السرايا
2010-10-16, 06:55 AM
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله والحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه.
فإنّ مما لا يخفى على الجميع من صغير وكبير وذكر وأنثى ما ينتشر حولنا وما يظهر علينا من مظاهر و مشاهدات ما أنزل الله بها من سلطان.
فأصبحنا نرى المخنثين والمسترجلات والقنوات والفضائحيات وعلمانيين وعلمانيات، لا هم لهم إلّا عوث في الأرض الفساد.
ومن منطلق أنّ لكل شيء سببا. وإنّما النّار من مستصغر الشرر فنناقش هنا سبب نحسبه احدى أسباب تلاطم هذه الفتن وانتشار الفساد ألا وهو :
تزويج الشباب والبنات
ورسالتنا هنا نخص بها الأباء أولياء الأمور من يجب أن يكونوا خط الدفاع الأول لحماية أعراض الأمة ودرء الفتن والمفاسد عنها إنطلاقا من قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «إذا جاءكم من تَرضون دِينه وخُلُقَه فأنْكِحُوه، إلّا تفعلوا تَكُن فِتنة في الأرض وفَساد». قالوا : يا رسول الله ! وإن كان فيه ؟! قال : «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنْكِحُوه» ثلاث مرات. [رواه الترمذي].
وشرح ذلك الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم فكتب :
" أي إن لم تُزَوِّجُوا الخاطِب الذي تَرضون خُلُقه ودِينه «تكن» تَحْدُث «فتنة في الأرض» ،«وفساد» خروج عن حال الإستقامة النافعة الْمُعِينَة على العفاف " قاله المناوي.
وقال أيضا : " يعني أنّكم إن لم تَرْغَبُوا في الْخُلُق الْحَسَن والدِّين الْمَرْضِيّ الْمُوجِبَين للصلاح والإستقامة، ورغبتم في مُجَرّد المال الجالب للطغيان الجارّ للبغي والفساد تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ".
" أو المراد إن لم تُزَوِّجُوا من تَرْضَون ذلك منه، ونَظَرْتُم إلى ذِي مَالٍ، أو جَاهٍ؛ يَبْقَى أكثر النساء بلا زوج، والرجال بلا زوجة؛ فيكثر الزنا، ويلحق العار، فيقع القتل .. فَتَهِيج الفِتَن، وتَثُور الْمِحَن " ..
وهذا يَعني أنّ من اختار من الأولياء تَزويج مَن لا يُرضى دِينه وخُلُقه .. أنّه طالب للفساد ! مُبْتغٍ للفتنة !
وفي الحديث من الفوائد : " أنّ المرأة إذا طَلَبَتْ من الولي تزويجها من مُسَاوٍ لها في الدِّين لَزِمَه ". كذا قال المناوي .
ومن ذلك الفساد الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتأخّر زواج الفتاة .. وقد يَحمِلها ذلك - إن لَمْ تُراقِب الله - على مواقعة الفواحِش ..
ألا أيّها ألآباء .. لا تَبْغُوا الفساد في الأرض ..
الوالد ليس بِمتّهم في وَلَدِه ..
وقد نّصَ الفقهاء على أنّ : " شفقة الأبُوّة شُبهة مُنْتَصِبَة شاهِدة بِعَدم القصد إلى القَتْل، تُسْقِط القَوَد " وهو القِصَاص.
فالأب غير ضَنِين في أولاده .. فليس بِمتّهم ..
ولذا فإنّ كل أبٍ يَسْعى لإيصال الخير لأولاده ..
إلّا أنّ من الآباء من قد يُخطئ الطريق .. فيَضُرّ حين كان يَروم النفع !
رامَ نَفْعاً فَضَرَّ مِن غير قَصْد ومِن البِرِّ ما يكون عقوقاً !
هنا انتهى كلام الشيخ حفظه الله.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : عن أهم الأمور التي على أساسها تختار الفتاة زوجها.
فأجاب :
" أهم الأوصاف التي ينبغي للمرأة أن تختار الخاطب من أجلها هي الخلُق والدين، أمَّا المال والنسب فهذا أمرٌ ثانوي، لكن أهم شيء أن يكون الخاطب ذا دين وخلُق؛ لأنَّ صاحب الدِّين والخلُق لا تَفقد المرأة منه شيئاً إن أمسكهَا أمسكها بمعروف، وإن سرَّحهَا سرَّحها بإحسان، ثمَّ إنَّ صاحب الدِّين والخلُق يكون مباركاً عليها وعلى ذريتها، تتعلم منه الأخلاق والدين، أمَّا إن كان غير ذلك، فعليها أن تبتعد عنه لاسيما بعض الذين يتهاونون بأداء الصلاة، أو مَن عُرف بشرب الخمر - والعياذ بالله -، أمَّا الذين لا يصلُّون أبداً فهم كفار لا تحل لهم المؤمنات، ولاهم يحلون لهن، والمهم أن تركز المرأة على الخلق والدين، أمّا النسب فإن حصل فهذا أولى؛ لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال : «إذا أتاكم مَن ترضون دينه وخلُقه فأنكحوه» ولكن إذا حصل التكافؤ فهو أفضل ". انتهى.
