جمال المر
2010-08-14, 03:31 AM
وكسرت الصليب
---------------------------------------------
يا إلهي.. اليوم هو يوم الأحد نسيت أنني يجب أن أذهب للكنيسة مع أبي وأمي وأختي مثل كل أسبوع . لم أعد أحب هذا المكان ولكن لا بأس هذه المرة فإن أبي سيغضب علي إن اعتذرت له مثل الأحد الماضي.. أمي تناديني يجب أن أستعد الآن.
وصلنا للكنيسة ووجدنا المكان ممتلئا بالأسر المسيحية. لم يبق كثيرا على الصلاة.. يبدو أن القس ومساعديه مازالوا يعدون البخور أو أن أعضاء الكورال لم يكتملوا بعد !! أكره كثيرا هذه الميوعة التي أراها في الشباب والفتيات وهم يتحدثون وكأنهم في أحد الملاهي وليس في مكان عبادة..
حتي ملابس النساء والفتيات لا تدل أبدا على أننا في مكان مقدس !
كيف يمكن لشاب أن يركز في صلاته وهو يري هذه صدرها نصفه عاري وهذه ذراعها مكشوفة وهذه تلبس بنطلون جينز وأخري عادت لتوها من الكوافير !!
يا رب هل هؤلاء جاءوا ليعبدوك أم لأغراض أخرى ؟!
الحمد لله لقد جاء القسيس أخيرا أرجو أن ننتهي من هذه الصلاة سريعا..أخذ الناس يجلسون في أماكنهم فاخترت مكانا بعيدا بجوار رجل عجوز تبدو عليه الطيبة . بعد عدة دقائق أخذ القس وبقية أعضاء الكورال يرتلون الصلاة بلغة قديمة لا يفهمها أي من الموجودين في القاعة بطريقة تشبه الغناء.
لماذا لا يرتلون الصلاة بلغة يفهمه عامة الناس؟
هل يمكن أن يفرض الله علينا أن نتعبده بلغة انقرضت منذ مئات السنين؟
ما هذا الصوت؟
آه لقد بدأت الموسيقى. كم أستاء لسماع مثل هذه الألحان في الكنيسة !
ترى هل كان المسيح وتلاميذه يستعملون هذه الآلات الموسيقية؟
لا أشك أن الإجابة هي لا !!
لكن ليست هذه أول الألغاز.. إنني لا أشعر بأي روح في هذه الصلاة..
لا أشك أن كل واحد من الموجودين هنا يسرح فكره في كل شيء إلا في الصلاة نفسها !!
سأحاول أن أفكر في شيء آخر أنا أيضا. ولكن ما هذا؟!!
إن الكاهن يختلس النظر بطريقة مريبة لمجموعة من الفتيات الجالسات في الجانب الأيمن! هذا الوغد الذي يتستر بملابس الكهنة لا أرتاح أبدا لنظراته هذه! يبدو أن العيب على أسر هؤلاء الفتيات اللاتي سمحن لهن أن يأتين للكنيسة بهذه الثياب..
لكن ألا ينبغي له أن يغض نظره عنهن على الأقل أثناء الصلاة ؟
أشعر أن أكثر الموجودين هنا يقومون بأداء مسرحية معدة الأدوار وليس عبادة رب الأرض والسماوات.
أين هذا من خشوع المسلمين في صلاتهم وركوعهم وسجودهم؟
لا يمكنني أبدا أن أنسى هذا الرجل المسلم العجوز الذي رأيته مرة في دكانه يصلي في خشوع ودموعه تبلل لحيته البيضاء..
كم تمنيت أن أصلي صلاة مثل صلاته هذه ولو مرة واحدة في حياتي !
لم أر في حياتي أبسط ولا أجمل من صلاتهم .. فهم يقفون في صفوف منتظمة ولا توجد أماكن مخصوصة لأحد كما هو الحال عندنا ولا موسيقى ولا طلاسم ولا صور ولا تماثيل ..
أشعر أن الفرق بين صلاتنا وصلاة المسلمين كما بين السماء والأرض !
لقد جاء أبي وأمي أخيرا ....
ولكن أين أختي؟
إنها هناك تدعو أمام تمثال المسيح بحرارة!
ترى هل يسمعها المسيح الآن؟
وإذا كان يسمعها فما الحاجة لأن تدعو أمام التمثال كما يفعل البوذي أمام تمثال بوذا ؟!
هل كان تلاميذ المسيح يدعون أمام الصور والتماثيل كما نفعل نحن هذه الأيام؟
لا أظن.. ليست أختي وحدها من يفعل هذا ولكن هناك من يقف خاشعا أمام تمثال للعذراء وهناك رجل كبير يبكي بحرارة أمام صورة للمسيح ..
عجبا لنا معشر المسيحيين ألا نستطيع أن نعبد الله بدون صور وتماثيل؟!
أظن أن البروتوستانت أفضل منا كثيرا في هذه الناحية فالقلب المؤمن بالله حتما لا يحتاج لصور وتماثيل..كثير من الأمور التي نراها هنا في الكنيسة لا يمكن لعقلي أن يتقبلها بسهولة.. يصيبني الاشمئزاز كلما تذكرت مسألة أكل جسد المسيح وشرب دمه !!
لا أدري كيف يتحول الخبز والنبيذ للحم ودم المسيح وما الحاجة لأكل لحم المسيح بفرض أنهما يتحولان فعلا؟؟
لقد انتهت أختي من دعائها.. أخيرا سوف نغادر هذا المكان. سألني أبي هل تريد الاعتراف للأب بشيء قبل أن ننصرف.. ما زال أمامنا وقت ؟
ألقيت نظرة سريعة نحو غرفة الاعتراف فرأيت امرأة غير محتشمة داخلة إليها بمفردها.. سألت نفسي.. لماذا يجب على الإنسان إذا أذنب أن يذهب فيفضح نفسه أمام بشر مثله ويخبره بأدق أسرار حياته؟
وهل هذا القس الذي ستعترف له المرأة وتنتظر أن يمنحها الغفران نيابة عن الرب معصوم من الخطأ؟
ومن الذي أعطاه هذه السلطة لكي يغفر لمن يشاء؟
لماذا لا نطلب المغفرة من الله مباشرة؟
ما زلت أذكر شعوري بالذل حين اعترفت في هذه الغرفة لأول مرة ولا أحب أن يتكرر هذا الإحساس مرة أخرى.. كان يبدو لي أن عيني القس تشمتان بي وأنا أحدثه بمعصيتي وكأنه كان ينتظر اليوم الذي سأجلس فيه أمامه معترفا بفارغ الصبر !!
ثم لماذا يفعل المسيح عليه السلام ذلك بنفسه إذا كان هو الله أو ابن الله؟! ..
ألم يكن بإمكانه أن يغفرخطايا البشر كلهم بدلاً من القبول بوضعه معلقاً على الصليب؟!
إنك لم تجب إلى الآن ؟!
قطع أبي أفكاري فانتبهت إليه وهو يربت بيده على كتفي فأخبرته مغمغما أنني أفضل الاعتراف للرب نفسه. لم ترق هذه الإجابة لأبي لكنه لم يرد على بشيء فخرجنا من الكنيسة عائدين إلى البيت.
الحلقة الثانية
أفٍ لهذا الكتاب .. دائما ما يخيب ظني.. ألقيت نظرة أخيرة على رسالة رومية محاولا البحث عن أي جملة تدل على أن الله هو الذي أوحى هذا الكلام للبشر أو أن هذا الكتاب يصلح أن يكون دليل الهداية للبشر جميعا لكني لم أجد.. أغلقت الكتاب المقدس بمرارة ثم استلقيت على السرير أفكر..
هل هذا هو وحي الله حقا؟
هل كل هذه السلامات والشتائم والسباب وقصص الزناة والعاهرات التي يحفل بها العهد القديم والجديد هي التي أوحاها الله لرسله لتكون منهجا للبشر ؟
ما هذه التناقضات الكثيرة في روايات الكتاب المقدس للأحداث؟
هل يجب أن أؤمن أن هذا الكتاب مقدس فعلا؟
وكيف أقدسه وأنا لا أعرف أكثر مؤلفي أسفار العهد القديم والجديد!!
