جمال المر
2010-09-25, 02:43 PM
بطريرك الأقباط الأرثوذكس الأنبا شنودة الثالث يتحدث إلى "النهار": عددنا 12 مليوناً وعلاقتنا بالدولة جيدة
http://www.annahar.com/media/images/Sat_pix/main/p01-01-24173_01.jpg
في غفلة، عمّت الفرحة المكان، وخطف الوجه المبتسم كل الاهتمام، كل انحناءة، كل قبلة طبعت على اليد الطرية، كل تحية، كل نظرة. قداسة البابا، قداسة البابا"، رددت الالسن باحترام. وتقدم بابا الاقباط الارثوذكس والكرازة المرقسية الانبا شنودة الثالث وسط منتظريه المحبّين، واقفا بينهم، ملقيا التحية، مباركا، مبتسما، سائلا ذاك عن اسمه، وآخر عن الحال، ليجلس اخيرا في وسطهم... في جلسة بسيطة، فرحة، لم يُقَل فيها الا الابتسامات، وتسارعت فيها الاشارات: ايد امتدت مرارا لتنال بركة منه، لتلثم صليبه او يده، صورة التقطت مع هذا، واخرى مع تلك... وكان ختامها شوكولاته طيّبة وزعها البابا على الجميع... مبتسما. لديه ما يقوله ويشرحه ويؤكده، في ظل اجواء غير مطمئنة بدأ المصريون الأقباط يواجهونها مع "جماعة معينة" من المسلمين المتطرفين ذهبت الى حد التهديد وسوق الاتهامات والتحريض ضدهم. "اذا اتهم اناس خارجون عن النظام الكنيسة، فلا تقبل الدولة ولا الشعب هذا الاتهام"، يقول لـ"النهار". من قضيتي "كاميليا" و"جواز" الزواج الثاني، الى العلاقة بالسلطة والمسلمين وغيرها، تشعب الحديث مع الانباء شنودة، ليشمل ايضا الوجود المسيحي في الشرق. وكان تأكيده: "نحن لا نخاف اطلاقا، ولا نقلق اطلاقا. ومم نخاف؟".
في صباح الاحد الفائت، فتح باب مكتبه في مقره في البطريركية المرقسية في الاسكندرية، حيث كان يمضي عطلة نهاية الاسبوع كالعادة. واجاب عن كل سؤال، عن "كل حاجة". وكان معه هذا الحوار:
• كيف تقوّم وضع الاقباط في مصر حاليا؟
- نشكر ربنا على وضعهم. الكنيسة في نمو مستمر، في العدد والاقتصاد والرهبنة والبعثات الخارجية. أصبح لدينا في المهجر، مذ تسلمت مسؤوليتي، نحو 260 كاهنا في اميركا وكندا، و50 الى 60 في اوستراليا، ولنا كنائس كثيرة في اوروبا. في فرنسا، لدينا اسقف وكهنة كثر، وفي ايطاليا اسقفان، الاول في روما والآخر في ميلانو. لدينا اسقف ونحو 9 كنائس في المانيا، وكنيسة في كل من سويسرا وهولندا ورومانيا وبلجيكا. كذلك في النمسا لنا اسقف. كنائسنا في المهجر منتشرة انتشاراً كبيراً، اذ يمكن اي انسان مسافر الى اي بلد من بلاد المهجر ان يجد كنيسة يصلي فيها "وهو مستريح". في مصر ايضا، ازدادت كنائسنا واديارنا. وعندنا شعب في بلاد الخليج وابو ظبي ودبي والشارقة والكويت، ولدينا مطران في القدس. ولدينا كنيسة جديدة في لبنان. انتشار الكنيسة يزيد.
• هل لدى الكنيسة احصاء لعدد الاقباط الارثوذكس حاليا؟
- تعداد الاقباط نحو 12 مليونا. في بلاد المهجر، نحو مليون على الاقل. لكننا لا نهتم بالعدد، بقدر ما نهتم بالحياة الروحية لشعبنا. والحياة الروحية قوية لدينا، بنعمة ربنا، والاجتماعات كثيرة جدا في الكنائس، وقد يقام قداسان او اكثر يوميا في كل كنيسة. وفي بعض الكنائس، لدينا 12 كاهناً لان الشعب كثير، ومن كثرته خلال التناول، يقف كاهنان في جهة، وكاهنان آخران في جهة اخرى، ليؤمنوا المناولة للشعب. نشكر ربنا. الاجتماعات الدينية كثيرة جدا، وهدفنا الحياة الروحية للشعب، واساقفتنا نشيطون. من زمان، كان الاسقف عبارة عن شخص يجلس على كرسي عال يمنح البركات و"صالح" الدعوات. وكان ذلك يكفي. ربما كنت اول اسقف بدأ التعليم في شكل كثيف. وعندما صرت بطريركاً ابدوا استغرابهم: هل استمر في التعليم ام لا؟ لكنني استمررت، ولدي اجتماع اسبوعي كل اربعاء يحضره 6 او 7 آلاف. ولدي اجتماع في الاسكندرية تبدو خلاله الكنيسة "فوق الوصف"، لاننا نهتم بالتعليم لدينا. وكل محاضرة نلقيها تسبقها اجابات عن اسئلة يوجهها الشعب. لذلك هناك تواصل بيننا وبين شعبنا عبر هذه اللقاءات والاسئلة. ونرى ان الكهنوت ليس سلطة بل خدمة. لذلك نحن مع الناس في بساطة شديدة، وهذا ما يزيد التواصل بيننا وبينهم.
"زوبعة في فنجان"
• لدى الوصول الى مصر، اول ما يثار هو التوتر المستجد بين بعض المسلمين والكنيسة القبطية، والذي ظهر جليا في وسائل اعلام وعبر مقالات نشرت وبيانات صدرت هنا وهناك. إلام تعزو هذا التوتر؟
- نحن لا ننزعج اطلاقا، لاننا نشعر باننا دائما في حفظ الله نفسه. وحياتنا ليست في ايدي الناس، بل في يد الله. واذا وُجِدَ بعض التوتر، كما سمعت، فهو من جماعة معينة. اما الدولة، فلنا علاقة طيبة جدا بها وبكبار رجالها والناس المشهورين، ولنا عندهم نوع من التقدير والمحبة. لكن من يقومون بالضوضاء لا يمثلون الشعب. ووضعهم منتقد، لانه مفروض باي انسان مخلص لوطنه الا يثير انقساما في هذا الوطن.
