جمال المر
2010-09-30, 06:22 AM
الجاهلية وعصور الخلافة التى تلت البعثة المحمدية
معنى الجاهلية
عصر ما قبل بعثة سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم كان يُسمى بعصر الجاهلية .
ولقد سُمِّىَ بِهذا الإسم لما كان فيه من حميةٍ وميلٍ إلى الغضبِ وثأرٍ وطيشٍ وحمق وسَفَهٍ
وَوَأدٍ للبنات وضلالاتٍ وخرافات ولما استشرى فيه من استحلالٍ للحرمات واقترافٍ
للموبقات وانتقامٍ ووحشية وعصبية وسفكٍ للدماء وهتكٍ للأعراض وسلبٍ للأموال .
كما انتشر فى عصر الجاهلية الوثنية وعبادة تماثيلَ وأصنامٍ لا تضر ولا تنفع
وخروج عن العبودية ورفض للألوهية وشرك بالله سبحانه وتعالى .... إلخ
إلى أن بزغت شمس الإسلام وجاءت البعثة المحمدية ونزلت شريعة الله فأمرت بالعدل
والتقوى ونَهت عن الفحشاء والمنكر فأنارت الدنيا وأضاءتْها وأشرقت الظلمات وتبددت
الجهالات ومُحيت كل الضلالات.. وجاءت رسالة الإسلام بالهدى ودين والحق وأظهر
الله بِها مِنَّته على كافة الناس والخلق ..
ولذا .. : إذا ما آمن المرء بدين الإسلام
فهو يكون قد خلع ماضيه وانْفَكَّ عما كان فيه ونبذ الجاهلية .
أما إذا ظل على ماهو فيه من الجهل والشرك بالله و ترك نفسه قابعاً لايؤمن بدين الله وهو
الدين الذى ارتضاه الله لكافة عبيده وخلقه ..
فهو بذلك يكون : مازال على الجاهلية .
**********
عصر الرسالة والخلفاء الراشدين
بعد أن اكتمل دين الله واكتملت شريعةُ الله لتكون منهجاً للحياة .. وبعد أن فُتِحت البلدان
وانتشر الإسلام فى كل مكان وذلَّت له الرقاب ودَانَت له البلاد وهَوَت القياصِر
والأكاسِر وجلا كل ضالٍ عن المدينةِ المنورة ومُحِىَ الظلم والشرك عن مكة المكرمة
ودخل الناس فى دين الله أفواجاً وأتواْ إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرْسَالاً :
انتقل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مثواه .
وتولى سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه خلافة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسار على نَهج نبى الله ومصطفاه فى نشر دين الله بين كافة خلق الله يأتمر بأوامر الله
وينتهى عما نَهى عنه الله .. ومن بعده كان سيدنا عمر بن الخطاب ثم سيدنا عثمان بن عفان
ثم سيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين .. ثم توالى من بعدهم خلفاء
المسلمين : من بنى أمية ومن بنى العباس ومن العثمانيين .
***********************
الخلافة الأموية
بعد انتهاء عصر الخلفاء الراشدين تولى خلافة المسلمين : خلفاء من بنى أمية وذلك منذ
عام 41 وحتى عام 132 هجرية ( 662 إلى 750 ميلادية ) .
وكان أول خليفة من هؤلاء الخلفاء هو : سيدنا معاوية بن أبى سفيان بن حرب بن أمية
وكانت دمشق هى مقر الخلافة .
وقد تعاقب عليها أربعة عشر خليفة على مدى 91 عاما وهم :
معاوية بن أبى سفيان : كان سيدنا معاوية والياً على الشام ولاه سيدنا عمر بن الخطاب بعد
وفاة أخيه يزيد بن أبى سفيان رضى الله عنهم أجمعين .. وقد أجمع المسلمون من أهل
الحل والعقد بخلافة معاوية فى عام الجماعة سنة 41 هجرية .
فقام بإرساء كيان الدولة الإسلامية وتوحيد كلمة المسلمين . أكمل معاوية الفتوحات
الإسلامية وأنشأ أول أسطول بحرى عرفه التاريخ فتح به جزيرة قبرص وجزيرة صقلية
ورودس وارواد وأرسل أبو أيوب الأنصارى ويزيد بن معاوية تحت قيادة فضالة
بن عبيد الأنصارى لحصار الإمبراطورية البيزنطية فى عاصمتها القسطنطينية فضربوا
عليها الحصار برا وبحرا .
يزيد بن معاوية بن أبى سفيان : أجمع أهل الحل والعقد من صحابة سيدنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم على تولِّيه خلافة المسلمين بعد وفاة أبيه معاوية ..
ولقد وقع فى عهد خلافته واقعة كربلاء التى استشهد فيها سيدنا الحسين بن على رضى
الله عنهما . واصل يزيد الفتوحات الإسلامية شرقا وغربا فأرسل مسلم بن زياد لغزو
خراسان وسجستان وسمرقند وفى الغرب أرسل عقبة بن نافع لأقاصى أفريقيا وفتح
مدنَها حتى وصل إلى بلاد الزاب وبلاد السوس حتى بلغ المحيط الإطلنطى والتى قال
عقبة بن نافع عند بلوغه قولته المشهورة :
( اللهم اشهد يارب لولا هذا البحر لمضيت مجاهداً فى سبيلك أقاتل من كفر بك وعبد
غيرك )
معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان : كان عالماً وَرِعاً تولى الخلافة لمدة قصيرة آثر
التنازل عنها وأوصى أن يكون الإختيار لها شورى بين المسلمين وقال لأهل الحل
والعقد : من رضيتم به فولوه .
مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية : كان عالماً فقيهاً من كبار الأمة تولى إِمَرَةِ
الحجاز وعاش بالمدينة المنورة .. أكمل الفتوحات الإسلامية نحو المشرق .. أوْلى
اهتمامه بأمور الرعية خشية افتراق كلمة المسلمين وهو أول من قام بضبط المكاييل
والموازين فى البيع والشراء لعدم الغَبْنِ أو الغِش فيها .
عبدالملك بن مروان بن الحكم : كان عابداً ناسكاً سارعلى نَهْج أبيه محباً للعلمِ والعلماء
دائم النهى فى خُطُبه عن الفرقة والإختلاف.. غزا بلاد الهند ووصل فى فتوحاته إلى
مشارف الصين واتسعت فى عهده رقعة الأرض الإسلامية ..
وازدهرت العلوم الشرعية والحضارة العمرانية والزراعية والتجارية .. وهو أول من
قام بصك النقود الإسلامية وكَتب عليها ( قل هو الله أحد ) وعلى الوجه الآخر
( لاإله إلا الله ) وأحاطها بطوقٍ كُتِبَ خارجه ( محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين
الحق ) ..
أبطل استعمال الدنانير والدراهم الفارسية والرومية وكسا الكعبة المشرفة بالديباج
والحرير وبنى مسجد قبة الصخرة فى بيت المقدس .
الوليد بن عبدالملك بن مروان بن الحكم : امتدت الفتوحات فىعهده شرقا وغربا حتى
أصبحت الدولة الإسلامية مترامية الأطراف واسعة الثراء ..
أرسل الوليد قتيبة بن مسلم لغزو بلاد كازخستان وبخارى وسمرقند وخوارزم وفرغانه ..
وأرسل محمد بن القاسم لفتح باكستان من بلاد السند وأرسل موسى بن نصير وطارق بن
زياد لفتح بلاد غرب أفريقيا وأكمل فتوحات بلاد الأندلس .. وهو أول من أقام
البيمارستانات (المستشفيات) كما قام بحفر الآبار وتمهيد الطرق المؤدية إلى الحجاز
وبناء البيوت والمنازل لحجاج بيت الله وقام بعمارة
الحرمين والمسجد الأقصى وقام بإعادة إعمار وتطوير الجامع الأموى فى دمشق .
سليمان بن عبدالملك بن مروان بن الحكم : كان ذا خُلقٌ جَمّ فصيحاً بليغاً مُؤْثِراً للعدل
غازياًشجاعاً .. تولى الخلافة بعد وفاة أخيه .. قام بفتح جرجان وطبرستان وأعاد بناء
الأسطول البحرى الإسلامى لتشديد الحصارعلى القسطنطينية وعَهِد إلى أخيه مسلمة بن
عبد الملك بقطع المؤن والإمدادات التى تصل إلى الرومان برا و بحرا .
عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم : كان مُتَولياً إمَرَةِ المدينةِ المنورة .. عَمّ العدل
والرخاء أرجاء الدولة الإسلامية فى عهد خلافته حتى بلغت من الثراء والغنى مالم تبلغه
دولة على وجه الأرض .. كان مراقباً لله فى سره وعلنه .. دائماً فى طلب العلم
والعلماء .. لُقِّب بخامس الخلفاء الراشدين .. من أقواله :
( إنكم لم تُخْلقوا عَبَثاً ولن تُتركوا سُدَىً .. وإنَّ لكم مَعَاداً قدَّره الله للفصلِ بين عباده فقد
خابَ وخَسِر من خرجَ من رحمةِ الله التى وَسِعت كل شىء وحُرِم جنةٌ عرضها السموات
والأرض .. فى كل يومٍ تُشيِّعون من قضى نَحْبه وانقضى أجله فتودِّعونه وتَدَعُونه قد خَلعَ
الأسباب وفَارقَ الأحباب وسكنَ التراب وواجَهَ الحِساب .. ) .
يزيد بن عبدالملك بن مروان بن الحكم : شتَّت شمل أعداء المسلمين وأذاقهم ألواناً من
العذاب حتى لم يهنأ لهم رقاد ولاسهاد .. اتَّسَم عهد خلافته بالفتوحات والغزوات العديدة .
بث عنه المنافقون والحاقدون سموماً من أراجيفهم وأباطيلهم .. من أقواله :
( لاطاعة لمخلوقٍ فى معصيةِ الخالق إنما الطاعة لله فمن أطاع الله أطيعوه ما أطاع فإذا
عصى أو دعا إلى معصية فهذا أهلٌ أن يُعصى ولايُطاع ... ) .
هشام بن عبدالملك بن مروان بن الحكم : كان حازماً عاقلاً راداً للمظالم أرْسى الأمنَ
والأمانَ فى أرجاء الدولة الإسلامية وبعث بالعلماء والفقهاء إلى بلاد الهند وبلاد السند
( البلاد التى تقع شمال غرب الهند والتى منها باكستان ) وبلاد ما وراء النهر ( وهى
البلاد الموجودة جنوب روسيا ومنها التركستان ) لتعليم أهلها أحكام الدين الإسلامى
وأنشأ المكتبات والمطابع ودورالعلم .. كان ذا مكر ودهاء فى مغازيه وفتوحاته وقام بفتح
العديد من البلدان .. وجَّه بن مالك الخولانى وعبد الرحمن الغافقى إلى جنوب فرنسا
لفتح ( تور وبواتيه ) للوصول من خلالهما إلى فتح القسطنطينية عن طريق الفرنجة -
أوروبا - فعَبَر بن مالك الخولانى جبال البرانس وسيطرعلى سهل بروفانس وسيطر عبد
الرحمن الغافقى على سهل أكيتانيا وعند سهل بواتيه وقف الفرنج مستنجدين بالقبائل
البربرية الجرمانية لوقف هذا الزحف الإسلامى ودارت معركة عند هذا السهل سماها
المستشرقون الوضاعون ببلاط الشهداء وقالوا كذباً لكثرةِ شهداءِ المسلمين رغم أنَّّ الجندَ
من المسلمين عادوا إلى إقليم بروفانس بأسلابِهم وغنائمهم بعد ما صدرت أوامر الخلافة
إليهم بالعودة لصعوبة وصول الإمدادات من خلال تلك السهول والجبال .. كما قام هشام
بن عبد الملك بتدمير الهجمات
الرومانية التى اتجهت إلى دمياط فى مصر وشدد بعدها الحصون والأربطة على كافة
حدود الخلافة الإسلامية .
الوليد بن يزيد بن عبدالملك بن مروان:
يزيد بن الوليد بن عبدالملك بن مروان :
إبراهيم بن الوليد بن عبدالملك :
مروان بن محمد بن مروان بن الحكم :
***********************
لقد قيل عن بعض خلفاء المسلمين ماقيل مما وضعه الأفَّاقين والمنافقين ومما دسُّوه
ووضعوه فى كتب الأئمة وعلماء الدين .. وفى هذا :
يقول الشيخ أحمد نور فى كتابه العصمة والرسل والورثة هم النذر :
( لقد وضع المنافقون والمستشرقون فى أمهاتِ الكتبِ الإسلامية الدسائسَ والأباطيل
بقصد تنحيةِ المسلمين عن العقائد الصحيحة فشحنوا كتب التراث الإسلامى بالخرافات
والترَهات ونسبوها إليهم وهم منها بَرَاءْ حتى يستغلوا ثقة المسلمين فى هؤلاء الطبقة من
العلماء لتثبيتِ أباطيلهم ودسائسهم فى الأذهان ولكى تقف حَجَرَ عثْرةٍ فى طريق من
حاول أن يبيِّن للناس الحق من الباطل والغثَّ من الثمين إذ لايَجرؤ الناس على تصديقه
وتكذيبِ ما لديهم من أمهاتِ الكتبِ المنسوبةِ إلى أفاضلِ الأئمةِ والعلماء )
و يقول ابن العربى فى العواصم من القواصم
(والناس إذا لم يجدوا عيباً لأحد وغَلَبهم الحسد عليه له أحْدثوا له عيوباً ..فاقبلوا الوصية
ولا تلتفتوا إلا إلى ما صَحَّ من الأخبار واجتنبوا أهل التواريخ فإنَّهم ذكروا عن السلفِ
أخباراً صحيحة يسيرة ليتوسلوا بِها إلى روايةِ الأباطيل والأكاذيب وليقذفوا فى القلوب
مالا يرضاه الله تعالى وليحتقروا بِها السلف ويُهَوِّنوا الدين وهو أعزُّ من ذلك وهم أكرم
منا فرضى الله عن جميعهم ) .