وبعد ما أتيناك به من مقدمات لموضوع الكلام به يطول، ألا يستحق ذلك منك وقفة مع نفسك فلتكن شجاعا ولتفعلها قبل ألّا تقدر على فعلها أو تستأخر فيدركك أمر من بعده تندم أشد الندم، وما قصص ضياع الأعراض عن بيتك ببعيد.
واعلم علم اليقين أنّ من تمنعها عن الزواج وإحصان النفس والعفاف هي في أشد الشوق لذلك.
ونسوق لكم هنا بعض من كلمات لفتيات مقهوراتّ إن لم يكن من أب فمن أخ وعم وولي أمر ولأسباب واهية لا تقاس بها المقاييس، ولا هي من الإتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الأبرار من مادية لقبلية لاجتماعية وبين هاته وتلك.
تمرالسنون وتحمل بناتنا مزيدا من الهموم فاقرأ وتفكر جيدا فقد تكون ابنتك إحدى هؤلاء.
تقول إحداهن : يتقدم لي الكثير ومع كل من يتقدم رفض جديد من أبي وأخي ويقابله ليلة بكاء لي.
وأخرى ترى صويحباتها تتزوج إحداهن خلف الأخرى ويلاعبن أولادهن، أمّا هي فلا؛ والسبب أبوها يريدها أن تكمل دراستها !!
والكثير الكثير مما لو ذكر لملىء مجلدات وكتب لا حصر لها.
ونسوق لك هنا قصص ذكرها الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم :
فتاة .. وقعت في الفاحشة .. ثم دَخلتِ السِّجن .. فسألوها عما حَمَلها على ذلك ، وعن سبب وقوعها في الفاحشة ..
فقالت : أبي - لا سامحه الله - !
قالوا : كيف ؟
قالت : كان يَردّ الخطّاب منذ أن كان عمري ثمانية عشر عاماً .. فلمّا أكثر مِن ردِّهم .. لم يَطرُق أبوابنا خاطِب .. حتى جاوزت الثلاثين .. فأردت أن أنتقِم من أبي بهذا الفِعل !
إنّنا لا نرى هذا عُذراً أمام الله .. ولا نُسوِّغ هذا .. ولا - والله - لا نتمنّاه لِبنات المسلمين ..
ولكن هذه عِظة وعِبرة
وهذا من الفساد العريض ..
ألا تَرون أنّ ذلك الأب يتحمّل وِزر تلك الجناية ؟!
ومن ذلك الفساد .. أن يُعاقَب الوليّ الذي ردّ الأكْفَاء - أو الفتاة التي ردّتِ الأكْفَاء - يُعاقَبون بتأخّر الزواج .. وقد يَفوت القِطار !
حدّثني من أثِق به .. أنّ شاباً خَطَب فتاة .. فرفضوه دون عُذر شرعي .. فخطب أخرى فتزوّج .. ثم رُزِق بِذُرِّيّـة .. قال : وبلغ ابنه الثانية عشرة مِن عُمره .. وهي لم تتزوّج !
وآخر - أعرفه - خَطَب فتاة فَردّوه أهلها بِحجّة واهية .. فتأخّر زواجها قُرابة عشر سنوات ..
فاعتبروا يا أولي الأبصار ...
وأخرى تملك ملكة الكتابة والتعبير فساقت هذه الكلمات فانظر واعتبر لكلمات واقعية من قلب صادق قالت :
يقول الله تعالى :
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم: 21]
برغم أني إحدى اللاتي مررن بهذا الموقف .. أي ما وجدته من معارضة عندما تقدم لي من رضيت بدينه وخلقه فأصبحت أتجرع كأس الألم ومرارة العلقم ليلاً ونهاراًً...عندما أقول رأيي بكل صراحة
إلا أني أؤمن بقضاء الله وقدره... ولا أراه عضل بحد ذاته... فقد يكون والدي رأى مالم أراه أنا
حيث أن والدي لم يكن منعه لزواجي مطلقاً .. بينما لديه حجج وأسباب في نفسه لا أعلم بها ..
