الإيمان ، و تبدو ظاهرة متميزة عن الفئة التي تمكن الإيمان من أعماق قلوبها و راح يزداد و يتعمق بانتظارها للفرح و صبرها في الشدائد و اعتقادها بالغيب ، و بازدياد الإيمان ترتفع قدرها و تحصل على درجات عالية من الثواب .
يقول الإمام موسى بن جعفر (ع) :" إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة فالله في أديانكم لا يزيلنكم عنها أحد يا بني أنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به إنما هي محنة من الله امتحن الله بها خلقه " (23) .
-2حفظه (ع) من القتل
إن ملاحظة تاريخ الأئمة (ع) و الجور الذي توجه إليهم من قبل خلفاء بني أمية و بني العباس ، ترشدنا إلى أن الإمام الثاني عشر لو كان ظاهراً فإنه سيقتل لا محاله كما قتل آباؤه من قبل ، وذلك لأن الأعداء و السلطة الجائره كان قد انتهى إلى سمعها أنه سيظهر شخص من أهل بيت النبي (ص) من ولد علي و فاطمة سلام الله عليهما ، يحطم عروش الظالمين المستبدين و أنه ابن الإمام العسكري (ع) ، لذا فإن العباسيين لم يدخروا وسعاً في تقصي أخبار هذا الإمام و لكن الله تعالى سلمه من كيدهم و خيب آمالهم .
ينقل زراره عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : " إن للقائم غيبة قبل ظهوره قلت : لم قال يخاف القتل"(24) .
-3لئلا تكون في عنقه (ع) بيعة لأحد
فهناك بعض الروايات تؤكد هذا المعنى و أن غيبته (ع) حفظته من بيعة الظالمين و الحكام الغاصبين، و أن سيظهر حين يظهر و ليس لأحد بيعة في عنقه ، فيظهر الحق عياناً و بلا أي مداربه و يقر في الأرض حكم القسط و العدل .
يقول الإمام الصادق (ع) : " يقوم القائم و ليس لأحد في عنقه بيعة " (25)
فوائد وجود الإمام الغائب (ع)
قلنا -سابقاً- بأن الله تعالى عين الإمام المهدي (ع) لكي يهدي الناس إلى الحق و لكن الناس أنفسهم هم الذين منعوه (ع) من تنفيذ هذه المهمة ، و متى ما كان الناس أنفسهم مستعدين للسير نحو الحكومة الإلهية العالمية الموحدة .
القائمة عل أساس من العدالة الواقعية و رعاية الحقائق و الواقع ، و تطبيق كل أحكام الإسلام بلا أي خوف أو تقية فإنه (ع) سيظهر .
إذن ليس هناك من جانب الله الرحيم تعالى أي تقصير في مجال العناية و الرحمة ، بل إن تقصير الناس أنفسهم هو الذي أوجب غيبة الإمام و تأخير ظهور هذه الحكومة العالمية ، و لكنا يجب أن نعلم أن فوائد وجود الإمام لا تنحصر بالإرشادات و الهداية الظاهرية أن كان بين الناس ، بل أن هناك فوائد أخرى من حيث (التكوين و التشريع ) تترتب على وجوده و إن كان غائباً عن الناس .
و إن أهم فوائد وجوده (ع) هو كونه ( واسطة في الفيض) و ذلك لأنه طبقاً للأدلة في مجال الإمامة ، توضح أن الرابطة بين العالم و الخالق تنقطع بعدم وجود الإمام ، و ذلك لأن تمام أنواع الفيض الإلهي أنما تنزل على الناس بواسطة الإمام و قد ورد مضمون الحديث التالي في أحاديث كثيرة وهو " لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت" (26) ، نعم إن الإمام هو قلب عالم الوجود و قائد البشرية و مربيها و من هذه الزاوية فإن وجوده ظاهراً أو غائباً لا يفترقان بالنسبة إلى مركزه .
هذا و إن الهداية المعنوية للإمام (ع) بالنسبة للأفراد و اللائقين لذلك هي هداية متصلة و إن لم يستطيع هؤلاء أن يروه (ع) خصوصاً و أنه ورد أنه يتردد على مجالس الناس و محافلهم و إن لم يكونوا يعرفونه .
و على هذا فإن صيانة الإمام للدين و هداية الأناس هما أمران حاصلان بتمام المعنى في زمان الغيبة .
إن الإمام في الحقيقة كالشمس التي يغطيها السحاب تستمد الخلائق منها النور و الحرارة كان الجهال و العمى ينكرونها .
و هذا هو الإمام الصادق (ع) يجيب على سؤال عن كيفية استفادة الناس من الإمام الغائب بأنهم ينتفعون ، " كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب" (27) .