يقول عنهم إمام الحرمين أبو المعالى الجوينى فى كتابه غِياثُ الأمم فى اْلتِياثِ الظُلَم
( بِهم أقيمت دعوة الحق وأُثبتت الملة وارتدَّت مناظم الكفار منكوسة ومعالمهم معكوسة
وبذل عظيم الروم الجزية والدنِّية وصارت المسالمة والمتاركة له أغلى الأمنية فقد
انبسطت هيبة الإسلام على الأصْقاع القصِّية وأطلَّت على قمم الماردين رايته العلِّية )
*********
ولذا :
عليك أن تحْذر : مما وضعه هؤلاء الحاقدين عن الخلفاء من أباطيل وأكاذيب وافتراءات
ومغالطات سواء كان ذلك : فى الدولة الأموية أو العباسية أوالعثمانية :
وصونوا أسماعكم وأبصاركم أيها المسلمين عن مطالعةِ الباطل ولا تسمعوا فى خليفةٍ مما
ينسب إليه ما لا يليق ويذكر ما لا يجوز نقله لتكونوا على منهج السلف سائرين وعن
الباطل ناكبين .
فخلفاء المسلمين بذلوا الأرواح وركبوا إلى الموتِ أجنحة الرياح وواصلوا المساءَ
بالصباح متشوِّقين إلى مَنْهل المنايا على هَزَّةٍ وارتياح .. رَكنوا للموت وتنادَوْا لابَرَاح
وما وَهنوا وما استكانوا وإنْ عضَّهم السلاح وفَشِىَ فيهم الجِراح حتى أهَّب الله رياح
النصر من مَهابِّها وردَّ شعائر الحق إلى نِصابِها .
وما أثبته وتشبَّث به الطاعنون من هنَّاتٍ وعَثرَات لو سَلِم لهم ما يدَّعون وتُوبِعوا فيما
يأتون ويَذَرون وغُضَّ عنهم طرف الإنتقاد فيما يبتدعون ويخترعون : فأين يقع ما يقولون :
أليْسَ بِهؤلاء الخلفاء كان انحصار الكفار فى أقاصى الديار ؟ !
أليسواْ فى خلافتهم قد أذَّلوا الكفر وأهله حتى امتلأت القلوب منهم رعباً وفزعاً ؟ !
ألم يؤرِّقوا نومَهم ألم يُزلزلوا قلوبَهم ألم يُقْلِقوا سُهادَهم حتى أصابَهم الذعر والهلع ؟ ! .
ألم يمَلكوا الأرض بما فيها وما عليها .. ؟ !
لقد مَلكوا مشارقها ومغارِبَها ..لقد تحكموا فى جميع أنحاءِ ممالِكها .. برها وبحرها ..
واديها وسهلها .. زرعها وجبلها ..
عَلت راية الإسلام فى عهودهم مرفرفة خفاقة وكانت الدولة الإسلامية فى خلافتهم دولة
أبِّية مَهِيبة ذاتَ عِزَّة وقوة مَنيعة .
***********************
الخلافة العباسية
تولى الخلافة الإسلامية من بعد بنى أمية : بنى العباس منذ عام 132 هـ إلى 656 هجرية
(750 إلى 1258ميلادية ) ..
وبنى العباس ينتسبون إلى العباس بن عبد المطلب عم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد قسّم المؤرخون الخلافة العباسية إلى عصرين :
الأول : أزْهى وأقوى وينتهى بانتهاء تاسع الخلفاء هارون الواثق بالله ..
والعصرالثانى : يبدأ بخلافة جعغرالمتوكل بالله وينتهى بآخر الخلفاء المستعصم بالله ..
وهناك بعض المؤرخين أضافوا عصرا ثالثا : سموه عصر الأمراء ويبدأ بخلافة القاهر
بالله وينتهى بآخر الخلفاء .
وكانت بغداد هى مقر الخلافة لهم ثم انتقلت إلى سامراء فى عهد الخليفة المعتصم بالله ثم
عادت مرة أخرى إلى بغداد .
وقد تعاقب الخلافة العباسية سبعة وثلاثون خليفة على مدى 524 عاما وهم :
(أبو العباس) عبد الله بن محمد : هو أبو العباس عبد الله بن محمد أول الخلفاء العباسيين
بعد مروان بن محمد بن مروان بن الحكم .. قام بالفتوحات فى الشرق فغزا البلاد الواقعة
على نهر سيحون وجيحون وأقام الأربطة والثغور فيها . تولى الخلافة من بعده أخوه أبو جعفر .
( أبو جعفر) المنصور بن محمد : استكمل فتح طبرستان وأمَّر ابنه المهدى عليها وفرض
سيطرة المسلمين على جزيرة قبرص براً وبحراً .. أطاح بالراوندية القائلين بتناسخ
الأرواح فقتلهم واسْتأصل شَأفتهم وأطاح بالزنادقة والوضاعين وبرؤوسهم التى كانت
تستشرى فى جسد الأمة .. أجاد فى التنظيم الإدارى للدولة الإسلامية وازدهر العمران
فى عهده .. قال فى خطبته فى يوم عرفة : ( أيها الناس إنَّما أنا سلطان الله فى أرضه
أسُوسُكم بتوفيقه ورشده ..
فيْئهُ أقسِّمه بإرادته وإذْنه فارغبوا إلى الله أيها الناس وسَلُوه فى هذا اليوم الشريف الذى
وهَبَ لكم فيه من فضلِه واللهُ أسْألُ أن يوفقنى للصواب ويسدِّدنى للرشاد فإنه سميع
مجيب ) .
قام الخليفة المنصور بفتوحات عظيمة زلزل فيها قلوبِ أهل الباطل وأذلَّهم ودكَّ حصونَهم
وهدم الدورَ والمعاقِلَ الصليبيةِ والمعابد اليهوديةِ ودمَّرها فوق رؤوسَهم .
( أبوعبد الله ) محمد المهدى : بايعه أهل الحل والعقد بعد وفاة أبيه فخطب فيهم وقال :
( إن أمير المؤمنين عبدٌ دُعِىَ فأجاب وأمِرَ فأطاع - واغرورقت عيناه - لقد فارقتُ عظيماً
- أبوه - وقُلِّدْتُ جَسيماً فعند الله أحتسبُ أميرَ المؤمنين وبهِ أستعين على خلافةِ
المسلمين ) .
كان جوَّاداً شهماً مُحَبباً إلى الرعية قام بفتح إربد من بلاد الهند .. جالس العلماء .. قام
بعمارة طريق مكة ونَهى عن بناء المقاصير فى جوامع الإسلام وقصَّر المنابر وصيَّرها
على مقدار مِنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. هو أول من عمل البريد من الحجاز
إلى العراق .. أنشأ ديواناً جديداً للتحرى عن الزنادقةِ والوضاعين وإبادتهم وتَتبِّعِهم فى
الآفاق لما سَادَ فى أمْصارِ الخلافة من أباطيلٍ مُلفَّقة ومن خرافات وأقاويل كاذبة .
( أبو محمد ) موسى الهادى :كان فصيحاً أديباً تعْلوه هيبة له سطْوة وشهامة أوصاه أبوه
المهدى قبل أن يموت بقتل الزنادقة والوضاعين الذين خالفوا فِطر العقول وناقضوا كل
الأصول وباينوا لبابَ النقول لإثارةِ البلبلةِ والشك والريبة فتتبعهم فى شتى الأمصار وقتل
منهم خلقاً كثيراً .
( أبو جعفر) هارون الرشيد : كان أميراً على خراسان .. يُعَظِّم حُرُمات الإسلام ويَبْغَضُ
المِراء فى دين الله ومُعارضة النص .. أنشأ بيت الحكمة ببغداد فكان مَجْمَعاً عِلمياً فريداً
يَنشدُه الفقهاء والعلماء .. ضرباته للروم كانت متتابعة متلاحقة .. بلغت الدولة الإسلامية
فى عهده عظمة وقوة ومهابة ووصلت إلى أوجِّ ازدهارها وعمرانِها واتسعت فتوحاتِها
المترامية من تونس إلى أفغانستان .. أطاح بالبرامكة واسْتأصَلهم وشرَّدهم وصادر
أملاكهم وممتلكاتهم .
فى عهد خلافته هناك من أراد أن يشق عصى الطاعة عن الدولة الإسلامية : حيث
رفضت الإمبراطورية الرومانية دفع الجزية وامتنعت عنها وطلبَ الإمبراطور الرومانى
نقفور من الخلافة إعادة الأموال التى دفعتها الملكة إيرينى الملكة الرومانية .. فأرسل
هارون الرشيد رداً إليه : ( بسم الله الرحمن الرحيم من هارون الرشيد إلى نقفور كلب
الروم قرأت كتابك والجواب ماتراه ) وخرج بالجيوش لتأديبه وتهذيبه ودك معاقله
وحصونه التى كان قابعاً فيها فعاد وأقرَّ بدفع الجزية وطلب المصالحة والأمان .
( أبو موسى ) محمد الأمين بن هارون الرشيد : وهو ابن هارون الرشيد كان بليغاً
وشجاعاً ذَا قوةٍ مفرطة وبطشٍ شديد .. أحْكمَ بناء وتحصين الثغور المواجهة للروم تمهيداً
لفتح القسطنطينية
( أبو جعفر) عبدالله المأمون بن هارون الرشيد : أخ الأمين لُقِّب بأبى العباس وبأبى
جعفر..كان فقيهاً من كبار العلماء ومن أفضل الرجالِ حَزْماً وعَزْماً وحِلماً وعِلماً ورَأياً ..
غزا الروم وفتح حصن قرة وحصن ماجدة .. جعل بيت الحكمة صرْحاً عظيماً وأوْلاه
عناية فائقة وأنشأ به مَرْصَداً ومكتبة جامعة وهيئة للترجمة .. من أقواله : ( أول العدل أن
يعدل الرجل فى بِطانته ثم الذين يَلونَهُم ) يُعَدُّ من أولِ الخلفاء الذين دخلوا إلى مصر بعد
غَزْوهِ للروم وفتْحِهِ للحصون . ( أبو إسحق ) محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد :
كان فصيحاً مَهِيباً سمْحاً ذا دهاءٍ وهيبةٍ وشجاعة .. أنشأ مدينة سامراء وجعلها مقراً
لخلافته .. وفى عهده : أراد الرومان النيل من هيبة الدولة الإسلامية العظمى فأغَار أحد
الأباطرة الرومان - ثيوفيل - على إحدى المدن الإسلامية - زبطرة - وأبى دفع الجزية فتم
تسيير حملة تأديب إليه مكونة من ثلاثة جيوش قادها بنفسه وزحف بها إليه ودمر مدينة
عمورية عليه وفتحها .. وفى هذا قال أبو تمام :
( السيفُ أصدَقُ أنباءٍ من الكتبِ ... فى حدِّه الحدُّ بين الجَدِّ واللَّعِب )
( أبو جعفر) هارون الواثق بالله بن محمد : هو ابن الخليفة محمد المعتصم كُنيته أبو جعفر
وكانت الرعية تسميه المأمون الثانى .. كان قوياً صبوراً حليماً يراقب الولاة فى الأمصار
وقضى على الثوراتِ والفتن .. غزا الروم وأرسل الفضل بن جعفر الهمدانى لدك
الحصون التى أقامها الصليبيين بجزيرة صقلية وتدميرها .. قام بتشييد المساجد والقصور
والأبنية الشامخة .
( أبو الفضل ) جعفر المتوكل بالله بن محمد : وهو أخ هارون الواثق .. فى عهده انطلقت
الزنادقة من مخابئها وأفْشَت القول بِخَلْقِ القرآن فاستقدم العلماء والمحدِّثين إلى سامراء
لمِحو كل أثرٍ لهذه البدعة .. واتجه لصد الرومان الذين حاولوا الإغارة على مصر فقاتلهم
وأسر الآلاف منهم وغَنِم منهم مغانم كثيرة .. وقام بطرد الأحباش من بلاد النوبة ودمر
الصليبيين على أطراف صعيد مصر وعزل بعض الولاة والقضاة وصادر أملاكهم بعد أن
كثرت الشكوى من فساد بعضهم .
( أبو جعفر) محمد المنتصربالله بن جعفر المتوكل بالله : كان راجحَ العقلِ فَطِناً مُتَحَرِزاً
مُنْصِفاً عادلاً مالت إليه قلوب الرعية وأحسن إلى العلويين وحاول إثنائهم عما هم عليه
من أباطيل وأراجيف .
(أبو العباس ) أحمد المستعين بالله بن المعتصم : كان بليغاً وأديباً واسِعَ الفضل والخير ..
قاتل الرومان فى معركة مرج الأسقف لإغارتهم على بعض الثغور الإسلامية .
( أبو عبد الله ) محمد المعتزبالله بن جعفر المتوكل بالله : كان مُحَدِّثاً بارعاً فى الحديث ..
وقد نشبت فى عهده عدة ثورات وتمردات داخلية .
( أبو إسحاق ) محمد المهتدى بالله بن هارون الواثق : كان وَرِعاً عابداً جازماً فى أوامر
الله ونواهيه محارباً لتفشى المظالم والجور وعدم العدل فكان يراقب بنفسه أمور ودوواين
الدولة .
( أبو العباس ) أحمد المعتمد على الله بن جعفرالمتوكل بالله : قضى على صاحب الزنج
وصد الروم عند طرسوس وقتل قائدهم .
( أحمد المعتضد بالله بن طلحة الموفق بن جعفرالمتوكل بالله : كان من ذوى الرأى
والصلاح اهتم بالرعية وأمور الدولة وأعاد مقرالخلافة إلى بغداد .
( أبو محمد )على المكتفى بالله بن أحمد المعتضد بالله: كان حسن السيرة أطاح بالقرامطة
الذين قالوا بالعِصْمة ووجوب الإمام المعصوم فى كل زمان ..
فقد تغلغلوا فى أمصارالخلافة ونشروا التَرَهَات والأراجيف خاصة فى الكوفة ودمشق
وبغداد .
( أبو الفضل ) جعفر المقتدر بالله بن أحمد المعتضد بالله : يقول الذهبى فى سير أعلام
النبلاء :( كان جيِّد العقل صحيح الرأى طارد فلول القرامطة وحارب جيوش الروم التى
عاثت فساداً فى بعض الثغور الإسلامية وحال التحام القتال رماه بربرى بِحَرْبَةٍ من خلفه
فسقط شهيداً ) .
