مشاهدة النسخة كاملة : السلسلة الضعيفة
901 - " خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين : صلاتهم و صيامهم " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 302 ) :
موضوع .
رواه ابن ماجه رقم ( 712 ) عن بقية عن مروان بن سالم عن عبد العزيز
بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا . قلت : قال البوصيري في " الزوائد
" ( ق 47 / 2 ) : " هذا إسناد ضعيف ، لتدليس بقية بن الوليد " . قلت : شيخه
مروان شر منه ، قال فيه البخاري و غيره : " منكر الحديث " . و قال أبو عروبة
الحراني : " يضع الحديث " ، و قال ابن حبان ( 2 / 317 ) : " كان ممن يروي عن
المشاهير المناكير ، و يأتي عن الثقات بما ليس من حديث الأثبات " .
(2/400)
________________________________________
902 - " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله و الصلاة علي فهو أقطع أبتر ، مسحوق من
كل بركة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 303 ) :
موضوع .
رواه السبكي في " طبقات الشافعية الكبرى " ( 1 / 8 ) من طريق
إسماعيل بن أبي زياد الشامي عن يونس بن يزيد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي
هريرة مرفوعا . و قال ( 1 / 10 ) : " لا يثبت " . قلت : بل هو موضوع بهذا
السياق ، و آفته إسماعيل هذا ، قال الدارقطني : " متروك الحديث " . قلت و قد
روي الحديث من طريق أخرى عن الزهري به دون ذكر الصلاة ، و دون قوله " أبتر ....
" و هو ضعيف الإسناد كما حققته في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل
" ( رقم 1 و 2 ) .
(2/401)
________________________________________
903 - " إذا توضأتم فأشربوا أعينكم الماء ، و لا تنفضوا أيديكم من الماء ، فإنها
مراوح الشيطان " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 303 ) :
موضوع .
أخرجه ابن أبي حاتم في " العلل " ( 1 / 36 رقم 73 ) و ابن حبان في
" المجروحين " ( 1 / 194 ) و ابن عدي في " الكامل " ( 40 / 1 ) من طريق البختري
بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا ، و قال ابن أبي حاتم : " سألت أبي
عنه ؟ فقال : هذا حديث منكر ، و البختري ضعيف الحديث ، و أبوه مجهول " . و كذا
قال ابن عدي أن الحديث منكر . قلت : و البختري هذا متهم ، قال أبو نعيم : " روى
عن أبيه عن أبي هريرة موضوعات " ، و كذا قال الحاكم و النقاش ، و قال ابن حبان
: " روى عن أبيه عن أبي هريرة نسخة فيها عجائب ، كان يسرق الحديث ، و ربما قلبه
" . قلت : و حديثه هذا من الأدلة على ذلك ، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم ما
يقطع كل عارف بهديه صلى الله عليه وسلم في طهوره أنه لم يكن يفعل بمقتضى هذا
الحديث ، بل صح عنه ما يخالفه في شطره الثاني ، فقد أخرج الشيخان و غيرهما عن
ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم
غسلا فسترته بثوب ، و صب على يديه فغسلها ، ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه ،
فضرب بيده الأرض فمسحها ، ثم غسلها ، فمضمض و استنشق ، و غسل وجهه و ذراعيه ،
ثم صب على رأسه ، و أفاض على جسده ، ثم تنحى فغسل قدميه ، فناولته ثوبا ، فلم
يأخذه ، فانطلق و هو ينفض يديه . و من تراجم البخاري لهذا الحديث : " باب نقض
اليدين من الغسل عن الجنابة " . قال الحافظ : " استدل به على جواز نقض ماء
الغسل و الوضوء ، و هو ظاهر قال : و فيه حديث ضعيف أورده الرافعي و غيره " ، ثم
ذكر هذا ثم قال : " قال ابن الصلاح : " لم أجده " . و تبعه النووي ، و قد أخرجه
ابن حبان في " الضعفاء " و ابن أبي حاتم في " العلل " من حديث أبي هريرة ، و لو
لم يعارضه هذا الحديث الصحيح لم يكن صالحا لأن يحتج به " . و قال ابن عدي في "
الكامل " في ترجمة البختري ( ق 140 / 1 ) : " روى عن أبيه عن أبي هريرة قدر
عشرين حديثا ، عامتها مناكير ، فمنها : أشربوا أعينكم الماء " . و قال الذهبي :
" هذا أنكرها " . إذا عرفت هذا فمن العجائب قول بعضهم : أن الأولى ترك النفض
لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم " ! فاحتج بالحديث
الضعيف ! و تأول بعضهم من أجله الحديث الصحيح الذي ذكرته فحمل النقض المذكور
فيه على تحريك اليدين في المشي ، حكاه القاضي عياض و رده بقوله : " و هو تأول
بعيد " . فتعقبه الشيخ علي القاري في " المرقاة " بقوله ( 1 / 325 ) : " قلت :
و إن كان التأويل بعيدا فالحمل عليه جمعا بين الحديثين أولى من الحمل على ترك
الأولى " ! قلت : و كأنه خفي عليه ضعف هذا الحديث و إلا فمثله لا يخفى عليه أنه
لا يسوغ تأويل النص الصحيح من أجل الضعيف ، فهذا من آثار الأحاديث الضعيفة و
الجهل بها ، فتأمل . و الحديث أورده السيوطي في " الجامع الكبير " ( ج 1 / 50 /
1 ) بهذا السياق من رواية الديلمي في " مسند الفردوس " عن أبي هريرة . و أورده
فيه ( 1 / 101 / 2 ) و في " الصغير " بلفظ " أشربوا أعينكم الماء عند الوضوء ،
و لا تنفضوا ... " الحديث من رواية أبي يعلى و ابن عدي ، و زاد في " الكبير " :
" و ابن عساكر " و قال فيه : " و البختري ضعفه أبو حاتم ، و تركه غيره " ثم ذكر
قول ابن عدي المتقدم أن الحديث من مناكيره .
(2/402)
________________________________________
904 - " نسخ الأضحى كل ذبح و صوم رمضان كل صوم و الغسل من الجنابة كل غسل ، و الزكاة
كل صدقة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 304 ) :
ضعيف جدا .
رواه الدارقطني في " سننه " ( ص 543 ) من طريق الهيثم بن سهل :
المسيب بن شريك : أخبرنا عبيد المكتب عن عامر عن مسروق عن علي مرفوعا ، و
قال : " خالفه المسيب بن واضح عن المسيب - هو ابن شريك - و كلاهما ضعيفان ، و
المسيب ابن شريك متروك " . ثم ساقه من طريق ابن واضح : أخبرنا المسيب بن شريك
عن عتبة بن يقظان عن الشعبي عن مسروق به و قال : " عتبة بن يقظان متروك أيضا "
. و رواه البيهقي ( 9 / 261 - 262 ) عن ابن شريك بالوجهين ، و نقل عن الدارقطني
ما سبق من التضعيف الشديد ، و أقره عليه ، و نقل الزيلعي في " نصب الراية " ( 4
/ 208 ) عنه أنه قال : إسناده ضعيف بمرة " . و أقره عليه . و من آثار هذا
الحديث السيئة أنه صرف جما غفيرا من هذه الأمة ، عن سنة صحيحة مشهورة ، ألا و
هي العقيقة ، و هي الذبح عن المولود في اليوم السابع ، عن الغلام شاتين و عن
الأنثى شاة واحدة ، و قد جاء في ذلك أحاديث كثيرة تراجع في كتاب " تحفة الودود
في أحكام المولود " للعلامة ابن القيم ، أجتزئ هنا بإيراد واحد منها و هو قوله
صلى الله عليه وسلم : " مع الغلام عقيقه ، فأهريقوا عنه دما " . رواه البخاري (
9 / 486 ) و غيره من حديث سلمان بن عامر الضبي مرفوعا . لقد ترك العمل بهذا
الحديث الصحيح و غيره مما في الباب حتى لا تكاد تسمع في هذه البلاد و غيرها أن
أحدا من أهل العلم و الفضل - دع غيرهم - يقوم بهذه السنة ! و لو أنهم تركوها
إهمالا كما أهملوا كثيرا من السنن الأخرى لربما هانت المصيبة ، و لكن بعضهم
تركها إنكارا لمشروعيتها ! لا لشيء إلا لهذا الحديث الواهي ! فقد استدل به بعض
الحنفية على نسخ مشروعية العقيقة ! فإلى الله المشتكى من غفلة الناس عن
الأحاديث الصحيحة ، و تمسكهم بالأحاديث الواهية و الضعيفة .
(2/403)
________________________________________
905 - " كان إذا أتي بطعام أكل مما يليه ، و إذا أتي بالتمر جالت يده " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 305 ) :
موضوع .
رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " ( 106 / 1 ) و ابن حبان ( 2 /
165 ) و ابن عدي في " الكامل " ( 254 / 2 ) و أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى
الله عليه وسلم " ( ص 222 ) و الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 11 / 95 ) و اللفظ
له من طريق عبيد بن القاسم : أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا
. قلت : و هذا سند موضوع ، آفته عبيد هذا و هو ابن أخت سفيان الثوري كذبه ابن
معين . و قال صالح جزرة : " يضع الحديث " . و كذا قال أبو داود كما في "
الميزان " . ثم ساق له أحاديث هذا أحدها و قال ابن حبان : " كان يروي عن هشام
بنسخة موضوعة لا يحل كتابة حديثه إلا على وجه التعجب " : و الحديث مما سود به
السيوطي كتابه " الجامع الصغير " أورده فيه من رواية الخطيب فقط ! و تعقبه
المناوي فأجاد قائلا : " و ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه الخطيب خرجه و سكت عليه و
هو تلبيس فاحش ، فقد تعقبه بما نصه : قال أبو علي ( صالح بن محمد جزرة ) : هذا
كذب و عبيد بن أخت سفيان كان يضع الحديث ، و له أحاديث مناكير ا هـ كلامه " .
أورده الهيثمي ( 5 / 27 ) و قال : " رواه البزار و فيه خالد بن إسماعيل و هو
متروك " . قلت : و الشطر الثاني منه رواه أبو الشيخ من طريق رجل من بني ثور عن
هشام بن عروة به . و هذا الرجل الذي لم يسم هو عبيد بن القاسم الكذاب المذكور
في الطريق الأولى لأنه ابن أخت سفيان الثوري كما سبق ، و هذا من الأدلة الكثيرة
على عدم الاحتجاج بحديث المجهولين لاحتمال أن يكونوا من الضعفاء ، أو الكذابين
، فلا يجوز الاحتجاج بهم حتى ينكشف حقيقة أمرهم . و لعل ما يتداوله أهل الشام
فيما بينهم و هم يتفكهون : " كل شيء بحشمة إلا التوت " أصله هذا الحديث الموضوع
! و له شاهد ضعيف من قوله صلى الله عليه وسلم ، سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى
برقم ( 1127 ) .
(2/404)
________________________________________
906 - " كرسيه موضع قدمه ، و العرش لا يقدر قدره " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 306 ) :
ضعيف .
رواه الضياء في " المختارة " ( 252 / 1 - 2 ) عن شجاع بن مخلد
الفلاس عن أبي عاصم عن سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله *( وسع كرسيه
السموات و الأرض )* قال : فذكره . و رواه من طرق أخرى عن أبي عاصم به موقوفا
على ابن عباس و قال : " إنه الأولى " . و الموقوف أخرجه الطبراني في " معجمه
الكبير " ( ج 3 ) و قد فاتني موضعه منه ، و غالب الظن أنه بين الورقة ( 150 و
الورقة 170 ) و قال الهيثمي ( 6 / 323 ) : " و رجاله رجال الصحيح " . و كذلك
أخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في " العرش " ( 114 / 2 ) و الحاكم ( 2 / 282
) عن أبي عاصم به موقوفا و قال : " صحيح على شرط الشيخين " و وافقه الذهبي . و
رواه ابن مردويه من طريق شجاع بن مخلد به مرفوعا كما في " تفسير ابن كثير " و
قال : " و هو غلط . و رواه ابن مردويه من طريق الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي و
هو متروك عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا و لا يصح أيضا " . و روى ابن
أبي شيبة أيضا ( 114 / 1 - 2 ) و ابن جرير في تفسيره ( 5 / 398 طبع ... ) و
البيهقي في " الأسماء و الصفات " ( ص 290 - هند ) عن عمارة بن عمير عن أبي موسى
قال : " الكرسي موضع القدمين ، و له أطيط كأطيط الرجل " . قلت : و إسناده صحيح
إن كان عمارة بن عمير سمع من أبي موسى ، فإنه يروي عنه بواسطة ابنه إبراهيم بن
أبي موسى الأشعري ، و لكنه موقوف ، و لا يصح في الأطيط حديث مرفوع ، كما تقدم
تحت رقم ( 866 ) ، و انظر تفسير ابن كثير ( 2 / 13 - 14 طبع المنار ) .
(2/405)
________________________________________
907 - " أعتقوا عنه ، يعتق الله بكل عضو منه ، عضوا منه من النار " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 307 ) :
ضعيف .
رواه أبو داود ( 2964 ) و عنه الخطيب في " الفقيه و المتفقه " ( 2 /
45 - طبع الرياض ) و الطحاوي في " المشكل " ( 1 / 315 ) و الحاكم ( 2 / 212 ) و
عنه البيهقي ( 8 / 132 - 133 و 133 ) و أحمد ( 3 / 471 ) عن ضمرة بن ربيعة عن
إبراهيم بن أبي عبلة عن الغريف بن الديلمي قال : " أتينا واثلة بن الأسقع
فقلنا له : حدثنا حديثا ليس فيه زيادة و لا نقصان ، فغضب و قال : إن أحدكم
ليقرأ و مصحفه معلق في بيته فيزيد و ينقص ! قلنا : إنما أردنا حديثا سمعته من
النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب
لنا أوجب - يعني النار - بالقتل ، فقال : فذكره . ثم رواه الطحاوي ( 1 / 314 )
و أحمد ( 4 / 107 ) من طريق عبد الله بن المبارك ، و الخطيب من طريق يحيى بن
حمزة ، كلاهما عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الغريق بن عياش به مختصرا بلفظ : أتى
النبي صلى الله عليه وسلم نفر من بني سليم ، فقالوا : إن صاحبا لنا أوجب ، قال
: " فليعتق رقبة ، يفدي الله بكل عضو منها عضوا منه من النار " . ثم رواه أحمد
( 3 / 490 ) من طريق أبي علاثة قال : حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة عن واثلة بن
الأسقع به . و أسقط من الإسناد الغريق هذا . و ابن علاثة فيه ضعف . قلت و
الإسناد ضعيف من أجل الغريق فإنه لم يرو عنه غير إبراهيم بن أبي عبلة ، و لم
يوثقه غير ابن حبان ( 1 / 183 ) . قال الحافظ في " التهذيب " : " و قال ابن حزم
: مجهول . و ذكره بالعين المهملة " . قلت : و كذلك وقع في " مستدرك الحاكم " و
قال : " عريف هذا لقب عبد الله بن الديلمي ، حدثنا بصحة ما ذكرته أبو إسحاق
إبراهيم ابن فراس الفقيه : حدثنا بكر بن سهل الدمياطي : حدثنا عبد الله بن يوسف
التنيسي : حدثنا عبد الله بن سالم : حدثني إبراهيم بن أبي عبلة قال : كنت جالسا
بـ ( ريحاء ) فمر بي واثلة بن الأسقع متوكئا على عبد الله بن الديلمي ، فأجلسه
، ثم جاء إلي فقال : عجب ما حدثني هذا الشيخ ، يعني واثلة ، قلت : ما حدثك ؟
فقال : حدثني : كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأتاه
نفر من بني سليم فقالوا .... " . قلت : فذكر الحديث مثل رواية ضمرة ثم قال
الحاكم : " فصار الحديث بهذه الروايات صحيحا على شرط الشيخين " . قلت : و وافقه
الذهبي ، و ليس كذلك لأمرين : الأول : أن هذه الرواية التي ساقها مستدلا على
صحة ما ذكر ، فيها الدمياطي و هو ضعيف . لكنه قد توبع فقال الطحاوي ( 1 / 316 )
: حدثنا علي بن عبد الرحمن : حدثنا عبد الله بن يوسف الدمشقي : حدثنا عبد الله
بن سالم به . و علي بن عبد الرحمن هو المعروف بـ ( علان ) المصري ، قال ابن أبي
حاتم ( 3 / 1 / 195 ) : " صدوق " . و تابعه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني : حدثنا
عبد الله بن يوسف به . أخرجه ابن حبان ( 1206 ) . ثم رواه الطحاوي من طريق
الوليد بن مسلم : حدثني مالك بن أنس و غيره عن إبراهيم بن أبي عبلة أنه حدثهم
عن عبد الله بن الديلمي عن واثلة نحو حديث ابن المبارك . قلت : فهذا كله يصحح
ما ذكره الحاكم أن الغريف لقب لعبد الله بن الديلمي ، أو على الأصح يدل على أن
اسم الغريف عبد الله ، و هي فائدة لا تجدها في كتب الرجال ، و لكن هل يصير
الحديث بذلك صحيحا ؟ ذلك ما سترى الجواب عنه فيما يأتي . الأمر الثاني : أن عبد
الله بن الديلمي المذكور في هذه الروايات ليس هو الذي عناه الحاكم : عبد الله
بن فيروز الديلمي أبو بشر و هو الذي وثقه ابن معين و العجلي و غيرهما ، و روى
له أصحاب السنن إلا الترمذي ، بل هو ابن أخي هذا ، فقد تقدم في بعض الرويات أنه
الغريف بن عياش ، و في أخرى عند الطحاوي و الخطيب " الغريف بن عياش بن فيروز
الديلمي " ، و لذلك قال في ترجمة أبي بشر من " التهذيب " : " هو أخو الضحاك بن
فيروز و عم الغريف بن عياش بن فيروز " . فإذا ثبت أنه عبد الله بن عياش بن
فيروز و هو غير عبد الله بن فيروز ، وجب أن نتطلب معرفة حاله ، و إذا عرفت مما
سبق في ترجمته أنه مجهول ، نستنتج من ذلك أن الحديث ضعيف لا يصح و أن الحاكم و
الذهبي وهما في تصحيحهما إياه ، لاسيما و قد صححاه على شرط الشيخين ، و العصمة
لله وحده . و في الحديث علة أخرى ، و هي الاضطراب في متنه ، ففي رواية ضمرة و
عبد الله بن سالم : " أعتقوا عنه " ، و في رواية ابن المبارك و مالك : " فليعتق
رقبة " . و تابعهما عليها يحيى بن حمزة و هانىء بن عبد الرحمن عند الطحاوي ، و
لفظ هانىء : " مروه فليعتق رقبة " . فهذه الرواية أرجح لاتفاق هؤلاء الأربعة
عليها ، و فيهم مالك و ابن المبارك و هما في التثبت و الحفظ على ما هما عليه ،
كما قال الطحاوي . ثم ذكر أن الرواية الأولى تعارض القرآن فقال : " و وجدنا
كتاب الله قد دفع مثل هذا المعنى عن ذوي الذنوب ، و هو قوله تعالى في الجزاء عن
كفارة الصيد المقتول في الإحرام في ( سورة المائدة ) على ما ذكر فيها ، ثم
أعقبه بقوله : *( ليذوق وبال أمره )* فأخبر أنه جعل الكفارة في الصيد في
الإحرام على قاتله ليذوق وبال قتله ، فمثل ذلك على كل كفارة عن ذنب ، إنما يراد
بها ذوق المذنب وبالها ، و في ذلك ما يمنع تكفير غيره عنه في ذلك بعتاق عنه أو
بغيره " . ثم ختم الطحاوي كلامه على الحديث بأن ذكر وجها للتوفيق بين الروايتين
لا أرى فائدة من حكايته ، لسببين : الأول : أن الحديث من أصله ضعيف . الثاني :
أنه لو صح فإحدى الروايتين خطأ قطعا ، لأن الحادثة واحدة لم تكرر ، و بالتالي
فاللفظ الذي نطق به عليه السلام واحد ، اختلف الرواة في تحديده ، فلابد من
المصير إلى الترجيح ، و قد فعلنا ، و ذلك يغني عن محاولة التوفيق ، و الله أعلم
. ( تنبيه ) : الحديث سكت عليه المنذري في " مختصر السنن " ( 5 / 424 ) و قال :
" أخرجه النسائي " . و الظاهر أنه يعني في " الكبرى " له فإني لم أجده في "
الصغرى " ، و لا عزاه إليه النابلسي في " ذخائر المواريث " ( 2 / 125 - 126 ) ،
و عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " ( 1 / 107 / 1 ) لأبي داود و ابن حبان و
الطبراني في " الكبير " و الحاكم و البيهقي . هذا و قد يستدل بالحديث من يقول
بوصول ثواب العمل إلى غير عامله إذا وهبه له ، و هو خلاف قوله تعالى *( و أن
ليس للإنسان إلا ما سعى )* و ما في معناه من الأحاديث و لو صح هذا الحديث لكان
من جملة المخصصات للآية ، و قد حقق الإمام الشوكاني القول في هذا الموضوع و ذكر
ما وقف عليه من المخصصات المشار إليها ، فراجعه في " نيل الأوطار " ( 3 / 333 -
336 ) ، مع فصل " ما ينتفع به الميت " من كتابي " أحكام الجنائز " ( ص 168 -
178 ) .
(2/406)
________________________________________
908 - " إن عيسى بن مريم كان يقول : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم
، فإن القلب القاسي بعيد من الله ، و لكن لا تعلمون ، و لا تنظروا في ذنوب
الناس كأنكم أرباب ، و انظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد ، فإنما الناس مبتلى و
معافى ، فارحموا أهل البلاء ، و احمدوا الله على العافية " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 309 ) :
لا أصل له مرفوعا .
