بنت خويلد
2008-02-09, 11:17 AM
الرفق بالحيوان وفلسفة الإسلام بالنسبة للحيوان
قرّرت حضارة الإسلام أن عالم الحيوان، سواءً من يمشي على الأرض، أو يدب عليها، أو يزحف على بطنه، أو يطير بجناحيه، أو يسبح في الماء، طوائف مخلوقة، مثل عالم الإنسان، خلقها الله، وقدّر أحوالها وأرزاقها وآجالها، وأن جميع المخلوقين بما فيهم الحيوان يحشرون يوم القيامة، فيقضي بينهم ربهم، وينصف بعضهم من بعض .
قال تعالى: (وما من دابّة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) . (1)
ومن هنا جاءت الرحمة بالحيوان والرفق به باباً لدخول الجنّة، أما القسوة عليه وتعذيبه، فهي باب لدخول النار، ومن أجل ذلك حرّم الإسلام قتل الحيوان جوعاً أو عطشاً، وحرّم المكث على ظهره طويلاً وهو واقف، وحرّم إرهاقه بالأثقال والأعمال الشاقّة، وحرّمت الشريعة التلهّي بقتل الحيوان، كالصيد للتسلية لا للمنفعة، واتخاذه هدفاً للتعليم على الإصابة، ونهى الإسلام عن كي الحيوانات بالنار في وجوهها للوسم، أو تحريشها ببعضها بقصد اللهو، وأنكر العبث بأعشاش الطيور، وحرق قرى النمل .
ونقل إلينا الدكتور مصطفى السباعي "مصطفى السباعي" طرفاً مما قرّره الفقهاء المسلمون من أحكام الرحمة بالحيوان ما لا يخطر بالبال ومنها: وجوب النفقة على مالك "مالك" الحيوان، فإن امتنع أجبر على بيعه، أو الإنفاق عليه، أو تسييبه إلى مكان يجد فيه رزقه ومأمنه .
وأنه إذا لجأت هرّة عمياء إلى بيت شخص وجبت نفقتها عليه حيث لم تقدر على الانصراف .
ورتبوا نتائج حقوقية في حق من يستأجر حيواناً للحمل أو الركوب فحمّله أكثر مما يستطيع، وألزموه بضمان ثمنه لمالكه إذا نفق .
ولم يعاقبوا الحيوان بما جنى على غيره، وإنما عاقبوا صاحبه إذا فرّط في حفظه وربطه . (2)
ومنعوا أن يؤجّر حيوان لشخص عرف بقسوته على الحيوان، خشية أن يجور بقسوته وغلظته على هذا المخلوق .
وبلغت عناية الإسلام بالحيوان درجة عظيمة، حيث أمر الرسول (ص) "الرسول (ص)" بالحجر الصحي على الحيوان عند انتشار الأوبئة أو الطفيليات، فقال: (لا يوردن ممرض على مصح، وإن الجرب الرطب قد يكون بالبعير، فإذا خالط الإبل أو حككها، أو أوى إلى مباركها، وصل إليها بالماء الذي يسيل منه) .
ولم يتفوّق علماء المسلمين في ميدان الطب البشري فحسب، بل شمل تفوّقهم ميدان الطب البيطري، وألّفوا في ذلك الكتب .
وعني علم البيطرة بالخيل دون غيرها من الأنعام لمنفعتها للإنسان في الطلب والهرب ومحاربة الأعداء، وجمال صورتها وحسن أدواتها، وعني علم البيزرة بالجوارح لمنفعتها وأدبه في الصيد وإمساكه . (3)
ووصفوا في كتبهم الحيوانات البريّة والبحريّة، ودرسوا ظواهر سلوكها وبيئتها وعيوبها وسلالاتها وهجرتها، وتكاثرها وطبائعها ومنافعها، وألوانها وطعامها، وغرائبها، وما يستحسن منها، وتحدّثوا عن التهجين والوراثة، وعلاقة الصفات العضويّة بنوع النبات الذي تتغذى عليه، وتحدّثوا عن الجغرافيا الحيوانيّة، ودرسوا ظاهرة خصي الحيوان وتأثيرها على نمو الحيوان، وأثر استخدام الحيوان في العمل على إنتاج اللحم واللبن، وكيفيّة تحسين صفات اللحوم بقطع الإلية .