فالحمد لله على كل حال
وسأذكر رأيي بصورة عامة ..
فلو بحثنا عن أسباب العضل لوجدنا أنها كثيرة ،،، ولكن هناك أمور لا يستطيع المرء إدراكها لا بالعين ولا بالعقل بحكم أنه غير كامل والكمال لله وحده، فمن الناس من ينظر إلى أن المادة هي التي تعيق الزواج ...
وهذا الموقف حصل لي شخصياً ..فقد منعوني من الارتباط بشخص صاحب دين وخلق ولا أزكيه على الله ..
وكان عذرهم فقط ... أنه ليس مقتدر مالياً وليس لديه ما يقدمه من المهر المطلوب، رغم أني راضية بحالته المادية وفضلت دينه وخلقه على أمور كثيرة تنازلت عنها ..
فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ،،، ولكن دون جدوى لازالوا متمسكين برأيهم ..فالله حسبي عليه توكلت وهو رب العرش العظيم...
من ناحية أخرى أقول ..
حتى لو كان الرجل المتقدم للخطبة.. تكتمل فيه الصفات لبناء زواج ناجح ..ولكن لأنه يحمل نسب قبيلة أخرى يتم رفضه.. وبالتالي تكون النتائج :
خسارة الفتاة فرصة الزواج من زوج صالح !
ولا يخفى علينا حكم الإسلام في نهيه لأولياء الأمور عن عضل النساء أي منعهن من الزواج ممن يرغبن فيه إذا كان كفؤا لها، أى ذا دين وخلق.. ولم يقل إذا كان صاحب مال وجاه...
قال الله تعالى: { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 232]
أخيراً.. كلمة أوجهها لأولياء الأمور بأن لا يقفوا حجر عثرة في طريق بنياتهم بحجج واهية وهذا ليس إلا لأغراض في أنفسهم وأخيراً تكون الضحية هي الفتاة...
اللهم هيىء لفتيات المسلمين الأزواج الصالحين وهيأ لشباب المسلمين الزوجات الصالحات .
أنهت هنا كلامها بعدما فطرت قلوبنا ,احسب أن كلماتها حركت شيئا بداخلك فلا تدع ذلك يمر مر الكرام وأصلح ما بك لعلك تمنع شيئا من الفساد.
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «كلّكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.. والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها».
قال تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا}[الأحزاب:36]
فأين أنت أين أنت من هذا كلّه، ألا ترى أم أنّك لا تريد أن ترى ولا تسمع وبالتالي لن تشعر..
ألا تخاف الله ... فما بالك إن كنت ممّن يدعون الإلتزام وفي زواج ابنته هو والدين خصام. عجبا عجبا...
الظلم ظلمات.. وديان السموات لك بالمرصاد، والدنيا خسيسة فانية زائلة، فلتعد لرشدك وتصحو،
وعلى ما اقترفته يداك تبكي وبالإنابة تشدو ....
قال تعالى : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].
إنّ المقياس الشرعي لِقَبول الخاطِب : هو رضا الدِّين والْخُلُق .. ولا اعتبار بِغيرها شئت أم أبيت.
ولتكن لك في العالم الربّاني الجليل سعيد بن المسيب قدوة وعظة.
الذي تمنى الصحابة أن لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لفرح به - هذا التابعي العظيم هو سعيد بن المسيب، رجل لم تبهره الدنيا، و لم تفتنه بزينتها، يخطب إليه عبد الملك بن مروان بنته لتكون زوجة لابنه الوليد وتحظى بقصر الخلافة، و تساق إليها الدنيا بزينتها، إلّا أنّه يرفض تزويجها منه، و يعرضها على تلميذه عبد الله بن أبي وداعة، ذاك الشاب الصالح المتفقه في أمور دين.
و إنّ التاريخ ليفخر بأمّة فيها هذا الرجل العظيم يقدم الدين على الدنيا، و يقدم العقل على الهوى، وإليكم قصته هذه الغريبة العجيبة:
عن عبد الله بن أبي وداعة قال: " كنت أجالس سعيد بن المسيب، فتفقدني أيّاما فلمّا أتيته قال: أين كنت؟ قلت : توفيت أهلي فاشتغلت بها، فقال: هلا أخبرتنا فشهدناها، قال : ثم أردت أن أقوم، فقال: هل استحدثت امرأة ؟ فقلت : يرحمك الله و من يزوجني و ما أملك إلّا درهمين أو ثلاثة ؟!