• من الواضح ان تحديات عديدة تبرز حاليا امام الاقباط الارثوذكس. كيف تواجهونها؟
- نشكر الله لان الكنيسة وحدة متحدة، لا انقسام اطلاقا فيها. وهذه الوحدة لا ينالها شيء من الزوبعة التي يمكن ان تصل. وحاليا مجمعنا المقدس يضم اكثر من 90 اسقفاً، وقد رسمت 116، بينهم 5 من اريتريا، وبطريركان اريتريان. ويزداد عدد الابرشيات، بعضها في مصر، وبعضها الآخر في الخارج.
• الكنيسة القبطية في موضع اتهام على لسان بعض المسلمين حاليا.
- (مقاطعا) "شوفي". الكنيسة ليست في موضع اتهام. واذا اتهمها اناس خارجون عن النظام، فلا تقبل الدولة ولا الشعب هذا الاتهام. لكنهم يحاولون ان يتصلوا باشخاص ليسوا على المستوى. وكل هذا لا يضرنا بشيء اطلاقا، اطلاقا. نحن نرى كل هذه الاشياء، ونطلب من الرب ان يغفر لهم ويهديهم الى طريق الخير.
• ولكن ما كان شعورك، عندما علمت بهتافات اطلقها ضدك متظاهرون مسلمون غاضبون امام احد المساجد في القاهرة قبل مدة؟
- "ولا يهمني". يمكن ان اقول لك انها زوبعة في فنجان. لا نتضايق من هذه الامور، لانهم يستغلون جهل الناس كي يثيروهم. على صعيد كاميليا (شحاته زاخر-زوجة راعي كنيسة مار جرجس في دير مواس في المينا الكاهن تداوس سمعان)، ظنوا انها اسلمت، لكنها لم تسلم اطلاقا. وقالوا انها ذهبت الى الازهر، والازهر اعلن رسميا انها لم تخط ابوابه.
• لكن اين هي كاميليا حاليا؟
- في مكان آمن. هم يظنون ان اسلامها مكسب كبير لهم، لان زوجها كاهن. ولكن لم يحدث اطلاقا انها اسلمت. وكانت النتيجة انها اذاعت بالصوت والصورة انها مسيحية، ولم يحصل انها اسلمت. وسألت عن سبب ما يحصل ولماذا هذا التشهير بها وبزوجها وعائلتها.
• يقول المتهمون ان هذه الاقوال ادلت بها تحت الضغط. ما ردّك؟
- ضغط ممن؟
• من الكنيسة.
- "معليش". لا مصلحة للكنيسة في الضغط على احد. والدين لا يأتي بالاكراه. الدين مشاعر داخل القلب، وايمان داخل القلب، ولا يمكن ان يأتي بالضغط. هل يعقل ان يتم الضغط على احدهم كي يؤمن؟ الامر ليس معقولا. فلم يحدث انها اسلمت. لكن الضجيج يحدث، ويتهموننا باننا اخذناها وخطفناها واغلقنا عليها واننا وضعناها في دير، وهي لم تدخل ديراً من اديارنا. كل هذه الاقوال اكاذيب. ونحن في المسيحية لا نحب ان يعلو صوتنا كما يعلو صوتهم. السيد المسيح علمنا حياة الوداعة والاتضاع، فلا نقابل السيىء بالسيىء، والتظاهرات بالتظاهرات.
• لكن لماذا لا يزال الجدل حول هذه القضية مستعرا حتى اليوم؟ قلت ان كاميليا في مكان آمن، لكنهم لا يزالون يطالبون بها.
- هل الاسلام سيزيد بانضمام امرأة اليه حتى تثار هذه الضجة كلها؟ المشكلة انها زوجة كاهن. ومفروض بزوجة كاهن ان تعيش في الكنيسة طوال الوقت في جو ديني. فاذا كانت زوجة كاهن اعلنت اسلامها، ذلك يعني (على ما يقصدونه) ان المسيحية (في ضعف). يا ابنتي، لدينا اكثر من 3 آلاف كاهن في مصر. فهل يمكن ان تقلب امرأة كاهن الوضع كله؟ "مش معقول". كذلك، قالت من كل قلبها انها لم تسلم، وانها مسيحية. حتى هذه اللحظة لم ارها. ولا مصلحة اطلاقا لنا في الضغط. وعندما تكلمت في الاذاعة، كانت تتكلم بصوت طليق، غير مضطرب.
• هل تمانع ان تتحول قبطيات ارثوذكسيات الى الاسلام؟
- ترك الايمان ليس امرا سهلا. واذا ترك انسان ايمانه المسيحي، فبالطبع نحزن من اجله. نحزن، لكن لا نقيم ضجة. "يعني مش معقول. دول برضو بناتنا. فلما يلاقي واحد بنتو تركت، بالطبع يتعب من اجلها". لكننا لا نقيم ضجة من اجل ذلك.
• قداسة البابا، هل ترى استهدافا مباشرا للكنيسة القبطية الارثوذكسية، من خلال قضية كاميليا وغيرها والمنحى الذي تتخذه الامور حاليا؟ ولماذا؟
- من الممكن ان تكون مستهدفة من دون سبب. لكن لدينا وعد من ربنا ان ابواب الجحيم لن تقوى عليها. وفي التاريخ، مرت علينا ايام كثيرة، ومع ذلك لا تزال الكنيسة قائمة واقوى مما كانت عليه من قبل.
