Ahmed_Negm
2010-09-24, 10:13 PM
http://pulpit.#######voice.com/templates/images/logo.gif
كتب النصارى المقدسة بقلم: د. سامي محمود
تاريخ النشر : 2010-09-24
العهد الجديد :
في الواقع لم تكن كتب المسيحية بأسعدَ حالاً من الكتب اليهودية ، فقد كانت الظروف التي مرت بالنصارى أسوأ ظروفٍ مرت بدين ... واجتمعت عليهم عوامل أفسدت عليهم دينهم وبدلته من دين سماوي الى دين وضعي ، نَبتَ وغُذِّي بأفكار بشرية .. وثنية ..
ويرى علماء مقارنة الأديان ، أن أهم العوامل التي انحرفت بهذا الدين ، وبدلته من دين سماوي إلى وثني ، ثلاثة عوامل ، وهي :
1- الاضطهادات التي نزلت بالمسيحيين مدة تجاوزت الثلاثمائة عام ، فأدت إلى ضياع الإنجبل الصحيح .
2- الوثنيات التي كانت تملأ العالم في ذلك الوقت ، والتي كان يمكن أن يقلَّ أو ينعدم تأثيرها لو كان هناك الإنجيل الصحيح .
3 – أهواء رجال الدين الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم ..
وكتاب النصارى المقدس لدى النصارى يشمل التوراة والإنجيل .. ورسائل الرسل ..وتسمى التوراة – الأسفار الموسوية وغيرها – كتب العهد القديم ، وتسمى الأناجيل ، ورسائل الرسل : بـ العهد الجديد ..
وأهم كتب العهد الجديد هي :
1- إنجيل متى .
2- إنجيل مرقس .
3- إنجيل يوحنا .
4- إنجيل لوقا .
والإنجيل كلمة يونانية تعني الخبر الطيب (البشارة)، ( ).
والإنجيل عند المسلمين: هو الكتاب الذي أنزلـه الله تعالى على عيسى - عليه السلام - فيه هدى ونور، قال تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} [المائدة:46]. وقد دعا المسيح - عليه السلام - بني إسرائيل للأخذ بالإنجيل والإيمان به، فقد جاء في إنجيل مرقص (1/14): (وبعدما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله، ويقول: قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل). وقد ذكر هذا الإنجيل أوائل النصارى، ودعوا إلى الإيمان به، وفي هذا يقول سفر (أعمال الرسل) (8/25) عن بطرس ويوحنا في دعوتهما للسامريين من اليهود: (وكما شهدا وتكلما بكلمة الرب رجعا إلى أورشليم، وبشَّرا بالإنجيل في قرى كثيرة للسامريين)
وذكره بولس أيضاً في رسائله، مثل قوله في رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي (2/2): (جاهرنا في إلهنا أن نكلمكم بإنجيل الله في جهاد كثير؛ لأن وعظنا ليس عن ضلال ولا عن دنس ولا بمكر، بل كما استحسنا من الله أن نؤتمن على الإنجيل هكذا نتكلم... ثم يقول:... فإنكم أيها الإخوة تذكرون تعبنا وكدنا إذ كنا نكرز لكم بإنجيل الله..). فإذاً الإنجيل كان كتاباً موجوداً ومعروفاً لدى النصارى الأوائل بأنه إنجيل الله أو إنجيل المسيح، إلا أن هذا الإنجيل لا نجده بين الأناجيل الموجودة بين يدي النصارى اليوم، فأين هو ؟
على النصارى أن يجيبوا على هذا السؤال، أو يعترفوا بأنهم فقدوه في زمن مبكر من تاريخهم، ولعل هذا هو الأرجح؛ إذ يقول الله عز وجل: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [المائدة:14 ].
وقد صار عند النصارى بدل الإنجيل الواحد أربعة أناجيل، يجعلونها في مقدمة كتابهم العهد الجديد، ولا ينسبون أيًّا منها إلى المسيح -عليه السلام -، وإنما هي منسوبة إلى - متى ومرقص ولوقا ويوحنا - الذي يزعم النصارى أن اثنين منهم من الحواريين وهما متى ويوحنا، والآخران أحدهما مرقص تلميذ بطرس، والآخر لوقا تلميذ بولس في زعمهم.
وهذه الأناجيل تحوي شيئاً من تاريخ عيسى -عليه السلام -حيث ذُكِرَ فيها ولادته، ثم تنقلاته في الدعوة، ثم نهايته بصلبه وقيامته في زعمهم، ثم صعوده إلى السماء. كما تحتوي على مواعظ منسوبة إليه وخطب، ومجادلات مع اليهود، ومعجزات كان يظهرها للناس دليلاً على صدقه في أنه مرسل من الله، فهذه الأناجيل أشبه ما تكون بكتب السيرة، إلا أن بينها اختلافات ليست قليلة، وبعضها اختلافات جوهرية لا يمكن التوفيق بينها إلا بالتعسف.....
والقارئ لهذه الأناجيل الأربعة يستطيع بسهولة أن يدرك أن ما ورد فيها من دعوة وخطب ومواعظ ومجادلات تعود إلى مطلبين أساسيين، هما:
1- الدعوة إلى التوبة والعمل بما جاء في الشريعة التي أنزلت على موسى -عليه السلام -.
2- التبشير بقرب قيام مملكة الله التي يتحقق فيها العدل والمساواة .( )
وهذه الأناجيل الأربعة لم يُملِها المسيح – عليه السلام – على تلاميذه ، ولم تنزل عليه هو بوحي أوحي إليه ،لأن المسيح بالنسبة للنصارى إله ، ولا يحتاج الإله إلى كتاب ، كما أن المسيح – عليه السلام – لم يملها على كُتّابها ، ولم تُكتب في حياته ، ولكنها كتبت من بعده ، بواسطة اثنين من حوارييه ، واثنين من أتباعه .
وتحتوي هذه الأناجيل على أخبار سيدنا عيسى – عليه السلام - ، من وقت الحمل به إلى وقت قيامته بعد صلبه كما يعتقد النصارى ، وما أحاط بولادته من عجائب وغرائب ، وما كان يحدث منه من أمور خارقة للعادة ، وحكاية ما كان يجري بينه وبين اليهود ، وما كان يلقيه من أقوال وخطب ، وأحاديث ، وأمثال ، ومواعظ .. وفيها قليل من الشرائع التي تتعلق بالزواج والطلاق ،وهي عموماً تركز على العقيدة ، وتدعو للتمسك ببعض القيم والفضائل ومع ذلك فهي لا تقدم لنا شريعة متكاملة تنظم حياة المجتمع ، بل لا تقدم لنا صورة وافية عن شخصي المسيح – عليه السلام - ، وعن سيرة حياته التي يقدر انها دامت ثلاثة وثلاثين عاما . ( )
وقد أشارت الموسوعة البريطانية إلى هذا الفراغ في روايات الأناجيل حين قالت : ( رغم كون تاريخية شخصية المسيح حقيقة مؤكدة ، فمن المهم أن نذكر أن الحصول على ترتيب تاريخي مضبوط لأحداث سيرته بالكامل أمر صعب جداً ، وكتاب العهد الجديد كانوا أقل اهتماما بمحاولة تذليل هذه الصعوبة ، من أولئك الذين يحاولون الحصول على ترتيب تاريخي دقيق للمرويات التاريخية ، من أجل استعادة الأحداث الماضية ، والتأمل فيها ..) ( )
ثم إن أي كتاب ديني لأجل أن يكون حُجَّةً ، ومعتبرا ً ، يجب أن تتوافر فيه عدة شروط منها :
1- أن لا يكون هذا الكتاب متناقضاً ، ومضطرباً ، يهدم بعضه بعضاً ، فلا تتعارض تعليماته ولا تتناقض أخباره ، بل يكون كل جزء منه متمماً للآخر ، ومكملاً له ، لأن ما يكون من عند الله لا يختلف ولا يتناقض ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كبيراً ..) (سورة : )، بل إن العقلاء من الناس يحرصون على أن لا تتناقض أقوالهم ، أو تتعارض آراؤهم .
2- أن يدعي الرسول أنه أُوحي إليه به ، ويشفع ادعاءه بالبينات الواضحة ، وبالمعجزات الخارقة للعادة التي تبين صدقه في دعواه .
3- أن تكون نسبة الكتاب إلى الرسول ثابتة بالدليل القطعي ، بأن يروي ذلك جمع عن جمع يُؤمن تواطؤهم على الكذب ..
وهل الكتب المقدسة لدى النصارى- سواء أكانت من كتب العهد القديم ، أم العهد الجديد- مستوفية لهذه الشروط ....؟؟
وقبل البدء في الحديث عن جمع وتدوين الأناجيل ، ننبه إلى أنه كانت هناك أناجيل كثيرة شائعة قبل تدوين الأناجيل المعروفة لدينا اليوم ،كما أن دراسة المخطوطات القديمة ، والآثار المسيحية ، أثبتت أن هناك اقوالا أخرى للسيد المسيح – عليه السلام - ، غير موجودة في الأناجيل الأربعة المعتبرة اليوم ..؟وأن بعض الباحثين في تاريخ الكنائس اليوم رمزوا لتلك الأقوال برمز ( Q ) ، وقد رأى بعض الباحثين أن تلك الكتابات المتفرقة والتي رمز لها بالحف ( Q ) كانت مدونة فبل تدوين الأناجيل ، ويرى هؤلاء العلماء أن كتاب الأناجيل ربما كانوا قد أخذوا أقوالاً كثيرة عن هذا المصدر ..