و إنما أورده الإمام مالك في " الموطأ " ( 2 / 986 / 8
) بدون إسناد أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقوله . و ليس من عادتي أن أورد مثل
هذا الكلام لأن راويه لم يعزه إلى النبي صلى الله عليه وسلم و لكني رأيت
الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي كتب تحت هذا الكلام في نسخة " الموطأ " التي قام
هو على تصحيحها و تخريج أحاديثها ما نصه : " مرسل ، و قد وصله العلاء بن عبد
الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة ، أخرجه مسلم في : 45 - كتاب البر و
الصلة و الآداب ، 20 - باب تحريم الغيبة ، حديث 7 " . و لما وقف على هذا بعض من
لا علم عنده ، نقل هذا الكلام المنسوب إلى عيسى عليه السلام في كتاب له ، و
عزاه للموطأ و مسلم ! فلما وقفت عليه ( قبل أن يطبع كتابه ، و خير له أن لا
يطبعه لكثرة أوهامه ) استنكرت عزوه لمسلم أشد الاستنكار ، و لما نبهته على ذلك
احتج بتخريج فؤاد عبد الباقي - و هو يظنه لبالغ جهله بهذا العلم أنه من تخريج
الإمام مالك نفسه ! - فأكدت له أنه خطأ ، ثم رأيت من الواجب أن أنبه عليه هنا ،
كي لا يغتر به آخرون ، فيقعون في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من
حيث لا يريدون و لا يشعرون . و قد تبين لي فور رجوعي إلى تخريج عبد الباقي أن
الخطأ - فيما أظن - ليس منه مباشرة ، بل من الطابع ، فإن هذا التخريج كان حقه
أن يوضع في الباب الذي يلي كلام عيسى عليه السلام ، ففيه أورد مالك حديثا مرسلا
في الغيبة ، و هو الذي وصله مسلم في الباب الذي ذكره فؤاد عبد الباقي ، فيبدو
أن التخريج كان مكتوبا في ورقة مفصولة عن الحديث ، فسها الطابع و طبعه تحت كلام
عيسى عليه السلام ، فكان هذا الخطأ الفاحش ، و بقي حديث الغيبة بدون تخريج ، ثم
لا أدري إذا كان الأستاذ فؤاد أشرف على تصحيح الكتاب بنفسه و هو يطبع ، فذهل عن
هذه الخطيئة ، أو وكل أمر التصحيح إلى من لا علم عنده بالحديث إطلاقا ، فبدهي
أن تنطلي عليه الخطيئة ، و العصمة لله وحده . نعم قد روي الحديث مرفوعا مختصرا
، و إسناده ضعيف كما سيأتي بيانه برقم ( 920 ) .
(2/407)
________________________________________
909 - " يا عم ! والله لو وضعوا الشمس في يميني ، و القمر في يساري ، على أن أترك هذا
الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 310 ) :
ضعيف .
أخرجه ابن إسحاق في " المغازي " ( 1 / 284 - 285 سيرة ابن هشام ) :
حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث : أن قريشا حين قالوا لأبي
طالب هذه المقالة <1> بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا ابن
أخي إن قومك قد جاؤني فقالوا لي كذا و كذا ، للذي كانوا قالوا له ، فأبق علي و
على نفسك ، و لا تحملني من الأمر ما لا أطيق ، قال : فظن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء ..... و مسلمه ، و أنه قد ضعف عن نصرته و
القيام معه ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . قال : ثم
استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام فلما ولى ناداه أبو طالب :
أقبل يا ابن أخي ! فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اذهب يا ابن
أخي فقل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشيء أبدا . قلت : و هذا إسناد ضعيف معضل ،
يعقوب بن عتبة هذا من ثقات أتباع التابعين ، مات سنة ثمان و عشرين و مائة . و
قد وجدت للحديث طريقا أخرى بسند حسن لكن بلفظ : " ما أنا بأقدر على أن أدع لكم
ذلك ، على أن تستشعلوا لي منها شعلة يعني الشمس " . و قد خرجته في " الأحاديث
الصحيحة " رقم ( 92 ) .
-----------------------------------------------------------
[1] يعني قولهم - كما ذكره في السيرة قبيل هذا الحديث : " يا أبا طالب إن لك
سنا و شرفا و منزلة فينا و إنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا و إنا لا
نصبر على هذا من شتم آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله و إياك في ذلك حتى يهلك أحد
الفريقين " . اهـ .
(2/408)
________________________________________
910 - " يا جبريل صف لي النار ، و انعت لي جهنم ، فقال جبريل : إن الله تبارك و تعالى
أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ، ثم أمر بها فأوقد عليها ألف عام حتى
احمرت ، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة ، لا يضيء
شررها ، و لا يطفأ لهبها ، و الذي بعثك بالحق لو أن خازنا من خزنة جهنم برز إلى
أهل الدنيا فنظروا إليه لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه ، و من نتن ريحه ، و
الذي بعثك بالحق لو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه
وضعت على جبال الدنيا لارفضت و ما تقارت حتى تنتهي إلى الأرض السفلى ، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : حسبي يا جبريل لا يتصدع قلبي ، فأموت ، قال :
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل و هو يبكي ، فقال : تبكي يا جبريل
و أنت من الله بالمكان الذي أنت به ، فقال : مالي لا أبكي ؟ أنا أحق بالبكاء !
لعلي ابتلى بما ابتلي به إبليس ، فقد كان من الملائكة ، و ما أدري لعلي ابتلي
مثل ما ابتلي به هاروت و ماروت ، قال : فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم و
بكى جبريل عليه السلام ، فما زالا يبكيان حتى نوديا : أن يا جبريل و يا محمد إن
الله عز وجل قد أمنكما أن تعصياه ، فارتفع جبريل عليه السلام ، و خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم فمر بقوم من الأنصار يضحكون و يلعبون ، فقال : أتضحكون و
وراءكم جهنم ؟! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا ، و لما أسغتم
الطعام و الشراب ، و لخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل .. فنودي : يا
محمد ! لا تقنط عبادي ، إنما بعثتك ميسرا و لم أبعثك معسرا فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : سددوا و قاربوا " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 311 ) :
موضوع .
أخرجه الطبراني في " الأوسط " بسنده عن عمر بن الخطاب قال : "
جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حين غير حينه الذي كان يأتيه فيه ،
فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا جبريل : مالي أراك متغير
اللون ؟ فقال : ما جئتك حتى أمر الله بمفاتيح النار ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : يا جبريل صف لي النار . الحديث ، أورده المنذري في " الترغيب و
الترهيب " ( 4 / 225 - 226 ) و أشار لضعفه أو وضعه ، و قد بين علته الهيثمي في
" المجمع " فقال ( 10 / 387 ) : " و فيه سلام الطويل و هو مجمع على ضعفه " .
قلت : و ذلك لأنه كان كذابا كما قال ابن خراش ، و قال ابن حبان : ( 1 / 335 -
336 ) : " روى عن الثقات الموضوعات ، كأنه كان المعتمد لها " . و قال الحاكم -
على تساهله - : " روى أحاديث موضوعة " . قلت : و هذا منها بلا شك فإن التركيب و
الصنع عليه ظاهر ، ثم إن فيه ما هو مخالف للقرآن الكريم في موضعين منه : الأول
: قوله في إبليس : " كان من الملائكة " و الله عز وجل يقول فيه : *( كان من
الجن ففسق عن أمر ربه )* ، و ما يروى عن ابن عباس في تفسير قوله : *( من الجن
)* أي من خزان الجنان ، و أن إبليس كان من الملائكة ، فمما لا يصح إسناده عنه ،
و مما يبطله أنه خلق من نار كما ثبت في القرآن الكريم ، و الملائكة خلقت من نور
كما في " صحيح مسلم " عن عائشة مرفوعا ، فكيف يصح أن يكون منهم خلقة ، و إنما
دخل معهم في الأمر بالسجود لآدم عليه السلام لأنه كان قد تشبه بهم و تعبد و
تنسك ، كما قال الحافظ ابن كثير ، و قد صح عن الحسن البصري أنه قال : " ما كان
إبليس من الملائكة طرفة عين قط و إنه لأصل الجن ، كما أن آدم عليه السلام أصل
البشر " . الموضع الثاني : قوله : " ابتلي به هاروت و ماروت " . فإن فيه إشارة
إلى ما ذكر في بعض كتب التفسير أنهما أنزلا إلى الأرض ، و أنهما شربا الخمر و
زنيا و قتلا النفس بغير ، فهذا مخالف لقول الله تعالى في حق الملائكة : *( لا
يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون )*، و لم يرد ما يشهد لما ذكر ، إلا في
بعض الإسرائيليات التي لا ينبغي أن يوثق بها ، و إلا في حديث مرفوع ، قد يتوهم
- بل أوهم - بعضهم صحته ، و هو منكر بل باطل كما سبق تحقيقه برقم 170 ، و يأتي
بعد حديث من وجه آخر .
(2/409)
**********************************
يتبع ان شاء الله ...
911 - " اللهم اجعلني صبورا ، اللهم اجعلني شكورا ، اللهم اجعلني في عيني صغيرا و في
أعين الناس كبيرا " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 313 ) :
منكر .
رواه الديلمي في " مسند الفردوس " ( 1 / 2 / 191 ) و ذكره ابن أبي
حاتم في " العلل " ( 2 / 184 ) كلاهما من طريق عقبة بن عبد الله الأصم عن ابن
بريدة عن أبيه : " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : علمني دعوة
، فقال : .. فذكره ، و قال ابن أبي حاتم عن أبيه : " هذا حديث منكر لا يعرف ، و
عقبة لين الحديث " . و الحديث أورده الهيثمي في " المجمع " ( 10 / 181 ) من
دعائه صلى الله عليه وسلم لا من تعليمه و قال : " رواه البزار ، و فيه عقبة بن
عبد الله الأصم ، و هو ضعيف ، و حسن البزار حديثه " . قلت : لعل تحسين البزار
لحديثه يعني حديثا خاصا غير هذا ، و أراد الحسن المعنوي لا الاصطلاحي ، فقد قال
هو نفسه في عقبة هذا : " غير حافظ ، و إن روى عنه جماعة فليس بالقوي " . و قال
ابن حبان ( 2 / 188 ) : " كان ممن ينفرد بالمناكير عن الثقات المشاهير ، حتى
إذا سمعها من الحديث صناعته شهد لها بالوضع " .
(2/410)
________________________________________
912 - " إن الملائكة قالت : يا رب كيف صبرك على بني آدم في الخطايا و الذنوب ؟ قال :
إني ابتليتهم و عافيتكم ، قالوا لو كنا مكانهم ما عصيناك ، قال فاختاروا ملكين
منكم ، فلم يألوا أن يختاروا ، فاختاروا هاروت و ماروت ، فنزلا ، فألقى الله
تعالى عليهما الشبق ، قلت : و ما الشبق ؟ قال : الشهوة ، قال : فنزلا ، فجاءت
امرأة يقال لها الزهرة ، فوقعت في قلوبهما ، فجعل كل واحد منهما يخفي عن صاحبه
ما في نفسه ، فرجع إليها ، ثم جاء الآخر ، فقال : هل وقع في نفسك ما وقع في
قلبي ؟ قال : نعم ، فطلباها نفسها ، فقالت : لا أمكنكما حتى تعلماني الاسم الذي
تعرجان به إلى السماء و تهبطان ، فأبيا ، ثم سألاها أيضا فأبت ، ففعلا فلما
استطيرت طمسها الله كوكبا و قطع أجنحتها ، ثم سألا التوبة من ربهما ، فخيرهما ،
فقال : إن شئتما رددتكم إلى ما كنتما عليه ، فإذا كان يوم القيامة عذبتكما ، و
إن شئتما عذبتكما في الدنيا فإذا كان يوم القيامة رددتكما إلى ما كنتما عليه
، فقال أحدهما لصاحبه : أن عذاب الدنيا ينقطع و يزول ، فاختارا عذاب الدنيا على
الآخرة ، فأوحى الله إليهما أن ائتيا بابل ، فانطلقا إلى بابل فخسف بهما ، فهما
منكوسان بين السماء و الأرض معذبان إلى يوم القيامة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 313 ) :
باطل مرفوعا .
رواه الخطيب في تاريخه ( 8 / 42 - 43 ) و كذا ابن جرير في
تفسيره ( 2 / 364 ) من طريق الحسين : سنيد بن داود : حدثنا الفرج بن فضالة عن
معاوية بن صالح عن نافع قال : سافرت مع ابن عمر ، فلما كان آخر الليل قال :
يا نافع طلعت الحمراء ؟ قلت : لا ( مرتين أو ثلاثة ) ، ثم قلت : قد طلعت ، قال
: لا مرحبا بها و أهلا ، قلت : سبحان الله ، نجم سامع مطيع ؟ قال : ما قلت لك
إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم : فذكره بتمامه ، لكن ليس عند ابن جرير : " فنزلا .... " إلخ ، و قال
الحافظ ابن كثير في " تفسيره " ( 1 / 255 ) : " غريب جدا " . قلت : و آفته
الفرج بن فضالة أو الراوي عنه سنيد ، فإنهما ضعيفان كما في " التقريب " ، و
الحديث أصله موقوف خطأ في رفعه أحدهما ، و الدليل على ذلك ما أخرجه ابن أبي
حاتم بسند صحيح عن مجاهد قال : كنت نازلا على عبد الله بن عمر في سفر ، فلما
كان ذات ليلة قال لغلامه ( الظاهر أنه نافع ) : انظر هل طلعت الحمراء ؟ لا
مرحبا بها و لا أهلا ، و لا حباها الله ، هي صاحبة الملكين ، قالت الملائكة ،
يا رب كيف تدع عصاة بني آدم .... ؟ قال : إني ابتليتهم ... الحديث نحوه ، قال
ابن كثير : " و هذا إسناد جيد و هو أصح من حديث معاوية بن صالح هذا ، ثم هو مما
أخذه ابن عمر عن كعب الأحبار كما تقدم بالسند الصحيح عنه في الحديث الذي قبله
بحديث ، و الله أعلم ، ثم قال ابن كثير : " و قد روي في قصة هاروت و ماروت عن
جماعة من التابعين كمجاهد و السدي و الحسن البصري و قتادة و أبي العالية و
الزهري و الربيع بن أنس و مقاتل بن حيان و غيرهم ، و قصها خلق من المفسرين من
المتقدمين و المتأخرين ، و حاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل إذ
ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا
ينطق عن الهوى . و ظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط و لا إطناب فيها ،
فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أورده الله تعالى ، و الله أعلم بحقيقة
الحال " . قلت : و قد زعمت امرأة من أهل دومة الجندل أنها رأتهما معلقين
بأرجلهما ببابل ، و أنها تعلمت منهم السحر ، و هما في هذه الحالة ، في قصة
طويلة حكتها لعائشة رضي الله تعالى عنها ، رواها ابن جرير في " تفسيره " ( 2 /
366 - 367 ) بإسناد حسن عن عائشة ، و لكن المرأة مجهولة فلا يوثق بخبرها ، و قد
قال ابن كثير ( 1 / 260 ) : " إنه أثر غريب و سياق عجيب " . و قد اكتفيت
بالإشارة إليه ، فمن شاء الوقوف على سياقه بتمامه فليرجع إليه . و مما يتصل بما
سبق الحديث الآتي : " لعن الله الزهرة ، فإنها هي التي فتنت الملكين : هاروت و
ماروت " .
(2/411)
________________________________________
913 - " لعن الله الزهرة ، فإنها هي التي فتنت الملكين : هاروت و ماروت " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 315 ) :
موضوع .
رواه ابن السني في " عمل اليوم و الليلة " ( 648 ) و ابن منده في "
تفسيره " كما في " تفسير ابن كثير " ( 1 / 256 ) من طريق جابر عن أبي الطفيل عن
علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . و قال الحافظ
ابن كثير : " لا يصح ، و هو منكر جدا " . قلت : و آفته جابر و هو ابن يزيد
الجعفي و هو متهم بالكذب ، و كان يؤمن برجعة علي و يقول : إنه دابة الأرض
المذكورة في القرآن ! و الحديث أورده السيوطي في " الدر المنثور " ( 1 / 97 ) و
كذا في " الجامع الصغير " من رواية ابن راهويه و ابن منده ، و بيض له المناوي
فلم يتعقبه بالشيء ، و من العجيب ، أن السيوطي لم يورده في " الجامع الكبير " و
هو كان أحق به !
(2/412)
________________________________________
914 - " أرشدوا أخاكم " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 315 ) :
ضعيف .
رواه الحاكم ( 2 / 439 ) عن سعد بن عبد الله بن سعد عن أبيه عن
أبي الدرداء رضي الله عنه قال : " سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قرأ
فلحن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره ، و قال : " صحيح
الإسناد " ، و وافقه الذهبي . و أقول : كلا ، فإن عبد الله بن سعد والد سعد و
هو الأيلي غير معروف ، و لم يترجموا له ، مع أنهم ترجموا لابنه ، و لم يذكروا
له رواية عن أبيه ، و الله أعلم .
(2/413)
________________________________________
915 - " إن العبد ليموت والداه أو أحدهما و إنه لعاق ، فلا يزال يدعو لهما حتى يكتب
عند الله بارا " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 316 ) :
ضعيف .
أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 3 / 88 ) من طريق لاحق بن
الحسين بسنده عن إسماعيل بن محمد بن جحادة عن أبيه عن أنس مرفوعا قال
: " لا أصل له ، لاحق كذاب يضع " . و تعقبه السيوطي في " اللآلىء المصنوعة " (
2 / 297 ) بأن له طريق آخر ، أخرجه البيهقي في " الشعب " قال : أنبأنا أبو عبد
الرحمن السلمي ... عن يحيى بن عقبة بن أبي العيزار عن محمد بن جحادة عن أنس بن
مالك به و قال السيوطي : " و يحيى بن عقبة ضعيف " . قلت : بل هو شر من ذلك فقد
قال أبو حاتم : " يفتعل الحديث " . و قال ابن حبان : " يروي الموضوعات عن
الأثبات " . و قال ابن معين : " كذاب خبيث عدو الله " . و قد أورده ابن عراق في
" الوضاعين " من مقدمة كتابه " تنزيه الشريعة " ثم نسي ذلك فتابع السيوطي في
تعقبه على ابن الجوزي ! و أورد الحديث من أجل ذلك في " الفصل الثاني " ( 2 /
297 ) . قلت : و أبو عبد الرحمن السلمي متهم أيضا ، فالسند هالك ، لكن قال
السيوطي بعد ذلك : " و قال ابن أبي الدنيا في " كتاب القبور " : حدثني خالد بن
خداش : حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون
عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن الرجل ليموت .... " الحديث . قال خالد : فحدثت حماد بن زيد فأعجب بذلك
، أخرجه البيهقي و قال : هذا على إرساله أصح من الأول . و قال العراقي في "
تخريج الإحياء " : " هذا مرسل صحيح الإسناد " . قلت : كلا ، فإن خالد بن خداش
مخدوش ! قال الذهبي في " الميزان " : " وثق و قال أبو حاتم و غيره ، صدوق ، و
قال ابن معين ينفرد عن حماد بأحاديث ، و قال ابن المديني و زكريا الساجي : ضعيف
" . ثم ساق الذهبي له حديث : " لا يولد مولود بعد ستمائة لله فيه حاجة " و قال
: " منكر " . قلت : فالإسناد على إرساله ضعيف من أجله ، فالحديث لا يصح بوجه من
الوجوه ، و الله أعلم .
(2/414)
________________________________________
916 - " لا جمعة و لا تشريق إلا في مصر جامع " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 317 ) :
لا أصل له مرفوعا .
فيما علمت . إلا قول أبي يوسف في " كتاب الآثار " له
رقم ( 296 ) : " و زعم أبو حنيفة أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
.... " فذكره مرفوعا ، و هذا وهم ، و إليه أشار أبو يوسف بقوله : " و زعم أبو
حنيفة " مع أنه إمام ، على أنه معضل ، و قد أشار إلى ما ذكرنا الحافظ الزيلعي
في " نصب الراية " بقوله ( 2 / 159 ) : " غريب مرفوعا ، و إنما وجدناه موقوفا
على علي " . و أوهم الحافظ ابن حجر أنه مرفوع ، فقال في " التلخيص " ( 132 ) "
حديث علي : لا جمعة و لا تشريق إلا في مصر ، ضعفه أحمد " . و قال النووي في "
المجموع " ( 4 / 488 ) : " ضعيف جدا " . كذا قالا ، و لم يذكرا من خرجه ، و لا
إسناده لينظر فيه ، و ما أظنه إلا وهما منهما ، و مما يؤيد ذلك أن الإمام أحمد
إنما ضعف الموقوف على علي ، و أما المرفوع فما ذكره ، و لا أعتقد أنه سمع به !
