سيل الحق المتدفق
2010-10-06, 10:42 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
فهذا موضوع كتبته عن تخريج حديث في صحيح مسلم بناء على طلب الأخ الكريم اسلام علي ، و قد لبيت طلبه و لله الحمد ، و أسالكم الدعاء لي بالسداد و التوفيق .
أولا : الحديث :
قال الامام مسلم رحمه الله في صحيحه ( 2404 ) :
حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد ( وتقاربا في اللفظ ) قالا حدثنا حاتم ( وهو ابن إسماعيل ) عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال :
أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال ما منعك أن تسب أبا التراب ؟ فقال أما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه و سلم فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له خلفه في بعض مغازيه فقال له علي يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فتطاولنا لها فقال ادعوا لي عليا فأتى به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ولما نزلت هذه الآية فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم [ 3 / آل عمران / 61 ] دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي .
ثانيا : تخريج الحديث :
هذا الحديث مداره على بكير بن مسمار مولى عامر بن سعد ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه به .
قال البزار : وَهَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ فَلا نَعْلَمُ رَوَاهُ إِلاَّ بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ.
قلت : و قد رواه عنه كلا من :
1- حاتم بن اسماعيل الحارثي ( وهو ثقة ) : أخرجه الدورقي في مسند سعد بن ابي وقاص ، و الترمذي في جامعه ، و الطحاوي في مشكل الآثار ، و النسائي في السنن الكبرى ، و في خصائص علي ، و البيهقي في السنن الكبرى ، و الواحدي في " الوسيط " .
قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ .
2- على بن ثابت الجزري ( و هو ثقة ) : أخرجه أحمد في مسنده ، و الحاكم في المستدرك ، و البيهقي في السنن الكبرى ، و ابن عساكر في تاريخه .
3- أبو بكر الحنفي ( و هو ثقة ) : أخرجه البزار في مسنده ، و الطبري في تفسيره ، و الحاكم في المستدرك .
ثالثا : ترجمة " بكير بن مسمار " :
قلت : نأتي لترجمة الراوي " بكير بن مسمار" مدار هذا الحديث :
هو بكير بن مسمار القرشي الزهري أبو محمد المدني أخو مهاجر بن مسمار مولى عامر بن سعد بن أبي وقاص .
1- قال الترمذي في جامعه (2999) : حدثنا قتيبة حدثنا حاتم بن إسماعيل عن بكير بن مسمار هو مدني ثقة عن عامر بن سعيد بن أبي وقاص عن أبيه قال : لما أنزل الله هذه الآية { ندع أبناءنا وأبناءكم } دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .
2- قال النسائي : ليس به بأس
نقله عنه المزي في تهذيب الكمال ، و الذهبي في ميزان الاعتدال .
3- قال ابن حبان في الثقات ( 6 / 105 – 106 ) ترجمة رقم (6917) : بكير بن مسمار أخو مهاجر بن مسمار مولى سعد بن أبى وقاص من أهل المدينة كنيته أبو محمد يروى عن عامر بن سعد بن أبى وقاص روى عنه حاتم بن إسماعيل وليس هذا ببكير بن مسمار الذي يروى عن الزهرى ذاك ضعيف ومات بكير هذا سنة ثلاث وخمسين ومائة .
4-و قال ابن حبان أيضا في "مشاهير علماء الأمصار " (1/210) ترجمة رقم (1023) : بكير بن مسمار أخو مهاجر بن مسمار مولى سعد بن أبى وقاص مات سنة ثلاث وخمسين ومائة .
قلت : و قد ظن الذهبي رحمه الله أن ابن حبان قد لينه ، فقال في المغني (997) : «صدوق لينه ابن حبان البستي، وابن حزم، وقال خ: فيه نظر». وفي الكاشف: «فيه شيء». وفي الديوان (رقم 658) : «صدوق لينه ابن حبان»
و هذا وهم من الذهبي، رحمه الله، فإن ابن حبان لم يلينه بل وثقه، وإنما لين آخر اسمه بكير بن مسمار، يروي عن الزهري، وقال في ترجمته: «ليس هو أخو مهاجر بن مسمار ذاك مدني ثقة» (المجروحين 1/185) .