وعلى العموم سأركز حديثي هنا على الأناجيل ( السنوبتيكية – synoptice ) ( ) والتي تعتبر الأناجيل الأولى في المسيحية ...
1- إنجيل مَتَّى :
ويتحدث هذا الإنجيل عن نسب عيسى – عليه السلام - ، من يوسف النجار ، إلى أن أوصله لداود – عليه السلام - ، ثم لإبراهيم الخليل – عليه السلام -، ثم تحث عن بدء دعوة عيسى في منطقة الجليل ، ثم عن اختياره لحوارييه ، ووعظه ، وعلاجه ااناس ، وصراعه مع طائفة الفريسين اليهودية ، ثم خرق عيسى لقوانين السبت عند اليهود ، وإطعامه للفقراء ، وحيرة الناس في مَن يكون .
وتحدث هذا الإنجيل أيضا عن سَفَر عيسى قاصداً بيت المقدس ، ثم تحدث عن تنيؤات عيسى بحادثة الصلب ، وعن تنبؤاته بمعاناة الحواريين من بعده ، ثم تحدث عن مجيء – ابن الإنسان ..!؟ - في المستقبل القريب ، وحذر من اقتراب الساعة .. وفي خاتمته تحدث عن حادثتي الصلب ، والقيام المزعزمتين ..
ومتَّّى :هو أحد حواريي المسيح الإثني عشر ، ويُنسب إليه الإنجيل المعروف باسمه ، وكان قبل اتصاله بالمسيح من جُباة الضرائب ، ويطلق عليهم في ذلك العهد : عَشّارون .. وكان مَتّى جابيا في ( كفر ناحوم ) من أعمال الجليل شمالي فلسطين المحتلة ، وكانت الجباية مهنة ممقوتة في ذلك الزمان ، ولما رفع المسيح – عليه السلام - ، تفرغ للتبشير بالمسيحية في بلاد عديدة .
قيل إنه مات بالحبشة سنة 70 م ، على إثر ضَربٍ مبرح أنزله به أحد أعوان حاكمها ،
وقيل : طُعن برمح في الحبشة سنة 62م .
ولا يوجد أي دليل يشير إلى أن (متى ) الحواري هو مؤلف هذا الإنجيل ، لأن كاتب الإنجيل يتحدث بصيغة الغائب لا بصيغة المتكلم .. كما ورد في كثير من المصادر العربية والأجنبية أن ( مَتَّى ..) ألف إنجيله بالعبرية ،لأنه كَتَبَه لليهود يبشرهم بالمسيحية ، وقيل : إنه كُتب بوجهة نظر يهودية ، فظهر المسيح بوصفه ( إمسيا الموعود ) ، أي : المهدي الذي ينتظره اليهود . ورُتِّب حسب الموضوعات ، وليس حَسَب الوقائع ، فبدأ العهد الجديد كأنه تتميم للعهد القديم ، وبذلك وُضِعَ إنجيله في صدر العهد الجديد ..
ومن المظنون أن تدوين- إنجيل متى – كان في عهد القيصر الروماني قلوديوس ، وهذا القيصر لم يعاصر المسيح ، ولا الذي يليه ، بل الذي عاصر المسيح – عليه السلام – هو : طيباريوس ، وتولى من بعده غابيوس ، ثم جاء من بعده قلوديوس .. وحكم أربع عشرة سنة ، ومن ثم يكون من المحتمل أن تدوين - إنجيل متى –في آخر العقد الرابع من ميلاد المسيح
– عليه السلام - ، أو في أول أو آخر العقد الخامس وأوائل العقد السادس من ميلاد المسيح .. ثم تُرجِمَ إلى اليونانية .. لذا لا نستطيع الجزم بنسبة الإنجيل الموجود بين أيدينا اليوم إلى ( متى ..) ، لأن الأصل العبري مفقود ، ولا توجد إلا الترجمة اليونانية ، كما أن المترجم مجهول ، ولا مجال للتأكد من مطابقة الترجمة للأصل ، ومن نزاهة المترجِم وكفاءته . ولا شك أن الجهل بتاريخ التدوين ، وبالنسخة الأصلية العبرية ، وبالمُتَرجِم ، ومعرفة حاله من الصلاح .. وعلمه بالدين .. وباللغتين المترجم منها ، والمترجم إليها .. كل ذلك يؤدي إلى زعزعة الثقة في هذا الإنجيل ، المعتبر الأول في العهد الجديد ..
جاء في الموسوعة البريطانية ، أن بابياس ( papias) أسقف هيروبولوس ( hieropolis) المتوفي عام (130م ) قال : ( إن متى ألَّفَ إنجيله بالعبرية ، ........ ثم تقول الموسوعة : إن إنجيل مَتَّى كُتِبَ بالتأكيد من أجل كنيسة يهودية مسيحية ، في محيط يهودي قوي لكن كون مَتَّى هو مؤلف الإنجيل أمر مشكوك فيه ..) ( )
ويقول موريس بوكاي : ( ماهي شخصية متى ..؟ لنقل صراحة إنه لم يعد مقبولاً اليوم القول إنه أحد حواري المسيح ..ويعلل ذلك بأن كاتب إنجيل مَتَّى يبدو مثقفاً ، ومتبحراً في الكتاب المقدس ، والتراث اليهودي ، ومعلماً ماهراً في العرض والإقناع ، ولا يُعقل أن يكون مجرد موظف جمارك يعمل لحساب الرومان ..) ( )
ثم .. إن الأغلاط الكثيرة في هذا الإنجيل تؤكد على عدم إلهامية......منها مثلا:
- في الفقرة الثالثة عشر من الباب الأول من إنجيل متى أن أبيهود بن زور بابل ..وهو غلط ، لأن زور بابل كان له خمسة أبناء كما هو مصرح في الفقرة التاسعة عشر من الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام .. وليس له ابن بهذا الاسم .
- وفي الباب الأول يذكر متى أن العذراء تحمل .. وتلد ابنا يسمونه ( عمانوئيل ) الذي تفسيره : الله معنا .. وهو غلط ، لأنه لم يُعرف أن (عمانوئيل ) من أسماء عيسى ..
- وفي الفقرة السادسة عشر من الباب الثاني ، كتب مَّتى أن هيرودس لما سخر منه المجوس ، أرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها ..من ابن سنتين وما دون ذلك .. وهذا افتراء واضح ، لأنه لم يحدث أن كتب أحد من مؤرخي اليهود أن حادثة جسيمة كهذه قد وقعت .. ولو وقعت لأوردها مؤرخهم يوسيفوس ، مع أنه أورد كثيرا من عيوب هيرودس وجرائمه ..
- وفي الفقرة الثالثة من الباب الرابع عشر يقول متى : ( فإن هيرودس كان قد أمسك يوحنا وطرحه في السجن من أجل هيروديا امرأة فيليبس أخيه ..) .. وهذا غير صحيح كذلك ، لأن اسم زوج هيروديا كان هيرودس ، لا فيليبس ، كما صرح (يوسقيوس ) في الباب الخامس من الكتاب الثامن عشر من تاريخه .
- وفي الفقرة الثامنة والعشرين من الباب التاسع عشر يقول مَتّى : ( فقال لهم يسوع : الحق أقول لكم : أنتم الذين تبعتموني في التجديد ، متى جلس ابن الانسان على كرسي مجده ، تجلسون أنتم أيضا على اثني عشر كرسياً ..) ، وهذا غير صحيح ، لأن يهوذا الاسخريوطي ( أي : القريوتي ، نسبة إلى قرية قريوت شمالي القدس ) واحد من الحواريين الإثني عشر ، وقد ارتد ومات مرتداً على ما ذكر متى .. فلا يمكن أن يجلس على الكرسي الثاني عشر ، أو تكون نبوءة المسيح غير صحيحة ..
2- إنجيل مرقص :
هذا الإنجيل الثاني في ترتيب الأناجيل لدى النصارى، وهو أقصرها؛ إذ إنه يحوي ستة عشر إصحاحاً فقط. أما كاتب الإنجيل فهو في زعم النصارى رجل من أتباع الحواريين، وكان يهوديا من بيت لاوي ، تتلمذ على يد بطرس الرسول ، وقتل في الاسكندرية – كما في أعمال الرسل – عام 68م ، وقد كتب إنجيله بناء على طلب أهل رومية ، وقد كتبه ما بين عامي 60-70 م. ونقل فيه نظريات أستاذه بطرس ، الذي كان يقول بإنسانية المسيح وعدم لاهوته بالمعنى الذي أراده بولس ، كما جاء في أعمال الرسل .( )
والمعلومات عنه عمومتا قليلة جدًّا وغامضة، ولا تتضح شخصيته وضوحاً يُطمئن النفس؛ إذ إن كل ما ورد عنه الإشارة إلى أن اسمه يوحنا، ويلقب بـ : مرقس، وأنه صاحَبَ بولس وبرنابا في دعوتهما، ثم افترق عنهما، فالرجل مجهول؛ إذ لا نعلم شيئاً عن دينه، وعلمه، وأمانته، ونحو ذلك مما يجب توافر معرفته فيمن يكون واسطة لكتاب مقدس.
