عمر المناصير
2010-10-10, 04:22 PM
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
...........
يُسمونك " الجاريه " ويُسموننا أبناء الجاريه ، وعلى مثلك ولمثلك فلتكن الجواري يا أُمنا يا هاجر المُهاجره .
.........
ونفتخرُ ونعتزُ أننا أبناءك أيتها الجاريه ، الجاريةُ إلى ربها بالطاعات ، طاعةٌ لله ولربها لم تطعها إمرأةٌ عبر التاريخ كما فعلتِ ، طاعةٌ لم تطعها إمراةٌ عبر التاريخ وإلى أن تقوم الساعه لزوجها كما فعلت يا هاجر ، لقد حطمت الأرقام إن كان لهذا أرقام ، يا هاجر المُهاجرة إلى تلك القفار الموحشه طلباً لرضى ربها ولرضى بعلها .
........
ليتفاخر أبناءُ الكنانة ولأبناء الكنانة أن يتفاخروا أن إبنتهم هي أُمٌ للعرب ، وليُثقفوا حُجاجهم ومُعتمريهم عند ذهابهم لتلك الديار التي طهرها الله وجعلها محط ومهوى أفئدة الملايين ، عند سعيهم بين " الصفا والمروه " بأن يتذكروا أبنتهم وما قدمت وأن يُكثروا لها ولذريتها الدُعاء ، هؤلاء من هبوا لنُصرة إبنتها عائشة الطاهرة الطهور ، ولرفيقتها مارية الكنانه .
........
أُمنا هاجر ومن مثلُ أُمنا هاجر ، أبنتك عائشه ومن مثلُ إبنتك عائشه التي وطأت قدماها ما وطئ قدماك ، تُطعن اليوم وتُسب ، ولا غرابة فأنت أيها الأم التي لا مثيل لها بين الأمهات ، ظنوا أنهم سبوك بقولهم لك " جاريه " ، فمن طعنوا وسبوا عائشه ، هُم الوجه الآخر لمن ظنوا أنهم شتموك بقولهم لك جاريه .
.........
من مثلك في النساء ، وايُ صنفٍ من النساء أنت يا هاجر ، وأيُ زوجةٍ مؤمنةٍ ومُطيعةٍ وصابرةٍ أنت من النساء ، يا من أكرمك اللهُ كرامةً لم تنلها كثيرٌ من النساء ، مليارٌ ونصف المليار ، والمليارات عبر التاريخ لا صحة لحجٍ لهم أو لعمرةٍ أن لم يخطوا ما خطيت من خطواتٍ طاهره في ذلك المكان المُقدس ، كم من بشرٍ ساروا حيثُ سرت ، وامتثلوا بما قُمت ، خطواتك أصبحت مناسك ، تعالي وأنظري كيف أصبح المكان الذي سعيت به تلك الخطوات الطاهره .
.........
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }البقرة158
............
من مثلك في النساء طاعةً لربها ولزوجها ومن مثلك في النساء صبراً واحتساباً لله يا أُمنا الطاهره هاجر .
........
إمراةٌ يأخذها زوجها المُسنُ وطفلها الرضيع من جنة الله في أرضه ، من الأرض التي تُدر لبناً وعسلاً ، ويحط بها الرحال ، الأيام والليالي وهو يسير بها ولا تدري إلى أي بلادٍ تسير ، ليالٍ مُظلمةٍ موحشه وأياماً شمسها ساطعةٌ لاهبه ، بردٌ قارص لليل الصحراء ، ولهيبٌ لاذع لنهار الصحراء ، يحطُ بها ويرتحل وكم من الماء أو الطعام يحمل ، عطشٌ وجوع ، لينتهي به المقام ويضعها في أرضٍ قاحله وفي وادٍ موحش وغير ذي زرع ، لا مؤنس فيه من الوحشه ، ولا ماء فيه ولا طعام ، لا طائرُ يطير ولا وحشٌ يسير ، رمالٌ حارقه وصخورٌ سوداء لاهبه ، نهارٌ شمسه حارقه وليالٍ مُعتمةٍ مُظلمه .
