horizon
2010-08-26, 11:28 PM
فى ذكرى حرب أكتوبر ولأنها بدأت يوم العاشر من رمضان وهذه الذكرى السابعة والثلاثون فهذا بعض مما قاله العدو وقادته خصوصا عنها
رفضت إسرائيل الاعتراف بالهزيمة فى حرب السادس من أكتوبر عام 73.. ولجأ قادتها إلى تحاشى استخدام تعبير الهزيمة واستبدلوه بتعبيرات أخرى مثل الزلزال.. الصدمة.. لكن التعبير الشائع استخدامه بينهم فى الخطاب السياسى وحتى الآن هو «المحدال».. والذى يعنى التقصير.. وكان «المحدال» عنوان أول كتاب يصدر بقلم من شاركوا فى الحرب بعد الهزيمة.
كتاب «المحدال» أو التقصير اشترك فى تأليفه سبعة من الصحفيين شاركوا فى الحرب وهم «إيتان هابر» و«أورى دان» و«يشعيا هوبن بورات» و«يهوناثان جافن» و«حزاى كرمل» و«أيلى لاندو» و«أيلى تابور»، وفى مقدمة الكتاب يقول المؤلفون: عدنا من الحرب فوجدنا أنفسنا جزءاً من شعب حزين مصدوم تحيره التساؤلات، وكان ما جمع بيننا هو الاعتراف المشترك بأنه من المستحيل تجاوز ما حدث، ومن المستحيل إخفاء الحقيقة، ويرجع المؤلفون التقصير فى الحرب إلى ثلاثة عوامل رئيسية يصفونها بأنها أخطاء مأساوية وهى:خطأ المخابرات الإسرائيلية وعجزها عن تجميع واستخلاص النتائج، وخطأ القيادة العليا للجيش التى تردت فى مصيدة الخداع العربية، ثم خطأ الحكومة الإسرائيلية.
تحصن بالجبال
صباح الأحد 7 أكتوبر 73 صدرت الصحف بأول عناوين رئيسية فى القدس وتل أبيب.. فى صحيفة «هآرتس» العنوان الرئيسى (الجيش الإسرائيلى يصد التوغل فى سيناء وعلى وشك الانتقال للهجوم المضاد)، وصحيفة «دافار» (الجيش الإسرائيلى يصد التوغل فى سيناء مساء أمس أول أيام الحرب)، وجولدا مائير رئيسة الوزراء ملأت بوجهها شاشة التليفزيون الإسرائيلى وقالت بثقة:إن الجيش الإسرائيلى مستعد، وأننا لم نفاجأ، وظهر خلفها وزير الحرب «موشيه ديان» يقول:سنضربهم ضرباً مبرحاً.
وفى سيناء شبكات الاتصال متصلة بمكبرات صوت، ومنتشرة فى كافة الوحدات بالجيش الإسرائيلى، وضابط فى موقع القيادة الأمامى يصرخ فى اللاسلكى:(الوضع ميئوس منه.. الوضع ميئوس منه)، والجنرال «إبراهام مندلر» قائد القوات المدرعة الإسرائيلية فى سيناء تنهار كلماته فى اللاسلكى مطالبا رئاسة الأركان بمساعدة جوية، ويصرخ:(إذا لم ترسلوا الطيران سوف يسقط القطاعان الجنوبى والأوسط، الآن تتدفق علينا 200 دبابة مصرية على الأقل فى القطاعين بالوسط والجنوب، والطيران سيوقف العبور المصرى)، وكانت آخر كلمات الجنرال «مندلر» قبل موته:(إن أصعب ما فى هذه الحرب بالنسبة لى هو زيادة عدد القتلى من جنودى).
بعد ثلاثة أيام الجنرال «مندلر» فى دبابة القيادة فى القطاع الأوسط، والجنرال «شموئيل جونين» قائد جبهة سيناء فى طائرته الهليكوبتر يراقب سير القتال، ويتصل «جونين» بـ «مندلر» ويسأله أن يحدد بالضبط مكانه، لأنه يود أن يلتقى به.. ويحدد «مندلر» مكانه بدقة شديدة.. وبعد دقيقة واحدة يصيبه صاروخ «ساجر» إصابة مباشرة.. ويفقد «مندلر» حياته.
ظهر يوم الأحد ثانى أيام القتال يصل الجنرال «ديان» إلى مقر القيادة على مسافة 30 كيلومترا شرق القناة فى زيارة خاطفة.. وتتوالى البلاغات اليائسة على مقر القيادة، ويهمس ديان لجونين: يبدو أن علينا أن نخلى خط التحصينات «خط بارليف»، ونتحصن على سفوح الجبال إلى عمق 20 أو 30 كيلومترا، لا يهم.. وإذا لم ننجح فى إيقاف المصريين عند خط الجبال لا بد أن ننسحب إلى عمق أكبر. ويعود ديان إلى جولدا مائير بحصيلة أول يوم من أيام الحرب، 500 قتيل، ألف جريح، والمئات من الأسرى.