قال ويل ديورانت نقلا عن بابياس : إن مرقس ألف إنجيله من ذكريات نقلها إليه بطرس .( )
ونقل (يوسابيوس) في تاريخـه الكنسي عن بابياس قوله : (ولقد قال الشيخ أيضاً: إن مرقس
الذي صار مفسراً لبطرس ، قد كتب بكل دقة كل ما تذَكَّره من أقوال وأعمال الرب، ولكن ليس بالترتيب؛ لأنه لم يسمع الرب ولم يتبعه....). هذه أقدم شهادة لدى النصارى عن الكتاب والكاتب، فهي شهادة تذكر أنه كتب ما تذكر، ولم يفصل في المكتوب ما هو..!! فهل تكفي هذه الشهادة في إثبات صحة الكتاب !!، لاشك أنها لا تكفي؛ فإن مثل هذه الأدلة والشواهد لو قدِّمت لدى قاض في قضية لم يقبلها ولم يحكم وفقها. ( )
يقول شيخنا الامام محمد أبو زهرة أنه ورد في كتاب ابن البطريق – وهو مؤرخ مسيحي شرقي - : أ ن بطرس - رئيس الحواريين - ، كتب إنجيل مرقص في مدينة روما ، ونسبه إلى مرقس.( )
ويؤكد كاتب الموسوعة البريطانية هذه الشكوك حول صحة صحة نسبة هذا الإنجيل إلى مرقس حين يقول : ( بالرغم من أن مؤلف إنجيل مرقص غير معروف على الأرجح ، فإن قيمة هذا الكتاب وسلطته مستمدة تقليديا من علاقة مؤلفه المفترضة بالحواري بطرس ..)( )
ويتفق الناقدون الثقاة بوجه عام على أسبقية إنجيل مرقس في الزمن على سائر الأناجيل ، وفي تحديد تاريخه بين عامي : 65-70 ميلادية . ( ) وقالوا : إن جزءه الأخير وجد في بعض المخطوطات القديمة ، ولم يوجد في البعض الآخر .مثل المخطوطة السينيائية ، ومخطوطة الفاتيكان .. واختلفوا في حجمه ، والحوادث التي تضمنها .. وفيه تناقضات واختلافات – كما سنبين –مع الناجيل الأخرى ، نتبين منها أن مرقس لم يكن معصوماً عن الخطأ والنسيان .. وكذلك لم يكن معصوما في التبليغ والتحرير ، وأن إنجيله من ثَمَّ لم يكتب بالهام من المسيح ، لأن الغلط لا يصح أن يكون إلهاميا ومن جانب الله .. وهو يوجد في هذا الإنجيل بلا ريب ، وفي بقية الأناجيل .. لأن أقوالهم متضاربة ، وليسوا على اتفاق ..
ثالثاً: إنجيل لوقا:
هذا الإنجيل الثالث في ترتيب النصارى لكتابهم، ويحوي أربعة وعشرين إصحاحاً. وكاتب الإنجيل في زعم النصارى هو أحد الوثنيين الذين آمنوا بالمسيح بعد رفعه، وكان رفيقاً لبولس (شاؤول اليهودي) ، حيث ذكره بولس في ثلاثة مواضع من رسائله، واصفاً إياه بأنه رفيقه.
ولا يوجد لدى النصارى معلومات عنه سوى أنه رافق بولس في بعض تنقلاته، حيث ورد اسمه في تلك الرحلات. فهو بذلك يعتبر شخصية مجهولة ، وغير معروفة ، ولا متميزة بعدالة وديانة، ومع هذا أيضاً لا يوجد لدى النصارى دليل يعتمد عليه في صحة نسبة الكتاب إليه.
ويعتبر هذا الإنجيل من اوضح وأصرح الأناجيل دلالة على عدم كونه من كتب الوحي ، وذلك لأنه يحمل دليله بنفسه ، ففي افتتاحية الإصحاح الول منه يصرح لوقا بأنه كتب إنجيله لصديق له قائلا : ( إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الأولون الذين كانوا من قبل معا بنين وخداماً للكلمة ، رأيت أنا أيضاً – إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق – أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز –ثاوفيلس- ، لتعرف صحة الكلام الذي علِّمت به ..) وكفى دليلا بهذا الكلام على أن الأناجيل من وضع أناس عاديين ، وليست بكتب وحي .
وقد اختلفت كلمات الباحثين حول لوقا ، والغلب على أنه من أهل أنطاكية ، وأنه كان تلميذ بولص الذي كان عدوا لدودا للنصارى ، وهو الذي شيد أركان النصرانية ، وحلل الكثير مما حرمته التوراة ، وهو الذي أدخل العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ..
وقد اتفقت كلمات العلماء على أن لوقا لم ير السيد المسيح – عليه السلام - ، وقد كتب إنجيله باللغة اليونانية بين عامي 60-70 ميلادية ..على أشهر الأقوال .
قال ول ديورانت : ( وأكبر الظن أن لوقا نفسه كان من غير اليهود ، وأنه كان صديق بولص ، مؤلف سفر أعمال الرسل ، وهو يقتبس كثيرا من كتابات مرقص ، كما يقتبس منها مَتَّى ..فإنك لتجد في إنجيل متى ستمائة آية من الستمائة والإحدى والستين التي يشتملعليها النص المعتمد لإنجيل مرقص ، وتجد منها ثلاثمائة وخمسين في إنجيل لوقا ، تكاد تكون هي بنصها ، وفي إنجيل متى كثير من الفقرات التي توجد في لوقا ، ولا توجد في إنجيل مرقص ..( )
وإنجيل لوقا هو الإنجيل الوحيد الذي له مقدمة ، وهذه المقدمة موجهة إلى رجل اسمه : ثاوفيلس وهو بنفسه صاحب المقدمة في أعمال الرسل ، ومن هنا يرى الكثير أن مؤلف إنجيل لوقا وأعمال الرسل واحد . ( )
رابعاً: إنجيل يوحنا:
هذا الإنجيل الرابع في ترتيب العهد الجديد، وهو إنجيل متميز عن الأناجيل الثلاثة قبله؛ إذ تلك متشابهة إلى حد كبير، أما هذا فإنه يختلف عنها؛ لأنه ركَّز على قضية واحدة، وهي إبراز دعوى ألوهية المسيح وبنوته لله ، - تعالى الله عن قولهم - بنظرة فلسفية لا تخفى على الناظر في الكتاب، لهذا يعتبر هو الكتاب الوحيد من بين الأناجيل الأربعة الذي صرَّح بهذا الأمر تصريحاً واضحاً. وإذا بحثنا في صحة نسبة الكتاب إلى يوحنا الذي يزعم النصارى أن الكتاب من تصنيفه نجده أقل كتبهم نصيباً من الصحة؛ لعدة أدلة أبرزها منكروا نسبة الكتاب إلى يوحنا الحواري وهي:
1- أن بوليكاربوس الذي يقال: إنه كان تلميذاً ليوحنا. لم يشر إلى هذا الإنجيل عن شيخه يوحنا، مما يدلُّ على أنه لا يعرفه، وأن نسبته إلى شيخه غير صحيحة.
2- أن الكتاب مملوء بالمصطلحات الفلسفية اليونانية التي تدلُّ على أن لكاتبه إلماماً بالفلسفة اليونانية، ولكن يوحنا كان يمتهن حرفة الصيد، مما يدلُّ على أنه بعيد عن الفلسفة ومصطلحاتها.
3- أن النصارى الأوائل لم ينسبوا هذا الإنجيل إلى يوحنا الحواري المزعوم، وأن (يوسابيوس) الذي كان يسأل (بابياس) عن هذه الأمور يقول: (الواضح أن بابياس يذكر اثنين اسمهما يوحنا: الأول: الرسول وقد مات، والثاني: الشيخ وهو حيٌّ. ويلوح أنه هو الذي كتب الإنجيل). فلهذا يقول القس (فهيم عزيز) بناء على ذلك: (إن الكنيسة كانت بطيئه في قبولها لهذا الإنجيل). وبناءً على ذلك فمنذ نهاية القرن التاسع عشر ظهر الاعتراض على نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا بشكل واسع، ووصفته (دائرة المعارف الفرنسية) بأنه إنجيل مزور، وهذه الدائرة اشترك في تأليفها خمسمائة من علماء النصارى، ونص كلامهم: (أما أنجيل يوحنا فإنه لا مرية ولاشك كتاب مزور، أراد صاحبه مضادة اثنين من الحواريين بعضهما لبعض، وهما القديسان يوحنا ومتى، وقد ادَّعى هذا الكاتب المزور في متن الكتاب أنه الحواري الذي يحبه المسيح، فأخذت الكنيسة هذه الجملة على علاتها، وجزمت بأن الكاتب هو يوحنا الحواري، ووضعت اسمه على الكتاب نصًّا، مع أن صاحبه غير يوحنا يقيناً، ولا يخرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التوراة التي لا رابطة بينها وبين من نسبت إليه،). نقول مع هذه الاعتراضات، ومع عدم وجود أدلة تثبت صحة نسبته إلى يوحنا الحواري المزعوم، فلا يجوز لعاقل أن يدعي صحة نسبته إلى يوحنا، فضلاً عن أن يزعم أنه كتاب مقدس موحى به من الله، فهذا فيـه افتراء عظيم علـى الله عزَّ وجلَّ، وإضلال لعباد الله بالباطل.
( )
الأناجيل الأربعة في الميزان :
يسند النصارى كتبهم إلى الله - عزَّ وجلَّ - عن طريق الإلهام إلى كتَّابها، والدارس لهذه الكتب لا يستطيع أن يتبين صدق هذه الدعوى ؛ بل قد تبين أن النصارى لا يوجد عندهم دليل يثبت صحة نسبة كتبهم إلى أولئك الناس الذين نُسبت إليهم، فعليه لا يمكن اعتبارها كتباً صحيحة، ولا يجوز لعاقل أن ينسبها إلى أولئك الرجال، فضلاً عن أن ينسبها إلى الله - عزَّ وجلَّ - . ومما يؤكد عدم صحتها :
الاختلافات الكثيرة بينها......... وكذلك : الأغلاط العديدة فيها..
