ابوالسعودمحمود
2010-10-11, 09:27 PM
الوقفة الثالثة : ( قل موتوا بغيظكم )
يعجب بعض المتابعين من الحملة المتزايدة على الإسلام من بعض الزعماء الدينيين والسياسيين النصارى في السنوات الأخيرة , ويتساءل بعضهم عن سر التوقيت والتزامن , فمن كلام بوش عن المسلمين الفاشيين , إلى كلام البابا بندكت السادس عن – النبي صلى الله عليه وسلم – وقبلها كلام رئيس الوزراء الايطالي عن الحضارة الإسلامية , وبعده الرسوم المسيئة , وغير ذلك من حملات التشويه ويتساءل البعض عن الأسباب الكامنة في هذه الحملات ولماذا في هذا الوقت بالذات ؟ ولا شك أن هناك أسباباً لهذه الحملات في هذا الوقت من أهمها ما يلي :
السبب الأول : الانتشار الواسع لدين الإسلام في معاقل النصرانية والذي أقض مضاجعهم وملأ قلوبهم غيظاً وحقداً وحسداً على أهل الاسلام والتوحيد ويمثل هذا الانتشار الواسع لدين الإسلام وكثرة المعتنقين له في المظاهر التالية :
أ- زيادة أعداد المساجد في دول الغرب :
ففي قلب أوروبا بدأت أعداد المساجد فيها تنافس أعداد الكنائس في باريس ولندن ومدريد وروما ونيويورك , وصوت الأذان الذي يرفع كل يوم في تلك البلاد خمس مرات , خير شاهد على ان الإسلام يكسب كل يوم أرضاً جديدة وأتباعا جدداً . فقد أصبح للأذان من يلبيه في كل أنحاء الأرض, من طوكيو حتى نيويورك , وعند نيويورك ومساجدها نتوقف , ففي أوقات الأذان الخمس ينطلق الأذان في نيويورك وحدها في مائة مسجد , وبلغ عدد المساجد في الولايات المتحدة الأمريكية ما يقرب (2000) مسجد والحمدالله.
وترتفع في بريطانيا مئذنة نحو (1000) مسجد , وتعلو سماء فرنسا وحدها مئذنة (1554) مسجداً ولا تتسع المصلين , وأما ألمانيا فتقدر المساجد وأماكن الصلاة فيها بـ (2200 ) مسجد ومصلى , وأما بلجيكا فيوجد فيها نحو (300) مسجد ومصلى ووصل عدد المساجد ومصليات في هولندا الى مايزيد عن (400) مسجد , كما ترتفع في إيطاليا وحدها مئذنة ( 130 ) مسجداً , أبرزها مسجد روما الكبير , وأما النمسا فيبلغ عدد المساجد فيها حوالي (76) مسجداً .
هذه فقط بعض الدول في أوروبا الغربية ، عدا عن أوروبا الشرقية، والاقبال يزداد يوماً بعد يوم، ومن هذه المساجد يتحرك الإسلام وينطلق .
ب – تحذير الصحف الغربية من إنتشار الإسلام :
فقد بدأت الصحف الغربية تطلق صيحات تحذير من إنتشار واسع لدين الإسلام بين النصارى , ومن ذلك ما جاء في مقال نشر في مجلة (التايم) الأمريكية " وستشرق شمس الإسلام من جديد , ولكنها هذه المرة تعكس كل حقائق الجغرافيا , فهي لا تشرق من المشرق كالعادة , وإنما ستشرق في هذه المرة من الغرب "
أما جريدة ( الصاندي تلغراف ) البريطانية فقالت في نهاية القرن الماضى : " إن إنتشار الإسلام مع نهاية هذا القرن – يعني الذي مضى – ومطلع القرن الجديد يعني الذي نحن فيه – ليس له من سبب مباشر إلا أن سكان العالم من غير المسلمين بدؤوا يتطلعون إلى الإسلام , وبدؤوا يقرؤون عن الإسلام, فعرفوا من خلال اطلاعهم أن الإسلام هو الدين الوحيد القادر على حل كل مشاكل البشرية "
مجلة (لودينا) الفرنسية قالت بعد دراسة قام بها متخصصون " إن مستقبل نظام العالم سيكون دينياً , وسيعود النظام الإسلامي على الرغم من ضعفه الحالي , لأنه الدين الوحيد الذي يمتلك قوة شمولية هائلة "
ج – انتشار بيع نسخ القران الكريم والكتب الإسلامية وبعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر , التي كان لها آثار سيئة واسعة على النشاطات الإسلامية في الغرب وعلى دول الإسلام , إلا أنه مع ذلك ازداد في العالم الغربي الإقبال على التعرف على الإسلام بصورة غير متوقعة , وأصبحت نسخ القران الكريم المترجمة من أكثر الكتب مبيعاً في الأسواق الأمريكية والأوروبية حتى نفدت من المكتبات , لكثرة الإقبال على اقتنائها , وتسبب ذلك في دخول الكثير منهم في الإسلام , وفي ألمانيا وحدها بيعت خلال سنة (40) ألف نسخة من كتاب ترجمة معاني القران الكريم باللغة الألمانية . كما أعادت دار نشر (لاروس) الفرنسية الشهيرة طباعة ترجمة معاني القران الكريم بعد نفادها من الأسواق .
د- تزايد أعداد الداخلين في الإسلام
ففي عام 2001 نشرت صحيفة ( نيويورك تايمز ) مقالاً ذكرت فيه أن بعض الخبراء الأمريكيين الذين يعتنقون الإسلام سنوياً ب(25) ألف شخص ، وأن عدد الذين يدخلون دين الله يومياً تضاعف أربع مرات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حسب تقديرات أوساط دينية. والمدهش أن أحد التقارير الأمريكية الذي نُشر قبل أربع سنوات ذكر أن عدد الداخلين في الإسلام بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر قد بلغ أكثر من ثلاثين ألف مسلم ومسلمة ، وهذا ما أكده رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكي ؛ إذ قال : "إن أكثر من (24) ألف أمريكي قد اعتنقوا الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر " وهو أعلى مستوى تحقق في الولايات المتحدة منذ أن دخلها الإسلام " .
أما في فرنسا فقد أوردت صحيفة(لاكسبرس) الفرنسية تقريراً عن انتشار الفرنسيين جاء فيه : "على الرغم من كافة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية مؤخراً ضد الحجاب الإسلامي وضد كل رمز ديني في البلاد ، أشارت الأرقام الرسمية الفرنسية إلى أن أعداد الفرنسيين الذين يدخلون في دين الله بلغت عشرات الآلاف مؤخراً ، وهو ما يعادل إسلام عشرة أشخاص يومياً من ذوي الأصول الفرنسية ، هذا خلاف عدد المسلمين الفعلي من المهاجرين ومن المسلمين القدامى في البلاد"
وقد أشار التقرير إلى أن أعداد المسلمين في ازدياد من كافة الطبقات والمهن في المجتمع الفرنسي، وكذلك من مختلف المذاهب الفكرية.
وهذا الانتشار الواسع لدين الإسلام يحصل مع التضييق الشديد على الأنشطة الإسلامية والجمعيات الخيرية الإسلامية في كثير من الدول ، ومع وجود الجهود الهائلة والإمكانات الضخمة التي يبذلها النصارى في نشر الديانة النصرانية والصد عن الإسلام على كافة الأصعدة حتى بلغت ميزانيات بعض الكنائس العالمية أكثر من مليار دولار للسنة الواحدة أ. هـ (باختصار عن مقال في موقع أنا المسلم).
وصدق الله العظيم {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } ]الأنفال: 36 [
كل هذا مما أغاظ الكفار ونفسوا عن هذا الغيظ والحقد بهذة الهجمات المخذولة . وهنا نقول ما قال الله عز وجل لسلفهم ( قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور) ال عمران.