ألا يمكن أن أكون مسيحيا بدون أن أقدس هذا الكتاب؟
إنني أصبحت مؤمنا أن جزءا كبيرا من هذا الكتاب المقدس هو من آراء البشر ونتاج عقولهم وليس من كلام الله.. كم أتألم عندما أتذكر أنني بحثت في الكتاب المقدس كله من أوله إلى آخره لعلي أجد جملة واحدة صريحة يأمر الله أو أحد أنبيائه الناس بعدم النظر إلى نساء غيرهم فلم أجد .. فأنا يحزنني جدا عندما ألاحظ أحد معارفنا أو أصدقائنا يختلس النظر لأمي أو لأختي ..
إن ما يؤلمني أكثر أنهم لا يعتبرون هذا ذنبا على الإطلاق !!
وحتى لو كانوا يعدونه ذنبا أليسوا يرون الصليب كفيلا بأن يغفر لهم خطاياهم ؟!
ما أحمق هذه الفكرة - فكرة الصلب - التي تلغي مسؤولية الإنسان عن عمله وتسقط عنه كل آثامه فلا يردعه عن الشر رادع!!
كم تمنيت لو وجدت في الكتاب المقدس جملة صريحة مثل التي سمعتها يوما في قراءة القرآن في الإذاعة : {َفَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ(7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ(8)} شعور غريب يعتريني كلما قرأت في هذا الكتاب أو سمعت منه شيئا.. أشعر أنه ليس كلاما عاديا ولكنه كلام نازل من مصدر علوي ..
إنني أصاب بالإحباط كلما قارنت بينه وبين رسائل بولس أو أسفار العهد القديم !!
كم أود لو أنني قرأت هذا الكتاب كله وكونت رأيي الشخصي فيه فأنا لم أعد صغيرا ولابد أن أحكم بنفسي ولا أكتفي بالأقوال التي أسمعها في الكنيسة بدون أن أدري مدى صحتها..
ولكن من أين لي بمصحف فلو رآه أبي معي لكانت فيها نهايتي !!
انتظر!
لقد رأيته من قبل في أحد المواقع على الإنترنت أثناء بحثي عن موضوع ما. الحمد لله يمكنني إذن القراءة فيه بدون أن يشعر أحد.
قمت من السرير وفي لحظات فتحت موقع البحث وكتبت كلمة واحدة: "القرآن" .
أحسست بقشعريرة في جسدي وأنا أفتح أول موقع ظهر لي في نتائج البحث. ظهرت لي قائمة بأسماء السور فاخترت منها سورة آل عمران وفتحت أول صفحة فيها فقرأت: { الم(1) اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{(2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ(3) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ{(4) إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء(5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(6)} سرت في جسدي قشعريرة أخرى عندما وصلت إلى هذه الآية ووجدت عيناي أغرورقت بالدموع..
يا الله.. ما أجمل هذا الكلام..
إنني أحس براحة نفسية وسكينة لم أشعر بها في حياتي من قبل.
بدون تفكير مسحت دموعي وأكملت القراءة وحين وصلت إلى الآيات التي تتحدث عن السيدة العذراء والمسيح بعد عدة صفحات من بداية السورة لم أتمالك نفسي وأجهشت بالبكاء !!
هذا الكلام لا يشبه أى كلام سمعته من قبل عن المسيح !
لم أكن أتصور أن القرآن يعظم المسيح والسيدة العذراء بهذه الدرجة.
إن هذا يخالف تماما ما كنت أسمعه في الكنيسة عن الإسلام والقرآن..
لقد ازددت اقتناعا أنني لا ينبغي أن أقبل كل ما أسمعه في الكنيسة عن الإسلام قبل أن أتحقق منه بنفسي.
توقفت عن التفكير حين سمعت طرقات أمي علي باب الغرفة.
أغلقت صفحة الإنترنت بسرعة وقد عزمت على قراءة القرآن كله في أقصر وقت ممكن.
الحلقة الثالثة
مر علي أسبوع كامل وأنا أقرأ من القرآن يوميا جزئين أو ثلاثة أجزاء من الإنترنت.
لقد أصبحت مشدودا جدا لهذا الكتاب الذي يهزني بقوة من أعماقي..
أشعر أنني لا يمكن أن أدع يوما يمر على بدون أن أقرأ منه شيئا فقد أصبح قلبي أسيرا له! حتى الآيات التي لا أفهم معانيها ينتابني عند قراءتها شعور داخلي بالانسجام معها والقناعة الداخلية بها وكأن القرآن هو الذي يقرأني!!
إنني أشعر أن الله يكلمني من خلال هذه الآيات !
لم أجد أي صعوبة في تصديق ما أخبر به القرآن.. كثير من الأسئلة التي كانت عندي بدون إجابة وجدت الإجابة الشافية عنها في هذا الكتاب !
لقد عرفت الغاية من خلق البشر وهي عبادة الله وعرفت أن كل الأنبياء السابقين كانوا يحملون نفس الرسالة والعقيدة وهذا شيء في غاية البساطة والقوة في نفس الوقت.
لقد كنت أشعر بذلك في قرارة نفسي منذ زمن وإن لم أقرأه صراحة في الكتاب المقدس.
كم أعجبتني قصة النبي يوسف بن يعقوب في القرآن وهي تحكي كيف أن الإلتزام بالفضيلة والأخلاق تؤدي حتما للنهاية السعيدة..
أين هذا من قصص العاهرات في الكتاب المقدس؟!
إنني أشعر بأن قائل هذا الكلام يعلم كل خاطرة تدور في نفوس البشر.
خلال بحثي عن القرآن في أول يوم عثرت بالمصادفة على موقع عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
لم أهتم بدخول هذا الموقع في أول الأمر لإني كنت أبحث أساسا عن القرآن نفسه لكن عندما تصفحته بعد ذلك وجدت ما جعلني أقف مشدوها أمام عظمة هذا الكتاب.
لقد أخبر القرآن منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام عن حقائق علمية لم تكتشف إلا في العصر الحديث!!
كيف أمكن لمحمد أن يصف مراحل خلق الجنين في بطن أمه أو تكون السحاب في السماء بهذه الدقة؟
كثيرا ما قرأت في القرآن أيات تدعو الناس صراحة للتفكر والتأمل وإعمال عقولهم في هذا الكتاب.
إن هذا لشيء مبهر حقا يشعرك بالقوة والثقة في نفس الوقت.
لو كان هذا الكتاب مفترى لما استطاع مؤلفه أن يدعو الناس إلى التفكير في صحته بمثل هذه الجرأة، غير أن أكثر ما لفت انتباهي في القرآن هو حديثه عن المسيح وقصته مع اليهود..
إن القرآن واضح وصريح في إثبات الطبيعة البشرية للمسيح مثله مثل باقي الأنبياء ونفي أي طبيعة إلـهية عنه.
لقد تبين لي أن منطق القرآن في إثبات بشرية المسيح قوي جدا ..
فهو يذكر أن الله خلقه بقدرته مثل ما خلق آدم وهو بشر عادي يحتاج إلى الطعام فكيف يكون إلها من يحتاج إلى الطعام والشراب؟؟
لقد حيرتني طبيعة المسيح كثيرا جدا منذ أن بدأت في الذهاب إلى الكنيسة وأخذت أتعلم أن المسيح ناسوت ولاهوت في نفس الوقت.
لم أستطع أبدا أن أفهم كيف يكون المسيح إنسانا وإلها.
كلما قرأت الكتاب المقدس وجدته يتحدث عن المسيح كبشر عادي يأكل ويشرب وينام ويضحي ويصلي ويدعو الله فكيف يكون هو الله إذا كان يصلي لله ويضحي لله؟؟
وإذا كان شخصية مستقلة عن الله فكيف نعبده من دون الله؟
وكيف يكون المسيح هو الله وابن الله في نفس الوقت؟
مما يزيدني حيرة أن المسيح نفسه لم يذكر صراحة أي شيء عن طبيعته الإلهية هذه لتلاميذه وجميع كلامه لا يدل مطلقا على أنه جزء من ثالوث!!
يا إلهي هل يمكن أن يترك أمر خطير كهذا عرضة للظن والتخمين؟
ولم كل هذا التعقيد في أمر يفترض أن يكون أعظم الأمور أهمية في هذا الكون وأكثرها بساطة في نفس الوقت لكي يؤمن به الجاهل والمتعلم والصغير والكبير؟ ..
لقد عشت فترة من حياتي في صراع مع مفهوم الثالوث هذا..
لا أدري كيف يكون الله واحدا وثلاثة في نفس الوقت ؟!
إنني تصفحت العهد القديم كله فلم أجد جملة واحدة تشير لوجود ثالوث بل كله يدل على توحيد الله.