5- و قال العجلي في " الثقات " (1/ 254) رقم (179) : بكير بن مسمار مدني ثقة .
6- قال ابن حجر في " التقريب " (1/ 138) رقم (768) :بكير بن مسمار الزهري المدني أبو محمد أخو مهاجر صدوق من الرابعة مات سنة ثلاث وخمسين م ت س .
رابعا : حول قول الامام البخاري رحمه الله : " فيه بعض النظر " :
قال الامام البخاري رحمه الله في " التاريخ الكبير " ( 2/115) ترجمة رقم ( 1881) :
بكير بن مسمار أخو مهاجر مولى سعد بن أبي وقاص القرشي المديني قال لي أحمد بن حجاج وإبراهيم بن حمزة حدثنا حاتم عن بكير عن عامر بن سعد عن سعد سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله فتطاولنا فقال ادعوا عليا وسمع الزهري روى عنه أبو بكر الحنفي فيه بعض النظر .
و أسنده العقيلي من طريقه في "الضعفاء الكبير" (1/ 152) ترجمة رقم (191) .
قلت : و هذا وهم منه رحمه الله ، فهو لم يفرق بين بكير بن مسمار أخو مهاجر ، و بين بكير بن مسمار الذي يروي عن الزهري .
قال ابن حجر في " لسان الميزان " (2 / 62) ترجمة رقم (236) :
بكير بن مسمار شيخ روى عن الزهري ومحمد بن سيرين روى عنه أبو بكر الحنفي فرق بن حبان بينه وبين بكير بن مسمار أخي مهاجر بن مسمار فذكر هذا في الضعفاء فقال كان مرجئا يروي ما لا يتابع عليه وهو قليل الحديث على مناكير فيه وليس هذا أخا مهاجر بن مسمار ذاك مدني ثقة وقال في الثقات بكير بن مسمار أخو مهاجر بن مسمار ليس هو بكير بن مسمار الذي يروى عن الزهري ذاك ضعيف قلت وأما البخاري فجعلهما واحدا .
قال ابن حجر في " التقريب " (1/ 138) :
769 - بكير بن مسمار آخر يروي عن الزهري ضعيف من السابعة تمييز .
لذا لم يجد ابن عدي رحمه الله له حديثا منكرا ، فقال في "الكامل" ( 2/ 42) ترجمة رقم (279) :
بكير بن مسمار أخبرنا بن حماد قال قال البخاري بكير بن مسمار أخو مهاجر بن مسمار روى عنه أبو بكر الحنفي في حديثه بعض النظر وبكير بن مسمار لم أخرج له شيئا ها هنا لأني لم أجد في رواياته حديثا منكرا وأرجو أنه لا بأس به قال الشيخ والذي قاله البخاري هو كما قال روى عنه أبو بكر الحنفي أحاديث لا أعرف فيها شيئا منكرا وعندي أنه مستقيم الحديث فاستغنى عن ان أذكر له حديثا لاستقامة حديثه ولأن من روى عنه صدوق .
خامسا : الحكم على الحديث :
الحديث صحيح لا غبار عليه ، فأن بكير بن مسمار القرشي ثقة ، و في أسوأ الأحوال صدوق حسن الحديث
مع انضمام قرينة الاختصاص بشيخه لكونه مولى له ، فيكون الحديث صحيحا .
كما أن للحديث شواهد من حديث واثلة بن الأسقع ، و أم سلمة رضوان الله عليهما ، و غيرهما ، و الله أعلم .
سادسا : الرد على الرافضة :
قال الشيخ عبد الرحمن دمشقية حفظه الله في كتاب : "أحاديث يحتج بها الشيعة " :
اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا
قبل كل شيء لا تنس أمرا مهما يسقط الاستدلال الرافضي وهو إخراج الرافضة زينب وأم كلثوم من حديث الكساء. فعدم دخولهما في الكساء أحدث مشكلة كبيرة عند الرافضة لا يخرجون منها إلا بالطعن بنسب هاتين الطاهرتين. وإنكار أن تكونا من بنات النبي صلى الله عليه وسلم.