فقال : أنا، فقلت : و تفعل ! قال: نعم، فحمد الله تعالى و صلى على النبي صلى الله عليه و سلم و زوجني على درهمين، أو قال ثلاثة، فقمت و ما أدري ما أصنع من الفرح، فصرت إلى منزلي و جعلت أفكر ممن آخذ و ممن أستدين، فصليت المغرب و انصرفت إلى منزلي فأسرجت و كنت صائما، فقدمت عشائي لأفطر - وكان خبزا وزيتا- و إذا بابي يقرع، فقلت: من هذا؟ قال: سعيد، ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلّا سعيد بن المسيب، و ذلك أنّه لم ير أربعين سنة إلّا بين داره و المسجد، قال : فخرجت إليه فإذا به سعيد بن المسيب، فظننت أنّه قد بدا له - أي غيّر رأيه - فقلت له : يا أبا محمد لو أرسلت إلي لأتيتك، فقال : لا أنت أحق أن تؤتى، قلت : فما تأمر ؟ قال : إنّك كنت رجلا عزبا فزوجت، فكرهت أن تبيت الليلة و حدك، و هذه امرأتك، فإذا هي قائمة خلفه في طوله، ثم أخذها فدفعها في الباب و رده، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب ثم تقدمت إلى القصعة التي فيها الخبز و الزيت فوضعتها في ظل السراج لكيلا تراه، ثم صعدت السطح فرميت الجيران فجاءوني وقالوا : ما شانك؟ قلت : ويحكم زوجني سعيد بن المسيب ابنته اليوم، و قد جاء بها الليلة على غفلة، فقالوا : أوا سعيد زوجك؟! قلت : نعم، قالوا : و هي في الدار؟! قلت : نعم، فنزلوا إليها، و بلغ ذلك أمي فجاءت وقالت : و جهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيّام، فأقامت ثلاثا ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل النّاس، و أحفظ النّاس لكتاب الله تعالى، و أعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أعرفهم بحق الزوج، قال : فمكثت شهرا لا يأتيني سعيد و لا آتيه فلمّا كان بعد الشهر أتيته و هو في حلقته فسلمت عليه فرد علي السلام و لم يكلمني، حتى تفرق النّاس من المجلس، فقال : ما حال ذلك الإنسان. فقلت : بخير يا أبا محمد على ما يحب الصديق و يكره العدو، فانصرفت إلى منزلي فوجه إلي بعشرين ألف درهم، و كانت بنت سعيد بن المسيب هذه قد خطبها منه عبد الملك بن مروان لابنه الوليد حين ولاه العهد فأبى سعيد أن يزوجه ". [إحياء علوم الدين(جـــــ3 ص89)].
مال، جمال، دين، علم، وخلق... سعادة ما بعدها سعادة تنتقل من سعيد إلى بيت سعيد،
وا فرحتاه!!
وإليك قصة موسى عليه السلام مع صاحب مدين وفيها رسالة واضحة توجه الأباء للبحث لابنتهم عمن يرضون دينه وخلقه بل وعرضها عليه.
قال الله تعالى : {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ(22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)} [القصص:22-28].
موسى غريب طريد خائف وحيد يأتي إلى صالح مدين، لا مال معه و لا متاع، و مع هذا فقد أنكحه من ابنته لما تحقق من أمانته و دينه و خلقه، وأعرض عما سوى ذلك يقينا منه أنّ الرجل الصالح جوهرة نيرة لا يفرط فيها، فالسعادة الزوجية في بيوت نشأت تحت رعاية الله و طاعته، و أي عمل أرجى عند الله من تأسيس بيوت سعيدة تعبد خالقها و توحده.
لذا كان الإسلام مقراً هذا العمل الطيب و هذه المبادرة الكريمة و كان سلفنا الصالح أحرص النّاس على تزويج بناتهم و أخواتهم و من تحت و صايتهم لمن يتوسمون فيه الديانة و الصلاح، بل كان الرجل فيهم إذا رأى من أخيه صلاحاً و ديناً خطب ابنته إليه، بل لربّما كانت المرأة أحرص على ذلك من وليها.
و ليس أدل على ذلك من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه : " أنّ عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي - و كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوفي بالمدينة - فقال عمر بن الخطاب أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، ثم لقيني، فقال : قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر : فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت : إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، وكنت أوجد عليه من على عثمان، فلبثت ليالي، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إيّاه، ثم لقيني أبو بكر الصديق بعد ذلك و قال لي إنّه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلّا أنّني كنت علمت أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، و لو تركها رسول الله صلى الله عليه و سلم لقبلتها ". [البخاري (5122)]
وبعد ذلك كله فإلى الله المشتكى وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم فلم يعد للكلام مقال والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
موقع طريق الإسلام (http://www.islamway.net/?iw_s=Article&iw_a=view&article_id=2409)
فإنّ مما لا يخفى على الجميع من صغير وكبير وذكر وأنثى ما ينتشر حولنا وما يظهر علينا من مظاهر و مشاهدات ما أنزل الله بها من سلطان.