لا أدري لماذا لم يستعمل رجال الكنيسة ألفاظا أسهل من ناسوت ولاهوت وثالوث ؟
يراودني إحساس أن هذه الألفاظ وضعت خصيصا بهذه الصعوبة لكي يزيد الأمر غموضا في عقول العوام ويسلموا أن هذه أمور صعبة لا ينبغي لهم أن يخوضوا فيها فضلا عن محاولة إدراك معناها !!
يا إلهي إن هذا الأمر هو أكثر الأمور أهمية في حياتي فكيف يمكنني أن أحيا في سلام داخلي وأنا لا أعرف الحق في أمر جوهري كهذا ؟
ولكن لماذا لا أرجع إلى كلام المسيح عن نفسه؟
ألم يذكر صراحة أنه إنسان يتكلم بالحق الذي سمعه من الله عندما هم اليهود بقتله !!
ألم يقل أن من يؤمن بالذي أرسله فله الحياة الأبدية؟
ألم يقل إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم وكثيرا ما تكرر وصف الله بالأب في العهد الجديد؟
إذن هو إنسان يسمع من الله ويصعد إلى الله الذي أرسله وليس هو الله !
هذا هو الذي أطمئن إليه..فلا يمكن أن يكون آباء الكنيسة أعلم بالمسيح من نفسه..
لفت انتباهي صوت قطرات المطر وهي تتساقط على نافذة الغرفة...
نظرت من خلال الزجاج إلى السماء وكأني أنتظر شيئا ما...
انحدرت من عيني دمعة صغيرة أحسست ببرودتها على خدي وأخذت أناجي الله متوجها إلى السماء ..
يا رب أنا أعلم أنك موجود وأنك قادر على كل شيء وقد استجبت دعائي كثيرا فاهدني للحق من عندك وارزقني الشجاعة للتمسك به.
يا رب أعلم أن رحمتك واسعة وأنا مخلوقك الضعيف فلا تدعني في ظلمات الشك و أخرجني من الظلمات إلى النور.
يا إلهي .. يا من تسمعني الآن وتعلم حالي ومآلي.. قد ضاقت عليّ نفسي وحار فؤادي .. ارزقني أن أعبدك بالطريقة التي تحبها ولا تحرمني من معرفة الحق..
يا رب إن كان الحق في الإسلام فاشرح له صدري وثبتني عليه ..
يا رب إني أخاف أن أموت قبل أن أهتدي للحق فتغضب عليّ ..
يا رب لا تتركني للظنون والأوهام واقذف نور الحق في قلبي بأسرع وقت ممكن ..
يا رب إن كنت تعلم أني أساعد الفقراء والمساكين من أجلك فاهدني لنورك ومعرفتك حق المعرفة..
قطعت دعائي لما سمعت صوت الآذان من المسجد القريب..
ما أجمله من نداء .. أشعر كأنه نازل من السماء وليس خارجا من المسجد.
برغم أني سمعت هذا النداء مئات المرات من قبل إلا أنني أشعر هذه المرة فيه بروحانية من نوع خاص.
الله أكبر .. ما أجملها هذه الكلمة!
وهل يوجد شيء أكبر من الله؟
لا إله إلا الله.. وهل هناك عاقل يشك في وحدانية الله ؟!
كلما تأملت في أحد المعاني أو العبادات التي توجد في الإسلام أرى أشياء رائعة لم ألاحظها من قبل ..
عندما كنت أسمع الأذان في التلفاز كنت أشعر بشيء غريب يجذبني إلى الكعبة كلما رأيت صورتها ..
لقد انتهى الأذان سريعا لكن لم ينته تأثيره الرائع في نفسي..
صوت من أعماق نفسي يدعوني لأن أقوم بدراسة متعمقة لهذا الدين..
من العار عليّ أن يكون دين بهذا النضج وهذه الروعة أمامي ولا أحاول استكشافه بنفسي !!
الحلقة الرابعة
قضيت شهرا كاملا تصفحت فيه مواقع إسلامية عديدة على الإنترنت وخاصة تلك التي تخاطب المسيحيين وقرأت أحاديث كثيرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وتعمقت في مواضيع إسلامية عديدة وتناقشت مع أصدقاء مسلمين لي في الأمور التي أبهمت على وقرأت ردود علماء المسلمين على الشبهات التي كنا نسمعها في الكنيسة عن الإسلام واستمعت لعدة مناظرات كذلك بين شيوخ مسلمين وقساوسة وخرجت بنتيجة واحدة هي أن هذا الدين هو الدين الكامل الذي أنزله الله من السماء و هو من القوة والعظمة بحيث لا تجد به ثغرة واحدة، وأنه هو الدين الوحيد القادر على ملىء الخواء الروحي الذي كنت أعيش فيه. لقد خرجت من رحلتي هذه بفوائد كثيرة لم أكن أتوقعها ..
فقد عرفت أشياء عن المسيحية لم أكن أعرفها من قبل مثل التشابه الكبير بين العبادات والعقائد المسيحية وعقائد الأمم الوثنية التي كانت موجودة قبل ظهور المسيح وكذلك ما أحدثه بولس في المسيحية بعد صعود المسيح إلى السماء ..
لقد زادت معرفة هذه الأمور من حنقي على هذا الدين !!
كثيرا ما ضايقني لجوء المسيحيين إلى الكذب و بتر الكلام عن سياقه في مناقشاتهم مع المسلمين .. لا ريب أن هذه حيلة الضعيف.
إن مفهوم الألوهية كما جاء في القرآن يتوافق مع المنطق والفطرة، ويتميز ببساطة شديدة ولم أجد أي صعوبة في تقبله..
أكثر ما بهرني في الإسلام هو موافقته للعقل والفطرة وواقعيته وعدم فصله بين الروح والجسد واكتمال شريعته وتغلغلها في جميع مناحي الحياة فهو بحق منهج للحياة..
لقد وجدت أشياء كثيرة جدا ما كنت أعتقد أن دينا يحويها ووجدت النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتحدث عنها.
لقد أعجبت جدا بسيرته وإصراره طوال ثلاثة وعشرين سنة على نشر دعوته وتحمل الأذى في سبيلها.
شخصية بهذه الأخلاق وهذه العظمة وهذا الإصرار لا يمكن أبدا أن يكون مخادعا أو مخدوعا..
لقد كان يتصرف و كأن روح القدس الذي كان مع المسيح معه أيضا يؤيده وينصره.
أشعر أنني قد توصلت لاكتشاف عظيم بمعرفتي بهذا الدين الرائع..
لقد وجدت الدين الذي جاء به المسيح عليه السلام..
وماذا بعد يا نفس؟
أما زال فيك شك أن الإسلام هو الدين الحق وأن محمد صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقا وأن المسيح هو عبد الله ورسوله ؟
عجبا لك ماذا تنتظر ؟
ألم يكن هدفك الوصول إلى الحق ؟
فها قد عرفت الحق فماذا يحول بينك وبين الاستسلام لله ؟
إلى متى تسوّف وتؤجل ؟!
هل تطيق أن تظل على دين كهذا لا يمت بصلة للمسيح لحظة واحدة بعد الآن؟
أجابتني نفسي: لكن أبي وأمي ماذا سيفعلان إن علما بإسلامي ؟
- رضا الله أهم أم رضا أبيك وأمك؟
- رضا الله بالطبع.. ولكن ألا أنتظر حتى أنتهي من الدراسة، إني أخاف أن يطردني أبي من المنزل إن علم بإسلامي !
- يا أخي هل تتوقع أن يضيعك الله وأنت تسعى للوصول إليه؟
إن الله أرحم من أن يحفظك يوم أن كنت على الباطل ويهملك حين تتبع الهدى.
وهب أن هذا حدث في أسوأ الظروف أليست الحقيقة أولى من الراحة ومن متاع الدنيا؟
أليس هذا هو ما كنت تؤمن به طوال حياتك؟
هل تضمن أن يمهلك الله حتى تكمل تعليمك وأنت على الكفر؟
هب أنك مت الآن قبل أن تسلم لله هل سيحاسب أبوك بدلا منك يوم القيامة؟
ثم من قال لك أنه يجب أن تعلن الإسلام بمجرد النطق بالشهادة؟
لقد ظل الصحابة يكتمون إسلامهم في مكة ثلاث سنوات أفلا تستطيع كتم إسلامك عامين فقط حتى تنتهي من الكلية ؟!