..........
قال سُبحانه وتعالى
.......
{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }إبراهيم37
...........
ونتمنى من كُل إلبشر ونخص المُسلمون أن يعيشوا المأساه والإمتحان الإلهي الذي وُضعت به أُمنا هاجر المصريه ، وزوجها نبي الله إبراهيم وطفلهما الرضيع إسماعيل ، عليهم جميعاً سلامُ الله ورحمته ، هل يستطيعون تحمل ذلك والصبر عليه ، ففي المرة الأُولى يؤمر إبراهيم أن يذهب بهاجر " من الخليل " في فلسطين وابنها الرضيع لمكه ، وأن يتركهما هٌناك ، وأين في مكة الموحشة المستوحشه التي لا بشر فيها ، في أرضٍ صحراويه مُقفره ، ليلُها البارد مميت ونهارها الشديد الحراره مُحرق ، ولا ماء ولا طعام ولا مأوى فيها ، وللإنسان أن يتخيل بعد ترك إبراهيم لها وقد جن عليها الليل المُعتم وأظلم ، حيثُ لا كهرباء ولا ضوء عندها ، ولا بيت يأويها ولا طعام ولا ماء ولا فراش ولا غطاء لها ولا لطفلها ، بيتها التراب الذي تجلس عليه هي وطفلها وسقفها السماء ، حيطانها الهواء ، ولا مؤنس لها من البشر وتلحق به عندما تركها ، إمرأه وطفل رضيع في حضنها بين واديين مُقفرين موحشين ، سينفذ منها ما ترك لها من قليل الماء وقليل الغذاء .
............
عندما رأته يهم بتركها هي وطفلها ويبدأ خطواته وهم بذلك ، لحقت به لتسأله إلى من تترُكنا يا إبراهيم ولا يُجيب ، ربما خنقته عبراته من البُكاء لتركه لزوجته ولطفله الوحيد الذي رُزق به بعدما بلغ من السن عتيا ، وأعادة عليه السؤال ، حتى أجابت هي " أألله أمرك بهذا " ، وربما أجابها إيماءً أو بكلمة نعم من شدة حزنه ومن قلبٍ شيخ يتفطر على تركه لفلذة كبده قطعة من اللحم في حضن إمرأته التي سيتركها لقدرها ، فهي التي تسأل وهي التي تُجيب ، فتقولُ مُحتسبةً .
...........
" إذاً لن يُضيعنا الله "
..................
رجل شيخ يترك طفله الرضيع ووحيده الذي ليس لهُ غيره ، ويترك زوجته في أرض وصحراء مُقفره وموحشه ، نهارها مُرعب وليلها مُخيف ، فكيف لإمرأه لوحدها وليس معها إلا طفل رضيع ، كيف لها أن تتصرف لتروي عطشها وعطش طفلها ، بعد أن تركهما ، تركض وتُهرول سبع مرات بين الصفا والمروه وهُما صخرتان مُرتفعتان ، تٌبطئ الخُطى عندما تغادره وعيونها عليه وتُسرع الخُطى كُلما أبتعدت عنهُ لتطل طلتها ، وتعود إليه مُسرعة الخُطى ، وتبطئها عندما تقترب منهُ بعد أن إطمأنت عليه ، وهكذا فعلت فعلت سبعتها ، لترى هل هُناك من بشر يروي عطشها ويؤنس وحدتهما ووحشتهما هي وطفلها ، ويسقيهما إذا كان معه ماء لأن العطش بلغ بها وبطفلها مبلغه ، ولا ترى إلا لهيب الصحراء ورماله المُلتهبه ، ولكن عناية الله أكبر ، وكرمه أوسع بزمزم مُعجزة الله الخالده لإسماعيل وهاجر في مكة القاحله ، ها هي زمزم تُسقي الملايين وعبر ألاف السنوات منذُ أن أنبعها الله بين قدمي ذلك الطفل الذي كتب الله لهُ النبوة والرساله .
................