. قال إسحاق بن منصور المروزي في " مسائله عن الإمام أحمد " ( ص 219 ) : " ذكرت
له قول علي : " لا جمعة و لا تشريق إلا في مصر جامع " ؟ قال : الأعمش لم يسمعه
من سعد " . قلت : سعد هذا هو ابن عبيدة ، و قد أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف
" ( 1 / 204 / 1 ) : " أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد
الرحمن السلمي عن علي قال : فذكره . و رواه علي بن الجعد الجوهري في " حديثه "
( 12 / 178 / 1 ) من طريق أبي جعفر الرازي عن الأعمش به ، و أعله أحمد
بالانقطاع بين الأعمش و سعد بن عبيدة . قلت : لكن لم يتفرد به الأعمش ، بل
تابعه طلحة و هو ابن مصرف عند ابن أبي شيبة ، و زبيد اليامي عند الطحاوي في
" مشكل الآثار " ( 2 / 54 ) و البيهقي أيضا في " السنن " ( 3 / 179 ) كلاهما عن
سعد بن عبيدة به . و سعد بن عبيدة ثقة من رجال الستة ، و مثله أبو عبد الرحمن
السلمي فالسند صحيح موقوفا ، و صححه ابن حزم في " المحلى " ( 5 / 53 ) و هو
مقتضى كلام أبي جعفر الطحاوي ، و لكنه قال : " لم يقله علي رضي الله عنه رأيا ،
إذ كان مثله لا يقال بالرأي ، و إنما قاله بتوقيف عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ! كذا قال ، و فيه نظر واضح ، فإن القلب يشهد أن ذلك يقال بالرأي و
الاجتهاد ، و لذلك ظلت المسألة من موارد النزاع ، و قد صح خلافه عن عمر بن
الخطاب أفيقال : إنه توقيف أيضا مع أنه هو الصواب ؟! فروى ابن أبي شيبة في باب
من كان يرى الجمعة في القرى و غيرها ، من طريق أبي رافع عن أبي هريرة أنهم
كتبوا إلى عمر يسألونه عن الجمعة ، فكتب : " جمعوا حيثما كنتم " . قلت : و
إسناده صحيح على شرط الشيخين ، و أبو رافع هذا اسمه نفيع بن رافع الصائغ المدني
، و احتج بهذا الأثر الإمام أحمد على تضعيف أثر علي و زاد : " و أول جمعة جمعت
بالمدينة ، جمع بهم مصعب بن عمير ، فذبح لهم شاة ، فكفتهم ، و كانوا أربعين ، و
ليس ثم أحكام تجري " . قال إسحاق المروزي : " قلت له : أليس ترى في قرى مرو لو
جمعوا ؟ قال : نعم " . ثم روى ابن أبي شيبة ( 1 / 204 / 2 ) بسند صحيح عن مالك
قال : " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في هذه المياه بين مكة و المدينة
يجمعون " . و روى البخاري ( 2 / 316 بشرح الفتح ) و أبو داود ( 1068 ) و غيرهما
عن ابن عباس قال : لجمعة جمعت بـ ( جوثاء ) ، قرية من قرى البحرين ، و في رواية
: قرية من قرى عبد القيس " . و ترجم له البخاري و أبو داود بـ " باب الجمعة في
القرى " . قال الحافظ : " و وجه الدلالة منه أن الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا
إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد
بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي ، و لأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه
القرآن ، كما استدل جابر و أبو سعيد على جواز العزل بأنهم فعلوه و القرآن ينزل
، فلم ينهوا عنه " . قلت : و في هذه الآثار السلفية عن عمر و مالك و أحمد من
الاهتمام العظيم اللائق بهذه الشعيرة الإسلامية الخالدة : صلاة الجمعة حيث
أمروا بأدائها و المحافظة عليها حتى في القرى و ما دونها من أماكن التجمع ، و
هذا - دون أثر علي - هو الذي يتفق مع عمومات النصوص الشرعية و إطلاقها ، و بالغ
التحذير من تركها و هي معروفة ، و حسبي الآن أن أذكر بآية من القرآن : *( يا
أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا
البيع )* ، و صلاة الظهر بعدها ينافي تمامها : *( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في
الأرض و ابتغوا من فضل الله )* . و لما سافرت في رمضان سنة 1396 إلى بريطانيا
سرني جدا أنني رأيت المسلمين في لندن يقيمون صلاة الجمعة و العيد أيضا ، و
بعضهم يصلون الجمعة في بيوت اشتروها أو استأجروها و جعلوها ( مصليات ) يصلون
فيها الصلوات الخمس و الجمعات ، فقلت في نفسي : لقد أحسن هؤلاء بالمحافظة على
هذه العبادة العظيمة هنا في بلاد الكفر ، و لو تعصبوا لمذهبهم و جلهم من
الحنفية - لعطلوها و صلوها ظهرا ! فازددت يقينا بأنه لا سبيل إلى نشر الإسلام و
المحافظة عليه إلا بالاستسلام لنصوص الكتاب و السنة ، و اتباع السلف الصالح ،
المستلزم الخروج عن الجمود المذهبي إلى فسيح دائرة الإسلام ، الذي بنصوصه التي
لا تبلى يصلح لكل زمان و مكان ، و ليس بالتعصب المذهبي ، و الله ولي التوفيق .
(2/415)
________________________________________
917 - " أخروهن من حيث أخرهن الله . يعني النساء " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 319 ) :
لا أصل له مرفوعا .
و قد أشار إلى ذلك الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " (
2 / 36 ) بقوله : " حديث غريب مرفوعا . و هو في " مصنف عبد الرزاق "- <1> موقوف
على ابن مسعود فقال : أخبرنا سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن
ابن مسعود قال : كان الرجال و النساء في بني إسرائيل يصلون جميعا ، فكانت
المرأة ( لها الخليل ) تلبس القالبين فتقوم عليهما ، تقول بهما لخليلها ، فألقي
عليهن الحيض ، فكان ابن مسعود يقول : أخروهن من حيث أخرهن الله . قيل : فما
القالبان ؟ قال : أرجل من خشب يتخذها النساء يتشرفن الرجال في المساجد ، و من
طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في ( معجمه ) " . قلت : و رواه الطبراني في "
المعجم الكبير " ( 3 / 36 / 2 ) من طريق زائدة أيضا عن الأعمش به ، إلا أنه لم
يذكر أبا معمر في سنده . ثم ذكر الزيلعي أن بعض الجهال ( كذا ) من فقهاء
الحنفية كان يعزوه إلى " مسند رزين " و " دلائل النبوة " للبيهقي . قال : " و
قد تتبعته فلم أجده فيه لا مرفوعا و لا موقوفا " . و أفحش من هذا الخطأ أن
بعضهم عزاه للصحيحين كما نبه عليه الزركشي ، و نقله السخاوي ( 41 ) و غيره عنه
، و نقل الشيخ علي القاريء في " الموضوعات " عن ابن الهمام أنه قال في شرح
الهداية " : لا يثبت رفعه ، فضلا عن شهرته ، و الصحيح أنه موقوف على ابن مسعود
كما في " كشف الخفاء " ( 1 / 67 ) . قلت : و الموقوف صحيح الإسناد ، و لكن لا
يحتج به لوقفه ، و الظاهر أن القصة من الإسرائيليات . و من العجائب أن الحنفية
أقاموا على هذا الحديث مسألة فقهية خالفوا فيها جماهير العلماء ، فقالوا : إن
المرأة إذا وقفت بجانب الرجل أو تقدمت عليه في الصلاة أفسدت عليه صلاته ، و أما
المرأة فصلاتها صحيحة ، مع أنها هي المعتدية ! بل ذهب بعضهم إلى إبطال الصلاة و
لو كانت على السدة فوقه محاذية له ! و قد استدلوا على ذلك بالأمر في هذا الحديث
بتأخيرهن ، و لا يدل على ما ذهبوا إليه البتة ، و ذلك من وجوه : أولا : أن
الحديث موقوف فلا حجة فيه كما سبق . ثانيا : أن الأمر و إن كان يفيد الوجوب فهو
لا يقتضي فساد الصلاة ، بل الإثم كما سيأتي عن الحافظ . ثالثا : أنه لو اقتضى
فساد الصلاة فإنما ذلك إذا خالف الرجل الأمر و لم يؤخر المرأة أو لم يتقدم
عليها ، أما إذا دخل في الصلاة ثم اعتدت المرأة و وقفت بجانبه ، أو تقدمت عليه
، فلا يدل على بطلان صلاته بوجه من الوجوه ، بل لو قيل ببطلان صلاة المرأة في
هذه الحالة لم يبعد ، لو كان صح رفع الحديث ، و مع ذلك فهم لا يقولون ببطلان
صلاتها ! و هذا من غرائب أقوال الحنفية التي لا يشهد لصحتها أثر و لا نظر ! نعم
من السنة أن تتأخر المرأة في الصلاة عن الرجال كما روى البخاري و غيره عن أنس
بن مالك قال : " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، أنا و يتيم في بيتنا خلف
النبي صلى الله عليه وسلم و أمي أم سليم خلفنا " . قال الحافظ في " شرحه " ( 2
/ 177 ) : " و فيه أن المرأة لا تصف مع الرجل ، و أصله ما يخشى من الافتتان بها
، فإذا خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور . و عن الحنفية : تفسد صلاة الرجل دون
المرأة ، و هو عجيب ، و في توجيهه تعسف ، حيث قال قائلهم ، دليله قول ابن مسعود
هذا ، و الأمر للوجوب ، و حيث ظرف مكان ، و لا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان
الصلاة ، فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل ، لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها ! و
حكاية هذا تغني عن تكلف جوابه . و الله المستعان ، فقد ثبت النهي عن الصلاة في
الثوب المغصوب ، و أمر لابسه أن ينزعه ، فلو خالف فصلى فيه و لم ينزعه أثم و
أجزأته صلاته ، فلم لا يقال في الرجل الذي حاذته المرأة ذلك ، و أوضح منه لو
كان لباب المسجد صفة مملوكة فصلى فيها شخص بغير إذنه مع اقتداره على أن ينتقل
عنها إلى أرض المسجد بخطوة واحدة صحت صلاته و أثم ، و كذلك الرجل مع المرأة
التي حاذته ، و لاسيما إن جاءت بعد أن دخل في الصلاة فصلت بجنبه " .
-----------------------------------------------------------
[1] ( ج 3 / 149 رقم 5115 - طبع المكتب الإسلامي ) ، و الزيادة منه ، مع تصحيح
بعض الألفاظ . . اهـ .
1
(2/416)
________________________________________
918 - " التوكؤ على عصا من أخلاق الأنبياء ، كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عصا
يتوكأ عليها ، و يأمرنا بالتوكؤ عليها " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 316 ) :
موضوع .
رواه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " ( ص 259 ) و
ابن عدي في " الكامل " ( ق 330 / 1 ) من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن المعلى بن
هلال عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال : " التوكؤ ... " الحديث . أورده ابن
عدي في ترجمة المعلى هذا و قال : " هو في عداد من يضع الحديث " . و عثمان بن
عبد الرحمن هو الحراني الطرائفي ، و هو صدوق ، أكثر الرواية عن الضعفاء و
المجاهيل ، و ضعف بسبب ذلك حتى نسبه ابن نمير إلى الكذب و قد وثقه ابن معين كما
في " التقريب " .
(2/417)
________________________________________
919 - " ما قال عبد لا إله إلا الله مخلصا إلا صعدت لا يردها حجاب ، فإذا وصلت إلى
الله عز وجل نظر إلى قائلها ، و حق على الله أن لا ينظر إلى موحد إلا رحمه " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 320 ) :
منكر .
رواه ابن بشران في " الأمالي " (70 / 1 و 108 / 2 ) عن علي بن
الحسين بن يزيد الصدائي : حدثنا أبي حدثنا الوليد بن القاسم عن يزيد بن كيسان
عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعا . و من طريق ابن بشران رواه الخطيب في
ترجمة علي بن الحسين هذا ( 11 / 394 ) و ذكر أن وفاته كانت سنة ( 286 ) و لم
يذكر فيه جرحا و لا تعديلا ، و أنه روى عنه أبو بكر الشافعي و أبو علي أحمد بن
الفضل بن خزيمة . قلت : و قد خالفه في متنه الإمام الترمذي فرواه عن الحسين بن
يزيد به ، بلفظ : " .... إلا فتحت له أبواب السماء حتى تقضي إلى العرش ، ما
اجتنبت الكبائر " . قلت : فهذا يدل على ضعف علي بن الحسين عندي ، لمخالفته
الترمزي في لفظ حديثه على قلة روايته ، و لذلك أوردت الحديث بلفظ الترمذي في
" الأحاديث الصحيحة " و " المشكاة " ( 2314 ) . و الحديث عزاه السيوطي في
" الجامع الكبير " ( 2 / 175 / 2 ) للخطيب وحده .
(2/418)
________________________________________
920 - " لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب
، و إن أبعد الناس من الله القلب القاسي " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 321 ) :
ضعيف .
أخرجه الترمذي ( 2 / 66 ) و الواحدي في " الوسيط " ( 1 / 27 / 2 ) و
أبو جعفر الطوسي الفقيه الشيعي في " الأمالي ( ص 2 ) و البيهقي في " شعب
الإيمان " ( 2 / 65 / 1 - 2 ) من طريق إبراهيم بن عبد الله بن حاطب عن عبد الله
بن دينار عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره ، و
قال الترمذي : " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم " . قلت : و هو
ابن عبد الله بن الحارث بن حاطب الجمحي ، ترجمه ابن أبي حاتم ( 1 / 110 / 1 ) و
لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا ، و أورده الذهبي في " الميزان " و ساق له هذا
الحديث من غرائبه ، و قال : " ما علمت فيه جرحا " . قلت : فقد يقال فهل علمت
فيه توثيقا ؟ فإن عدم الجرح لا يستلزم التوثيق كما لا يخفى ، و لذلك فالأحسن في
الإفصاح عن حاله قول ابن القطان : " لا يعرف حاله " . و أما ابن حبان فذكره في
" الثقات " على قاعدته ! و اغتر به الشيخ أحمد شاكر رحمه الله فصحح إسناده في "
عمدة التفسير " ( 1 / 168 ) . و الحديث رواه الإمام مالك في " الموطأ " ( 2 /
986 / 8 ) أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول : فذكره بأتم منه من قول عيسى
عليه السلام ، و قد مضى قريبا ( 908 ) . و هذا هو اللائق بمثل هذا الكلام أن
يكون مما يرويه أهل الكتاب عن عيسى عليه الصلاة و السلام ، و ليس من حديث نبينا
محمد صلى الله عليه و آله وسلم . ( تنبيه ) : هذا الحديث لم يورده السيوطي في "
الجامع الكبير " مع أنه ذكره في " الزيادة على الجامع الصغير " ، و وقع لبعض
الأفاضل فيه و هم فاحش ، سبق بيانه هناك .
(2/419)
*********************************
يتبع ان شاء الله ...
921 - " إذا انتهى أحدكم إلى الصف و قد تم ، فليجبذ إليه رجلا يقيمه إلى جنبه " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 321 ) :
ضعيف .
رواه الطبراني في " الأوسط " ( 33 / 1 - مجمع البحرين ) عن حفص بن
عمر الربالي : حدثنا بشر بن إبراهيم : حدثني الحجاج بن حسان عن عكرمة عن ابن
عباس مرفوعا . و قال : " لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد تفرد به بشر "
. قلت : و هو الأنصاري المفلوج ، قال ابن عدي : " و هو عندي ممن يضع الحديث " .
و قال بن حبان ( 1 / 180 ) : " كان يضع الحديث على الثقات " . قلت : فقول
الهيثمي 2 / 96 ) : " و هو ضعيف جدا " فيه تساهل ظاهر ، و أسوأ منه سكوت
الحافظ عنه في " بلوغ المرام " ( 2 / 25 - بشرح السبل ) مع أنه قال في
" التلخيص " ( 2 / 37 ) : " إسناده واه " . و قد خالفه في إسناده يزيد بن هارون
الثقة الحافظ فرواه عن الحجاج بن حسان عن مقاتل بن حيان مرسلا نحوه . رواه
البيهقي ( 3 / 105 ) . و قد روي من طريق أخرى عن عكرمة عن ابن عباس موصولا به
نحوه ، و ليس فيه الجبذ ، بل قال له : " أعد صلاتك " . قلت : و هو بهذا اللفظ
صحيح لأن له شواهد كثيرة من حديث وابصة بن معبد و غيره و قد تكلمت عليها و
تتبعت طرقها في " إرواء الغليل " ( 534 ) و للحديث شاهد واه من رواية وابصة
بلفظ : " ألا دخلت في الصف ، أو جذبت رجلا صلى معك ؟! أعد صلاتك " .
(2/420)
________________________________________
922 - " ألا دخلت في الصف ، أو جذبت رجلا صلى معك ؟! أعد صلاتك " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 322 ) :
ضعيف جدا .
أخرجه ابن الأعرابي في " المعجم " و أبو الشيخ في " تاريخ
أصبهان " و أبو نعيم في " أخبار أصبهان " من طريق يحيى بن عبدويه : حدثنا قيس
بن الربيع عن السدي عن زيد بن وهب عن وابصة بن معبد : " أن رجلا صلى خلف الصف
وحده ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ، فذكره . قلت : و لكن إسناده واه
جدا ، فلا يصلح للشهادة ، فإن قيسا ضعيف ، و ابن عبدويه أشد ضعفا منه ، كما
بينته في المصدر المشار إليه آنفا ، فأغنى عن الإعادة ، فإعلال الحافظ إياه
بقيس وحده قصور . و أفاد أن الطبراني أخرجه أيضا في " الأوسط " فرفعه السري بن
إسماعيل و هو متروك ، و أما الهيثمي فعزاه لأبي يعلى من طريق السري هذا و هو في
" مسنده " ( 2 / 445 ) . ( فائدة ) : إذا ثبت ضعف الحديث فلا يصح حينئذ القول
بمشروعية جذب الرجل من الصف ليصف معه ، لأنه تشريع بدون نص صحيح ، و هذا لا
يجوز ، بل الواجب أن ينضم إلى الصف إذا أمكن و إلا صلى وحده ، و صلاته صحيحة ،
لأنه ( لا يكلف الله نفس إلا وسعها ) ، و حديث الأمر بالإعادة محمول على ما إذا
قصر في الواجب و هو الإنضمام في الصف و سد الفرج و أما إذا لم يجد فرجة ، فليس
بمقصر ، فلا يعقل أن يحكم على صلاته بالبطلان في هذه الحالة ، و هذا هو اختيار
شيخ الإسلام ابن تيمية ، فقال في الاختيارات " ( ص 42 ) : " و تصح صلاة الفذ
لعذر ، و قاله الحنفية ، و إذا لم يجد إلا موقفا خلف الصف ، فالأفضل أن يقف
وحده و لا يجذب من يصافه ، لما في الجذب من التصرف في المجذوب ، فإن كان
المجذوب يطيعه ، فأيهما أفضل له و للمجذوب ؟ الاصطفاف مع بقاء فرجة ، أو وقوف
المتأخر وحده ؟ و كذلك لو حضر اثنان ، و في الصف فرجة ، فأيهما أفضل وقوفهما
جميعا أو سد أحدهما الفرجة ، و ينفرد الآخر ؟ الراجح الاصطفاف مع بقاء الفرجة
، لأن سد الفرجة مستحب ، و الاصطفاف واجب " . قلت : كيف يكون سد الفرج مستحبا
فقط ، و رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح : " من وصل صفا
وصله الله ، و من قطع صفا قطعه الله " ! <1> فالحق أن سد الفرج واجب ما أمكن ،
و إلا وقف وحده لما سبق . و الله أعلم . ( تنبيه ) : هذا الحديث لم يورده
السيوطي في " الجامع الكبير " البتة !! .
-----------------------------------------------------------
[1] انظر المشكاة ( 1102 ) . اهـ .
(2/421)
________________________________________
924 - " إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها صيام و لا صلاة ، و لا حج ، و لا جهاد ، إلا
الغموم و الهموم في طلب العلم " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 325 ) :
ضعيف .
رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 1 / 287 ) عن أحمد بن علي بن
زيد الدينوري : حدثنا يزيد بن شريح بن مسلم الخوارزمي : حدثنا علي بن الحسين بن
واقد : حدثني أبي : حدثنا أبو غالب عن أبي أمامة مرفوعا . قلت : و هذا سند
ضعيف ، أحمد بن علي و يزيد بن شريح لم أجد من ترجمهما . و من فوقهما ثقات
معرفون و فيهم كلام يسير لا يضر . و هذا الحديث مما فات السيوطي فلم يورده في "
الجامع الكبير " : بله " الصغير " !
(2/422)
________________________________________
925 - " إن لله ملائكة و هم الكروبيون ، من شحمة أذن أحدهم إلى ترقوقته مسيرة سبعمائة
عام للطائر السريع في انحطاطه " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 323 ) :
ضعيف جدا .
رواه ابن عساكر ( 12 / 231 / 2 ) عن محمد بن أبي السري : أخبرنا
عمرو بن أبي سلمة عن صدقة بن عبد الله القرشي عن موسى بن عقبة عن محمد بن
المنكدر عن جابر بن عبد الله مرفوعا و قال : " روى إبراهيم بن طهمان عن
موسى بن عقبة شيئا من هذا " . قلت : و هذا سند واه جدا ، و له علتان : الأولى
: محمد بن أبي السري ، و هو متهم . و الأخرى : صدقة هذا و هو الدمشقي السمين و
هو ضعيف ، و وقع في السند " القرشي ، و لم ترد هذه النسبة في ترجمته من
" التهذيب " ، فلعله تحرف على الناسخ نسبته " الدمشقي " بالقرشي ، و الله أعلم
. و قد خالفه إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة به بلفظ : " أذن لي أن أحدث عن
ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش ، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة
سبعمائة سنة " . و هو بهذا اللفظ صحيح كما قد بينته في " الأحاديث الصحيحة "
رقم ( 151 ) .
(2/423)
________________________________________
925 - " يا أيها الناس إن الرب واحد ، و الأب واحد ، و ليست العربية بأحدكم من أب و
لا أم ، و إنما هي اللسان ، فمن تكلم بالعربية فهو عربي " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 325 ) :
ضعيف جدا .
رواه ابن عساكر ( 3 / 203 / 2 ) عن العلاء بن سالم : أخبرنا قرة
بن عيسى الواسطي : أخبرنا أبو بكر الذهلي عن مالك بن أنس الزهري عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن قال : جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي و صهيب الرومي
و بلال الحبشي ، فقال : هذا الأوس و الخزرج قد قاموا بنصرة هذا الرجل فما بال
هذا ؟ فقام إليه معاذ بن جبل فأخذ بتلبيبه ، ثم أتى به النبي صلى الله عليه
وسلم فأخبره بمقالته ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم قائما يجر ردائه حتى دخل
المسجد ثم نودي : أن الصلاة جامعة ، و قال : ( ذكره ) ، فقام معاذ بن جبل و هو
آخذ بتلبيبه ، قال : فما تأمرنا بهذا المنافق يا رسول الله ؟ قال : دعه إلى
النار ، فكان قيس ممن ارتد في الردة ، فقتل . قلت و هذا سند ضعيف جدا أبو بكر
الذهلي ( كذا الأصل ، و الصواب الهذلي ) و هو متروك كما قال الدارقطني و
النسائي و غيرهما و كذبه غندر . ثم رأيت الحديث في موضع آخر من " تاريخ ابن
عساكر " ( 8 / 190 - 191 ) من هذا الوجه " و فيه " الهذلي على الصواب . و قال :
" هذا حديث مرسل ، و هو مع إرساله غريب ، تفرد به أبو بكر سلمى بن عبد الله
الهذلي البصري ، و لم يروه عنه إلا قرة " . قلت : و لم أجد من ترجمه ، فهذه علة
أخرى . و مثله الراوي عنه : العلاء . و على الصواب ذكره ابن تيمية في
" الاقتضاء " ( 169 - طبع الأنصار ) من رواية السلفي ، ثم قال ابن تيمية
: " هذا الحديث ضعيف ، و كأنه مركب على مالك ، لكن معناه ليس ببعيد ، بل هو
صحيح من بعض الوجوه " .