فإذا قارنا بين الأناجيل الأربعة نجد بينها اختلافات جوهرية تدل على خطأ كُتَّابها، وأنهم غير معصومين ولا مُلهَمين، وأن الله - عزَّ وجلَّ - ، ورسوله عيسى- عليه السلام- بريء منها ، ومن الأمثلة على ذلك:
1- نسب المسيح - عليه السلام - : فالنصارى لم يستطيعوا أن يضبطوا نسب المسيح - عليه السلام - ، ولم يتفقوا عليه، فأعطاه كلٌّ من صاحب إنجيل متى ، وصاحب إنجيل لوقا نسباً مختلفاً عن الآخر..
مَتَّى : نسبَ المسيح إلى يوسف بن يعقوب، وجعله في النهاية من نسل سليمان بن داود
- عليهما السلام - .
أما لوقا :فنسبه إلى يوسف بن هالي، وجعله في النهاية من نسل ناثان بن داود- عليه السلام - .
وجعل مَتَّى آباء المسيح إلى داود - عليه السلام - سبعة وعشرين أباً..
أما لوقا فجعلهم اثنين وأربعين أباً، وهذا فرق كبير بينهما يدل على خطئهما ،
أو خطأ أحدهما قطعاً.
2- ذكر إنجيل متَّى (11/13) من كلام المسيح عن يوحنا المعمدان (يحيى - عليه السلام- ) قوله: (لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبؤوا، وإن أردتم أن تقبلوا فهذا إيليا المزمع أن يأتي من له أذنان للسمع فليسمع). وورد في إنجيل متَّى أيضاً (17/1) أنهم سألوا المسيح -عليه السلام فقال: (وسأله تلاميذه قائلين: فلماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً، فأجاب يسوع وقال لهم: إن إيليا يأتي أولاً ويرد كل شيء، ولكني أقول لكم: إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا، كذلك ابن الإنسان أيضا سوف يتألم منهم، حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان). فالمسيح هنا يبين أن يحيى عليه السلام هو إيليا. ويخالف هذا قول يوحنا في إنجيله (1/19) حين جاء اليهود يسألون يحيى عن نفسه حيث قال: (أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت، فاعترف ولم ينكر ، وأقر أني لست أنا المسيح، فسألوه من أنت، إيليا أنت ؟ فقال: لست أنا. النبي أنت ؟ فأجاب لا.
فقالوا له: من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا ؟ ماذا تقول عن نفسك ؟ قال: أنا صوت صارخ في البرية قَوِّمُوا طريق الرب كما قال إشعيا النبي). فهنا أنكر يحيى -عليه السلام - أن يكون هو إيليا، وهذا تناقض واضح.
3- ذكر متى في إنجيله (20/29-34) أن عيسى -عليه السلام- لما خرج من أريحا قابله أعميان فطلبا منه أن يشفيهما من العمى فلمس عيونهما فشفيا. وقد ذكر هذه القصة مرقص في (10/46-52) وبين أن بارينماوس الأعمى ابن نيماوس هو الذي طلب ذلك فقط.
4- أن مرقص ذكر في (6/8) أن عيسى- عليه السلام -أوصى حوارييه حين أرسلهم للدعوة في القرى بأن لا يحملوا شيئاً للطريق غير عصا فقط ، لا مزوداً، ولا خبزاً، ولا نحاساً، وذكر ذلك لوقا في (9/3) إلا أنه قال: إن عيسى -عليه السلام- أوصاهم وقال لهم: (لا تحملوا شيئاً للطريق لا عصا ولا مزوداً ولا خبزاً ولا فضة) ففي الأول أجاز لهم حمل العصا، والثاني نهاهم عن حمل العصا أيضاً.
5 - ذكر إنجيل متى أسماء تلاميذ عيسى الاثني عشر فقال (10/2): (وأما أسماء الاثني عشر رسولاً فهي هذه: الأول سمعان الذي يقال له: بطرس، وإندراوس أخوه، يعقوب بن زبدي، ويوحنا أخوه، فيلبس، وبرثولماوس، توما، ومتى العشار، يعقوب بن حلفى، ولباوس الملقب تداوس، سمعان القانوني، ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه).
وذكر مرقص في(3/16) الأسماء فوافق فيها متى، وخالفهما لوقا حيث حذف من قائمة متى (لباوس الملقب تداوس) ووضع بدلاً عنه (يهوذا أخا يعقوب).
6- اختلافهم في الذين حضروا لمشاهدة قبر المسيح بعد دفنه المزعوم ووقت ذلك، حيث يقول متى (28/1): (وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية، ومريم أخرى لتنظرا القبر). وفي إنجيل مرقص (16/1) يقول: (وبعد ما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه، وباكراً جدًّا في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس). وفي إنجيل لوقا (24/1) يقول: ( ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس)
وفي إنجيل يوحنا (20/1) يقول: ( وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باق، فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر).
فهذه بعض الاختلافات ويوجد غيرها الكثير، وهي تدلُّ دلالة واضحة على أن في الكتاب صنعة بشرية، وتحريف وتبديل .
كما أنَّ في الأناجيل أغلاط وأخطاء كثيرة أيضاً، نذكر منها:
1- قال متى في إنجيله (27/51) بعد الصلب المزعوم للمسيح وإسلامه الروح: (وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تفتقت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين). فهذه الحكاية التي ذكرها متَّى لم يذكرها غيره من كتَّاب الأناجيل مما يدلُّ على أن كلامه لا حقيقة له؛ لأنها آية عظيمة تتوافر الهمم على نقلها.
2- ورد في إنجيل متَّى (12/40) وكذلك في (16/4) أن المسيح قال: (إنه لن يعطي لليهود آية إلا آية يونان (يونس عليه السلام ). ونصه: (لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال). وهذا غلط؛ لأن المسيح - عليه السلام - في زعمهم صلب ضحى يوم الجمعة، ومات بعد ست ساعات، أي: وقت العصر، ودفن قبيل غروب الشمس، وبقى في قبره تلك الليلة، ونهار السبت من الغد، وليلة الأحد، وفي صباح الأحد جاؤوا ولم يجدوه في قبره، مما يدل على أنه مكث في زعمهم ليلتين ويوماً واحداً فقط، فيكون كلام متَّى السابق غلط واضح.
3- جاء في إنجيل لوقا (1/30) في البشارة بالمسيح قوله: (ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية). وهـذا خطأ بيِّن؛ لأن المسيح - عليه السلام - لم يكن ملكاً لليهـود، ولا ملكـاً على آل يعقوب، بل كان أكثرهم معادين له ، إلى أن رفع إلى السماء بسبب محاولتهم قتله.
4- ورد في إنجيل مرقس (11/23): ( فأجاب يسوع وقال لهم: ليكن لكم إيمان بالله؛ لأن الحق أقول لكم: إن من قال لهذا الجبل: انتقل وانطرح في البحر. ولا يشك في قلبه، بل يؤمن أن ما يقوله يكون، فمهما قال يكون له، لذلك أقول لكم: كل ما تطلبونه حينما تصلون، فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم). وورد أيضا في إنجيل مرقس (16/17): (وهذه الآيات تتبع المؤمنين، يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة جديدة، يحملون حيات، وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرؤون ). وفي إنجيل يوحنا (14/12): ( الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً، ويعمل أعظم منها؛ لأني ماض إلى أبي، ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله).
فهذه النصوص الثلاثة لاشك في أنها خطأ، فلا يستطيع النصارى أن يدعوا ذلك لأنفسهم.
كما أن عبارة إنجيل يوحنا فيها مغالاة شديدة، حيث زعم أن من آمن بالمسيح يعمل أعظم من أعمال المسيح نفسه، وهذا من الترهات الفارغة .
وبعد :
فلكل ما سسبق ذكره ، يتضح أن النصارى- وكذلك اليهود من قبلهم- لم يقدِّموا لأنفسهم ، ولا لأهل ملتهم من المستندات والأدلة ما يثبتون به صحة كتبهم، بل لا يعرفون طريقاً إلى شيء من المستندات الصحيحة...
يقول الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه العظيم (إظهار الحق): (ولذلك طلبنا مراراً من علمائهم الفحول السند المتصل، فما قدروا عليه، واعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم، فقال: إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على النصارى إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة). وفي هذا كفاية ودلالة على أن تلك الكتب التي تُسمَّى الأناجيل كتب لا يملك أصحابها أي مستند يمكن الاعتماد عليه في صحة نسبتها إلى من ينسبونها إليه، فضلاً عن أن يصحَّ نسبتها إلى المسيح- عليه السلام- ، أو إلى الله -عزَّ وجلَّ -.وأحسن أحوالها أن تكون متضمنة لبعض ما أنزل الله -عزَّ وجلَّ - ، على عيسى - عليه السلام - .( )
كما أننا نستطيع أن نقول بثقة :
إن المسيحية لا تتفق والعقل لتكون حاكمة عليه، وهادية له ..