"لا تحدّ للقانون بل تمسك بالعقيدة"
• لائحة اتهامات المتهمين تشمل ايضا موضوع الزواج الثاني وابطال حكم قضائي بهذا الخصوص، اذ يقول بعضهم ان ما حققته الكنيسة لمصلحتها تجاوز للقوانين المصرية. هل تخطت الكنيسة القوانين؟
- في الاحوال الشخصية، قانوننا هو تعليم الانجيل، واي شيء ضد تعليم الانجيل لا نقبله. مهما حكم علينا فهذا الامر لا يغير اي شيء فينا، لاننا امناء على تعليم الانجيل. وهو واضح: لا طلاق الا لعلة (الزنى في متى 5/32، ومتى 19/9 ومرقس 10/11، ولوقا 16/18) يضاف الى ذلك الانفصال لتغيير الدين كما ورد في رسائل بولس. وحتى اجتماعيا، عندما يكون اثنان في دين متغير، لا يستطيعان ان يعيشا بسلام. والاولاد يبقون موزعين ما بين دين هذا ودين ذاك وتختلف الحياة الدينية. فلغير تعليم الانجيل، لا نسمح بالطلاق.
المحكمة حكمت مثلا بتطليق الاثنين، فيتطلقان، وكل منهما يذهب "الى حاله"، لكن عندما يأتي احدهما ليتزوج عند الكنيسة، فلا نستطيع ان نزوجه. فالمحكمة يجوز لها ان تطلق، لكن ليس من حقها ان تزوج. الزواج عمل من اعمال الكهنوت لدينا. ولا تستطيع المحكمة ان تضغط علينا. نحن لا نزوج الا بتعليم الدين فقط.
• كان موقف الكنيسة حازما في هذا الخصوص، لكن بعضهم يرى فيه تحديا للقانون. ما قولك؟
- لا، ليس تحديا للقانون، بل تمسك بالعقيدة. والشريعة الاسلامية نفسها تقول عن غير المسلمين: احكم بينهم بحسبما يدينون، او تطبق عليهم شرائعهم. وهذا تعليم اسلامي معروف. واذا كنا نحن نتمسك بالانجيل، فالقرآن يقول ايضا: فليحكم اهل الانجيل بما انزل الله فيه، ومن لا يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الفاسقون. والقرآن يقول ايضا ان الانجيل نور والتوراة نور.
• هل تتوقع اثارة هذا الموضوع في المستقبل في شكل يجعل الكنيسة تتراجع عن موقفها؟
- من اجل هذا شكّل وزير العدل لجنة لوضع قانون للاحوال الشخصية للمسيحيين. وقد تقدمنا بمشروع قانون بهذا الخصوص منذ 30 عاما. وبدأت حاليا دراسة الامر، لكن المشروع يبقى مشروعا الى ان يقره البرلمان.
• كيف تتحرك الكنيسة القبطية داخل البرلمان من اجل اقرار المشروع؟
- حاليا، لدينا انتخابات برلمانية في تشرين الثاني المقبل. والامور ستتمهل (الى حين تشكيل البرلمان الجديد).
• ولكن هل انت متفائل بامكان اقرار مشروع القانون هذا؟
- لدي ايمان بالله.
"سيختارون من يقفون الى جانبهم"
• اتهام آخر يوجهه هؤلاء يقول بان الكنيسة اقحمت نفسها في "موقف خطير" من خلال كلام على تأييد النظام الحالي في الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة، بما من شأنه ان يضعها في مواجهة مع افرقاء من المسلمين. هل لديك اي خشية في هذا الاطار؟
- نترك لكل قبطي ان يختار وفق ما يشاء، وبوحي ضميره.
• لكن رأيك، قداسة البابا، يحترمه الاقباط ويجلونه ويقتدون به، وهو مؤثر.
-لو دفعت الناس في طريق لبدأ الفريق الآخر بالاتهام. فخير للانسان ان يسلك بحكمة.
• تترك اذا لكل قبطي ان ينتخب من يراه مناسبا؟
- بالطبع. ولا شك في ان الاقباط يعرفون من هم الذين يقفون معهم، ومن هم الذين يقفون ضدهم. وبكامل ارادتهم، سيختارون من يقفون الى جانبهم، كأي شعب آخر.
• ثمة من يقول ان القبطي يجد ان مصلحته تقتضي تأييد النظام الحالي، لكن ذلك قد يكلفه غاليا في المستقبل. ما رأيك في هذا المنطق؟
- ولماذا يقف المسلمون ضد النظام؟ الكتاب المقدس يدعونا الى طاعة الحكام. ونحن ايضا نصلي في كل قداس من اجل الحاكم والوزراء والبلد، من اجل كل حاجة. ومن مصلحتنا ان يكون النظام مستتبا، ولا تكون هناك "قلاقل" تتعب الكل، تتعبنا وتتعب غيرنا وتتعب النظام.
• قداسة البابا، هل الاقباط الارثوذكس خائفون على وجودهم في مصر حاليا؟
- نحن لا نخاف اطلاقا، ولا نقلق اطلاقا. ومم نخاف؟
• شهدنا اخيرا سجالا اعلاميا حادا بين الانبا بيشوي والدكتور محمد سليم العوا وغيره. ما موقفك مما حصل ويحصل؟
- اذا وجد خلاف، يمكن ان يحل بحوار فردي هادىء. اما ان ينتقل خلاف من اثنين الى الشعب كله، فهذا امر غير لائق. الامر يعتمد للاثارة. وبالطبع الامور تهدأ مع الوقت. انظري الى قدح الماء هذا (حمل قدحا ممتلئا كان امامه، وحركه قليلا، مما جعل الماء تضطرب داخله). ان يهدأ (الماء) يتطلب وقتا، "لكنها (اي المسألة) رح تطلع على ما فيش"، اي انها ستنتهي الى لا شيء، لان الشعب لا يسعده الانقسام والثورات وهذه الامور. ومسألة الاقباط ليست جوهر ما يتعب الشعب. من الممكن ان تكون المسألة الاقتصادية بالنسبة اليه اهم واعمق من موضوع الاقباط.
• كيف تجد العلاقة بين الاقباط الارثوذكس والمسلمين الذي يعيشون معهم في مصر؟
- علاقتنا بالقادة طيبة. وبالشعب؟ لا سبب لنزاع بين الشعب والشعب، الا اذا حصلت اثارة من هذا النوع. وبالنسبة الى هذه الاثارة، الناس ليسوا مستعدين لان يبذلوا كل طاقاتهم من اجل هذه المواضيع. المسلمون ايضاً في خلاف مع بعضهم البعض، وليس مع الاقباط فقط.