السبب الثاني لهذه الحملات :
ما حققه الله عز وجل على أيدي المجاهدين في هذه الأمة جزآهم الله خيراً من نكاية وإثخان في الغزاة حيث نسمع ونرى من انتصارات المجاهدين في أفغانستان والعراق وفلسطين ما يثلج الصدور ويغم الكفار حيث أصبح الكفرة الغزاة في متناول المجاهدين الأسود تنالهم أيديهم ورماحهم فقذف الله في قلوبهم الرعب ورد الله كيدهم في نحورهم وصاروا يفكرون في الخروج من مأزقهم بعد أن ضنوا أن ديار المسلمين لقمة سائغة لهم . ولما رأى رموز الكفر في الغرب السياسيون منهم والدينيون تصاعد العمل الجهادي أمامهم وتصاعد الكراهية والبغض والبراءة منهم كل هذا زادهم غيضاً وحنقاً فلجئوا إلى هذه الحملات الفجة الحاقدة على الإسلام لينفسوا عن غيظهم نسأل الله عز وجل أن يزيدهم حسرة وأن يموتوا بغيظهم {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } ]التوبة :32.[
السبب الثالث :
التغطية على جرائمهم البشعة بنشر التشويه لسمعة المسلمين في العالم وتبرير حملاتهم البربرية على بلدان المسلمين بحجة الحرب على الإرهاب ونشر السلام حيث أن هذه الحملات تأتي بمباركة رئيس الفاتيكان كما كان ذلك في الحروب الصليبية القديمة التي حفل بها تاريخ الغرب الصليبي حيث سبقها مباركة الباباوات وتشجيعهم للنصارى على حرب المسلمين ، وتصويرهم لأنفسهم بأنهم رسل حضارة وتقدم ، وإظهار إبادتهم للمسلمين بأنها دعوة للسلام والحرية والديموقراطية!!.
الوقفة الرابعة: رمتني بدائها وانسلت
هذا المثل يضرب لمن يعير غيره بعيب هو فيه ( أنظر مجمع الأمثال 2/23) وإنه لمن العجائب والمضحكات أن يتهم عابد الصليب دين الإسلام بأنه مخالف للعقل والمنطق أو أنه متعطش للدماء، وأنه ما قام إلا على العنف والحقد والإكراه!!
إن عابد الصليب حينما تفوه بهذا الكلام من فمه النجس ليعلم في قراره نفسه أنه كذاب وأن دين النصرانية الذي هو رئيسة اليوم عارق في أوحال الشرك والهمجية وإلغاء العقل والتفكير ، كما يعلم في نفس الوقت أن دين الإسلام بريئ من كل ما قال وأنه ما من دين أكرم العقل و وضعة في مكانة اللائق به كالإسلام .
إن رئيس الفاتيكان يعلم ذلك علم اليقين ولكنه الاستكبار والحسد والغيظ قال الله عز وجل عن سلفه
(الذين أتاهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ) البقرة :
وقال عن من آمن منهم وانقاد للتوحيد والإسلام {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } ]لمائدة : 83[
فسبحان من وفق من شاء من عبادة إلى هدايته وحرم من حرم منهم حكمة منه وعدلا.
وأكتفي بمثال واحد ساقه الإمام أبن القيم رحمه الله تعالى من دين النصارى المحرف يدل على همجية العقول وانتكاسها قال رحمة الله تعالى : ( وكيف لا يميز من له أدنى عقل يرجع إليه بين دين قام أساسه وارتفع بناؤه على عبادة الرحمن ،والعمل بما يحبه ويرضاه مع الإخلاص في السر والإعلان ، ومعاملة خلقه بما أمر به من العدل ولإحسان، مع إيثار طاعته على طاعة الشيطان ، وبين دين أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار بصاحبه في النار ، أسس على عبادة النيران ، وعقد الشركة بين الرحمن والشيطان ، وبينه وبين الأوثان ، أو دين أسس بنيانه على عبادة الصلبان والصور المدهونة في السقوف والحيطان. وأن رب العالمين نزل عن كرسي عظمته فالتحم ببطن أنثى ، وأقام هناك مدة من الزمان بين دم الطمث وظلمات الأحشاء تحت ملتقى الأعكان، ثم خرج صبياً رضيعاً يشب شيئاً فشيئاً ويأكل ويشرب ويبول وينام ، ويتقلب مع الصبيان .
ثم أودع في المكتب بين صبيان اليهود يتعلم ما ينبغي للإنسان ،هذا وقد قطعت منه القلفة حين الختان، ثم جعل اليهود يطردونه ويشردونه من مكان إلى مكان .
ثم قبضوا عليه ، وأحلوه أصناف الذل والهوان ، فعقدوا على رأسه من الشوك تاجا من أقبح التيجان، وأركبوه قصبة ليس لها لجام ولا عنان ، ثم ساقوه إلى خشبة الصلب مصفوعاً مبصوقاً في وجهه ، وهم خلفه وأمامه وعن شمائله وعن الأيمان .
ثم أركبوه ذلك المركب الذي تقشعر منه القلوب مع الأبدان ، ثم شدت بالحبال يداه مع الرجلان ، ثم خالطهما تلك المسامير التي تكسر العظام وتمزق اللحمان ، وهو يستغيث : ياقوم ارحموني! فلا يرحمه منهم إنسان .
هذا وهوا مدبر العالم العلوي والسفلي الذي يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شان ) من مقدمة كتاب هداية الحيارى.
ولكن العجيب المضحك كما أسلفت هو أن يرمي هذا المخذول خصمه بما هو غارق فيه وفي أوحاله ولكنها الغطرسة والاستخفاف بعقول الناس إذ كيف يرمي غيره بحجر من بيته من زجاج!؟
أما الأشد عجباً وسخفاً فهو رميه لدين الإسلام بأنة متعطش للدماء والعنف وأنه انتشر على جماجم الناس وأشلائهم !! ألا يستحي هذا الظالم المخذول من نفسه؟ إنه والله يعلم أنه كاذب وأن الناس يعلمون أنه كاذب ولكنه الاستخفاف بعقول الناس والكبر و الغطرسة. وإلا فماذا يقول عباد الصليب عن حروبهم الدينية المخزية عبر مئات السنين التي شنوها قديماً في حروبهم الصليبية؟! ومن هم الذين وراءها وماذا يقولون عن محاكم التفتيش. وماذا يقولون عن الحربين العالميتين التي قتل فيها الملايين من بني جلدتهم ومن غيرهم . ومن هم الذين غزوا بلاد المسلمين واحتلوها في القرن الماضي ومن هم الذين قتلوا عشرات الآلاف بالقنبلة الذرية التي تحرق الأخضر واليابس!!
ومن هم الذين قتلوا وشردوا مئات الآلاف في أفغانستان والعراق !!؟
ومن الذين قتلوا المسلمين ودفنوهم في مقابر جماعية في حرب البوسنة والهرسك؟!!
ومن هم الذين ساهموا في المذابح المروعة في أفريقية بمباركة قسيس ورهبان الهوتو التي حدثت لقبائل التوتسي ؟! ! ومن ومن؟
إن كل هذه الجرائم والدماء والأشلاء إنما تمت على يد النصارى بمباركة قساوسهم فكيف لا يستحي هذا المتغطرس النجس من هذه الجرائم؟ لكنهم استخفوا بعقول الناس وبدلاً من الاعتراف بهذه الجرائم والانكفاء على أنفسهم راحوا يزيدون جرائمهم ويشعلونها حرباً على الإسلام ثم يسمون جميع ضحاياهم إرهابيين أو أنهم دعاة للإسلام بالعنف ويسمون إبادتهم دعوة للسلام والحرية والديمقراطية!! إنهم هم فقط لهم حق القتل والإبادة ويجب أن يقبل المسلمون بالموت وأن يعتبروه حرية وتقدماً وسلاماً مسيحياً !!
الوقفة الخامسة : بل انتشر الإسلام بالسيف والبيان.