والمجتمعات المسيحية الآن – إن صح هذا التعبير - لا تحكمها المسيحية ، والنظم فيها لا تعتمد على العقيدة المسيحية ، بعدما تم فصل الدين عن الدولة ، وإنما تعتمد على القوانين الوضعية ، كما أن المسيحية لم تتضمن شريعة تنظم المجتمع .. ومن هنا ذهبت كل دعوات المسيحية إلى السماحة الإنسانية هباء .. وغلبتها روح الاستعمار الخبيثة .
http://pulpit.#######voice.com/articles/2010/09/24/210155.html
كتب النصارى المقدسة بقلم: د. سامي محمود
تاريخ النشر : 2010-09-24
العهد الجديد :
في الواقع لم تكن كتب المسيحية بأسعدَ حالاً من الكتب اليهودية ، فقد كانت الظروف التي مرت بالنصارى أسوأ ظروفٍ مرت بدين ... واجتمعت عليهم عوامل أفسدت عليهم دينهم وبدلته من دين سماوي الى دين وضعي ، نَبتَ وغُذِّي بأفكار بشرية .. وثنية ..
ويرى علماء مقارنة الأديان ، أن أهم العوامل التي انحرفت بهذا الدين ، وبدلته من دين سماوي إلى وثني ، ثلاثة عوامل ، وهي :
1- الاضطهادات التي نزلت بالمسيحيين مدة تجاوزت الثلاثمائة عام ، فأدت إلى ضياع الإنجبل الصحيح .
2- الوثنيات التي كانت تملأ العالم في ذلك الوقت ، والتي كان يمكن أن يقلَّ أو ينعدم تأثيرها لو كان هناك الإنجيل الصحيح .
3 – أهواء رجال الدين الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم ..
وكتاب النصارى المقدس لدى النصارى يشمل التوراة والإنجيل .. ورسائل الرسل ..وتسمى التوراة – الأسفار الموسوية وغيرها – كتب العهد القديم ، وتسمى الأناجيل ، ورسائل الرسل : بـ العهد الجديد ..
وأهم كتب العهد الجديد هي :
1- إنجيل متى .
2- إنجيل مرقس .
3- إنجيل يوحنا .
4- إنجيل لوقا .
والإنجيل كلمة يونانية تعني الخبر الطيب (البشارة)، ( ).
والإنجيل عند المسلمين: هو الكتاب الذي أنزلـه الله تعالى على عيسى - عليه السلام - فيه هدى ونور، قال تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} [المائدة:46]. وقد دعا المسيح - عليه السلام - بني إسرائيل للأخذ بالإنجيل والإيمان به، فقد جاء في إنجيل مرقص (1/14): (وبعدما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله، ويقول: قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل). وقد ذكر هذا الإنجيل أوائل النصارى، ودعوا إلى الإيمان به، وفي هذا يقول سفر (أعمال الرسل) (8/25) عن بطرس ويوحنا في دعوتهما للسامريين من اليهود: (وكما شهدا وتكلما بكلمة الرب رجعا إلى أورشليم، وبشَّرا بالإنجيل في قرى كثيرة للسامريين)
وذكره بولس أيضاً في رسائله، مثل قوله في رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي (2/2): (جاهرنا في إلهنا أن نكلمكم بإنجيل الله في جهاد كثير؛ لأن وعظنا ليس عن ضلال ولا عن دنس ولا بمكر، بل كما استحسنا من الله أن نؤتمن على الإنجيل هكذا نتكلم... ثم يقول:... فإنكم أيها الإخوة تذكرون تعبنا وكدنا إذ كنا نكرز لكم بإنجيل الله..). فإذاً الإنجيل كان كتاباً موجوداً ومعروفاً لدى النصارى الأوائل بأنه إنجيل الله أو إنجيل المسيح، إلا أن هذا الإنجيل لا نجده بين الأناجيل الموجودة بين يدي النصارى اليوم، فأين هو ؟
على النصارى أن يجيبوا على هذا السؤال، أو يعترفوا بأنهم فقدوه في زمن مبكر من تاريخهم، ولعل هذا هو الأرجح؛ إذ يقول الله عز وجل: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [المائدة:14 ].
وقد صار عند النصارى بدل الإنجيل الواحد أربعة أناجيل، يجعلونها في مقدمة كتابهم العهد الجديد، ولا ينسبون أيًّا منها إلى المسيح -عليه السلام -، وإنما هي منسوبة إلى - متى ومرقص ولوقا ويوحنا - الذي يزعم النصارى أن اثنين منهم من الحواريين وهما متى ويوحنا، والآخران أحدهما مرقص تلميذ بطرس، والآخر لوقا تلميذ بولس في زعمهم.
وهذه الأناجيل تحوي شيئاً من تاريخ عيسى -عليه السلام -حيث ذُكِرَ فيها ولادته، ثم تنقلاته في الدعوة، ثم نهايته بصلبه وقيامته في زعمهم، ثم صعوده إلى السماء. كما تحتوي على مواعظ منسوبة إليه وخطب، ومجادلات مع اليهود، ومعجزات كان يظهرها للناس دليلاً على صدقه في أنه مرسل من الله، فهذه الأناجيل أشبه ما تكون بكتب السيرة، إلا أن بينها اختلافات ليست قليلة، وبعضها اختلافات جوهرية لا يمكن التوفيق بينها إلا بالتعسف.....
والقارئ لهذه الأناجيل الأربعة يستطيع بسهولة أن يدرك أن ما ورد فيها من دعوة وخطب ومواعظ ومجادلات تعود إلى مطلبين أساسيين، هما:
1- الدعوة إلى التوبة والعمل بما جاء في الشريعة التي أنزلت على موسى -عليه السلام -.
2- التبشير بقرب قيام مملكة الله التي يتحقق فيها العدل والمساواة .( )
وهذه الأناجيل الأربعة لم يُملِها المسيح – عليه السلام – على تلاميذه ، ولم تنزل عليه هو بوحي أوحي إليه ،لأن المسيح بالنسبة للنصارى إله ، ولا يحتاج الإله إلى كتاب ، كما أن المسيح – عليه السلام – لم يملها على كُتّابها ، ولم تُكتب في حياته ، ولكنها كتبت من بعده ، بواسطة اثنين من حوارييه ، واثنين من أتباعه .
وتحتوي هذه الأناجيل على أخبار سيدنا عيسى – عليه السلام - ، من وقت الحمل به إلى وقت قيامته بعد صلبه كما يعتقد النصارى ، وما أحاط بولادته من عجائب وغرائب ، وما كان يحدث منه من أمور خارقة للعادة ، وحكاية ما كان يجري بينه وبين اليهود ، وما كان يلقيه من أقوال وخطب ، وأحاديث ، وأمثال ، ومواعظ .. وفيها قليل من الشرائع التي تتعلق بالزواج والطلاق ،وهي عموماً تركز على العقيدة ، وتدعو للتمسك ببعض القيم والفضائل ومع ذلك فهي لا تقدم لنا شريعة متكاملة تنظم حياة المجتمع ، بل لا تقدم لنا صورة وافية عن شخصي المسيح – عليه السلام - ، وعن سيرة حياته التي يقدر انها دامت ثلاثة وثلاثين عاما . ( )
وقد أشارت الموسوعة البريطانية إلى هذا الفراغ في روايات الأناجيل حين قالت : ( رغم كون تاريخية شخصية المسيح حقيقة مؤكدة ، فمن المهم أن نذكر أن الحصول على ترتيب تاريخي مضبوط لأحداث سيرته بالكامل أمر صعب جداً ، وكتاب العهد الجديد كانوا أقل اهتماما بمحاولة تذليل هذه الصعوبة ، من أولئك الذين يحاولون الحصول على ترتيب تاريخي دقيق للمرويات التاريخية ، من أجل استعادة الأحداث الماضية ، والتأمل فيها ..) ( )
ثم إن أي كتاب ديني لأجل أن يكون حُجَّةً ، ومعتبرا ً ، يجب أن تتوافر فيه عدة شروط منها :
1- أن لا يكون هذا الكتاب متناقضاً ، ومضطرباً ، يهدم بعضه بعضاً ، فلا تتعارض تعليماته ولا تتناقض أخباره ، بل يكون كل جزء منه متمماً للآخر ، ومكملاً له ، لأن ما يكون من عند الله لا يختلف ولا يتناقض ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كبيراً ..) (سورة : )، بل إن العقلاء من الناس يحرصون على أن لا تتناقض أقوالهم ، أو تتعارض آراؤهم .
2- أن يدعي الرسول أنه أُوحي إليه به ، ويشفع ادعاءه بالبينات الواضحة ، وبالمعجزات الخارقة للعادة التي تبين صدقه في دعواه .
3- أن تكون نسبة الكتاب إلى الرسول ثابتة بالدليل القطعي ، بأن يروي ذلك جمع عن جمع يُؤمن تواطؤهم على الكذب ..
وهل الكتب المقدسة لدى النصارى- سواء أكانت من كتب العهد القديم ، أم العهد الجديد- مستوفية لهذه الشروط ....؟؟
وقبل البدء في الحديث عن جمع وتدوين الأناجيل ، ننبه إلى أنه كانت هناك أناجيل كثيرة شائعة قبل تدوين الأناجيل المعروفة لدينا اليوم ،كما أن دراسة المخطوطات القديمة ، والآثار المسيحية ، أثبتت أن هناك اقوالا أخرى للسيد المسيح – عليه السلام - ، غير موجودة في الأناجيل الأربعة المعتبرة اليوم ..؟وأن بعض الباحثين في تاريخ الكنائس اليوم رمزوا لتلك الأقوال برمز ( Q ) ، وقد رأى بعض الباحثين أن تلك الكتابات المتفرقة والتي رمز لها بالحف ( Q ) كانت مدونة فبل تدوين الأناجيل ، ويرى هؤلاء العلماء أن كتاب الأناجيل ربما كانوا قد أخذوا أقوالاً كثيرة عن هذا المصدر ..
وعلى العموم سأركز حديثي هنا على الأناجيل ( السنوبتيكية – synoptice ) ( ) والتي تعتبر الأناجيل الأولى في المسيحية ...