(2/424)
________________________________________
926 - " إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الصلاة و لا الصيام و لا الحج و لا العمرة
. قال : فما يكفرها يا رسول الله ؟ قال : الهموم في طلب المعيشة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 324 ) :
موضوع .
رواه الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 134 / 1 ) و عنه أبو نعيم في "
الحلية " ( 6 / 235 ) و الخطيب في " التلخيص " ( 61 / 2 ) و ابن عساكر ( 15 /
332 / 1 ) عن محمد بن سلام المصري : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير : حدثنا
مالك بن أنس عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا ، و قال
الطبراني : " لم يروه عن مالك إلا يحيى ، تفرد به محمد " . و قال الخطيب
: " روى عن يحيى بن بكير حديثا منكرا " . ثم ساقه ، و قال ابن عساكر : " غريب
جدا " . قلت : اتهمه الذهبي بهذا الحديث فقال : " حدث عن يحيى بن بكير عن مالك
بخبر موضوع " . قلت : و هو هذا ، قال الحافظ في " اللسان " : " و الخبر المذكور
عن أبي هريرة رفعه ، قلت : فذكره من رواية الطبراني ثم قال : و أخرجه الدارقطني
في " الغرائب من طريقين آخرين عن محمد بن سلام ، قال : الحمل فيه على محمد بن
سلام الحمراوي البزار " . قلت : و قد أغرب ابن الملقن في " الخلاصة " ( 171 / 1
) حيث عزى الحديث للخطيب فقط في كتابه " تلخيص المتشابه " من حديث يحيى بن بكير
... " . و وجه الإغراب أنه عزاه للخطيب فأوهم أنه لم يروه من هو أعلى طبقة منه
، ثم هو لم يذكر من السند ما هو موضع العلة منه ، بل طوى صفحا عنها ، و ذكر من
السند من هم فوقها ، مما لا فائدة من ذكره مطلقا ، اللهم إلا إيهام أن ما لم
يذكره من السند ليس فيهم من ينظر فيه ! و الحديث عزاه السيوطي في " الجامع
الكبير " ( 1 / 219 / 1 ) لابن عساكر فقط ! و قال : " و فيه محمد بن يوسف بن
يعقوب الرقي ضعيف " . قلت : بل هو كذاب وضاع ، قال الدارقطني : " وضع من
الأحاديث ما لا يضبط " . قلت : لكنه لم يرد له ذكر في إسناد الحديث هذا عند من
ذكرنا . ثم إن الحديث عزاه السيوطي للخطيب في " المتفق و المفترق " عن أبي عبيد
عن أنس . قال الأزدي : " أبو عبيد رضي الله عنه (!) عن أنس لا شيء " . و روي
بلفظ آخر و هو : " إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها صيام و لا صلاة ، و لا حج ، و
لا جهاد ، إلا الغموم و الهموم في طلب العلم " .
(2/425)
________________________________________
928 - " كان يخر على ركبتيه ، و لا يتكىء " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 328 ) :
ضعيف .
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( رقم 497 - موارد ) من طريق معاذ بن
محمد بن معاذ بن أبي بن كعب عن أبيه عن جده عن أبي بن كعب عن النبي صلى
الله عليه وسلم : فذكره . قلت : و هذا سند ضعيف مسلسل بالمجهولين ، قال ابن
المديني : " لا نعرف محمد بن معاذ هذا ، و لا أباه ، و لا جده في الرواية ، و
هذا إسناد مجهول " . كذا في " الميزان " و " اللسان " . و قال الحافظ في ترجمة
محمد هذا من " التقريب " . " مجهول " . و قال في ابنه معاذ : " مقبول " . قلت
: و أما ابن حبان فأوردهم في " الثقات " على قاعدته في توثيق المجهولين ، ثم
أخرج حديثهم في صحيحه كما ترى ، فلا تغتر بذلك ، فإنه قد شذ في ذلك عن التعريف
الذي اتفق عليه جماهير المحدثين في الحديث الصحيح و هو : " ما رواه عدل ، ضابط
، عن مثله " . فأين العدالة ، و أين الضبط في مثل هؤلاء المجهولين . لاسيما و
قد رووا منكرا من الحديث خالفوا به الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم من
غير طريق كما سيأتي بيانه . و لقد بدا لي شيء جديد يؤكد شذوذ ابن حبان المذكور
، ذلك أنني حصلت نسخة من كتابه القيم " المجروحين " في موسم حج السنة الماضية (
1496 ) فلم أر له فيه راويا واحدا جرحه بالجهالة حتى الآن فهذا يؤكد أن الجهالة
عنده ليست جرحا ! هذا ، و في معناه حديث وائل بن حجر قال : " رأيت النبي صلى
الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه ، و إذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه "
. أخرجه أبو داود ( 1 / 134 ) و النسائي ( 1 / 165 ) و الترمذي ( 2 / 56 ) و
الطحاوي ( 1 / 150 ) و ابن حبان في " صحيحه " ( رقم 487 - موارد ) و الدارقطني
( 131 - 132 ) و الحاكم ( 1 / 226 ) و عنه البيهقي ( 2 / 98 ) كلهم من طريق
يزيد بن هارون : أخبرنا شريك <1> عن عاصم بن كليب عن أبيه عنه . قلت : و هذا
سند ضعيف ، و قد اختلفوا فيه ، فقال الترمذي عقبه : " هذا حديث حسن غريب ، لا
نعرف أحدا رواه مثل هذا عن شريك " . و قال الحاكم : " احتج مسلم بشريك " ! و
وافقه الذهبي ! و ليس كما قالا ، على ما يأتي بيانه ، و قال ابن القيم في
" الزاد " ( 1 / 79 ) و قد ذكر الحديث : " هو الصحيح " ، و خالفهم الدارقطني
فقال عقبه : " تفرد به يزيد عن شريك ، و لم يحدث به عاصم بن كليب غير شريك ، و
شريك ليس بالقوي فيما يتفرد به " . و خالفهم أيضا البخاري ثم البيهقي فقال هذا
في " سننه " ( 2 / 99 ) : " هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي ، و إنما تابعه
همام من هذا الوجه مرسلا ، هكذا ذكره البخاري و غيره من الحفاظ المتقدمين رحمهم
الله تعالى " . و هذا هو الحق الذي لا يشك فيه كل من أنصف ، و أعطى البحث حقه
من التحقيق العلمي ، أن هذا الإسناد ضعيف ، و له علتان : الأولى : تفرد شريك به
. و الأخرى : المخالفة . و قد سمعت آنفا الدارقطني يقول في شريك : إنه ليس
بالقوي فيما يتفرد به ، و في " التقريب " : " صدوق ، يخطىء كثيرا ، تغير حفظه
منذ ولي القضاء بالكوفة " . قلت : فمثله لا يحتج به إذا تفرد فكيف إذا خالف كما
يأتي بيانه ، و قول الحاكم و الذهبي : " احتج به مسلم " من أوهامهما ، فإنما
أخرج له مسلم في المتابعات كما صرح بذلك المنذري في خاتمة " الترغيب و الترهيب
" . و كثيرا ما يقع الحاكم في مثل هذا الوهم و يتبعه عليه الذهبي على خلاف ما
يظن به ، فيصححان أحاديث شريك على شرط مسلم ، و هي لا تستحق التحسين فضلا عن
التصحيح ، فكيف على شرط مسلم ؟ ! فليتنبه لهذا من أراد البصيرة في دينه ، و
أحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم . و أما المخالفة التي سبقت الإشارة إليها فهي
من جهتين : المتن و السند . فأما المتن ، فقد روى الحديث جماعة من الثقات عن
عاصم بن كليب به ، فذكروا صفة صلاته صلى الله عليه وسلم بأتم مما ذكره شريك عن
عاصم ، و مع ذلك فلم يذكروا كيفية السجود و النهوض عنه إطلاقا كما أخرجه أبو
داود و النسائي و أحمد و غيرهم عن زائدة و ابن عيينة و شجاع بن الوليد كلهم عن
عاصم به <2> . فدل ذلك على أن ذكر الكيفية في حديث عاصم منكر لتفرد شريك به دون
الثقات . و أما المخالفة في السند ، فهو أن هماما قال : حدثنا شقيق أبو الليث
قال : حدثني عاصم بن كليب عن أبيه . " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد
وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه " . أخرجه أبو داود و البيهقي و قال : "
قال عفان : و هذا الحديث غريب " <3> . قلت : فقد خالف شريكا شقيق فأرسله ، و
لكن شفيقا هذا ليس خيرا من شريك ، فإنه مجهول لا يعرف ، كما قال الذهبي و غيره
. و لهمام فيه إسناد آخر ، و لكنه معلول أيضا ، فقال : حدثنا محمد بن جحادة عن
عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " كان إذا
دخل في الصلاة رفع يديه ... فلما أراد أن يسجد وقعت ركبتاه على الأرض قبل أن
تقع كفاه ... فإذا نهض ، نهض على ركبتيه ، و اعتمد على فخذيه " . أخرجه أبو
داود و البيهقي <4> و علته الانقطاع ، فقال النووي في " المجموع شرح المهذب " (
3 / 446 ) : " حديث ضعيف لأن عبد الجبار بن وائل اتفق الحفاظ على أنه لم يسمع
من أبيه شيئا ، و لم يدركه " . و في الباب حديث آخر معلول أيضا ، رواه أبو
العلاء بن إسماعيل العطار : حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس قال
: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه " .
أخرجه الدارقطني ( 132 ) و الحاكم ( 1 / 226 ) و عنه البيهقي ( 2 / 99 ) و
الحازمي في " الاعتبار " ( 55 ) و ابن حزم في " المحلى " ( 4 / 129 ) و الضياء
المقدسي في " الأحاديث المختارة " . و قال الدارقطني و البيهقي : " تفرد به
العلاء بن إسماعيل " . قلت : و هو مجهول كما قال ابن القيم في " الزاد " ( 1 /
81 ) و من قبله البيهقي كما في " التلخيص " لابن حجر ، و قال ابن أبي حاتم في "
العلل " ( 1 / 188 ) عن أبيه : " هذا حديث منكر " . قلت : و أما قول الحاكم و
الذهبي : " حديث صحيح على شرط الشيخين " فغفلة كبيرة منهما عن حال العلاء هذا
، مع كونه ليس من رجال الشيخين ! و قال الحافظ في ترجمته من " اللسان " : " و
قد خالفه عمر بن حفص بن غياث ، و هذا من أثبت الناس في أبيه ، فرواه عن أبيه عن
الأعمش عن إبراهيم عن علقمة و غيره عن عمر موقوفا عليه ، و هذا هو المحفوظ " .
قلت : أخرجه الطحاوي ( 1 / 151 ) بالسند المذكور عن إبراهيم عن أصحاب عبد الله
علقمة و الأسود فقالا : حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه كما
يخر البعير ، وضع ركبتيه قبل يديه . و سنده صحيح . قلت : و قد صرح الأعمش عنده
بالتحديث ، و رواه عبد الرزاق ( 2955 ) نحوه . و في هذا الأثر تنبيه هام ، و هو
أن البعير يبرك على ركبتيه ، يعني اللتين في مقدمتيه ، و إذا كان كذلك لزم أن
لا يبرك المصلي على ركبتيه كما يبرك البعير ، لما ثبت في أحاديث كثيرة من النهي
عن بروك كبروك الجمل ، و جاء في بعضها توضيح ذلك من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ
: " إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، و ليضع يديه قبل ركبتيه " . رواه
أبو داود بسند جيد ، و في رواية عن أبي هريرة بلفظ : " كان النبي صلى الله عليه
وسلم إذا سجد بدأ بوضع يديه قبل ركبتيه " . أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (
1 / 149 ) هو الذي قبله بالسند المشار إليه آنفا ، و روى له شاهدا من حديث ابن
عمر من فعله و فعل النبي صلى الله عليه وسلم . و سنده صحيح ، و صححه الحاكم و
الذهبي . فهذه الأحاديث الثابتة تدل على نكارة الأحاديث المتقدمة جميعها ، و
مما يدل على ضعف بعضها من جهة ما فيها من الزيادة في هيئة القيام إلى الركعة
الثانية ، حديث أبي قلابة قال : " كان مالك بن الحويرث يأتينا فيقول : ألا
أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيصلى في غير وقت الصلاة ، فإذا
رفع رأسه من السجدة الثانية في أول ركعة استوى قاعدا ، ثم قام فاعتمد على الأرض
" . أخرجه الإمام الشفاعي في " الأم " ( 1 / 101 ) و النسائي ( 1 / 173 ) و
البيهقي ( 2 / 124 - 135 ) بإسناد صحيح على شرط الشيخين ، و قد أخرجه البخاري (
2 / 241 ) من طريق أخرى عن أبي قلابة نحوه . ففيه دلالة صريحة على أن السنة في
القيام إلى الركعة الثانية إنما هو الاعتماد ، أي باليد ، لأنه افتعال من
العماد ، و المراد به الإتكاء و هو باليد كما في " الفتح " قال : " و روى عبد
الرزاق عن ابن عمر أنه كان يقوم إذا رفع رأسه من السجدة معتمدا على يديه قبل أن
يرفعهما " ، قلت : و فيه عنده ( 2964 ، 2969 ) العمري و هو ضعيف ، لكن الاعتماد
فيه شاهد قوي سأذكره بإذن الله تحت الحديث الآتي برقم ( 967 ) . فقد ثبت مما
تقدم أن السنة الصحيحة إنما هو الاعتماد على اليدين في الهوي إلى السجود و في
القيام منه ، خلافا لما دلت عليه هذه الأحاديث الضعيفة ، فكان ذلك دليلا آخر
على ضعفها .
-----------------------------------------------------------
[1] وقع في " الموارد " " إسرائيل " بدل " شريك " ، و هو خطأ من الناسخ و ليس
من الطابع ، فقد رجعت إلى الأصل المخطوط في المكتبة المحمودية في المدينة
المنورة فرأيته في ( ق 35 / 1 ) : " إسرائيل " كما في المطبوعة عنه . فتنبه .
[2] " صحيح أبي داود " ( 714 - 718 )
[3] " ضعيف أبي داود " ( 121 ) .
[4] المصدر نفسه ( 151 ) . اهـ .
(2/426)
________________________________________
929 - " لا يشربن أحد منكم قائما ، فمن نسي فليستقىء " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 326 ) :
منكر بهذا اللفظ .
أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 6 / 110 - 111 ) من طريق عمر
بن حمزة : أخبرني أبو غطفان المري أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : فذكره . قلت : و عمر هذا و إن احتج به مسلم فقد ضعفه
الإمام أحمد و ابن معين و النسائي و غيرهم ، و لذلك أورده الذهبي في " الميزان
" و ذكره في " الضعفاء " و قال : " ضعفه ابن معين لنكارة حديثه " . و قال
الحافظ في " التقريب " : " ضعيف " . قلت : و قد صح النهي عن الشرب قائما في غير
ما حديث ، عن غير واحد من الصحابة ، و منهم أبو هريرة ، لكن بغير هذا اللفظ ، و
فيه الأمر بالاستقاء ، لكن ليس فيه ذكر النسيان ، فهذا هو المستنكر من الحديث
، و إلا فسائره محفوظ . و لذلك أوردته في " الأحاديث الصحيحة " تحت رقم ( 177 )
.
(2/427)
________________________________________
929 - " من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها ، فعل به كذا و كذا من النار " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 332 ) :
ضعيف .
رواه أبو داود ( 249 ) و ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 35 / 2 ) و
عنه ابن ماجه ( 599 ) و الدارمي ( 1 / 192 ) و البيهقي ( 1 / 175 ) و أحمد ( 1
/ 94 و 101 ) و ابنه في " زوائده عليه " ( 1 / 133 ) من طرق عن حماد بن سلمة
: حدثنا عطاء بن السائب عن زاذان عن علي بن أبي طالب مرفوعا به . قال علي
: فمن ثم عاديت شعري ، و كان يجزه . قال الحافظ في " التلخيص " ( ص 52 ) : " و
إسناده صحيح ، فإنه من رواية عطاء بن السائب و قد سمع منه حماد بن سلمة قبل
الاختلاط ، لكن قيل : إن الصواب وقفه على علي " . و قال الشوكاني في " نيل
الأوطار " ( 1 / 239 ) عقب كلام الحافظ هذا : " و قال النووي ، ضعيف ، و عطاء
قد ضعفه ، قبل اختلاطه ، و لحماد أوهام ، و في إسناده أيضا زاذان و فيه خلاف "
. و قال الصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 127 ) مستدركا على الحافظ : " و لكن
قال ابن كثير في " الإرشاد " : إن حديث علي هذا من رواية عطاء بن السائب و هو
سيء الحفظ ، و قال النووي : إنه حديث ضعيف " . قلت : و سبب اختلاف الأئمة في
تصحيحه و تضعيفه أن عطاء بن السائب اختلط في آخر عمره ، فمن روى عنه قبل
اختلاطه فروايته عنه صحيحة ، و من روى عنه بعد اختلاطه فروايته عنه ضعيفة ، و
حديث علي هذا اختلفوا هل رواه قبل الاختلاط أو بعده ، فلذا اختلفوا في تصحيحه و
تضعيفه ، و الحق الوقف على تصحيحه و تضعيفه حتى يتبين الحال فيه " . قلت : و
هذا هو الصواب بلا ريب كما يأتي بيانه . و يتلخص مما تقدم أن الحديث أعل بأربع
علل : الأولى : الخلاف في زاذان . الثانية : أن حماد له أوهاما . الثالثة : أن
عطاء بن السائب ضعف مطلقا ، بعد الاختلاط و قبله . الرابعة : أنه صحيح الرواية
قبل الاختلاط ، و لكن لا يدرى هل روى هذا الحديث قبل الاختلاط أم بعده . و إذ
الأمر كذلك ، فلابد من تحقيق القول في هذه العلل كلها ، و النظر إليها من زاوية
علم الحديث و مصطلحه ، و تراجم رواته ، و وزنها بميزانها الذي هو القسطاس
المستقيم ، فأقول : 1 - هذا الخلاف لا يضر في زاذان فقد وثقه الجمهور من الأئمة
الفحول ، الذين عليهم العمدة في باب الجرح و التعديل ، و حسبك منهم يحيى بن
معين ، فقد قال فيه : " ثقة لا يسأل عن مثله " . و وثقه أيضا أبو سعد و ابن عدي
و العجلي و الخطيب ، و كذا ابن حبان ، و لكنه قال : " كان يخطىء كثيرا " ! قلت
: و هذا من أفراده و تناقضه ، إذ لو كان يخطىء كثيرا لم يكن ثقة ! و لعل قول
ابن حبان هذا هو عمدة قول الحاكم أبي أحمد فيه : " ليس بالمتين عندهم " . و لا
نعلم أحدا تكلم فيه غير هذين ، و هو كلام مردود لأنه غير مدعم بالدليل ، مع
مخالفته لتوثيق من سمينا من الأئمة ، و بالإضافة إلى ذلك فقد احتج به مسلم ، و
أشار الذهبي في أول ترجمته إلى أن حديثه صحيح ، و قال الحافظ في " التقريب " :
" صدوق " . 2 - و هذا التعليل واه كالذي قبله ، فإن حماد بن سلمة إمام من أئمة
المسلمين ثقة حجة ما في ذلك شك و لا ريب ، و لا يخرجه من ذلك أن له أوهاما ، و
إلا فمن الذي ليس له أوهام ؟ ! و لو كان الراوي الثقة يرد حديثه لمجرد أوهام له
، لما سلم لنا إلا القليل من جماهير الثقات من رجال الصحيحين فضلا عن غيرهما .