إنه لمن المؤسف أن يضع بعض الدعاة والمفكرين من المسلمين أنفسهم موضع المتهم المنهزم الذي يريد أن يبرئ نفسه من تهمه ويحسن وضعه عند خصمه . إن هذا المنهج الأعوج هو ما يتبناه اليوم بعض من قام بالرد على عابد الصليب المخذول عندما قال أن الإسلام أنتشر بالسيف ، فبادر هؤلاء بالرد عليه بقولهم إن الإسلام لم ينتشر بالسيف ،وإنما بالدعوة والبيان وإنما كان السيف للدفاع عن النفس و عن الديار فقط!! ولا يخفى ما في هذا الكلام من مخالفة لما ذكره الله عز وجل في كتابة الكريم عن غاية الجهاد وما فيه أيضاً من مخالفة لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء وأمراء المسلمين من بعدة في تسيير الجيوش لفتح الدنيا وإزالة الطواغيت الذين يصدون عن الدين الحق وحتى لا تكون فتنة أي شرك . ويكون الدين كله لله يقول الإمام أبن القيم رحمه الله تعالى:( والسيف إنما جاء منفذاً للحجة مقوماً للمعاند ، وحداً للجاحد، قال تعالى : {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }]الحديد25 [
دين الإسلام قام بالكتاب الهادي ونفذه السيف الماضي شعر:
فما هو إلا الوحي أوحد مرهف ** يقيم ضباه أخدعي كل مائل
فهذا شفاء الداء من كل عاقل * وهذا دواء الداء من كل جاهل
]هداية الحيارى (المقدمة)[
ويقول سيد قطب رحمه الله تعالى : ( إن الباحثين الإسلاميين المعاصرين المهزومين تحت ضغط الواقع الحاضر ، وتحت الهجوم الإستشراقي الماكر ، يتحرجون من تقرير تلك الحقيقة لأن المستشرقين صوروا الإسلام حركة قهر بالسيف للإكراه على العقيدة . والمستشرقون الخبثاء يعرفون جيداً أن هذه ليست الحقيقة ، ولكنهم يشوهون بواعث الجهاد الإسلامي بهذه الطريقة .. ومن ثم يقوم المنافحون – المهزومون- عن سمعة الإسلام،
بنفي هذا الاتهام! فيلجأون إلي تلمس المبررات الدفاعية! ويغفلون عن طبيعة الإسلام ووظيفته، وحقه في ((تحرير الإنسان)) ابتداء...
والمهزومون روحياً وعقلياً حين يكتبون عن ((الجهاد في الإسلام)) ليدفعوا عن الإسلام هذا الاتهام.. يخلطون بين منهج هذا الدين في النص على استنكار الإكراه على العقيدة، وبين منهجه في تحطيم القوى السياسية المادية التي تحول بين الناس وبينه، والتي تعبد الناس للناس وتمنعهم من العبودية لله ومن أجل هذا التخليط –وقبل ذلك من أجل الهزيمة! – يحاولون أن يحصروا الجهاد في الإسلام فيما يسمونه اليوم : ((الحرب الدفاعية)).. والجهاد في الإسلام أمر آخر لا علاقة له بحروب الناس اليوم، ولا بواعثها، ولا تكييفها كذلك.. ان بواعث الجهاد في الإسلام ينبغي تلمسها في طبيعة ((الإسلام)) ذاته، ودوره في هذه الارض، وأهدافه العليا التي قررها الله، وذكر الله أنه أرسل من أجلها هذا الرسول بهذه الرسالة، وجعله خاتم النبيين، وجعلها خاتمة الرسالات..
إن هذا الدين إعلان عام لتحرير ((الإنسان))في ((الأرض)) من العبودية للعباد- وذلك بإعلان الوهية الله وحده – سبحانه- وربوبيته للعالمين..
ترى لو كان أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم قد امنوا عدوان الروم والفرس على الجزيرة أكانوا يقعدون إذن عن دفع المد الإسلامي إلي أطراف الأرض؟ وكيف كانوا يدافعون هذا المد، وأمام الدعوة تلك العقبات المادية من: أنظمة الدول السياسية، وأنظمة المجتمع العنصرية إنها سذاجة أن يتصور الإنسان دعوة تعلن تحرير ((الإنسان)) نوع الإنسان .. في ((الأرض)) .. ملء الأرض.. ثم تقف أمام العقبات تجاهدها باللسان والبيان!.. إنها تجاهد باللسان والبيان حينما يخلى بينها وبين الأفراد، تخاطبهم بحرية، وهم مطلقو السراح من جميع تلك المؤثرات .. فهنا: ((لا إكراه في الدين)).. أما حين توجد تلك العقبات والمؤثرات المادية، فلا بد من إزالتها أولاً بالقوة، للتمكن من مخاطبة قلب الإنسان وعقله، وهو طليق من الأغلال)) [ أنظر في ظلال القران 3/1440-1444 ،3/1433-1436 ].
ولقد وقفت على مقال مسدد في موقع (المختصر) أحسب ان صاحبه وفق لبيان الحق في هذه المسالة ومن باب الفائدة أنقله مختصراً : "إنَّ الإسلام يحتاج اليوم إلى من يقدمه للناس كما هو بِعزَّة ووضوح، نعم بحكمة ولكن دون تحريف أو انهزام. والذي أعتقده أنَّ الفرصة هذه الأيام سانحة لمثل هذا التقديم، فلا ينبغي تضييعها. والإسلام ليس ضعيفاً كي نضعه في قفص الاتهام ثم نجهد في الدفاع عنه لإخراجه منه!
وهكذا أوقعونا في الفخ فقالوا: إنَّ إسلامكم انتشر بالسيف، ودينكم دين إرهاب، وإنَّ نبيكم لم يأتِ إلا بالدمار للعالم! وأنتم معشر المسلمين تحبون الدماء! فقام المخلصون، وهم إما جهلة، وإما منهزمون، وإما يريدون تجميل الإسلام إلى أن يفتح الله، وإما ـ وللإنصاف ـ مجتهدون، يَردون: كلا ديننا لم ينتشر بالسيف، انظروا إلى شرق آسيا لم يدخله الإسلام إلا عن طريق التجار، وكلا نحن لسنا إرهابيين، نحن ألطف مَن خلَقَ الله! ونبينا نبي الرحمة، حتى الحيوانات لم تهملها رحمته! أما عن حبنا للدماء فإشاعات مغرضة والله!
ألا دعونا مما قاله رئيس الفاتيكان وأجداده وأبناؤه، وقولوا لنا ماذا قال الله سبحانه، وماذا قال رسوله صلى الله عليه وسلم! دعونا من فقه الأزمة هذا الذي يقودكم وخذونا إلى فقه الرشد الذي دلَّنا اللهُ عليه ورسولُه، وحمله الصحابةُ ومن بعدهم من كبار الأمة وفقهائها وعليه ساروا حتى وهم في أصعب حالاتهم أيام الصليبيين والتتار، ذلك أنَّ الهزيمة لا تقاس بكم احتل من أشبار، وإنما بكم احتل من قلوب!
قال الله تعالى: "{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }]الحديد25 [
لقد بينت الآية القاعدة التي يقوم عليها الإسلام، وهي الكتاب، والقوة. وقد قال ابن تيمية رحمه الله: "قِوام الدين: كتاب يهـدي وسيف ينصر"، لقد جاء الإسلام معلنا للحق، ومؤيدا للحق في نفس الوقت، وما الطغيان الذي نراه اليوم إلا لأن الحق لا قوة له، ولذلك أمر الله المسلمين بالإعداد{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ..... }]الأنفال: 60[. أمر بذلك لأنه لا يوجد مبدأ دون قوة، وسواء كان هذا المبدأ حقا أم باطلا، أرضيا أم سماويا فلا بد له من قوة تحميه.
الإسلام دين السيف لأنه جاء لقيادة البشرية نحو خيرها، فمن حقها أن تبلغَها الدعوةُ، ولا يمكن هذا إلا بتحطيم الأنظمة التي تحول بين الناس وبين أن يسمعوا كلمة الله . والإسلام دين السيف لمنع الفتنة التي يقترفها المفسدون في الأرض، وليكون الدين كله لله "لا بمعنى إكراه الناس على الإيمان، ولكن بمعنى استعلاء دين الله في الأرض"، قال تعالى: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين" (البقرة: 193).