و هنا لا بأس من ملاحظة ما يقول أحد المستشرقين بهذا الصدد " أعتقد أن مذهب التشيع هو المذهب الوحيد الذي احتفظ دائماً بوجود رابطة الهداية الإلهية بين الله و الخلق و جعل رابطة الولاية حية قائمة بشكل مستمر .
إن المذهب اليهودي ختم النبوة و هي رابطة واقعية بين الله و الإنسان بموسى و لم يذعن بعد ذلك بنبوة السيد المسيح و الرسول محمد (ص) و قطع تلك الرابطة و هكذا المسيحيون الذين ختموا النبوة بالمسيح و هكذا أهل السنة عندما قطعوا الرابطة بالرسول الأكرم (ص) و مع ختم النبوة به (ص) فهم لا يقيمون الترابط بين الخالق و المخلوق .
و لكن مذهب التشيع لوحده هو الذي يعتقد بختم بالرسول محمد (ص) و لكن الولاية و هي رابطة الهداية و التكميل ستبقى حية و إلى يوم القيامة . . نعم إن قيام هذه الحقيقة بين العالم الإنساني و الإلهي إلى الأبد إنما هو في مذهب التشيع و حسب " (29) .
تذكير لازم (http://www.fadak.org/MOSHARAK/5.htm#f)
إن الاعتقاد بالإمام المهدي (ع) يعني أن ارتباط الناس بعالم الغيب لم ينقطع و إن من يعتقدون بذلك يجب أن يتذكروا الإمام دائماً و ينتظروا ظهور ذلك المصلح الغيبي العظيم و طبيعي أن انتظار الإمام المهدي (ع) لا يعني أن يتخلى المسلمون و الشيعة عن مسؤولياتهم و لا يقوموا بأي خطوة في سبيل تحقيق الأهداف الإسلامية و يكتفوا . بمجرد استظهاره (ع) بل الأمر على العكس من ذلك تماماً كما صرحوا به العلماء الكبار و باحثوا الشيعة منذ مئات السنين بأن المسلمين و الشيعة يجب عليهم -مهما كانت الظروف- أن يعملوا على نشر المعارف الإسلامية وإقرار الأحكام الشرعية و أن يصمدوا في وجه الظلم و الذنب و الانحراف و يعارضوه بما يمكنهم . وبعبارة أخرى فإن عليهم أن يعملوا على تهيئة الأرضية المساعدة لقيام حكومة العدل فيربوا الأفراد و المجتمع حتى يكون بنفسه مجتمعاً يسعى نحو الحق و إذا كان الظلم هو الحاكم في المجتمع فإن عليهم أن يعترضوا عليه و يعرضوا عنه ، إن على كل مسلم أن يضحي في سبيل الإيمان و الإسلام و أن يكون مستعداً في كل آن لاستقبال دعوة الإمام المهدي (ع) و ذلك بأن ينظم حياته بشكل لا يتناقض مع دعوته (ع) لكي يكون مؤهلاً للانخراط في سلك أتباعه و أنصاره و يقارع أعداءه بكل ثبات.
ولد الإمام المهدي القائم بالعدل في النصف من شعبان(1) سنة 255 هجرية قمرية و في مدينة سامراء ( سر من رأى) و أصبح إماماً سنة 260 هجرية قمرية أي في السنة التي توفى فيها والده العظيم الإمام الحسن العسكري (ع) ، اسمه و كنيته هما مثل اسم النبي و كنيته ، و أبوه هو الإمام العسكري الإمام الحادي عشر للشيعة و أمه هي المرأة الطاهرة " نرجس" سلام الله عليها .
ولم يظهر الإمام لعموم الناس منذ أيامه الأولى ، و لم يتصل به الناس إلى حدود 70 سنة إلا بواسطة نوابه الخاصين ( و هم على الترتيب : عثمان بن سعيد ، محمد بن عثمان ، الحسين بن روح ، و علي بن محمد السمري ) ، و يطلق على هذه الفترة الزمانية التي بلغت 70 سنة اسم ( الغيبة الصغرى ) و بعد ذلك بدأت الغيبة الكبرى و في عهد الغيبة الكبرى لم و لن يعين أحدٌ كنائب خاص ، و على الأمة في هذا العهد أن ترجع إلى نوابه العامين وهم الفقهاء و رواة الحديث المتخصصون في الشؤون الدينية .
الإعتقاد بالمهدي (ع) و الإصلاح العالمي
ليس الإعتقاد بظهور الإمام المهدي (ع) و المصلح العالمي مختصاً بالشيعة بل هو أمرُ تعتقد به سائر الفرق الإسلامية و حتى غير المسلمين أيضاً كاليهود و النصارى و العلماء الكبار في العالم .