أعظم تهديد
فى كتابها «قصة حياتى» تعترف «جولدا مائير» رئيسة وزراء إسرائيل أثناء الحرب بأنه لا شىء أقسى على نفسها من كتابة ما حدث فى حرب أكتوبر 73، وتقول:(لم يكن ذلك حدثا عسكريا رهيبا فقط، وإنما مأساة عاشت وستعيش معى حتى الموت، فقد وجدت نفسى فجأة أمام أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ إنشائها، ولم تكن الصدمة فقط فى الطريقة التى كانوا يحاربوننا بها، ولكن أيضاً لأن عددا من المعتقدات الأساسية التى آمنا بها قد انهارت، فلقد آمنا باستحالة وقوع حرب فى شهر أكتوبر، وآمنا بأننا سوف نتلقى إنذارا مبكرا لكل تحركات المصريين والسوريين قبل نشوب الحرب، ثم إيماننا المطلق بقدرتنا على منع المصريين من عبور قناة السويس، إننى استعيد هذه الأيام، إنه شىء لا يمكن وصفه، يكفى أننى لم أستطع البكاء، وكنت أمشى معظم الوقت فى مكتبى، وأحيانا أذهب إلى غرفة العمليات. وكانت هناك اجتماعات متواصلة وتليفونات من الولايات المتحدة الأمريكية وأخبار مروعة من الجبهة وخسائرنا تمزق قلبى.
وتعترف جولدا مائير أنها لم تكن قادرة على البكاء حتى وهى وحدها فى مكتبها، وأنها كانت تتصل بسفيرها فى واشنطن «دينتز» فى كل ساعة من النهار والليل متسائلة: أين المساعدات الأمريكية العسكرية؟ وأين الجسر الجوى؟ وتصف كيف غضبت على سفيرها فى واشنطن حين طلبت منه فى الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل أن يتصل بالدكتور هنرى كيسنجر وبلهجة غاضبة قالت له:(أنا لا يهمنى ما هو الوقت الآن، اتصل بكيسنجر فورا، نحن نريد المعونة اليوم، لأن الغد سيكون متأخرا جدا)، وختمت بقولها:(إن ساعة واحدة من التأخير كانت عندى أطول من قرن بكامله).
الجسر الجوى
واستجابت أمريكا.. ففى الأسبوع الأول من القتال بدأت الولايات المتحدة بصورة علنية ورسمية فى شحن المعدات والأسلحة الأمريكية، جسر جوى من قواعد أمريكية فى الولايات المتحدة وألمانيا الغربية، وراحت أعداد كبيرة من طائرات النقل الأمريكية العملاقة من طراز «كلاكسى سى - 5» وأمثالها تحط فى المطارات الإسرائيلية، وفى صباح الثالث عشر من أكتوبر أى بعد أسبوع من بدء القتال بلغ ما شحنته أمريكا فى ذلك اليوم وحده حوالى 800 طن من المواد الحربية، هذا عدا الطائرات «الفانتوم»، وطائرات «سكاى هوك» التى كان يجرى تحويلها رأسا من قواعدها فى الولايات المتحدة.
وتقول جولدا مائير وهى تصف مشاعرها إزاء هذا العون العسكرى الأمريكى الضخم: حين علمت أن الطائرات الأمريكية وصلت مطار «اللد» بكيت لأول مرة، ولم تكن آخر مرة، فقد كانت الطائرات الأمريكية تصل لإسرائيل بمعدل طائرة واحدة كل خمس عشرة دقيقة.
ويقول «زئيف شيف» عميد المحللين العسكريين فى إسرائيل فى كتابه «زلزال حرب أكتوبر» عن الجسر الجوى الأمريكى:(فى الأيام الأولى من الحرب كانت طائرات «العال» الإسرائيلية هى التى تتولى مهمة نقل الأسلحة والمعدات الحربية الأمريكية من مخازن الجيش الأمريكى رأسا إلى إسرائيل)، وحسب تعبير «زئيف شيف» كانت الطائرات محملة بالمعدات الحربية حتى السقف.
ثمن باهظ
ويضيف «زئيف شيف».. فى الساعة السادسة والنصف من مساء 14 أكتوبر هبطت فى مطار «اللد» الطائرة الأمريكية «جلاكسى سى - 5» وبإمكانها أن تحمل 120 طنا لمسافة 5500 كيلومتر، وظل الجسر الجوى يعمل ليل نهار، وفى ذلك اليوم هبطت 25 طائرة «جلاكسى» وكانت الطائرات الإسرائيلية تستقبلها على بعد 120 ميلا من السواحل الإسرائيلية وترافقها حتى مطار «اللد» ووصلت جولدا مائير فى ذلك اليوم إلى مطار «اللد» وقابلت الطيارين الأمريكان، وسألتهم عما يريدون فقالوا إنهم يريدون زيارة مدينة القدس وكان لهم ما طلبوه.