( أبو المنصور) محمد القاهر بالله بن أحمد المعتضد بالله : كان ذا بطشٍ وقوة شديدة
تصدى للفتن والتمردات الداخلية التى انتشرت فى عهده .
( أبو العباس ) محمد الراضى بالله بن جعفرالمقتدر بالله : كان كريماً سَمْحاً .. تعلم
الحديث من البغوى .. فى عهده عادت فلول القرامطة لنشر أفكارها والزنادقة فى بث
سمومها وساءت إدارة الولاة فى بعض أمصارالخلافة واضطربت أحوالها وانفصل
بعضها بعض البلدان عن الخلافة .
( أبو إسحاق ) ابراهيم المتقى بالله بن جعفر المقتدر بالله :
( أبو القاسم ) عبد الله المستكفى بالله بن على المكتفى بالله :
( أبو القاسم ) الفضل المطيع لله بن جعفر المقتدر بالله :
( أبو الفضل) عبد الكريم الطائع لله بن الفضل المطيع لله :
(أبو العباس) أحمد القادربأمر الله بن اسحق المقتدر بالله :
(أبو جعفر )عبدالله القائم بأمر الله بن أحمد القادر بأمرالله :
(أبو القاسم )عبدالله المقتدى بأمر الله بن محمد بن عبد الله القائم بأمرالله :
(أبو العباس) أحمد المستظهربالله بن عبد الله المقتدى بأمرالله :
(أبو منصور)الفضل المسترشد بالله ابن عبد الله المستظهر بالله :
(أبو جعفر) المنصور الراشد بالله ابن الفضل المسترشد بالله :
(أبو عبدالله ) محمد المقتفى لأمر الله ابن أحمد المستظهر بالله :
(أبو المظفر ) يوسف المستنجد باللهبن محمد المقتفى لأمرالله :
(أبو محمد )الحسن المستضىء بأمر الله بن يوسف المستنجد بالله :
(أبو العباس )أحمد الناصرلدين الله بن الحسن المستضىء بأمرالله :
(أبو نصر ) محمد الظاهر بأمر الله بن أحمد الناصرلدين الله :
(أبو جعفر )المنصور المستنصربالله بن محمد الظاهر بأمرالله :
(أبو احمد )عبدالله المستعصم بالله بن منصور المستنصربالله :
***********************
بعد أن أضْفى الإسلام الهيبةَ والجلالِ على المسلمين وألقى ربُوعه على جميع الأنحاء
والأرجاء للكرةِ الأرضية إما بالفتوحات الإسلامية وإما بالنزول على حكم الله ورسوله
صلى الله عليه وسلم .. اتجه خلفاء بنى العباس فى خلافتهم إلى رعاية الحضارة وتعليم
البشر شتى أنواع العلوم والمعرفة فكانت عهودهم كثيرة المحاسن جَمَّة المكارم أسواق
العلوم فيها قائمةوشعائر الدين فيها مُعَظَّمة والخيرات فيها دائرة والدنيا عامرة والحُرُمات
مَرْعِية والثغور محصَّنة .
ازدهرت فى عصرهم الحضارة وازدانت العمارة وشُيِّدت الجوامع والمساجد
والخانقاوات والأربطة والقلاع والثغور والمدارس والحمامات والبيمارستانات والخانات
والوكالاتوالقيساريات والأسواق والفنادق والقصور والبيوت والأسبلة والآبار والقناطر
والنافورات وصُنِّفت الكتب الفقهية واجتهد الأئمة والعلماء وصُنِّفت علوم التفسير
والحديث وكتب السيرة والتاريخ والمغازى وكان هناك مدرستان : أحدهما فى العراق :
مدرسة أهل الرأى والأخرى فى المدينة : مدرسة أهل الحديث وفى اللغة والنحو
مدرستان : مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة وأبدع علماء وفقهاء المسلمين فى ترجمة
شتى أنواع العلوم والمعرفة فأضافوا وصححوا وأخذ العالم ما صححوه وترجموه إلى
لغتهم فنهضوا من سُباتِهم ومن عصور ظلامهم وظُلْمتهم التى كانوا قابعين فيها .
كما اتَّسمت عهود خلافتهم بالعدل والتقوى والصلاح بين الرعية وإخماد الفتن
والمؤامرات ومحاربة ما يحدث فى مختلف الأمصار من تمردات .
وقاموا بدك القوى الصليبية التى كانت تحاول الإغارة على بعض البلاد الإسلامية مثلما
حدث فى : موقعة ملاذكرد :
فقد قام المسلمون بالفتك بِهم ودك مدنِهم وقِلاعهم ومَزَّقوا أوْصالهم
ودمَّروا ثغورهم وحصونَهم وأسَروا امبراطورهم أسَره القائد الإسلامى ألب أرسلان .
وفى هذا : يقول إمام الحرمين أبو المعالى الجوينى :
( فمَالَ ملك الإسلام ألب أرسلان تغَمَّد الله روحه بالروح والرضوان إليهم وانْقَضَّ
انقضاضِ الصقرِ عليهم وغَضِبَ لله غَضْبَةً تَسْتَجْفِل الآسَاد عن أشبالِها والكفار قد اغترُّوا
بوفورِ جَمْعِهم ولم يعلموا أن الله من وراءِ قَمْعِهم فلما كان يوم الجمعة التقى الصَفَّان
والتحم الفئتان وبَرِقَت السيوف ومَطُرَت سَحَايب الحُتُوف وقال الملك ألب أرسلان
طاردِوهم حتى تُوافوا دعوة الخطباءِ فى أقاصى البلدان فما زالت الشمس حتى زالت
أعلامهم وزلَّت أقدامهم وكان قائدهم الملقب بقيصر نفخ الشيطان فى مناخِره وأجاب
داعِىَ جهْلِهِ وخَبالِه وغيِّه وضَلالِه فحَصُل فى قبضةِ الأسْر وانبسطت عليه يَدُ القَسْر
وردَّ الله كيْدَه فى نَحْرِه وأذاقهُ وبَالَ أمْرِه فباتَ مع المقرَّنين فى الأصْفاد والله للبَاغِين
بالمرصاد )
ومما لا شك فيه أن : الخلافة العباسية تعرضت فى بعض عهودها للفتن والقلاقل وانتشار
الأفكار الهدامة والتعاليم الملوثة وحبْك المؤامرات والدسائس التى تفشَّت فى بلدان
الخلافة بمعاونة الأفَّاقين والمنافقين فكانت مِعْوَلاً رئيسياً لِشَقِّ صَدْعِ هذا الجبل الإسلامى
العظيم .
كما أصابَها جِرَاحاً غائرة بعد إغارةِ الصليبيين على بعض بلدان الخلافة .
ولقد اجتمع أهل الباطل من الممالك الأسبانية ومن فرنسا وألمانيا وبلجيكا وانجلترا
واقتطعوا أجزاءً من الدولة الإسلامية كوَّنوا فيها إماراتٍ صليبية :
( فى الرها . وفى أنطاكية . وفى بيت المقدس . وفى طرابلس ) .
ورغم أن المسلمين انتفضوا عليهم وهبُّوا إليهم ..فقام الأمير عماد الدين زنكى بإزالة الوتد
الصليبى من الرَّها . وقام السلطان صلاح الدين الأيوبى بمحاصرتِهم فى حطين وحطَّم
عَتادهم ودمر حصونهم وهدمها وفتك بهم واستعاد بيت المقدس
من براثِنِهم وأذاقهم الويل وقتل مَلِكِهم أرناط الصليبى وفتح طبرية وطارد فلولهم .
كما تعرضت الخلافة العباسية لهجوم المغول والتتار فى مقرها ببغداد وكان هذا
الهجوم هجوماً وحشياً بربرياً خرَّبوا فيه الديار ودمَّروا بيت الحكمة وعاثوا فساداً ثم
عبروا الفرات واتجهوا إلى الرها وحران ونصيبين ثم إلى مصر .
ومع أن المسلمين قد تصدُّوا لهم فى عين جالوت بقيادة السلطان المملوكى سيف الدين
قطز الذى قضى عليهم وقام بملاحقتهم وملاحقة من فرَّ منهم إلا أن هؤلاء التَتَرْ قد أبَادوا
دور العلم وهَدَموا الصرْح العظيم للفقه والفقهاء
وأحرقوا الأمهات من كتبِ الأئمةِ والعلماء
كما تعرضت الخلافة الإسلامية :
لحركات الزندقة والوضاعين : الذين عاثوا فساداً وإِفساداً بالروايات والقصص
والحكايات التى كان يقُصُّها القصاصون والأباطيل والخرافات التى دسَّها ووضَعَها
المنافقون .
والفرق المذهبية التى أفشاها المنافقون وأعداء الدين : والتى ما زالت قائمةً ظاهرةً حتى
اليوم لإِذْكاءِ نار الفتنة والفُرْقة بين المسلمين .
وتفكك الأمصار واستقلال العديد من البلدان : وتكوينها دولا وإمارات وممالك نَأت بها
عن الخلافة الإسلامية مثل :
الدولة الأموية فى الأندلس : واستقل بها عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد
الملك
والدولة العبيدية فى شمال أفريقيا : والتى تنتسب إلى أبو عبيد الله والتى كان منها :
( الدولة الرستمية ) فى الجزائر التى تنتسب إلى عبد الرحمن بن رستم وابنه عبد
الوهاب . (ودولة الأدارسة) فى المغرب وتنتسب إلى إدريس بن عبد الله بن الحسن بن
على رضى الله عنهم
( ودولة الأغالبة ) فى تونس التى تنتسب إلى ابراهيم بن الأغلب .
ودول بلاد فارس وبلاد ما وراء النهر : ومنها :
(الدولة الطاهرية) فى خراسان والتى تنتسب إلى طاهر بن الحسين وابنه عبد الله .
(والدولة الصفارية) فى سجستان والتى تنتسب إلى يعقوب بن الليث الصفار .
( والدولة السامانية ) فى طبرستان والتى تنتسب إلى نصر بن أحمد السامانى .
(والدولة الغزنوية) فى بلاد الأفغان والهند وباكستان وتنتسب إلى محمود الغزنوى .
(والدولة البويهية ) فى أصفهان والعراق والتى تنتسب إلى بويه وابنه على بن بويه .
(والدولة الحمدانية ) فى الموصل وحلب والتى تنتسب إلىحمدان بن حمدون .
(والدولة السلجوقية ) فى كرمان وأذربيجان وبلاد الأناضول وتنتسب إلى سلجوق
التركى .
ودول مصروالشام : والتى كان منها :
( الدولة الطولونية ) فى مصر والتى تنتسب إلى أحمد بن طولون .
(والدولة الإخشيدية ) فى مصر والشام والتى تنتسب إلى محمد بن طغج الإخشيد .
(والدولة الفاطمية ) فى مصر وهى دولة شيعية أقامها جوهر الصقلى .
( والدولة الأيوبية) فى مصر وهى دولة سنية أقامها صلاح الدين يوسف بن أيوب .
(ودولة المماليك ) فى مصر والشام وتنتسب إلى سيف الدين قطز .
كل هذا وغيره .. أدى إلى : الإنفصام وعُرى الإنفصال بين بلدان الخلافة الإسلامية وفَتَّ
فى عضدِ الدولة الإسلامية.
***********************
الخلافة العثمانية
تولى الخلافة الإسلامية : العثمانيين منذ عام 699 إلى 1343هجرية (1258إلى
1924 ميلادية ) .
وينتسب بنو عثمان إلى السلطان عثمان غازى بن ارطغرل .
وكانت اسطنبول أو الآستانة أو القسطنطينية بعد فتحها هى مقر الخلافة .
ولقد قسَّم المؤرخون الخلافة العثمانية إلى دورين :
الدور الأول : دور القوة ويبدأ من بدء الخلافة وحتى انتهاء خلافة سليمان القانونى .
والدور الثانى : دور الضعف ويبدأ منذ حكم سليم الثانى وحتى الإعلان بانطواء صفحاتها
فى 2 مارس 1924 ميلادية .
وقد تعاقب الخلافة العثمانية سبعة وثلاثون خليفة على مدى 642 عاما وهم :
السلطان عثمان غازى بن ارطغرل : وهو أول السلاطين العثمانيين شتَّت شمل المغول
وأمراء الروم وأخضع آسيا الصغرى للخلافة وعَبَرَ الدردنيل ووصل إلى مقدونيا ..
وأنشأ جيشاً نظامياً عُرِفَ بالإنكشارية .. من أقواله لإبنه :
( يابنى : إن نشر الإسلام وهداية الناس إليه أمانةٌ سيسألنا الله عليها فمقْصِدُنا هو الجهادُ
فى سبيل الله فلسنا طلابَ دنيا ولا طلابَ جاه .. علينا أن نُعْلِى نورَ ديننا إلى كل الآفاق ..
يابنى نحن بالإسلام نحيا ونموت فإياك أن تشتغل بشىء لم يأمر به الله رب العالمين )
السلطان أورخان غازى بن عثمان بن ارطغرل : وفى عهد سلطنته اهتم بصقْل الجيوش
الإسلامية من الناحية العسكرية وقام بالتوسعة فى البناء وإقامة المنشآت وقام بضرْب
العملة الذهبية والفضية .. أرسل ابنه سليمان لضرب الحصار على بعض المدن
الرومانية استعدادا لفتح القسطنطينية من الناحية الغربية فاجتاز مضيق الدردنيل وبنى
حصوناً وقِلاعاً فى تزنب وغاليبولى إلا أنه توفى وخلفه ابنه مراد .
السلطان مراد الأول بن أورخان بن عثمان : أرغم ملك الصرب وأمير البلغار على دفع
الجزية بعد فتحه لمدينة أدرنة وفيلبة وحين أبوا قاتلهم وحاصر صوفيا لمدة ثلاث
سنوات ..
فتح أجزاء كثيرة من بلاد اليونان ففتح مدينة سالونيك وقام بدك حصون الصرب والألبان
فى إقليم كوسوفو ووقَع ملك الصرب أسيراً فى أيدى المسلمين .