جاء في زبور داود :
" و الذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض . . . أما الودعاء فيرثون الأرض و يتلذذون في كثرة السلامة . . . و عاضد الصديقين الرب . . . الرب عارف أيام الكملة و ميراثهم إلى الأبد يكون . . . لأن المباركين منه يرثون الأرض و الملعونين منه يقطعون . . . الصديقون يرثون الأرض و يسكنون فيها إلى الأبد " (2) .
القرآن و الإعتقاد بالمهدي(ع)
لقد وعد القرآن الكريم الأمة بيوم يستلم فيه رجال الحق و الأناس اللائقون أزمة القيادة في الأرض ، و ينتصر فيه الدين الإسلامي على سائر الأديان و يعم الأرض ، هذا بالإضافة إلى ورود آيات فيه تفسر بالإمام المهدي (ع) :
-1{ و لقد كتبنا في الزبور(3) من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون }.(4)
-2{وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً } (5)
-3{هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون } (6) .
-4{و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين} (7)
و هكذا يتوضح من هذه الآيات أن العالم سيصل حتماً إلى اليوم الذي تستلم فيه القيادة الرشيدة اللائقه أزمة الأمور فيه ، فيكون أولياء الله قادة الأرض يعلو الإسلام فيه على سائر العقائد (8) .
المهدي في المصادر السنية
و قد روى علماء السنة في هذا المجال روايات كثيرة عن رواة يوثقونهم عن النبي الأكرم (ص) و تؤكد هذه الروايات على أن الأئمة هم اثنا عشر إماماً و إنهم كلهم من قريش ، و أن المهدي من أهل بيته (ص) و أبناء علي و فاطمة ، و قد صرح الكثير منها انه من نسل الإمام الحسين (ع) . و قد رووا في هذا المجال المئات من الأحاديث و التي جاءت في أكثر من 70 مصدراً معتبراً و نحن نشير إلى بعض منها فيما يلي :
-المسند تأليف أحمد بن حنبل المتوفي سنة 24 سنة 241 هجرية .
-صحيح البخاري تأليف البخاري المتوفي سنة 256 هجرية .
-صحيح مسلم تأليف مسلم بن حجاج النيشابوري المتوفي سنة 275 هجرية .
-صحيح الترمذي تأليف محمد بن عيسى الترمذي المتوفي سنة 279 هجرية .
و من الملاحظ أن مؤلفين هذه الكتب المذكورة . و كل منها أصح المسانيد المعتبرة عن أهل السنة هؤلاء توفوا إما قبل ولادة الإمام المهدي (ع) – سنة 255 هجرية- أو بعد ولادته بقليل .
و هكذا :
-مصابيح السنة تأليف البغوي المتوفي سنة 516 هجرية .
-جامع الأصول تأليف ابن الأثير المتوفي سنة 606 هجرية .
-الفتوحات المكية تأليف محي الدين بن عربي المتوفي سنة 654 هجرية .
-تذكرة الخواص تأليف سبط ابن الجوزي المتوفي سنة 654 هجرية .
-فوائد السميطي تأليف الحموي المتوفي سنة 716 هجرية .
-الصواعق تأليف ابن حجر الهيثمي المتوفي سنة 973 هجرية .
-ينابيع المودة تأليف الشيخ سليمان القندوزي المتوفي سنة 1293 هجرية .
و قد ألف عدة من علماء السنة كتباً مستقلة حول الإمام المهدي (ع) و منها :
-1" البيان في أخبار صاحب الزمان " للعلامة الكنجي الشافعي .
-2" عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر " للشيخ جمال الدين يوسف الدمشقي .
-3" مهدي آل الرسول " لعلي بن سلطان محمد الهروي الحنفي .
-4" كتاب المهدي " تأليف أبى داود .
-5" علامات المهدي " جلال الدين السيوطي .
-6" مناقب المهدي " الحافظ أبى النعيم الأصفهاني .
-7" القول المختصر في علامات المهدي المنتظر " لإبن حجر .
-8" البرهان في علامات مهدي آخر الأزمان للملا علي المتقي .
-9" أربعون حديثاً في المهدي " لأبي العلاء الهمداني و غيرها (9)
المصلح الغيبي عند الشيعة
لدينا أكثر من ثلاثة آلاف حديث (3000) عن النبي (ص) و الأئمة الطاهرين حول الإمام المهدي (ع) و يستفاد منها
أن الإمام المهدي (ع) هو التاسع من ولد الحسين (ع) وأن أباه هو الإمام الحسن العسكري (ع) و أن أمه هي " نرجس خاتون " و اسمه اسم نبي آخر الزمان (ص) و و طفولته و هو حي إلى اليوم و سيبقى إلى ما شاء الله و أنه سيظهر في يوم من الأيام و يملأ الأرض قسطاً و عدلاً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً و أنه غائبٌ عن الناس لحكم في ذلك و انه ما أن يظهر بطلعته المباركة ، حتى يتكي على جدار الكعبة و يعلن ذلك ، و يدعو أتباعه و عددهم 313 شخصاً فيلبون نداءه و يحيطون به ، و ينزل عيسى من السماء و يصلي جماعه خلفه،و سينشر أحكام الإسلام في أرجاء العالم و تصير الأرض كالفردوس.