ويضيف «شيف» فى فصل آخر من الكتاب بقوله: إن حرب أكتوبر كانت اول حرب للجيش الإسرائيلى يعالج فيها الأطباء آلاف الجنود المصابين بصدمة القتال ويحتاجون إلى علاج نفسى طويل هناك من نسوا أسماءهم، لقد أذهل إسرائيل نجاح العرب فى المفاجأة فى حرب يوم «الغفران»، وفى تحقيق نجاحات عسكرية، لقد أثبتت هذه الحرب أن على إسرائيل أن تعيد تقدير المحارب العربى، فقد دفعت إسرائيل هذه المرة ثمنا باهظا جدا، لقد ضرب زلزال حرب أكتوبر إسرائيل من القاعدة إلى القمة، وبدلا من الثقة الزائدة جاءت الشكوك وطفت على السطح التساؤلات: هل نعيش على دمارنا إلى الأبد؟ وهل هناك احتمال للصمود فى حروب أخرى؟
لمن قرار الحرب؟
بعد أكثر من عشرين عاما على صدور تقرير لجنة «اجرانات» أصدر «إيلى زعيرا» رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية زمن الحرب كتابه بعنوان «الأسطورة أمام الواقع»، وفى مذكراته هذه يقول:(إن الأول من أكتوبر من العام 73 كان هو اليوم الذى عين فيه رئيسا لشعبة المخابرات فى الجيش، وبعده بأيام نشبت الحرب، وبعدها بعدة شهور أوصت لجنة التحقيق الحكومية برئاسة رئيس المحكمة العليا الدكتور «شمعون أجرانات» بنقل رئيس هيئة الأركان الفريق «ديفيد اليعازر» وقائد المنطقة الجنوبية اللواء «شموئيل جونين»، ورئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء «إيلى زعيرا»، ومساعد رئيس شعبة المخابرات العسكرية للبحوث العميد «آرييه شاليف» من مناصبهم.
ولقد برأت تلك اللجنة من أى تهمة ومن أى عقوبة ساحة كبار القيادة السياسية، رئيسة الوزراء «جولدا مائير»، ووزير الدفاع «موشيه ديان»، إلا أن الشعب رفض هذا الحكم الذى كانت تشوبه الكثير من الشوائب وأجبر الضغط الجماهيرى كلا من «جولدا مائير» و«موشيه ديان» على الاستقالة.
فى الكتاب يتهم المؤلف اللجنة بالبعد عن النزاهة ويدعى أنها برأت جولدا مائير وديان، وأنها لو كانت نزيهة لأمرت بإقالتهما من رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع، لأنهما يتحملان المسئولية السياسية عن الحرب، ويقول إن اللجنة تظهر الجيش والحكومة على أنهما تصرفا بشكل سليم، وأن شعبة المخابرات العسكرية هى صاحبة الخطأ الأساسى، لأنها لم تحذر من حرب مقدرة يجرى التحضير لتنفيذها، لذلك فإن الجيش لم يحاسب إلا فى شعبة الاستخبارات التابعة له، والحكومة كذلك، مع العلم أن القيادة السياسية هى التى تملك القرار بالحرب، وهى لم تتخذ قرارا كهذا فى حرب أكتوبر، إنما استخفت بالعرب، ويتهم «زعيرا» رئيسة الحكومة «جولدا مائير» بإخفاء معلومات مهمة للغاية عن لجنة التحقيق لو كانت وضعت على طاولتها لكانت نتائج التحقيق مختلفة، ويكشف أن ما أخفته هو اجتماعها المهم جدا مع زعيم عربى وصل إلى تل أبيب فى 25 سبتمبر من عام 73 بطائرة مروحية تابعة للجيش الإسرائيلى، وأخبرها عن الحرب بشكل مؤكد.
ويقتبس «زعيرا» من أقوال ذلك الزعيم حسبما سجل فى بروتوكول اللقاء فيكتب: (قال الزعيم العربى تلقينا معلومات من مصدر حساس جدا جدا فى سوريا، وكنا قد حصلنا على معلومات سابقة منه حول الاستعدادات والخطط، وهذه المرة ستكون جميع الوحدات مشاركة فى التدريبات باستثناء اللواء الثالث السورى، الذى سيكون جاهزا لصد هجوم إسرائيلى ممكن، جميع القوات يعنى الطائرات والمدرعات والصواريخ وهى كلها على أهبة الاستعداد الآن فى الجبهة). وتسأله جولدا مائير:(وهل يعقل أن يحارب السوريون دون مشاركة مصرية كاملة)، فيجيب:( لا أعتقد ذلك.. أعتقد أنهم يتعاونون).
انسحاب ديان
الجنرال «إسحاق حوفى» قائد اللواء الشمالى للجيش الإسرائيلى شارك مع عدد من ضباط الاحتياط فى تأليف كتاب «السوريون على الأسوار».. يقول فيه:(إن وزير الدفاع «موشيه ديان» كان قد أصيب بالصدمة من قوة الهجوم السورى فى هضبة الجولان.. وأنه فى اليوم الثانى للحرب أى فى 7 أكتوبر 73 تصرف بطريقة دلت على اليأس، حيث أمر بالاستعداد للانسحاب من الجولان، وبناء خط دفاعى على حدود خط الهدنة.
وجاء فى كتابه أن ديان شعر بأن وضع القوات الإسرائيلية سيئ للغاية على الجبهة السورية، وعندما زار بنفسه القيادة الشمالية فى الساعة الرابعة فجرا طلب من القيادة أن تستعد للانسحاب من هضبة الجولان، ويضيف حوفى أنه لم يوافق ولم يعترض على أقوال ديان، لأنها لم تكن بمثابة أوامر، بل إعلان رأى وربما نصيحة، وأنه أمر فعلا بإقامة خطوط دفاعية على الحدود القديمة - خطوط الهدنة عند مجرى نهر الأردن - والاستعداد لتدمير الجسور حتى لا يجتازها الجيش السورى نحو إسرائيل، وفى الوقت نفسه أمر بإعداد خط هجوم مضاد، وقد مرت حوالى ثلاث إلى أربع ساعات على هذا الموقف شعر ديان بأن وضع قواته بدأ يتحسن مع بدء تشغيل الجسر الجوى الأمريكى، فأحدث انعطافا حادا فى موقفه فأمر عندها بقصف العاصمة السورية دمشق، ونفذ سلاح الجو الإسرائيلى الأوامر بقصف مقر قيادة الجيش السورى فيها، ومقر قيادة سلاح الجو السورى، ثم أمر بقصف مطارى دمشق وحلب لكى يعرقل وصول الصواريخ المضادة للطائرات التى كان الاتحاد السوفيتى قد بدأ بنقلها فى قطار جوى مع أسلحة أخرى.