و لذلك جرى علماء الحديث سلفا و خلفا - و منهم النووي - على الاحتجاج بحديث
حماد بن سلمة إلا إذا ثبت وهمه ، و هيهات أن يثبت هنا ، على أنه قد روي له
متابع ، و إن كان السند بذلك واهيا كما يأتي . 3 - إن هذا التضعيف لا حجة عليه
، فإن المعروف عند الأئمة أن عطاء بن السائب ثقة في نفسه ، لم يصرح أحد منهم
بتضعيفه مطلقا ، و إنما وصفوه بأنه اختلط في آخر عمره ، فمن عرف من الرواة عنه
أنه سمع منه قبل الاختلاط فحديثه عنه صحيح ، و إلا فلا ، أنظر " تهذيب التهذيب
" و غيره . 4 - و هذا التعليل أو الإعلال - كما هو الأصح - هو الذي يمكن التمسك
به في تضعيف هذا الحديث ، فإنه ليس لدينا ما يصح أن يعتمد عليه في ترجيح أنه
حدث به قبل الاختلاط ، و جزم الحافظ ابن حجر رحمه الله بأن حماد بن سلمة قد سمع
منه قبل الاختلاط ، لا يصح أن يكون مرجحا ، ذلك لأن حمادا هذا قد سمع منه بعد
الاختلاط أيضا ، كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في " التهذيب " ، فقد قال في آخر
ترجمة عطاء بعد أن نقل أقوال العلماء في اختلاطه و فيمن روى عنه في هذه الحالة
و قبلها : " فيحصل لنا من مجموع كلامهم أن سفيان الثوري و شعبة و زهير و زائدة
و حماد بن زيد و أيوب عنه صحيح ، و من عداهم يتوقف فيهم ، إلا حماد بن سلمة
فاختلف قولهم ، و الظاهر أنه سمع منه مرتين ، يعني قبل الاختلاط و بعده " . و
قال قبيل ذلك : " فاستفدنا من هذه القصة أن رواية وهيب و حماد ( يعني ابن سلمة
) و أبي عوانة عنه في جملة ما يدخل في الاختلاط " . قلت : و هذا تحقيق دقيق يجب
أن لا ينساه - كما وقع للحافظ نفسه - من يريد أن يكون من أهل التحقيق ، و لازم
ذلك أن لا يصحح حديث حماد بن سلمة عن عطاء لاحتمال أن يكون سمعه منه في حالة
الاختلاط ، فلقد أصاب الصنعاني كبد الحقيقة حين قال بعدما تقدم نقله عنه : " و
الحق الوقف عن تصحيحه و تضعيفه حتى يتبين الحال فيه " . نعم لو صح ما أشرنا
إليه من المتابعة لصح الحديث ، و لكن هيهات ! فقال أبو الحسن أحمد بن محمد بن
عمران المعروف بـ ( ابن الجندي ) في " الفوائد الحسان الغرائب " ( 8 / 1 ) :
حدثنا علي بن محمد بن عبيد : أخبرنا عيسى بن جعفر الوراق قال : أنبأنا عفان ،
قال : أنبأنا شعبة و حماد ، أو قال : شعبة و حماد حدثانا عن عطاء بن السائب به
. قلت : و هذا سند ظاهره الصحة ، فإن رجاله من شيخ الجندي فمن فوقه كلهم ثقات
من رجال الصحيح غير عيسى بن جعفر الوراق فإنه صدوق و له ترجمة في " تاريخ بغداد
" ( 11 / 168 - 169 ) ، و علي بن محمد بن عبيد ثقة حافظ ترجمه الخطيب أيضا
ترجمة طيبة ( 12 / 73 - 74 ) و لكن علة الحديث من صاحب " الفوائد " و هو ابن
الجندي ، فقد ترجمه الخطيب بقوله ( 5 / 77 ) : " كان يضعف في روايته ، و يطعن
عليه في مذهبه ، سألت الأزهري عنه ؟ فقال : ليس بشيء " . و قال الحافظ في "
اللسان " : " و أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " في فضل علي حديثا بسند ،
رجاله ثقات إلا الجندي : فقال : هذا موضوع ، و لا يتعدى الجندي " <1> . قلت : و
مما يؤيد ضعف هذا الرجل ، أنه روى الحديث عن طريق عفان - و هو ابن مسلم - عن
شعبة ، و قد رواه الإمام أحمد عن عفان - و هو شيخه فيه - فلم يذكر شعبة فيه ! و
كذلك رواه البيهقي من طريق أخرى عن عفان ، و كذلك رواه الآخرون عن غير عفان و
هم جماعة عن حماد وحده ، فدل ذلك على أن ذكر شعبة في هذا السند منكر ، تفرد به
ابن الجندي هذا ، و لولا ذلك لكانت متابعة قوية من شعبة لحماد ، و لصح بذلك
الحديث ، و لكن هيهات هيهات !! و قد ثبت في غير ما حديث صحيح أنه لا يجب على
المرأة أن تنقض شعرها في غسل الجنابة ، فالرجل مثلها إن كان له شعر مضفور كما
هو معروف من عادة بعض العرب قديما ، و اليوم أيضا عند بعض القبائل . و أما في
الحيض فيجب نقضه ، هذا هو الأرجح الذي تقتضيه الأحاديث الواردة في هذا الباب
، فانظر " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ( رقم 188 ) ، و ما يأتي تحت الحديث ( 937
) .
-----------------------------------------------------------
[1] " الموضوعات " لابن الجوزي ( 1 / 368 - 379 ) . اهـ .
(2/428)
________________________________________
930 - " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم ، و الناس يمرون
بين يديه ، ليس بينه و بين الكعبة سترة . ( و في رواية ) : طاف بالبيت سبعا ،
ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام ، و ليس بينه و بين الطواف أحد " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 326 ) :
ضعيف .
أخرجه أحمد ( 6 / 399 ) و السياق له و عنه أبو داود ( 1 / 315 ) و
الأزرقي في " أخبار مكة " ( ص 305 ) و البيهقي في " سننه الكبرى " ( 1 / 273 )
عن سفيان بن عيينة قال : حدثنا كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة سمع بعض
أهله يحدث عن جده به . قلت و هذا سند ضعيف لجهالة الواسطة بين كثير و جده . و
فيه علة أخرى و هي الاختلاف في إسناده ، فقد رواه سفيان مرة عن كثير ، هكذا ، و
قال مرة أخرى : حدثني كثير بن كثير عمن سمع جده ، و قال سفيان : و كان ابن جريج
أنبأ عنه قال : حدثنا كثير عن أبيه فسألته ؟ فقال : ليس من أبي سمعته و لكن من
بعض أهلي عن جدي ! قلت : و رواية ابن جريج أخرجها النسائي ( 1 / 123 و 2 / 40
) و ابن ماجه ( 4958 ) و هي الرواية الثانية و هي رواية لأحمد و ابن حبان ( 415
- موارد ) و كذا البيهقي و قال : " و قد قيل عن ابن جريج عن كثير عن أبيه قال :
حدثني أعيان بني المطلب عن المطلب ، و رواية ابن عيينة أحفظ " . قلت : و يحتمل
عندي أن يكون الاختلاف من نفس كثير بن كثير ، بل لعل هذا أولى من نسبة الوهم
إلى ابن جريج لأن كثيرا ينزل عن ابن جريج في العدالة و الضبط كثيرا ! و مما
يؤيد الاحتمال المذكور أنه قد تابع ابن جريج زهير بن محمد العنبري عند ابن حبان
( 414 ) . و أي الأمرين كان فالحديث ضعيف لجهالة الواسطة كما سبق . ثم رأيت
الحديث في " فوائد محمد بن بشر الزبيري " ( 28 / 1 ) من طريق سالم بن عبد الله
، رجل من أهل البصرة عن كثير بن كثير أن المطلب بن أبي وداعة رأى النبي صلى
الله عليه وسلم خرج من الكعبة و قام بحيال الركن الأسود فصلى ركعتين ، و الناس
يمرون بين يديه : النساء و الرجال " . فهذا اختلاف آخر يؤكد ضعف الحديث . و إذا
عرفت ذلك فقد استدل بعضهم بالحديث على جواز المرور بين يدي المصلي في مسجد مكة
خاصة ، و بعضهم أطلق ، و من تراجم النسائي للحديث " باب الرخصة في ذلك " يعني
المرور بين يدي المصلي و سترته ، و لا يخفى عليك فساد هذا الاستدلال ، و ذلك
لوجوه : الأول : ضعف الحديث . الثاني : مخالفته لعموم الأحاديث التي توجب على
المصلي أن يصلي إلى سترة و هي معروفة ، و كذا الأحاديث التي تنهى عن المرور
كقوله صلى الله عليه وسلم : " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن
يقف أربعين خيرا من أن يمر بين يديه " . رواه البخاري و مسلم و هو مخرج في
" صحيح أبي داود " ( 698 ) . الثالث : أن الحديث ليس فيه التصريح بأن الناس
كانوا يمرون بينه صلى الله عليه وسلم و بين موضع سجوده ، فإن هذا هو المقصود من
المرور المنهي عنه على الراجح من أقوال العلماء . و لذلك قال السندي في
" حاشيته على النسائي " : " ظاهره أنه لا حاجة إلى السترة في مكة . و به قيل ،
و من لا يقول به ، يحمله على أن الطائفين كانوا يمرون وراء موضع السجود ، أو
وراء ما يقع فيه نظر الخاشع " . و لقد لمست أثر هذا الحديث الضعيف في مكة حينما
حججت لأول مرة سنة ( 1369 ) ، فقد دخلتها ليلا فطفت سبعا ، ثم جئت المقام ،
فافتتحت الصلاة ، فما كدت أشرع فيها حتى وجدت نفسي في جهاد مستمر مع المارة
بيني و بين موضع سجودي ، فما أكاد أنتهي من صد أحدهم عملا بأمره صلى الله عليه
وسلم حتى يأتي آخر " فأصده و هكذا !! و لقد اغتاظ أحدهم من صدي هذا فوقف قريبا
مني حتى انتهيت من الصلاة ، ثم أقبل علي منكرا ، فلما احتججت عليه بالأحاديث
الواردة في النهي عن المرور ، و الآمرة بدفع المار ، أجاب بأن مكة مستثناة من
ذلك ، فرددت عليه ، و اشتد النزاع بيني و بينه ، فطلبت الرجوع في حله إلى أهل
العلم ، فلما اتصلنا بهم إذا هم مختلفون ! و احتج بعضهم بهذا الحديث ، فطلبت
إثبات صحته فلم يستطيعوا ، فكان ذلك من أسباب تخريج هذا الحديث ، و بيان علته
. فتأمل فيما ذكرته يتبين لك خطر الأحاديث الضعيفة و أثرها السيئ في الأمة . ثم
وقفت بعد ذلك على بعض الآثار الصحيحة عن غير واحد تؤيد ما دلت عليه الأحاديث
الصحيحة ، و أنها تشمل المرور في مسجد مكة ، فإليك ما تيسر لي الوقوف عليه منها
: 1 - عن صالح بن كيسان قال : رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة و لا يدع أحدا يمر
بين يديه ، رواه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " ( 91 / 1 ) و ابن عساكر ( 8 / 106
/ 2 ) بسند صحيح . 2 - عن يحيى بن أبي كثير قال : رأيت أنس بن مالك دخل المسجد
الحرام ، فركز شيئا ، أو هيأ شيئا يصلي إليه . رواه ابن سعد في " الطبقات " ( 7
/ 18 ) بسند صحيح . ( تنبيه على وهم نبيه ) : اعلم أن لفظ رواية ابن ماجه لهذا
الحديث : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحاذي
بالركن ، فصلى ركعتين .... " . و قد ذكر العلامة ابن الهمام في " فتح القدير "
هذه الرواية ، لكن تحرف عليه قوله " سبعه " إلى " سعيه " ! فاستدل به على
استحباب صلاة ركعتين بعد السعي ، و هي بدعة محدثة لا أصل لها في السنة كما نبه
على ذلك غير واحد من الأئمة كأبي شامة و غيره كما ذكرته في ذيل " حجة النبي صلى
الله عليه وسلم " الطبعة الثانية ، و كذلك في رسالتي الجديدة " مناسك الحج و
العمرة في الكتاب و السنة و آثار السلف " فقرة ( 69 ) .
(2/429)
*******************************
يتبع ان شاء الله ...
أمـــة الله
2008-04-21, 02:50 PM
931 - " ما رفع أحد صوته بغناء ، إلا بعث الله عز وجل إليه شيطانين يجلسان على منكبيه
يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 335 ) :
ضعيف جدا .
رواه ابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي " ( 165 / 1 ) عن عبيد
الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا . قلت : و هذا
سند ضعيف جدا ، علته علي بن يزيد و هو الآلهاني أبو عبيد الله بن زحر . أما
الآلهاني ، فقال البخاري : " منكر الحديث " . و قال النسائي : " ليس بثقة " . و
قال أبو زرعة : " ليس بالقوي " . و قال الدارقطني : " متروك " . و أما ابن زحر
، فقال أبو مسهر : " صاحب كل معضلة ، و إن ذلك على حديثه لبين " . و قال ابن
المديني : " منكر الحديث " . و قال ابن حبان ( 2 / 63 ) : " يروي الموضوعات على
الأثبات ، و إذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات ، و إذا اجتمع في إسناد خبر
عبيد الله ، و علي بن يزيد و القاسم أبو عبد الرحمن لم يكن ذلك الخبر إلا مما
عملته أيديهم " ! قلت : القاسم أبو عبد الرحمن خير منهما ، و ليس هو محلا
للتهمة إن شاء الله تعالى ، بل الراجح فيه عند المحققين أنه حسن الحديث ،
فالعلة في هذا الحديث ممن دونه . و الله أعلم . و الحديث عزاه الحافظ العراقي
في " تخريج الإحياء " ( 6 / 165 - طبع لجنة نشر الثقافة الإسلامية ) للطبراني
أيضا في " الكبير " و قال : " و هو ضعيف " . و قال تلميذه الهيثمي في " مجمع
الزوائد " ( 8 / 119 - 120 ) : " رواه الطبراني بأسانيد ، و رجال أحدها وثقوا و
ضعفوا " ! كذا قال ، و كأنه يشير بذلك إلى رجال هذا الإسناد ، و هو واه جدا كما
بينا . و الله أعلم .
(2/430)
932 - " من أفطر ( يعني في السفر ) فرخصة ، و من صام فالصوم أفضل " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 336 ) :
ضعيف شاذ
رواه أبو حفص الكناني في " الأمالي " ( 1 / 10 / 1 ) : حدثنا
محمد بن هارون الحضرمي : حدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب : حدثنا معاوية الضرير :
أخبرنا عاصم الأحول عن أنس بن مالك قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن الصوم في السفر ؟ قال : فقال : فذكره . قلت : و هذا سند رجاله كلهم
ثقات على شرط البخاري ، غير الحضرمي ، و هو ثقة كما قال الدارقطني و غيره ، و
له ترجمة جيدة في " تاريخ بغداد " ، فظاهر الإسناد الصحة ، و قد اغتررت به برهة
يسيرة من الزمن ، ثم بدا لي أنه معلول بالوقف ، فقد قال ابن أبي شيبة في
" المصنف " ( 2 / 149 / 2 ) : حدثنا أبو معاوية و مروان بن معاوية عن عاصم قال
: سئل أنس عن الصوم في السفر ؟ فقال : فذكره بالحرف الواحد هكذا موقوفا على أنس
. قلت : و هذا هو الصواب ، لأن أبا معاوية - و اسمه محمد بن حازم - و إن كان
ثقة و أحفظ الناس لحديث الأعمش ، فهو قد يهم في حديث غيره كما قال الحافظ في "
التقريب " ، فمثله يحتج به إذا لم يخالف ، أو لم يختلف عليه كما وقع في هذا
الإسناد ، فأبو هاشم زياد بن أيوب رفعه ، و ابن أبي شيبة أوقفه ، و لابد من
مرجح ، و هو أعني ابن أبي شيبة قد قرن مع أبي معاوية مروان بن معاوية و هو ثقة
حافظ كما في " التقريب " فأوقفه أيضا ، و لم يختلف عليه فيه ، فروايته أولى ،
لاسيما مع موافقة إحدى الروايتين عن أبي معاوية له ، و هذا ظاهر لا يخفى إن شاء
الله تعالى . و مما يرجح أن الحديث موقوف على أنس و ليس بمرفوع ، ما روى ابن
أبي شيبة أيضا : قال مروان بن معاوية : عن عاصم عن ابن سيرين قال : كان عثمان
بن أبي العاص يقول في ذلك مثل قول أنس بن مالك . قلت : و هذا سند صحيح أيضا
موقوفا . فتبين أن الصواب في هذا الحديث الوقف ، و أنه شاذ مرفوعا ، و لعل هذا
هو السر في عدم وروده في شيء من كتب " السنن " و " المسانيد " و غيرها ، ككتب
التخريجات ، مثل " نصب الراية " للزيلعي ، و " تلخيص الحبير " للعسقلاني ، و
نحوها . و قد اختلف العلماء ، في صوم رمضان في السفر على أقوال معروفة ، و لا
شك أن الإفطار فيه رخصة ، و الأخذ بها أحب إلينا إذا كان المفطر لا يتحرج من
القضاء ، و إلا فالأحب لدينا حينئذ الصيام ، و الله أعلم . و من شاء التوسع في
هذه المسألة فليراجع " نيل الأوطار " ، أو غيره من كتب أهل العلم و التحقيق .
(2/431) -
933" سارعوا إلى تعليم العلم و السنة و القرآن ، و اقتبسوهن من صادق ، من قبل أن
يخرج أقوام في أمتي من بعدي يدعونكم إلى تأسيس البدعة و الضلالة ، فوالذي نفسي
بيده لباب من العلم من صادق خير لكم من الذهب و الفضة تنفقونها في سبيل الله
تعالى بغير هدى من الله ، من مشى في تعليم العلم و السنة و القرآن فعمل بما أمر
الله و سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا عمل بذلك فله بكل خطوة يخطوها
حسنة ، و تحط عنه سيئة ، و ترفع له درجة في الجنة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 337 ) :
موضوع
. رواه الخطيب في " تلخيص المتشابه " ( 2 / 51 / 2 ) عن محمد بن
عبيدة المروزى : حدثنا حسان بن إبراهيم : حدثنا سعيد بن مسروق الثوري : حدثنا
يزيد بن حيان : حدثنا زيد بن أرقم قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : فذكره
مرفوعا . قلت : و هذا حديث موضوع ، و لوائح الوضع عليه ظاهرة ، و آفته محمد بن
عبيدة المروزي . قال الذهبي : " قال ابن ماكولا : صاحب مناكير " . و أورد قبله
" محمد بن عبيدة عن ( بياض في الأصل ) وضع أحاديث ، قاله أبو سعيد النقاش " .
قال الحافظ في " اللسان " : " و أنا أظنه الذي بعده " . قلت : يعني المروزي
المذكور . و الحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " و " الكبير " من رواية
الرافعي في " تاريخه " عن جابر بلفظ : " سارعوا في طلب العلم ، فالحديث من صادق
خير من الدنيا و ما عليها من ذهب و فضة " . قلت : و سكت عليه المناوي .
(2/432) -
934" لا تبل قائما " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 337 ) :
ضعيف .
رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 135 ) عن هشام بن يوسف عن ابن جريج عن
نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . قلت : و
هذا سند ظاهره الصحة ، فإن رجاله ثقات ، لكنه معلول بعنعنة ابن جريج فإنه كان
مدلسا ، و قد تبين أنه تلقاه عن بعض الضعفاء ، فقال الترمذي في " سننه " ( 1 /
17 ) : " و حديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق عن نافع عن
ابن عمر عن عمر قال : رآني النبي صلى الله عليه وسلم و أنا أبول قائما فقال
: " يا عمر لا تبل قائما " . فما بلت قائما بعده " . قال الترمذي : " و إنما
رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق و هو ضعيف عند أهل الحديث ، ضعفه أبو
أيوب السختياني " . قلت : و قد أخرجه ابن ماجه ( 1 / 130 ) و تمام في " الفوائد
" ( ق 123 / 2 ) و البيهقي في " السنن الكبرى " ( 1 / 102 ) عن عبد الرزاق
حدثنا ابن جريج عن عبد الكريم أبي أمية به . و عبد الكريم أبو أمية هو ابن أبي
المخارق ، قال البوصيري في " الزوائد " ( ق 23 / 2 ) : خبر عبيد الله بن عمر
العمري الثقة المأمون المجمع على تثبته ، و لا يغتر بتصحيح ابن حبان هذا الخبر
، فإنه قال بعده : أخاف أن يكون ابن جريج لم يسمعه من نافع . و قد صح ظنه ، فإن
ابن جريج إنما سمعه من ابن المخارق كما ثبت من رواية ابن ماجه و الحاكم في "
المستدرك " ، و اعتذر عن تخريجه بأنه إنما أخرجه في المتابعات ، و حديث عبيد
الله العمري أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه و البزار في مسنده " . قلت : و
لم أعرف حديث عبيد الله الذي أشار إليه ، و " المصنف " لا أطوله الآن ، فإني
أكتب هذا و أنا في المدينة المنورة ، و هو في المكتبة الظاهرية بدمشق ، لكن
الظاهر أنه يعني مثل حديث عبد الله بن دينار أنه رأى عبد الله بن عمر بال قائما
. أخرجه البيهقي ( 1 / 102 ) و قال : " و هذا يضعف حديث عبد الكريم ، و قد
روينا البول قائما عن عمر و علي و سهل بن سعد و أنس بن مالك " . و إذا عرفت ضعف
الحديث فلا شيء في البول قائما إذا أمن الرشاش ، و قد قال الحافظ في " الفتح "
: " و لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء " . ثم وقفت على
حديث عبيد الله العمري في " مصنف ابن أبي شيبة " ( 1 / 124 - طبع الهند ) و
" مسند البزار " ( ص 31 - زوائده ) ، فإذا هو لا يعارض حديث الترجمة - كما ادعى
البوصيري - فإنه رواه عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال : " ما بلت قائما منذ
أسلمت " . و إسناده صحيح . فالأولى المعارضة بأثر عبد الله بن دينار المتقدم عن
ابن عمر ، على اعتبار أنه هو الذي روى الحديث عنه كما هو ظاهر ، ثم بما روى ابن
أبي شيبة أيضا قبيل الموضع المشار إلى صفحته آنفا من طريق أخرى عن زيد قال
: " رأيت عمر بال قائما " . و زيد هو ابن وهب الكوفي و هو ثقة كسائر من دونه ،
فالإسناد صحيح أيضا ، و لعل هذا وقع من عمر رضي الله عنه بعد قوله المتقدم ، و
بعد ما تبين له أنه لا شيء في البول قائما .
(2/433)
935 - " خيار أمتي في كل قرن خمسمائة ، و الأبدال أربعون ، فلا الخمسمائة ينقصون ، و
لا الأربعون ، كلما مات رجل أبدل الله عز وجل من الخمسمائة مكانه ، و أدخل من
الأربعين مكانه ، قالوا : يا رسول الله ! دلنا على أعمالهم ، قال : يعفون عمن
ظلمهم ، و يحسنون إلى من أساء إليهم ، و يتواسون فيما آتاهم الله عز وجل " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 339 ) :
موضوع
. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " ( 1 / 8 ) من طريق الطبراني ، و عنه
ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 3 / 151 ) : عن سعيد بن زيدون : حدثنا عبد الله
بن هارون الصوري : حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن نافع عن ابن عمر مرفوعا .