السلطان بايزيد بن مراد بن أورخان : لُقِّب بالصاعقة لانقضاضه المستمر والدائم فى غزو
وقتال الصليبيين حتى أُصِيبت منه أوربا بالذعر .. قام بضم بلاد الأناضول وإمارات
عديدة للدولة الإسلامية آخرها مدينة الأشهر قرب أزمير.. واتجه إلى البلغار حين أبوا
دفع الجزية فأخضع سكانها وقتل أميرها .. فهبَّت البابوات فى روما ينادون بوقف زحف
المسلمين وفتوحاتهم فتجمع الصليبيون من فرنسا وألمانيا وبولندا وسويسرا واسكتلندا
يقودهم ملك المجر فى : نيقوبولس : فتوجه إليهم الخليفة بايزيد ودكهم ودمرحصونَهم
وشرَّد جمعهم وفرَّق شملهم ووقع شريف فرنسا أسيراً بين يديهم وفرَّ ملك المجر مخذولاً
كالفأر المذعور فى إحدى القوارب المائية .. فكان نصراً عظيماً عاد منه المسلمون بغنائم
كثيرة وأفياءٍ وفيرة .
محمد بن بايزيد بن مراد بن أورخان : سار على نهج أبيه وقام بتقوية الجيوش الإسلامية
تمهيدا لفتح القسطنطينية وفى عهد خلافته توقفت الفتوحات وشاب بعض بلدان الخلافة
فتناً وخلافات واضطرابات قام بقمعها وإخضاعها .
مراد بن محمد بن بايزيد بن مراد بن أورخان : ساح فى البلاد شرقاً وغرباً يحمل هذا
على الجزية وطلب الأمان ويؤدب ذلك على التمرد أو العصيان حتى قيل عنه أنه كان
خير ملوك وسلاطين الزمان عقلاً وحزماً وعزماً وشجاعة .. أفنى عمره فى الجهاد فى
سبيل الله لرفع راية دين الله ونشر الإسلام بين خلق الله وتطبيق شرائع الله فى كل مكان .
فتح الأفلاق والبغدان وحصَّن القِلاع والمدن وزاد فى الأربطة والثغور ..فلقد اقترب عهد
فتح العاصمة الرومانية بالجنود المغفور لهم كما ورد فى الأحاديث النبوية .. تولى
الخلافة من بعده ابنه محمد : وهو الذى قام بفتح القسطنطينية .
محمد مراد بن محمد بن با يزيد : ( الفاتح ) : سارعلى نَهْج أبيه وقام بتنظيم إدارات الدولة
واهتم بالعمران والبناء وكان عادلاً مُحِباً للعلمِ والعلماء ..لقب بالفاتح لفتحه القسطنطينية
وهى كانت آخر معاقل الرومان والصليبيين الذين أبواْ الإيمان والإسلام ورفضوا التسليم
وطلب الأمان .. فقاد الجيوش الإسلامية وغزا العاصمة البيزنطية من كل اتجاه ومن كل
مكان فى جَبَهاتِها البحرية من مضيق البسفور وبحر مرمرة والقرن الذهبى ومن جميع
طُرِقَها البرية حتى تزلزلت قلوب الصليبيين وأحاط بِهم الذعر والخوف ثم قام بِهدم
أبراجِها وأسوارها وتدمير حصونِها وقِلاعها ودك أربطتها وثغورها ليلا ونَهارا براً
وبحراً وقام بدخولها وإتمام فتحها فى ظهر العشرين 20 من شهر جمادى الأولى عام
857 هجرية (29مايو 1453ميلادية ) .
وهنَّأ محمد الفاتح رحمه الله جنده وأخبرهم بأنَّهم هم الجند المغفور لهم الذى أخبرعنهم
سيد الأولين والآخرين المُرسَل من الله رحمةً للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
لرفعهم راية دين الله ولجهادهم فى سبيل الله وفتحهم البلاد الرومانية ودخول عاصمتهم
القسطنطينية .. ثم قام ببناء مسجد بمكان وفاة أبى أيوب الأنصارى أوَّلُ صحابىٍ حاصر
القسطنطينية ودعا بالرحمة والمغفرة له ولكل الغزاة والمجاهدين على مر القرون
والسنين .
بايزيد بن محمد الفاتح : غزا المجر والبندقية وفرنسا والنمسا لحملهم على عدم دفع
الجزية .. كما أرسل جيشا إلى بولندا لتأديبها عندما حاولت أن تضم إليها مولدافيا .
سليم بن بايزيد بن محمد الفاتح :قام بغزو الأسبان والبرتغال حينما أغاروا على مدينة
الجزائروأذاقهم خير الدين بربروس الذى لُقِّب بأمير البحار هو وأخيه ويلات فى الليل
النهار بما كان يفعله بسفنهم التى ضرب عليها الحصار للفتك بهم داخل البحار .
سليمان القانونى بن سليم بن بايزيد : قام بالتوجه إلى طرابلس بأسطول بحرى لطرد فلول
الأسبان والبرتغال التى تسللت إلى بنزرت ووهران .. وعندما رفض ملك المجر دفع
الجزية توجه إليه وحاصره برا وبحرا حتى طلب الأمن والأمان ورضخ لدفعها .. كما
ألزم ملك النمسا بدفع الجزية عما ضمَّه إلى ملكه من أراضى المجر ..كما وجه سليمان
باشا من مصرلملاقاة البرتغاليين فى ديو البحرية بسواحل الهند لتدميرسفنهم وإزالة
حصونِهم التى أقاموها هناك.
سليم بن سليمان القانونى : مراد بن سليم الثانى بن سليمان القانونى :
محمد بن مراد بن سليم : أحمد بن محمد الثالث بن مراد :
مصطفى بن محمد بن مراد : عثمان بن أحمد الأول بن محمد الثالث :
مراد بن أحمد الأول : إبراهيم بن أحمد الأول :
محمد بن إبراهيم بن أحمد : سليمان بن ابراهيم بن أحمد الأول :
أحمد بن ابراهيم بن أحمد : مصطفى بن محمد الرابع بن ابراهيم :
أحمد بن محمد بن ابراهيم : محمود بن مصطفى بن محمد :
عثمان بن أحمد الثالث : مصطفى بن أحمد بن محمد :
عبدالحميد الأول بن أحمد : سليم الثالث بن مصطفى بن أحمد :
مصطفى بن سليم الثالث : محمود بن عبد الحميد :
عبدالمجيد الأول بن محمود : عبدالعزيز بن محمود الثانى :
مراد بن عبدالحميد الأول : عبدالحميد برن عبدالمجيد :
محمد رشاد بن عبدالمجيد : محمد وحيد الدين بن عبدالمجيد :
عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن محمود :
***********************
لقد صوَّرلنا الصليبيين والمستشرقين الخلفاء العثمانيين على أنهم محتلين صوروهم لنا
كأنهم أعداءٌ للدين وليسوا بمسلمين وساعدهم فى ذلك الأفَّاقين المنافقين من المؤرِّخين
مسلمين كانوا أم غير مسلمين جاهلين كانوا أو عامدين .
ونحن لم نُدرِك كذِبهم وإفكهم ولم نعِ ما تغلغل بنفوسِهم فسرنا على دربهم دون تحقيقٍ
أوتنقيح وألفيْنا من سبقنا دون تحليلٍ أو توضيح وهم من أعْلى الله بهم كلمة الإسلام ومهَّد
لهم أقطارَها وأعزَّ أنصارَها وأذلَّ أعداءَها .
فلقد كان الخليفة من المسلمين هو ناصر الدنيا والدين وقامع أعداء الله الكافرين وهو ملك
العرب والعجم والترك والديلم وهو ظل الله فى أرضِه القائم بسنتِه وفرضِه .
إلى أن أصاب الخلافة الضَعفَ والوَهَن لما تفشَّى من مؤامراتٍ واضطرابات ولما كان
من انقسامٍ وانفصالٍ وانفصامٍ بين دول الإسلام ولما كان يُحاك من دسائسٍ وفِتنٍ وقلاقل
حتى بلغ التفكك الإسلامى ذروته وأصبح الصراع والإقتتال بين المسلمين سارياً وبلغ
أعِنَّته .
وبما كان ينشره أهل الفجور والطغيان وأهل البدع المارقين الخارجين عن شرائع الدين
بأفكارهم وسمومهم فهؤلاء وجنسهم كانوا من أكابر المفسدين فى أمر الدنيا والدين .
كما كان لانتشار الفكر الغربى لدى المسلمين غيبة لشرائع وأصول الدين فقد تم استيراد
القوانين الفرنسية والسويسرية والإيطالية وغيرها تحت ستار التقدم والرقى بهدف
إِقْصَاء شرع الله ومنهجه حتى دبَّ الإهمال والإقبال على الدنيا والتهاون فى تطبيق
شرائع القرآن ومعالم وأصول الإيمان .
كل هذا وغيره كان سبيلاً وطريقاً تلصَّصَ منه الصليبيين وأعداء الدين وتسللوا من خلاله
إلى مقار وإدارات الخلافة لهدم الدين .
ففى أواخرالخلافة العباسية أبدوا أسباباً وذرائعَ ومَسْكنةً ليحصلون من الخليفة على
موافقاتٍ وامتيازاتٍ مُبسَّطة وطفيفة سرعان ما تزايَدَت هذه الموافقات وتفاقمت تلك
الإمتيازات حتى صارت قاصمة لهيبةِ وعظمةِ وقوةِ الدولة الإسلامية .
ونَشَر المنافقين وأعداء الدين سمومهم لتجرى فى عِضال الدولة الإسلامية وتفُتُّ فى
عضدِها وتتنقل كالداء بين بلدانِها وأمصارِها لتُوهِن وتُضعِف بنيانِها للإنقضاض عليها .
فكان البدأ بإغارة الأسبان والبرتغال على الأندلس وإِعمال التخريبِ والنهبِ والسلبِ
والتنكيلِ والغدرِ بالمسلمين فى غرناطة وبلنسية .
بعدها حَظِيت بعض الدول الصليبية على موافقةٍ من الخليفة بزيارةِ بيت المقدس ثم جاء
السماح لدول أخرى ..... إلخ .
وبعد سنوات تجمع الصليبيون تحت راية البابوية وبقيادة إيطاليا قاموا بهجمةٍ بحرية على
أسطول المسلمين البحرى فى معركة ليبانتو باليونان ليتمكنوا من استعادة جزيرة قبرص
وتقليص هيمنة المسلمين على البحر الأبيض المتوسط .
ثم قاموا بالإستيلاء على بلغراد وتقدموا نحو البلقان واستولوا على جزر من بحر إيجة .
ونقضت روسيا ما تعهدت به وقامت بالإستيلاء على الأفلاق والبغدان .
واستولت فرنسا والنمسا على ما تم فتحه من دول فى أوربا وأبَواْ جميعا دفع الجزية .
ثم قاموا بتدمير قطع الأساطيل البحرية الإسلامية فى مصر وفى القسطنطينية .
ثم عادت فرنسا وأبرمت معاهدات وتعهدات للصداقة فيما بينها وبين الخلافة ما لبثت
بعدها إلا وأرسلت قائدها نابليون بونابرت للإستيلاء على مصر .
وتتابعت الهجمات الصليبية من هنا وهناك ومن كل حدبٍ وصوب على بلاد الخلافة
فظفِرت فرنسا بشمال إفريقيا واستولت على الجزائر ثم تونس ثم مراكش .
واستولت بريطانيا على مصر وسواحل جزيرة العرب واقتطعت إيطاليا ليبيا .
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أطْبَقوا مرة أخرى على البلدان الإسلامية فضمت
فرنسا إليها سوريا ولبنان واستولت بريطانيا على فلسطين والأردن والعراق .
وتعاقبت معاهدات وأنشُِئت منظمات تولَّد عنها صدور قراراتٍ مَهِينة وعُقِدت اتفاقيات
كلها كانت مُخْزِية ومؤدية إلى تراجع العظمة والقوة للخلافة الإسلامية .
وكان هناك أخطر جرثومة سَرَت وما زالت تسرى فى جسد الأمة الإسلامية وهى :
ظهور الجمعيات الماسونية ذات الأهداف الخبيثة التى تحمل أسماء أدبية وأسماء علمية
وما أرسَتْه فيها العصابات الصهيونية من أفكارٍ هدَّامة ومن أكاذيب وأضاليل ومن أن
الحرب على المسلمين حرباً مقدسة لتحقيق أطماعها ونفْث أحْقادها الدفينة والمكظومة
على الإسلام والمسلمين .
فى بادىء الأمر أنشأ لهم السلطان عبد الحميد جهازاً للمخابرات للتحرى عن كل
الماسونيين من اليهود والصليبيين لبَتْرِهم وبتْر كل من يعاونهم من الإنفصاليين الذين
يُسْتقطَبون و يدَّعون أنهم مسلمين وهم أشدُّ أعداء الدين للقضاء عليهم واستئْصال شأفَتِهم
إلا أنه لم يستطع القضاء عليهم لتغلغلهم فى بلاد وبلدان المسلمين وما زالوا متغلغلين فى
شتى النواحى ومختلف الميادين .
ولقد كان من إفرازات هذه المنظمات والإتفاقيات : تلك الحركة الصهيونية والأفاعى
اليهودية التى غُرست ببيت المقدس وأحيطت من الصليبيين بالرعاية والعناية .
وما قامت به بريطانيا أيضا من مساندة حكومة فى أنقرة ادَّعت أنها وطنية يقودها
مصطفى كمال أتاتورك أمدوها بكل ما يملكون حتى أضْحَت لها أعواناًوأنصاراً
مالبثوا أن طالبوا بالإعتراف بها وبمبادئها وأفكارها . وما هو إلا زمنٌ يَسير إلا وفرَضت
مطالبها بالفصل بين الخلافة والسياسة أو بين الدين والدولة . وبين عشيةٍ وضُحاها وفى
اليومِ السادسِ والعشرينَ من شهرِ رجب عام 1342 هجرية صدر قرار إلغاء الخلافة
التى دامت أكثر من ألف وثلاثمائة عام .. وغادر الخليفة الإسلامى استانبول وتم الإعلان
بإلغائها رسميا فى 2 مارس1924 وطويت صفحة الخلافة وما زالت تلك الصفحة
مطوية على مدى 86 ستة وثمانون عاما .