والزوجة هي الأهل حتى في مذهب الشيعة وإن أنكروه مكابرة وتعصبا.
وتأملوا هذه الأدلة:
الأول: عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام جعلت فداك إني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم اقصر قال: عليك بدنة، قال: قلت: إني لما أردت ذلك منها ولم تكن قصرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال: رحمها الله كانت أفقه منك عليك بدنة وليس عليها شئ» (الكافي4/441 وصحح المجلسي18/83).
الثاني: قال الخميني « الصادق عليه السلام : إذا أتى أحدكم أهله فليذكر الله، فان لم يفعل وكان منه ولد» كان شرك شيطان» (تحرير الوسيلة2/239 هداية العباد2/303 للكلبايكاني من لايحضره الفقيه3/404 وسائل الشيعة2/118 بحار الأنوار6/201). وفي لفظ « فان من لم يذكر الله عند الجماع فكان منه ولد كان شرك شيطان» (بحار الأنوار6/201).
الثالث: ما رواه الشيعة وصححوه أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله هلكت وأهلكت، فقال: وما أهلكك؟ قال: أتيت أهلي في شهر رمضان وأنا صائم، فقال له النبي صلى الله عليه وآله أعتق رقبة» (من لا يحضره الفقيه2/115 وسائل الشيعة7/30 مختلف الشيعة الحلي3/442). وقد أكد الشهيد الثاني صحة الرواية عند الصدوق) عن أبي عبد الله عليه السلام وفيه قول الرجل « وقعت على امرأتي. قال: تصدق واستغفر ربك» (مسالك الأفهام للشهيد الثاني1/15). ففي هذه الرواية لفظ (امرأتي) والروايات الأخرى (أهلي) فقامت الحجة على القوم من كتبهم.
الرابع: يقول محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة (1/26) » فبويع الحسن ابنه فعوهد ثم غدر به وأسلم ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه وانتهب عسكره فوادع معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته».
ألستم تلاحظون أنه أتى بلفظ يوجب أن يكون حقن الدم لأزواجه وأولاده أم كان يريد حقن دم أبنائه فقط دون أزواجه؟
أما بالنسبة للحديث فقد قال الهيثمي » فيه محمد بن مصعب: وهو ضعيف الحديث سيء الحفظ« (مجمع الزوائد9/167).
وهناك رواية أخرى زاد فيها عن أم سلمة » قلت: يا رسول الله ألست من أهلك؟ قال بلى فادخلي في الكساء. قالت: فدخلت في الكساء بعدما قضى دعاءه لابن عمه وابنيه وابنته فاطمة« وبداية الحديث قول أم سلمة لما بلغها مقتل الحسين ( »لعنت أهل العراق. قتلوه قتلهم الله غروه وذلوه لعنهم الله« الحديث. أخرجه أحمد في المسند (6/298) والطبراني في الكبير (3/114) وإسناده صحيح لغيره.
قد ورد من عدة طريق يقوي بعضها بعضا. وقد تتبعها محققو المسند وقالوا عن السند التالي « قال عبد الملك : وحدثني داود بن أبي عوف أبو الجحاف عن شهر بن حوشب عن أم سلمة..» (مسند أحمد محقق رقم26508 44/119 وأما الترقيم بحسب مكتبة التراث الحاسوبية فهو 26592).
رواية أخرى: أخبرنا أبو عبد الله مرة وأبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي من أصله وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أم سلمة قالت ثم في بيتي أنزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا قالت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال هؤلاء أهل بيتي وفي حديث القاضي والسمي هؤلاء أهلي قالت فقلت يا رسول الله أما أنا من أهل البيت قال بلى إن شاء الله تعالى».
قال أبو عبد الله هذا حديث صحيح سنده ثقات رواته قال الشيخ وقد روي في شواهده ثم في معارضته أحاديث لا يثبت مثلها في كتاب الله البيان لما قصدناه في إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم الآل ومراده من ذلك أزواجه أو هن داخلات فيه» (رواه البيهقي في سننه2/150 والحافظ بان عساكر في تاريخ دمشق14/138).