قلت : و هذا سند مظلم ، سعيد بن أبي { زيدون } و عبد الله بن هارون لم أعرفهم ،
إلا أن الثاني منهما أورده الذهبي في " الميزان " و قال : " عن الأوزاعي لا
يعرف ، و الخبر كذب في أخلاق الأبدال " . قلت : و هو هذا ، و أقره الحافظ ابن
حجر في " اللسان " . و الحديث أورده السيوطي في الجامع الصغير " فأساء ، لاسيما
و قد وقع في بعض النسخ مرموزا له بالحسن ! و اغتر بذلك بعض المتأخرين <1> فقال
: " حديث حسن " ! و أما المناوي فقد تنبه لعلته ، فقال بعد نقل كلام الذهبي
السابق : " و من ثم حكم ابن الجوزي بوضعه ، و وافقه عليها المؤلف في " مختصر
الموضوعات " فأقره و لم يتعقبه " . و اعلم أن أحاديث الأبدال لا يصح منها شيء ،
و كلها معلولة ، و بعضها أشد ضعفا من بعض ، و أنا ذاكر لك بعضها ، و كاشف عن
عللها ، إن شاء الله تبارك و تعالى .
(2/434)
936 - " الأبدال في هذه الأمة ثلاثون ، مثل إبراهيم خليل الرحمن عز وجل ، كلما مات
رجل أبدل الله تبارك و تعالى مكانه رجلا " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 340 ) :
منكر .
رواه الإمام أحمد ( 5 / 322 ) و الهيثم بن كليب في " مسنده " ( 159
/ 1 - 2 ) و الخلال في " كرامات الأولياء " ( ق 1 / 2 ) و أبو نعيم في " أخبار
أصبهان " ( 1 / 180 ) و عنه ابن عساكر في " التاريخ " ( 1 / 67 / 2 ) عن الحسن
بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس عن عبادة بن الصامت مرفوعا ، و قال أحمد
عقبه : " هو حديث منكر " . قلت : و فيه علتان : الأولى : عبد الواحد بن قيس
، مختلف فيه ، فوثقه ابن معين في رواية و أبو زرعة . و قال ابن معين في رواية
أخرى : لم يكن بذاك و لا قريب ، و قال أبو حاتم : ليس بالقوي ، و كذا قال صالح
بن محمد البغدادي و زاد : " روى عن أبي هريرة و لم يسمع منه " . و قال الذهبي
: " لم يلق أبا هريرة ، إنما روايته عنه مرسلة ، إنما أدرك عروة و نافعا
" . قلت : فعلى هذا فهو لم يدرك عبادة بن الصامت ، فالسند مع ضعفه منقطع !
الثانية : الحسن بن ذكوان مختلف فيه أيضا ، و قد ضعفه الجمهور ، و قال أحمد :
" أحاديثه أباطيل " . و قال ابن معين : " كان صاحب أوابد " . و قال ابن حجر في
" التقريب " : " صدوق يخطىء و كان يدلس " . و رمز له بأنه من رجال البخاري .
قلت : و قد عنعن هنا . و مما تقدم تعلم ما في قول الهيثمي من الإيهام فقال في
" مجمع الزوائد " ( 10 / 62 ) و قلده السيوطي في " الحاوي " ( 2 / 461 ) رواه
أحمد و رجاله رجال الصحيح ، غير عبد الواحد بن قيس ، و قد وثقه العجلي و أبو
زرعة ، و ضعفه غيرهما " . و لم يذكر السيوطي : " و ضعفه غيرهما " ! فقد أوهم
شيئين : الأول : أن لا انقطاع بين عبد الواحد و عبادة و ليس كذلك كما بينا .
الثاني : أن الحسن بن ذكوان ثقة ، لوصفه إياه بأنه من رجال الصحيح ، و سكوته
عما قيل فيه من التضعيف ، و الوصف بالتدليس ! قلت : و بهذا التحقيق يتبين لك
خطأ قول السيوطي في " اللآلي " ( 2 / 332 ) : " و سنده حسن " ! و قول ابن عراق
( 2 / 307 - طبع مصر ) : " و سنده صحيح " ! و قد روي الحديث عن عبادة بلفظ آخر
و هو : " لا يزال في أمتي ثلاثون ، بهم تقوم الأرض ، و بهم تمطرون ، و بهم
تنصرون " . قلت : و هو ضعيف أيضا فيه من لا يعرف ، فقد قال الهيثمي ( 10 / 63 )
: " رواه الطبراني من طريق عمرو البزار عن عنبسة الخواص و كلاهما لم أعرفه ، و
بقية رجاله رجال الصحيح " . و الحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من
رواية الطبراني أيضا عن عبادة بلفظ : " الأبدال في أمتي ثلاثون ... " فلعل ما
نقلته عن " المجمع " محرف عنه . و قال الشارح المناوي : " قال المصنف : سنده
صحيح " ! و لم يتعقبه المناوي بشيء ! و كأنه لم يقف على كلام الهيثمي فيه ، و
لا على إسناد ، و قد ساق السيوطي في " الحاوي " ( 2 / 461 ) فقال : قال
الطبراني في " الكبير " : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل : حدثني محمد بن
الفرج : حدثنا زيد بن الحباب : أخبرني عمر البزار عن عبيسة الخواص عن قتادة عن
أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت .... فذكره بلفظ " الجامع الصغير "
. قلت : كذا في نقله : " عمر " بدون الواو ، " عبيسة " ، و لعل هذا الثاني
تحريف ، و أما الأول فمحتمل ، فإن في شيوخ زيد بن الحباب عن المزي في " تهذيبه
" ( 1 / 227 / 1 ) عمر بن عبد الله بن أبي خثعم اليمامي ، و عمرو بن عبد الله
بن وهب النخعي ، و عمرو بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعد بن يربوع المخزومي ، فإن
كان الأول - بدون الواو - فهو ضعيف جدا ، و إن كان أحد الآخرين فهو ثقة ، و لكن
لم يصفوا جميعا بـ ( البزار ) . فالله أعلم من هو منهم ، أو هو غيرهم و على كل
حال فتصحيح مثل هذا الإسناد لا وجه له مطلقا ، و لا أدري من أين نقل المناوي
تصحيح السيوطي له ، و هو مرموز له في بعض نسخ " الجامع " بالحسن ، و للذي قبله
بالصحة !! على أن رموز الجمع لا يوثق بها لأسباب ذكرتها في مقدمة كتابي " صحيح
الجامع الصغير " و ضعيف الجامع الصغير " ، و هو مطبوعان ، فليرجع إليهما من شاء
. و أخرج ابن عساكر في " التاريخ " ( 1 / 277 ) من طريق الطبراني و غيره عن
عمرو بن واقد عن يزيد بن أبي مالك عن شهر بن حوشب قال : " لما فتحت مصر سبوا
أهل الشام ، فأخرج عوف بن مالك رأسه من برنسه ثم قال : يا أهل مصر ! أنا عوف بن
مالك ، لا تسبوا أهل الشام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فيهم
الأبدال و بهم ينصرون و بهم ترزقون " . قلت : و هذا إسناد ضعيف جدا ، شهر بن
حوشب سيء الحفظ ، و عمرو بن واقد متروك كما في " التقريب " . و قال الهيثمي : "
رواه الطبراني " و فيه عمرو بن واقد ، و قد ضعفه جمهور الأئمة ، و وثقه محمد بن
المبارك الصوري ، و شهر اختلفوا فيه ، و بقية رجاله ثقات " . قلت : و روي
الحديث عن علي مرفوعا بلفظ آخر ، سيأتي تخريجه إن شاء الله برقم ( 2993 ) .
(2/435)
*******************************
يتبع ان شاء الله ...
937 - " إذا اغتسلت المرأة من حيضها ، نقضت شعرها ، و غسلت بالخطمي و الأشنان ، و إذا
اغتسلت من الجنابة لم تنقض رأسها ، و لم تغسل بالخطمي و الأشنان " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 342 ) :
ضعيف .
أخرجه الخطيب في " تلخيص المتشابه " ( 2 / 34 / 1 ) و البيهقي في
" السنن الكبرى " ( 1 / 182 ) من طريقين عن مسلم بن صبيح : حدثنا حماد بن سلمة
عن ثابت عن أنس مرفوعا . و من هذا الوجه رواه الدارقطني أيضا في " الأفراد
" كما في نصب الراية " ( 1 / 80 ) . و قال الخطيب : " قال علي بن عمر ( يعني
الدارقطني ) : هذا حديث غريب من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ، تفرد به
مسلم بن صبيح عن حماد و لم نكتبه إلا من هذا الوجه " . قلت : و هو ضعيف لتفرد
ابن صبيح به ، و هو في عداد المجهولين ، فإني لم أجد من ترجمه ، و قد يشتبه
بمسلم بن صبيح الهمداني الذي أخرج له الستة ، و ليس به ، فإن هذا متأخر ، من
طبقة شيوخ الإمام أحمد ، و ذاك الهمداني تابعي يروي عن ابن عباس و غيره ، و هو
معروف ثقة ، و له ترجمة في " التهذيب " للحافظ ابن حجر ، و كان يحسن به أن يورد
بعده مسلم بن صبيح هذا المجهول تميزا له عن الذي قبله ، كما هي عادته في أمثاله
، و لكنه لم يفعل ، و الله أعلم ، ثم قد ميزه في " تبصير المنتبه " ( 3 / 833 )
و لم يذكره بعدالة أو جرح ، و قيده بضم الصاد المهملة . و قد أخرجه الضياء
المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( ق 23 / 2 - مسند أنس ) من طريق الطبراني و
هذا في " المعجم الكبير " ( 1 / 37 / 2 ) قال حدثنا أحمد بن داود المكي : حدثنا
سلمة بن صبيح اليحمدي حدثنا حماد بن سلمة به . كذا سماه ابن داود " سلمة " بدل
مسلم " ، و ليس هو تصحيفا ، فقد قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 1 / 273 ) :
" رواه الطبراني في " الكبير " ، و فيه سلمة بن صبيح اليحمدي و لم أجد من ذكره
" . قلت : و لعل " سلمة " وهم من ابن داود فإني لا أعرفه أيضا ، و قد خالفه
عثمان بن خرزاذ و هو ثقة ، أخرجه الخطيب . و أيهما كان فالرجل مجهول لا يعرف ،
فهو علة الحديث ، و خفي هذا على الصنعاني فقال في " السبل " ( 1 / 138 ) بعد أن
عزاه لمن ذكرنا : " فهذا الحديث مع إخراج الضياء له ، و هو يشترط الصحة فيما
يخرجه ، يثمر الظن في العمل به " . قلت : و هذا مسلم بالنسبة لمن لم يقف على
إسناده ، و أما من وقف عليه فقد يختلف الحكم بالنسبة له ، و يرى خلاف ما ذهب
الضياء إليه ، و عول عليه ، كما هو الشأن في هذا الحديث ، و رواية مسلم بن صبيح
، و هو من الأدلة الكثيرة على أن الضياء رحمه الله متساهل في التصحيح كالحاكم
، و إن كان هو أحسن حالا منه كما شهد بذلك ابن تيمية رحمه الله . و الحديث سكت
عليه الشوكاني في " نيل الأوطار " ( 1 / 217 ) فأوهم سلامته من العلة ، فاقتضى
التنويه بها ، و تحقيق الكلام على الحديث ، و الله سبحانه هو الموفق . و قد
استدل الصنعاني بالحديث على أن نقض الشعر من المرأة الحائض في غسلها ليس واجبا
عليها ، بل هو على الندب لذكر الخطمي و الأشنان فيه ، قال : " إذ لا قائل
بوجوبهما فهو قرينة على الندب " . قلت : و إذا عرفت ضعف الحديث فالاستدلال به
على ما ذكره الصنعاني غير صحيح ، لاسيما و قد ثبت من حديث عائشة أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لها في الحيض : " انقضي شعرك و اغتسلي " . و لهذا كان أقرب
المذاهب إلى الصواب التفريق بين غسل الحيض فيجب فيه النقض ، و بين غسل الجنابة
فلا يجب ، كما بيت ذلك في الكلام على حديث عائشة هذا في " الأحاديث الصحيحة "
رقم ( 188 ) .
(2/436)
________________________________________
938 - " لا تضربوا إماءكم على كسر إنائكم ، فإن لها آجالا كآجال الناس " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 343 ) :
كذب .
رواه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 26 ) : حدثنا أبو دلف عبد العزيز
بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن دلف العجلي : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن
الدعاء : حدثنا جعفر بن عاصم : حدثنا أحمد بن أبي الحواري : حدثنا عباس بن
الوليد قال : حدثني علي بن المديني عن حماد بن زيد عن مالك بن دينار عن الحسن
عن كعب بن عجرة مرفوعا . قلت : و هذا سند واه جدا ، و فيه علل : أولا : أبو
دلف هذا ، أورده الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 10 / 465 ) و لم يذكر فيه جرحا و
لا تعديلا . ثانيا : يعقوب بن عبد الرحمن الدعاء و هو أبو يوسف الجصاص ، قال
الخطيب ( 12 / 294 ) : " في حديثه وهم كثير ، قال أبو محمد بن غلام الزهري
: ليس بالمرضي ، مات سنة ( 331 ) " . ثالثا : جعفر بن عاصم لم أجد له ترجمة
. رابعا : عنعنة الحسن و هو البصري ، فقد كان يدلس . قلت : و بقية رجال الإسناد
ثقات معرفون مترجم لهم في " التهذيب " و عباس بن الوليد هو ابن مزيد أبو الفضل
البيروني مات سنة ( 270 ) ، و قد روى عنه جماعة ، و كتب عنه أحمد بن أبي
الحواري و هو أكبر منه ، توفي سنة ( 246 ) فهو من رواية الأكابر عن الصاغر
. هذا ما تبين لي فيه و أما المناوي فقال في هذا الحديث : " أورده في " الميزان
" في ترجمة العباس بن الوليد الشرقي ، و قال : ذكره الخطيب في " الملخص " <1>
فقال : روى عن ابن المديني حديثا منكرا ، رواه عنه أحمد بن أبي الحواري من حديث
كعب بن عجرة مرفوعا ، ثم ساق هذا بعينه " . قلت : و لم أجد هذا الترجمة في "
الميزان " للذهبي ، و لا في " الضعفاء " له ، و لا في " لسان الميزان " للحافظ
بن حجر ، فالله أعلم من أين وقع ذلك للمناوي . و الحديث أورده ابن أبي حاتم في
" العلل " ( 2 / 295 - 296 ) بسنده عن ابن أبي الزرقاء عن ميمون بن مهران قال :
فذكره موقوفا عليه و قال : " قال أبي هذه الحكاية كذب " . قلت : و فيه وهب بن
داود قال الخطيب : " لم يكن بثقة " . و فيه أيضا من لم أعرفه .
-----------------------------------------------------------
[1] كذا ، و لعل الصواب " التلخيص " . اهـ .
(2/437)
________________________________________
939 - " استاكوا و تنظفوا ، و أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 344 ) :
ضعيف .
رواه ابن أبي شيبة ( 1 / 63 / 1 ) : وكيع قال : حدثنا سفيان عن موسى
بن أبي عائشة عن سليمان بن سعد مرفوعا . قلت : و هذا سند ضعيف ، رجاله كلهم
ثقات غير سليمان بن سعد و هو تابعي مجهول ، أورده ابن أبي حاتم في " الجرح و
التعديل " ( 2 / 1 / 118 ) فقال : " روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مرسل
، روى عنه موسى بن أبي عائشة " . قلت : و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا ، و قد
أخطأ بعض الضعفاء فسماه سليمان بن صرد ، و أسنده ، لأن ابن صرد هذا صحابي ! و
هو إسماعيل بن عمرو البجلي : فقال : حدثنا الحسن بن صالح عن موسى بن أبي عائشة
عن سليمان بن صرد مرفوعا به . أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 59 / 2 -
زوائد المعجمين ) و قال : " لا يروى عن سليمان إلا بهذا الإسناد " . قلت : و هو
ضعيف لأن البجلي هذا ضعفه غير واحد كما قال الذهبي في " الضعفاء " . و قال
الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 2 / 240 ) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ، و
فيه إسماعيل بن عمرو البجلي ، ضعفه أبو حاتم و الدارقطني و ابن عدي ، و وثقه
ابن حبان و إذا عرفت الفرق بين رواية ابن أبي شيبة و الطبراني يتبن لك خطأ عزو
السيوطي في " الجامع " الحديث إلى المذكورين من رواية سليمان بن صرد ثم خطأ
رمزه له بالحسن ، و قد فات الأمر الأول على المناوي فلم يتنبه له ، أما الآخر ،
فقد تعقبه بقول الهيثمي الذي ذكرته ثم قال : " و به يعرف ما في رمز المصنف
لحسنه إلا أن يراد أنه حسن لغيره " . و هذا الكلام يشعر بأن المناوي لم يطلع
على سند الحديث عند ابن أبي شيبة فإنه عنده من غير طريق البجلي ، و لكن ذلك لا
يقوي حديثه بل يضعفه ، للمخالفة التي سبق بيانها .
(2/438)
________________________________________
940 - " " كان يستاك عرضا ، و لا يستاك طولا " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 346 ) :
ضعيف جدا .
رواه أبو نعيم في " كتاب السواك " من حديث عائشة مرفوعا .
قال الحافظ ( 23 ) : " و في إسناده عبد الله بن حكيم و هو متروك " . و قال ابن
حبان ( 2 / 27 ) : " كان يضع الحديث على الثقات ، و يروي عن مالك و الثوري و
مسعر ما ليس من أحاديثهم ".
(2/441)
________________________________________
941 - " إذا شربتم فاشربوا مصا ، و إذا استكتم فاستاكوا عرضا " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 345 ) :
ضعيف .
رواه البيهقي ( 1 / 40 ) من طريق أبي داود في " مراسيله " عن هيثم
عن محمد بن خالد القرشي عن عطاء بن أبي رباح قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم . قلت : و هذا سند ضعيف لإرساله ، و عنعنة هشيم ، فإنه مدلس ، و
جهالة القرشي هذا ، و من ثم رمز له السيوطي بالضعف ، فأصاب ، و تعقبه المناوي
بقوله فما أصاب : " رمز لضعفه اغترارا بقول ابن القطان : " فيه محمد بن خالد لا
يعرف " و فاته أن الحافظ ابن حجر رده على ابن القطان بأن محمد هذا وثقه ابن
معين و ابن حبان " . و هذا تعقب واه جاءه من التقليد و الاستسلام لرد الحافظ
ابن حجر دون تبصر ، و هو في كتابه " التلخيص " ( ص 23 ) كما نقله المناوي ، و
فاته أن الجواد قد يكبو ، فإن توثيق ابن معين المذكور مما لم يذكره أحد ، حتى و
لا الحافظ نفسه في " التهذيب " ، فأخشى أن يكون وهما منه ، و يؤيده أنه صرح في
" تقريب التهذيب " أن القرشي هذا " مجهول " فوافق في ذلك قول ابن القطان : " لا
يعرف " ، و كذلك قال الذهبي في " الميزان " فمع اتفاق هؤلاء على تجهيله ، هل
يعقل أن يكون توثيق ابن معين له ثابتا عنه ؟! ثم لو سلمنا جدلا ثبوت ذلك عنه ،
فهل يسلم السند من العلتين الأوليين : التدليس و الإرسال ؟! و بذلك يتبين أن لا
وجه لذلك التعقب على السيوطي ، بل هو من تعصب المناوي عليه ، عفا الله عنا و
عنهم . و روي في الاستياك عرضا حديثا آخر ، و هو بلفظ : " كان يستاك عرضا ، و
يشرب مصا ، و يقول : هو أهنأ و أمرأ و أبرأ " .
(2/439)
________________________________________
942 - " كان يستاك عرضا ، و يشرب مصا ، و يقول : هو أهنأ و أمرأ و أبرأ " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 345 ) :
ضعيف .
رواه ابن حبان في " المجروحين " ( 1 / 199 ) و الطبراني في " المعجم
الكبير " ( 1 / 123 / 1 - 2 ) و ابن شاهين في " الخامس من الأفراد " ( 31 - 32
) و البيهقي في " سننه " ( 1 / 40 ) و ابن عساكر ( 4 / 63 / 2 ) عن اليمان بن
عدي حدثنا ثبيت بن كثير الضبي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن
بهز مرفوعا ، و قال ابن شاهين : " حديث غريب الإسناد ، حسن المتن ، و بهز لا
أعرف له نسبا و لا أعرف له غير هذا الحديث " . قلت : و علته ثبيت هذا و هو ضعيف
، كما قال الهيثمي ( 2 / 100 ) بعدما عزاه للطبراني وحده ، و تناقض فيه ابن
حبان ، فذكره في " الثقات " و ذكره في " الضعفاء " أيضا و قال : " منكر الحديث
على قلته ، لا يجوز الاحتجاج به " . و قال ابن عدي : " غير معروف " . و قال
الحافظ في " التلخيص " ( ص 23 ) : " و هو ضعيف ، و اليمان بن عدي أضعف منه
" . قلت : و قد تابعه ضعيف مثله إلا أنه خالفه في إسناده ، و هو علي بن ربيعة
القرشي المدني فقال : عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن ربيعة بن أكثم به ،
فجعل ربيعة هذا بدل " بهز " . أخرجه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " ( 10 / 110
/ 2 ) و العقيلي في " الضعفاء " ( 295 ) و البيهقي ، و قال العقيلي : " و لا
يصح ، علي بن ربيعة القرشي مجهول بالنقل ، حديثه غير محفوظ ، و لا يتابعه إلا
من هو دونه " . قلت : يشير إلى ثبيت بن كثير ، و القرشي هذا قال ابن أبي حاتم (
3 / 1 / 185 ) عن أبيه : هو مثل يزيد بن عياض في الضعف " . و يزيد هذا ضعيف
الحديث ، منكر الحديث عند أبي حاتم ، و غيره يكذبه ، و قال الحافظ في " التلخيص
" ( ص 23 ) بعدما عزاه للعقيلي و البيهقي : " إسناده ضعيف جدا " ثم ذكر
الاختلاف الذي ذكرته ، ثم قال ابن عبد البر : " ربيعة قتل بخيبر فلم يدركه سعيد
، و قال في " التمهيد " : لا يصحان من جهة الإسناد " . و لم يحرر المناوي القول
في هذين الطريقتين فظن أن أحدهما يقوي الآخر ، فصرح أن الحديث صار بذلك حسنا !