اعتراف بالهزيمة
فى أكتوبر 2003 بمناسبة مرور 30 عاما على حرب يوم الغفران نشرت الصحف العبرية وثائق جديدة عن حرب أكتوبر، وبادر بنشرها «عمير بورات» أحد ضباط الاتصال الذى عمل إلى جانب الجنرال «شموئيل جونين» قائد اللواء الجنوبى فى سيناء والوثائق عبارة عن تسجيلات صوتية للمحادثات التى جرت بين القادة بدءا من وزير الدفاع ديان إلى رئيس الأركان اليعازر وحتى الضباط الميدانيين، وكان هدفه من النشر تبرئة ساحة قائده جونين الذى خلع من منصبه وحُمل مسئولية ملف الهزيمة، وأهم ما جاء فى التسجيلات ما يلى:
الساعة 14.05: المصريون بدأوا عملية قصف واسعة دبابات مصرية تتقدم من الطرف الغربى للقناة والطائرات المصرية تقصف فى شرم الشيخ، غارات تضرب على مقربة من غرفة قيادة العمليات للواء الجنوبى، القوات المصرية بدأت تجتاز القناة فى المنطقة الجنوبية. معارك طاحنة تدور فى جميع المواقع. فى الشمال أعطبوا لنا 8 دبابات. الكثير من القتلى والجرحى.. نطلب دعما جويا.
7 أكتوبر الساعة السابعة و11 دقيقة صباحا: الوضع ليس جيدا نحتاج مساعدة جوية كبيرة جدا. المصريون أشعلوا النار فى مخازن الوقود. ليس لدينا وقود. المصريون يواصلون الهجوم الكاسح على جميع الجبهات. الجنود يخافون. لا يريدون الصعود إلى الدبابات.
الساعة 11.40: وزير الدفاع ديان يترك الجبهة الشمالية وينزل إلى الجنوب ويقول: لدينا مشكلتان كيف نوقف الهجوم المصرى؟ وكيف نوزع القوات على المواقع؟
جونين: عدد الجنود المصريين يدل على أن هذا هجوم ضخم.
ديان: ما أفهمه أن سلاح الجو قادر على صدهم ولكن يجب ألا نبنى على ذلك. المواقع التى يمكن المقاومة فيها علينا أن نقاوم. ولكن لا نبادر بالهجوم. يمكن التسلل نحوهم فى الليل. أما بالنسبة للجرحى فاتركوهم يقعوا فى الأسر. والجنود المعاقون ينسحبون بالتدريج وبشكل فردى ليلا. من الواضح أننا سنعطى الأفضلية لبلدات الشمال. فالسوريون قادرون على الوصول إلى طبرية. بينما سيناء ليست بذات الأهمية. 20 كيلومترا أقل أو أكثر تظل أهون من الشمال.
يوم 8 أكتوبر بعد الظهر: وحتى ظهر اليوم التالى يفشل صد الهجوم المصرى، إذ دارت معارك شديدة وقاسية انتهت بفشل إسرائيلى واضح فى تحقيق الهدف. وعلى أثر الفشل اجتمع ديان يوم الأربعاء 10 أكتوبر مع رؤساء تحرير الصحف العبرية اليومية، واعترف أمامهم بالفشل قائلاً: لا توجد لدينا الآن القوة الكافية لأن نقذف بالمصريين إلى ما وراء القناة إلا إذا خاطرنا بإنهاك قواتنا تماما، وأقول لكم وبصراحة لقد بات واضحا أمام العالم كله أننا لسنا أقوى من المصريين، وأخبرهم أنه ينوى قول هذه الكلمات أمام الملأ فى المساء على شاشة التليفزيون.
وذهل رؤساء التحرير وصدموا وقال رئيس تحرير هآرتس «جرشون شوكن» إذا كان ما قلته لنا الآن سيقال على شاشة التليفزيون فإن زلزالا سيضرب أذهان الشعب الإسرائيلى والشعب اليهودى كله وكذلك الشعب العربى.
واهتم احدهم بإبلاغ رئيسة الوزراء جولدا مائير فى حينه، فتتصل على الفور بديان وتأمره بإلغاء اللقاء مع التليفزيون، وتطلب من رؤساء التحرير ألا ينشروا أقوال ديان، وتأمر بفرض الرقابة العسكرية لمنع نشرها.
وحتى الآن مازالت المعلومات الهامة عن حرب أكتوبر العظيمة محجوبة عن الجمهور والباحثين الإسرائيليين، وتحجبها دائرة التاريخ فى الجيش الإسرائيلى على الرغم من وجود قرار بفتح ملفات الحرب بعد مضى ثلاثين عاما عليها.