ويغيبُ الشيخُ ويعود لهذه المهجورة التي تقبع في تلك الموحشة المهجوره بين الفينه والفينه ، بعد أن قيض الله لها ما يروي عطشها ، وبعد أن قيض لها ما يؤنسُ وحشتها ، وهُنا يأتي الإبتلاء الأعظم بأن يرى هذا النبي والرسولُ العظيم أن عليه أن يذبح إبنه إسماعيل بعد كُل تلك السنين من عمر بكره الوحيد ، وهو إبتلاء لهذا الشيخ ولهذه المرأه العجيبه ولولدهما أشد من الإبتلاء الأول ، وابتلاءٌ ما بعده ولا قبله إبتلاء .
........
وكان عمر إسماعيل عندما بلغ السعي مع والده 12 عاماً ، ولم يكُن إسحق وُلد بعد ، وكان إسماعيل يفقه ويعي ما الذي طلبه الله من والده ، ويعي ما الذي سيحصل لهُ ، وبأن والده سيذبحه كما يذبح الخاروف ، وقد حطم كُل ما يتخيله البشر من أرقام في طاعة الوالدين ، والصبر على الإبتلاء ، أُهناك محنه يتعرض لها البشر أشد من محنة أن تُمسك سكيناً وتحدُها قبل ذلك ، وتقطع رأس إبنك البكر لمُجرد رؤيا في المنام ، وهل هُناك محنه أشد من تنبطح على الأرض وتُذبح من الوريد إلى الوريد ، على يد والدك ، وهل هُناك من محنه على إمرأه أن تُعطي وحيدها لزوجها ليذبحه كما تُذبح الشياه ، يا لهولها ويا لعظمها من محنه تشيبُ لها الرؤوس .
............
{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ }{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ }{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ }{وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ }{قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ }{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } الصافات100-107
...........
من من البشر وصل للطاعه لله مثل ما وصلت لهُ عائلة هذا النبي ، وأية طاعةٍ واحترام للزوج وصلت لهُ النساء كمثل الذي وصلت لهُ أُمنا هاجر، وأيُ طاعةٍ لله وللوالدين وصل لها الصبيان كما وصل لها إسماعيل ، والده يغيب عنه وعن أُمه شهور طويله في مدينة الخليل في فلسطين ويأتيهم بعد مرور شهور طويله ليتفقدهم كُل حين ، وبعد سنوات وفي إحداها يأتي ليقطع رأسه إمتثالاً لامر الله ولرؤيا رآها ، ويُحد مديته وسكينه ، ويستلقي إسماعيل على جنبه لأمر الله ، ولا طلب لهُ من أبيه إلا أن لا يُريه المديه أو السكين عند قطع رأسه ، ويضع السكين ويحز رقبته وهو عاقد النية على ذلك ، وذلك الصبي ينتظر الموت كحقيقةٍ لا مفر منها ، ولكن السكين لا تقطع بأمر الله ، ولكن رحمة الله أعظم ، هذا الإله العظيم الرحيم الرؤوف بعباده ، كان لا بد له من فداء هذا النبي الإنسان الكريم ووالده الشيخ المُطيع ، بعد أن صدقا حكم ربهما ، وجزاءً لهذه الأُم الصابره المُطيعه لربها ولزوجها ولقدر الله ولطلبه .
...............
ويالك يا أُمنا هاجر من إمرأه عظيمه صابره مُحتسبه ليس لها مثيل في النساء ، أيُ صنفٍ من النساء أنت ، أيُ إمرأةٍ هذه من النساء التي تُعطي إبنها وبكرها ووحيدها لوالده ليقطع رأسه ، طاعةً لله وطاعةً لزوجها .
.............
وكانت مشيئة الله ، لأن من صلبه سيأتي مُنقذ البشريه ومُخلصها " إبنُ الذبيحين " ، ولو ذبح إبراهيم إبنه إسماعيل ، لما أتى نبينا الأكرم فهو الذبح العظيم الذي به فدى الله إسماعيل ليأتي من صُلبه مُحمداً صلى اللهُ عليه وسلم ، ولو ذُبح عبدالله لما أتى من صُلبه مُحمداً صلى اللهُ عليه وسلم .