1- إنجيل مَتَّى :
ويتحدث هذا الإنجيل عن نسب عيسى – عليه السلام - ، من يوسف النجار ، إلى أن أوصله لداود – عليه السلام - ، ثم لإبراهيم الخليل – عليه السلام -، ثم تحث عن بدء دعوة عيسى في منطقة الجليل ، ثم عن اختياره لحوارييه ، ووعظه ، وعلاجه ااناس ، وصراعه مع طائفة الفريسين اليهودية ، ثم خرق عيسى لقوانين السبت عند اليهود ، وإطعامه للفقراء ، وحيرة الناس في مَن يكون .
وتحدث هذا الإنجيل أيضا عن سَفَر عيسى قاصداً بيت المقدس ، ثم تحدث عن تنيؤات عيسى بحادثة الصلب ، وعن تنبؤاته بمعاناة الحواريين من بعده ، ثم تحدث عن مجيء – ابن الإنسان ..!؟ - في المستقبل القريب ، وحذر من اقتراب الساعة .. وفي خاتمته تحدث عن حادثتي الصلب ، والقيام المزعزمتين ..
ومتَّّى :هو أحد حواريي المسيح الإثني عشر ، ويُنسب إليه الإنجيل المعروف باسمه ، وكان قبل اتصاله بالمسيح من جُباة الضرائب ، ويطلق عليهم في ذلك العهد : عَشّارون .. وكان مَتّى جابيا في ( كفر ناحوم ) من أعمال الجليل شمالي فلسطين المحتلة ، وكانت الجباية مهنة ممقوتة في ذلك الزمان ، ولما رفع المسيح – عليه السلام - ، تفرغ للتبشير بالمسيحية في بلاد عديدة .
قيل إنه مات بالحبشة سنة 70 م ، على إثر ضَربٍ مبرح أنزله به أحد أعوان حاكمها ،
وقيل : طُعن برمح في الحبشة سنة 62م .
ولا يوجد أي دليل يشير إلى أن (متى ) الحواري هو مؤلف هذا الإنجيل ، لأن كاتب الإنجيل يتحدث بصيغة الغائب لا بصيغة المتكلم .. كما ورد في كثير من المصادر العربية والأجنبية أن ( مَتَّى ..) ألف إنجيله بالعبرية ،لأنه كَتَبَه لليهود يبشرهم بالمسيحية ، وقيل : إنه كُتب بوجهة نظر يهودية ، فظهر المسيح بوصفه ( إمسيا الموعود ) ، أي : المهدي الذي ينتظره اليهود . ورُتِّب حسب الموضوعات ، وليس حَسَب الوقائع ، فبدأ العهد الجديد كأنه تتميم للعهد القديم ، وبذلك وُضِعَ إنجيله في صدر العهد الجديد ..
ومن المظنون أن تدوين- إنجيل متى – كان في عهد القيصر الروماني قلوديوس ، وهذا القيصر لم يعاصر المسيح ، ولا الذي يليه ، بل الذي عاصر المسيح – عليه السلام – هو : طيباريوس ، وتولى من بعده غابيوس ، ثم جاء من بعده قلوديوس .. وحكم أربع عشرة سنة ، ومن ثم يكون من المحتمل أن تدوين - إنجيل متى –في آخر العقد الرابع من ميلاد المسيح
– عليه السلام - ، أو في أول أو آخر العقد الخامس وأوائل العقد السادس من ميلاد المسيح .. ثم تُرجِمَ إلى اليونانية .. لذا لا نستطيع الجزم بنسبة الإنجيل الموجود بين أيدينا اليوم إلى ( متى ..) ، لأن الأصل العبري مفقود ، ولا توجد إلا الترجمة اليونانية ، كما أن المترجم مجهول ، ولا مجال للتأكد من مطابقة الترجمة للأصل ، ومن نزاهة المترجِم وكفاءته . ولا شك أن الجهل بتاريخ التدوين ، وبالنسخة الأصلية العبرية ، وبالمُتَرجِم ، ومعرفة حاله من الصلاح .. وعلمه بالدين .. وباللغتين المترجم منها ، والمترجم إليها .. كل ذلك يؤدي إلى زعزعة الثقة في هذا الإنجيل ، المعتبر الأول في العهد الجديد ..
جاء في الموسوعة البريطانية ، أن بابياس ( papias) أسقف هيروبولوس ( hieropolis) المتوفي عام (130م ) قال : ( إن متى ألَّفَ إنجيله بالعبرية ، ........ ثم تقول الموسوعة : إن إنجيل مَتَّى كُتِبَ بالتأكيد من أجل كنيسة يهودية مسيحية ، في محيط يهودي قوي لكن كون مَتَّى هو مؤلف الإنجيل أمر مشكوك فيه ..) ( )
ويقول موريس بوكاي : ( ماهي شخصية متى ..؟ لنقل صراحة إنه لم يعد مقبولاً اليوم القول إنه أحد حواري المسيح ..ويعلل ذلك بأن كاتب إنجيل مَتَّى يبدو مثقفاً ، ومتبحراً في الكتاب المقدس ، والتراث اليهودي ، ومعلماً ماهراً في العرض والإقناع ، ولا يُعقل أن يكون مجرد موظف جمارك يعمل لحساب الرومان ..) ( )
ثم .. إن الأغلاط الكثيرة في هذا الإنجيل تؤكد على عدم إلهامية......منها مثلا:
- في الفقرة الثالثة عشر من الباب الأول من إنجيل متى أن أبيهود بن زور بابل ..وهو غلط ، لأن زور بابل كان له خمسة أبناء كما هو مصرح في الفقرة التاسعة عشر من الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام .. وليس له ابن بهذا الاسم .
- وفي الباب الأول يذكر متى أن العذراء تحمل .. وتلد ابنا يسمونه ( عمانوئيل ) الذي تفسيره : الله معنا .. وهو غلط ، لأنه لم يُعرف أن (عمانوئيل ) من أسماء عيسى ..
- وفي الفقرة السادسة عشر من الباب الثاني ، كتب مَّتى أن هيرودس لما سخر منه المجوس ، أرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها ..من ابن سنتين وما دون ذلك .. وهذا افتراء واضح ، لأنه لم يحدث أن كتب أحد من مؤرخي اليهود أن حادثة جسيمة كهذه قد وقعت .. ولو وقعت لأوردها مؤرخهم يوسيفوس ، مع أنه أورد كثيرا من عيوب هيرودس وجرائمه ..
- وفي الفقرة الثالثة من الباب الرابع عشر يقول متى : ( فإن هيرودس كان قد أمسك يوحنا وطرحه في السجن من أجل هيروديا امرأة فيليبس أخيه ..) .. وهذا غير صحيح كذلك ، لأن اسم زوج هيروديا كان هيرودس ، لا فيليبس ، كما صرح (يوسقيوس ) في الباب الخامس من الكتاب الثامن عشر من تاريخه .
- وفي الفقرة الثامنة والعشرين من الباب التاسع عشر يقول مَتّى : ( فقال لهم يسوع : الحق أقول لكم : أنتم الذين تبعتموني في التجديد ، متى جلس ابن الانسان على كرسي مجده ، تجلسون أنتم أيضا على اثني عشر كرسياً ..) ، وهذا غير صحيح ، لأن يهوذا الاسخريوطي ( أي : القريوتي ، نسبة إلى قرية قريوت شمالي القدس ) واحد من الحواريين الإثني عشر ، وقد ارتد ومات مرتداً على ما ذكر متى .. فلا يمكن أن يجلس على الكرسي الثاني عشر ، أو تكون نبوءة المسيح غير صحيحة ..
2- إنجيل مرقص :
هذا الإنجيل الثاني في ترتيب الأناجيل لدى النصارى، وهو أقصرها؛ إذ إنه يحوي ستة عشر إصحاحاً فقط. أما كاتب الإنجيل فهو في زعم النصارى رجل من أتباع الحواريين، وكان يهوديا من بيت لاوي ، تتلمذ على يد بطرس الرسول ، وقتل في الاسكندرية – كما في أعمال الرسل – عام 68م ، وقد كتب إنجيله بناء على طلب أهل رومية ، وقد كتبه ما بين عامي 60-70 م. ونقل فيه نظريات أستاذه بطرس ، الذي كان يقول بإنسانية المسيح وعدم لاهوته بالمعنى الذي أراده بولس ، كما جاء في أعمال الرسل .( )
والمعلومات عنه عمومتا قليلة جدًّا وغامضة، ولا تتضح شخصيته وضوحاً يُطمئن النفس؛ إذ إن كل ما ورد عنه الإشارة إلى أن اسمه يوحنا، ويلقب بـ : مرقس، وأنه صاحَبَ بولس وبرنابا في دعوتهما، ثم افترق عنهما، فالرجل مجهول؛ إذ لا نعلم شيئاً عن دينه، وعلمه، وأمانته، ونحو ذلك مما يجب توافر معرفته فيمن يكون واسطة لكتاب مقدس.