إن الأحاديث التي نقلها علماء الشيعة و السنة في الأمور المختلفة التي تطوف حول الإمام العظيم (ع) كثيرة جداً و قد ذكرت في كتب مثل " بحار الأنوار ، ومنتخب الأثر " وغيرها ونحن هنا نعطي إحصائية لبعضها كما ذكرها صاحب منتخب الأثر في كتابه ، ثم نعقب ذلك بذكر بعض متون تلك الأحاديث :
موضوع الرواية
عدد الأحاديث
التي تصرح بأن الأئمة اثنا عشر أولهم علي (ع) و آخرهم المهدي(ع)
58
التي تبشر بظهور المهدي
657
التي تصرح بأن المهدي من أهل البيت (ع)
389
التي تصرح بأن اسمه و كنيته هما كاسم النبي(ص) و كنيته
48
التي تصرح بأنه من أبناء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
214
التي تصرح بأنه من أبناء الزهراء (ع)
192
التي تصرح بأنه من أبناء الحسين (ع)
185
التي تصرح بأنه التاسع من أبناء الحسين (ع)
148
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام زين العابدين (ع)
185
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الباقر (ع)
103
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الصادق (ع)
103
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الكاظم (ع)
101
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الرضا (ع)
95
التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الجواد (ع)
90
التي تصرح بأنه من أبناء الهادي (ع)
90
التي تصرح بأنه ابن الإمام العسكري (ع)
146
التي تصرح بأن اسم أبيه هو الحسن (ع)
147
التي تقول بأنه سيملأ العالم عدلاً
123
التي تقول بأن غيبته طويلة الأمد
91
التي تبين طول عمره الشريف (ع)
318
التي تقول بأن دين الإسلام سيكون عالمياً على يديه
47
التي تقول أنه الإمام الثاني عشر و أنه الإمام الأخير
136
مجموع الأحاديث
3666
مع ملاحظة الأرقام التي ذكرناها و غير ذلك الأحاديث يتوضح تماماً أن الروايات الواردة في هذا المجال قد تجاوزت حد التواتر بلا شك و أنه يقل ورود مثل هذا العدد من الروايات في موضوع إسلامي آخر و على هذا فيجب على كل مؤمن بالإسلام و النبي الأكرم أن يؤمن إيماناً راسخاً بوجود المهدي الموعود الذي يعيش الآن غائباً عن عيون الناس
بعض النصوص الواردة
-1يذكر مؤلف كتاب " ينابيع المودة " في هذا الكتاب أن النبي (ص) قال : " المهدي من ولدي تكون له غيبة إذا ظهر يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً" (10)
-2وجاء في ذلك الكتاب أن سلمان الفارسي قال : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا الحسين بن علي على فخذه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه و هو يقول أنت سيد ابن سيد أخو سيد أنت إمام ابن إمام أخو إمام أنت حجة ابن حجة أخو حجة و أنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم" (11) .
-3يقول ابن أبي دلف " سمعت علي بن محمد بن علي الرضا يقول : الإمام بعدي الحسن ابني و بعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً " (12)
-4و يروي حذيفة أن النبي (ص) قال : " المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدري " (13) .
-5ينقل مسعدة عن الإمام الصادق أنه قال : " إن قائمنا يخرج من صلب الحسن (يعني العسكري ) و الحسن يخرج من صلب علي (يعني الهادي) و علي يخرج من صلب محمد (يعني الجواد) و محمد يخرج من صلب علي (يعني الرضا) و علي يخرج من صلب ابنيهذا (يعني الكاظم) - وأشار إلى موسى- وهذا خرج من صلبي ، و نحن اثنا عشر إماما ، كلنا معصومون مطهرون ، والله لو لم يبق إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت " (14) .
رأي علماء الإجتماع
يرى علماء الإجتماع الكبار في العالم أن الحروب و سفك الدماء و قتل الأنفس و كل هذه المفاسد المتزايدة اليوم إنما هي ناتجة من عدم توفر التوازن بين متطلبات الجسم و الروح الإنسانين .
فالإنسان اليوم قد سحق الفضائل الأخلاقية و المنابع المعنوية ، و إن كان قد سخر البحر و الفضاء و الصحراء لصالحه و صعد إلى القمر .