منقول
معنى الجاهلية
عصر ما قبل بعثة سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم كان يُسمى بعصر الجاهلية .
ولقد سُمِّىَ بِهذا الإسم لما كان فيه من حميةٍ وميلٍ إلى الغضبِ وثأرٍ وطيشٍ وحمق وسَفَهٍ
وَوَأدٍ للبنات وضلالاتٍ وخرافات ولما استشرى فيه من استحلالٍ للحرمات واقترافٍ
للموبقات وانتقامٍ ووحشية وعصبية وسفكٍ للدماء وهتكٍ للأعراض وسلبٍ للأموال .
كما انتشر فى عصر الجاهلية الوثنية وعبادة تماثيلَ وأصنامٍ لا تضر ولا تنفع
وخروج عن العبودية ورفض للألوهية وشرك بالله سبحانه وتعالى .... إلخ
إلى أن بزغت شمس الإسلام وجاءت البعثة المحمدية ونزلت شريعة الله فأمرت بالعدل
والتقوى ونَهت عن الفحشاء والمنكر فأنارت الدنيا وأضاءتْها وأشرقت الظلمات وتبددت
الجهالات ومُحيت كل الضلالات.. وجاءت رسالة الإسلام بالهدى ودين والحق وأظهر
الله بِها مِنَّته على كافة الناس والخلق ..
ولذا .. : إذا ما آمن المرء بدين الإسلام
فهو يكون قد خلع ماضيه وانْفَكَّ عما كان فيه ونبذ الجاهلية .
أما إذا ظل على ماهو فيه من الجهل والشرك بالله و ترك نفسه قابعاً لايؤمن بدين الله وهو
الدين الذى ارتضاه الله لكافة عبيده وخلقه ..
فهو بذلك يكون : مازال على الجاهلية .
**********
عصر الرسالة والخلفاء الراشدين
بعد أن اكتمل دين الله واكتملت شريعةُ الله لتكون منهجاً للحياة .. وبعد أن فُتِحت البلدان
وانتشر الإسلام فى كل مكان وذلَّت له الرقاب ودَانَت له البلاد وهَوَت القياصِر
والأكاسِر وجلا كل ضالٍ عن المدينةِ المنورة ومُحِىَ الظلم والشرك عن مكة المكرمة
ودخل الناس فى دين الله أفواجاً وأتواْ إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرْسَالاً :
انتقل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مثواه .
وتولى سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه خلافة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسار على نَهج نبى الله ومصطفاه فى نشر دين الله بين كافة خلق الله يأتمر بأوامر الله
وينتهى عما نَهى عنه الله .. ومن بعده كان سيدنا عمر بن الخطاب ثم سيدنا عثمان بن عفان
ثم سيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين .. ثم توالى من بعدهم خلفاء
المسلمين : من بنى أمية ومن بنى العباس ومن العثمانيين .
***********************
الخلافة الأموية
بعد انتهاء عصر الخلفاء الراشدين تولى خلافة المسلمين : خلفاء من بنى أمية وذلك منذ
عام 41 وحتى عام 132 هجرية ( 662 إلى 750 ميلادية ) .
وكان أول خليفة من هؤلاء الخلفاء هو : سيدنا معاوية بن أبى سفيان بن حرب بن أمية
وكانت دمشق هى مقر الخلافة .
وقد تعاقب عليها أربعة عشر خليفة على مدى 91 عاما وهم :
معاوية بن أبى سفيان : كان سيدنا معاوية والياً على الشام ولاه سيدنا عمر بن الخطاب بعد
وفاة أخيه يزيد بن أبى سفيان رضى الله عنهم أجمعين .. وقد أجمع المسلمون من أهل
الحل والعقد بخلافة معاوية فى عام الجماعة سنة 41 هجرية .
فقام بإرساء كيان الدولة الإسلامية وتوحيد كلمة المسلمين . أكمل معاوية الفتوحات
الإسلامية وأنشأ أول أسطول بحرى عرفه التاريخ فتح به جزيرة قبرص وجزيرة صقلية
ورودس وارواد وأرسل أبو أيوب الأنصارى ويزيد بن معاوية تحت قيادة فضالة
بن عبيد الأنصارى لحصار الإمبراطورية البيزنطية فى عاصمتها القسطنطينية فضربوا
عليها الحصار برا وبحرا .
يزيد بن معاوية بن أبى سفيان : أجمع أهل الحل والعقد من صحابة سيدنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم على تولِّيه خلافة المسلمين بعد وفاة أبيه معاوية ..
ولقد وقع فى عهد خلافته واقعة كربلاء التى استشهد فيها سيدنا الحسين بن على رضى
الله عنهما . واصل يزيد الفتوحات الإسلامية شرقا وغربا فأرسل مسلم بن زياد لغزو
خراسان وسجستان وسمرقند وفى الغرب أرسل عقبة بن نافع لأقاصى أفريقيا وفتح
مدنَها حتى وصل إلى بلاد الزاب وبلاد السوس حتى بلغ المحيط الإطلنطى والتى قال
عقبة بن نافع عند بلوغه قولته المشهورة :
( اللهم اشهد يارب لولا هذا البحر لمضيت مجاهداً فى سبيلك أقاتل من كفر بك وعبد
غيرك )
معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان : كان عالماً وَرِعاً تولى الخلافة لمدة قصيرة آثر
التنازل عنها وأوصى أن يكون الإختيار لها شورى بين المسلمين وقال لأهل الحل
والعقد : من رضيتم به فولوه .
مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية : كان عالماً فقيهاً من كبار الأمة تولى إِمَرَةِ
الحجاز وعاش بالمدينة المنورة .. أكمل الفتوحات الإسلامية نحو المشرق .. أوْلى
اهتمامه بأمور الرعية خشية افتراق كلمة المسلمين وهو أول من قام بضبط المكاييل
والموازين فى البيع والشراء لعدم الغَبْنِ أو الغِش فيها .
عبدالملك بن مروان بن الحكم : كان عابداً ناسكاً سارعلى نَهْج أبيه محباً للعلمِ والعلماء
دائم النهى فى خُطُبه عن الفرقة والإختلاف.. غزا بلاد الهند ووصل فى فتوحاته إلى
مشارف الصين واتسعت فى عهده رقعة الأرض الإسلامية ..
وازدهرت العلوم الشرعية والحضارة العمرانية والزراعية والتجارية .. وهو أول من
قام بصك النقود الإسلامية وكَتب عليها ( قل هو الله أحد ) وعلى الوجه الآخر
( لاإله إلا الله ) وأحاطها بطوقٍ كُتِبَ خارجه ( محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين
الحق ) ..
أبطل استعمال الدنانير والدراهم الفارسية والرومية وكسا الكعبة المشرفة بالديباج
والحرير وبنى مسجد قبة الصخرة فى بيت المقدس .
الوليد بن عبدالملك بن مروان بن الحكم : امتدت الفتوحات فىعهده شرقا وغربا حتى
أصبحت الدولة الإسلامية مترامية الأطراف واسعة الثراء ..
أرسل الوليد قتيبة بن مسلم لغزو بلاد كازخستان وبخارى وسمرقند وخوارزم وفرغانه ..
وأرسل محمد بن القاسم لفتح باكستان من بلاد السند وأرسل موسى بن نصير وطارق بن
زياد لفتح بلاد غرب أفريقيا وأكمل فتوحات بلاد الأندلس .. وهو أول من أقام
البيمارستانات (المستشفيات) كما قام بحفر الآبار وتمهيد الطرق المؤدية إلى الحجاز
وبناء البيوت والمنازل لحجاج بيت الله وقام بعمارة
الحرمين والمسجد الأقصى وقام بإعادة إعمار وتطوير الجامع الأموى فى دمشق .
سليمان بن عبدالملك بن مروان بن الحكم : كان ذا خُلقٌ جَمّ فصيحاً بليغاً مُؤْثِراً للعدل
غازياًشجاعاً .. تولى الخلافة بعد وفاة أخيه .. قام بفتح جرجان وطبرستان وأعاد بناء
الأسطول البحرى الإسلامى لتشديد الحصارعلى القسطنطينية وعَهِد إلى أخيه مسلمة بن
عبد الملك بقطع المؤن والإمدادات التى تصل إلى الرومان برا و بحرا .
عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم : كان مُتَولياً إمَرَةِ المدينةِ المنورة .. عَمّ العدل
والرخاء أرجاء الدولة الإسلامية فى عهد خلافته حتى بلغت من الثراء والغنى مالم تبلغه
دولة على وجه الأرض .. كان مراقباً لله فى سره وعلنه .. دائماً فى طلب العلم
والعلماء .. لُقِّب بخامس الخلفاء الراشدين .. من أقواله :
( إنكم لم تُخْلقوا عَبَثاً ولن تُتركوا سُدَىً .. وإنَّ لكم مَعَاداً قدَّره الله للفصلِ بين عباده فقد
خابَ وخَسِر من خرجَ من رحمةِ الله التى وَسِعت كل شىء وحُرِم جنةٌ عرضها السموات
والأرض .. فى كل يومٍ تُشيِّعون من قضى نَحْبه وانقضى أجله فتودِّعونه وتَدَعُونه قد خَلعَ
الأسباب وفَارقَ الأحباب وسكنَ التراب وواجَهَ الحِساب .. ) .
يزيد بن عبدالملك بن مروان بن الحكم : شتَّت شمل أعداء المسلمين وأذاقهم ألواناً من
العذاب حتى لم يهنأ لهم رقاد ولاسهاد .. اتَّسَم عهد خلافته بالفتوحات والغزوات العديدة .
بث عنه المنافقون والحاقدون سموماً من أراجيفهم وأباطيلهم .. من أقواله :
( لاطاعة لمخلوقٍ فى معصيةِ الخالق إنما الطاعة لله فمن أطاع الله أطيعوه ما أطاع فإذا
عصى أو دعا إلى معصية فهذا أهلٌ أن يُعصى ولايُطاع ... ) .
هشام بن عبدالملك بن مروان بن الحكم : كان حازماً عاقلاً راداً للمظالم أرْسى الأمنَ
والأمانَ فى أرجاء الدولة الإسلامية وبعث بالعلماء والفقهاء إلى بلاد الهند وبلاد السند
( البلاد التى تقع شمال غرب الهند والتى منها باكستان ) وبلاد ما وراء النهر ( وهى
البلاد الموجودة جنوب روسيا ومنها التركستان ) لتعليم أهلها أحكام الدين الإسلامى
وأنشأ المكتبات والمطابع ودورالعلم .. كان ذا مكر ودهاء فى مغازيه وفتوحاته وقام بفتح
العديد من البلدان .. وجَّه بن مالك الخولانى وعبد الرحمن الغافقى إلى جنوب فرنسا
لفتح ( تور وبواتيه ) للوصول من خلالهما إلى فتح القسطنطينية عن طريق الفرنجة -
أوروبا - فعَبَر بن مالك الخولانى جبال البرانس وسيطرعلى سهل بروفانس وسيطر عبد
الرحمن الغافقى على سهل أكيتانيا وعند سهل بواتيه وقف الفرنج مستنجدين بالقبائل
البربرية الجرمانية لوقف هذا الزحف الإسلامى ودارت معركة عند هذا السهل سماها
المستشرقون الوضاعون ببلاط الشهداء وقالوا كذباً لكثرةِ شهداءِ المسلمين رغم أنَّّ الجندَ
من المسلمين عادوا إلى إقليم بروفانس بأسلابِهم وغنائمهم بعد ما صدرت أوامر الخلافة
إليهم بالعودة لصعوبة وصول الإمدادات من خلال تلك السهول والجبال .. كما قام هشام
بن عبد الملك بتدمير الهجمات
الرومانية التى اتجهت إلى دمياط فى مصر وشدد بعدها الحصون والأربطة على كافة
حدود الخلافة الإسلامية .
الوليد بن يزيد بن عبدالملك بن مروان:
يزيد بن الوليد بن عبدالملك بن مروان :
إبراهيم بن الوليد بن عبدالملك :
مروان بن محمد بن مروان بن الحكم :
***********************
لقد قيل عن بعض خلفاء المسلمين ماقيل مما وضعه الأفَّاقين والمنافقين ومما دسُّوه
ووضعوه فى كتب الأئمة وعلماء الدين .. وفى هذا :
يقول الشيخ أحمد نور فى كتابه العصمة والرسل والورثة هم النذر :
( لقد وضع المنافقون والمستشرقون فى أمهاتِ الكتبِ الإسلامية الدسائسَ والأباطيل
بقصد تنحيةِ المسلمين عن العقائد الصحيحة فشحنوا كتب التراث الإسلامى بالخرافات
والترَهات ونسبوها إليهم وهم منها بَرَاءْ حتى يستغلوا ثقة المسلمين فى هؤلاء الطبقة من
العلماء لتثبيتِ أباطيلهم ودسائسهم فى الأذهان ولكى تقف حَجَرَ عثْرةٍ فى طريق من
حاول أن يبيِّن للناس الحق من الباطل والغثَّ من الثمين إذ لايَجرؤ الناس على تصديقه
وتكذيبِ ما لديهم من أمهاتِ الكتبِ المنسوبةِ إلى أفاضلِ الأئمةِ والعلماء )
و يقول ابن العربى فى العواصم من القواصم
(والناس إذا لم يجدوا عيباً لأحد وغَلَبهم الحسد عليه له أحْدثوا له عيوباً ..فاقبلوا الوصية
ولا تلتفتوا إلا إلى ما صَحَّ من الأخبار واجتنبوا أهل التواريخ فإنَّهم ذكروا عن السلفِ
أخباراً صحيحة يسيرة ليتوسلوا بِها إلى روايةِ الأباطيل والأكاذيب وليقذفوا فى القلوب
مالا يرضاه الله تعالى وليحتقروا بِها السلف ويُهَوِّنوا الدين وهو أعزُّ من ذلك وهم أكرم
منا فرضى الله عن جميعهم ) .