• هل الاقباط يؤثرون حاليا الانعزال في علاقتهم ببقية المسلمين، علما ان بعضهم يعزو هذا الانعزال الى القوة التي تتمتع بها حاليا المؤسسة الكنسية والحماية التي تؤمنها لهم؟
- الشعب القبطي يشتغل في المجتمع في كل نواحيه. لدى بعض الشعوب، اذا لم يجد الناس مجالا للعمل في السياسة، يلجأون الى الاقتصاد و(يهتمون بان) يزداد اكثر. لنفترض ان شخصا ما لا يجد له وظيفة في الحكومة، فيضطر الى اللجوء الى العمل الخاص وينجح به اكثر.
• اليست هذه هي حال الاقباط في مصر؟
- لكن الاقباط "منضمون الى كل حاجة".
• حتى في العمل السياسي؟
- وفق ما يُتاحُ لهم.
• كم يتاح لهم؟ وهل يطالبون باكثر مما لهم اليوم؟
-انا شخصيا لا مطالب سياسية لي اطلاقا، لان عملي روحي بحت. لكنني انصح الدولة بانه، كلما كان الاقباط مشتركين في كل شيء، فهذا يكون في مصلحتها، اولا على صعيد تضامن الناس، وثانيا على صعيد سمعتها في الخارج لجهة نصيب الأقل عددا.
• هل تشجع اندماج الاقباط في النشاط الاجتماعي في مصر؟
- بالطبع. ونشجعهم على ان يخوضوا الانتخابات والعمل السياسي، لانه لو لم يفعلوا ذلك، لاتهموهم بالسلبية، والانعزالية. ندعوهم الى الاندماج على كل الصعد، وهم يندمجون اجتماعيا. ارجو ان تميزي ما بين المعتدلين دينيا وبين المتشددين او المتعصبين دينيا. مع المعتدلين، العلاقة طيبة في كل النواحي.
"ماذا يُعمَل من اجل الوجود المسيحي؟
• موضوع الحضور المسيحي في الشرق مثار اهتمام كبير. وسيكون موضع بحث في السينودس الخاص من اجل الشرق الاوسط الذي دعا اليه الفاتيكان من 10 تشرين الاول المقبل الى 24 منه. ما المطلوب من هذا اللقاء في رأيك؟
- لنا لقاء مع الكنيسة الكاثوليكية، ولنا حوار باستمرار. والانبا بيشوي هو ممثل الكنيسة في هذا الحوار. و"بيني وبينك"، للمرة الاولى منذ مجمع خلقيدونية العام 451 والانقسام بين الكنيستين، زرت الفاتيكان العام 1973 في مناسبة مرور 16 قرناً على انتقال البابا اثناسيوس الرسول. ووقعت اتفاقا مع البابا بولس السادس. ولا يزال هناك حوار مع الكنيسة الكاثوليكية حتى هذا اليوم. وقداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني زارنا في مصر، واستقبلناه استقبالا فيه كل الترحيب في مقرنا في القاهرة. العلاقة طيبة، ولا نزاع بيننا وبين الفاتيكان.
• من المواضيع المثارة مسيحيا تفعيل الشراكة بين مختلف الكنائس. ما رأيك في ذلك؟
- حكاية الوجود المسيحي في الشرق الاوسط كانت باستمرار ولمدة طويلة جزءا من جدول اعمال مجلس كنائس الشرق الاوسط. المهم ليس الموقف المسيحي في الشرق الاوسط، بل ماذا يُعمَل من اجله، ويبقى السؤال حائراً. لنقل: ما حال المسيحيين في الشرق الاوسط، وخصوصا ان كثرا منهم هاجروا منه- وان كانت الهجرة غير سهلة حاليا، لكنها كانت كبيرة في مصر في القرن الماضي- واصبح عدد المسيحيين في عدد من البلدان يتراجع؟ وماذا يُفعَل من اجل الوجود المسيحي؟
• هل تدعو اذا الى خطوات عملية من اجل تعزيز هذا الوجود؟
- كيف تكون هذه الخطوات؟ يجب التنبه الى ان وحدة المسيحيين شيء ووجودهم شيء آخر. وجودهم على صعيد العدد شيء، وعلاقتهم ببعضهم البعض شيء آخر. فلا اعرف ماذا سيكون حال هذا السينودس ونتائجه. ليقم ربنا بما فيه من خير.
• اطلق بطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس يوسف الثالث يونان دعوة الى تفعيل الشراكة بين المسيحيين الشرق اوسطيين، من اجل عيش افضل للشهادة. هل الاقباط الارثوذكس مستعدون لمدّ اليد الى هذه الشراكة؟
- نحن مستعدون. لكن ما نوع هذه الشراكة؟ علاقتنا طيبة (ببقية الكنائس). وفي كل الاعياد، نتبادل التهاني، واذهب الى الاقباط الكاثوليك والروم الكاثوليك والروم الارثوذكس، وهم يأتون اليّ. وبيننا مودة. لكن ما نوع الشراكة المقصود بها؟
• ما رسالتك الى اللبنانيين عموما، والمسيحيين خصوصا؟ بماذا تنصحهم؟
-لبنان من البلدان الجميلة جدا. على قول احد الشعراء اللبنانيين فيه: "لله سر فيك يا لبنان لم يعلن لنا، عاش الجمال مشردا، في الارض ينشد مسكنا، حتى انكشفت له فالقى رحله واستوطنا". لبنان جميل جدا، وخصوصا جباله. لبنان جميل في الادب العربي والتأليف والكتب والنشر، اكثر من بلدان اخرى. ونرجو له ان يتحد ابناؤه. فجمال لبنان وهو متحد يكون اكثر مما لو كان منقسما. نحن نحب لبنان واهله.