وخصّ الإسلام الحيوانات بالحمى لتتمتع خيول المسلمين وماشيتهم بالحشائش والزهور، فيما يشابه المحميات الطبيعيّة اليوم .
ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم قواعد حمى الأراضي في عهده، ثم سار عليها الخلفاء من بعده، والحمى موضوعه أرض الموات، وهو المنع من إحيائه أملاكاً ليكون مستبقى الإباحة لنبت الكلأ ورعي المواشي .
ولم يسمح بإقطاع ما كان تابعاً لبعض القرى كالمراعي والمحتطب، حيث اعتبرت من حق أهل القرية . (4)
وجرت عادة المؤلفين العرب على إضفاء الطرائف الأدبية واللغوية على مباحثهم العلمية، والاستدلال على عظمة الله ببديع صنعه في مخلوقاته، ورواية ما قيل في الحيوان من شعر أو نثر، ليبعدوا السأم والملل عن قرائهم، وعلى هذا المنهج صنّف الجاحظ "الجاحظ" كتابه: (الحيوان) وكذلك فعل الدميري "الدميري" والقزويني .
وقام المسلمون بتحسين نسل الحيوان، والعناية باصطفاء السلالات الجيدة القويّة، لمصلحة الإنسان والحيوان معاً، وطبّقوا ذلك على الخيول العربيّة التي لا تزال تحتفظ بشهرتها وأصالتها .
ولاحظ المستشرق (موريس لومبار "موريس لومبار" ) ما شهدته تربية الخيول من التقدم التقني الكبير في دراسة خصائصها وأصولها، كما تشهد بذلك الكتب العديدة التي وضعت في هذا الموضوع، وإن الدارسين للفرس اهتموا بتصنيف مزايا الخيول وعيوبها وأمراضها وسرعتها بدقّة .
وقال: هذه العناية والتدقيق، كانت أساساً لمصطلحات تقنية كثيرة، ولطرق بحث سيطوّرها البيزنطيون والغرب المسيحي، ولكنهم سيحتفظون مع ذلك بكثير من المصطلحات والكلمات العربية التي لا يزال المختصون في تربية الخيل يستعملونها حتى الآن . (5)
ونظراً لأهمية الخيول الأصيلة في الحروب القديمة، فقد تخصص الحصان العربي في فن الحرب، وأصبح اداة الحرب الأولى بالنسبة للفارس العربي الذي بدا من جانبه يضفي على الحياة العربية لوناً جديداً لم يألفه العرب في جاهليتهم البعيدة في التاريخ، فأصبح بين العرب سادة فرسان، بل ومغامرون يجوبون الفيافي، وجاءت ظاهرة (الغزو) بين القبائل، بل وبلغت الحال أن سمّيت بعض الحروب بأسماء الخيل فكانت حرب (داحس والغبراء) وظهر فرسان ومغامرون أمثال امرئ القيس ؛ وتغيّرت العلاقات بين القبائل البدوية ودخلت في الحركة السريعة بما يكاد يذكرنا في عهدنا الحديث بحركات الحرب الخاطفة، ووسائل الغزو الآلي الحديث(6)
وعني المسلمون بالخيل عناية فائقة، فجعلوا لها البراقع البديعة الجمال، والجلاجل المذهّبة التي يملأ الجو أصوات أجراسها، وألّفت فيها الكتب، ومنها كتاب: (الاحتفال في استيفاء ما للخيل من الأحوال) لمحمد بن رضوان، و(مطلع اليوم والإقبال في انتقاء كتاب الاحتفال واستدراك ما فاته من المقال) لعبد الله بن جزي .