وهل نريد هذا فعلا؟! مع كل هذا الضعف: نعم! ومع كل هذا الهوان: نعم! ونحن تحت القصف: نعم! ونحن مشردون: نعم! هذا هو فقه الرشد الذي لا يتغير في الأزمات! وغيره فقه أزمة لا يمثل الإسلام، وإنما يمثل النفوس المسحوقة...
والإسلام دين السيف لأن الصراع بين الخير والشر لا ينقطع، فالحياة قائمة على قانون التدافع، ولو تمكن الشر وحده من الأمر ـ كما يحصل الآن ـ لفسدت الحياة. وما الطغيان الذي نراه اليوم إلا لانعدام القوة المقابلة. قال الله تعالى{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } ]الحج: 40[...والإسلام دين السيف لأنه فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبي المرحمة ونبي الملحمة؛ نبي المرحمة في وقتها، ونبي الملحمة في وقتها، وهذا مقتضى الحكمة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم:
فإن قيل حلم فقل للحلم موضع ** وحلم الفتى في غير موضعه جهل
فهو صلى الله عليه وسلم الذي أمر بقتال الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله ... كما صح عنه، والنص عام والقول بأنه خاص بوقته ضعيف. وهو الذي أمر كما قال الصحابي فيما رواه البخاري: "أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية".[ البخاري (2925) ].
لقد آن للمسلمين أن يتحولوا إلى موقف الهجوم بدلا من موقف الدفاع الذي لصقوا به دهرا طويلا، وليقولوا للعالمين: إذا كان الإرهاب لحفظ الحق، فنحن إرهابيون، ذلك أن الإرهاب ليس وصفا مطلقا فقد يكون خيرا وقد يكون شرا! كالقتل، منه ما هو شر، ومنه ما هو خير، فقتل النفس البريئة شر، وقتل القاتل خير! وهكذا...
إن من يتهمنا بالإرهاب هم آخر من يحق لهم الكلام عنه، فلسنا نحن الذين استعمرنا العالم في القرون الوسطى، أنهكنا الشعوب وسرقنا خيراتها، ولسنا نحن الذين اصطحبنا رجال الدين ليخدعوا الشعوب باسم الرب! ولسنا نحن الذين أشعلنا أقذر حربين في قرن واحد أكلتا ملايين البشر، ومحقتا خيرات الدنيا! والقائمة تطول.) أ .هـ ]أنظر موقع المختصر المقال بعنوان (بل الإسلام دين السيف)[ إبراهيم العسعس.
( هذا هو قوام الأمر في نظر الإسلام. وهكذا ينبغي أن يعرف المسلمون حقيقة دينهم، وحقيقة تاريخهم، فلا يقفوا بدينهم موقف المتهم الذي يحاول الدفاع، إنما يقفون به دائماً موقف المطمئن الواثق المستعلي على تصورات الأرض جميعاً، وعلى نظم الأرض جميعاً، وعلى مذاهب الأرض جميعاً، ولا ينخدعوا بمن يتظاهر بالدفاع عن دينهم بتجريده في حسهم من حقه في الجهاد لتأمين أهله، والجهاد لكسر شوكة الباطل المعتدي، والجهاد لتمتيع البشرية كلها بالخير الذي جاء به، والذي لا يجني أحد على البشرية جناية من يحرمها منه، ويحول بينها وبينه. فهذا هو أعدى أعداء البشرية، الذي ينبغي أن يطارده المؤمنون، الذين أختارهم الله وحباهم بنعمة الإيمان، فذلك واجبهم لأنفسهم وللبشرية كلها، وهم مطالبون بهذا الواجب أمام الله..
جاهد الإسلام أولاً ليدفع عن المؤمنين الأذى، والفتنة التي كانوا يسامونها، وليكفل لهم الأمن على أنفسهم، وأموالهم، وعقيدتهم. وقرر ذلك المبدأ العظيم ** والفتنة أشد من القتل}. فأعتبر الاعتداء على العقيدة والإيذاء بسببها، وفتنة أهلها أشد من الاعتداء على الحياة ذاتها. فالعقيدة أعظم قيمة من الحياة وفق هذا المبدأ العظيم، وإذا كان المؤمن مأذون في القتال ليدفع عن حياته وعن ماله، فهو من باب أولى مأذون في القتال ليدفع عن عقيدته ودينه .....
وجاهد الإسلام ثانياً لتقرير حرية الدعوة- بعد تقرير حرية العقيدة- فقد جاء الإسلام بأكمل تصور للوجود والحياة ، وبأرقى نظام لتطوير الحياة جاء بهذا الخير ليهديه إلى البشرية كلها ؛ ويبلغه إلى أسماعها وإلى قلوبها فمن شاء بعد البيان والبلاغ فليؤمن ومن شاء فليكفر . ولا إكراه في الدين ولكن ينبغي قبل ذلك أن تزول العقبات من طريق إبلاغ هذا الخير للناس كافة ؛ كما جاء من عند الله للناس كافة . وأن تزول الحواجز التي تمنع الناس أن يسمعوا وأن يقتنعوا وأن ينضموا إلى موكب الهدى إذا أرادوا . ومن هذه الحواجز أن تكون هناك نظم طاغية في الأرض تصد الناس عن الإسماع إلى الهدى ، وتفتن المهتدين أيضاً فجاهد الإسلام ليحطم هذه النظم الطاغية ؛ وليقيم مكانها نظاماً عادلاً يكفل حرية الدعوة إلى الحق في كل مكان وحرية الدعاة . وما يزال الجهاد مفروضاً على المسلمين ليبلغوه إن كانوا مسلمين !
وجاهد الإسلام ثالثاً ليقيم في الأرض نظامه الخاص ويقرره ويحميه . وهو وحده النظام الذي يحقق حرية الإنسان تجاه أخيه الإنسان ؛ حينما يقرر أن هناك عبودية واحدة لله الكبير المتعال؛ ويلغي من الأرض عبودية البشر للبشر في جميع أشكالها وصورها ..) أنظر باختصار في ظلال القرآن 1/294-296
وقد يستغرب القارئ هذا الاستطراد في هذه المسألة ولكن هذا الاستغراب يزول إذا نظرنا إلى ضخامة هذا التلبيس والتضليل الذي تتعرض له ثوابت هذا الدين وشعائره . فعندما ندرك خطورة هذا التبديل في دين الله عز وجل فإنه لا يستكثر الكلام في إزالة هذا اللبس وبيان الحق للناس . بل أن الأمر يستحق بسطاً وتفصيلاً أكثر من ذلك . ولكن مالا يدرك كله لا يترك جله . والله سبحانه الموفق والمعين والمسدد .
وفي ختام هذه المقالة أقول ما قاله ابن القيم رحمه الله تعالى في آخر خطبة كتابة
(هداية الحيارى)
((فلله الحمد الذي أنقذنا بمحمد صلى الله عليه وسلم من تلك الظلمات ، وفتح لنا به باب الهدى فلا يغلق إلى يوم الميقات ، وأرانا في نوره أهل الضلال وهم في ضلالهم يتخبطون ، وفي سكرتهم يعمهون ، وفي جهالتهم يتقلبون وفي ريبهم يترددون ، يؤمنون ولكن بالجبت والطاغوت ،يؤمنون ويعدلون ، ولكن بربهم يعدلون ، ويعلمون ولكن ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ، ويسجدون ولكن للصليب والوثن والشمس يسجدون ، ويمكرون ولكن لا يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } ]ال عمران :164[
{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } ]البقرة :151[
الحمد لله الذي أغنانا بشريعته التي تدعوا إلى الحكمة والموعظة الحسنة، وتتضمن الأمر بالعدل والإحسان ، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ، فله المنة والفضل على ما أنعم به علينا وآثرنا به على سائر الأمم ، وإليه الرغبة أن يوزعنا شكر هذه النعمة ، وأن يفتح لنا أبواب التوبة والمغفرة والرحمة ..))