فأصبحنا نرى المخنثين والمسترجلات والقنوات والفضائحيات وعلمانيين وعلمانيات، لا هم لهم إلّا عوث في الأرض الفساد.
ومن منطلق أنّ لكل شيء سببا. وإنّما النّار من مستصغر الشرر فنناقش هنا سبب نحسبه احدى أسباب تلاطم هذه الفتن وانتشار الفساد ألا وهو :
تزويج الشباب والبنات
ورسالتنا هنا نخص بها الأباء أولياء الأمور من يجب أن يكونوا خط الدفاع الأول لحماية أعراض الأمة ودرء الفتن والمفاسد عنها إنطلاقا من قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «إذا جاءكم من تَرضون دِينه وخُلُقَه فأنْكِحُوه، إلّا تفعلوا تَكُن فِتنة في الأرض وفَساد». قالوا : يا رسول الله ! وإن كان فيه ؟! قال : «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنْكِحُوه» ثلاث مرات. [رواه الترمذي].
وشرح ذلك الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم فكتب :
" أي إن لم تُزَوِّجُوا الخاطِب الذي تَرضون خُلُقه ودِينه «تكن» تَحْدُث «فتنة في الأرض» ،«وفساد» خروج عن حال الإستقامة النافعة الْمُعِينَة على العفاف " قاله المناوي.
وقال أيضا : " يعني أنّكم إن لم تَرْغَبُوا في الْخُلُق الْحَسَن والدِّين الْمَرْضِيّ الْمُوجِبَين للصلاح والإستقامة، ورغبتم في مُجَرّد المال الجالب للطغيان الجارّ للبغي والفساد تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ".
" أو المراد إن لم تُزَوِّجُوا من تَرْضَون ذلك منه، ونَظَرْتُم إلى ذِي مَالٍ، أو جَاهٍ؛ يَبْقَى أكثر النساء بلا زوج، والرجال بلا زوجة؛ فيكثر الزنا، ويلحق العار، فيقع القتل .. فَتَهِيج الفِتَن، وتَثُور الْمِحَن " ..
وهذا يَعني أنّ من اختار من الأولياء تَزويج مَن لا يُرضى دِينه وخُلُقه .. أنّه طالب للفساد ! مُبْتغٍ للفتنة !
وفي الحديث من الفوائد : " أنّ المرأة إذا طَلَبَتْ من الولي تزويجها من مُسَاوٍ لها في الدِّين لَزِمَه ". كذا قال المناوي .
ومن ذلك الفساد الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتأخّر زواج الفتاة .. وقد يَحمِلها ذلك - إن لَمْ تُراقِب الله - على مواقعة الفواحِش ..
ألا أيّها ألآباء .. لا تَبْغُوا الفساد في الأرض ..
الوالد ليس بِمتّهم في وَلَدِه ..
وقد نّصَ الفقهاء على أنّ : " شفقة الأبُوّة شُبهة مُنْتَصِبَة شاهِدة بِعَدم القصد إلى القَتْل، تُسْقِط القَوَد " وهو القِصَاص.
فالأب غير ضَنِين في أولاده .. فليس بِمتّهم ..
ولذا فإنّ كل أبٍ يَسْعى لإيصال الخير لأولاده ..
إلّا أنّ من الآباء من قد يُخطئ الطريق .. فيَضُرّ حين كان يَروم النفع !
رامَ نَفْعاً فَضَرَّ مِن غير قَصْد ومِن البِرِّ ما يكون عقوقاً !
هنا انتهى كلام الشيخ حفظه الله.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : عن أهم الأمور التي على أساسها تختار الفتاة زوجها.
فأجاب :
" أهم الأوصاف التي ينبغي للمرأة أن تختار الخاطب من أجلها هي الخلُق والدين، أمَّا المال والنسب فهذا أمرٌ ثانوي، لكن أهم شيء أن يكون الخاطب ذا دين وخلُق؛ لأنَّ صاحب الدِّين والخلُق لا تَفقد المرأة منه شيئاً إن أمسكهَا أمسكها بمعروف، وإن سرَّحهَا سرَّحها بإحسان، ثمَّ إنَّ صاحب الدِّين والخلُق يكون مباركاً عليها وعلى ذريتها، تتعلم منه الأخلاق والدين، أمَّا إن كان غير ذلك، فعليها أن تبتعد عنه لاسيما بعض الذين يتهاونون بأداء الصلاة، أو مَن عُرف بشرب الخمر - والعياذ بالله -، أمَّا الذين لا يصلُّون أبداً فهم كفار لا تحل لهم المؤمنات، ولاهم يحلون لهن، والمهم أن تركز المرأة على الخلق والدين، أمّا النسب فإن حصل فهذا أولى؛ لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال : «إذا أتاكم مَن ترضون دينه وخلُقه فأنكحوه» ولكن إذا حصل التكافؤ فهو أفضل ". انتهى.