وشكلت الخيل العنصر الرئيسي لسلاح الفرسان في عصر المماليك، فاجتهد السلاطين والأمراء في الإكثار من الخيول ليتمكنوا من التصدّي للأخطار المحدقة بهم، ولهذا فقد بعثوا في طلبها من مختلف الأماكن، وإذا أحضرت يدربونها على فنون القتال كما كانوا يدرّبون فرسانهم، ونقلت المصادر الإسلامية أن الملك الناصر "الناصر" ترك ما مجموعه سبعة آلاف وثمانمائة فرس، وقيل إنه أوّل من عمل للإصطبل ديواناً وعمل له ناظراً وشهوداً وكتّاباً لضبط أسماء الخيل وأوقات ورودها وأسماء أربابها ومبلغ أثمانها ومعرفة سوّاسها وغير ذلك من أحوالها، أما السلطان برقوق "برقوق" فإنه ترك من الخيل نحو ستة آلاف فرس، ولكثرة ما كان يبذله السلطان الناصر في ثمن الخيل لم تبق طائفة من العرب حتى قادت إليه عتاق خيلها . (7)
وكان البغل هو حيوان النقل الشائع في بلاد الأندلس "الأندلس" ، وغيرها من بلاد الإسلام، ووصفت بغال الأندلس بأنها فارهة، وذكرت المصادر أن السلطان أبا الحجاج "الحجاج" يوسف، بعث بهدية إلى سلطان المغرب "المغرب" أبي عنان فارس "فارس" المريني "أبي عنان فارس المريني" تشتمل على عدد من البغال، وهذا ابن بطوطة "ابن بطوطة" يتابع على ظهر بغل درباً متعرجاً من رندة إلى مالقة "مالقة" ، كذلك عاد الرحالة المصري ابن عبد الباسط "ابن عبد الباسط" من مالقة إلى غرناطة "غرناطة" على ظهر بغل . (8)
أما الجمل فكان قوام حياة البدوي، حيث ركب ظهره كأنه سفينة الصحراء، واقتات من لبنه فكان مصدر غذائه، وشرب بوله للعلاج من بعض الأمراض، ومن وبره حاك خيمته وعباءته .
التفقيس الصناعي:
وعرف المسلمون الوفرة في الإنتاج الحيواني، في القرن الثالث الهجري، وخاصّة في إنتاج الطيور الداجنة، حيث استخدمت على نطاق واسع طريقة تفريخ الدجاج صناعيا، واختصت مصر "مصر" بهذا الأسلوب، وذكر الرحالة أنهم رأوا البط بمصر يرعى كما ترعى الغنم .
وينقل الدكتور الكحلاوي "الكحلاوي" وصف الرحالة الوزان "الوزان" لطريقة أهل القاهرة "القاهرة" في تفقيس الدواجن فيقول: ويستعملون أسلوباً مدهشاً لتوليدها (أي التفقيس) يتناولون ألف بيضة وأكثر ويضعونها كلها في شبه أفران متعددة الطوابق، وفي الطابق الأعلى ثقب، ثم يوقدون ناراً خفيفة تحتها، وبعد سبعة أيام تبدأ الفراخ تتولد بسرعة، ثم يجمعونها في أوعية كبيرة، ويبيعونها مستعملين آلة كيل بدون قعر توضع في سلّة المشتري .
ويضيف قائلاً: مما لا شك فيه ان الرحالة الوزّا "الوزان" ن لم يكن هو أوّل من أشار إلى خبرة أهل مصر "مصر" في عملية تفقيس بيض الدجاج على هذا النحو، بل سبقه في ذلك الرحّالة المشرقي عبد اللطيف البغدادي "عبد اللطيف البغدادي" عند وصفه كذلك لما شاهده بمدينة القاهرة "القاهرة" من صناعات وحرف . (9)
ويروى أن الإمبراطور فردريك الثاني "فردريك الثاني" لمّا أراد أن يختبر تفقيس بيض النعام بفعل حرارة الشمس، أحضر لهذا الغرض خبراء من مصر "مصر" إلى مقاطعة بولية بجنوب إيطاليا "إيطاليا" . (10)
أما الأغنام فكانت تلد أكثر من مرة في السنة، وقد تلد في البطن الواحد ثلاثة أرؤس، كما ورد في رواية المقريزي "المقريزي" .