وكتبه: عبد العزيز بن ناصر الجليل.
يعجب بعض المتابعين من الحملة المتزايدة على الإسلام من بعض الزعماء الدينيين والسياسيين النصارى في السنوات الأخيرة , ويتساءل بعضهم عن سر التوقيت والتزامن , فمن كلام بوش عن المسلمين الفاشيين , إلى كلام البابا بندكت السادس عن – النبي صلى الله عليه وسلم – وقبلها كلام رئيس الوزراء الايطالي عن الحضارة الإسلامية , وبعده الرسوم المسيئة , وغير ذلك من حملات التشويه ويتساءل البعض عن الأسباب الكامنة في هذه الحملات ولماذا في هذا الوقت بالذات ؟ ولا شك أن هناك أسباباً لهذه الحملات في هذا الوقت من أهمها ما يلي :
السبب الأول : الانتشار الواسع لدين الإسلام في معاقل النصرانية والذي أقض مضاجعهم وملأ قلوبهم غيظاً وحقداً وحسداً على أهل الاسلام والتوحيد ويمثل هذا الانتشار الواسع لدين الإسلام وكثرة المعتنقين له في المظاهر التالية :
أ- زيادة أعداد المساجد في دول الغرب :
ففي قلب أوروبا بدأت أعداد المساجد فيها تنافس أعداد الكنائس في باريس ولندن ومدريد وروما ونيويورك , وصوت الأذان الذي يرفع كل يوم في تلك البلاد خمس مرات , خير شاهد على ان الإسلام يكسب كل يوم أرضاً جديدة وأتباعا جدداً . فقد أصبح للأذان من يلبيه في كل أنحاء الأرض, من طوكيو حتى نيويورك , وعند نيويورك ومساجدها نتوقف , ففي أوقات الأذان الخمس ينطلق الأذان في نيويورك وحدها في مائة مسجد , وبلغ عدد المساجد في الولايات المتحدة الأمريكية ما يقرب (2000) مسجد والحمدالله.
وترتفع في بريطانيا مئذنة نحو (1000) مسجد , وتعلو سماء فرنسا وحدها مئذنة (1554) مسجداً ولا تتسع المصلين , وأما ألمانيا فتقدر المساجد وأماكن الصلاة فيها بـ (2200 ) مسجد ومصلى , وأما بلجيكا فيوجد فيها نحو (300) مسجد ومصلى ووصل عدد المساجد ومصليات في هولندا الى مايزيد عن (400) مسجد , كما ترتفع في إيطاليا وحدها مئذنة ( 130 ) مسجداً , أبرزها مسجد روما الكبير , وأما النمسا فيبلغ عدد المساجد فيها حوالي (76) مسجداً .
هذه فقط بعض الدول في أوروبا الغربية ، عدا عن أوروبا الشرقية، والاقبال يزداد يوماً بعد يوم، ومن هذه المساجد يتحرك الإسلام وينطلق .
ب – تحذير الصحف الغربية من إنتشار الإسلام :
فقد بدأت الصحف الغربية تطلق صيحات تحذير من إنتشار واسع لدين الإسلام بين النصارى , ومن ذلك ما جاء في مقال نشر في مجلة (التايم) الأمريكية " وستشرق شمس الإسلام من جديد , ولكنها هذه المرة تعكس كل حقائق الجغرافيا , فهي لا تشرق من المشرق كالعادة , وإنما ستشرق في هذه المرة من الغرب "
أما جريدة ( الصاندي تلغراف ) البريطانية فقالت في نهاية القرن الماضى : " إن إنتشار الإسلام مع نهاية هذا القرن – يعني الذي مضى – ومطلع القرن الجديد يعني الذي نحن فيه – ليس له من سبب مباشر إلا أن سكان العالم من غير المسلمين بدؤوا يتطلعون إلى الإسلام , وبدؤوا يقرؤون عن الإسلام, فعرفوا من خلال اطلاعهم أن الإسلام هو الدين الوحيد القادر على حل كل مشاكل البشرية "
مجلة (لودينا) الفرنسية قالت بعد دراسة قام بها متخصصون " إن مستقبل نظام العالم سيكون دينياً , وسيعود النظام الإسلامي على الرغم من ضعفه الحالي , لأنه الدين الوحيد الذي يمتلك قوة شمولية هائلة "
ج – انتشار بيع نسخ القران الكريم والكتب الإسلامية وبعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر , التي كان لها آثار سيئة واسعة على النشاطات الإسلامية في الغرب وعلى دول الإسلام , إلا أنه مع ذلك ازداد في العالم الغربي الإقبال على التعرف على الإسلام بصورة غير متوقعة , وأصبحت نسخ القران الكريم المترجمة من أكثر الكتب مبيعاً في الأسواق الأمريكية والأوروبية حتى نفدت من المكتبات , لكثرة الإقبال على اقتنائها , وتسبب ذلك في دخول الكثير منهم في الإسلام , وفي ألمانيا وحدها بيعت خلال سنة (40) ألف نسخة من كتاب ترجمة معاني القران الكريم باللغة الألمانية . كما أعادت دار نشر (لاروس) الفرنسية الشهيرة طباعة ترجمة معاني القران الكريم بعد نفادها من الأسواق .
د- تزايد أعداد الداخلين في الإسلام
ففي عام 2001 نشرت صحيفة ( نيويورك تايمز ) مقالاً ذكرت فيه أن بعض الخبراء الأمريكيين الذين يعتنقون الإسلام سنوياً ب(25) ألف شخص ، وأن عدد الذين يدخلون دين الله يومياً تضاعف أربع مرات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حسب تقديرات أوساط دينية. والمدهش أن أحد التقارير الأمريكية الذي نُشر قبل أربع سنوات ذكر أن عدد الداخلين في الإسلام بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر قد بلغ أكثر من ثلاثين ألف مسلم ومسلمة ، وهذا ما أكده رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكي ؛ إذ قال : "إن أكثر من (24) ألف أمريكي قد اعتنقوا الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر " وهو أعلى مستوى تحقق في الولايات المتحدة منذ أن دخلها الإسلام " .
أما في فرنسا فقد أوردت صحيفة(لاكسبرس) الفرنسية تقريراً عن انتشار الفرنسيين جاء فيه : "على الرغم من كافة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية مؤخراً ضد الحجاب الإسلامي وضد كل رمز ديني في البلاد ، أشارت الأرقام الرسمية الفرنسية إلى أن أعداد الفرنسيين الذين يدخلون في دين الله بلغت عشرات الآلاف مؤخراً ، وهو ما يعادل إسلام عشرة أشخاص يومياً من ذوي الأصول الفرنسية ، هذا خلاف عدد المسلمين الفعلي من المهاجرين ومن المسلمين القدامى في البلاد"
وقد أشار التقرير إلى أن أعداد المسلمين في ازدياد من كافة الطبقات والمهن في المجتمع الفرنسي، وكذلك من مختلف المذاهب الفكرية.
وهذا الانتشار الواسع لدين الإسلام يحصل مع التضييق الشديد على الأنشطة الإسلامية والجمعيات الخيرية الإسلامية في كثير من الدول ، ومع وجود الجهود الهائلة والإمكانات الضخمة التي يبذلها النصارى في نشر الديانة النصرانية والصد عن الإسلام على كافة الأصعدة حتى بلغت ميزانيات بعض الكنائس العالمية أكثر من مليار دولار للسنة الواحدة أ. هـ (باختصار عن مقال في موقع أنا المسلم).
وصدق الله العظيم {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } ]الأنفال: 36 [
كل هذا مما أغاظ الكفار ونفسوا عن هذا الغيظ والحقد بهذة الهجمات المخذولة . وهنا نقول ما قال الله عز وجل لسلفهم ( قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور) ال عمران.