قال ويل ديورانت نقلا عن بابياس : إن مرقس ألف إنجيله من ذكريات نقلها إليه بطرس .( )
ونقل (يوسابيوس) في تاريخـه الكنسي عن بابياس قوله : (ولقد قال الشيخ أيضاً: إن مرقس
الذي صار مفسراً لبطرس ، قد كتب بكل دقة كل ما تذَكَّره من أقوال وأعمال الرب، ولكن ليس بالترتيب؛ لأنه لم يسمع الرب ولم يتبعه....). هذه أقدم شهادة لدى النصارى عن الكتاب والكاتب، فهي شهادة تذكر أنه كتب ما تذكر، ولم يفصل في المكتوب ما هو..!! فهل تكفي هذه الشهادة في إثبات صحة الكتاب !!، لاشك أنها لا تكفي؛ فإن مثل هذه الأدلة والشواهد لو قدِّمت لدى قاض في قضية لم يقبلها ولم يحكم وفقها. ( )
يقول شيخنا الامام محمد أبو زهرة أنه ورد في كتاب ابن البطريق – وهو مؤرخ مسيحي شرقي - : أ ن بطرس - رئيس الحواريين - ، كتب إنجيل مرقص في مدينة روما ، ونسبه إلى مرقس.( )
ويؤكد كاتب الموسوعة البريطانية هذه الشكوك حول صحة صحة نسبة هذا الإنجيل إلى مرقس حين يقول : ( بالرغم من أن مؤلف إنجيل مرقص غير معروف على الأرجح ، فإن قيمة هذا الكتاب وسلطته مستمدة تقليديا من علاقة مؤلفه المفترضة بالحواري بطرس ..)( )
ويتفق الناقدون الثقاة بوجه عام على أسبقية إنجيل مرقس في الزمن على سائر الأناجيل ، وفي تحديد تاريخه بين عامي : 65-70 ميلادية . ( ) وقالوا : إن جزءه الأخير وجد في بعض المخطوطات القديمة ، ولم يوجد في البعض الآخر .مثل المخطوطة السينيائية ، ومخطوطة الفاتيكان .. واختلفوا في حجمه ، والحوادث التي تضمنها .. وفيه تناقضات واختلافات – كما سنبين –مع الناجيل الأخرى ، نتبين منها أن مرقس لم يكن معصوماً عن الخطأ والنسيان .. وكذلك لم يكن معصوما في التبليغ والتحرير ، وأن إنجيله من ثَمَّ لم يكتب بالهام من المسيح ، لأن الغلط لا يصح أن يكون إلهاميا ومن جانب الله .. وهو يوجد في هذا الإنجيل بلا ريب ، وفي بقية الأناجيل .. لأن أقوالهم متضاربة ، وليسوا على اتفاق ..
ثالثاً: إنجيل لوقا:
هذا الإنجيل الثالث في ترتيب النصارى لكتابهم، ويحوي أربعة وعشرين إصحاحاً. وكاتب الإنجيل في زعم النصارى هو أحد الوثنيين الذين آمنوا بالمسيح بعد رفعه، وكان رفيقاً لبولس (شاؤول اليهودي) ، حيث ذكره بولس في ثلاثة مواضع من رسائله، واصفاً إياه بأنه رفيقه.
ولا يوجد لدى النصارى معلومات عنه سوى أنه رافق بولس في بعض تنقلاته، حيث ورد اسمه في تلك الرحلات. فهو بذلك يعتبر شخصية مجهولة ، وغير معروفة ، ولا متميزة بعدالة وديانة، ومع هذا أيضاً لا يوجد لدى النصارى دليل يعتمد عليه في صحة نسبة الكتاب إليه.
ويعتبر هذا الإنجيل من اوضح وأصرح الأناجيل دلالة على عدم كونه من كتب الوحي ، وذلك لأنه يحمل دليله بنفسه ، ففي افتتاحية الإصحاح الول منه يصرح لوقا بأنه كتب إنجيله لصديق له قائلا : ( إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الأولون الذين كانوا من قبل معا بنين وخداماً للكلمة ، رأيت أنا أيضاً – إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق – أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز –ثاوفيلس- ، لتعرف صحة الكلام الذي علِّمت به ..) وكفى دليلا بهذا الكلام على أن الأناجيل من وضع أناس عاديين ، وليست بكتب وحي .
وقد اختلفت كلمات الباحثين حول لوقا ، والغلب على أنه من أهل أنطاكية ، وأنه كان تلميذ بولص الذي كان عدوا لدودا للنصارى ، وهو الذي شيد أركان النصرانية ، وحلل الكثير مما حرمته التوراة ، وهو الذي أدخل العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ..
وقد اتفقت كلمات العلماء على أن لوقا لم ير السيد المسيح – عليه السلام - ، وقد كتب إنجيله باللغة اليونانية بين عامي 60-70 ميلادية ..على أشهر الأقوال .
قال ول ديورانت : ( وأكبر الظن أن لوقا نفسه كان من غير اليهود ، وأنه كان صديق بولص ، مؤلف سفر أعمال الرسل ، وهو يقتبس كثيرا من كتابات مرقص ، كما يقتبس منها مَتَّى ..فإنك لتجد في إنجيل متى ستمائة آية من الستمائة والإحدى والستين التي يشتملعليها النص المعتمد لإنجيل مرقص ، وتجد منها ثلاثمائة وخمسين في إنجيل لوقا ، تكاد تكون هي بنصها ، وفي إنجيل متى كثير من الفقرات التي توجد في لوقا ، ولا توجد في إنجيل مرقص ..( )
وإنجيل لوقا هو الإنجيل الوحيد الذي له مقدمة ، وهذه المقدمة موجهة إلى رجل اسمه : ثاوفيلس وهو بنفسه صاحب المقدمة في أعمال الرسل ، ومن هنا يرى الكثير أن مؤلف إنجيل لوقا وأعمال الرسل واحد . ( )
رابعاً: إنجيل يوحنا:
هذا الإنجيل الرابع في ترتيب العهد الجديد، وهو إنجيل متميز عن الأناجيل الثلاثة قبله؛ إذ تلك متشابهة إلى حد كبير، أما هذا فإنه يختلف عنها؛ لأنه ركَّز على قضية واحدة، وهي إبراز دعوى ألوهية المسيح وبنوته لله ، - تعالى الله عن قولهم - بنظرة فلسفية لا تخفى على الناظر في الكتاب، لهذا يعتبر هو الكتاب الوحيد من بين الأناجيل الأربعة الذي صرَّح بهذا الأمر تصريحاً واضحاً. وإذا بحثنا في صحة نسبة الكتاب إلى يوحنا الذي يزعم النصارى أن الكتاب من تصنيفه نجده أقل كتبهم نصيباً من الصحة؛ لعدة أدلة أبرزها منكروا نسبة الكتاب إلى يوحنا الحواري وهي:
1- أن بوليكاربوس الذي يقال: إنه كان تلميذاً ليوحنا. لم يشر إلى هذا الإنجيل عن شيخه يوحنا، مما يدلُّ على أنه لا يعرفه، وأن نسبته إلى شيخه غير صحيحة.
2- أن الكتاب مملوء بالمصطلحات الفلسفية اليونانية التي تدلُّ على أن لكاتبه إلماماً بالفلسفة اليونانية، ولكن يوحنا كان يمتهن حرفة الصيد، مما يدلُّ على أنه بعيد عن الفلسفة ومصطلحاتها.
3- أن النصارى الأوائل لم ينسبوا هذا الإنجيل إلى يوحنا الحواري المزعوم، وأن (يوسابيوس) الذي كان يسأل (بابياس) عن هذه الأمور يقول: (الواضح أن بابياس يذكر اثنين اسمهما يوحنا: الأول: الرسول وقد مات، والثاني: الشيخ وهو حيٌّ. ويلوح أنه هو الذي كتب الإنجيل). فلهذا يقول القس (فهيم عزيز) بناء على ذلك: (إن الكنيسة كانت بطيئه في قبولها لهذا الإنجيل). وبناءً على ذلك فمنذ نهاية القرن التاسع عشر ظهر الاعتراض على نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا بشكل واسع، ووصفته (دائرة المعارف الفرنسية) بأنه إنجيل مزور، وهذه الدائرة اشترك في تأليفها خمسمائة من علماء النصارى، ونص كلامهم: (أما أنجيل يوحنا فإنه لا مرية ولاشك كتاب مزور، أراد صاحبه مضادة اثنين من الحواريين بعضهما لبعض، وهما القديسان يوحنا ومتى، وقد ادَّعى هذا الكاتب المزور في متن الكتاب أنه الحواري الذي يحبه المسيح، فأخذت الكنيسة هذه الجملة على علاتها، وجزمت بأن الكاتب هو يوحنا الحواري، ووضعت اسمه على الكتاب نصًّا، مع أن صاحبه غير يوحنا يقيناً، ولا يخرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التوراة التي لا رابطة بينها وبين من نسبت إليه،). نقول مع هذه الاعتراضات، ومع عدم وجود أدلة تثبت صحة نسبته إلى يوحنا الحواري المزعوم، فلا يجوز لعاقل أن يدعي صحة نسبته إلى يوحنا، فضلاً عن أن يزعم أنه كتاب مقدس موحى به من الله، فهذا فيـه افتراء عظيم علـى الله عزَّ وجلَّ، وإضلال لعباد الله بالباطل.
( )
الأناجيل الأربعة في الميزان :
يسند النصارى كتبهم إلى الله - عزَّ وجلَّ - عن طريق الإلهام إلى كتَّابها، والدارس لهذه الكتب لا يستطيع أن يتبين صدق هذه الدعوى ؛ بل قد تبين أن النصارى لا يوجد عندهم دليل يثبت صحة نسبة كتبهم إلى أولئك الناس الذين نُسبت إليهم، فعليه لا يمكن اعتبارها كتباً صحيحة، ولا يجوز لعاقل أن ينسبها إلى أولئك الرجال، فضلاً عن أن ينسبها إلى الله - عزَّ وجلَّ - . ومما يؤكد عدم صحتها :
الاختلافات الكثيرة بينها......... وكذلك : الأغلاط العديدة فيها..