و من البديهي أنه لا يمكن إقرار العدالة و النظام الصحيح بالقوة و القدرة و لا يمكن أن تضمن سعادة البشرية بحصول التكنيك المتقدم و باقي العلوم المادية و ليس للإنسانية محيص من أن تقيم علاقاتها على أساس من الإيمان و الأخلاق و تنجي نفسها من دوامة الخطر بقيادة مصلح عالمي عظيم ، و تصل إلى إقرار الحكم القائم على أساس العدالة و الأمن و الصفاء و الأخوة .
و على هذا نستنتج أن البشرية تسرع اليوم و تستعد لتقبل قيادة الإمام صاحب الزمان (ع) .
طول عمر الإمام (ع)
نحن نرى أن طول عمر الإنسان ليس من الأمور المستحيلة و ذلك لأنا نقرأ في القرآن الكريم أن نوحاً (ع) قد عمّر طويلاً إذ دامت مدة تبليغه فقط 950 سنة (15) .
و على أساس من التحقيقات العلمية التي قام بها علماء الطبيعة فقد ثبت إمكان كون عمر الإنسان طويلاً و حتى أن أكابر العلماء صمموا على تهيئة أنواع من الأغذية و الأدوية التي تساعد في إطالة العمر .
و ينقل المرحوم آية الله الصدر في كتابه ( المهدي ) مقالاً و رد في مجلة ( المقتطف ) العدد الثالث من سنة 1959 و ذلك كشاهد على المدعى السابق و نحن نذكر مقتبسات مما جاء فيه : " لكن العلماء الموثوق بعلمهم يقولون أن كل الأنسجة الرئيسية من جسم الحيوان تقبل البقاء إلى ما لا نهاية و أنه في الإمكان يبقى الإنسان حياً ألوفا من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته و قولهم هذا ليس مجرد ظن بل هو نتيجة عملية مؤيدة بالامتحان . . .
قال الأستاذ ديمندوبرل من أساتذة جامعة جونس هبكنس : أن كل الأجزاء الخلوية الرئيسية من جسم الإنسان قد ثبت أن خلودها بالقوة صار أمراً مثبتاً بالامتحان أو مرجحاً ترجيحاً تاماً لطول ما عاشه حتى الآن . . . و الظاهر أن أول من امتحن ذلك في أجزاء من جسم الحيوان هو الدكتور جاك لوب . . . ثم أثبت الدكتور (ودن لويس) و زوجته أنه يمكن وضع أجزاء خلوية من جسم جنين طائر في سائل ملحي فتبقى حية و توالت التجارب . . . حتى قام الدكتور الكسيس كارل و أثبت منها أن هذه الأجزاء لا تشيخ الحيوان الذي أُخذت منه بل تعيش أكثر مما يعيش هو عادة و قد شرع في التجارب المذكورة في شهر يناير سنة 1912 ميلادية و لقي عقبات كثيرة و ثبت له :
-1أن هذه الأجزاء الخلوية تبقى حية ما لم يعرض لها عارض يميتها إما من قلة الغذاء أو من دخول بعض الميكروبات .
-2أنها لا تكتفي بالبقاء حية بل تنمو خلاياها و تتكاثر كما لو كانت باقية في جسم الحيوان .
-3أنه يمكن قياس نموها و تكاثرها و معرفة ارتباطها بالغذاء الذي يقدم لها .
-4لا تأثير للزمن أي أنها لا تشيخ و تضعف بمرور الزمن بل لا يبدو عليها أقل أثر للشيخوخة تنمو و تتكاثر هذه السنة كما كانت تنمو و تتكاثر في السنة الماضية و ما قبلها من السنين .
و لكن لماذا يموت الإنسان ؟ و لماذا نرى سنينه محدودة لا تتجاوز المائة إلا نادراً جداً ؟ الجواب : أن أعضاء الإنسان كثيرة مختلفة و هي مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً محكماً حتى أن حياة بعضها تتوقف على حياة البعض الآخر فإذا ضعف بعضها أو مات لسبب من الأسباب مات بموته سائر الأعضاء ناهيك بفتك الأمراض الميكروبية المختلفة و هذا مما يجعل متوسط العمر أقل جداً من سبعين و الثمانين . . . و غاية ، ثبت الآن العمر أقل جداً من سبعين أو الثمانين أو مائة أو أكثر بل لأن العوارض تثاب ببعض تموت كلها فإذا استطاع العلم أن يزيل هذه العوارض أو يمنع فعلها لم يبق مانع يمنع استمرار الحياة مئات من السنين " (15) .