جريدة النهار اللبنانية:http://www.annahar.com/newthread.php?priority=8&table=main&type=main&day=Sat (http://www.annahar.com/#######.php?priority=8&table=main&type=main&day=Sat)
http://www.annahar.com/media/images/Sat_pix/main/p01-01-24173_01.jpg
في غفلة، عمّت الفرحة المكان، وخطف الوجه المبتسم كل الاهتمام، كل انحناءة، كل قبلة طبعت على اليد الطرية، كل تحية، كل نظرة. قداسة البابا، قداسة البابا"، رددت الالسن باحترام. وتقدم بابا الاقباط الارثوذكس والكرازة المرقسية الانبا شنودة الثالث وسط منتظريه المحبّين، واقفا بينهم، ملقيا التحية، مباركا، مبتسما، سائلا ذاك عن اسمه، وآخر عن الحال، ليجلس اخيرا في وسطهم... في جلسة بسيطة، فرحة، لم يُقَل فيها الا الابتسامات، وتسارعت فيها الاشارات: ايد امتدت مرارا لتنال بركة منه، لتلثم صليبه او يده، صورة التقطت مع هذا، واخرى مع تلك... وكان ختامها شوكولاته طيّبة وزعها البابا على الجميع... مبتسما. لديه ما يقوله ويشرحه ويؤكده، في ظل اجواء غير مطمئنة بدأ المصريون الأقباط يواجهونها مع "جماعة معينة" من المسلمين المتطرفين ذهبت الى حد التهديد وسوق الاتهامات والتحريض ضدهم. "اذا اتهم اناس خارجون عن النظام الكنيسة، فلا تقبل الدولة ولا الشعب هذا الاتهام"، يقول لـ"النهار". من قضيتي "كاميليا" و"جواز" الزواج الثاني، الى العلاقة بالسلطة والمسلمين وغيرها، تشعب الحديث مع الانباء شنودة، ليشمل ايضا الوجود المسيحي في الشرق. وكان تأكيده: "نحن لا نخاف اطلاقا، ولا نقلق اطلاقا. ومم نخاف؟".
في صباح الاحد الفائت، فتح باب مكتبه في مقره في البطريركية المرقسية في الاسكندرية، حيث كان يمضي عطلة نهاية الاسبوع كالعادة. واجاب عن كل سؤال، عن "كل حاجة". وكان معه هذا الحوار:
• كيف تقوّم وضع الاقباط في مصر حاليا؟
- نشكر ربنا على وضعهم. الكنيسة في نمو مستمر، في العدد والاقتصاد والرهبنة والبعثات الخارجية. أصبح لدينا في المهجر، مذ تسلمت مسؤوليتي، نحو 260 كاهنا في اميركا وكندا، و50 الى 60 في اوستراليا، ولنا كنائس كثيرة في اوروبا. في فرنسا، لدينا اسقف وكهنة كثر، وفي ايطاليا اسقفان، الاول في روما والآخر في ميلانو. لدينا اسقف ونحو 9 كنائس في المانيا، وكنيسة في كل من سويسرا وهولندا ورومانيا وبلجيكا. كذلك في النمسا لنا اسقف. كنائسنا في المهجر منتشرة انتشاراً كبيراً، اذ يمكن اي انسان مسافر الى اي بلد من بلاد المهجر ان يجد كنيسة يصلي فيها "وهو مستريح". في مصر ايضا، ازدادت كنائسنا واديارنا. وعندنا شعب في بلاد الخليج وابو ظبي ودبي والشارقة والكويت، ولدينا مطران في القدس. ولدينا كنيسة جديدة في لبنان. انتشار الكنيسة يزيد.
• هل لدى الكنيسة احصاء لعدد الاقباط الارثوذكس حاليا؟
- تعداد الاقباط نحو 12 مليونا. في بلاد المهجر، نحو مليون على الاقل. لكننا لا نهتم بالعدد، بقدر ما نهتم بالحياة الروحية لشعبنا. والحياة الروحية قوية لدينا، بنعمة ربنا، والاجتماعات كثيرة جدا في الكنائس، وقد يقام قداسان او اكثر يوميا في كل كنيسة. وفي بعض الكنائس، لدينا 12 كاهناً لان الشعب كثير، ومن كثرته خلال التناول، يقف كاهنان في جهة، وكاهنان آخران في جهة اخرى، ليؤمنوا المناولة للشعب. نشكر ربنا. الاجتماعات الدينية كثيرة جدا، وهدفنا الحياة الروحية للشعب، واساقفتنا نشيطون. من زمان، كان الاسقف عبارة عن شخص يجلس على كرسي عال يمنح البركات و"صالح" الدعوات. وكان ذلك يكفي. ربما كنت اول اسقف بدأ التعليم في شكل كثيف. وعندما صرت بطريركاً ابدوا استغرابهم: هل استمر في التعليم ام لا؟ لكنني استمررت، ولدي اجتماع اسبوعي كل اربعاء يحضره 6 او 7 آلاف. ولدي اجتماع في الاسكندرية تبدو خلاله الكنيسة "فوق الوصف"، لاننا نهتم بالتعليم لدينا. وكل محاضرة نلقيها تسبقها اجابات عن اسئلة يوجهها الشعب. لذلك هناك تواصل بيننا وبين شعبنا عبر هذه اللقاءات والاسئلة. ونرى ان الكهنوت ليس سلطة بل خدمة. لذلك نحن مع الناس في بساطة شديدة، وهذا ما يزيد التواصل بيننا وبينهم.
"زوبعة في فنجان"
• لدى الوصول الى مصر، اول ما يثار هو التوتر المستجد بين بعض المسلمين والكنيسة القبطية، والذي ظهر جليا في وسائل اعلام وعبر مقالات نشرت وبيانات صدرت هنا وهناك. إلام تعزو هذا التوتر؟
- نحن لا ننزعج اطلاقا، لاننا نشعر باننا دائما في حفظ الله نفسه. وحياتنا ليست في ايدي الناس، بل في يد الله. واذا وُجِدَ بعض التوتر، كما سمعت، فهو من جماعة معينة. اما الدولة، فلنا علاقة طيبة جدا بها وبكبار رجالها والناس المشهورين، ولنا عندهم نوع من التقدير والمحبة. لكن من يقومون بالضوضاء لا يمثلون الشعب. ووضعهم منتقد، لانه مفروض باي انسان مخلص لوطنه الا يثير انقساما في هذا الوطن.