وهذا مقطع من السجلات العسكرية الأسرائيلية من اليوتيوب ملىء بصور الأسرى الأسرائيليين
http://www.youtube.com/watch?v=YGSkryi7tOI
رفضت إسرائيل الاعتراف بالهزيمة فى حرب السادس من أكتوبر عام 73.. ولجأ قادتها إلى تحاشى استخدام تعبير الهزيمة واستبدلوه بتعبيرات أخرى مثل الزلزال.. الصدمة.. لكن التعبير الشائع استخدامه بينهم فى الخطاب السياسى وحتى الآن هو «المحدال».. والذى يعنى التقصير.. وكان «المحدال» عنوان أول كتاب يصدر بقلم من شاركوا فى الحرب بعد الهزيمة.
كتاب «المحدال» أو التقصير اشترك فى تأليفه سبعة من الصحفيين شاركوا فى الحرب وهم «إيتان هابر» و«أورى دان» و«يشعيا هوبن بورات» و«يهوناثان جافن» و«حزاى كرمل» و«أيلى لاندو» و«أيلى تابور»، وفى مقدمة الكتاب يقول المؤلفون: عدنا من الحرب فوجدنا أنفسنا جزءاً من شعب حزين مصدوم تحيره التساؤلات، وكان ما جمع بيننا هو الاعتراف المشترك بأنه من المستحيل تجاوز ما حدث، ومن المستحيل إخفاء الحقيقة، ويرجع المؤلفون التقصير فى الحرب إلى ثلاثة عوامل رئيسية يصفونها بأنها أخطاء مأساوية وهى:خطأ المخابرات الإسرائيلية وعجزها عن تجميع واستخلاص النتائج، وخطأ القيادة العليا للجيش التى تردت فى مصيدة الخداع العربية، ثم خطأ الحكومة الإسرائيلية.
تحصن بالجبال
صباح الأحد 7 أكتوبر 73 صدرت الصحف بأول عناوين رئيسية فى القدس وتل أبيب.. فى صحيفة «هآرتس» العنوان الرئيسى (الجيش الإسرائيلى يصد التوغل فى سيناء وعلى وشك الانتقال للهجوم المضاد)، وصحيفة «دافار» (الجيش الإسرائيلى يصد التوغل فى سيناء مساء أمس أول أيام الحرب)، وجولدا مائير رئيسة الوزراء ملأت بوجهها شاشة التليفزيون الإسرائيلى وقالت بثقة:إن الجيش الإسرائيلى مستعد، وأننا لم نفاجأ، وظهر خلفها وزير الحرب «موشيه ديان» يقول:سنضربهم ضرباً مبرحاً.
وفى سيناء شبكات الاتصال متصلة بمكبرات صوت، ومنتشرة فى كافة الوحدات بالجيش الإسرائيلى، وضابط فى موقع القيادة الأمامى يصرخ فى اللاسلكى:(الوضع ميئوس منه.. الوضع ميئوس منه)، والجنرال «إبراهام مندلر» قائد القوات المدرعة الإسرائيلية فى سيناء تنهار كلماته فى اللاسلكى مطالبا رئاسة الأركان بمساعدة جوية، ويصرخ:(إذا لم ترسلوا الطيران سوف يسقط القطاعان الجنوبى والأوسط، الآن تتدفق علينا 200 دبابة مصرية على الأقل فى القطاعين بالوسط والجنوب، والطيران سيوقف العبور المصرى)، وكانت آخر كلمات الجنرال «مندلر» قبل موته:(إن أصعب ما فى هذه الحرب بالنسبة لى هو زيادة عدد القتلى من جنودى).
بعد ثلاثة أيام الجنرال «مندلر» فى دبابة القيادة فى القطاع الأوسط، والجنرال «شموئيل جونين» قائد جبهة سيناء فى طائرته الهليكوبتر يراقب سير القتال، ويتصل «جونين» بـ «مندلر» ويسأله أن يحدد بالضبط مكانه، لأنه يود أن يلتقى به.. ويحدد «مندلر» مكانه بدقة شديدة.. وبعد دقيقة واحدة يصيبه صاروخ «ساجر» إصابة مباشرة.. ويفقد «مندلر» حياته.
ظهر يوم الأحد ثانى أيام القتال يصل الجنرال «ديان» إلى مقر القيادة على مسافة 30 كيلومترا شرق القناة فى زيارة خاطفة.. وتتوالى البلاغات اليائسة على مقر القيادة، ويهمس ديان لجونين: يبدو أن علينا أن نخلى خط التحصينات «خط بارليف»، ونتحصن على سفوح الجبال إلى عمق 20 أو 30 كيلومترا، لا يهم.. وإذا لم ننجح فى إيقاف المصريين عند خط الجبال لا بد أن ننسحب إلى عمق أكبر. ويعود ديان إلى جولدا مائير بحصيلة أول يوم من أيام الحرب، 500 قتيل، ألف جريح، والمئات من الأسرى.