.............
{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ }الصافات107
.............
ولذلك لا بُد من يُقدم الذبيحه والأُضحيه والفداء لله ، أن يتخيل أن هذه الذبيحه هي فداء عن نبيه مُحمد وعن أحد أبناءه ، لأنه لو ذبح إسماعيل إبنه لكانت هذه سُنه مفروضه ، بأن الأُضحيه هي أن تذبح أحد أبناءك ، ولكن رحمة وعدل وعفو الله أعظم .
.............
ماذا نقول لنساء اليوم ، التي تُقيم الدُنيا ولا تُقعدها لمجرد أن زوجها تأخر عن موعد عودته من دوامه ، وبيتها في مدينةٍ وفي وسط حيٍ مأهول ، وفي وسط أبناءها وقرب أهلها ، وبيتها مملوء بالخيرات والفراش الوثير ، والتبريد والتدفئه ، وثلاجتُها ومطبخُها واحه وبُستان فيه من كُل الثمر...إلخ ، هل تحلم نساء اليوم أن تدخل الجنه مُساواةً بهاجر ، وهل لصبيان وأولاد اليوم أن يحلموا بدخول الفردوس نداً لإسماعيل ، هل لنا أن نحلم أن ندخل الجنة مع إبراهيم وهاجر وإسماعيل ومع أنبياء الله ورسله وقديسيه وأطهاره ونحنُ على ما نحنُ عليه .
...............
ونهيبُ بكُل من هبوا لنصرة أُمنا الطاهره عائشة الطهور ، أن يتذكروا أُمها هاجرالمؤمنة المُطيعةُ المُحتسبة الصابرة ، التي لا مثيل لها بين النساء ، فهذه كتلك فكا قالوا عن تلك بأنها الجاريه ، فقالوا عن إبنتها ما قالوا .
..............
عمر المناصير.......................................... ............. 2 ذو القعده 1431 هجريه
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
...........
يُسمونك " الجاريه " ويُسموننا أبناء الجاريه ، وعلى مثلك ولمثلك فلتكن الجواري يا أُمنا يا هاجر المُهاجره .
.........
ونفتخرُ ونعتزُ أننا أبناءك أيتها الجاريه ، الجاريةُ إلى ربها بالطاعات ، طاعةٌ لله ولربها لم تطعها إمرأةٌ عبر التاريخ كما فعلتِ ، طاعةٌ لم تطعها إمراةٌ عبر التاريخ وإلى أن تقوم الساعه لزوجها كما فعلت يا هاجر ، لقد حطمت الأرقام إن كان لهذا أرقام ، يا هاجر المُهاجرة إلى تلك القفار الموحشه طلباً لرضى ربها ولرضى بعلها .
........
ليتفاخر أبناءُ الكنانة ولأبناء الكنانة أن يتفاخروا أن إبنتهم هي أُمٌ للعرب ، وليُثقفوا حُجاجهم ومُعتمريهم عند ذهابهم لتلك الديار التي طهرها الله وجعلها محط ومهوى أفئدة الملايين ، عند سعيهم بين " الصفا والمروه " بأن يتذكروا أبنتهم وما قدمت وأن يُكثروا لها ولذريتها الدُعاء ، هؤلاء من هبوا لنُصرة إبنتها عائشة الطاهرة الطهور ، ولرفيقتها مارية الكنانه .
........
أُمنا هاجر ومن مثلُ أُمنا هاجر ، أبنتك عائشه ومن مثلُ إبنتك عائشه التي وطأت قدماها ما وطئ قدماك ، تُطعن اليوم وتُسب ، ولا غرابة فأنت أيها الأم التي لا مثيل لها بين الأمهات ، ظنوا أنهم سبوك بقولهم لك " جاريه " ، فمن طعنوا وسبوا عائشه ، هُم الوجه الآخر لمن ظنوا أنهم شتموك بقولهم لك جاريه .