ألم يأن الأوان لكي تقول" لا إله إلا الله محمد رسول الله" ؟
هل بقي في نفسك ذرة شك بعد كل ما قرأت ؟
- لا والله ما بقي في نفسي شيء ولكن هذه ليست مجرد كلمة ولكنها تحمل وراءها تبعات كثيرة وأنا تعودت أن أكون عند كلمتي.
- يا أخي ربك هو الذي يعين. ثم إن هذا الدين يدخله الناس من جميع أقطار الأرض بالمئات يوميا فهل كل هؤلاء أفضل منك؟
ألم يأن لك بعد أن تقولها ؟؟
- بلى والله قد آن سوف أقولها..
سوف أنطقها..
سوف أعترف.. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله...
أخيرًا قلتها من أعماق قلبي، أخيرًا نطقتها بكل اقتناع، أخيرًا أخرجتها، الحمد لله رب العالمين.
خررت ساجدا لله بمجرد أن نطقت الشهادتين أبكي بحرارة شديدة ..
أشعر كأن جبلا كان على قلبي وأزاحه الله عنه ..
أو كأني طير محبوس في قفصه قد فتح له باب القفص أخيرا لينطلق في السماء بحرية..
شعرت بأن كل خلية في جسمي تنفست الصعداء بمجرد أن نطقت بالشهادتين..
لقد ألقيتُ عن كاهلي الآن عبئاً ثقيلاً من الهموم والقلق والشكوك والشقاء ..
لا أدري أأبكي من الفرحة أم أبكي حزنا على ما ضاع من عمري في الكفر ..
يا رب لك الحمد أن هديتني للإسلام ..
يا رب أسألك الثبات على الحق حتى ألقاك ..
ما أروعها هذه السجدة..
لو وزنت بها كل الصلوات التي أديتها في الكنيسة لرجحت بهن ..
كيف لا ولم أكن أعرف من قبل من الذي أصلي له ألله أم للمسيح أم للروح القدس؟!
لم أكن أشعر مطلقاً بأني أصلي لإله واحد. ولكني الآن أعرف جيدا..
إنه الله الذي لا إله إلا هو ..الذي خلق المسيح وأمه ومن في الأرض جميعا.. الذي هو على ما يشاء قدير.. كم أتمنى لو ظللت ساجدا هكذا حتى أموت !!
انتابتني رغبة عارمة كي أقوم وأخبر جميع أصدقائي بنبأ إسلامي ..
رفعت رأسي من السجود ومسحت وجهي من الدموع. نظرت في الساعة ففوجئت بأني قد قضيت ثلاثين دقيقة كاملة وأنا ساجد بدون أن أشعر بمرور الوقت..
قررت أن أذهب لأحد أفضل أصدقائي من المسلمين لكي أخبره بإسلامي..
أكاد أطير من الفرح وأنا أمشي في الشارع أود لو أخبرت كل من أقابله بنبأ إسلامي ..
أشعر بأن روحا جديدة بدأت تسري في عروقي ملأت قلبي بصفاء ونقاء لم أشعر بهما من قبل..
لم أجد صديقي في منزله فقفلت عائدا إلى البيت وقد دخل وقت صلاة العصر. بدأ المؤذن ينادي للصلاة ..
الآن أحس أن هذا النداء موجه لي شخصيا..
إن الله يدعوني الآن لكي أعبده ..
يا له من شرف.. أخيرا سوف أعبد الله بالطريقة التي يحبها والتي خلقني من أجلها.
كدت أنسى نفسي وهممت بدخول المسجد بدون أن أشعر لكني تذكرت أنني لم أقم بالاغتسال بعد.
حمدت الله أن أحدا لم يرني وأنا أقترب من المسجد لإني أحب أن أخفي نبأ إسلامي عن أهلي حتى أنتهي من الدراسة على الأقل.
أخذت طريقي متوجها إلى البيت مرة أخرى و عندما وصلت لباب المنزل رأتني أمي ولاحظت السعادة التي على وجهي وأنا أفتح الباب..
لكنها لم تتوقع أبدا أنني كنت أفتح أيضا صفحة جديدة من حياتي في ذات الوقت!
الحلقة الخامسة
اليوم أشعر أني ولدت من جديد .. من اليوم لن أحتاج إلى التفكير في حل متاهات التثليث.. أو التفكير في معضلة الفداء والصلب .. من اليوم لن أعد نفسي مذنبا بسبب خطيئة أبي آدم التي مر عليها آلاف السنين ولن أحتاج لبشر مثلي كي يتوسط بيني وبين ربي.. راودتني هذه الأفكار وأنا أقوم بالاغتسال بالماء البارد. أشعر أن قطرات الماء وهي تنحدر على جسمي تمسح معها رواسب الشك والشرك الذي ترسب في نفسي لأكثر من عشرين سنة كاملة قضيتها بعيدا عن معرفة الله ..كتمت ضحكة كادت تخرج مني حين تذكرت كيف أنني لم أكن أؤمر بالطهارة ولا بالنظافة قبل الصلاة في الكنيسة..
أنهيت الغسل ولبست ملابسي.. أشعر أني أصبحت أنظر لكل شيء بمنظار جديد..منظار صاغه لي الإسلام أدرك به الأشياء على صورتها الحقيقية..بلا تزييف أو تزيين.. ولا شك أو ارتياب.. بل هو الحق واليقين..
أصبحت أحس بانسجام مع كل الأشياء الموجودة حولي وكأنها تردد معي لا إله إلا الله.. الآن سوف أصلي لله رب العالمين.. يا لها من نعمة!..
راجعت كيفية الوضوء والصلاة سريعا من أحد مواقع الإنترنت للمرة الثالثة.. لم أحفظ بعد سورة الفاتحة.. لكن لا بأس سوف أقرأها من ورقة صغيرة في الصلاة حتى أتمكن من حفظها..
كتبت في هذه الورقة أيضا صيغة التشهد وسورتين قصيرتين من آخر المصحف هما سورتا الإخلاص والناس.. ولكن كيف أحدد اتجاه القبلة؟
لم يخطر هذا الأمر ببالي من قبل.. تذكرت بسرعة الاتجاه الذي تشرق منه الشمس وبمعرفة أن موقع مكة بالنسبة للبلد الذي أعيش فيه يقع في الجنوب الشرقي علمت اتجاه القبلة.. الحمد لله..
سوف أحاول التأكد عندما أمر بجوار المسجد مرة أخرى.
الآن سوف أصلي أول صلاة في حياتي، ما أجمله من شعور أن تقبل على الله بالصلاة في الوقت الذي تريد بدون الحاجة إلى قسيس أو بقية الطاقم !!
كم أشفق على المسيحيين أنهم لا يستطيعون الصلاة بمفردهم !
من الآن سأصبح على صلة بالله خمس مرات في اليوم، بل في كل لحظة من لحظات اليوم، بالاستغفار والتسبيح والدعاء والتفكير والتأمل ..
أحقا سوف أقف أمام الله رب العالمين أناجيه وأدعوه .. يا له من موقف !!
لأول مرة في حياتي أشعر بهيبة العبادة برغم أني أصلي في غرفتي المتواضعة وليس في الكنيسة بكل زخارفها وطقوسها الغامضة !!
تأكدت مرة أخرى أن باب الغرفة مغلق حتى لا تدخل أمي أو أختي فترياني وأنا أصلي.. استقبلت القبلة .. وقبل أن أرفع يدي للتكبير وقع نظري على صليب خشبي صغير موضوع على المكتب كانت أمي أمرتني بالاحتفاظ به لكي يحفظني !!
يا إلهي كيف كنت سأصلي وهذا الوثن أمامي.. بالرغم أن أمي متعلمة ومثقفة إلا أنها وللأسف تعتقد مثل أكثر المسيحيين أن هذا الصليب ينفع ويضر.. هل بعد هذا وثنية وشرك ؟؟
تناولت الصليب كي أخفيه في أحد أدراج المكتب لكني بعد أن أمسكته انتابتني رغبة شديدة في أن أفرغ كل ما تراكم في نفسي من غيظ على المسيحية في هذا الصليب.. أمسكته من ذراعيه بكلتا يدي وضغطت عليه بقوة و..
وكسرت الصليب.