يقول عنهم إمام الحرمين أبو المعالى الجوينى فى كتابه غِياثُ الأمم فى اْلتِياثِ الظُلَم
( بِهم أقيمت دعوة الحق وأُثبتت الملة وارتدَّت مناظم الكفار منكوسة ومعالمهم معكوسة
وبذل عظيم الروم الجزية والدنِّية وصارت المسالمة والمتاركة له أغلى الأمنية فقد
انبسطت هيبة الإسلام على الأصْقاع القصِّية وأطلَّت على قمم الماردين رايته العلِّية )
*********
ولذا :
عليك أن تحْذر : مما وضعه هؤلاء الحاقدين عن الخلفاء من أباطيل وأكاذيب وافتراءات
ومغالطات سواء كان ذلك : فى الدولة الأموية أو العباسية أوالعثمانية :
وصونوا أسماعكم وأبصاركم أيها المسلمين عن مطالعةِ الباطل ولا تسمعوا فى خليفةٍ مما
ينسب إليه ما لا يليق ويذكر ما لا يجوز نقله لتكونوا على منهج السلف سائرين وعن
الباطل ناكبين .
فخلفاء المسلمين بذلوا الأرواح وركبوا إلى الموتِ أجنحة الرياح وواصلوا المساءَ
بالصباح متشوِّقين إلى مَنْهل المنايا على هَزَّةٍ وارتياح .. رَكنوا للموت وتنادَوْا لابَرَاح
وما وَهنوا وما استكانوا وإنْ عضَّهم السلاح وفَشِىَ فيهم الجِراح حتى أهَّب الله رياح
النصر من مَهابِّها وردَّ شعائر الحق إلى نِصابِها .
وما أثبته وتشبَّث به الطاعنون من هنَّاتٍ وعَثرَات لو سَلِم لهم ما يدَّعون وتُوبِعوا فيما
يأتون ويَذَرون وغُضَّ عنهم طرف الإنتقاد فيما يبتدعون ويخترعون : فأين يقع ما يقولون :
أليْسَ بِهؤلاء الخلفاء كان انحصار الكفار فى أقاصى الديار ؟ !
أليسواْ فى خلافتهم قد أذَّلوا الكفر وأهله حتى امتلأت القلوب منهم رعباً وفزعاً ؟ !
ألم يؤرِّقوا نومَهم ألم يُزلزلوا قلوبَهم ألم يُقْلِقوا سُهادَهم حتى أصابَهم الذعر والهلع ؟ ! .
ألم يمَلكوا الأرض بما فيها وما عليها .. ؟ !
لقد مَلكوا مشارقها ومغارِبَها ..لقد تحكموا فى جميع أنحاءِ ممالِكها .. برها وبحرها ..
واديها وسهلها .. زرعها وجبلها ..
عَلت راية الإسلام فى عهودهم مرفرفة خفاقة وكانت الدولة الإسلامية فى خلافتهم دولة
أبِّية مَهِيبة ذاتَ عِزَّة وقوة مَنيعة .
***********************
الخلافة العباسية
تولى الخلافة الإسلامية من بعد بنى أمية : بنى العباس منذ عام 132 هـ إلى 656 هجرية
(750 إلى 1258ميلادية ) ..
وبنى العباس ينتسبون إلى العباس بن عبد المطلب عم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد قسّم المؤرخون الخلافة العباسية إلى عصرين :
الأول : أزْهى وأقوى وينتهى بانتهاء تاسع الخلفاء هارون الواثق بالله ..
والعصرالثانى : يبدأ بخلافة جعغرالمتوكل بالله وينتهى بآخر الخلفاء المستعصم بالله ..
وهناك بعض المؤرخين أضافوا عصرا ثالثا : سموه عصر الأمراء ويبدأ بخلافة القاهر
بالله وينتهى بآخر الخلفاء .
وكانت بغداد هى مقر الخلافة لهم ثم انتقلت إلى سامراء فى عهد الخليفة المعتصم بالله ثم
عادت مرة أخرى إلى بغداد .
وقد تعاقب الخلافة العباسية سبعة وثلاثون خليفة على مدى 524 عاما وهم :
(أبو العباس) عبد الله بن محمد : هو أبو العباس عبد الله بن محمد أول الخلفاء العباسيين
بعد مروان بن محمد بن مروان بن الحكم .. قام بالفتوحات فى الشرق فغزا البلاد الواقعة
على نهر سيحون وجيحون وأقام الأربطة والثغور فيها . تولى الخلافة من بعده أخوه أبو جعفر .
( أبو جعفر) المنصور بن محمد : استكمل فتح طبرستان وأمَّر ابنه المهدى عليها وفرض
سيطرة المسلمين على جزيرة قبرص براً وبحراً .. أطاح بالراوندية القائلين بتناسخ
الأرواح فقتلهم واسْتأصل شَأفتهم وأطاح بالزنادقة والوضاعين وبرؤوسهم التى كانت
تستشرى فى جسد الأمة .. أجاد فى التنظيم الإدارى للدولة الإسلامية وازدهر العمران
فى عهده .. قال فى خطبته فى يوم عرفة : ( أيها الناس إنَّما أنا سلطان الله فى أرضه
أسُوسُكم بتوفيقه ورشده ..
فيْئهُ أقسِّمه بإرادته وإذْنه فارغبوا إلى الله أيها الناس وسَلُوه فى هذا اليوم الشريف الذى
وهَبَ لكم فيه من فضلِه واللهُ أسْألُ أن يوفقنى للصواب ويسدِّدنى للرشاد فإنه سميع
مجيب ) .
قام الخليفة المنصور بفتوحات عظيمة زلزل فيها قلوبِ أهل الباطل وأذلَّهم ودكَّ حصونَهم
وهدم الدورَ والمعاقِلَ الصليبيةِ والمعابد اليهوديةِ ودمَّرها فوق رؤوسَهم .
( أبوعبد الله ) محمد المهدى : بايعه أهل الحل والعقد بعد وفاة أبيه فخطب فيهم وقال :
( إن أمير المؤمنين عبدٌ دُعِىَ فأجاب وأمِرَ فأطاع - واغرورقت عيناه - لقد فارقتُ عظيماً
- أبوه - وقُلِّدْتُ جَسيماً فعند الله أحتسبُ أميرَ المؤمنين وبهِ أستعين على خلافةِ
المسلمين ) .
كان جوَّاداً شهماً مُحَبباً إلى الرعية قام بفتح إربد من بلاد الهند .. جالس العلماء .. قام
بعمارة طريق مكة ونَهى عن بناء المقاصير فى جوامع الإسلام وقصَّر المنابر وصيَّرها
على مقدار مِنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. هو أول من عمل البريد من الحجاز
إلى العراق .. أنشأ ديواناً جديداً للتحرى عن الزنادقةِ والوضاعين وإبادتهم وتَتبِّعِهم فى
الآفاق لما سَادَ فى أمْصارِ الخلافة من أباطيلٍ مُلفَّقة ومن خرافات وأقاويل كاذبة .
( أبو محمد ) موسى الهادى :كان فصيحاً أديباً تعْلوه هيبة له سطْوة وشهامة أوصاه أبوه
المهدى قبل أن يموت بقتل الزنادقة والوضاعين الذين خالفوا فِطر العقول وناقضوا كل
الأصول وباينوا لبابَ النقول لإثارةِ البلبلةِ والشك والريبة فتتبعهم فى شتى الأمصار وقتل
منهم خلقاً كثيراً .
( أبو جعفر) هارون الرشيد : كان أميراً على خراسان .. يُعَظِّم حُرُمات الإسلام ويَبْغَضُ
المِراء فى دين الله ومُعارضة النص .. أنشأ بيت الحكمة ببغداد فكان مَجْمَعاً عِلمياً فريداً
يَنشدُه الفقهاء والعلماء .. ضرباته للروم كانت متتابعة متلاحقة .. بلغت الدولة الإسلامية
فى عهده عظمة وقوة ومهابة ووصلت إلى أوجِّ ازدهارها وعمرانِها واتسعت فتوحاتِها
المترامية من تونس إلى أفغانستان .. أطاح بالبرامكة واسْتأصَلهم وشرَّدهم وصادر
أملاكهم وممتلكاتهم .
فى عهد خلافته هناك من أراد أن يشق عصى الطاعة عن الدولة الإسلامية : حيث
رفضت الإمبراطورية الرومانية دفع الجزية وامتنعت عنها وطلبَ الإمبراطور الرومانى
نقفور من الخلافة إعادة الأموال التى دفعتها الملكة إيرينى الملكة الرومانية .. فأرسل
هارون الرشيد رداً إليه : ( بسم الله الرحمن الرحيم من هارون الرشيد إلى نقفور كلب
الروم قرأت كتابك والجواب ماتراه ) وخرج بالجيوش لتأديبه وتهذيبه ودك معاقله
وحصونه التى كان قابعاً فيها فعاد وأقرَّ بدفع الجزية وطلب المصالحة والأمان .
( أبو موسى ) محمد الأمين بن هارون الرشيد : وهو ابن هارون الرشيد كان بليغاً
وشجاعاً ذَا قوةٍ مفرطة وبطشٍ شديد .. أحْكمَ بناء وتحصين الثغور المواجهة للروم تمهيداً
لفتح القسطنطينية
( أبو جعفر) عبدالله المأمون بن هارون الرشيد : أخ الأمين لُقِّب بأبى العباس وبأبى
جعفر..كان فقيهاً من كبار العلماء ومن أفضل الرجالِ حَزْماً وعَزْماً وحِلماً وعِلماً ورَأياً ..
غزا الروم وفتح حصن قرة وحصن ماجدة .. جعل بيت الحكمة صرْحاً عظيماً وأوْلاه
عناية فائقة وأنشأ به مَرْصَداً ومكتبة جامعة وهيئة للترجمة .. من أقواله : ( أول العدل أن
يعدل الرجل فى بِطانته ثم الذين يَلونَهُم ) يُعَدُّ من أولِ الخلفاء الذين دخلوا إلى مصر بعد
غَزْوهِ للروم وفتْحِهِ للحصون . ( أبو إسحق ) محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد :
كان فصيحاً مَهِيباً سمْحاً ذا دهاءٍ وهيبةٍ وشجاعة .. أنشأ مدينة سامراء وجعلها مقراً
لخلافته .. وفى عهده : أراد الرومان النيل من هيبة الدولة الإسلامية العظمى فأغَار أحد
الأباطرة الرومان - ثيوفيل - على إحدى المدن الإسلامية - زبطرة - وأبى دفع الجزية فتم
تسيير حملة تأديب إليه مكونة من ثلاثة جيوش قادها بنفسه وزحف بها إليه ودمر مدينة
عمورية عليه وفتحها .. وفى هذا قال أبو تمام :
( السيفُ أصدَقُ أنباءٍ من الكتبِ ... فى حدِّه الحدُّ بين الجَدِّ واللَّعِب )
( أبو جعفر) هارون الواثق بالله بن محمد : هو ابن الخليفة محمد المعتصم كُنيته أبو جعفر
وكانت الرعية تسميه المأمون الثانى .. كان قوياً صبوراً حليماً يراقب الولاة فى الأمصار
وقضى على الثوراتِ والفتن .. غزا الروم وأرسل الفضل بن جعفر الهمدانى لدك
الحصون التى أقامها الصليبيين بجزيرة صقلية وتدميرها .. قام بتشييد المساجد والقصور
والأبنية الشامخة .
( أبو الفضل ) جعفر المتوكل بالله بن محمد : وهو أخ هارون الواثق .. فى عهده انطلقت
الزنادقة من مخابئها وأفْشَت القول بِخَلْقِ القرآن فاستقدم العلماء والمحدِّثين إلى سامراء
لمِحو كل أثرٍ لهذه البدعة .. واتجه لصد الرومان الذين حاولوا الإغارة على مصر فقاتلهم
وأسر الآلاف منهم وغَنِم منهم مغانم كثيرة .. وقام بطرد الأحباش من بلاد النوبة ودمر
الصليبيين على أطراف صعيد مصر وعزل بعض الولاة والقضاة وصادر أملاكهم بعد أن
كثرت الشكوى من فساد بعضهم .
( أبو جعفر) محمد المنتصربالله بن جعفر المتوكل بالله : كان راجحَ العقلِ فَطِناً مُتَحَرِزاً
مُنْصِفاً عادلاً مالت إليه قلوب الرعية وأحسن إلى العلويين وحاول إثنائهم عما هم عليه
من أباطيل وأراجيف .
(أبو العباس ) أحمد المستعين بالله بن المعتصم : كان بليغاً وأديباً واسِعَ الفضل والخير ..
قاتل الرومان فى معركة مرج الأسقف لإغارتهم على بعض الثغور الإسلامية .
( أبو عبد الله ) محمد المعتزبالله بن جعفر المتوكل بالله : كان مُحَدِّثاً بارعاً فى الحديث ..
وقد نشبت فى عهده عدة ثورات وتمردات داخلية .
( أبو إسحاق ) محمد المهتدى بالله بن هارون الواثق : كان وَرِعاً عابداً جازماً فى أوامر
الله ونواهيه محارباً لتفشى المظالم والجور وعدم العدل فكان يراقب بنفسه أمور ودوواين
الدولة .
( أبو العباس ) أحمد المعتمد على الله بن جعفرالمتوكل بالله : قضى على صاحب الزنج
وصد الروم عند طرسوس وقتل قائدهم .
( أحمد المعتضد بالله بن طلحة الموفق بن جعفرالمتوكل بالله : كان من ذوى الرأى
والصلاح اهتم بالرعية وأمور الدولة وأعاد مقرالخلافة إلى بغداد .
( أبو محمد )على المكتفى بالله بن أحمد المعتضد بالله: كان حسن السيرة أطاح بالقرامطة
الذين قالوا بالعِصْمة ووجوب الإمام المعصوم فى كل زمان ..
فقد تغلغلوا فى أمصارالخلافة ونشروا التَرَهَات والأراجيف خاصة فى الكوفة ودمشق
وبغداد .
( أبو الفضل ) جعفر المقتدر بالله بن أحمد المعتضد بالله : يقول الذهبى فى سير أعلام
النبلاء :( كان جيِّد العقل صحيح الرأى طارد فلول القرامطة وحارب جيوش الروم التى
عاثت فساداً فى بعض الثغور الإسلامية وحال التحام القتال رماه بربرى بِحَرْبَةٍ من خلفه
فسقط شهيداً ) .