• من الواضح ان تحديات عديدة تبرز حاليا امام الاقباط الارثوذكس. كيف تواجهونها؟
- نشكر الله لان الكنيسة وحدة متحدة، لا انقسام اطلاقا فيها. وهذه الوحدة لا ينالها شيء من الزوبعة التي يمكن ان تصل. وحاليا مجمعنا المقدس يضم اكثر من 90 اسقفاً، وقد رسمت 116، بينهم 5 من اريتريا، وبطريركان اريتريان. ويزداد عدد الابرشيات، بعضها في مصر، وبعضها الآخر في الخارج.
• الكنيسة القبطية في موضع اتهام على لسان بعض المسلمين حاليا.
- (مقاطعا) "شوفي". الكنيسة ليست في موضع اتهام. واذا اتهمها اناس خارجون عن النظام، فلا تقبل الدولة ولا الشعب هذا الاتهام. لكنهم يحاولون ان يتصلوا باشخاص ليسوا على المستوى. وكل هذا لا يضرنا بشيء اطلاقا، اطلاقا. نحن نرى كل هذه الاشياء، ونطلب من الرب ان يغفر لهم ويهديهم الى طريق الخير.
• ولكن ما كان شعورك، عندما علمت بهتافات اطلقها ضدك متظاهرون مسلمون غاضبون امام احد المساجد في القاهرة قبل مدة؟
- "ولا يهمني". يمكن ان اقول لك انها زوبعة في فنجان. لا نتضايق من هذه الامور، لانهم يستغلون جهل الناس كي يثيروهم. على صعيد كاميليا (شحاته زاخر-زوجة راعي كنيسة مار جرجس في دير مواس في المينا الكاهن تداوس سمعان)، ظنوا انها اسلمت، لكنها لم تسلم اطلاقا. وقالوا انها ذهبت الى الازهر، والازهر اعلن رسميا انها لم تخط ابوابه.
• لكن اين هي كاميليا حاليا؟
- في مكان آمن. هم يظنون ان اسلامها مكسب كبير لهم، لان زوجها كاهن. ولكن لم يحدث اطلاقا انها اسلمت. وكانت النتيجة انها اذاعت بالصوت والصورة انها مسيحية، ولم يحصل انها اسلمت. وسألت عن سبب ما يحصل ولماذا هذا التشهير بها وبزوجها وعائلتها.
• يقول المتهمون ان هذه الاقوال ادلت بها تحت الضغط. ما ردّك؟
- ضغط ممن؟
• من الكنيسة.
- "معليش". لا مصلحة للكنيسة في الضغط على احد. والدين لا يأتي بالاكراه. الدين مشاعر داخل القلب، وايمان داخل القلب، ولا يمكن ان يأتي بالضغط. هل يعقل ان يتم الضغط على احدهم كي يؤمن؟ الامر ليس معقولا. فلم يحدث انها اسلمت. لكن الضجيج يحدث، ويتهموننا باننا اخذناها وخطفناها واغلقنا عليها واننا وضعناها في دير، وهي لم تدخل ديراً من اديارنا. كل هذه الاقوال اكاذيب. ونحن في المسيحية لا نحب ان يعلو صوتنا كما يعلو صوتهم. السيد المسيح علمنا حياة الوداعة والاتضاع، فلا نقابل السيىء بالسيىء، والتظاهرات بالتظاهرات.
• لكن لماذا لا يزال الجدل حول هذه القضية مستعرا حتى اليوم؟ قلت ان كاميليا في مكان آمن، لكنهم لا يزالون يطالبون بها.
- هل الاسلام سيزيد بانضمام امرأة اليه حتى تثار هذه الضجة كلها؟ المشكلة انها زوجة كاهن. ومفروض بزوجة كاهن ان تعيش في الكنيسة طوال الوقت في جو ديني. فاذا كانت زوجة كاهن اعلنت اسلامها، ذلك يعني (على ما يقصدونه) ان المسيحية (في ضعف). يا ابنتي، لدينا اكثر من 3 آلاف كاهن في مصر. فهل يمكن ان تقلب امرأة كاهن الوضع كله؟ "مش معقول". كذلك، قالت من كل قلبها انها لم تسلم، وانها مسيحية. حتى هذه اللحظة لم ارها. ولا مصلحة اطلاقا لنا في الضغط. وعندما تكلمت في الاذاعة، كانت تتكلم بصوت طليق، غير مضطرب.
• هل تمانع ان تتحول قبطيات ارثوذكسيات الى الاسلام؟
- ترك الايمان ليس امرا سهلا. واذا ترك انسان ايمانه المسيحي، فبالطبع نحزن من اجله. نحزن، لكن لا نقيم ضجة. "يعني مش معقول. دول برضو بناتنا. فلما يلاقي واحد بنتو تركت، بالطبع يتعب من اجلها". لكننا لا نقيم ضجة من اجل ذلك.
• قداسة البابا، هل ترى استهدافا مباشرا للكنيسة القبطية الارثوذكسية، من خلال قضية كاميليا وغيرها والمنحى الذي تتخذه الامور حاليا؟ ولماذا؟
- من الممكن ان تكون مستهدفة من دون سبب. لكن لدينا وعد من ربنا ان ابواب الجحيم لن تقوى عليها. وفي التاريخ، مرت علينا ايام كثيرة، ومع ذلك لا تزال الكنيسة قائمة واقوى مما كانت عليه من قبل.