وحديث أم سلمة يؤكد دخولها في الكساء.
حدثنا عبدالله قال: حدثني أبي ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ثنا عبد الحميد ابن بهرام قال: حدثني شهر قال » سمعت أم سلمة: .. قال رسول الله ( » اللهم أهلي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قلت: يا رسول الله ألست من أهلك؟ قال: بلى فادخلي في الكساء. قالت: فدخلت في الكساء بعدما قضى دعاءه لابن عمه علي وابنيه وابنته فاطمة« (رواه أحمد في فضائل الصحابة بإسناد حسن (2/852 ترجمة رقم 1170).
لقد كان دعاء الرسول بعد نزول الآية.
هذا النص يضم إلى نصوص أخرى تثبت أن غيرهم أهل بيته. وليس هناك تناقض.
فليس في النص ما يفيد إلى أنهم هم أهله فقط. ولو ورد في االنص التحديد لقلنا به. أو لوقع التناقض. كما لو اقتصرنا على (فويل للمصلين) ولم نكمل قراءتها لأدت إلى فهم باطل وإشكالات عديدة.
وإذا كان أبناء النبي هم المعنيون المخاطبون بالآية فلماذا يجمعهم النبي ويدعو الله قائلا (فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
وإنما أراد النبي أن يتحقق لأبنائه ما خاطب الله به أزواجه.
سابعا : الرد على شبهة :" أن معاوية أراد سب علي " :
قال الشيخ سليمان بن صالح الخراشي :
ما أخرجه مسلم في صحيحه " باب فضائل علي " عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال : " أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسُبَّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ذكرت ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلن أسُبّهُ ، لأن تكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إليَّ من حُمر النَّعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له و خلّفه في مغازيه فقال له عليّ: يا رسول الله، خلَّفْتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ترضىأن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوّة بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر: لأُ عْطينَّ الراية رجلاً يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي علياً، فأُتي به أرْمَد فبصق في عَيْنه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية: { قل تعالوْا ندعُ أبْناءنا وأبْناءَكم ...}، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحُسيناً فقال: اللهم، هؤلاء أهلي "
وجوابه أن يُقال :هذا الحديث لا يفيد أن معاوية أمر سعداً بسبِّ عليّ، ولكنه كما هو ظاهر فإن معاوية أراد أن يستفسر عن المانع من سب عليّ، فأجابه سعد عن السبب ، ولم نعلم أن معاوية عندما سمع رد سعد غضب منه ولا عاقبه، وسكوت معاويةهو تصويب لرأي سعد، ولو كان معاوية ظالماً يجبر الناس على سب عليّ كما يدّعي الشيعة ومن تابعهم ، لما سكت على سعد ولأجبره على سبّه، ولكن لم يحدث من ذلك شيءٌ ، فعُلم أنه لم يؤمر بسبّه ولا رضي بذلك .
قال النووي شارحًا هذا الحديث : " قول معاوية هذا، ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، كأنه يقول : هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك. فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب، فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك، فله جواب آخر، ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبّون، فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار وأنكر عليهم ، فسأله هذا السؤال. قالوا: ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه : ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده، وتُظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ "
وقال القرطبي معلقاً على وصف ضرار الصُّدَائي لعلي رضي الله عنه وثنائه عليه بحضور معاوية، وبكاء معاويةمن ذلك، وتصديقه لضرار فيما قال: "وهذا الحديث يدل على معرفة معاوية بفضل علي رضي الله عنه ومنـزلته، وعظيم حقه، ومكانته، وعند ذلك يبعد على معاوية أن يصرح بلعنه وسبّه، لما كان معاوية موصوفاً به من العقل والدين، والحلم وكرم الأخلاق ، وما يروى عنه من ذلك فأكثره كذب لا يصح، وأصح ما فيها قوله لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ وهذا ليس بتصريح بالسب، وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج من عنده من ذلك، أو من نقيضه، كما قد ظهر من جوابه، ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن، وعرف الحق لمستحقه"
فهذا موضوع كتبته عن تخريج حديث في صحيح مسلم بناء على طلب الأخ الكريم اسلام علي ، و قد لبيت طلبه و لله الحمد ، و أسالكم الدعاء لي بالسداد و التوفيق .