السبب الثاني لهذه الحملات :
ما حققه الله عز وجل على أيدي المجاهدين في هذه الأمة جزآهم الله خيراً من نكاية وإثخان في الغزاة حيث نسمع ونرى من انتصارات المجاهدين في أفغانستان والعراق وفلسطين ما يثلج الصدور ويغم الكفار حيث أصبح الكفرة الغزاة في متناول المجاهدين الأسود تنالهم أيديهم ورماحهم فقذف الله في قلوبهم الرعب ورد الله كيدهم في نحورهم وصاروا يفكرون في الخروج من مأزقهم بعد أن ضنوا أن ديار المسلمين لقمة سائغة لهم . ولما رأى رموز الكفر في الغرب السياسيون منهم والدينيون تصاعد العمل الجهادي أمامهم وتصاعد الكراهية والبغض والبراءة منهم كل هذا زادهم غيضاً وحنقاً فلجئوا إلى هذه الحملات الفجة الحاقدة على الإسلام لينفسوا عن غيظهم نسأل الله عز وجل أن يزيدهم حسرة وأن يموتوا بغيظهم {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } ]التوبة :32.[
السبب الثالث :
التغطية على جرائمهم البشعة بنشر التشويه لسمعة المسلمين في العالم وتبرير حملاتهم البربرية على بلدان المسلمين بحجة الحرب على الإرهاب ونشر السلام حيث أن هذه الحملات تأتي بمباركة رئيس الفاتيكان كما كان ذلك في الحروب الصليبية القديمة التي حفل بها تاريخ الغرب الصليبي حيث سبقها مباركة الباباوات وتشجيعهم للنصارى على حرب المسلمين ، وتصويرهم لأنفسهم بأنهم رسل حضارة وتقدم ، وإظهار إبادتهم للمسلمين بأنها دعوة للسلام والحرية والديموقراطية!!.
الوقفة الرابعة: رمتني بدائها وانسلت
هذا المثل يضرب لمن يعير غيره بعيب هو فيه ( أنظر مجمع الأمثال 2/23) وإنه لمن العجائب والمضحكات أن يتهم عابد الصليب دين الإسلام بأنه مخالف للعقل والمنطق أو أنه متعطش للدماء، وأنه ما قام إلا على العنف والحقد والإكراه!!
إن عابد الصليب حينما تفوه بهذا الكلام من فمه النجس ليعلم في قراره نفسه أنه كذاب وأن دين النصرانية الذي هو رئيسة اليوم عارق في أوحال الشرك والهمجية وإلغاء العقل والتفكير ، كما يعلم في نفس الوقت أن دين الإسلام بريئ من كل ما قال وأنه ما من دين أكرم العقل و وضعة في مكانة اللائق به كالإسلام .
إن رئيس الفاتيكان يعلم ذلك علم اليقين ولكنه الاستكبار والحسد والغيظ قال الله عز وجل عن سلفه
(الذين أتاهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ) البقرة :
وقال عن من آمن منهم وانقاد للتوحيد والإسلام {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } ]لمائدة : 83[
فسبحان من وفق من شاء من عبادة إلى هدايته وحرم من حرم منهم حكمة منه وعدلا.
وأكتفي بمثال واحد ساقه الإمام أبن القيم رحمه الله تعالى من دين النصارى المحرف يدل على همجية العقول وانتكاسها قال رحمة الله تعالى : ( وكيف لا يميز من له أدنى عقل يرجع إليه بين دين قام أساسه وارتفع بناؤه على عبادة الرحمن ،والعمل بما يحبه ويرضاه مع الإخلاص في السر والإعلان ، ومعاملة خلقه بما أمر به من العدل ولإحسان، مع إيثار طاعته على طاعة الشيطان ، وبين دين أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار بصاحبه في النار ، أسس على عبادة النيران ، وعقد الشركة بين الرحمن والشيطان ، وبينه وبين الأوثان ، أو دين أسس بنيانه على عبادة الصلبان والصور المدهونة في السقوف والحيطان. وأن رب العالمين نزل عن كرسي عظمته فالتحم ببطن أنثى ، وأقام هناك مدة من الزمان بين دم الطمث وظلمات الأحشاء تحت ملتقى الأعكان، ثم خرج صبياً رضيعاً يشب شيئاً فشيئاً ويأكل ويشرب ويبول وينام ، ويتقلب مع الصبيان .
ثم أودع في المكتب بين صبيان اليهود يتعلم ما ينبغي للإنسان ،هذا وقد قطعت منه القلفة حين الختان، ثم جعل اليهود يطردونه ويشردونه من مكان إلى مكان .
ثم قبضوا عليه ، وأحلوه أصناف الذل والهوان ، فعقدوا على رأسه من الشوك تاجا من أقبح التيجان، وأركبوه قصبة ليس لها لجام ولا عنان ، ثم ساقوه إلى خشبة الصلب مصفوعاً مبصوقاً في وجهه ، وهم خلفه وأمامه وعن شمائله وعن الأيمان .
ثم أركبوه ذلك المركب الذي تقشعر منه القلوب مع الأبدان ، ثم شدت بالحبال يداه مع الرجلان ، ثم خالطهما تلك المسامير التي تكسر العظام وتمزق اللحمان ، وهو يستغيث : ياقوم ارحموني! فلا يرحمه منهم إنسان .
هذا وهوا مدبر العالم العلوي والسفلي الذي يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شان ) من مقدمة كتاب هداية الحيارى.
ولكن العجيب المضحك كما أسلفت هو أن يرمي هذا المخذول خصمه بما هو غارق فيه وفي أوحاله ولكنها الغطرسة والاستخفاف بعقول الناس إذ كيف يرمي غيره بحجر من بيته من زجاج!؟
أما الأشد عجباً وسخفاً فهو رميه لدين الإسلام بأنة متعطش للدماء والعنف وأنه انتشر على جماجم الناس وأشلائهم !! ألا يستحي هذا الظالم المخذول من نفسه؟ إنه والله يعلم أنه كاذب وأن الناس يعلمون أنه كاذب ولكنه الاستخفاف بعقول الناس والكبر و الغطرسة. وإلا فماذا يقول عباد الصليب عن حروبهم الدينية المخزية عبر مئات السنين التي شنوها قديماً في حروبهم الصليبية؟! ومن هم الذين وراءها وماذا يقولون عن محاكم التفتيش. وماذا يقولون عن الحربين العالميتين التي قتل فيها الملايين من بني جلدتهم ومن غيرهم . ومن هم الذين غزوا بلاد المسلمين واحتلوها في القرن الماضي ومن هم الذين قتلوا عشرات الآلاف بالقنبلة الذرية التي تحرق الأخضر واليابس!!
ومن هم الذين قتلوا وشردوا مئات الآلاف في أفغانستان والعراق !!؟
ومن الذين قتلوا المسلمين ودفنوهم في مقابر جماعية في حرب البوسنة والهرسك؟!!
ومن هم الذين ساهموا في المذابح المروعة في أفريقية بمباركة قسيس ورهبان الهوتو التي حدثت لقبائل التوتسي ؟! ! ومن ومن؟
إن كل هذه الجرائم والدماء والأشلاء إنما تمت على يد النصارى بمباركة قساوسهم فكيف لا يستحي هذا المتغطرس النجس من هذه الجرائم؟ لكنهم استخفوا بعقول الناس وبدلاً من الاعتراف بهذه الجرائم والانكفاء على أنفسهم راحوا يزيدون جرائمهم ويشعلونها حرباً على الإسلام ثم يسمون جميع ضحاياهم إرهابيين أو أنهم دعاة للإسلام بالعنف ويسمون إبادتهم دعوة للسلام والحرية والديمقراطية!! إنهم هم فقط لهم حق القتل والإبادة ويجب أن يقبل المسلمون بالموت وأن يعتبروه حرية وتقدماً وسلاماً مسيحياً !!
الوقفة الخامسة : بل انتشر الإسلام بالسيف والبيان.