"لا تحدّ للقانون بل تمسك بالعقيدة"
• لائحة اتهامات المتهمين تشمل ايضا موضوع الزواج الثاني وابطال حكم قضائي بهذا الخصوص، اذ يقول بعضهم ان ما حققته الكنيسة لمصلحتها تجاوز للقوانين المصرية. هل تخطت الكنيسة القوانين؟
- في الاحوال الشخصية، قانوننا هو تعليم الانجيل، واي شيء ضد تعليم الانجيل لا نقبله. مهما حكم علينا فهذا الامر لا يغير اي شيء فينا، لاننا امناء على تعليم الانجيل. وهو واضح: لا طلاق الا لعلة (الزنى في متى 5/32، ومتى 19/9 ومرقس 10/11، ولوقا 16/18) يضاف الى ذلك الانفصال لتغيير الدين كما ورد في رسائل بولس. وحتى اجتماعيا، عندما يكون اثنان في دين متغير، لا يستطيعان ان يعيشا بسلام. والاولاد يبقون موزعين ما بين دين هذا ودين ذاك وتختلف الحياة الدينية. فلغير تعليم الانجيل، لا نسمح بالطلاق.
المحكمة حكمت مثلا بتطليق الاثنين، فيتطلقان، وكل منهما يذهب "الى حاله"، لكن عندما يأتي احدهما ليتزوج عند الكنيسة، فلا نستطيع ان نزوجه. فالمحكمة يجوز لها ان تطلق، لكن ليس من حقها ان تزوج. الزواج عمل من اعمال الكهنوت لدينا. ولا تستطيع المحكمة ان تضغط علينا. نحن لا نزوج الا بتعليم الدين فقط.
• كان موقف الكنيسة حازما في هذا الخصوص، لكن بعضهم يرى فيه تحديا للقانون. ما قولك؟
- لا، ليس تحديا للقانون، بل تمسك بالعقيدة. والشريعة الاسلامية نفسها تقول عن غير المسلمين: احكم بينهم بحسبما يدينون، او تطبق عليهم شرائعهم. وهذا تعليم اسلامي معروف. واذا كنا نحن نتمسك بالانجيل، فالقرآن يقول ايضا: فليحكم اهل الانجيل بما انزل الله فيه، ومن لا يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الفاسقون. والقرآن يقول ايضا ان الانجيل نور والتوراة نور.
• هل تتوقع اثارة هذا الموضوع في المستقبل في شكل يجعل الكنيسة تتراجع عن موقفها؟
- من اجل هذا شكّل وزير العدل لجنة لوضع قانون للاحوال الشخصية للمسيحيين. وقد تقدمنا بمشروع قانون بهذا الخصوص منذ 30 عاما. وبدأت حاليا دراسة الامر، لكن المشروع يبقى مشروعا الى ان يقره البرلمان.
• كيف تتحرك الكنيسة القبطية داخل البرلمان من اجل اقرار المشروع؟
- حاليا، لدينا انتخابات برلمانية في تشرين الثاني المقبل. والامور ستتمهل (الى حين تشكيل البرلمان الجديد).
• ولكن هل انت متفائل بامكان اقرار مشروع القانون هذا؟
- لدي ايمان بالله.
"سيختارون من يقفون الى جانبهم"
• اتهام آخر يوجهه هؤلاء يقول بان الكنيسة اقحمت نفسها في "موقف خطير" من خلال كلام على تأييد النظام الحالي في الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة، بما من شأنه ان يضعها في مواجهة مع افرقاء من المسلمين. هل لديك اي خشية في هذا الاطار؟
- نترك لكل قبطي ان يختار وفق ما يشاء، وبوحي ضميره.
• لكن رأيك، قداسة البابا، يحترمه الاقباط ويجلونه ويقتدون به، وهو مؤثر.
-لو دفعت الناس في طريق لبدأ الفريق الآخر بالاتهام. فخير للانسان ان يسلك بحكمة.
• تترك اذا لكل قبطي ان ينتخب من يراه مناسبا؟
- بالطبع. ولا شك في ان الاقباط يعرفون من هم الذين يقفون معهم، ومن هم الذين يقفون ضدهم. وبكامل ارادتهم، سيختارون من يقفون الى جانبهم، كأي شعب آخر.
• ثمة من يقول ان القبطي يجد ان مصلحته تقتضي تأييد النظام الحالي، لكن ذلك قد يكلفه غاليا في المستقبل. ما رأيك في هذا المنطق؟
- ولماذا يقف المسلمون ضد النظام؟ الكتاب المقدس يدعونا الى طاعة الحكام. ونحن ايضا نصلي في كل قداس من اجل الحاكم والوزراء والبلد، من اجل كل حاجة. ومن مصلحتنا ان يكون النظام مستتبا، ولا تكون هناك "قلاقل" تتعب الكل، تتعبنا وتتعب غيرنا وتتعب النظام.
• قداسة البابا، هل الاقباط الارثوذكس خائفون على وجودهم في مصر حاليا؟
- نحن لا نخاف اطلاقا، ولا نقلق اطلاقا. ومم نخاف؟
• شهدنا اخيرا سجالا اعلاميا حادا بين الانبا بيشوي والدكتور محمد سليم العوا وغيره. ما موقفك مما حصل ويحصل؟
- اذا وجد خلاف، يمكن ان يحل بحوار فردي هادىء. اما ان ينتقل خلاف من اثنين الى الشعب كله، فهذا امر غير لائق. الامر يعتمد للاثارة. وبالطبع الامور تهدأ مع الوقت. انظري الى قدح الماء هذا (حمل قدحا ممتلئا كان امامه، وحركه قليلا، مما جعل الماء تضطرب داخله). ان يهدأ (الماء) يتطلب وقتا، "لكنها (اي المسألة) رح تطلع على ما فيش"، اي انها ستنتهي الى لا شيء، لان الشعب لا يسعده الانقسام والثورات وهذه الامور. ومسألة الاقباط ليست جوهر ما يتعب الشعب. من الممكن ان تكون المسألة الاقتصادية بالنسبة اليه اهم واعمق من موضوع الاقباط.
• كيف تجد العلاقة بين الاقباط الارثوذكس والمسلمين الذي يعيشون معهم في مصر؟
- علاقتنا بالقادة طيبة. وبالشعب؟ لا سبب لنزاع بين الشعب والشعب، الا اذا حصلت اثارة من هذا النوع. وبالنسبة الى هذه الاثارة، الناس ليسوا مستعدين لان يبذلوا كل طاقاتهم من اجل هذه المواضيع. المسلمون ايضاً في خلاف مع بعضهم البعض، وليس مع الاقباط فقط.