( أبو المنصور) محمد القاهر بالله بن أحمد المعتضد بالله : كان ذا بطشٍ وقوة شديدة
تصدى للفتن والتمردات الداخلية التى انتشرت فى عهده .
( أبو العباس ) محمد الراضى بالله بن جعفرالمقتدر بالله : كان كريماً سَمْحاً .. تعلم
الحديث من البغوى .. فى عهده عادت فلول القرامطة لنشر أفكارها والزنادقة فى بث
سمومها وساءت إدارة الولاة فى بعض أمصارالخلافة واضطربت أحوالها وانفصل
بعضها بعض البلدان عن الخلافة .
( أبو إسحاق ) ابراهيم المتقى بالله بن جعفر المقتدر بالله :
( أبو القاسم ) عبد الله المستكفى بالله بن على المكتفى بالله :
( أبو القاسم ) الفضل المطيع لله بن جعفر المقتدر بالله :
( أبو الفضل) عبد الكريم الطائع لله بن الفضل المطيع لله :
(أبو العباس) أحمد القادربأمر الله بن اسحق المقتدر بالله :
(أبو جعفر )عبدالله القائم بأمر الله بن أحمد القادر بأمرالله :
(أبو القاسم )عبدالله المقتدى بأمر الله بن محمد بن عبد الله القائم بأمرالله :
(أبو العباس) أحمد المستظهربالله بن عبد الله المقتدى بأمرالله :
(أبو منصور)الفضل المسترشد بالله ابن عبد الله المستظهر بالله :
(أبو جعفر) المنصور الراشد بالله ابن الفضل المسترشد بالله :
(أبو عبدالله ) محمد المقتفى لأمر الله ابن أحمد المستظهر بالله :
(أبو المظفر ) يوسف المستنجد باللهبن محمد المقتفى لأمرالله :
(أبو محمد )الحسن المستضىء بأمر الله بن يوسف المستنجد بالله :
(أبو العباس )أحمد الناصرلدين الله بن الحسن المستضىء بأمرالله :
(أبو نصر ) محمد الظاهر بأمر الله بن أحمد الناصرلدين الله :
(أبو جعفر )المنصور المستنصربالله بن محمد الظاهر بأمرالله :
(أبو احمد )عبدالله المستعصم بالله بن منصور المستنصربالله :
***********************
بعد أن أضْفى الإسلام الهيبةَ والجلالِ على المسلمين وألقى ربُوعه على جميع الأنحاء
والأرجاء للكرةِ الأرضية إما بالفتوحات الإسلامية وإما بالنزول على حكم الله ورسوله
صلى الله عليه وسلم .. اتجه خلفاء بنى العباس فى خلافتهم إلى رعاية الحضارة وتعليم
البشر شتى أنواع العلوم والمعرفة فكانت عهودهم كثيرة المحاسن جَمَّة المكارم أسواق
العلوم فيها قائمةوشعائر الدين فيها مُعَظَّمة والخيرات فيها دائرة والدنيا عامرة والحُرُمات
مَرْعِية والثغور محصَّنة .
ازدهرت فى عصرهم الحضارة وازدانت العمارة وشُيِّدت الجوامع والمساجد
والخانقاوات والأربطة والقلاع والثغور والمدارس والحمامات والبيمارستانات والخانات
والوكالاتوالقيساريات والأسواق والفنادق والقصور والبيوت والأسبلة والآبار والقناطر
والنافورات وصُنِّفت الكتب الفقهية واجتهد الأئمة والعلماء وصُنِّفت علوم التفسير
والحديث وكتب السيرة والتاريخ والمغازى وكان هناك مدرستان : أحدهما فى العراق :
مدرسة أهل الرأى والأخرى فى المدينة : مدرسة أهل الحديث وفى اللغة والنحو
مدرستان : مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة وأبدع علماء وفقهاء المسلمين فى ترجمة
شتى أنواع العلوم والمعرفة فأضافوا وصححوا وأخذ العالم ما صححوه وترجموه إلى
لغتهم فنهضوا من سُباتِهم ومن عصور ظلامهم وظُلْمتهم التى كانوا قابعين فيها .
كما اتَّسمت عهود خلافتهم بالعدل والتقوى والصلاح بين الرعية وإخماد الفتن
والمؤامرات ومحاربة ما يحدث فى مختلف الأمصار من تمردات .
وقاموا بدك القوى الصليبية التى كانت تحاول الإغارة على بعض البلاد الإسلامية مثلما
حدث فى : موقعة ملاذكرد :
فقد قام المسلمون بالفتك بِهم ودك مدنِهم وقِلاعهم ومَزَّقوا أوْصالهم
ودمَّروا ثغورهم وحصونَهم وأسَروا امبراطورهم أسَره القائد الإسلامى ألب أرسلان .
وفى هذا : يقول إمام الحرمين أبو المعالى الجوينى :
( فمَالَ ملك الإسلام ألب أرسلان تغَمَّد الله روحه بالروح والرضوان إليهم وانْقَضَّ
انقضاضِ الصقرِ عليهم وغَضِبَ لله غَضْبَةً تَسْتَجْفِل الآسَاد عن أشبالِها والكفار قد اغترُّوا
بوفورِ جَمْعِهم ولم يعلموا أن الله من وراءِ قَمْعِهم فلما كان يوم الجمعة التقى الصَفَّان
والتحم الفئتان وبَرِقَت السيوف ومَطُرَت سَحَايب الحُتُوف وقال الملك ألب أرسلان
طاردِوهم حتى تُوافوا دعوة الخطباءِ فى أقاصى البلدان فما زالت الشمس حتى زالت
أعلامهم وزلَّت أقدامهم وكان قائدهم الملقب بقيصر نفخ الشيطان فى مناخِره وأجاب
داعِىَ جهْلِهِ وخَبالِه وغيِّه وضَلالِه فحَصُل فى قبضةِ الأسْر وانبسطت عليه يَدُ القَسْر
وردَّ الله كيْدَه فى نَحْرِه وأذاقهُ وبَالَ أمْرِه فباتَ مع المقرَّنين فى الأصْفاد والله للبَاغِين
بالمرصاد )
ومما لا شك فيه أن : الخلافة العباسية تعرضت فى بعض عهودها للفتن والقلاقل وانتشار
الأفكار الهدامة والتعاليم الملوثة وحبْك المؤامرات والدسائس التى تفشَّت فى بلدان
الخلافة بمعاونة الأفَّاقين والمنافقين فكانت مِعْوَلاً رئيسياً لِشَقِّ صَدْعِ هذا الجبل الإسلامى
العظيم .
كما أصابَها جِرَاحاً غائرة بعد إغارةِ الصليبيين على بعض بلدان الخلافة .
ولقد اجتمع أهل الباطل من الممالك الأسبانية ومن فرنسا وألمانيا وبلجيكا وانجلترا
واقتطعوا أجزاءً من الدولة الإسلامية كوَّنوا فيها إماراتٍ صليبية :
( فى الرها . وفى أنطاكية . وفى بيت المقدس . وفى طرابلس ) .
ورغم أن المسلمين انتفضوا عليهم وهبُّوا إليهم ..فقام الأمير عماد الدين زنكى بإزالة الوتد
الصليبى من الرَّها . وقام السلطان صلاح الدين الأيوبى بمحاصرتِهم فى حطين وحطَّم
عَتادهم ودمر حصونهم وهدمها وفتك بهم واستعاد بيت المقدس
من براثِنِهم وأذاقهم الويل وقتل مَلِكِهم أرناط الصليبى وفتح طبرية وطارد فلولهم .
كما تعرضت الخلافة العباسية لهجوم المغول والتتار فى مقرها ببغداد وكان هذا
الهجوم هجوماً وحشياً بربرياً خرَّبوا فيه الديار ودمَّروا بيت الحكمة وعاثوا فساداً ثم
عبروا الفرات واتجهوا إلى الرها وحران ونصيبين ثم إلى مصر .
ومع أن المسلمين قد تصدُّوا لهم فى عين جالوت بقيادة السلطان المملوكى سيف الدين
قطز الذى قضى عليهم وقام بملاحقتهم وملاحقة من فرَّ منهم إلا أن هؤلاء التَتَرْ قد أبَادوا
دور العلم وهَدَموا الصرْح العظيم للفقه والفقهاء
وأحرقوا الأمهات من كتبِ الأئمةِ والعلماء
كما تعرضت الخلافة الإسلامية :
لحركات الزندقة والوضاعين : الذين عاثوا فساداً وإِفساداً بالروايات والقصص
والحكايات التى كان يقُصُّها القصاصون والأباطيل والخرافات التى دسَّها ووضَعَها
المنافقون .
والفرق المذهبية التى أفشاها المنافقون وأعداء الدين : والتى ما زالت قائمةً ظاهرةً حتى
اليوم لإِذْكاءِ نار الفتنة والفُرْقة بين المسلمين .
وتفكك الأمصار واستقلال العديد من البلدان : وتكوينها دولا وإمارات وممالك نَأت بها
عن الخلافة الإسلامية مثل :
الدولة الأموية فى الأندلس : واستقل بها عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد
الملك
والدولة العبيدية فى شمال أفريقيا : والتى تنتسب إلى أبو عبيد الله والتى كان منها :
( الدولة الرستمية ) فى الجزائر التى تنتسب إلى عبد الرحمن بن رستم وابنه عبد
الوهاب . (ودولة الأدارسة) فى المغرب وتنتسب إلى إدريس بن عبد الله بن الحسن بن
على رضى الله عنهم
( ودولة الأغالبة ) فى تونس التى تنتسب إلى ابراهيم بن الأغلب .
ودول بلاد فارس وبلاد ما وراء النهر : ومنها :
(الدولة الطاهرية) فى خراسان والتى تنتسب إلى طاهر بن الحسين وابنه عبد الله .
(والدولة الصفارية) فى سجستان والتى تنتسب إلى يعقوب بن الليث الصفار .
( والدولة السامانية ) فى طبرستان والتى تنتسب إلى نصر بن أحمد السامانى .
(والدولة الغزنوية) فى بلاد الأفغان والهند وباكستان وتنتسب إلى محمود الغزنوى .
(والدولة البويهية ) فى أصفهان والعراق والتى تنتسب إلى بويه وابنه على بن بويه .
(والدولة الحمدانية ) فى الموصل وحلب والتى تنتسب إلىحمدان بن حمدون .
(والدولة السلجوقية ) فى كرمان وأذربيجان وبلاد الأناضول وتنتسب إلى سلجوق
التركى .
ودول مصروالشام : والتى كان منها :
( الدولة الطولونية ) فى مصر والتى تنتسب إلى أحمد بن طولون .
(والدولة الإخشيدية ) فى مصر والشام والتى تنتسب إلى محمد بن طغج الإخشيد .
(والدولة الفاطمية ) فى مصر وهى دولة شيعية أقامها جوهر الصقلى .
( والدولة الأيوبية) فى مصر وهى دولة سنية أقامها صلاح الدين يوسف بن أيوب .
(ودولة المماليك ) فى مصر والشام وتنتسب إلى سيف الدين قطز .
كل هذا وغيره .. أدى إلى : الإنفصام وعُرى الإنفصال بين بلدان الخلافة الإسلامية وفَتَّ
فى عضدِ الدولة الإسلامية.
***********************
الخلافة العثمانية
تولى الخلافة الإسلامية : العثمانيين منذ عام 699 إلى 1343هجرية (1258إلى
1924 ميلادية ) .
وينتسب بنو عثمان إلى السلطان عثمان غازى بن ارطغرل .
وكانت اسطنبول أو الآستانة أو القسطنطينية بعد فتحها هى مقر الخلافة .
ولقد قسَّم المؤرخون الخلافة العثمانية إلى دورين :
الدور الأول : دور القوة ويبدأ من بدء الخلافة وحتى انتهاء خلافة سليمان القانونى .
والدور الثانى : دور الضعف ويبدأ منذ حكم سليم الثانى وحتى الإعلان بانطواء صفحاتها
فى 2 مارس 1924 ميلادية .
وقد تعاقب الخلافة العثمانية سبعة وثلاثون خليفة على مدى 642 عاما وهم :
السلطان عثمان غازى بن ارطغرل : وهو أول السلاطين العثمانيين شتَّت شمل المغول
وأمراء الروم وأخضع آسيا الصغرى للخلافة وعَبَرَ الدردنيل ووصل إلى مقدونيا ..
وأنشأ جيشاً نظامياً عُرِفَ بالإنكشارية .. من أقواله لإبنه :
( يابنى : إن نشر الإسلام وهداية الناس إليه أمانةٌ سيسألنا الله عليها فمقْصِدُنا هو الجهادُ
فى سبيل الله فلسنا طلابَ دنيا ولا طلابَ جاه .. علينا أن نُعْلِى نورَ ديننا إلى كل الآفاق ..
يابنى نحن بالإسلام نحيا ونموت فإياك أن تشتغل بشىء لم يأمر به الله رب العالمين )
السلطان أورخان غازى بن عثمان بن ارطغرل : وفى عهد سلطنته اهتم بصقْل الجيوش
الإسلامية من الناحية العسكرية وقام بالتوسعة فى البناء وإقامة المنشآت وقام بضرْب
العملة الذهبية والفضية .. أرسل ابنه سليمان لضرب الحصار على بعض المدن
الرومانية استعدادا لفتح القسطنطينية من الناحية الغربية فاجتاز مضيق الدردنيل وبنى
حصوناً وقِلاعاً فى تزنب وغاليبولى إلا أنه توفى وخلفه ابنه مراد .
السلطان مراد الأول بن أورخان بن عثمان : أرغم ملك الصرب وأمير البلغار على دفع
الجزية بعد فتحه لمدينة أدرنة وفيلبة وحين أبوا قاتلهم وحاصر صوفيا لمدة ثلاث
سنوات ..
فتح أجزاء كثيرة من بلاد اليونان ففتح مدينة سالونيك وقام بدك حصون الصرب والألبان
فى إقليم كوسوفو ووقَع ملك الصرب أسيراً فى أيدى المسلمين .