أولا : الحديث :
قال الامام مسلم رحمه الله في صحيحه ( 2404 ) :
حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد ( وتقاربا في اللفظ ) قالا حدثنا حاتم ( وهو ابن إسماعيل ) عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال :
أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال ما منعك أن تسب أبا التراب ؟ فقال أما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه و سلم فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له خلفه في بعض مغازيه فقال له علي يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فتطاولنا لها فقال ادعوا لي عليا فأتى به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ولما نزلت هذه الآية فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم [ 3 / آل عمران / 61 ] دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي .
ثانيا : تخريج الحديث :
هذا الحديث مداره على بكير بن مسمار مولى عامر بن سعد ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه به .
قال البزار : وَهَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ فَلا نَعْلَمُ رَوَاهُ إِلاَّ بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ.
قلت : و قد رواه عنه كلا من :
1- حاتم بن اسماعيل الحارثي ( وهو ثقة ) : أخرجه الدورقي في مسند سعد بن ابي وقاص ، و الترمذي في جامعه ، و الطحاوي في مشكل الآثار ، و النسائي في السنن الكبرى ، و في خصائص علي ، و البيهقي في السنن الكبرى ، و الواحدي في " الوسيط " .
قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ .
2- على بن ثابت الجزري ( و هو ثقة ) : أخرجه أحمد في مسنده ، و الحاكم في المستدرك ، و البيهقي في السنن الكبرى ، و ابن عساكر في تاريخه .
3- أبو بكر الحنفي ( و هو ثقة ) : أخرجه البزار في مسنده ، و الطبري في تفسيره ، و الحاكم في المستدرك .
ثالثا : ترجمة " بكير بن مسمار " :
قلت : نأتي لترجمة الراوي " بكير بن مسمار" مدار هذا الحديث :
هو بكير بن مسمار القرشي الزهري أبو محمد المدني أخو مهاجر بن مسمار مولى عامر بن سعد بن أبي وقاص .
1- قال الترمذي في جامعه (2999) : حدثنا قتيبة حدثنا حاتم بن إسماعيل عن بكير بن مسمار هو مدني ثقة عن عامر بن سعيد بن أبي وقاص عن أبيه قال : لما أنزل الله هذه الآية { ندع أبناءنا وأبناءكم } دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .
2- قال النسائي : ليس به بأس
نقله عنه المزي في تهذيب الكمال ، و الذهبي في ميزان الاعتدال .
3- قال ابن حبان في الثقات ( 6 / 105 – 106 ) ترجمة رقم (6917) : بكير بن مسمار أخو مهاجر بن مسمار مولى سعد بن أبى وقاص من أهل المدينة كنيته أبو محمد يروى عن عامر بن سعد بن أبى وقاص روى عنه حاتم بن إسماعيل وليس هذا ببكير بن مسمار الذي يروى عن الزهرى ذاك ضعيف ومات بكير هذا سنة ثلاث وخمسين ومائة .
4-و قال ابن حبان أيضا في "مشاهير علماء الأمصار " (1/210) ترجمة رقم (1023) : بكير بن مسمار أخو مهاجر بن مسمار مولى سعد بن أبى وقاص مات سنة ثلاث وخمسين ومائة .
قلت : و قد ظن الذهبي رحمه الله أن ابن حبان قد لينه ، فقال في المغني (997) : «صدوق لينه ابن حبان البستي، وابن حزم، وقال خ: فيه نظر». وفي الكاشف: «فيه شيء». وفي الديوان (رقم 658) : «صدوق لينه ابن حبان»
و هذا وهم من الذهبي، رحمه الله، فإن ابن حبان لم يلينه بل وثقه، وإنما لين آخر اسمه بكير بن مسمار، يروي عن الزهري، وقال في ترجمته: «ليس هو أخو مهاجر بن مسمار ذاك مدني ثقة» (المجروحين 1/185) .