ملحوظة: تم الاستعانة بأقوال وقصص حقيقية لأناس أسلموا في كتابة هذه القصة فجزاهم الله خيرا
كتبها / طارق أبو عبد الله
خاص بإذاعة طريق الإسلام
منقول
---------------------------------------------
يا إلهي.. اليوم هو يوم الأحد نسيت أنني يجب أن أذهب للكنيسة مع أبي وأمي وأختي مثل كل أسبوع . لم أعد أحب هذا المكان ولكن لا بأس هذه المرة فإن أبي سيغضب علي إن اعتذرت له مثل الأحد الماضي.. أمي تناديني يجب أن أستعد الآن.
وصلنا للكنيسة ووجدنا المكان ممتلئا بالأسر المسيحية. لم يبق كثيرا على الصلاة.. يبدو أن القس ومساعديه مازالوا يعدون البخور أو أن أعضاء الكورال لم يكتملوا بعد !! أكره كثيرا هذه الميوعة التي أراها في الشباب والفتيات وهم يتحدثون وكأنهم في أحد الملاهي وليس في مكان عبادة..
حتي ملابس النساء والفتيات لا تدل أبدا على أننا في مكان مقدس !
كيف يمكن لشاب أن يركز في صلاته وهو يري هذه صدرها نصفه عاري وهذه ذراعها مكشوفة وهذه تلبس بنطلون جينز وأخري عادت لتوها من الكوافير !!
يا رب هل هؤلاء جاءوا ليعبدوك أم لأغراض أخرى ؟!
الحمد لله لقد جاء القسيس أخيرا أرجو أن ننتهي من هذه الصلاة سريعا..أخذ الناس يجلسون في أماكنهم فاخترت مكانا بعيدا بجوار رجل عجوز تبدو عليه الطيبة . بعد عدة دقائق أخذ القس وبقية أعضاء الكورال يرتلون الصلاة بلغة قديمة لا يفهمها أي من الموجودين في القاعة بطريقة تشبه الغناء.
لماذا لا يرتلون الصلاة بلغة يفهمه عامة الناس؟
هل يمكن أن يفرض الله علينا أن نتعبده بلغة انقرضت منذ مئات السنين؟
ما هذا الصوت؟
آه لقد بدأت الموسيقى. كم أستاء لسماع مثل هذه الألحان في الكنيسة !
ترى هل كان المسيح وتلاميذه يستعملون هذه الآلات الموسيقية؟
لا أشك أن الإجابة هي لا !!
لكن ليست هذه أول الألغاز.. إنني لا أشعر بأي روح في هذه الصلاة..
لا أشك أن كل واحد من الموجودين هنا يسرح فكره في كل شيء إلا في الصلاة نفسها !!
سأحاول أن أفكر في شيء آخر أنا أيضا. ولكن ما هذا؟!!
إن الكاهن يختلس النظر بطريقة مريبة لمجموعة من الفتيات الجالسات في الجانب الأيمن! هذا الوغد الذي يتستر بملابس الكهنة لا أرتاح أبدا لنظراته هذه! يبدو أن العيب على أسر هؤلاء الفتيات اللاتي سمحن لهن أن يأتين للكنيسة بهذه الثياب..
لكن ألا ينبغي له أن يغض نظره عنهن على الأقل أثناء الصلاة ؟
أشعر أن أكثر الموجودين هنا يقومون بأداء مسرحية معدة الأدوار وليس عبادة رب الأرض والسماوات.
أين هذا من خشوع المسلمين في صلاتهم وركوعهم وسجودهم؟
لا يمكنني أبدا أن أنسى هذا الرجل المسلم العجوز الذي رأيته مرة في دكانه يصلي في خشوع ودموعه تبلل لحيته البيضاء..
كم تمنيت أن أصلي صلاة مثل صلاته هذه ولو مرة واحدة في حياتي !
لم أر في حياتي أبسط ولا أجمل من صلاتهم .. فهم يقفون في صفوف منتظمة ولا توجد أماكن مخصوصة لأحد كما هو الحال عندنا ولا موسيقى ولا طلاسم ولا صور ولا تماثيل ..
أشعر أن الفرق بين صلاتنا وصلاة المسلمين كما بين السماء والأرض !
لقد جاء أبي وأمي أخيرا ....
ولكن أين أختي؟
إنها هناك تدعو أمام تمثال المسيح بحرارة!
ترى هل يسمعها المسيح الآن؟
وإذا كان يسمعها فما الحاجة لأن تدعو أمام التمثال كما يفعل البوذي أمام تمثال بوذا ؟!
هل كان تلاميذ المسيح يدعون أمام الصور والتماثيل كما نفعل نحن هذه الأيام؟
لا أظن.. ليست أختي وحدها من يفعل هذا ولكن هناك من يقف خاشعا أمام تمثال للعذراء وهناك رجل كبير يبكي بحرارة أمام صورة للمسيح ..
عجبا لنا معشر المسيحيين ألا نستطيع أن نعبد الله بدون صور وتماثيل؟!
أظن أن البروتوستانت أفضل منا كثيرا في هذه الناحية فالقلب المؤمن بالله حتما لا يحتاج لصور وتماثيل..كثير من الأمور التي نراها هنا في الكنيسة لا يمكن لعقلي أن يتقبلها بسهولة.. يصيبني الاشمئزاز كلما تذكرت مسألة أكل جسد المسيح وشرب دمه !!
لا أدري كيف يتحول الخبز والنبيذ للحم ودم المسيح وما الحاجة لأكل لحم المسيح بفرض أنهما يتحولان فعلا؟؟
لقد انتهت أختي من دعائها.. أخيرا سوف نغادر هذا المكان. سألني أبي هل تريد الاعتراف للأب بشيء قبل أن ننصرف.. ما زال أمامنا وقت ؟
ألقيت نظرة سريعة نحو غرفة الاعتراف فرأيت امرأة غير محتشمة داخلة إليها بمفردها.. سألت نفسي.. لماذا يجب على الإنسان إذا أذنب أن يذهب فيفضح نفسه أمام بشر مثله ويخبره بأدق أسرار حياته؟
وهل هذا القس الذي ستعترف له المرأة وتنتظر أن يمنحها الغفران نيابة عن الرب معصوم من الخطأ؟
ومن الذي أعطاه هذه السلطة لكي يغفر لمن يشاء؟
لماذا لا نطلب المغفرة من الله مباشرة؟
ما زلت أذكر شعوري بالذل حين اعترفت في هذه الغرفة لأول مرة ولا أحب أن يتكرر هذا الإحساس مرة أخرى.. كان يبدو لي أن عيني القس تشمتان بي وأنا أحدثه بمعصيتي وكأنه كان ينتظر اليوم الذي سأجلس فيه أمامه معترفا بفارغ الصبر !!
ثم لماذا يفعل المسيح عليه السلام ذلك بنفسه إذا كان هو الله أو ابن الله؟! ..
ألم يكن بإمكانه أن يغفرخطايا البشر كلهم بدلاً من القبول بوضعه معلقاً على الصليب؟!
إنك لم تجب إلى الآن ؟!
قطع أبي أفكاري فانتبهت إليه وهو يربت بيده على كتفي فأخبرته مغمغما أنني أفضل الاعتراف للرب نفسه. لم ترق هذه الإجابة لأبي لكنه لم يرد على بشيء فخرجنا من الكنيسة عائدين إلى البيت.
الحلقة الثانية
أفٍ لهذا الكتاب .. دائما ما يخيب ظني.. ألقيت نظرة أخيرة على رسالة رومية محاولا البحث عن أي جملة تدل على أن الله هو الذي أوحى هذا الكلام للبشر أو أن هذا الكتاب يصلح أن يكون دليل الهداية للبشر جميعا لكني لم أجد.. أغلقت الكتاب المقدس بمرارة ثم استلقيت على السرير أفكر..
هل هذا هو وحي الله حقا؟
هل كل هذه السلامات والشتائم والسباب وقصص الزناة والعاهرات التي يحفل بها العهد القديم والجديد هي التي أوحاها الله لرسله لتكون منهجا للبشر ؟
ما هذه التناقضات الكثيرة في روايات الكتاب المقدس للأحداث؟
هل يجب أن أؤمن أن هذا الكتاب مقدس فعلا؟
وكيف أقدسه وأنا لا أعرف أكثر مؤلفي أسفار العهد القديم والجديد!!