إنه لمن المؤسف أن يضع بعض الدعاة والمفكرين من المسلمين أنفسهم موضع المتهم المنهزم الذي يريد أن يبرئ نفسه من تهمه ويحسن وضعه عند خصمه . إن هذا المنهج الأعوج هو ما يتبناه اليوم بعض من قام بالرد على عابد الصليب المخذول عندما قال أن الإسلام أنتشر بالسيف ، فبادر هؤلاء بالرد عليه بقولهم إن الإسلام لم ينتشر بالسيف ،وإنما بالدعوة والبيان وإنما كان السيف للدفاع عن النفس و عن الديار فقط!! ولا يخفى ما في هذا الكلام من مخالفة لما ذكره الله عز وجل في كتابة الكريم عن غاية الجهاد وما فيه أيضاً من مخالفة لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء وأمراء المسلمين من بعدة في تسيير الجيوش لفتح الدنيا وإزالة الطواغيت الذين يصدون عن الدين الحق وحتى لا تكون فتنة أي شرك . ويكون الدين كله لله يقول الإمام أبن القيم رحمه الله تعالى:( والسيف إنما جاء منفذاً للحجة مقوماً للمعاند ، وحداً للجاحد، قال تعالى : {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }]الحديد25 [
دين الإسلام قام بالكتاب الهادي ونفذه السيف الماضي شعر:
فما هو إلا الوحي أوحد مرهف ** يقيم ضباه أخدعي كل مائل
فهذا شفاء الداء من كل عاقل * وهذا دواء الداء من كل جاهل
]هداية الحيارى (المقدمة)[
ويقول سيد قطب رحمه الله تعالى : ( إن الباحثين الإسلاميين المعاصرين المهزومين تحت ضغط الواقع الحاضر ، وتحت الهجوم الإستشراقي الماكر ، يتحرجون من تقرير تلك الحقيقة لأن المستشرقين صوروا الإسلام حركة قهر بالسيف للإكراه على العقيدة . والمستشرقون الخبثاء يعرفون جيداً أن هذه ليست الحقيقة ، ولكنهم يشوهون بواعث الجهاد الإسلامي بهذه الطريقة .. ومن ثم يقوم المنافحون – المهزومون- عن سمعة الإسلام،
بنفي هذا الاتهام! فيلجأون إلي تلمس المبررات الدفاعية! ويغفلون عن طبيعة الإسلام ووظيفته، وحقه في ((تحرير الإنسان)) ابتداء...
والمهزومون روحياً وعقلياً حين يكتبون عن ((الجهاد في الإسلام)) ليدفعوا عن الإسلام هذا الاتهام.. يخلطون بين منهج هذا الدين في النص على استنكار الإكراه على العقيدة، وبين منهجه في تحطيم القوى السياسية المادية التي تحول بين الناس وبينه، والتي تعبد الناس للناس وتمنعهم من العبودية لله ومن أجل هذا التخليط –وقبل ذلك من أجل الهزيمة! – يحاولون أن يحصروا الجهاد في الإسلام فيما يسمونه اليوم : ((الحرب الدفاعية)).. والجهاد في الإسلام أمر آخر لا علاقة له بحروب الناس اليوم، ولا بواعثها، ولا تكييفها كذلك.. ان بواعث الجهاد في الإسلام ينبغي تلمسها في طبيعة ((الإسلام)) ذاته، ودوره في هذه الارض، وأهدافه العليا التي قررها الله، وذكر الله أنه أرسل من أجلها هذا الرسول بهذه الرسالة، وجعله خاتم النبيين، وجعلها خاتمة الرسالات..
إن هذا الدين إعلان عام لتحرير ((الإنسان))في ((الأرض)) من العبودية للعباد- وذلك بإعلان الوهية الله وحده – سبحانه- وربوبيته للعالمين..
ترى لو كان أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم قد امنوا عدوان الروم والفرس على الجزيرة أكانوا يقعدون إذن عن دفع المد الإسلامي إلي أطراف الأرض؟ وكيف كانوا يدافعون هذا المد، وأمام الدعوة تلك العقبات المادية من: أنظمة الدول السياسية، وأنظمة المجتمع العنصرية إنها سذاجة أن يتصور الإنسان دعوة تعلن تحرير ((الإنسان)) نوع الإنسان .. في ((الأرض)) .. ملء الأرض.. ثم تقف أمام العقبات تجاهدها باللسان والبيان!.. إنها تجاهد باللسان والبيان حينما يخلى بينها وبين الأفراد، تخاطبهم بحرية، وهم مطلقو السراح من جميع تلك المؤثرات .. فهنا: ((لا إكراه في الدين)).. أما حين توجد تلك العقبات والمؤثرات المادية، فلا بد من إزالتها أولاً بالقوة، للتمكن من مخاطبة قلب الإنسان وعقله، وهو طليق من الأغلال)) [ أنظر في ظلال القران 3/1440-1444 ،3/1433-1436 ].
ولقد وقفت على مقال مسدد في موقع (المختصر) أحسب ان صاحبه وفق لبيان الحق في هذه المسالة ومن باب الفائدة أنقله مختصراً : "إنَّ الإسلام يحتاج اليوم إلى من يقدمه للناس كما هو بِعزَّة ووضوح، نعم بحكمة ولكن دون تحريف أو انهزام. والذي أعتقده أنَّ الفرصة هذه الأيام سانحة لمثل هذا التقديم، فلا ينبغي تضييعها. والإسلام ليس ضعيفاً كي نضعه في قفص الاتهام ثم نجهد في الدفاع عنه لإخراجه منه!
وهكذا أوقعونا في الفخ فقالوا: إنَّ إسلامكم انتشر بالسيف، ودينكم دين إرهاب، وإنَّ نبيكم لم يأتِ إلا بالدمار للعالم! وأنتم معشر المسلمين تحبون الدماء! فقام المخلصون، وهم إما جهلة، وإما منهزمون، وإما يريدون تجميل الإسلام إلى أن يفتح الله، وإما ـ وللإنصاف ـ مجتهدون، يَردون: كلا ديننا لم ينتشر بالسيف، انظروا إلى شرق آسيا لم يدخله الإسلام إلا عن طريق التجار، وكلا نحن لسنا إرهابيين، نحن ألطف مَن خلَقَ الله! ونبينا نبي الرحمة، حتى الحيوانات لم تهملها رحمته! أما عن حبنا للدماء فإشاعات مغرضة والله!
ألا دعونا مما قاله رئيس الفاتيكان وأجداده وأبناؤه، وقولوا لنا ماذا قال الله سبحانه، وماذا قال رسوله صلى الله عليه وسلم! دعونا من فقه الأزمة هذا الذي يقودكم وخذونا إلى فقه الرشد الذي دلَّنا اللهُ عليه ورسولُه، وحمله الصحابةُ ومن بعدهم من كبار الأمة وفقهائها وعليه ساروا حتى وهم في أصعب حالاتهم أيام الصليبيين والتتار، ذلك أنَّ الهزيمة لا تقاس بكم احتل من أشبار، وإنما بكم احتل من قلوب!
قال الله تعالى: "{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }]الحديد25 [
لقد بينت الآية القاعدة التي يقوم عليها الإسلام، وهي الكتاب، والقوة. وقد قال ابن تيمية رحمه الله: "قِوام الدين: كتاب يهـدي وسيف ينصر"، لقد جاء الإسلام معلنا للحق، ومؤيدا للحق في نفس الوقت، وما الطغيان الذي نراه اليوم إلا لأن الحق لا قوة له، ولذلك أمر الله المسلمين بالإعداد{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ..... }]الأنفال: 60[. أمر بذلك لأنه لا يوجد مبدأ دون قوة، وسواء كان هذا المبدأ حقا أم باطلا، أرضيا أم سماويا فلا بد له من قوة تحميه.
الإسلام دين السيف لأنه جاء لقيادة البشرية نحو خيرها، فمن حقها أن تبلغَها الدعوةُ، ولا يمكن هذا إلا بتحطيم الأنظمة التي تحول بين الناس وبين أن يسمعوا كلمة الله . والإسلام دين السيف لمنع الفتنة التي يقترفها المفسدون في الأرض، وليكون الدين كله لله "لا بمعنى إكراه الناس على الإيمان، ولكن بمعنى استعلاء دين الله في الأرض"، قال تعالى: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين" (البقرة: 193).