فإذا قارنا بين الأناجيل الأربعة نجد بينها اختلافات جوهرية تدل على خطأ كُتَّابها، وأنهم غير معصومين ولا مُلهَمين، وأن الله - عزَّ وجلَّ - ، ورسوله عيسى- عليه السلام- بريء منها ، ومن الأمثلة على ذلك:
1- نسب المسيح - عليه السلام - : فالنصارى لم يستطيعوا أن يضبطوا نسب المسيح - عليه السلام - ، ولم يتفقوا عليه، فأعطاه كلٌّ من صاحب إنجيل متى ، وصاحب إنجيل لوقا نسباً مختلفاً عن الآخر..
مَتَّى : نسبَ المسيح إلى يوسف بن يعقوب، وجعله في النهاية من نسل سليمان بن داود
- عليهما السلام - .
أما لوقا :فنسبه إلى يوسف بن هالي، وجعله في النهاية من نسل ناثان بن داود- عليه السلام - .
وجعل مَتَّى آباء المسيح إلى داود - عليه السلام - سبعة وعشرين أباً..
أما لوقا فجعلهم اثنين وأربعين أباً، وهذا فرق كبير بينهما يدل على خطئهما ،
أو خطأ أحدهما قطعاً.
2- ذكر إنجيل متَّى (11/13) من كلام المسيح عن يوحنا المعمدان (يحيى - عليه السلام- ) قوله: (لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبؤوا، وإن أردتم أن تقبلوا فهذا إيليا المزمع أن يأتي من له أذنان للسمع فليسمع). وورد في إنجيل متَّى أيضاً (17/1) أنهم سألوا المسيح -عليه السلام فقال: (وسأله تلاميذه قائلين: فلماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً، فأجاب يسوع وقال لهم: إن إيليا يأتي أولاً ويرد كل شيء، ولكني أقول لكم: إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا، كذلك ابن الإنسان أيضا سوف يتألم منهم، حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان). فالمسيح هنا يبين أن يحيى عليه السلام هو إيليا. ويخالف هذا قول يوحنا في إنجيله (1/19) حين جاء اليهود يسألون يحيى عن نفسه حيث قال: (أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت، فاعترف ولم ينكر ، وأقر أني لست أنا المسيح، فسألوه من أنت، إيليا أنت ؟ فقال: لست أنا. النبي أنت ؟ فأجاب لا.
فقالوا له: من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا ؟ ماذا تقول عن نفسك ؟ قال: أنا صوت صارخ في البرية قَوِّمُوا طريق الرب كما قال إشعيا النبي). فهنا أنكر يحيى -عليه السلام - أن يكون هو إيليا، وهذا تناقض واضح.
3- ذكر متى في إنجيله (20/29-34) أن عيسى -عليه السلام- لما خرج من أريحا قابله أعميان فطلبا منه أن يشفيهما من العمى فلمس عيونهما فشفيا. وقد ذكر هذه القصة مرقص في (10/46-52) وبين أن بارينماوس الأعمى ابن نيماوس هو الذي طلب ذلك فقط.
4- أن مرقص ذكر في (6/8) أن عيسى- عليه السلام -أوصى حوارييه حين أرسلهم للدعوة في القرى بأن لا يحملوا شيئاً للطريق غير عصا فقط ، لا مزوداً، ولا خبزاً، ولا نحاساً، وذكر ذلك لوقا في (9/3) إلا أنه قال: إن عيسى -عليه السلام- أوصاهم وقال لهم: (لا تحملوا شيئاً للطريق لا عصا ولا مزوداً ولا خبزاً ولا فضة) ففي الأول أجاز لهم حمل العصا، والثاني نهاهم عن حمل العصا أيضاً.
5 - ذكر إنجيل متى أسماء تلاميذ عيسى الاثني عشر فقال (10/2): (وأما أسماء الاثني عشر رسولاً فهي هذه: الأول سمعان الذي يقال له: بطرس، وإندراوس أخوه، يعقوب بن زبدي، ويوحنا أخوه، فيلبس، وبرثولماوس، توما، ومتى العشار، يعقوب بن حلفى، ولباوس الملقب تداوس، سمعان القانوني، ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه).
وذكر مرقص في(3/16) الأسماء فوافق فيها متى، وخالفهما لوقا حيث حذف من قائمة متى (لباوس الملقب تداوس) ووضع بدلاً عنه (يهوذا أخا يعقوب).
6- اختلافهم في الذين حضروا لمشاهدة قبر المسيح بعد دفنه المزعوم ووقت ذلك، حيث يقول متى (28/1): (وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية، ومريم أخرى لتنظرا القبر). وفي إنجيل مرقص (16/1) يقول: (وبعد ما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه، وباكراً جدًّا في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس). وفي إنجيل لوقا (24/1) يقول: ( ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس)
وفي إنجيل يوحنا (20/1) يقول: ( وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باق، فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر).
فهذه بعض الاختلافات ويوجد غيرها الكثير، وهي تدلُّ دلالة واضحة على أن في الكتاب صنعة بشرية، وتحريف وتبديل .
كما أنَّ في الأناجيل أغلاط وأخطاء كثيرة أيضاً، نذكر منها:
1- قال متى في إنجيله (27/51) بعد الصلب المزعوم للمسيح وإسلامه الروح: (وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تفتقت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين). فهذه الحكاية التي ذكرها متَّى لم يذكرها غيره من كتَّاب الأناجيل مما يدلُّ على أن كلامه لا حقيقة له؛ لأنها آية عظيمة تتوافر الهمم على نقلها.
2- ورد في إنجيل متَّى (12/40) وكذلك في (16/4) أن المسيح قال: (إنه لن يعطي لليهود آية إلا آية يونان (يونس عليه السلام ). ونصه: (لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال). وهذا غلط؛ لأن المسيح - عليه السلام - في زعمهم صلب ضحى يوم الجمعة، ومات بعد ست ساعات، أي: وقت العصر، ودفن قبيل غروب الشمس، وبقى في قبره تلك الليلة، ونهار السبت من الغد، وليلة الأحد، وفي صباح الأحد جاؤوا ولم يجدوه في قبره، مما يدل على أنه مكث في زعمهم ليلتين ويوماً واحداً فقط، فيكون كلام متَّى السابق غلط واضح.
3- جاء في إنجيل لوقا (1/30) في البشارة بالمسيح قوله: (ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية). وهـذا خطأ بيِّن؛ لأن المسيح - عليه السلام - لم يكن ملكاً لليهـود، ولا ملكـاً على آل يعقوب، بل كان أكثرهم معادين له ، إلى أن رفع إلى السماء بسبب محاولتهم قتله.
4- ورد في إنجيل مرقس (11/23): ( فأجاب يسوع وقال لهم: ليكن لكم إيمان بالله؛ لأن الحق أقول لكم: إن من قال لهذا الجبل: انتقل وانطرح في البحر. ولا يشك في قلبه، بل يؤمن أن ما يقوله يكون، فمهما قال يكون له، لذلك أقول لكم: كل ما تطلبونه حينما تصلون، فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم). وورد أيضا في إنجيل مرقس (16/17): (وهذه الآيات تتبع المؤمنين، يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة جديدة، يحملون حيات، وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرؤون ). وفي إنجيل يوحنا (14/12): ( الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً، ويعمل أعظم منها؛ لأني ماض إلى أبي، ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله).
فهذه النصوص الثلاثة لاشك في أنها خطأ، فلا يستطيع النصارى أن يدعوا ذلك لأنفسهم.
كما أن عبارة إنجيل يوحنا فيها مغالاة شديدة، حيث زعم أن من آمن بالمسيح يعمل أعظم من أعمال المسيح نفسه، وهذا من الترهات الفارغة .
وبعد :
فلكل ما سسبق ذكره ، يتضح أن النصارى- وكذلك اليهود من قبلهم- لم يقدِّموا لأنفسهم ، ولا لأهل ملتهم من المستندات والأدلة ما يثبتون به صحة كتبهم، بل لا يعرفون طريقاً إلى شيء من المستندات الصحيحة...
يقول الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه العظيم (إظهار الحق): (ولذلك طلبنا مراراً من علمائهم الفحول السند المتصل، فما قدروا عليه، واعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم، فقال: إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على النصارى إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة). وفي هذا كفاية ودلالة على أن تلك الكتب التي تُسمَّى الأناجيل كتب لا يملك أصحابها أي مستند يمكن الاعتماد عليه في صحة نسبتها إلى من ينسبونها إليه، فضلاً عن أن يصحَّ نسبتها إلى المسيح- عليه السلام- ، أو إلى الله -عزَّ وجلَّ -.وأحسن أحوالها أن تكون متضمنة لبعض ما أنزل الله -عزَّ وجلَّ - ، على عيسى - عليه السلام - .( )
كما أننا نستطيع أن نقول بثقة :
إن المسيحية لا تتفق والعقل لتكون حاكمة عليه، وهادية له ..
والمجتمعات المسيحية الآن – إن صح هذا التعبير - لا تحكمها المسيحية ، والنظم فيها لا تعتمد على العقيدة المسيحية ، بعدما تم فصل الدين عن الدولة ، وإنما تعتمد على القوانين الوضعية ، كما أن المسيحية لم تتضمن شريعة تنظم المجتمع .. ومن هنا ذهبت كل دعوات المسيحية إلى السماحة الإنسانية هباء .. وغلبتها روح الاستعمار الخبيثة .
http://pulpit.#######voice.com/articles/2010/09/24/210155.html