ألا يمكن أن أكون مسيحيا بدون أن أقدس هذا الكتاب؟
إنني أصبحت مؤمنا أن جزءا كبيرا من هذا الكتاب المقدس هو من آراء البشر ونتاج عقولهم وليس من كلام الله.. كم أتألم عندما أتذكر أنني بحثت في الكتاب المقدس كله من أوله إلى آخره لعلي أجد جملة واحدة صريحة يأمر الله أو أحد أنبيائه الناس بعدم النظر إلى نساء غيرهم فلم أجد .. فأنا يحزنني جدا عندما ألاحظ أحد معارفنا أو أصدقائنا يختلس النظر لأمي أو لأختي ..
إن ما يؤلمني أكثر أنهم لا يعتبرون هذا ذنبا على الإطلاق !!
وحتى لو كانوا يعدونه ذنبا أليسوا يرون الصليب كفيلا بأن يغفر لهم خطاياهم ؟!
ما أحمق هذه الفكرة - فكرة الصلب - التي تلغي مسؤولية الإنسان عن عمله وتسقط عنه كل آثامه فلا يردعه عن الشر رادع!!
كم تمنيت لو وجدت في الكتاب المقدس جملة صريحة مثل التي سمعتها يوما في قراءة القرآن في الإذاعة : {َفَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ(7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ(8)} شعور غريب يعتريني كلما قرأت في هذا الكتاب أو سمعت منه شيئا.. أشعر أنه ليس كلاما عاديا ولكنه كلام نازل من مصدر علوي ..
إنني أصاب بالإحباط كلما قارنت بينه وبين رسائل بولس أو أسفار العهد القديم !!
كم أود لو أنني قرأت هذا الكتاب كله وكونت رأيي الشخصي فيه فأنا لم أعد صغيرا ولابد أن أحكم بنفسي ولا أكتفي بالأقوال التي أسمعها في الكنيسة بدون أن أدري مدى صحتها..
ولكن من أين لي بمصحف فلو رآه أبي معي لكانت فيها نهايتي !!
انتظر!
لقد رأيته من قبل في أحد المواقع على الإنترنت أثناء بحثي عن موضوع ما. الحمد لله يمكنني إذن القراءة فيه بدون أن يشعر أحد.
قمت من السرير وفي لحظات فتحت موقع البحث وكتبت كلمة واحدة: "القرآن" .
أحسست بقشعريرة في جسدي وأنا أفتح أول موقع ظهر لي في نتائج البحث. ظهرت لي قائمة بأسماء السور فاخترت منها سورة آل عمران وفتحت أول صفحة فيها فقرأت: { الم(1) اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{(2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ(3) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ{(4) إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء(5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(6)} سرت في جسدي قشعريرة أخرى عندما وصلت إلى هذه الآية ووجدت عيناي أغرورقت بالدموع..
يا الله.. ما أجمل هذا الكلام..
إنني أحس براحة نفسية وسكينة لم أشعر بها في حياتي من قبل.
بدون تفكير مسحت دموعي وأكملت القراءة وحين وصلت إلى الآيات التي تتحدث عن السيدة العذراء والمسيح بعد عدة صفحات من بداية السورة لم أتمالك نفسي وأجهشت بالبكاء !!
هذا الكلام لا يشبه أى كلام سمعته من قبل عن المسيح !
لم أكن أتصور أن القرآن يعظم المسيح والسيدة العذراء بهذه الدرجة.
إن هذا يخالف تماما ما كنت أسمعه في الكنيسة عن الإسلام والقرآن..
لقد ازددت اقتناعا أنني لا ينبغي أن أقبل كل ما أسمعه في الكنيسة عن الإسلام قبل أن أتحقق منه بنفسي.
توقفت عن التفكير حين سمعت طرقات أمي علي باب الغرفة.
أغلقت صفحة الإنترنت بسرعة وقد عزمت على قراءة القرآن كله في أقصر وقت ممكن.
الحلقة الثالثة
مر علي أسبوع كامل وأنا أقرأ من القرآن يوميا جزئين أو ثلاثة أجزاء من الإنترنت.
لقد أصبحت مشدودا جدا لهذا الكتاب الذي يهزني بقوة من أعماقي..
أشعر أنني لا يمكن أن أدع يوما يمر على بدون أن أقرأ منه شيئا فقد أصبح قلبي أسيرا له! حتى الآيات التي لا أفهم معانيها ينتابني عند قراءتها شعور داخلي بالانسجام معها والقناعة الداخلية بها وكأن القرآن هو الذي يقرأني!!
إنني أشعر أن الله يكلمني من خلال هذه الآيات !
لم أجد أي صعوبة في تصديق ما أخبر به القرآن.. كثير من الأسئلة التي كانت عندي بدون إجابة وجدت الإجابة الشافية عنها في هذا الكتاب !
لقد عرفت الغاية من خلق البشر وهي عبادة الله وعرفت أن كل الأنبياء السابقين كانوا يحملون نفس الرسالة والعقيدة وهذا شيء في غاية البساطة والقوة في نفس الوقت.
لقد كنت أشعر بذلك في قرارة نفسي منذ زمن وإن لم أقرأه صراحة في الكتاب المقدس.
كم أعجبتني قصة النبي يوسف بن يعقوب في القرآن وهي تحكي كيف أن الإلتزام بالفضيلة والأخلاق تؤدي حتما للنهاية السعيدة..
أين هذا من قصص العاهرات في الكتاب المقدس؟!
إنني أشعر بأن قائل هذا الكلام يعلم كل خاطرة تدور في نفوس البشر.
خلال بحثي عن القرآن في أول يوم عثرت بالمصادفة على موقع عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
لم أهتم بدخول هذا الموقع في أول الأمر لإني كنت أبحث أساسا عن القرآن نفسه لكن عندما تصفحته بعد ذلك وجدت ما جعلني أقف مشدوها أمام عظمة هذا الكتاب.
لقد أخبر القرآن منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام عن حقائق علمية لم تكتشف إلا في العصر الحديث!!
كيف أمكن لمحمد أن يصف مراحل خلق الجنين في بطن أمه أو تكون السحاب في السماء بهذه الدقة؟
كثيرا ما قرأت في القرآن أيات تدعو الناس صراحة للتفكر والتأمل وإعمال عقولهم في هذا الكتاب.
إن هذا لشيء مبهر حقا يشعرك بالقوة والثقة في نفس الوقت.
لو كان هذا الكتاب مفترى لما استطاع مؤلفه أن يدعو الناس إلى التفكير في صحته بمثل هذه الجرأة، غير أن أكثر ما لفت انتباهي في القرآن هو حديثه عن المسيح وقصته مع اليهود..
إن القرآن واضح وصريح في إثبات الطبيعة البشرية للمسيح مثله مثل باقي الأنبياء ونفي أي طبيعة إلـهية عنه.
لقد تبين لي أن منطق القرآن في إثبات بشرية المسيح قوي جدا ..
فهو يذكر أن الله خلقه بقدرته مثل ما خلق آدم وهو بشر عادي يحتاج إلى الطعام فكيف يكون إلها من يحتاج إلى الطعام والشراب؟؟
لقد حيرتني طبيعة المسيح كثيرا جدا منذ أن بدأت في الذهاب إلى الكنيسة وأخذت أتعلم أن المسيح ناسوت ولاهوت في نفس الوقت.
لم أستطع أبدا أن أفهم كيف يكون المسيح إنسانا وإلها.
كلما قرأت الكتاب المقدس وجدته يتحدث عن المسيح كبشر عادي يأكل ويشرب وينام ويضحي ويصلي ويدعو الله فكيف يكون هو الله إذا كان يصلي لله ويضحي لله؟؟
وإذا كان شخصية مستقلة عن الله فكيف نعبده من دون الله؟
وكيف يكون المسيح هو الله وابن الله في نفس الوقت؟
مما يزيدني حيرة أن المسيح نفسه لم يذكر صراحة أي شيء عن طبيعته الإلهية هذه لتلاميذه وجميع كلامه لا يدل مطلقا على أنه جزء من ثالوث!!
يا إلهي هل يمكن أن يترك أمر خطير كهذا عرضة للظن والتخمين؟
ولم كل هذا التعقيد في أمر يفترض أن يكون أعظم الأمور أهمية في هذا الكون وأكثرها بساطة في نفس الوقت لكي يؤمن به الجاهل والمتعلم والصغير والكبير؟ ..
لقد عشت فترة من حياتي في صراع مع مفهوم الثالوث هذا..
لا أدري كيف يكون الله واحدا وثلاثة في نفس الوقت ؟!
إنني تصفحت العهد القديم كله فلم أجد جملة واحدة تشير لوجود ثالوث بل كله يدل على توحيد الله.