5- و قال العجلي في " الثقات " (1/ 254) رقم (179) : بكير بن مسمار مدني ثقة .
6- قال ابن حجر في " التقريب " (1/ 138) رقم (768) :بكير بن مسمار الزهري المدني أبو محمد أخو مهاجر صدوق من الرابعة مات سنة ثلاث وخمسين م ت س .
رابعا : حول قول الامام البخاري رحمه الله : " فيه بعض النظر " :
قال الامام البخاري رحمه الله في " التاريخ الكبير " ( 2/115) ترجمة رقم ( 1881) :
بكير بن مسمار أخو مهاجر مولى سعد بن أبي وقاص القرشي المديني قال لي أحمد بن حجاج وإبراهيم بن حمزة حدثنا حاتم عن بكير عن عامر بن سعد عن سعد سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله فتطاولنا فقال ادعوا عليا وسمع الزهري روى عنه أبو بكر الحنفي فيه بعض النظر .
و أسنده العقيلي من طريقه في "الضعفاء الكبير" (1/ 152) ترجمة رقم (191) .
قلت : و هذا وهم منه رحمه الله ، فهو لم يفرق بين بكير بن مسمار أخو مهاجر ، و بين بكير بن مسمار الذي يروي عن الزهري .
قال ابن حجر في " لسان الميزان " (2 / 62) ترجمة رقم (236) :
بكير بن مسمار شيخ روى عن الزهري ومحمد بن سيرين روى عنه أبو بكر الحنفي فرق بن حبان بينه وبين بكير بن مسمار أخي مهاجر بن مسمار فذكر هذا في الضعفاء فقال كان مرجئا يروي ما لا يتابع عليه وهو قليل الحديث على مناكير فيه وليس هذا أخا مهاجر بن مسمار ذاك مدني ثقة وقال في الثقات بكير بن مسمار أخو مهاجر بن مسمار ليس هو بكير بن مسمار الذي يروى عن الزهري ذاك ضعيف قلت وأما البخاري فجعلهما واحدا .
قال ابن حجر في " التقريب " (1/ 138) :
769 - بكير بن مسمار آخر يروي عن الزهري ضعيف من السابعة تمييز .
لذا لم يجد ابن عدي رحمه الله له حديثا منكرا ، فقال في "الكامل" ( 2/ 42) ترجمة رقم (279) :
بكير بن مسمار أخبرنا بن حماد قال قال البخاري بكير بن مسمار أخو مهاجر بن مسمار روى عنه أبو بكر الحنفي في حديثه بعض النظر وبكير بن مسمار لم أخرج له شيئا ها هنا لأني لم أجد في رواياته حديثا منكرا وأرجو أنه لا بأس به قال الشيخ والذي قاله البخاري هو كما قال روى عنه أبو بكر الحنفي أحاديث لا أعرف فيها شيئا منكرا وعندي أنه مستقيم الحديث فاستغنى عن ان أذكر له حديثا لاستقامة حديثه ولأن من روى عنه صدوق .
خامسا : الحكم على الحديث :
الحديث صحيح لا غبار عليه ، فأن بكير بن مسمار القرشي ثقة ، و في أسوأ الأحوال صدوق حسن الحديث
مع انضمام قرينة الاختصاص بشيخه لكونه مولى له ، فيكون الحديث صحيحا .
كما أن للحديث شواهد من حديث واثلة بن الأسقع ، و أم سلمة رضوان الله عليهما ، و غيرهما ، و الله أعلم .
سادسا : الرد على الرافضة :
قال الشيخ عبد الرحمن دمشقية حفظه الله في كتاب : "أحاديث يحتج بها الشيعة " :
اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا
قبل كل شيء لا تنس أمرا مهما يسقط الاستدلال الرافضي وهو إخراج الرافضة زينب وأم كلثوم من حديث الكساء. فعدم دخولهما في الكساء أحدث مشكلة كبيرة عند الرافضة لا يخرجون منها إلا بالطعن بنسب هاتين الطاهرتين. وإنكار أن تكونا من بنات النبي صلى الله عليه وسلم.