.........
من مثلك في النساء ، وايُ صنفٍ من النساء أنت يا هاجر ، وأيُ زوجةٍ مؤمنةٍ ومُطيعةٍ وصابرةٍ أنت من النساء ، يا من أكرمك اللهُ كرامةً لم تنلها كثيرٌ من النساء ، مليارٌ ونصف المليار ، والمليارات عبر التاريخ لا صحة لحجٍ لهم أو لعمرةٍ أن لم يخطوا ما خطيت من خطواتٍ طاهره في ذلك المكان المُقدس ، كم من بشرٍ ساروا حيثُ سرت ، وامتثلوا بما قُمت ، خطواتك أصبحت مناسك ، تعالي وأنظري كيف أصبح المكان الذي سعيت به تلك الخطوات الطاهره .
.........
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }البقرة158
............
من مثلك في النساء طاعةً لربها ولزوجها ومن مثلك في النساء صبراً واحتساباً لله يا أُمنا الطاهره هاجر .
........
إمراةٌ يأخذها زوجها المُسنُ وطفلها الرضيع من جنة الله في أرضه ، من الأرض التي تُدر لبناً وعسلاً ، ويحط بها الرحال ، الأيام والليالي وهو يسير بها ولا تدري إلى أي بلادٍ تسير ، ليالٍ مُظلمةٍ موحشه وأياماً شمسها ساطعةٌ لاهبه ، بردٌ قارص لليل الصحراء ، ولهيبٌ لاذع لنهار الصحراء ، يحطُ بها ويرتحل وكم من الماء أو الطعام يحمل ، عطشٌ وجوع ، لينتهي به المقام ويضعها في أرضٍ قاحله وفي وادٍ موحش وغير ذي زرع ، لا مؤنس فيه من الوحشه ، ولا ماء فيه ولا طعام ، لا طائرُ يطير ولا وحشٌ يسير ، رمالٌ حارقه وصخورٌ سوداء لاهبه ، نهارٌ شمسه حارقه وليالٍ مُعتمةٍ مُظلمه .
..........
قال سُبحانه وتعالى
.......
{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }إبراهيم37
...........
ونتمنى من كُل إلبشر ونخص المُسلمون أن يعيشوا المأساه والإمتحان الإلهي الذي وُضعت به أُمنا هاجر المصريه ، وزوجها نبي الله إبراهيم وطفلهما الرضيع إسماعيل ، عليهم جميعاً سلامُ الله ورحمته ، هل يستطيعون تحمل ذلك والصبر عليه ، ففي المرة الأُولى يؤمر إبراهيم أن يذهب بهاجر " من الخليل " في فلسطين وابنها الرضيع لمكه ، وأن يتركهما هٌناك ، وأين في مكة الموحشة المستوحشه التي لا بشر فيها ، في أرضٍ صحراويه مُقفره ، ليلُها البارد مميت ونهارها الشديد الحراره مُحرق ، ولا ماء ولا طعام ولا مأوى فيها ، وللإنسان أن يتخيل بعد ترك إبراهيم لها وقد جن عليها الليل المُعتم وأظلم ، حيثُ لا كهرباء ولا ضوء عندها ، ولا بيت يأويها ولا طعام ولا ماء ولا فراش ولا غطاء لها ولا لطفلها ، بيتها التراب الذي تجلس عليه هي وطفلها وسقفها السماء ، حيطانها الهواء ، ولا مؤنس لها من البشر وتلحق به عندما تركها ، إمرأه وطفل رضيع في حضنها بين واديين مُقفرين موحشين ، سينفذ منها ما ترك لها من قليل الماء وقليل الغذاء .
............
عندما رأته يهم بتركها هي وطفلها ويبدأ خطواته وهم بذلك ، لحقت به لتسأله إلى من تترُكنا يا إبراهيم ولا يُجيب ، ربما خنقته عبراته من البُكاء لتركه لزوجته ولطفله الوحيد الذي رُزق به بعدما بلغ من السن عتيا ، وأعادة عليه السؤال ، حتى أجابت هي " أألله أمرك بهذا " ، وربما أجابها إيماءً أو بكلمة نعم من شدة حزنه ومن قلبٍ شيخ يتفطر على تركه لفلذة كبده قطعة من اللحم في حضن إمرأته التي سيتركها لقدرها ، فهي التي تسأل وهي التي تُجيب ، فتقولُ مُحتسبةً .