و في الباب حديث آخر ، و هو : " كان يستاك عرضا ، و لا يستاك طولا " .
(2/440)
________________________________________
943 - " كان يرفع يده إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 346 ) :
باطل موضوع .
رواه البيهقي في " الخلافيات " من حديث محمد بن غالب حدثنا
محمد البرتي <1> حدثنا عبد الله بن عون الخراز <2> : حدثنا مالك عن الزهري عن
سالم عن ابن عمر مرفوعا . قلت : و هذا سند ظاهره الجودة ، و قد اغتر به بعض
الحنفية ، فقال الحافظ مغلطاي : " لا بأس بسنده " . و لا أدري كيف يقول ذلك مثل
هذا الحافظ مع اشتهار الحديث في " الصحيحين " و " السنن الأربعة " و " المسانيد
" عن مالك بإسناده المذكور عن ابن عمر برفع اليدين في الركوع أيضا ، لاسيما و
قد نبه على ذلك مخرجه البيهقي و شيخه الحاكم فقالا : " هذا باطل موضوع لا يجوز
أن يذكر إلى على سبيل التعجب و القدح فيه ، و قد روينا بالأسانيد الزاهرة عن
مالك خلاف هذا " . نقلت هذا و سند الحديث و قول مغلطاي من " ما تمس إليه الحاجة
لمن يطالع سنن ابن ماجه " للشيخ محمد عبد الرشيد النعماني ( ص 48 - 49 ) و هو
متعصب جدا للحنفية على أهل الحديث ، و لا يعبأ بقواعدهم العلمية ، و مما يدلك
على هذا تعقبه لقول الحافظين المذكورين و حكمهما على الحديث بالبطلان ، فقال :
" قلت : تضعيف الحديث لا يثبت بمجرد الحكم ، و إنما يثبت ببيان وجوه الطعن ، و
حديث ابن عمر هذا رجاله رجال الصحيح ، فما أرى له ضعفا بعد ذلك ، اللهم إلا أن
يكون الراوي عن مالك مطعونا ، لكن الأصل العدم ، فهذا الحديث عندي صحيح لا
محالة " ! قلت : هذا الكلام يدل على أحد شيئين : إما أن الرجل لا يعبأ بما هو
مقرر عند المحدثين من القواعد ، أو أنه جاهل بها ، و غالب الظن أنه الأول ،
فمثله مما لا أظن يبلغ به الجهل إلى أن لا يعلم تعريف الحديث الصحيح عندهم ، و
هو " ما رواه عدل ضابط عن مثله عن مثله إلى منتهاه و لا يكون شاذا و لا معلا "
، و إذا كان الأمر كذلك فقوله " .... لا يثبت بمجرد الحكم .... " جهل منه أو
تجاهل بشرط من شروط الحديث الصحيح ، و هو عدم الشذوذ و قد أشار الحاكم و
البيهقي إلى أن الحديث لم يسلم من الشذوذ و ذلك قولهما : " فقد روينا بالأسانيد
الزاهرة عن مالك خلاف هذا " . قلت : فالحاكم و البيهقي لم يحكما على الحديث
بالبطلان بمجرد الدعوى كما زعم النعماني ، بل قرنا ذلك بالدليل لمن يريد أن
يفهم ، و هو الشذوذ ، على أن هناك أدلة أخرى تؤيد الحكم المذكور على ما يأتي
بيانه إن شاء الله تعالى . و لو لم يكن ثمة دليل على بطلان الحديث إلا وروده في
كتاب الإمام مالك " الموطأ " ( 1 / 97 ) على خلاف هذا اللفظ لكفى ، فكيف و قد
رواه جمع كثير من المصنفين و الرواة عن مالك على خلافه ؟ فأخرجه البخاري ( 3 /
174 ) و أبو عوانة في " صحيحه ( 2 / 91 ) و النسائي ( 1 / 140 و 161 - 162 ) و
الدارمي ( 1 / 285 ) و الشافعي ( رقم 199 ) و الطحاوي في " شرح المعاني " ( 1 /
131 ) و أحمد ( 4674 و 5279 ) من طرق كثيرة عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد
الله عن أبيه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه
، إذا افتتح الصلاة ، و إذا كبر للركوع ، و إذا رفع رأسه من الركوع ، رفعهما
كذلك " . الحديث و السياق للبخاري عنه . و الواقع أن الحديث بهذا اللفظ المخالف
لهذا الحديث الباطل متواتر عن مالك رحمه الله ، فقد سرد ابن عبد البر أسماء من
رواه عن مالك من الرواة فجاء عددهم نحو الثلاثين ! و قد وافقه جماعة من الثقات
في روايته عن ابن شهاب به . أخرجه البخاري ( 2 / 175 و 176 ) و مسلم ( 2 / 6 و
7 ) و أبو عوانة ( 2 / 90 ) أبو داود ( 1 / 114 ) ) و الترمذي ( 2 / 35 ) و ابن
ماجه ( 1 / 281 ) و الطحاوي و الدارقطني ( ص 108 ) و كذا الشافعي ( 198 ) و
أحمد ( 5081 و 4540 و 6345 ) من طرق كثيرة عن ابن شهاب به . و تابع الزهري جابر
و هو الجعفي قال : " رأيت سالم بن عبد الله رفع يديه حذاء منكبيه في الصلاة
ثلاث مرات ، حين افتتح الصلاة ، و حين ركع ، و حين رفع رأسه ، قال جابر ! فسألت
سالما عن ذلك ؟ فقال سالم رأيت ابن عمر يفعل ذلك ، و قال ابن عمر رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك " . رواه الطحاوي و أحمد ( 5054 ) ، و الجعفي
ضعيف ، لكن سكت على الحديث الطحاوي و كأن ذلك لطرقه . و تابع سالما نافع مولى
ابن عمر : أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر و رفع يديه ، و إذا ركع رفع
يديه و إذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه ، و إذا قام من الركعتين رفع يديه ،
و رفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري في " صحيحه " (
2 / 176 ) و في " رفع اليدين " ( ص 14 ) و أبو داود ( 1 / 118 ) و البيهقي ( 2
/ 136 ) عن عبيد الله عنه ، و رواه مالك ( 1 / 98 - 99 ) عن نافع به دون قوله
" و إذا ركع رفع يديه " و دون الرفع عند القيام ، و من طريقه رواه الشافعي و
أبو داود و تابعه أيوب عن نافع به المرفوع فقط ، دون الرفع عند القيام . أخرجه
البخاري في " جزئه " ( 17 ) و البيهقي ( 2 / 24 و 70 ) و أحمد ( 5762 ) و تابعه
صالح بن كيسان عن نافع به أخرجه أحمد ( 6164 ) . و تابع سالما أيضا محارب بن
دثار قال : " رأيت ابن عمر يرفع يديه كلما ركع ، و كلما رفع رأسه من الركوع ،
قال : فقلت له : ما هذا ؟ قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم : إذا قام في
الركعتين كبر و رفع يديه " . أخرجه أحمد ( 6328 ) بإسناد صحيح . إذا عرف هذا
فهذه الروايات و الطرق الصحيحة عن ابن عمر رضي الله عنه تدل على بطلان هذا
الحديث من وجوه : الأول ما أشار إليه الحاكم و البيهقي من مخالفة راويه عن
مالك لجميع من رواه عنه من الثقات على خلاف هذا الحديث و إثبات الرفع الذي نفاه
، لاسيما و قد بلغ عددهم مبلغ التواتر كما سبق ، و مخالفة الفرد لأقل منهم
بكثير يجعل حديثه شاذ مردودا عند أهل العلم ، فكيف و هم جمع غفير ؟ ! الثاني :
أن مالكا رحمه الله لو كان عنده علم بهذا الحديث المنسوب إليه لرواه في كتابه
" الموطأ " و عمل به ، و كل من الأمرين منفي ، أما الأول ، فلما سبق بيانه أنه
روى فيه الحديث المخالف له بسنده هذا . و الآخر أنه عمل بخلافه ، و قال
بمشروعية الرفع بعد الرفع في تكبيرة الإحرام كما حكاه عنه الترمذي في " سننه "
( 2 / 37 ) و لم يحك عنه خلافه ، و نقل الخطابي و القرطبي أنه آخر قولي مالك و
أصححها كما في " الفتح " ( 2 / 174 ) . الثالث : أن ابن عمر رضي الله عنه كان
يحافظ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم : على الرفع المذكور كما سبق ذلك عنه
صريحا ، فلو كان هذا الحديث ثابتا عنه لما رفع و هو من أحرص أصحابه صلى الله
عليه وسلم على اتباعه كما هو معلوم ، كيف لا و قد صح عنه أنه كان إذا رأى رجلا
لا يرفع يديه إذا ركع و إذا رفع رماه بالحصى ! أخرجه البخاري في " رفع اليدين "
( ص 8 ) و عبد الله بن الإمام أحمد في " مسائله عن أبيه " و الدارقطني ( 108
) بسند صحيح عنه <3> . الرابع : أن الذي روى هذا الحديث عن ابن عمر إنما هو
سالم ابنه - فيما زعموا - و من الثابت عنه أنه كان يرفع يديه أيضا كما حكاه
الترمذي أيضا عنه ، و سبق ذلك في بعض الروايات عنه - فلو كان هذا الحديث مما
رواه عن أبيه حقا لم خالفه أصلا ، كما هو ظاهر . فدل ذلك كله على صحة قول
الحاكم و البيهقي في الحديث : إنه باطل ، و أن قول الشيخ النعماني : " فهذا
الحديث عندي صحيح لا محالة " محال ! و مما سبق تعلم بطلان قول الشيخ المذكور
عقب جملته المذكورة : " و غاية ما يقال فيه : أن ابن عمر رأى النبي صلى الله
عليه وسلم حينا يرفع ، فأخبر عن تلك الحالة ، و أحيانا لا يرفع ، و أخبر عن تلك
الحالة ، و ليس في كل من حديثه ما يفيد الدوام و الاستمرار على شيء معين منهما
، و لفظ : " كان " لا يفيد الدوام إلا على سبيل الغالب " . قلت : و هذا الجمع
بين الروايتين ، باطل أيضا ، لأن الشرط في الجمع إنما هو ثبوت الروايتين ، أما
و إحداهما صحيحة ، و الأخرى باطلة ، فلا يجوز الجمع حينئذ ، و كيف يعقل أن
الراوي الواحد يقول مرة : كان لا يرفع ، و أخرى : كان يرفع ، و لا يجمع هو نفسه
بينهما في عبارة واحدة و لو مرة واحدة ؟ هذا مما لا نعرف له مثيلا في شيء من
الأحاديث ! و إنما يقال مثل هذا الجمع في روايتين صحيحتين عن صحابيين مختلفين ،
مثل حديث ابن عمر هذا في الرفع و حديث ابن مسعود بمعنى هذا الحديث الباطل عن
ابن عمر . فإن قال قائل : قد عرفنا بطلان هذا الحديث من الوجوه السابقة ، فممن
العلة فيه ؟ هل هي من عبد الله بن عون الخراز الذي رواه عن مالك أم ممن دونه !
و الجواب : أنه ليس في إسناده من يمكن الظن بأن الخطأ منه غير محمد بن غالب ، و
هو الملقب بـ ( تمتام ) فإنه و إن كان الدارقطني وثقه ، فقد قال : " إلا أنه
يخطىء ، و كان وهم في أحاديث " . و قال ابن المناوي : " كتب عنه الناس ، ثم رغب
أكثرهم عنه لخصال شنيعة في الحديث و غيره " . فالظاهر أنه هو الذي أخطأ في هذا
الحديث ، فلعله من الأحاديث التي أشار إليها الدارقطني . و أما شيخه البرتي فهو
ثقة ثبت حجة كما قال الخطيب ( 5 / 61 ) ، و كذا شيخ هذا و هو الخراز ثقة من
رجال مسلم ، فانحصرت الشبهة في ( تمتام ) . و الله أعلم .
-----------------------------------------------------------
[1] الأصل " البراني " و الصواب ما أثبته و هو بكسر الباء الموحدة و سكون الراء
ثم مثناة فوقية نسبة إلى ( برت ) قرية بنواحي بغداد .
[2] الأصل " الخزار " و التصويب من " التقريب " .
[3] و أما ما رواه الطحاوي ( 1 / 133 ) من طريق بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد
قال صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة
، فهو شاذ أيضا للخلاف المعروف في أبي بكر بن عياش . اهـ .
(2/442)
________________________________________
944 - " نهى أن يبول الرجل و فرجه باد إلى الشمس و القمر " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 350 ) :
باطل .
رواه الحكيم الترمذي في " كتاب المناهي " عن عباد بن كثير عن عثمان
الأعرج عن الحسن : حدثني سبعة رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم :
أبو هريرة ، و جابر ، و عبد الله بن عمرو و عمران بن حصين و معقل بن يسار و عبد
الله بن عمر و أنس بن مالك يزيد بعضهم على بعض في الحديث أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى .... قلت : فذكر حديثا طويلا جدا في النواهي ، ساقه في " تنزيه
الشريعة " بتمامه في نحو خمس صفحات ! ( 2 / 397 - 401 ) ، و ذكر الحافظ ابن حجر
في كتابه " التلخيص " ( 37 ) قطعة من أوله ، هذا بعضه و قال : " و هو حديث باطل
لا أصل له ، بل هو من اختلاق عباد " . و تبعه السيوطي في " ذيل الأحاديث
الموضوعة " ( ص 199 ) ، ثم ابن عراق و قال : " و ذكر النووي في " شرحه على
المهذب " من هذا الحديث النهي عن استقبال الشمس و القمر ، و قال : حديث باطل لا
يعرف " . قلت : و من الغرائب أن يذكر هذا الحكم الوارد في هذا الحديث الباطل في
بعض كتب الحنابلة مثل " المقنع " لابن قدامة ( 1 / 25 - 26 ) و " منار السبيل
" لابن ضويان ( 1 / 19 ) ، و قال هذا معللا : " تكريما لهما " ! و في حاشية
الأول منهما : " لأنه روي أن معهما ملائكة ، و أن أسماء الله مكتوبة عليها
" ! قلت : و هذا التعليل مما لا أعرف له أصلا في السنة ، و كم كنت أود أن لا
يذكر مثل هذا الحكم و تعليله في مثل مذهب الإمام أحمد رحمه الله الذي هو أقرب
المذاهب إلى السنة ، و لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه ، فقد أصاب مذهبه من بعض
أتباعه نحو ما أصاب المذاهب الأخرى من الملحقات و البدعات . و لذلك كان لزاما
على جميع الأتباع الرجوع إلى السنة الصحيحة ، و هذا لا سبيل إليه إلا بدراسة
هذا العلم الشريف ، و لعلهم يفعلون . و مما يبطل هذا الحكم حديث أبي أيوب
الأنصاري مرفوعا : " لا تستقبلوا القبلة و لا تستدبروها بغائط أو بول و لكن
شرقوا أو غربوا " . أخرجه الشيخان و أصحاب السنن و غيرهم ، و هو مخرج في " صحيح
أبي داود " ( رقم 7 ) ، و ذلك أن قوله : " و لكن شرقوا أو غربوا " صريح في جواز
استقبال القمرين و استدبارهما إذ لابد أن يكونا في الشرق أو الغرب غالبا . و
يبطله أيضا قوله صلى الله عليه وسلم : الشمس و القمر ثوران مكوران في النار يوم
القيامة " . أخرجه الطحاوي و البخاري مختصرا كما بينته في " الأحاديث الصحيحة "
( 123 ) . قلت : فهذا يبطل تعليل ابن ضويان ، فإن إلقاءهما في النار و إن لم
يكن تعذيبا لهما ، فليس من باب إكرامهما كما هو ظاهر لا يخفى !
(2/443)
________________________________________
945 - " كان يصلي بعد العصر ، و ينهى عنها ، و يواصل و ينهى عن الوصال " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 351 ) :
منكر .
رواه أبو داود ( 1 / 201 ) من طريق ابن إسحاق عن محمد بن عمرو عن
عطاء عن ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
.... الحديث . قلت : و هذا سند ضعيف رجاله ثقات كلهم ، لكن ابن إسحاق مدلس و قد
عنعنه ، و قد صح ما يعارض حديثه هذا ، و هو ما أخرجه أحمد ( 6 / 125 ) عن
المقدام بن شريح عن أبيه قال : " سألت عائشة عن الصلاة بعد العصر ؟ فقالت : صل
، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومك أهل اليمن عن الصلاة إذا طلعت
الشمس " . قلت : و سنده صحيح على شرط مسلم . و وجه المعارضة واضح منه ، و هو
قولها " صل " فلو كان عندها علم بالنهي الذى رواه ابن إسحاق عنها لما أفتت
بخلافه إن شاء الله تعالى ، بل لقد ثبت عنها أنها كانت تصلي بعد صلاة العصر
ركعتين ، أخرجه البخاري ( 3 / 82 ) و مسلم ( 2 / 210 ) . فهذا كله يدل على خطأ
حديث ابن إسحاق و نكارته . و هذا من جهة الصلاة ، و أما من حيث الوصال ، فالنهي
عنه صحيح ثابت في الصحيحين و غيرهما عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم . ثم إن الحديث يخالف من جهة ثانية حديث أم سلمة المشار إليه ، فإن فيه
: " فقالت أم سلمة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما ( تعني
الركعتين بعد العصر ) ثم رأيته يصليهما ، أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ثم دخل
و عندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما ، فأرسلت إليه الجارية ، فقلت
: قومي بجنبه فقولي له : تقول أم سلمة : يا رسول الله إني أسمعك تنهى عن هاتين
الركعتين ، و أراك تصليهما ، فإن أشار بيده ، فاستأخري عنه ، قال : ففعلت
الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه ، فلما انصرف ، قال : يا بنت أبي أمية ! سألت
عن الركعتين بعد العصر ، إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني
عن الكعتين اللتين بعد الظهر ، فهما هاتان " . و وجه المخالفة هو أن النهي عن
الصلاة بعد العصر في الحديث متأخر عن صلاته صلى الله عليه وسلم بعدها ، و في
حديث أم سلمة أن النهي متقدم و صلاته بعده متأخر ، و هذا مما لا يفسح المجال
لادعاء نسخ صلاة الركعتين بعد العصر ، بل إن صلاته صلى الله عليه وسلم إياهما
دليل عن تخصيص النهي السابق بغيرهما ، فالحديث دليل واضح على مشروعية قضاء
الفائتة لعذر ، و لو كانت نافلة بعد العصر ، و هو أرجح المذاهب ، كما هو مذكور
في المبسوطات . و الحديث سكت عليه الحافظ في " الفتح " ( 2 / 51 ) و تبعه
الصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 171 ) ثم الشوكاني في " نيل الأوطار " ( 3 /
24 ) و سكوتهم الموهم صحته هو الذي حملني على تحرير القول فيه و الكشف عن علته
، و الله الموفق . ثم رأيت ابن حزم ذكره ( 2 / 265 ) من طريق أبي داود و لم
يضعفه ، بل صنيعه يشعر بصحته عنده ، فإنه أجاب عنه ( 2 / 268 ) بما يتعلق به من
جهة دلالته و وفق بينه و بين ما يعارضه من جواز الركعتين بعد العصر عنده ، و لو
كان ضعيف لضعفه و ما قصر ، و لكنه قد قصر ! و رأيت أبا الطيب الشهير بشمس الحق
العظيم آبادي قد تنبه في كتابه " إعلام أهل العصر ، بأحكام ركعتي الفجر " ( ص
55 ) لعلة أخرى في الحديث فقال : " و هذا معارض بما أخرجه مسلم و النسائي و
غيرهما عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن عائشة أنها قالت : وهم عمر ، إنما نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس و غروبها ، فإنما مفاد كلامه
في رواية ذكوان ( يعني في حديث ابن إسحاق ) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
الصلاة بعد العصر ، و مفاد كلامها في رواية طاووس أن النهي يتعلق بطلوع الشمس و
غروبها ، لا يرفع صلاة الفجر و العصر " . قلت : و هذه معارضة أخرى تضاف إلى
المعارضتين السابقتين ، و هي مما تزيد الحديث ضعفا على ضعف .
(2/444)
________________________________________
946 - " قدم علي مال فشغلني عن الركعتين كنت أركعهم بعد الظهر ، فصليتهما الآن ، فقلت
: يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا ؟ قال : لا " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 353 ) :
منكر .