والزوجة هي الأهل حتى في مذهب الشيعة وإن أنكروه مكابرة وتعصبا.
وتأملوا هذه الأدلة:
الأول: عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام جعلت فداك إني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم اقصر قال: عليك بدنة، قال: قلت: إني لما أردت ذلك منها ولم تكن قصرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال: رحمها الله كانت أفقه منك عليك بدنة وليس عليها شئ» (الكافي4/441 وصحح المجلسي18/83).
الثاني: قال الخميني « الصادق عليه السلام : إذا أتى أحدكم أهله فليذكر الله، فان لم يفعل وكان منه ولد» كان شرك شيطان» (تحرير الوسيلة2/239 هداية العباد2/303 للكلبايكاني من لايحضره الفقيه3/404 وسائل الشيعة2/118 بحار الأنوار6/201). وفي لفظ « فان من لم يذكر الله عند الجماع فكان منه ولد كان شرك شيطان» (بحار الأنوار6/201).
الثالث: ما رواه الشيعة وصححوه أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله هلكت وأهلكت، فقال: وما أهلكك؟ قال: أتيت أهلي في شهر رمضان وأنا صائم، فقال له النبي صلى الله عليه وآله أعتق رقبة» (من لا يحضره الفقيه2/115 وسائل الشيعة7/30 مختلف الشيعة الحلي3/442). وقد أكد الشهيد الثاني صحة الرواية عند الصدوق) عن أبي عبد الله عليه السلام وفيه قول الرجل « وقعت على امرأتي. قال: تصدق واستغفر ربك» (مسالك الأفهام للشهيد الثاني1/15). ففي هذه الرواية لفظ (امرأتي) والروايات الأخرى (أهلي) فقامت الحجة على القوم من كتبهم.
الرابع: يقول محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة (1/26) » فبويع الحسن ابنه فعوهد ثم غدر به وأسلم ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه وانتهب عسكره فوادع معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته».
ألستم تلاحظون أنه أتى بلفظ يوجب أن يكون حقن الدم لأزواجه وأولاده أم كان يريد حقن دم أبنائه فقط دون أزواجه؟
أما بالنسبة للحديث فقد قال الهيثمي » فيه محمد بن مصعب: وهو ضعيف الحديث سيء الحفظ« (مجمع الزوائد9/167).
وهناك رواية أخرى زاد فيها عن أم سلمة » قلت: يا رسول الله ألست من أهلك؟ قال بلى فادخلي في الكساء. قالت: فدخلت في الكساء بعدما قضى دعاءه لابن عمه وابنيه وابنته فاطمة« وبداية الحديث قول أم سلمة لما بلغها مقتل الحسين ( »لعنت أهل العراق. قتلوه قتلهم الله غروه وذلوه لعنهم الله« الحديث. أخرجه أحمد في المسند (6/298) والطبراني في الكبير (3/114) وإسناده صحيح لغيره.
قد ورد من عدة طريق يقوي بعضها بعضا. وقد تتبعها محققو المسند وقالوا عن السند التالي « قال عبد الملك : وحدثني داود بن أبي عوف أبو الجحاف عن شهر بن حوشب عن أم سلمة..» (مسند أحمد محقق رقم26508 44/119 وأما الترقيم بحسب مكتبة التراث الحاسوبية فهو 26592).
رواية أخرى: أخبرنا أبو عبد الله مرة وأبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي من أصله وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أم سلمة قالت ثم في بيتي أنزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا قالت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال هؤلاء أهل بيتي وفي حديث القاضي والسمي هؤلاء أهلي قالت فقلت يا رسول الله أما أنا من أهل البيت قال بلى إن شاء الله تعالى».
قال أبو عبد الله هذا حديث صحيح سنده ثقات رواته قال الشيخ وقد روي في شواهده ثم في معارضته أحاديث لا يثبت مثلها في كتاب الله البيان لما قصدناه في إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم الآل ومراده من ذلك أزواجه أو هن داخلات فيه» (رواه البيهقي في سننه2/150 والحافظ بان عساكر في تاريخ دمشق14/138).