أعظم تهديد
فى كتابها «قصة حياتى» تعترف «جولدا مائير» رئيسة وزراء إسرائيل أثناء الحرب بأنه لا شىء أقسى على نفسها من كتابة ما حدث فى حرب أكتوبر 73، وتقول:(لم يكن ذلك حدثا عسكريا رهيبا فقط، وإنما مأساة عاشت وستعيش معى حتى الموت، فقد وجدت نفسى فجأة أمام أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ إنشائها، ولم تكن الصدمة فقط فى الطريقة التى كانوا يحاربوننا بها، ولكن أيضاً لأن عددا من المعتقدات الأساسية التى آمنا بها قد انهارت، فلقد آمنا باستحالة وقوع حرب فى شهر أكتوبر، وآمنا بأننا سوف نتلقى إنذارا مبكرا لكل تحركات المصريين والسوريين قبل نشوب الحرب، ثم إيماننا المطلق بقدرتنا على منع المصريين من عبور قناة السويس، إننى استعيد هذه الأيام، إنه شىء لا يمكن وصفه، يكفى أننى لم أستطع البكاء، وكنت أمشى معظم الوقت فى مكتبى، وأحيانا أذهب إلى غرفة العمليات. وكانت هناك اجتماعات متواصلة وتليفونات من الولايات المتحدة الأمريكية وأخبار مروعة من الجبهة وخسائرنا تمزق قلبى.
وتعترف جولدا مائير أنها لم تكن قادرة على البكاء حتى وهى وحدها فى مكتبها، وأنها كانت تتصل بسفيرها فى واشنطن «دينتز» فى كل ساعة من النهار والليل متسائلة: أين المساعدات الأمريكية العسكرية؟ وأين الجسر الجوى؟ وتصف كيف غضبت على سفيرها فى واشنطن حين طلبت منه فى الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل أن يتصل بالدكتور هنرى كيسنجر وبلهجة غاضبة قالت له:(أنا لا يهمنى ما هو الوقت الآن، اتصل بكيسنجر فورا، نحن نريد المعونة اليوم، لأن الغد سيكون متأخرا جدا)، وختمت بقولها:(إن ساعة واحدة من التأخير كانت عندى أطول من قرن بكامله).
الجسر الجوى
واستجابت أمريكا.. ففى الأسبوع الأول من القتال بدأت الولايات المتحدة بصورة علنية ورسمية فى شحن المعدات والأسلحة الأمريكية، جسر جوى من قواعد أمريكية فى الولايات المتحدة وألمانيا الغربية، وراحت أعداد كبيرة من طائرات النقل الأمريكية العملاقة من طراز «كلاكسى سى - 5» وأمثالها تحط فى المطارات الإسرائيلية، وفى صباح الثالث عشر من أكتوبر أى بعد أسبوع من بدء القتال بلغ ما شحنته أمريكا فى ذلك اليوم وحده حوالى 800 طن من المواد الحربية، هذا عدا الطائرات «الفانتوم»، وطائرات «سكاى هوك» التى كان يجرى تحويلها رأسا من قواعدها فى الولايات المتحدة.
وتقول جولدا مائير وهى تصف مشاعرها إزاء هذا العون العسكرى الأمريكى الضخم: حين علمت أن الطائرات الأمريكية وصلت مطار «اللد» بكيت لأول مرة، ولم تكن آخر مرة، فقد كانت الطائرات الأمريكية تصل لإسرائيل بمعدل طائرة واحدة كل خمس عشرة دقيقة.
ويقول «زئيف شيف» عميد المحللين العسكريين فى إسرائيل فى كتابه «زلزال حرب أكتوبر» عن الجسر الجوى الأمريكى:(فى الأيام الأولى من الحرب كانت طائرات «العال» الإسرائيلية هى التى تتولى مهمة نقل الأسلحة والمعدات الحربية الأمريكية من مخازن الجيش الأمريكى رأسا إلى إسرائيل)، وحسب تعبير «زئيف شيف» كانت الطائرات محملة بالمعدات الحربية حتى السقف.
ثمن باهظ
ويضيف «زئيف شيف».. فى الساعة السادسة والنصف من مساء 14 أكتوبر هبطت فى مطار «اللد» الطائرة الأمريكية «جلاكسى سى - 5» وبإمكانها أن تحمل 120 طنا لمسافة 5500 كيلومتر، وظل الجسر الجوى يعمل ليل نهار، وفى ذلك اليوم هبطت 25 طائرة «جلاكسى» وكانت الطائرات الإسرائيلية تستقبلها على بعد 120 ميلا من السواحل الإسرائيلية وترافقها حتى مطار «اللد» ووصلت جولدا مائير فى ذلك اليوم إلى مطار «اللد» وقابلت الطيارين الأمريكان، وسألتهم عما يريدون فقالوا إنهم يريدون زيارة مدينة القدس وكان لهم ما طلبوه.