• هل الاقباط يؤثرون حاليا الانعزال في علاقتهم ببقية المسلمين، علما ان بعضهم يعزو هذا الانعزال الى القوة التي تتمتع بها حاليا المؤسسة الكنسية والحماية التي تؤمنها لهم؟
- الشعب القبطي يشتغل في المجتمع في كل نواحيه. لدى بعض الشعوب، اذا لم يجد الناس مجالا للعمل في السياسة، يلجأون الى الاقتصاد و(يهتمون بان) يزداد اكثر. لنفترض ان شخصا ما لا يجد له وظيفة في الحكومة، فيضطر الى اللجوء الى العمل الخاص وينجح به اكثر.
• اليست هذه هي حال الاقباط في مصر؟
- لكن الاقباط "منضمون الى كل حاجة".
• حتى في العمل السياسي؟
- وفق ما يُتاحُ لهم.
• كم يتاح لهم؟ وهل يطالبون باكثر مما لهم اليوم؟
-انا شخصيا لا مطالب سياسية لي اطلاقا، لان عملي روحي بحت. لكنني انصح الدولة بانه، كلما كان الاقباط مشتركين في كل شيء، فهذا يكون في مصلحتها، اولا على صعيد تضامن الناس، وثانيا على صعيد سمعتها في الخارج لجهة نصيب الأقل عددا.
• هل تشجع اندماج الاقباط في النشاط الاجتماعي في مصر؟
- بالطبع. ونشجعهم على ان يخوضوا الانتخابات والعمل السياسي، لانه لو لم يفعلوا ذلك، لاتهموهم بالسلبية، والانعزالية. ندعوهم الى الاندماج على كل الصعد، وهم يندمجون اجتماعيا. ارجو ان تميزي ما بين المعتدلين دينيا وبين المتشددين او المتعصبين دينيا. مع المعتدلين، العلاقة طيبة في كل النواحي.
"ماذا يُعمَل من اجل الوجود المسيحي؟
• موضوع الحضور المسيحي في الشرق مثار اهتمام كبير. وسيكون موضع بحث في السينودس الخاص من اجل الشرق الاوسط الذي دعا اليه الفاتيكان من 10 تشرين الاول المقبل الى 24 منه. ما المطلوب من هذا اللقاء في رأيك؟
- لنا لقاء مع الكنيسة الكاثوليكية، ولنا حوار باستمرار. والانبا بيشوي هو ممثل الكنيسة في هذا الحوار. و"بيني وبينك"، للمرة الاولى منذ مجمع خلقيدونية العام 451 والانقسام بين الكنيستين، زرت الفاتيكان العام 1973 في مناسبة مرور 16 قرناً على انتقال البابا اثناسيوس الرسول. ووقعت اتفاقا مع البابا بولس السادس. ولا يزال هناك حوار مع الكنيسة الكاثوليكية حتى هذا اليوم. وقداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني زارنا في مصر، واستقبلناه استقبالا فيه كل الترحيب في مقرنا في القاهرة. العلاقة طيبة، ولا نزاع بيننا وبين الفاتيكان.
• من المواضيع المثارة مسيحيا تفعيل الشراكة بين مختلف الكنائس. ما رأيك في ذلك؟
- حكاية الوجود المسيحي في الشرق الاوسط كانت باستمرار ولمدة طويلة جزءا من جدول اعمال مجلس كنائس الشرق الاوسط. المهم ليس الموقف المسيحي في الشرق الاوسط، بل ماذا يُعمَل من اجله، ويبقى السؤال حائراً. لنقل: ما حال المسيحيين في الشرق الاوسط، وخصوصا ان كثرا منهم هاجروا منه- وان كانت الهجرة غير سهلة حاليا، لكنها كانت كبيرة في مصر في القرن الماضي- واصبح عدد المسيحيين في عدد من البلدان يتراجع؟ وماذا يُفعَل من اجل الوجود المسيحي؟
• هل تدعو اذا الى خطوات عملية من اجل تعزيز هذا الوجود؟
- كيف تكون هذه الخطوات؟ يجب التنبه الى ان وحدة المسيحيين شيء ووجودهم شيء آخر. وجودهم على صعيد العدد شيء، وعلاقتهم ببعضهم البعض شيء آخر. فلا اعرف ماذا سيكون حال هذا السينودس ونتائجه. ليقم ربنا بما فيه من خير.
• اطلق بطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس يوسف الثالث يونان دعوة الى تفعيل الشراكة بين المسيحيين الشرق اوسطيين، من اجل عيش افضل للشهادة. هل الاقباط الارثوذكس مستعدون لمدّ اليد الى هذه الشراكة؟
- نحن مستعدون. لكن ما نوع هذه الشراكة؟ علاقتنا طيبة (ببقية الكنائس). وفي كل الاعياد، نتبادل التهاني، واذهب الى الاقباط الكاثوليك والروم الكاثوليك والروم الارثوذكس، وهم يأتون اليّ. وبيننا مودة. لكن ما نوع الشراكة المقصود بها؟
• ما رسالتك الى اللبنانيين عموما، والمسيحيين خصوصا؟ بماذا تنصحهم؟
-لبنان من البلدان الجميلة جدا. على قول احد الشعراء اللبنانيين فيه: "لله سر فيك يا لبنان لم يعلن لنا، عاش الجمال مشردا، في الارض ينشد مسكنا، حتى انكشفت له فالقى رحله واستوطنا". لبنان جميل جدا، وخصوصا جباله. لبنان جميل في الادب العربي والتأليف والكتب والنشر، اكثر من بلدان اخرى. ونرجو له ان يتحد ابناؤه. فجمال لبنان وهو متحد يكون اكثر مما لو كان منقسما. نحن نحب لبنان واهله.
جريدة النهار اللبنانية:http://www.annahar.com/newthread.php?priority=8&table=main&type=main&day=Sat (http://www.annahar.com/#######.php?priority=8&table=main&type=main&day=Sat)