...........
" إذاً لن يُضيعنا الله "
..................
رجل شيخ يترك طفله الرضيع ووحيده الذي ليس لهُ غيره ، ويترك زوجته في أرض وصحراء مُقفره وموحشه ، نهارها مُرعب وليلها مُخيف ، فكيف لإمرأه لوحدها وليس معها إلا طفل رضيع ، كيف لها أن تتصرف لتروي عطشها وعطش طفلها ، بعد أن تركهما ، تركض وتُهرول سبع مرات بين الصفا والمروه وهُما صخرتان مُرتفعتان ، تٌبطئ الخُطى عندما تغادره وعيونها عليه وتُسرع الخُطى كُلما أبتعدت عنهُ لتطل طلتها ، وتعود إليه مُسرعة الخُطى ، وتبطئها عندما تقترب منهُ بعد أن إطمأنت عليه ، وهكذا فعلت فعلت سبعتها ، لترى هل هُناك من بشر يروي عطشها ويؤنس وحدتهما ووحشتهما هي وطفلها ، ويسقيهما إذا كان معه ماء لأن العطش بلغ بها وبطفلها مبلغه ، ولا ترى إلا لهيب الصحراء ورماله المُلتهبه ، ولكن عناية الله أكبر ، وكرمه أوسع بزمزم مُعجزة الله الخالده لإسماعيل وهاجر في مكة القاحله ، ها هي زمزم تُسقي الملايين وعبر ألاف السنوات منذُ أن أنبعها الله بين قدمي ذلك الطفل الذي كتب الله لهُ النبوة والرساله .
................
ويغيبُ الشيخُ ويعود لهذه المهجورة التي تقبع في تلك الموحشة المهجوره بين الفينه والفينه ، بعد أن قيض الله لها ما يروي عطشها ، وبعد أن قيض لها ما يؤنسُ وحشتها ، وهُنا يأتي الإبتلاء الأعظم بأن يرى هذا النبي والرسولُ العظيم أن عليه أن يذبح إبنه إسماعيل بعد كُل تلك السنين من عمر بكره الوحيد ، وهو إبتلاء لهذا الشيخ ولهذه المرأه العجيبه ولولدهما أشد من الإبتلاء الأول ، وابتلاءٌ ما بعده ولا قبله إبتلاء .
........
وكان عمر إسماعيل عندما بلغ السعي مع والده 12 عاماً ، ولم يكُن إسحق وُلد بعد ، وكان إسماعيل يفقه ويعي ما الذي طلبه الله من والده ، ويعي ما الذي سيحصل لهُ ، وبأن والده سيذبحه كما يذبح الخاروف ، وقد حطم كُل ما يتخيله البشر من أرقام في طاعة الوالدين ، والصبر على الإبتلاء ، أُهناك محنه يتعرض لها البشر أشد من محنة أن تُمسك سكيناً وتحدُها قبل ذلك ، وتقطع رأس إبنك البكر لمُجرد رؤيا في المنام ، وهل هُناك محنه أشد من تنبطح على الأرض وتُذبح من الوريد إلى الوريد ، على يد والدك ، وهل هُناك من محنه على إمرأه أن تُعطي وحيدها لزوجها ليذبحه كما تُذبح الشياه ، يا لهولها ويا لعظمها من محنه تشيبُ لها الرؤوس .
............
{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ }{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ }{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ }{وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ }{قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ }{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } الصافات100-107
...........