وهل نريد هذا فعلا؟! مع كل هذا الضعف: نعم! ومع كل هذا الهوان: نعم! ونحن تحت القصف: نعم! ونحن مشردون: نعم! هذا هو فقه الرشد الذي لا يتغير في الأزمات! وغيره فقه أزمة لا يمثل الإسلام، وإنما يمثل النفوس المسحوقة...
والإسلام دين السيف لأن الصراع بين الخير والشر لا ينقطع، فالحياة قائمة على قانون التدافع، ولو تمكن الشر وحده من الأمر ـ كما يحصل الآن ـ لفسدت الحياة. وما الطغيان الذي نراه اليوم إلا لانعدام القوة المقابلة. قال الله تعالى{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } ]الحج: 40[...والإسلام دين السيف لأنه فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبي المرحمة ونبي الملحمة؛ نبي المرحمة في وقتها، ونبي الملحمة في وقتها، وهذا مقتضى الحكمة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم:
فإن قيل حلم فقل للحلم موضع ** وحلم الفتى في غير موضعه جهل
فهو صلى الله عليه وسلم الذي أمر بقتال الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله ... كما صح عنه، والنص عام والقول بأنه خاص بوقته ضعيف. وهو الذي أمر كما قال الصحابي فيما رواه البخاري: "أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية".[ البخاري (2925) ].
لقد آن للمسلمين أن يتحولوا إلى موقف الهجوم بدلا من موقف الدفاع الذي لصقوا به دهرا طويلا، وليقولوا للعالمين: إذا كان الإرهاب لحفظ الحق، فنحن إرهابيون، ذلك أن الإرهاب ليس وصفا مطلقا فقد يكون خيرا وقد يكون شرا! كالقتل، منه ما هو شر، ومنه ما هو خير، فقتل النفس البريئة شر، وقتل القاتل خير! وهكذا...
إن من يتهمنا بالإرهاب هم آخر من يحق لهم الكلام عنه، فلسنا نحن الذين استعمرنا العالم في القرون الوسطى، أنهكنا الشعوب وسرقنا خيراتها، ولسنا نحن الذين اصطحبنا رجال الدين ليخدعوا الشعوب باسم الرب! ولسنا نحن الذين أشعلنا أقذر حربين في قرن واحد أكلتا ملايين البشر، ومحقتا خيرات الدنيا! والقائمة تطول.) أ .هـ ]أنظر موقع المختصر المقال بعنوان (بل الإسلام دين السيف)[ إبراهيم العسعس.
( هذا هو قوام الأمر في نظر الإسلام. وهكذا ينبغي أن يعرف المسلمون حقيقة دينهم، وحقيقة تاريخهم، فلا يقفوا بدينهم موقف المتهم الذي يحاول الدفاع، إنما يقفون به دائماً موقف المطمئن الواثق المستعلي على تصورات الأرض جميعاً، وعلى نظم الأرض جميعاً، وعلى مذاهب الأرض جميعاً، ولا ينخدعوا بمن يتظاهر بالدفاع عن دينهم بتجريده في حسهم من حقه في الجهاد لتأمين أهله، والجهاد لكسر شوكة الباطل المعتدي، والجهاد لتمتيع البشرية كلها بالخير الذي جاء به، والذي لا يجني أحد على البشرية جناية من يحرمها منه، ويحول بينها وبينه. فهذا هو أعدى أعداء البشرية، الذي ينبغي أن يطارده المؤمنون، الذين أختارهم الله وحباهم بنعمة الإيمان، فذلك واجبهم لأنفسهم وللبشرية كلها، وهم مطالبون بهذا الواجب أمام الله..
جاهد الإسلام أولاً ليدفع عن المؤمنين الأذى، والفتنة التي كانوا يسامونها، وليكفل لهم الأمن على أنفسهم، وأموالهم، وعقيدتهم. وقرر ذلك المبدأ العظيم ** والفتنة أشد من القتل}. فأعتبر الاعتداء على العقيدة والإيذاء بسببها، وفتنة أهلها أشد من الاعتداء على الحياة ذاتها. فالعقيدة أعظم قيمة من الحياة وفق هذا المبدأ العظيم، وإذا كان المؤمن مأذون في القتال ليدفع عن حياته وعن ماله، فهو من باب أولى مأذون في القتال ليدفع عن عقيدته ودينه .....
وجاهد الإسلام ثانياً لتقرير حرية الدعوة- بعد تقرير حرية العقيدة- فقد جاء الإسلام بأكمل تصور للوجود والحياة ، وبأرقى نظام لتطوير الحياة جاء بهذا الخير ليهديه إلى البشرية كلها ؛ ويبلغه إلى أسماعها وإلى قلوبها فمن شاء بعد البيان والبلاغ فليؤمن ومن شاء فليكفر . ولا إكراه في الدين ولكن ينبغي قبل ذلك أن تزول العقبات من طريق إبلاغ هذا الخير للناس كافة ؛ كما جاء من عند الله للناس كافة . وأن تزول الحواجز التي تمنع الناس أن يسمعوا وأن يقتنعوا وأن ينضموا إلى موكب الهدى إذا أرادوا . ومن هذه الحواجز أن تكون هناك نظم طاغية في الأرض تصد الناس عن الإسماع إلى الهدى ، وتفتن المهتدين أيضاً فجاهد الإسلام ليحطم هذه النظم الطاغية ؛ وليقيم مكانها نظاماً عادلاً يكفل حرية الدعوة إلى الحق في كل مكان وحرية الدعاة . وما يزال الجهاد مفروضاً على المسلمين ليبلغوه إن كانوا مسلمين !
وجاهد الإسلام ثالثاً ليقيم في الأرض نظامه الخاص ويقرره ويحميه . وهو وحده النظام الذي يحقق حرية الإنسان تجاه أخيه الإنسان ؛ حينما يقرر أن هناك عبودية واحدة لله الكبير المتعال؛ ويلغي من الأرض عبودية البشر للبشر في جميع أشكالها وصورها ..) أنظر باختصار في ظلال القرآن 1/294-296
وقد يستغرب القارئ هذا الاستطراد في هذه المسألة ولكن هذا الاستغراب يزول إذا نظرنا إلى ضخامة هذا التلبيس والتضليل الذي تتعرض له ثوابت هذا الدين وشعائره . فعندما ندرك خطورة هذا التبديل في دين الله عز وجل فإنه لا يستكثر الكلام في إزالة هذا اللبس وبيان الحق للناس . بل أن الأمر يستحق بسطاً وتفصيلاً أكثر من ذلك . ولكن مالا يدرك كله لا يترك جله . والله سبحانه الموفق والمعين والمسدد .
وفي ختام هذه المقالة أقول ما قاله ابن القيم رحمه الله تعالى في آخر خطبة كتابة
(هداية الحيارى)
((فلله الحمد الذي أنقذنا بمحمد صلى الله عليه وسلم من تلك الظلمات ، وفتح لنا به باب الهدى فلا يغلق إلى يوم الميقات ، وأرانا في نوره أهل الضلال وهم في ضلالهم يتخبطون ، وفي سكرتهم يعمهون ، وفي جهالتهم يتقلبون وفي ريبهم يترددون ، يؤمنون ولكن بالجبت والطاغوت ،يؤمنون ويعدلون ، ولكن بربهم يعدلون ، ويعلمون ولكن ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ، ويسجدون ولكن للصليب والوثن والشمس يسجدون ، ويمكرون ولكن لا يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } ]ال عمران :164[
{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } ]البقرة :151[
الحمد لله الذي أغنانا بشريعته التي تدعوا إلى الحكمة والموعظة الحسنة، وتتضمن الأمر بالعدل والإحسان ، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ، فله المنة والفضل على ما أنعم به علينا وآثرنا به على سائر الأمم ، وإليه الرغبة أن يوزعنا شكر هذه النعمة ، وأن يفتح لنا أبواب التوبة والمغفرة والرحمة ..))
وكتبه: عبد العزيز بن ناصر الجليل.