و على أساس هذا فإنه بعد أن علمنا بعدم المانع من طول العمر فلا إشكال إذن في أن يمن الله القادر تعالى بحفظه على إنسان ويبقيه آلاف السنين وذلك لأن تنظيم و تحقيق الشروط التي تؤدي إلى طول العمر ، كل ذلك بيده تعالى ن وهو تعالى ، يستطيع أن يوجد نظاماً حاكماً و مقدماً على النظام العادي و ذلك كما فعل في إجراء كل المعاجز ، فإن كل معاجز الأنبياء كصيرورة النار برداً على إبراهيم ، و تحول عصى موسى إلى ثعبان ، و إحياء الموتى لعيسى و غيرها كانت قد تمت على أساس خرق العادة المألوفة حيث أن الله تعالى أوجد نظاماً آخر بقدرته ما انتج حصول المعجزة ، و أن جميع المسلمين بل اليهود و النصارى ليصدقون بتلك المعاجز ، فلا يبقى ة الحالة هذه أي إشكال في طول عمر الإمام المهدي (ع) وذلك لأن الحكم بعد إمكانه لا يمكن قبوله بعد تصريح القرآن الكريم بطول عمر نوح (ع) و رؤية نتائج المكتشفات العلمية الحديثة ، وإذا قيل لنا أن هذا الأمر ممكن لكنه يجري على خلاف النظام المألوف وجب أن نقول في الجواب قلنا لا مانع في أن يكون طول عمر الإمام خلافاً للمألوف المعتاد بعد أن كانت كل معاجز الأنبياء تجري هذا المجرى بقدرة الله تعالى و وقوع المعاجز لا يحصل في ذهنه أي إشكال في مسألة طول عمر الإمام (ع) .
غيبة الإمام المهدي (ع)
كان النبي الأكرم (ص) يذكر الإمام الثاني عشر للأمة بين الحين و الآخر و قد ذكر الأئمة الأطهار بهذه المسألة دائماً . و قد كان لكل ذلك التذكير المتواصل بغيبة الإمام أثر في جعل كل إنسان معتقدٌ بالإمام المهدي معتقداً بطول عمره (ع) و هذه نماذج من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال .
-1قال رسول (ص) : " و الذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعد معهود له مني حتى يقول أكثر الناس : ما لله في آل محمد حاجة و يشك آخرون في ولادته فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه و لا يجعل للشيطان عليه سبيلاً بشكه فيزيله عن ملتي و يخرجه من ديني فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل و أن الله عز وجل جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون" (17) .
-2و قال أمير المؤمنين (ع) : " للقائم منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه ، ألا فمن ثبت منهم على دينه ، و لم يقس قلبه بطول غيبته إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة ثم قال : إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفى ولادته و يغيب شخصه" (18) .
-3وروى محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : " إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها" (19)
-4و يقول العلامة الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان متحدثاً عن أخبار الغيبة " وخلدها المحدثون من الشيعة في أصولهم المؤلفة في أيام السيدين الباقر و الصادق (ع) . . ومن جملة ثقات المحدثين و المصنفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراو وقد صنف كتاب المشيخة . . . ذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة و منها ما عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له كان أبو جعفر يقول :" لقائم آل محمد غيبتان واحدة طويلة و الأخرى قصيرة ، قال : فقال لي : نعم يا أبا بصير أحدهما أطول من الأخرى " (20)
و يتوضح في هذا أن الرسول (ص) و الأئمة (ع) أخبروا بوجود الإمام المهدي (ع) أخبروا بأن الإعتقاد بوجوده يصحبه الإعتقاد بغيبته ، ينقل الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن السيد الحميري قوله : " كنت أقول بالغلو و أعتقد غيبة محمد بن علي -ابن حنيفة- قد ضللت في ذلك زمانا فمن الله علي بالصادق جعفر بن محمد و أنقذني به من النار و هداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علىّ و على جميع أهل زمانه و أنه الإمام الذي فرض الله طاعته و أوجب الإقتداء به فقلت له : يا بن رسول الله قد روى لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة و صحة كونها فأخبرني بمن تقع ؟ فقال عليه السلام : " إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي و هو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و آخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض و صاحب الزمان . ."(21)
لماذا كانت الغيبة ؟
إن وجود الإمام (ع) و وصي النبي (ص) أمر ضروري لجهات عديدة منها رفع الاختلافات ، و تفسير و توضيح القوانين الإلهية و الهداية المعنوية الباطنية و غير ذلك و أن الله تعالى برحمته جعل الإمام أمير المؤمنين (ع) و بعده أحد عشر إماماً من أبنائه واحداً بعد الآخر أوصياء للنبي (ص) و أئمة للأمة و من الواضح أن مهمة الإمام صاحب الزمان تشبه من حيث تمام جوانب الإمامة وظائف الأئمة الآخرين (ع) ، و أنه لو لم تكن هناك موانع فإن عليه أن يظهر للناس لكي يستفيدوا منه ، و إذا كان الأمر كذلك فلماذا كان غائباً منذ بدء حياته ؟
و عند الإجابة على هذا السؤال نقول :
إن الإعتقاد بحكمة الله تعالى يجعل من غير اللازم أساساً نعرف فلسفة الغيبة بعد أن ثبتت ثبوتاً قاطعاً لا شك فيه ، فلا يضرنا مطلقاً إذن أن لا نعرف علة الغيبة و ذلك شبيه بتلك الموارد الكثيرة التي لا نعرف وجه الحكمة فيها ، و إنما يكفينا فقط أن يثبت لدينا بالروايات الصحيحة و البراهين القوية أن الله العظيم أرسل حجته إلى الأمة و لكن كانت هناك بعض المصالح التي استدعت أن يبقى وراء ستار الغيبة و يبدو من بعض الروايات أن السبب الأصلي للغيبة سيعرف بعد ظهوره (ع) يقول : " إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها يرتاب منها كل مبطل فقلت له : و لم جعلت فداك ؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم قلت فما وجه الحكمة في غيبته ، قال : وجه الحكمة في غيبة وجه الحكمة في غياب من تقدم من حجج الله تعالى ذكره ، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاة الخضر (ع) لموسى عليه السلام إلا بعد إفتراقهما ، يا بن الفضل إن هذا الأمر من أمر الله وسر من سر الله و غيب من غيب الله و متى علمنا أن الله عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة و إن كان وجهها غير منكشف " (22) .