وارتبط التوسّع في تربية الأغنام بازدياد الطلب على استهلاك اللحوم، والحاجة إلى مشتقات الحليب، وإلى نمو صناعة الصوف، ودباغة الجلود في العالم الإسلامي .
وتوسّع المسلمون في تربية حشرة القز، وخاصّة في بلاد ما وراء النهر "بلاد ما وراء النهر" والأندلس وبلاد الشام "الشام" ، وحيثما يزرع شجر التوت الذي تقتات بورقه هذه الدودة العجيبة، وكان إنتاج العالم الإسلامي من شرانق الحرير وافراً .
وهكذا ترسم في دولة الإسلام الأخلاق والآداب في كل مسألة داخل حدود الشريعة، ويحل الخير في ديار المسلمين، وتعمّ البركة بفضل هذا الدين .
* * * * *
المراجع:
1 ـ قرآن كريم، سورة الأنعام، الآية 38 .
2 ـ من روائع حضارتنا ص 113 د. مصطفى السباعي "مصطفى السباعي" .
3 ـ إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد ص 175 ابن الأكفاني "ابن الأكفاني" .
4 ـ مدخل إلى تاريخ الحضارة العربية والإسلامية ص 258 د.ناطور وعودات وبيضون .
5 ـ الإسلام في مجده الأول ص 251 موريس لومبار "موريس لومبار" .
6 ـ أرض العروبة رؤية حضارية في الزمان والمكان ص 59 سليمان "سليمان" حزين .
7 ـ العسكرية الإسلامية في العصر المملوكي ص 127 د. أحمد محمد عدوان "أحمد محمد عدوان" .
8 ـ مظاهر الحضارة في الأندلس "الأندلس" في عصر بني الأحمر ص 276 أ. د. أحمد الطوخي "الطوخي" .
9 ـ آثار مصر "مصر" الإسلامية ص 41 د. محمد محمد الكحلاوي "محمد محمد الكحلاوي" .
10 ـ دراسات في تاريخ صقلية "صقلية" الإسلامية ص 141 د. أمين توفيق الطيبي "أمين توفيق الطيبي" .
http://www.alghoraba.com/hadara/12_ALREFQ_BELHAYWAN.htm
قرّرت حضارة الإسلام أن عالم الحيوان، سواءً من يمشي على الأرض، أو يدب عليها، أو يزحف على بطنه، أو يطير بجناحيه، أو يسبح في الماء، طوائف مخلوقة، مثل عالم الإنسان، خلقها الله، وقدّر أحوالها وأرزاقها وآجالها، وأن جميع المخلوقين بما فيهم الحيوان يحشرون يوم القيامة، فيقضي بينهم ربهم، وينصف بعضهم من بعض .
قال تعالى: (وما من دابّة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) . (1)
ومن هنا جاءت الرحمة بالحيوان والرفق به باباً لدخول الجنّة، أما القسوة عليه وتعذيبه، فهي باب لدخول النار، ومن أجل ذلك حرّم الإسلام قتل الحيوان جوعاً أو عطشاً، وحرّم المكث على ظهره طويلاً وهو واقف، وحرّم إرهاقه بالأثقال والأعمال الشاقّة، وحرّمت الشريعة التلهّي بقتل الحيوان، كالصيد للتسلية لا للمنفعة، واتخاذه هدفاً للتعليم على الإصابة، ونهى الإسلام عن كي الحيوانات بالنار في وجوهها للوسم، أو تحريشها ببعضها بقصد اللهو، وأنكر العبث بأعشاش الطيور، وحرق قرى النمل .
ونقل إلينا الدكتور مصطفى السباعي "مصطفى السباعي" طرفاً مما قرّره الفقهاء المسلمون من أحكام الرحمة بالحيوان ما لا يخطر بالبال ومنها: وجوب النفقة على مالك "مالك" الحيوان، فإن امتنع أجبر على بيعه، أو الإنفاق عليه، أو تسييبه إلى مكان يجد فيه رزقه ومأمنه .
وأنه إذا لجأت هرّة عمياء إلى بيت شخص وجبت نفقتها عليه حيث لم تقدر على الانصراف .