لا أدري لماذا لم يستعمل رجال الكنيسة ألفاظا أسهل من ناسوت ولاهوت وثالوث ؟
يراودني إحساس أن هذه الألفاظ وضعت خصيصا بهذه الصعوبة لكي يزيد الأمر غموضا في عقول العوام ويسلموا أن هذه أمور صعبة لا ينبغي لهم أن يخوضوا فيها فضلا عن محاولة إدراك معناها !!
يا إلهي إن هذا الأمر هو أكثر الأمور أهمية في حياتي فكيف يمكنني أن أحيا في سلام داخلي وأنا لا أعرف الحق في أمر جوهري كهذا ؟
ولكن لماذا لا أرجع إلى كلام المسيح عن نفسه؟
ألم يذكر صراحة أنه إنسان يتكلم بالحق الذي سمعه من الله عندما هم اليهود بقتله !!
ألم يقل أن من يؤمن بالذي أرسله فله الحياة الأبدية؟
ألم يقل إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم وكثيرا ما تكرر وصف الله بالأب في العهد الجديد؟
إذن هو إنسان يسمع من الله ويصعد إلى الله الذي أرسله وليس هو الله !
هذا هو الذي أطمئن إليه..فلا يمكن أن يكون آباء الكنيسة أعلم بالمسيح من نفسه..
لفت انتباهي صوت قطرات المطر وهي تتساقط على نافذة الغرفة...
نظرت من خلال الزجاج إلى السماء وكأني أنتظر شيئا ما...
انحدرت من عيني دمعة صغيرة أحسست ببرودتها على خدي وأخذت أناجي الله متوجها إلى السماء ..
يا رب أنا أعلم أنك موجود وأنك قادر على كل شيء وقد استجبت دعائي كثيرا فاهدني للحق من عندك وارزقني الشجاعة للتمسك به.
يا رب أعلم أن رحمتك واسعة وأنا مخلوقك الضعيف فلا تدعني في ظلمات الشك و أخرجني من الظلمات إلى النور.
يا إلهي .. يا من تسمعني الآن وتعلم حالي ومآلي.. قد ضاقت عليّ نفسي وحار فؤادي .. ارزقني أن أعبدك بالطريقة التي تحبها ولا تحرمني من معرفة الحق..
يا رب إن كان الحق في الإسلام فاشرح له صدري وثبتني عليه ..
يا رب إني أخاف أن أموت قبل أن أهتدي للحق فتغضب عليّ ..
يا رب لا تتركني للظنون والأوهام واقذف نور الحق في قلبي بأسرع وقت ممكن ..
يا رب إن كنت تعلم أني أساعد الفقراء والمساكين من أجلك فاهدني لنورك ومعرفتك حق المعرفة..
قطعت دعائي لما سمعت صوت الآذان من المسجد القريب..
ما أجمله من نداء .. أشعر كأنه نازل من السماء وليس خارجا من المسجد.
برغم أني سمعت هذا النداء مئات المرات من قبل إلا أنني أشعر هذه المرة فيه بروحانية من نوع خاص.
الله أكبر .. ما أجملها هذه الكلمة!
وهل يوجد شيء أكبر من الله؟
لا إله إلا الله.. وهل هناك عاقل يشك في وحدانية الله ؟!
كلما تأملت في أحد المعاني أو العبادات التي توجد في الإسلام أرى أشياء رائعة لم ألاحظها من قبل ..
عندما كنت أسمع الأذان في التلفاز كنت أشعر بشيء غريب يجذبني إلى الكعبة كلما رأيت صورتها ..
لقد انتهى الأذان سريعا لكن لم ينته تأثيره الرائع في نفسي..
صوت من أعماق نفسي يدعوني لأن أقوم بدراسة متعمقة لهذا الدين..
من العار عليّ أن يكون دين بهذا النضج وهذه الروعة أمامي ولا أحاول استكشافه بنفسي !!
الحلقة الرابعة
قضيت شهرا كاملا تصفحت فيه مواقع إسلامية عديدة على الإنترنت وخاصة تلك التي تخاطب المسيحيين وقرأت أحاديث كثيرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وتعمقت في مواضيع إسلامية عديدة وتناقشت مع أصدقاء مسلمين لي في الأمور التي أبهمت على وقرأت ردود علماء المسلمين على الشبهات التي كنا نسمعها في الكنيسة عن الإسلام واستمعت لعدة مناظرات كذلك بين شيوخ مسلمين وقساوسة وخرجت بنتيجة واحدة هي أن هذا الدين هو الدين الكامل الذي أنزله الله من السماء و هو من القوة والعظمة بحيث لا تجد به ثغرة واحدة، وأنه هو الدين الوحيد القادر على ملىء الخواء الروحي الذي كنت أعيش فيه. لقد خرجت من رحلتي هذه بفوائد كثيرة لم أكن أتوقعها ..
فقد عرفت أشياء عن المسيحية لم أكن أعرفها من قبل مثل التشابه الكبير بين العبادات والعقائد المسيحية وعقائد الأمم الوثنية التي كانت موجودة قبل ظهور المسيح وكذلك ما أحدثه بولس في المسيحية بعد صعود المسيح إلى السماء ..
لقد زادت معرفة هذه الأمور من حنقي على هذا الدين !!
كثيرا ما ضايقني لجوء المسيحيين إلى الكذب و بتر الكلام عن سياقه في مناقشاتهم مع المسلمين .. لا ريب أن هذه حيلة الضعيف.
إن مفهوم الألوهية كما جاء في القرآن يتوافق مع المنطق والفطرة، ويتميز ببساطة شديدة ولم أجد أي صعوبة في تقبله..
أكثر ما بهرني في الإسلام هو موافقته للعقل والفطرة وواقعيته وعدم فصله بين الروح والجسد واكتمال شريعته وتغلغلها في جميع مناحي الحياة فهو بحق منهج للحياة..
لقد وجدت أشياء كثيرة جدا ما كنت أعتقد أن دينا يحويها ووجدت النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتحدث عنها.
لقد أعجبت جدا بسيرته وإصراره طوال ثلاثة وعشرين سنة على نشر دعوته وتحمل الأذى في سبيلها.
شخصية بهذه الأخلاق وهذه العظمة وهذا الإصرار لا يمكن أبدا أن يكون مخادعا أو مخدوعا..
لقد كان يتصرف و كأن روح القدس الذي كان مع المسيح معه أيضا يؤيده وينصره.
أشعر أنني قد توصلت لاكتشاف عظيم بمعرفتي بهذا الدين الرائع..
لقد وجدت الدين الذي جاء به المسيح عليه السلام..
وماذا بعد يا نفس؟
أما زال فيك شك أن الإسلام هو الدين الحق وأن محمد صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقا وأن المسيح هو عبد الله ورسوله ؟
عجبا لك ماذا تنتظر ؟
ألم يكن هدفك الوصول إلى الحق ؟
فها قد عرفت الحق فماذا يحول بينك وبين الاستسلام لله ؟
إلى متى تسوّف وتؤجل ؟!
هل تطيق أن تظل على دين كهذا لا يمت بصلة للمسيح لحظة واحدة بعد الآن؟
أجابتني نفسي: لكن أبي وأمي ماذا سيفعلان إن علما بإسلامي ؟
- رضا الله أهم أم رضا أبيك وأمك؟
- رضا الله بالطبع.. ولكن ألا أنتظر حتى أنتهي من الدراسة، إني أخاف أن يطردني أبي من المنزل إن علم بإسلامي !
- يا أخي هل تتوقع أن يضيعك الله وأنت تسعى للوصول إليه؟
إن الله أرحم من أن يحفظك يوم أن كنت على الباطل ويهملك حين تتبع الهدى.
وهب أن هذا حدث في أسوأ الظروف أليست الحقيقة أولى من الراحة ومن متاع الدنيا؟
أليس هذا هو ما كنت تؤمن به طوال حياتك؟
هل تضمن أن يمهلك الله حتى تكمل تعليمك وأنت على الكفر؟
هب أنك مت الآن قبل أن تسلم لله هل سيحاسب أبوك بدلا منك يوم القيامة؟
ثم من قال لك أنه يجب أن تعلن الإسلام بمجرد النطق بالشهادة؟
لقد ظل الصحابة يكتمون إسلامهم في مكة ثلاث سنوات أفلا تستطيع كتم إسلامك عامين فقط حتى تنتهي من الكلية ؟!