ويضيف «شيف» فى فصل آخر من الكتاب بقوله: إن حرب أكتوبر كانت اول حرب للجيش الإسرائيلى يعالج فيها الأطباء آلاف الجنود المصابين بصدمة القتال ويحتاجون إلى علاج نفسى طويل هناك من نسوا أسماءهم، لقد أذهل إسرائيل نجاح العرب فى المفاجأة فى حرب يوم «الغفران»، وفى تحقيق نجاحات عسكرية، لقد أثبتت هذه الحرب أن على إسرائيل أن تعيد تقدير المحارب العربى، فقد دفعت إسرائيل هذه المرة ثمنا باهظا جدا، لقد ضرب زلزال حرب أكتوبر إسرائيل من القاعدة إلى القمة، وبدلا من الثقة الزائدة جاءت الشكوك وطفت على السطح التساؤلات: هل نعيش على دمارنا إلى الأبد؟ وهل هناك احتمال للصمود فى حروب أخرى؟
لمن قرار الحرب؟
بعد أكثر من عشرين عاما على صدور تقرير لجنة «اجرانات» أصدر «إيلى زعيرا» رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية زمن الحرب كتابه بعنوان «الأسطورة أمام الواقع»، وفى مذكراته هذه يقول:(إن الأول من أكتوبر من العام 73 كان هو اليوم الذى عين فيه رئيسا لشعبة المخابرات فى الجيش، وبعده بأيام نشبت الحرب، وبعدها بعدة شهور أوصت لجنة التحقيق الحكومية برئاسة رئيس المحكمة العليا الدكتور «شمعون أجرانات» بنقل رئيس هيئة الأركان الفريق «ديفيد اليعازر» وقائد المنطقة الجنوبية اللواء «شموئيل جونين»، ورئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء «إيلى زعيرا»، ومساعد رئيس شعبة المخابرات العسكرية للبحوث العميد «آرييه شاليف» من مناصبهم.
ولقد برأت تلك اللجنة من أى تهمة ومن أى عقوبة ساحة كبار القيادة السياسية، رئيسة الوزراء «جولدا مائير»، ووزير الدفاع «موشيه ديان»، إلا أن الشعب رفض هذا الحكم الذى كانت تشوبه الكثير من الشوائب وأجبر الضغط الجماهيرى كلا من «جولدا مائير» و«موشيه ديان» على الاستقالة.
فى الكتاب يتهم المؤلف اللجنة بالبعد عن النزاهة ويدعى أنها برأت جولدا مائير وديان، وأنها لو كانت نزيهة لأمرت بإقالتهما من رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع، لأنهما يتحملان المسئولية السياسية عن الحرب، ويقول إن اللجنة تظهر الجيش والحكومة على أنهما تصرفا بشكل سليم، وأن شعبة المخابرات العسكرية هى صاحبة الخطأ الأساسى، لأنها لم تحذر من حرب مقدرة يجرى التحضير لتنفيذها، لذلك فإن الجيش لم يحاسب إلا فى شعبة الاستخبارات التابعة له، والحكومة كذلك، مع العلم أن القيادة السياسية هى التى تملك القرار بالحرب، وهى لم تتخذ قرارا كهذا فى حرب أكتوبر، إنما استخفت بالعرب، ويتهم «زعيرا» رئيسة الحكومة «جولدا مائير» بإخفاء معلومات مهمة للغاية عن لجنة التحقيق لو كانت وضعت على طاولتها لكانت نتائج التحقيق مختلفة، ويكشف أن ما أخفته هو اجتماعها المهم جدا مع زعيم عربى وصل إلى تل أبيب فى 25 سبتمبر من عام 73 بطائرة مروحية تابعة للجيش الإسرائيلى، وأخبرها عن الحرب بشكل مؤكد.
ويقتبس «زعيرا» من أقوال ذلك الزعيم حسبما سجل فى بروتوكول اللقاء فيكتب: (قال الزعيم العربى تلقينا معلومات من مصدر حساس جدا جدا فى سوريا، وكنا قد حصلنا على معلومات سابقة منه حول الاستعدادات والخطط، وهذه المرة ستكون جميع الوحدات مشاركة فى التدريبات باستثناء اللواء الثالث السورى، الذى سيكون جاهزا لصد هجوم إسرائيلى ممكن، جميع القوات يعنى الطائرات والمدرعات والصواريخ وهى كلها على أهبة الاستعداد الآن فى الجبهة). وتسأله جولدا مائير:(وهل يعقل أن يحارب السوريون دون مشاركة مصرية كاملة)، فيجيب:( لا أعتقد ذلك.. أعتقد أنهم يتعاونون).
انسحاب ديان
الجنرال «إسحاق حوفى» قائد اللواء الشمالى للجيش الإسرائيلى شارك مع عدد من ضباط الاحتياط فى تأليف كتاب «السوريون على الأسوار».. يقول فيه:(إن وزير الدفاع «موشيه ديان» كان قد أصيب بالصدمة من قوة الهجوم السورى فى هضبة الجولان.. وأنه فى اليوم الثانى للحرب أى فى 7 أكتوبر 73 تصرف بطريقة دلت على اليأس، حيث أمر بالاستعداد للانسحاب من الجولان، وبناء خط دفاعى على حدود خط الهدنة.
وجاء فى كتابه أن ديان شعر بأن وضع القوات الإسرائيلية سيئ للغاية على الجبهة السورية، وعندما زار بنفسه القيادة الشمالية فى الساعة الرابعة فجرا طلب من القيادة أن تستعد للانسحاب من هضبة الجولان، ويضيف حوفى أنه لم يوافق ولم يعترض على أقوال ديان، لأنها لم تكن بمثابة أوامر، بل إعلان رأى وربما نصيحة، وأنه أمر فعلا بإقامة خطوط دفاعية على الحدود القديمة - خطوط الهدنة عند مجرى نهر الأردن - والاستعداد لتدمير الجسور حتى لا يجتازها الجيش السورى نحو إسرائيل، وفى الوقت نفسه أمر بإعداد خط هجوم مضاد، وقد مرت حوالى ثلاث إلى أربع ساعات على هذا الموقف شعر ديان بأن وضع قواته بدأ يتحسن مع بدء تشغيل الجسر الجوى الأمريكى، فأحدث انعطافا حادا فى موقفه فأمر عندها بقصف العاصمة السورية دمشق، ونفذ سلاح الجو الإسرائيلى الأوامر بقصف مقر قيادة الجيش السورى فيها، ومقر قيادة سلاح الجو السورى، ثم أمر بقصف مطارى دمشق وحلب لكى يعرقل وصول الصواريخ المضادة للطائرات التى كان الاتحاد السوفيتى قد بدأ بنقلها فى قطار جوى مع أسلحة أخرى.