ورتبوا نتائج حقوقية في حق من يستأجر حيواناً للحمل أو الركوب فحمّله أكثر مما يستطيع، وألزموه بضمان ثمنه لمالكه إذا نفق .
ولم يعاقبوا الحيوان بما جنى على غيره، وإنما عاقبوا صاحبه إذا فرّط في حفظه وربطه . (2)
ومنعوا أن يؤجّر حيوان لشخص عرف بقسوته على الحيوان، خشية أن يجور بقسوته وغلظته على هذا المخلوق .
وبلغت عناية الإسلام بالحيوان درجة عظيمة، حيث أمر الرسول (ص) "الرسول (ص)" بالحجر الصحي على الحيوان عند انتشار الأوبئة أو الطفيليات، فقال: (لا يوردن ممرض على مصح، وإن الجرب الرطب قد يكون بالبعير، فإذا خالط الإبل أو حككها، أو أوى إلى مباركها، وصل إليها بالماء الذي يسيل منه) .
ولم يتفوّق علماء المسلمين في ميدان الطب البشري فحسب، بل شمل تفوّقهم ميدان الطب البيطري، وألّفوا في ذلك الكتب .
وعني علم البيطرة بالخيل دون غيرها من الأنعام لمنفعتها للإنسان في الطلب والهرب ومحاربة الأعداء، وجمال صورتها وحسن أدواتها، وعني علم البيزرة بالجوارح لمنفعتها وأدبه في الصيد وإمساكه . (3)
ووصفوا في كتبهم الحيوانات البريّة والبحريّة، ودرسوا ظواهر سلوكها وبيئتها وعيوبها وسلالاتها وهجرتها، وتكاثرها وطبائعها ومنافعها، وألوانها وطعامها، وغرائبها، وما يستحسن منها، وتحدّثوا عن التهجين والوراثة، وعلاقة الصفات العضويّة بنوع النبات الذي تتغذى عليه، وتحدّثوا عن الجغرافيا الحيوانيّة، ودرسوا ظاهرة خصي الحيوان وتأثيرها على نمو الحيوان، وأثر استخدام الحيوان في العمل على إنتاج اللحم واللبن، وكيفيّة تحسين صفات اللحوم بقطع الإلية .
وخصّ الإسلام الحيوانات بالحمى لتتمتع خيول المسلمين وماشيتهم بالحشائش والزهور، فيما يشابه المحميات الطبيعيّة اليوم .
ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم قواعد حمى الأراضي في عهده، ثم سار عليها الخلفاء من بعده، والحمى موضوعه أرض الموات، وهو المنع من إحيائه أملاكاً ليكون مستبقى الإباحة لنبت الكلأ ورعي المواشي .
ولم يسمح بإقطاع ما كان تابعاً لبعض القرى كالمراعي والمحتطب، حيث اعتبرت من حق أهل القرية . (4)
وجرت عادة المؤلفين العرب على إضفاء الطرائف الأدبية واللغوية على مباحثهم العلمية، والاستدلال على عظمة الله ببديع صنعه في مخلوقاته، ورواية ما قيل في الحيوان من شعر أو نثر، ليبعدوا السأم والملل عن قرائهم، وعلى هذا المنهج صنّف الجاحظ "الجاحظ" كتابه: (الحيوان) وكذلك فعل الدميري "الدميري" والقزويني .
وقام المسلمون بتحسين نسل الحيوان، والعناية باصطفاء السلالات الجيدة القويّة، لمصلحة الإنسان والحيوان معاً، وطبّقوا ذلك على الخيول العربيّة التي لا تزال تحتفظ بشهرتها وأصالتها .
ولاحظ المستشرق (موريس لومبار "موريس لومبار" ) ما شهدته تربية الخيول من التقدم التقني الكبير في دراسة خصائصها وأصولها، كما تشهد بذلك الكتب العديدة التي وضعت في هذا الموضوع، وإن الدارسين للفرس اهتموا بتصنيف مزايا الخيول وعيوبها وأمراضها وسرعتها بدقّة .