وحديث أم سلمة يؤكد دخولها في الكساء.
حدثنا عبدالله قال: حدثني أبي ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ثنا عبد الحميد ابن بهرام قال: حدثني شهر قال » سمعت أم سلمة: .. قال رسول الله ( » اللهم أهلي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قلت: يا رسول الله ألست من أهلك؟ قال: بلى فادخلي في الكساء. قالت: فدخلت في الكساء بعدما قضى دعاءه لابن عمه علي وابنيه وابنته فاطمة« (رواه أحمد في فضائل الصحابة بإسناد حسن (2/852 ترجمة رقم 1170).
لقد كان دعاء الرسول بعد نزول الآية.
هذا النص يضم إلى نصوص أخرى تثبت أن غيرهم أهل بيته. وليس هناك تناقض.
فليس في النص ما يفيد إلى أنهم هم أهله فقط. ولو ورد في االنص التحديد لقلنا به. أو لوقع التناقض. كما لو اقتصرنا على (فويل للمصلين) ولم نكمل قراءتها لأدت إلى فهم باطل وإشكالات عديدة.
وإذا كان أبناء النبي هم المعنيون المخاطبون بالآية فلماذا يجمعهم النبي ويدعو الله قائلا (فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
وإنما أراد النبي أن يتحقق لأبنائه ما خاطب الله به أزواجه.
سابعا : الرد على شبهة :" أن معاوية أراد سب علي " :
قال الشيخ سليمان بن صالح الخراشي :
ما أخرجه مسلم في صحيحه " باب فضائل علي " عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال : " أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسُبَّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ذكرت ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلن أسُبّهُ ، لأن تكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إليَّ من حُمر النَّعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له و خلّفه في مغازيه فقال له عليّ: يا رسول الله، خلَّفْتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ترضىأن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوّة بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر: لأُ عْطينَّ الراية رجلاً يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي علياً، فأُتي به أرْمَد فبصق في عَيْنه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية: { قل تعالوْا ندعُ أبْناءنا وأبْناءَكم ...}، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحُسيناً فقال: اللهم، هؤلاء أهلي "
وجوابه أن يُقال :هذا الحديث لا يفيد أن معاوية أمر سعداً بسبِّ عليّ، ولكنه كما هو ظاهر فإن معاوية أراد أن يستفسر عن المانع من سب عليّ، فأجابه سعد عن السبب ، ولم نعلم أن معاوية عندما سمع رد سعد غضب منه ولا عاقبه، وسكوت معاويةهو تصويب لرأي سعد، ولو كان معاوية ظالماً يجبر الناس على سب عليّ كما يدّعي الشيعة ومن تابعهم ، لما سكت على سعد ولأجبره على سبّه، ولكن لم يحدث من ذلك شيءٌ ، فعُلم أنه لم يؤمر بسبّه ولا رضي بذلك .
قال النووي شارحًا هذا الحديث : " قول معاوية هذا، ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، كأنه يقول : هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك. فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب، فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك، فله جواب آخر، ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبّون، فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار وأنكر عليهم ، فسأله هذا السؤال. قالوا: ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه : ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده، وتُظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ "
وقال القرطبي معلقاً على وصف ضرار الصُّدَائي لعلي رضي الله عنه وثنائه عليه بحضور معاوية، وبكاء معاويةمن ذلك، وتصديقه لضرار فيما قال: "وهذا الحديث يدل على معرفة معاوية بفضل علي رضي الله عنه ومنـزلته، وعظيم حقه، ومكانته، وعند ذلك يبعد على معاوية أن يصرح بلعنه وسبّه، لما كان معاوية موصوفاً به من العقل والدين، والحلم وكرم الأخلاق ، وما يروى عنه من ذلك فأكثره كذب لا يصح، وأصح ما فيها قوله لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ وهذا ليس بتصريح بالسب، وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج من عنده من ذلك، أو من نقيضه، كما قد ظهر من جوابه، ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن، وعرف الحق لمستحقه"