وبعد ما أتيناك به من مقدمات لموضوع الكلام به يطول، ألا يستحق ذلك منك وقفة مع نفسك فلتكن شجاعا ولتفعلها قبل ألّا تقدر على فعلها أو تستأخر فيدركك أمر من بعده تندم أشد الندم، وما قصص ضياع الأعراض عن بيتك ببعيد.
واعلم علم اليقين أنّ من تمنعها عن الزواج وإحصان النفس والعفاف هي في أشد الشوق لذلك.
ونسوق لكم هنا بعض من كلمات لفتيات مقهوراتّ إن لم يكن من أب فمن أخ وعم وولي أمر ولأسباب واهية لا تقاس بها المقاييس، ولا هي من الإتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الأبرار من مادية لقبلية لاجتماعية وبين هاته وتلك.
تمرالسنون وتحمل بناتنا مزيدا من الهموم فاقرأ وتفكر جيدا فقد تكون ابنتك إحدى هؤلاء.
تقول إحداهن : يتقدم لي الكثير ومع كل من يتقدم رفض جديد من أبي وأخي ويقابله ليلة بكاء لي.
وأخرى ترى صويحباتها تتزوج إحداهن خلف الأخرى ويلاعبن أولادهن، أمّا هي فلا؛ والسبب أبوها يريدها أن تكمل دراستها !!
والكثير الكثير مما لو ذكر لملىء مجلدات وكتب لا حصر لها.
ونسوق لك هنا قصص ذكرها الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم :
فتاة .. وقعت في الفاحشة .. ثم دَخلتِ السِّجن .. فسألوها عما حَمَلها على ذلك ، وعن سبب وقوعها في الفاحشة ..
فقالت : أبي - لا سامحه الله - !
قالوا : كيف ؟
قالت : كان يَردّ الخطّاب منذ أن كان عمري ثمانية عشر عاماً .. فلمّا أكثر مِن ردِّهم .. لم يَطرُق أبوابنا خاطِب .. حتى جاوزت الثلاثين .. فأردت أن أنتقِم من أبي بهذا الفِعل !
إنّنا لا نرى هذا عُذراً أمام الله .. ولا نُسوِّغ هذا .. ولا - والله - لا نتمنّاه لِبنات المسلمين ..
ولكن هذه عِظة وعِبرة
وهذا من الفساد العريض ..
ألا تَرون أنّ ذلك الأب يتحمّل وِزر تلك الجناية ؟!
ومن ذلك الفساد .. أن يُعاقَب الوليّ الذي ردّ الأكْفَاء - أو الفتاة التي ردّتِ الأكْفَاء - يُعاقَبون بتأخّر الزواج .. وقد يَفوت القِطار !
حدّثني من أثِق به .. أنّ شاباً خَطَب فتاة .. فرفضوه دون عُذر شرعي .. فخطب أخرى فتزوّج .. ثم رُزِق بِذُرِّيّـة .. قال : وبلغ ابنه الثانية عشرة مِن عُمره .. وهي لم تتزوّج !
وآخر - أعرفه - خَطَب فتاة فَردّوه أهلها بِحجّة واهية .. فتأخّر زواجها قُرابة عشر سنوات ..
فاعتبروا يا أولي الأبصار ...
وأخرى تملك ملكة الكتابة والتعبير فساقت هذه الكلمات فانظر واعتبر لكلمات واقعية من قلب صادق قالت :
يقول الله تعالى :
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم: 21]
برغم أني إحدى اللاتي مررن بهذا الموقف .. أي ما وجدته من معارضة عندما تقدم لي من رضيت بدينه وخلقه فأصبحت أتجرع كأس الألم ومرارة العلقم ليلاً ونهاراًً...عندما أقول رأيي بكل صراحة
إلا أني أؤمن بقضاء الله وقدره... ولا أراه عضل بحد ذاته... فقد يكون والدي رأى مالم أراه أنا
حيث أن والدي لم يكن منعه لزواجي مطلقاً .. بينما لديه حجج وأسباب في نفسه لا أعلم بها ..
فالحمد لله على كل حال
وسأذكر رأيي بصورة عامة ..