وقال: هذه العناية والتدقيق، كانت أساساً لمصطلحات تقنية كثيرة، ولطرق بحث سيطوّرها البيزنطيون والغرب المسيحي، ولكنهم سيحتفظون مع ذلك بكثير من المصطلحات والكلمات العربية التي لا يزال المختصون في تربية الخيل يستعملونها حتى الآن . (5)
ونظراً لأهمية الخيول الأصيلة في الحروب القديمة، فقد تخصص الحصان العربي في فن الحرب، وأصبح اداة الحرب الأولى بالنسبة للفارس العربي الذي بدا من جانبه يضفي على الحياة العربية لوناً جديداً لم يألفه العرب في جاهليتهم البعيدة في التاريخ، فأصبح بين العرب سادة فرسان، بل ومغامرون يجوبون الفيافي، وجاءت ظاهرة (الغزو) بين القبائل، بل وبلغت الحال أن سمّيت بعض الحروب بأسماء الخيل فكانت حرب (داحس والغبراء) وظهر فرسان ومغامرون أمثال امرئ القيس ؛ وتغيّرت العلاقات بين القبائل البدوية ودخلت في الحركة السريعة بما يكاد يذكرنا في عهدنا الحديث بحركات الحرب الخاطفة، ووسائل الغزو الآلي الحديث(6)
وعني المسلمون بالخيل عناية فائقة، فجعلوا لها البراقع البديعة الجمال، والجلاجل المذهّبة التي يملأ الجو أصوات أجراسها، وألّفت فيها الكتب، ومنها كتاب: (الاحتفال في استيفاء ما للخيل من الأحوال) لمحمد بن رضوان، و(مطلع اليوم والإقبال في انتقاء كتاب الاحتفال واستدراك ما فاته من المقال) لعبد الله بن جزي .
وشكلت الخيل العنصر الرئيسي لسلاح الفرسان في عصر المماليك، فاجتهد السلاطين والأمراء في الإكثار من الخيول ليتمكنوا من التصدّي للأخطار المحدقة بهم، ولهذا فقد بعثوا في طلبها من مختلف الأماكن، وإذا أحضرت يدربونها على فنون القتال كما كانوا يدرّبون فرسانهم، ونقلت المصادر الإسلامية أن الملك الناصر "الناصر" ترك ما مجموعه سبعة آلاف وثمانمائة فرس، وقيل إنه أوّل من عمل للإصطبل ديواناً وعمل له ناظراً وشهوداً وكتّاباً لضبط أسماء الخيل وأوقات ورودها وأسماء أربابها ومبلغ أثمانها ومعرفة سوّاسها وغير ذلك من أحوالها، أما السلطان برقوق "برقوق" فإنه ترك من الخيل نحو ستة آلاف فرس، ولكثرة ما كان يبذله السلطان الناصر في ثمن الخيل لم تبق طائفة من العرب حتى قادت إليه عتاق خيلها . (7)
وكان البغل هو حيوان النقل الشائع في بلاد الأندلس "الأندلس" ، وغيرها من بلاد الإسلام، ووصفت بغال الأندلس بأنها فارهة، وذكرت المصادر أن السلطان أبا الحجاج "الحجاج" يوسف، بعث بهدية إلى سلطان المغرب "المغرب" أبي عنان فارس "فارس" المريني "أبي عنان فارس المريني" تشتمل على عدد من البغال، وهذا ابن بطوطة "ابن بطوطة" يتابع على ظهر بغل درباً متعرجاً من رندة إلى مالقة "مالقة" ، كذلك عاد الرحالة المصري ابن عبد الباسط "ابن عبد الباسط" من مالقة إلى غرناطة "غرناطة" على ظهر بغل . (8)
أما الجمل فكان قوام حياة البدوي، حيث ركب ظهره كأنه سفينة الصحراء، واقتات من لبنه فكان مصدر غذائه، وشرب بوله للعلاج من بعض الأمراض، ومن وبره حاك خيمته وعباءته .
التفقيس الصناعي:
وعرف المسلمون الوفرة في الإنتاج الحيواني، في القرن الثالث الهجري، وخاصّة في إنتاج الطيور الداجنة، حيث استخدمت على نطاق واسع طريقة تفريخ الدجاج صناعيا، واختصت مصر "مصر" بهذا الأسلوب، وذكر الرحالة أنهم رأوا البط بمصر يرعى كما ترعى الغنم .