من من البشر وصل للطاعه لله مثل ما وصلت لهُ عائلة هذا النبي ، وأية طاعةٍ واحترام للزوج وصلت لهُ النساء كمثل الذي وصلت لهُ أُمنا هاجر، وأيُ طاعةٍ لله وللوالدين وصل لها الصبيان كما وصل لها إسماعيل ، والده يغيب عنه وعن أُمه شهور طويله في مدينة الخليل في فلسطين ويأتيهم بعد مرور شهور طويله ليتفقدهم كُل حين ، وبعد سنوات وفي إحداها يأتي ليقطع رأسه إمتثالاً لامر الله ولرؤيا رآها ، ويُحد مديته وسكينه ، ويستلقي إسماعيل على جنبه لأمر الله ، ولا طلب لهُ من أبيه إلا أن لا يُريه المديه أو السكين عند قطع رأسه ، ويضع السكين ويحز رقبته وهو عاقد النية على ذلك ، وذلك الصبي ينتظر الموت كحقيقةٍ لا مفر منها ، ولكن السكين لا تقطع بأمر الله ، ولكن رحمة الله أعظم ، هذا الإله العظيم الرحيم الرؤوف بعباده ، كان لا بد له من فداء هذا النبي الإنسان الكريم ووالده الشيخ المُطيع ، بعد أن صدقا حكم ربهما ، وجزاءً لهذه الأُم الصابره المُطيعه لربها ولزوجها ولقدر الله ولطلبه .
...............
ويالك يا أُمنا هاجر من إمرأه عظيمه صابره مُحتسبه ليس لها مثيل في النساء ، أيُ صنفٍ من النساء أنت ، أيُ إمرأةٍ هذه من النساء التي تُعطي إبنها وبكرها ووحيدها لوالده ليقطع رأسه ، طاعةً لله وطاعةً لزوجها .
.............
وكانت مشيئة الله ، لأن من صلبه سيأتي مُنقذ البشريه ومُخلصها " إبنُ الذبيحين " ، ولو ذبح إبراهيم إبنه إسماعيل ، لما أتى نبينا الأكرم فهو الذبح العظيم الذي به فدى الله إسماعيل ليأتي من صُلبه مُحمداً صلى اللهُ عليه وسلم ، ولو ذُبح عبدالله لما أتى من صُلبه مُحمداً صلى اللهُ عليه وسلم .
.............
{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ }الصافات107
.............
ولذلك لا بُد من يُقدم الذبيحه والأُضحيه والفداء لله ، أن يتخيل أن هذه الذبيحه هي فداء عن نبيه مُحمد وعن أحد أبناءه ، لأنه لو ذبح إسماعيل إبنه لكانت هذه سُنه مفروضه ، بأن الأُضحيه هي أن تذبح أحد أبناءك ، ولكن رحمة وعدل وعفو الله أعظم .
.............
ماذا نقول لنساء اليوم ، التي تُقيم الدُنيا ولا تُقعدها لمجرد أن زوجها تأخر عن موعد عودته من دوامه ، وبيتها في مدينةٍ وفي وسط حيٍ مأهول ، وفي وسط أبناءها وقرب أهلها ، وبيتها مملوء بالخيرات والفراش الوثير ، والتبريد والتدفئه ، وثلاجتُها ومطبخُها واحه وبُستان فيه من كُل الثمر...إلخ ، هل تحلم نساء اليوم أن تدخل الجنه مُساواةً بهاجر ، وهل لصبيان وأولاد اليوم أن يحلموا بدخول الفردوس نداً لإسماعيل ، هل لنا أن نحلم أن ندخل الجنة مع إبراهيم وهاجر وإسماعيل ومع أنبياء الله ورسله وقديسيه وأطهاره ونحنُ على ما نحنُ عليه .
...............
ونهيبُ بكُل من هبوا لنصرة أُمنا الطاهره عائشة الطهور ، أن يتذكروا أُمها هاجرالمؤمنة المُطيعةُ المُحتسبة الصابرة ، التي لا مثيل لها بين النساء ، فهذه كتلك فكا قالوا عن تلك بأنها الجاريه ، فقالوا عن إبنتها ما قالوا .
..............
عمر المناصير.......................................... ............. 2 ذو القعده 1431 هجريه