فلو بحثنا عن أسباب العضل لوجدنا أنها كثيرة ،،، ولكن هناك أمور لا يستطيع المرء إدراكها لا بالعين ولا بالعقل بحكم أنه غير كامل والكمال لله وحده، فمن الناس من ينظر إلى أن المادة هي التي تعيق الزواج ...
وهذا الموقف حصل لي شخصياً ..فقد منعوني من الارتباط بشخص صاحب دين وخلق ولا أزكيه على الله ..
وكان عذرهم فقط ... أنه ليس مقتدر مالياً وليس لديه ما يقدمه من المهر المطلوب، رغم أني راضية بحالته المادية وفضلت دينه وخلقه على أمور كثيرة تنازلت عنها ..
فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ،،، ولكن دون جدوى لازالوا متمسكين برأيهم ..فالله حسبي عليه توكلت وهو رب العرش العظيم...
من ناحية أخرى أقول ..
حتى لو كان الرجل المتقدم للخطبة.. تكتمل فيه الصفات لبناء زواج ناجح ..ولكن لأنه يحمل نسب قبيلة أخرى يتم رفضه.. وبالتالي تكون النتائج :
خسارة الفتاة فرصة الزواج من زوج صالح !
ولا يخفى علينا حكم الإسلام في نهيه لأولياء الأمور عن عضل النساء أي منعهن من الزواج ممن يرغبن فيه إذا كان كفؤا لها، أى ذا دين وخلق.. ولم يقل إذا كان صاحب مال وجاه...
قال الله تعالى: { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 232]
أخيراً.. كلمة أوجهها لأولياء الأمور بأن لا يقفوا حجر عثرة في طريق بنياتهم بحجج واهية وهذا ليس إلا لأغراض في أنفسهم وأخيراً تكون الضحية هي الفتاة...
اللهم هيىء لفتيات المسلمين الأزواج الصالحين وهيأ لشباب المسلمين الزوجات الصالحات .
أنهت هنا كلامها بعدما فطرت قلوبنا ,احسب أن كلماتها حركت شيئا بداخلك فلا تدع ذلك يمر مر الكرام وأصلح ما بك لعلك تمنع شيئا من الفساد.
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «كلّكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.. والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها».
قال تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا}[الأحزاب:36]
فأين أنت أين أنت من هذا كلّه، ألا ترى أم أنّك لا تريد أن ترى ولا تسمع وبالتالي لن تشعر..
ألا تخاف الله ... فما بالك إن كنت ممّن يدعون الإلتزام وفي زواج ابنته هو والدين خصام. عجبا عجبا...
الظلم ظلمات.. وديان السموات لك بالمرصاد، والدنيا خسيسة فانية زائلة، فلتعد لرشدك وتصحو،
وعلى ما اقترفته يداك تبكي وبالإنابة تشدو ....
قال تعالى : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].
إنّ المقياس الشرعي لِقَبول الخاطِب : هو رضا الدِّين والْخُلُق .. ولا اعتبار بِغيرها شئت أم أبيت.
ولتكن لك في العالم الربّاني الجليل سعيد بن المسيب قدوة وعظة.
الذي تمنى الصحابة أن لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لفرح به - هذا التابعي العظيم هو سعيد بن المسيب، رجل لم تبهره الدنيا، و لم تفتنه بزينتها، يخطب إليه عبد الملك بن مروان بنته لتكون زوجة لابنه الوليد وتحظى بقصر الخلافة، و تساق إليها الدنيا بزينتها، إلّا أنّه يرفض تزويجها منه، و يعرضها على تلميذه عبد الله بن أبي وداعة، ذاك الشاب الصالح المتفقه في أمور دين.
و إنّ التاريخ ليفخر بأمّة فيها هذا الرجل العظيم يقدم الدين على الدنيا، و يقدم العقل على الهوى، وإليكم قصته هذه الغريبة العجيبة:
عن عبد الله بن أبي وداعة قال: " كنت أجالس سعيد بن المسيب، فتفقدني أيّاما فلمّا أتيته قال: أين كنت؟ قلت : توفيت أهلي فاشتغلت بها، فقال: هلا أخبرتنا فشهدناها، قال : ثم أردت أن أقوم، فقال: هل استحدثت امرأة ؟ فقلت : يرحمك الله و من يزوجني و ما أملك إلّا درهمين أو ثلاثة ؟!