وينقل الدكتور الكحلاوي "الكحلاوي" وصف الرحالة الوزان "الوزان" لطريقة أهل القاهرة "القاهرة" في تفقيس الدواجن فيقول: ويستعملون أسلوباً مدهشاً لتوليدها (أي التفقيس) يتناولون ألف بيضة وأكثر ويضعونها كلها في شبه أفران متعددة الطوابق، وفي الطابق الأعلى ثقب، ثم يوقدون ناراً خفيفة تحتها، وبعد سبعة أيام تبدأ الفراخ تتولد بسرعة، ثم يجمعونها في أوعية كبيرة، ويبيعونها مستعملين آلة كيل بدون قعر توضع في سلّة المشتري .
ويضيف قائلاً: مما لا شك فيه ان الرحالة الوزّا "الوزان" ن لم يكن هو أوّل من أشار إلى خبرة أهل مصر "مصر" في عملية تفقيس بيض الدجاج على هذا النحو، بل سبقه في ذلك الرحّالة المشرقي عبد اللطيف البغدادي "عبد اللطيف البغدادي" عند وصفه كذلك لما شاهده بمدينة القاهرة "القاهرة" من صناعات وحرف . (9)
ويروى أن الإمبراطور فردريك الثاني "فردريك الثاني" لمّا أراد أن يختبر تفقيس بيض النعام بفعل حرارة الشمس، أحضر لهذا الغرض خبراء من مصر "مصر" إلى مقاطعة بولية بجنوب إيطاليا "إيطاليا" . (10)
أما الأغنام فكانت تلد أكثر من مرة في السنة، وقد تلد في البطن الواحد ثلاثة أرؤس، كما ورد في رواية المقريزي "المقريزي" .
وارتبط التوسّع في تربية الأغنام بازدياد الطلب على استهلاك اللحوم، والحاجة إلى مشتقات الحليب، وإلى نمو صناعة الصوف، ودباغة الجلود في العالم الإسلامي .
وتوسّع المسلمون في تربية حشرة القز، وخاصّة في بلاد ما وراء النهر "بلاد ما وراء النهر" والأندلس وبلاد الشام "الشام" ، وحيثما يزرع شجر التوت الذي تقتات بورقه هذه الدودة العجيبة، وكان إنتاج العالم الإسلامي من شرانق الحرير وافراً .
وهكذا ترسم في دولة الإسلام الأخلاق والآداب في كل مسألة داخل حدود الشريعة، ويحل الخير في ديار المسلمين، وتعمّ البركة بفضل هذا الدين .
* * * * *
المراجع:
1 ـ قرآن كريم، سورة الأنعام، الآية 38 .
2 ـ من روائع حضارتنا ص 113 د. مصطفى السباعي "مصطفى السباعي" .
3 ـ إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد ص 175 ابن الأكفاني "ابن الأكفاني" .
4 ـ مدخل إلى تاريخ الحضارة العربية والإسلامية ص 258 د.ناطور وعودات وبيضون .
5 ـ الإسلام في مجده الأول ص 251 موريس لومبار "موريس لومبار" .
6 ـ أرض العروبة رؤية حضارية في الزمان والمكان ص 59 سليمان "سليمان" حزين .
7 ـ العسكرية الإسلامية في العصر المملوكي ص 127 د. أحمد محمد عدوان "أحمد محمد عدوان" .
8 ـ مظاهر الحضارة في الأندلس "الأندلس" في عصر بني الأحمر ص 276 أ. د. أحمد الطوخي "الطوخي" .
9 ـ آثار مصر "مصر" الإسلامية ص 41 د. محمد محمد الكحلاوي "محمد محمد الكحلاوي" .
10 ـ دراسات في تاريخ صقلية "صقلية" الإسلامية ص 141 د. أمين توفيق الطيبي "أمين توفيق الطيبي" .
http://www.alghoraba.com/hadara/12_ALREFQ_BELHAYWAN.htm