اعتراف بالهزيمة
فى أكتوبر 2003 بمناسبة مرور 30 عاما على حرب يوم الغفران نشرت الصحف العبرية وثائق جديدة عن حرب أكتوبر، وبادر بنشرها «عمير بورات» أحد ضباط الاتصال الذى عمل إلى جانب الجنرال «شموئيل جونين» قائد اللواء الجنوبى فى سيناء والوثائق عبارة عن تسجيلات صوتية للمحادثات التى جرت بين القادة بدءا من وزير الدفاع ديان إلى رئيس الأركان اليعازر وحتى الضباط الميدانيين، وكان هدفه من النشر تبرئة ساحة قائده جونين الذى خلع من منصبه وحُمل مسئولية ملف الهزيمة، وأهم ما جاء فى التسجيلات ما يلى:
الساعة 14.05: المصريون بدأوا عملية قصف واسعة دبابات مصرية تتقدم من الطرف الغربى للقناة والطائرات المصرية تقصف فى شرم الشيخ، غارات تضرب على مقربة من غرفة قيادة العمليات للواء الجنوبى، القوات المصرية بدأت تجتاز القناة فى المنطقة الجنوبية. معارك طاحنة تدور فى جميع المواقع. فى الشمال أعطبوا لنا 8 دبابات. الكثير من القتلى والجرحى.. نطلب دعما جويا.
7 أكتوبر الساعة السابعة و11 دقيقة صباحا: الوضع ليس جيدا نحتاج مساعدة جوية كبيرة جدا. المصريون أشعلوا النار فى مخازن الوقود. ليس لدينا وقود. المصريون يواصلون الهجوم الكاسح على جميع الجبهات. الجنود يخافون. لا يريدون الصعود إلى الدبابات.
الساعة 11.40: وزير الدفاع ديان يترك الجبهة الشمالية وينزل إلى الجنوب ويقول: لدينا مشكلتان كيف نوقف الهجوم المصرى؟ وكيف نوزع القوات على المواقع؟
جونين: عدد الجنود المصريين يدل على أن هذا هجوم ضخم.
ديان: ما أفهمه أن سلاح الجو قادر على صدهم ولكن يجب ألا نبنى على ذلك. المواقع التى يمكن المقاومة فيها علينا أن نقاوم. ولكن لا نبادر بالهجوم. يمكن التسلل نحوهم فى الليل. أما بالنسبة للجرحى فاتركوهم يقعوا فى الأسر. والجنود المعاقون ينسحبون بالتدريج وبشكل فردى ليلا. من الواضح أننا سنعطى الأفضلية لبلدات الشمال. فالسوريون قادرون على الوصول إلى طبرية. بينما سيناء ليست بذات الأهمية. 20 كيلومترا أقل أو أكثر تظل أهون من الشمال.
يوم 8 أكتوبر بعد الظهر: وحتى ظهر اليوم التالى يفشل صد الهجوم المصرى، إذ دارت معارك شديدة وقاسية انتهت بفشل إسرائيلى واضح فى تحقيق الهدف. وعلى أثر الفشل اجتمع ديان يوم الأربعاء 10 أكتوبر مع رؤساء تحرير الصحف العبرية اليومية، واعترف أمامهم بالفشل قائلاً: لا توجد لدينا الآن القوة الكافية لأن نقذف بالمصريين إلى ما وراء القناة إلا إذا خاطرنا بإنهاك قواتنا تماما، وأقول لكم وبصراحة لقد بات واضحا أمام العالم كله أننا لسنا أقوى من المصريين، وأخبرهم أنه ينوى قول هذه الكلمات أمام الملأ فى المساء على شاشة التليفزيون.
وذهل رؤساء التحرير وصدموا وقال رئيس تحرير هآرتس «جرشون شوكن» إذا كان ما قلته لنا الآن سيقال على شاشة التليفزيون فإن زلزالا سيضرب أذهان الشعب الإسرائيلى والشعب اليهودى كله وكذلك الشعب العربى.
واهتم احدهم بإبلاغ رئيسة الوزراء جولدا مائير فى حينه، فتتصل على الفور بديان وتأمره بإلغاء اللقاء مع التليفزيون، وتطلب من رؤساء التحرير ألا ينشروا أقوال ديان، وتأمر بفرض الرقابة العسكرية لمنع نشرها.
وحتى الآن مازالت المعلومات الهامة عن حرب أكتوبر العظيمة محجوبة عن الجمهور والباحثين الإسرائيليين، وتحجبها دائرة التاريخ فى الجيش الإسرائيلى على الرغم من وجود قرار بفتح ملفات الحرب بعد مضى ثلاثين عاما عليها.
وهذا مقطع من السجلات العسكرية الأسرائيلية من اليوتيوب ملىء بصور الأسرى الأسرائيليين
http://www.youtube.com/watch?v=YGSkryi7tOI