فقال : أنا، فقلت : و تفعل ! قال: نعم، فحمد الله تعالى و صلى على النبي صلى الله عليه و سلم و زوجني على درهمين، أو قال ثلاثة، فقمت و ما أدري ما أصنع من الفرح، فصرت إلى منزلي و جعلت أفكر ممن آخذ و ممن أستدين، فصليت المغرب و انصرفت إلى منزلي فأسرجت و كنت صائما، فقدمت عشائي لأفطر - وكان خبزا وزيتا- و إذا بابي يقرع، فقلت: من هذا؟ قال: سعيد، ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلّا سعيد بن المسيب، و ذلك أنّه لم ير أربعين سنة إلّا بين داره و المسجد، قال : فخرجت إليه فإذا به سعيد بن المسيب، فظننت أنّه قد بدا له - أي غيّر رأيه - فقلت له : يا أبا محمد لو أرسلت إلي لأتيتك، فقال : لا أنت أحق أن تؤتى، قلت : فما تأمر ؟ قال : إنّك كنت رجلا عزبا فزوجت، فكرهت أن تبيت الليلة و حدك، و هذه امرأتك، فإذا هي قائمة خلفه في طوله، ثم أخذها فدفعها في الباب و رده، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب ثم تقدمت إلى القصعة التي فيها الخبز و الزيت فوضعتها في ظل السراج لكيلا تراه، ثم صعدت السطح فرميت الجيران فجاءوني وقالوا : ما شانك؟ قلت : ويحكم زوجني سعيد بن المسيب ابنته اليوم، و قد جاء بها الليلة على غفلة، فقالوا : أوا سعيد زوجك؟! قلت : نعم، قالوا : و هي في الدار؟! قلت : نعم، فنزلوا إليها، و بلغ ذلك أمي فجاءت وقالت : و جهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيّام، فأقامت ثلاثا ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل النّاس، و أحفظ النّاس لكتاب الله تعالى، و أعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أعرفهم بحق الزوج، قال : فمكثت شهرا لا يأتيني سعيد و لا آتيه فلمّا كان بعد الشهر أتيته و هو في حلقته فسلمت عليه فرد علي السلام و لم يكلمني، حتى تفرق النّاس من المجلس، فقال : ما حال ذلك الإنسان. فقلت : بخير يا أبا محمد على ما يحب الصديق و يكره العدو، فانصرفت إلى منزلي فوجه إلي بعشرين ألف درهم، و كانت بنت سعيد بن المسيب هذه قد خطبها منه عبد الملك بن مروان لابنه الوليد حين ولاه العهد فأبى سعيد أن يزوجه ". [إحياء علوم الدين(جـــــ3 ص89)].
مال، جمال، دين، علم، وخلق... سعادة ما بعدها سعادة تنتقل من سعيد إلى بيت سعيد،
وا فرحتاه!!
وإليك قصة موسى عليه السلام مع صاحب مدين وفيها رسالة واضحة توجه الأباء للبحث لابنتهم عمن يرضون دينه وخلقه بل وعرضها عليه.
قال الله تعالى : {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ(22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)} [القصص:22-28].
موسى غريب طريد خائف وحيد يأتي إلى صالح مدين، لا مال معه و لا متاع، و مع هذا فقد أنكحه من ابنته لما تحقق من أمانته و دينه و خلقه، وأعرض عما سوى ذلك يقينا منه أنّ الرجل الصالح جوهرة نيرة لا يفرط فيها، فالسعادة الزوجية في بيوت نشأت تحت رعاية الله و طاعته، و أي عمل أرجى عند الله من تأسيس بيوت سعيدة تعبد خالقها و توحده.
لذا كان الإسلام مقراً هذا العمل الطيب و هذه المبادرة الكريمة و كان سلفنا الصالح أحرص النّاس على تزويج بناتهم و أخواتهم و من تحت و صايتهم لمن يتوسمون فيه الديانة و الصلاح، بل كان الرجل فيهم إذا رأى من أخيه صلاحاً و ديناً خطب ابنته إليه، بل لربّما كانت المرأة أحرص على ذلك من وليها.
و ليس أدل على ذلك من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه : " أنّ عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي - و كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوفي بالمدينة - فقال عمر بن الخطاب أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، ثم لقيني، فقال : قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر : فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت : إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، وكنت أوجد عليه من على عثمان، فلبثت ليالي، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إيّاه، ثم لقيني أبو بكر الصديق بعد ذلك و قال لي إنّه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلّا أنّني كنت علمت أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، و لو تركها رسول الله صلى الله عليه و سلم لقبلتها ". [البخاري (5122)]
وبعد ذلك كله فإلى الله المشتكى وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم فلم يعد للكلام مقال والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
موقع طريق الإسلام (http://www.islamway.net/?iw_s=Article&iw_a=view&article_id=2409)