على أنه يمكننا أن نعد للغيبة بعض الفوائد التي قد تكون بعض الأخبار قد أشارت إليه و منها :
-1امتحان الأمة
فإن إحدى فوائد غيبة صاحب الزمان هي امتحان الناس ليظهروا على واقعهم فتنكشف الفئة التي استبطنت السوء و عدم الإيمان ، و تبدو ظاهرة متميزة عن الفئة التي تمكن الإيمان من أعماق قلوبها و راح يزداد و يتعمق بانتظارها للفرح و صبرها في الشدائد و اعتقادها بالغيب ، و بازدياد الإيمان ترتفع قدرها و تحصل على درجات عالية من الثواب .
يقول الإمام موسى بن جعفر (ع) :" إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة فالله في أديانكم لا يزيلنكم عنها أحد يا بني أنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به إنما هي محنة من الله امتحن الله بها خلقه " (23) .
-2حفظه (ع) من القتل
إن ملاحظة تاريخ الأئمة (ع) و الجور الذي توجه إليهم من قبل خلفاء بني أمية و بني العباس ، ترشدنا إلى أن الإمام الثاني عشر لو كان ظاهراً فإنه سيقتل لا محاله كما قتل آباؤه من قبل ، وذلك لأن الأعداء و السلطة الجائره كان قد انتهى إلى سمعها أنه سيظهر شخص من أهل بيت النبي (ص) من ولد علي و فاطمة سلام الله عليهما ، يحطم عروش الظالمين المستبدين و أنه ابن الإمام العسكري (ع) ، لذا فإن العباسيين لم يدخروا وسعاً في تقصي أخبار هذا الإمام و لكن الله تعالى سلمه من كيدهم و خيب آمالهم .
ينقل زراره عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : " إن للقائم غيبة قبل ظهوره قلت : لم قال يخاف القتل"(24) .
-3لئلا تكون في عنقه (ع) بيعة لأحد
فهناك بعض الروايات تؤكد هذا المعنى و أن غيبته (ع) حفظته من بيعة الظالمين و الحكام الغاصبين، و أن سيظهر حين يظهر و ليس لأحد بيعة في عنقه ، فيظهر الحق عياناً و بلا أي مداربه و يقر في الأرض حكم القسط و العدل .
يقول الإمام الصادق (ع) : " يقوم القائم و ليس لأحد في عنقه بيعة " (25)
فوائد وجود الإمام الغائب (ع)
قلنا -سابقاً- بأن الله تعالى عين الإمام المهدي (ع) لكي يهدي الناس إلى الحق و لكن الناس أنفسهم هم الذين منعوه (ع) من تنفيذ هذه المهمة ، و متى ما كان الناس أنفسهم مستعدين للسير نحو الحكومة الإلهية العالمية الموحدة .
القائمة عل أساس من العدالة الواقعية و رعاية الحقائق و الواقع ، و تطبيق كل أحكام الإسلام بلا أي خوف أو تقية فإنه (ع) سيظهر .
إذن ليس هناك من جانب الله الرحيم تعالى أي تقصير في مجال العناية و الرحمة ، بل إن تقصير الناس أنفسهم هو الذي أوجب غيبة الإمام و تأخير ظهور هذه الحكومة العالمية ، و لكنا يجب أن نعلم أن فوائد وجود الإمام لا تنحصر بالإرشادات و الهداية الظاهرية أن كان بين الناس ، بل أن هناك فوائد أخرى من حيث (التكوين و التشريع ) تترتب على وجوده و إن كان غائباً عن الناس .