السلطان بايزيد بن مراد بن أورخان : لُقِّب بالصاعقة لانقضاضه المستمر والدائم فى غزو
وقتال الصليبيين حتى أُصِيبت منه أوربا بالذعر .. قام بضم بلاد الأناضول وإمارات
عديدة للدولة الإسلامية آخرها مدينة الأشهر قرب أزمير.. واتجه إلى البلغار حين أبوا
دفع الجزية فأخضع سكانها وقتل أميرها .. فهبَّت البابوات فى روما ينادون بوقف زحف
المسلمين وفتوحاتهم فتجمع الصليبيون من فرنسا وألمانيا وبولندا وسويسرا واسكتلندا
يقودهم ملك المجر فى : نيقوبولس : فتوجه إليهم الخليفة بايزيد ودكهم ودمرحصونَهم
وشرَّد جمعهم وفرَّق شملهم ووقع شريف فرنسا أسيراً بين يديهم وفرَّ ملك المجر مخذولاً
كالفأر المذعور فى إحدى القوارب المائية .. فكان نصراً عظيماً عاد منه المسلمون بغنائم
كثيرة وأفياءٍ وفيرة .
محمد بن بايزيد بن مراد بن أورخان : سار على نهج أبيه وقام بتقوية الجيوش الإسلامية
تمهيدا لفتح القسطنطينية وفى عهد خلافته توقفت الفتوحات وشاب بعض بلدان الخلافة
فتناً وخلافات واضطرابات قام بقمعها وإخضاعها .
مراد بن محمد بن بايزيد بن مراد بن أورخان : ساح فى البلاد شرقاً وغرباً يحمل هذا
على الجزية وطلب الأمان ويؤدب ذلك على التمرد أو العصيان حتى قيل عنه أنه كان
خير ملوك وسلاطين الزمان عقلاً وحزماً وعزماً وشجاعة .. أفنى عمره فى الجهاد فى
سبيل الله لرفع راية دين الله ونشر الإسلام بين خلق الله وتطبيق شرائع الله فى كل مكان .
فتح الأفلاق والبغدان وحصَّن القِلاع والمدن وزاد فى الأربطة والثغور ..فلقد اقترب عهد
فتح العاصمة الرومانية بالجنود المغفور لهم كما ورد فى الأحاديث النبوية .. تولى
الخلافة من بعده ابنه محمد : وهو الذى قام بفتح القسطنطينية .
محمد مراد بن محمد بن با يزيد : ( الفاتح ) : سارعلى نَهْج أبيه وقام بتنظيم إدارات الدولة
واهتم بالعمران والبناء وكان عادلاً مُحِباً للعلمِ والعلماء ..لقب بالفاتح لفتحه القسطنطينية
وهى كانت آخر معاقل الرومان والصليبيين الذين أبواْ الإيمان والإسلام ورفضوا التسليم
وطلب الأمان .. فقاد الجيوش الإسلامية وغزا العاصمة البيزنطية من كل اتجاه ومن كل
مكان فى جَبَهاتِها البحرية من مضيق البسفور وبحر مرمرة والقرن الذهبى ومن جميع
طُرِقَها البرية حتى تزلزلت قلوب الصليبيين وأحاط بِهم الذعر والخوف ثم قام بِهدم
أبراجِها وأسوارها وتدمير حصونِها وقِلاعها ودك أربطتها وثغورها ليلا ونَهارا براً
وبحراً وقام بدخولها وإتمام فتحها فى ظهر العشرين 20 من شهر جمادى الأولى عام
857 هجرية (29مايو 1453ميلادية ) .
وهنَّأ محمد الفاتح رحمه الله جنده وأخبرهم بأنَّهم هم الجند المغفور لهم الذى أخبرعنهم
سيد الأولين والآخرين المُرسَل من الله رحمةً للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
لرفعهم راية دين الله ولجهادهم فى سبيل الله وفتحهم البلاد الرومانية ودخول عاصمتهم
القسطنطينية .. ثم قام ببناء مسجد بمكان وفاة أبى أيوب الأنصارى أوَّلُ صحابىٍ حاصر
القسطنطينية ودعا بالرحمة والمغفرة له ولكل الغزاة والمجاهدين على مر القرون
والسنين .
بايزيد بن محمد الفاتح : غزا المجر والبندقية وفرنسا والنمسا لحملهم على عدم دفع
الجزية .. كما أرسل جيشا إلى بولندا لتأديبها عندما حاولت أن تضم إليها مولدافيا .
سليم بن بايزيد بن محمد الفاتح :قام بغزو الأسبان والبرتغال حينما أغاروا على مدينة
الجزائروأذاقهم خير الدين بربروس الذى لُقِّب بأمير البحار هو وأخيه ويلات فى الليل
النهار بما كان يفعله بسفنهم التى ضرب عليها الحصار للفتك بهم داخل البحار .
سليمان القانونى بن سليم بن بايزيد : قام بالتوجه إلى طرابلس بأسطول بحرى لطرد فلول
الأسبان والبرتغال التى تسللت إلى بنزرت ووهران .. وعندما رفض ملك المجر دفع
الجزية توجه إليه وحاصره برا وبحرا حتى طلب الأمن والأمان ورضخ لدفعها .. كما
ألزم ملك النمسا بدفع الجزية عما ضمَّه إلى ملكه من أراضى المجر ..كما وجه سليمان
باشا من مصرلملاقاة البرتغاليين فى ديو البحرية بسواحل الهند لتدميرسفنهم وإزالة
حصونِهم التى أقاموها هناك.
سليم بن سليمان القانونى : مراد بن سليم الثانى بن سليمان القانونى :
محمد بن مراد بن سليم : أحمد بن محمد الثالث بن مراد :
مصطفى بن محمد بن مراد : عثمان بن أحمد الأول بن محمد الثالث :
مراد بن أحمد الأول : إبراهيم بن أحمد الأول :
محمد بن إبراهيم بن أحمد : سليمان بن ابراهيم بن أحمد الأول :
أحمد بن ابراهيم بن أحمد : مصطفى بن محمد الرابع بن ابراهيم :
أحمد بن محمد بن ابراهيم : محمود بن مصطفى بن محمد :
عثمان بن أحمد الثالث : مصطفى بن أحمد بن محمد :
عبدالحميد الأول بن أحمد : سليم الثالث بن مصطفى بن أحمد :
مصطفى بن سليم الثالث : محمود بن عبد الحميد :
عبدالمجيد الأول بن محمود : عبدالعزيز بن محمود الثانى :
مراد بن عبدالحميد الأول : عبدالحميد برن عبدالمجيد :
محمد رشاد بن عبدالمجيد : محمد وحيد الدين بن عبدالمجيد :
عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن محمود :
***********************
لقد صوَّرلنا الصليبيين والمستشرقين الخلفاء العثمانيين على أنهم محتلين صوروهم لنا
كأنهم أعداءٌ للدين وليسوا بمسلمين وساعدهم فى ذلك الأفَّاقين المنافقين من المؤرِّخين
مسلمين كانوا أم غير مسلمين جاهلين كانوا أو عامدين .
ونحن لم نُدرِك كذِبهم وإفكهم ولم نعِ ما تغلغل بنفوسِهم فسرنا على دربهم دون تحقيقٍ
أوتنقيح وألفيْنا من سبقنا دون تحليلٍ أو توضيح وهم من أعْلى الله بهم كلمة الإسلام ومهَّد
لهم أقطارَها وأعزَّ أنصارَها وأذلَّ أعداءَها .
فلقد كان الخليفة من المسلمين هو ناصر الدنيا والدين وقامع أعداء الله الكافرين وهو ملك
العرب والعجم والترك والديلم وهو ظل الله فى أرضِه القائم بسنتِه وفرضِه .
إلى أن أصاب الخلافة الضَعفَ والوَهَن لما تفشَّى من مؤامراتٍ واضطرابات ولما كان
من انقسامٍ وانفصالٍ وانفصامٍ بين دول الإسلام ولما كان يُحاك من دسائسٍ وفِتنٍ وقلاقل
حتى بلغ التفكك الإسلامى ذروته وأصبح الصراع والإقتتال بين المسلمين سارياً وبلغ
أعِنَّته .
وبما كان ينشره أهل الفجور والطغيان وأهل البدع المارقين الخارجين عن شرائع الدين
بأفكارهم وسمومهم فهؤلاء وجنسهم كانوا من أكابر المفسدين فى أمر الدنيا والدين .
كما كان لانتشار الفكر الغربى لدى المسلمين غيبة لشرائع وأصول الدين فقد تم استيراد
القوانين الفرنسية والسويسرية والإيطالية وغيرها تحت ستار التقدم والرقى بهدف
إِقْصَاء شرع الله ومنهجه حتى دبَّ الإهمال والإقبال على الدنيا والتهاون فى تطبيق
شرائع القرآن ومعالم وأصول الإيمان .
كل هذا وغيره كان سبيلاً وطريقاً تلصَّصَ منه الصليبيين وأعداء الدين وتسللوا من خلاله
إلى مقار وإدارات الخلافة لهدم الدين .
ففى أواخرالخلافة العباسية أبدوا أسباباً وذرائعَ ومَسْكنةً ليحصلون من الخليفة على
موافقاتٍ وامتيازاتٍ مُبسَّطة وطفيفة سرعان ما تزايَدَت هذه الموافقات وتفاقمت تلك
الإمتيازات حتى صارت قاصمة لهيبةِ وعظمةِ وقوةِ الدولة الإسلامية .
ونَشَر المنافقين وأعداء الدين سمومهم لتجرى فى عِضال الدولة الإسلامية وتفُتُّ فى
عضدِها وتتنقل كالداء بين بلدانِها وأمصارِها لتُوهِن وتُضعِف بنيانِها للإنقضاض عليها .
فكان البدأ بإغارة الأسبان والبرتغال على الأندلس وإِعمال التخريبِ والنهبِ والسلبِ
والتنكيلِ والغدرِ بالمسلمين فى غرناطة وبلنسية .
بعدها حَظِيت بعض الدول الصليبية على موافقةٍ من الخليفة بزيارةِ بيت المقدس ثم جاء
السماح لدول أخرى ..... إلخ .
وبعد سنوات تجمع الصليبيون تحت راية البابوية وبقيادة إيطاليا قاموا بهجمةٍ بحرية على
أسطول المسلمين البحرى فى معركة ليبانتو باليونان ليتمكنوا من استعادة جزيرة قبرص
وتقليص هيمنة المسلمين على البحر الأبيض المتوسط .
ثم قاموا بالإستيلاء على بلغراد وتقدموا نحو البلقان واستولوا على جزر من بحر إيجة .
ونقضت روسيا ما تعهدت به وقامت بالإستيلاء على الأفلاق والبغدان .
واستولت فرنسا والنمسا على ما تم فتحه من دول فى أوربا وأبَواْ جميعا دفع الجزية .
ثم قاموا بتدمير قطع الأساطيل البحرية الإسلامية فى مصر وفى القسطنطينية .
ثم عادت فرنسا وأبرمت معاهدات وتعهدات للصداقة فيما بينها وبين الخلافة ما لبثت
بعدها إلا وأرسلت قائدها نابليون بونابرت للإستيلاء على مصر .
وتتابعت الهجمات الصليبية من هنا وهناك ومن كل حدبٍ وصوب على بلاد الخلافة
فظفِرت فرنسا بشمال إفريقيا واستولت على الجزائر ثم تونس ثم مراكش .
واستولت بريطانيا على مصر وسواحل جزيرة العرب واقتطعت إيطاليا ليبيا .
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أطْبَقوا مرة أخرى على البلدان الإسلامية فضمت
فرنسا إليها سوريا ولبنان واستولت بريطانيا على فلسطين والأردن والعراق .
وتعاقبت معاهدات وأنشُِئت منظمات تولَّد عنها صدور قراراتٍ مَهِينة وعُقِدت اتفاقيات
كلها كانت مُخْزِية ومؤدية إلى تراجع العظمة والقوة للخلافة الإسلامية .
وكان هناك أخطر جرثومة سَرَت وما زالت تسرى فى جسد الأمة الإسلامية وهى :
ظهور الجمعيات الماسونية ذات الأهداف الخبيثة التى تحمل أسماء أدبية وأسماء علمية
وما أرسَتْه فيها العصابات الصهيونية من أفكارٍ هدَّامة ومن أكاذيب وأضاليل ومن أن
الحرب على المسلمين حرباً مقدسة لتحقيق أطماعها ونفْث أحْقادها الدفينة والمكظومة
على الإسلام والمسلمين .
فى بادىء الأمر أنشأ لهم السلطان عبد الحميد جهازاً للمخابرات للتحرى عن كل
الماسونيين من اليهود والصليبيين لبَتْرِهم وبتْر كل من يعاونهم من الإنفصاليين الذين
يُسْتقطَبون و يدَّعون أنهم مسلمين وهم أشدُّ أعداء الدين للقضاء عليهم واستئْصال شأفَتِهم
إلا أنه لم يستطع القضاء عليهم لتغلغلهم فى بلاد وبلدان المسلمين وما زالوا متغلغلين فى
شتى النواحى ومختلف الميادين .
ولقد كان من إفرازات هذه المنظمات والإتفاقيات : تلك الحركة الصهيونية والأفاعى
اليهودية التى غُرست ببيت المقدس وأحيطت من الصليبيين بالرعاية والعناية .
وما قامت به بريطانيا أيضا من مساندة حكومة فى أنقرة ادَّعت أنها وطنية يقودها
مصطفى كمال أتاتورك أمدوها بكل ما يملكون حتى أضْحَت لها أعواناًوأنصاراً
مالبثوا أن طالبوا بالإعتراف بها وبمبادئها وأفكارها . وما هو إلا زمنٌ يَسير إلا وفرَضت
مطالبها بالفصل بين الخلافة والسياسة أو بين الدين والدولة . وبين عشيةٍ وضُحاها وفى
اليومِ السادسِ والعشرينَ من شهرِ رجب عام 1342 هجرية صدر قرار إلغاء الخلافة
التى دامت أكثر من ألف وثلاثمائة عام .. وغادر الخليفة الإسلامى استانبول وتم الإعلان
بإلغائها رسميا فى 2 مارس1924 وطويت صفحة الخلافة وما زالت تلك الصفحة
مطوية على مدى 86 ستة وثمانون عاما .
منقول