ألم يأن الأوان لكي تقول" لا إله إلا الله محمد رسول الله" ؟
هل بقي في نفسك ذرة شك بعد كل ما قرأت ؟
- لا والله ما بقي في نفسي شيء ولكن هذه ليست مجرد كلمة ولكنها تحمل وراءها تبعات كثيرة وأنا تعودت أن أكون عند كلمتي.
- يا أخي ربك هو الذي يعين. ثم إن هذا الدين يدخله الناس من جميع أقطار الأرض بالمئات يوميا فهل كل هؤلاء أفضل منك؟
ألم يأن لك بعد أن تقولها ؟؟
- بلى والله قد آن سوف أقولها..
سوف أنطقها..
سوف أعترف.. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله...
أخيرًا قلتها من أعماق قلبي، أخيرًا نطقتها بكل اقتناع، أخيرًا أخرجتها، الحمد لله رب العالمين.
خررت ساجدا لله بمجرد أن نطقت الشهادتين أبكي بحرارة شديدة ..
أشعر كأن جبلا كان على قلبي وأزاحه الله عنه ..
أو كأني طير محبوس في قفصه قد فتح له باب القفص أخيرا لينطلق في السماء بحرية..
شعرت بأن كل خلية في جسمي تنفست الصعداء بمجرد أن نطقت بالشهادتين..
لقد ألقيتُ عن كاهلي الآن عبئاً ثقيلاً من الهموم والقلق والشكوك والشقاء ..
لا أدري أأبكي من الفرحة أم أبكي حزنا على ما ضاع من عمري في الكفر ..
يا رب لك الحمد أن هديتني للإسلام ..
يا رب أسألك الثبات على الحق حتى ألقاك ..
ما أروعها هذه السجدة..
لو وزنت بها كل الصلوات التي أديتها في الكنيسة لرجحت بهن ..
كيف لا ولم أكن أعرف من قبل من الذي أصلي له ألله أم للمسيح أم للروح القدس؟!
لم أكن أشعر مطلقاً بأني أصلي لإله واحد. ولكني الآن أعرف جيدا..
إنه الله الذي لا إله إلا هو ..الذي خلق المسيح وأمه ومن في الأرض جميعا.. الذي هو على ما يشاء قدير.. كم أتمنى لو ظللت ساجدا هكذا حتى أموت !!
انتابتني رغبة عارمة كي أقوم وأخبر جميع أصدقائي بنبأ إسلامي ..
رفعت رأسي من السجود ومسحت وجهي من الدموع. نظرت في الساعة ففوجئت بأني قد قضيت ثلاثين دقيقة كاملة وأنا ساجد بدون أن أشعر بمرور الوقت..
قررت أن أذهب لأحد أفضل أصدقائي من المسلمين لكي أخبره بإسلامي..
أكاد أطير من الفرح وأنا أمشي في الشارع أود لو أخبرت كل من أقابله بنبأ إسلامي ..
أشعر بأن روحا جديدة بدأت تسري في عروقي ملأت قلبي بصفاء ونقاء لم أشعر بهما من قبل..
لم أجد صديقي في منزله فقفلت عائدا إلى البيت وقد دخل وقت صلاة العصر. بدأ المؤذن ينادي للصلاة ..
الآن أحس أن هذا النداء موجه لي شخصيا..
إن الله يدعوني الآن لكي أعبده ..
يا له من شرف.. أخيرا سوف أعبد الله بالطريقة التي يحبها والتي خلقني من أجلها.
كدت أنسى نفسي وهممت بدخول المسجد بدون أن أشعر لكني تذكرت أنني لم أقم بالاغتسال بعد.
حمدت الله أن أحدا لم يرني وأنا أقترب من المسجد لإني أحب أن أخفي نبأ إسلامي عن أهلي حتى أنتهي من الدراسة على الأقل.
أخذت طريقي متوجها إلى البيت مرة أخرى و عندما وصلت لباب المنزل رأتني أمي ولاحظت السعادة التي على وجهي وأنا أفتح الباب..
لكنها لم تتوقع أبدا أنني كنت أفتح أيضا صفحة جديدة من حياتي في ذات الوقت!
الحلقة الخامسة
اليوم أشعر أني ولدت من جديد .. من اليوم لن أحتاج إلى التفكير في حل متاهات التثليث.. أو التفكير في معضلة الفداء والصلب .. من اليوم لن أعد نفسي مذنبا بسبب خطيئة أبي آدم التي مر عليها آلاف السنين ولن أحتاج لبشر مثلي كي يتوسط بيني وبين ربي.. راودتني هذه الأفكار وأنا أقوم بالاغتسال بالماء البارد. أشعر أن قطرات الماء وهي تنحدر على جسمي تمسح معها رواسب الشك والشرك الذي ترسب في نفسي لأكثر من عشرين سنة كاملة قضيتها بعيدا عن معرفة الله ..كتمت ضحكة كادت تخرج مني حين تذكرت كيف أنني لم أكن أؤمر بالطهارة ولا بالنظافة قبل الصلاة في الكنيسة..
أنهيت الغسل ولبست ملابسي.. أشعر أني أصبحت أنظر لكل شيء بمنظار جديد..منظار صاغه لي الإسلام أدرك به الأشياء على صورتها الحقيقية..بلا تزييف أو تزيين.. ولا شك أو ارتياب.. بل هو الحق واليقين..
أصبحت أحس بانسجام مع كل الأشياء الموجودة حولي وكأنها تردد معي لا إله إلا الله.. الآن سوف أصلي لله رب العالمين.. يا لها من نعمة!..
راجعت كيفية الوضوء والصلاة سريعا من أحد مواقع الإنترنت للمرة الثالثة.. لم أحفظ بعد سورة الفاتحة.. لكن لا بأس سوف أقرأها من ورقة صغيرة في الصلاة حتى أتمكن من حفظها..
كتبت في هذه الورقة أيضا صيغة التشهد وسورتين قصيرتين من آخر المصحف هما سورتا الإخلاص والناس.. ولكن كيف أحدد اتجاه القبلة؟
لم يخطر هذا الأمر ببالي من قبل.. تذكرت بسرعة الاتجاه الذي تشرق منه الشمس وبمعرفة أن موقع مكة بالنسبة للبلد الذي أعيش فيه يقع في الجنوب الشرقي علمت اتجاه القبلة.. الحمد لله..
سوف أحاول التأكد عندما أمر بجوار المسجد مرة أخرى.
الآن سوف أصلي أول صلاة في حياتي، ما أجمله من شعور أن تقبل على الله بالصلاة في الوقت الذي تريد بدون الحاجة إلى قسيس أو بقية الطاقم !!
كم أشفق على المسيحيين أنهم لا يستطيعون الصلاة بمفردهم !
من الآن سأصبح على صلة بالله خمس مرات في اليوم، بل في كل لحظة من لحظات اليوم، بالاستغفار والتسبيح والدعاء والتفكير والتأمل ..
أحقا سوف أقف أمام الله رب العالمين أناجيه وأدعوه .. يا له من موقف !!
لأول مرة في حياتي أشعر بهيبة العبادة برغم أني أصلي في غرفتي المتواضعة وليس في الكنيسة بكل زخارفها وطقوسها الغامضة !!
تأكدت مرة أخرى أن باب الغرفة مغلق حتى لا تدخل أمي أو أختي فترياني وأنا أصلي.. استقبلت القبلة .. وقبل أن أرفع يدي للتكبير وقع نظري على صليب خشبي صغير موضوع على المكتب كانت أمي أمرتني بالاحتفاظ به لكي يحفظني !!
يا إلهي كيف كنت سأصلي وهذا الوثن أمامي.. بالرغم أن أمي متعلمة ومثقفة إلا أنها وللأسف تعتقد مثل أكثر المسيحيين أن هذا الصليب ينفع ويضر.. هل بعد هذا وثنية وشرك ؟؟
تناولت الصليب كي أخفيه في أحد أدراج المكتب لكني بعد أن أمسكته انتابتني رغبة شديدة في أن أفرغ كل ما تراكم في نفسي من غيظ على المسيحية في هذا الصليب.. أمسكته من ذراعيه بكلتا يدي وضغطت عليه بقوة و..
وكسرت الصليب.
ملحوظة: تم الاستعانة بأقوال وقصص حقيقية لأناس أسلموا في كتابة هذه القصة فجزاهم الله خيرا
كتبها / طارق أبو عبد الله
خاص بإذاعة طريق الإسلام
منقول