و إن أهم فوائد وجوده (ع) هو كونه ( واسطة في الفيض) و ذلك لأنه طبقاً للأدلة في مجال الإمامة ، توضح أن الرابطة بين العالم و الخالق تنقطع بعدم وجود الإمام ، و ذلك لأن تمام أنواع الفيض الإلهي أنما تنزل على الناس بواسطة الإمام و قد ورد مضمون الحديث التالي في أحاديث كثيرة وهو " لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت" (26) ، نعم إن الإمام هو قلب عالم الوجود و قائد البشرية و مربيها و من هذه الزاوية فإن وجوده ظاهراً أو غائباً لا يفترقان بالنسبة إلى مركزه .
هذا و إن الهداية المعنوية للإمام (ع) بالنسبة للأفراد و اللائقين لذلك هي هداية متصلة و إن لم يستطيع هؤلاء أن يروه (ع) خصوصاً و أنه ورد أنه يتردد على مجالس الناس و محافلهم و إن لم يكونوا يعرفونه .
و على هذا فإن صيانة الإمام للدين و هداية الأناس هما أمران حاصلان بتمام المعنى في زمان الغيبة .
إن الإمام في الحقيقة كالشمس التي يغطيها السحاب تستمد الخلائق منها النور و الحرارة كان الجهال و العمى ينكرونها .
و هذا هو الإمام الصادق (ع) يجيب على سؤال عن كيفية استفادة الناس من الإمام الغائب بأنهم ينتفعون ، " كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب" (27) .
و هنا لا بأس من ملاحظة ما يقول أحد المستشرقين بهذا الصدد " أعتقد أن مذهب التشيع هو المذهب الوحيد الذي احتفظ دائماً بوجود رابطة الهداية الإلهية بين الله و الخلق و جعل رابطة الولاية حية قائمة بشكل مستمر .
إن المذهب اليهودي ختم النبوة و هي رابطة واقعية بين الله و الإنسان بموسى و لم يذعن بعد ذلك بنبوة السيد المسيح و الرسول محمد (ص) و قطع تلك الرابطة و هكذا المسيحيون الذين ختموا النبوة بالمسيح و هكذا أهل السنة عندما قطعوا الرابطة بالرسول الأكرم (ص) و مع ختم النبوة به (ص) فهم لا يقيمون الترابط بين الخالق و المخلوق .
و لكن مذهب التشيع لوحده هو الذي يعتقد بختم بالرسول محمد (ص) و لكن الولاية و هي رابطة الهداية و التكميل ستبقى حية و إلى يوم القيامة . . نعم إن قيام هذه الحقيقة بين العالم الإنساني و الإلهي إلى الأبد إنما هو في مذهب التشيع و حسب " (29) .
تذكير لازم (http://www.fadak.org/MOSHARAK/5.htm#f)
إن الاعتقاد بالإمام المهدي (ع) يعني أن ارتباط الناس بعالم الغيب لم ينقطع و إن من يعتقدون بذلك يجب أن يتذكروا الإمام دائماً و ينتظروا ظهور ذلك المصلح الغيبي العظيم و طبيعي أن انتظار الإمام المهدي (ع) لا يعني أن يتخلى المسلمون و الشيعة عن مسؤولياتهم و لا يقوموا بأي خطوة في سبيل تحقيق الأهداف الإسلامية و يكتفوا . بمجرد استظهاره (ع) بل الأمر على العكس من ذلك تماماً كما صرحوا به العلماء الكبار و باحثوا الشيعة منذ مئات السنين بأن المسلمين و الشيعة يجب عليهم -مهما كانت الظروف- أن يعملوا على نشر المعارف الإسلامية وإقرار الأحكام الشرعية و أن يصمدوا في وجه الظلم و الذنب و الانحراف و يعارضوه بما يمكنهم . وبعبارة أخرى فإن عليهم أن يعملوا على تهيئة الأرضية المساعدة لقيام حكومة العدل فيربوا الأفراد و المجتمع حتى يكون بنفسه مجتمعاً يسعى نحو الحق و إذا كان الظلم هو الحاكم في المجتمع فإن عليهم أن يعترضوا عليه و يعرضوا عنه ، إن على كل مسلم أن يضحي في سبيل الإيمان و الإسلام و أن يكون مستعداً في كل آن لاستقبال دعوة الإمام المهدي (ع) و ذلك بأن ينظم حياته بشكل لا يتناقض مع دعوته (ع) لكي يكون مؤهلاً للانخراط في سلك أتباعه و أنصاره و يقارع أعداءه بكل ثبات. ***والسلام