رواه أحمد ( 6 / 315 ) الطحاوي ( 1 / 180 ) و ابن حبان في " صحيحه "
( 623 ) عن يزيد بن هارون قال : أخبرنا حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان
عن أم سلمة قالت : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ، ثم دخل بيتي
فصلى ركعتين ، فقلت : يا رسول الله صليت صلاة لم تكن تصليهما ، فقال : فذكره
. و هذا سند ظاهره الصحة ، و لكنه معلول ، فقال ابن حزم في " المحلى " ( 2 /
271 ) : " حديث منكر ، لأنه ليس هو في كتب حماد بن سلمة ، و أيضا فإنه منقطع لم
يسمعه ذكوان من أم سلمة ، برهان ذلك أن أبا الوليد الطيالسي روى هذا الخبر عن
حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن عائشة عن أم سلمة أن " النبي صلى
الله عليه وسلم صلى في بيتها ركعتين بعد العصر فقلت : ما هاتان الركعتان ؟ قال
: كنت أصليهما بعد الظهر ، و جاءني مال فشغلني ، فصليتهما الآن " ، فهذه هي
الرواية المتصلة و ليس فيها : " أفنقضيهما نحن ؟ قال : لا " ، فصح أن هذه
الزيادة لم يسمعها ذكوان من أم سلمة ، و لا ندري عمن أخذها ، فسقطت " . قلت : و
رواية أبو الوليد عبد الملك بن إبراهيم التي علقها ابن حزم وصلها الطحاوي ( 1 /
178 ) . و تابع أب الوليد عبد الملك بن إبراهيم الجدي : حدثنا حماد بن سلمة به
دون الزيادة . أخرجه البيهقي ( 2 / 475 ) . و نقل الحافظ في " التلخيص " ( 70 )
عنه أنه ضعف الحديث بهذه الزيادة ، و نص كلام البيهقي و هو في كتابه " المعرفة
" كما نقله صاحب " إعلام أهل العصر " ( ص 55 ) : " و معلوم عند أهل العلم
بالحديث أن هذا الحديث يرويه حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن عائشة
عن أم سلمة دون هذه الزيادة ، فذكوان إنما حمل الحديث عن عائشة ، و عائشة حملته
عن أم سلمة ، ثم كانت ترويه مرة عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، و ترسله
أخرى ، و كانت ترى مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما ، و كانت تحكي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه أثبتهما ، قالت : " و كان إذا صلى صلاة أثبتها "
. و قالت : " ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين عندي بعد العصر قط "
، و كانت تروي أنه " كان يصليهما في بيوت نسائه و لا يصليهما في المسجد مخافة
أن يثقل على أمته ، و كان يحب ما خفف عنهم " فهذه الأخبار تشير إلى اختصاصه
بإثباتهما ، لا إلى أصل القضاء . هذا و طاووس يروي أنها قالت : " وهم عمر ،
إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس و غروبها " . و
كأنها لما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبتهما بعد العصر ذهبت في النهي
هذا المذهب ، و لو كان عندها ما يروون عنها في رواية ذكوان و غيره من الزيادة
في حديث القضاء لما وقع هذا الاشتباه ، فدل على خطأ تلك اللفظة ، و قد روي عن
محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان عن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يصلي بعد العصر و ينهى عنها ، و يواصل ، و ينهى عن الوصال " . و هذا يرجع إلى
استدامته لهما لا أصل القضاء " . قلت : و التأويل فرع التصحيح ، و حديث محمد بن
عمرو هذا لا يصح إسناده كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله ، فتنبه .
(2/445)
________________________________________
947 - " استقبلوا بمقعدتي القبلة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 354 ) :
منكر .
أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " ( 2 / 1 / 143 ) و ابن ماجه (
1 / 136 ) و الطحاوي ( 2 / 336 ) و الدارقطني ( 22 ) و الطيالسي ( 1 / 46 - من
ترتيبه ) و أحمد ( 6 / 137 و 219 ) و ابن عساكر ( 5 / 537 / 1 ) من طريق موسى و
وكيع و بهز و يحيى بن إسحاق و أسد بن موسى خمستهم عن حماد بن سلمة عن خالد
الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك ابن مالك عن ( و قال موسى سمعت ) عائشة
قالت : " ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم يكرهون أن يستقبلوا
بفروجهم القبلة ، فقال : أراهم قد فعلوها ؟ ! ( و في لفظ : أو قد فعلوها ؟ ! )
استقبلوا .... " الحديث . قلت : و هذا سند ضعيف و فيه علل كثيرة : الأولى :
الاختلاف على حماد بن سلمة . الثانية : الاختلاف على خالد الحذاء و هو ابن
مهران . الثالثة : جهالة خالد بن أبي الصلت . الرابعة : مخالفته للثقة .الخامسة
: الانقطاع بين عراك و عائشة . السادسة : النكارة في المتن . العلة الأولى
الاختلاف على حماد بن سلمة ، فرواه الخمسة الذين سميناهم عنه خالد الحذاء عن
خالد بن أبي الصلت عن عراك عنها ، و خالفهم أبو كامل اسمه الفضيل بن حسين فقال
: حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت أن عراك بن مالك حدث عن عمر
بن عبد العزيز أن عائشة قالت ... الحديث ، فأدخل عمر بن عبد العزيز . أخرجه
أحمد ( 6 / 227 ) . و خالفهم يزيد بن هارون ، فقال : أنبأنا حماد عن خالد
الحذاء عن خالد بن أبي الصلت قال : كنا عند عمر بن عبد العزيز ، فذكروا الرجل
يجلس على الخلاء فيستقبل القبلة ، فكرهوا ذلك ، فحدث عن عراك بن مالك عن عائشة
، فجعل عمر بن عبد العزيز بين ابن أبي الصلت و عراك . أخرجه أحمد ( 6 / 239
) : حدثنا يزيد به . و خالفه علي بن شيبة فقال : حدثنا يزيد ابن هارن ... فساق
سنده مثل رواية الخمسة عن حماد إلا أنه زاد في الإسناد فقال : " فحدث عراك عن
عروة بن الزبير عنها ، فأدخل بينه و بينها عروة بن الزبير ! أخرجه الطحاوي ( 2
/ 336 ) . قلت : فهذا اختلاف شديد على حماد ، و لعل الأرجح الوجه الأول
، لاتفاق الجماعة عليه ، مع احتمال أن يكون حماد نفسه مصدر الاختلاف ، فقد كان
يخطىء أحيانا . الثانية و هي الاختلاف على خالد الحذاء فهو على وجوه : الأول
: قال أبو عوانة و يحيى بن مطر و القاسم بن مطيب ثلاثتهم عن خالد الحذاء عن
عراك بن مالك عن عائشة . أخرجه الدارقطني . الثاني : عن عبد الوهاب الثقفي عن
خالد عن رجل عن عراك عنها فزاد رجلا بين الحذاء و عراك أخرجه أحمد ( 6 / 183 )
و الدارقطني . و تابعه وهيب عن خالد به . رواه البخاري في " التاريخ الكبير " (
2 / 1 / 143 ) . الثالث : عن علي بن عاصم : حدثنا خالد الحذاء عن خالد بن أبي
الصلت قال : كنت عند عمر بن عبد العزيز في خلافته و عنده عراك بن مالك ، فقال
عمر : ما استقبلت القبلة و لا استدبرتها ببول و لا غائط منذ كذا و كذا ، فقال
عراك : حدثتني عائشة .... أخرجه الدارقطني و أحمد ( 6 / 184 ) و البيهقي ( 1 /
92 - 93 ) و قال : " تابعه حماد بن سلمة عن خالد الحذاء في إقامة إسناده " .
قلت : يعني رواية حماد المتقدمة من رواية الجماعة عنه ، و إلا فقد اختلفوا عليه
كما سبق بيانه ، و قال الدارقطني : " هذا أضبط إسناد ، و زاد فيه خالد بن أبي
الصلت ، و هو الصواب " . قلت : و تابعه عبد العزيز بن المغيرة عن خالد الحذاء
به ، لكنه لم يصرح بسماع عراك من عائشة أخرجه أبو الحسن القطان في " زيادته على
ابن ماجه " ( 1 / 136 ) . قلت : و هذا الوجه من الاختلاف على خالد الحذاء أرجح
لاتفاق علي بن عاصم - على ضعف فيه لسوء حفظه - و عبد العزيز بن المغيرة عليه ،
و متابعة حماد بن سلمة لهما في رواية الجماعة عنه كما تقدم . فهذا الاضطراب في
إسناد الحديث و إن كان من الممكن ترجيح الوجه الأخير منه كما ذكرنا ، فإنه
لشدته لا يزال يبقى في النفس منه شيء ، و على التسليم بهذا الترجيح يظهر فيه
علة أخرى و هي : الثالثة : جهالة خالد بن أبي الصلت ، و ذلك أنه لم يكن مشهورا
بالعدالة ، و لا معروفا بالضبط ، عند علماء الجرح و التعديل ، فأورده ابن أبي
حاتم ( 1 / 336 - 337 ) و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا ، بل صرح الإمام أحمد
بجهالته فقال : " ليس معروفا " . و قال عبد الحق الإشبيلي : " ضعيف " . و لعله
يعني بسبب جهالته . و قال الذهبي في " الميزان " و قد ساق له هذا الحديث : " لا
يكاد يعرف ، تفرد عنه خالد الحذاء ، و هذا منكر ، و ذكره ابن حبان في " الثقات
" ، و ما علمت أحد تعرض إلى لينه ، و لكن الخبر منكر " . قلت : و لعل الذهبي
أراد بقوله : " و ما علمت ... " يعني من القدامى ، و إلا فقد ضعفه عبد الحق كما
سبق ، و أما توثيق ابن حبان إياه ، فمما لا يقام له وزن - و إن اغتر به بعض
المتقدمين و المعاصرين كما يأتي - لما عرف أنه متساهل في التوثيق ، و قد بينت
ذلك في " الرد على التعقيب الحثيث " ، و هذا إذا انفرد بالتوثيق و لم يخالف ،
فكيف إذا خالف ؟ و قال ابن حزم في " المحلى " ( 1 / 196 ) : " حديث ساقط و خالد
بن أبي الصلت مجهول لا يدرى من هو ؟ " . و في " التهذيب " : " و تعقب ابن مفوز
كلام ابن حزم فقال : هو مشهور بالرواية ، معروف ، بحمل العلم ، و لكن حديثه
معلول " . قلت : و هذا القدر من الوصف لا يقتضي أن يكون الموصوف ثقة ضابطا إلا
عند بعض المتساهلين ، فكم من المعروفين بحمل العلم و الرواية لا يحتج بهم إما
للجهالة بضبطهم و حفظهم أو لظهور ضعفهم ، و لذلك نجد الحافظ ابن حجر الذي من
كتابه " التهذيب " نقلت التعقب المذكور لم يتبنه ، فلم يوثقه في " التقريب " بل
قال فيه : " مقبول " أي عند المتابعة ، و إلا فلين الحديث ، كما نص عليه في
المقدمة . إذا عرفت ذلك ، فمن كان حاله ما ذكرنا من الجهالة فحري بحديثه أن لا
يحتج به ، و هذا إذا لم يخالف الثقات ، فكيف مع المخالفة ؟! و هذه علة أخرى و
هي : الرابعة : مخالفة ابن أبي الصلت للثقة ، و هو جعفر بن ربيعة ، فقد رواه عن
عراك عن عروة عن عائشة أنها كانت تنكر قولهم ، لا تستقبل القبلة . أخرجه
البخاري في " التاريخ الكبير " ( 2 / 1 / 143 ) و ابن أبي حاتم في " العلل " (
1 / 29 ) و ابن عساكر ( 5 / 237 / 1 ) . و قال البخاري : " و هذا أصح ". و كذا
قال ابن عساكر . و قال ابن أبي حاتم : " سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن
خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت ... ( قلت : فذكره ، ثم قال : ) قال أبي :
فلم أزل أقفو أثر هذا الحديث ، حتى كتبت بمصر عن .... جعفر بن ربيعة عن عراك بن
مالك عن عروة عن عائشة موقوف ، و هذا أشبه " . قلت : و لا يشك حديثي أن ترجيح
هؤلاء الأئمة الثلاثة وقف الحديث هو الصواب ، ذلك لأن الذي أوقفه إنما هو جعفر
بن عراك ، و هو ثقة اتفاقا ، و قد احتج به الشيخان ، بينما الذي خالفه و هو
خالد بن أبي الصلت لم يوثقه أحد من الأئمة المعروفين و الموثوق بتوثيقهم ، و لو
سلمنا . لا أن توثيق ابن حبان المتقدم مما يعتد به فهل من المعقول أن ترجح
رواية من وثقه هو وحده .... آخرون على رواية من وثقه الجماعة من الأئمة ، و
احتج به الشيخان ؟ ! و إذا تبين لك ما ذكرنا تعرف سقوط تعقب البوصيري للإمام
البخاري بقوله في " الزوائد " ( ق 25 / 1 ) : " و هذا الذي علل به البخاري ليس
بقادح ، فالإسناد الأول حسن <1> ، رجاله ثقات معرفون ، و قد أخطأ من زعم أن
خالد بن أبي الصلت مجهول ، و أقوى ما أعل به هذا الخبر أن عراكا لم يسمع من
عائشة ، نقلوه عن الإمام أحمد ، و قد ثبت سماعه منها عند مسلم " . قلت : و
الجواب على هذا من وجوه : الأول : أن المخالفة التي أعل البخاري الحديث بها لم
يجب عنها البوصيري بشيء عنها أصلا ، إلا مجرد الدعوى " ليس بقادح " ! مع أنه
ساق كلامه للرد عليه ، فانصرف عنه إلى الرد على غيره ! و ذلك دليل على ضعف رده
و سلامة الحجة عند المردود عليه ! الثاني : أن رجال الإسناد كلهم ثقات رجال
مسلم غير ابن أبي الصلت فإن كان ثقة فلماذا اقتصر البوصيري على تحسين الإسناد و
لم يصححه ؟ ! أليس في هذا وحده ما يدل على أن في ابن أبي الصلت شيئا يمنع حتى
الموثقين له من تصحيح حديثه ! فما هو هذا الشيء ؟ ليس هو إلا عدم الاطمئنان
لتوثيق ابن حبان ، و إن تظاهروا بالاعتداد بتوثيقه ! الثالث : جزمه بخطإ من جهل
ابن أبي الصلت مردود عليه بما سبق بيانه في العلة ( الثالثة ) ، فأغنى عن
الإعادة . الرابع : دعواه أن الانقطاع الذي ذكره هو أقوى ما أعل به الحديث ،
ليس مسلما عندي ، بل الأقوى هو المخالفة التي لم يستطع الإجابة عنها ، ثم
الجهالة . الخامس : أن رده للانقطاع بقوله : " ثبت سماعه منه عند مسلم " ، خطأ
مبني على خطأ ، و ذلك أنه ليس عند مسلم ما زعمه من سماع عراك من عائشة ، و ما
علمت أحدا سبقه إلى هذا الزعم ، و إنما ذكر الشيخ ابن دقيق العيد أن مسلما أخرج
في " صحيحه " حديث عراك عن عائشة : " جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها ... "
الحديث <2> ، نقله الزيلعي في " نصب الراية " ( 2 / 107 ) ، و ليس فيه السماع
المدعى كما ترى . السادس : أنه لو فرضنا أن عراكا سمع من عائشة بعض الأحاديث ،
فلا يلزم من ذلك أنه سمع منها كل حديث يروى من طريقه عنها ، لاحتمال عدم ثبوت
السند بذلك عنه ، كما هو الشأن في هذا الحديث ، و هذه علة أخرى فيه و هي :
الخامسة : الانقطاع بين عراك و عائشة ، و الدليل على ذلك مجموع أمرين : 1 - أن
أكثر الروايات التي سبق ذكرها لم يقع فيها تصريح عراك بالسماع من عائشة ، و
إنما وقع في رواية علي بن عاصم و هو ضعيف الحفظ كما سبق ، و قول الشيخ أحمد
شاكر في تعليقه على " المحلى " ( 1 / 197 ) و قد تابعه على ذلك حماد بن سلمة
فارتفعت شبهة الغلط " ، ليس مسلما ، لأن هذه المتابعة مشكوك في ثبوتها ، فإن كل
ما رواه عن حماد لم يصرح بالسماع سوى موسى و هو التبوذكي ، و أما الثقات
الآخرون فرووه معنعنا ، و هم وكيع ابن الجراح و بهز بن أسد و يحيى ابن إسحاق و
أسد بن موسى و يزيد بن هارون في رواية عنه ، و عبد العزيز بن المغيرة ، كلهم
قالوا : " عن عائشة " و روايتهم أرجح من رواية الفرد و لو كان ثقة ، مع أنه
يمكن أن تكون المخالفة ليست منه بل من حماد نفسه ، لما سبق ذكره من أنه كان
يخطىء أحيانا ، فكان في الغالب يرويه معنعنا ، فحفظ ذلك منه الجماعة ، و نادرا
يرويه بالسماع فحفظ ذلك منه موسى ، و هذا اضطراب من حماد نفسه ، كما كان يضطرب
في إسناده على ما سبق بيانه . و مما يرجح رواية العنعنة ، رواية جماعة آخرين
لها مثل أبي عوانة و يحيى بن مطر و القاسم بن مطيب و عبد الوهاب الثقفي و وهيب
عن خالد الحذاء على خلاف بينهم و بين الجماعة الأولى كلهم أجمعوا على روايته
بالعنعنة . فهؤلاء عشرة أشخاص و زيادة رووه بالعنعنة فلا يشك كل من وقف عليها
أنها هي الصواب ، و أن رواية السماع منكرة أو شاذة ، و قد صرح بهذا الإمام أحمد
فقال إبراهيم بن الحارث : " أنكر أحمد قول من قال : عن عراك سمعت عائشة ، و قال
: عراك من أين سمع من عائشة " . و قال أبو طالب عن أحمد : " إنما هو عراك عن
عروة عن عائشة ، و لم يسمع عراك منها " و ذكر ابن أبي حاتم في " المراسيل " ( ص
103 - 104 - طبع بغداد ) بعد أن ساق الحديث أن الإمام أحمد قال : " مرسل ، عراك
بن مالك من أين سمع عن عائشة ، إنما يروي عن عروة ، هذا خطأ ، ثم قال : من يروي
هذا ؟ قلت : حماد بن سلمة عن خالد الحذاء ، فقال : قال غير واحد : عن خالد
الحذاء ليس فيه سمعت و قال غير واحد أيضا عن حماد بن سلمة ليس فيه سمعت " . فقد
أشار الإمام أحمد رحمه الله إلى أن ذكر السماع غير محفوظ عن حماد من جهة ، و لا
عن خالد الحذاء من جهة أخرى ، و ذلك ما فصلناه آنفا . و لو أن الذين خالفوا
الإمام أحمد و رجحوا رواية السماع تأملوا في كلامه ثم تتبعوا الروايات التي
ذكرناها لما أقدموا إن شاء الله على مخالفته ، لأن الحجة الواضحة معه ، و لكنه
رحمه الله اكتفى بالإشارة إليها و قد فصلناه لك تفصيلا لا يدع مجالا للشك في
خطإ المخالفين ، و قال موسى بن هارون : " لا نعلم لعراك سماعا من عائشة " . و
ليس من السهل في نظر الباحث المحقق تخطئة هذين الإمامين ، كما فعل المعلق على "
المحلى " ، و من قبله البوصيري بمجرد ذكر السماع في بعض الروايات مع شذوذها ،
ثم هي كلها مدارها على خالد بن أبي الصلت الذي لا دليل عندنا على ثقته و ضبطه
كما سبق ، و ما يدرينا و لعل هذا الاختلاف عنه في السماع و العنعنة إنما هو منه
، و ذلك دليل على تردده و عدم حفظه ، و يؤيد هذا ما يأتي : ، و هو : الأمر
الثاني : أن جعفر بن ربيعة قد خالف خالد بن أبي الصلت ، فأدخل بين عراك و عائشة
عروة ، كما تقدم و هو أرجح من وجهين : أولا : أن جعفر بن أبي ربيعة أوثق من ابن
أبي الصلت كما تقدم بيانه . ثانيا : أن روايته موافقة لبعض الروايات عن خالد و
هي رواية يزيد بن هارون عن حماد ابن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت
عن عراك عن عروة بن الزبير عنها . أخرجه الطحاوي كما تقدم ، فهذا يؤكد وهم ابن
أبي الصلت أو بعض من دونه في ذكر السماع من عراك لعائشة . و قد خالف جعفر خالدا
في موضع آخر من السند و هو أنه أوقفه و لم يذكر فيه رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، و قد سبق بيان ذلك في العلة ( الرابعة ) . العلة السادسة : النكارة . و
قد بقي الكلام على العلة الأخيرة و هي السادسة ، و هي النكارة في المتن ، و
بيان ذلك في ما يأتي : من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نهى أصحابه
عن استقبال القبلة و استدبارها ببول أو غائط نهيا عاما لم يقيده بالصحراء ،
فإذا روي في حديث ما كهذا الذي نحن في صدد الكلام عليه أن الصحابة كرهوا
استقبال القبلة ، فما يكون ذلك منهم إلا اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
اتباعا يستحقون عليه الأجر و المثوبة ، لأنهم على أقل الدرجات مجتهدون مخطئون
مأجرون أجرا واحدا ، و سبب خطئهم عملهم بالنص على عمومه ، أو عملهم بالمنسوخ
الذي لم يعرفوا نسخه ، و أي الأمرين فرض ، فلا يعقل أن ينكر النبي صلى الله
عليه وسلم على أصحابه طاعتهم إياه فيما كان نهاهم عنه قبل أن يبلغهم النص
المخصص أو الناسخ ، كيف و هو المعروف بتلطفه مع أصحابه في تأديبهم و تعليمهم ،
كما يدل على ذلك سيرته الشريفة معهم ، كحديث الأعرابي الذي بال في المسجد ، و
حديث معاوية بن الحكم السلمي الذي تكلم في الصلاة جاهلا ، و غير ذلك مما هو
معروف ، فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم نكارا شديدا مع أنهم
فعلوا أشياء لم يسبق أن جوزها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم و أما في هذا
الحديث فهو ينكر عليهم أشد الإنكار عملهم ، و ما هو ؟ كراهيتهم لاستقبال القبلة
، التي كانوا تلقوها عنه صلى الله عليه وسلم ، فهل يتفق هذا الإنكار مع هديه
صلى الله عليه وسلم في التلطف في الإنكار ؟ كلا ثم كلا ، بل لو أراد صلى الله
عليه وسلم أن يبدل شيئا من الحكم السابق أو أن ينسخه من أصله لقال لهم كما قال
في أمثاله : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ، و كنت نهيتكم عن
الانتباذ في الأوعية فانتبذوا ، و كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي ألا
فادخروها " . أخرجه مسلم و غيره و هو مخرج في " الصحيحة " ( 2048 ) . فلو أن
قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استمروا على العمل بهذا النهي لعدم
بلوغ الرخصة إليهم ، أفكان ينكر صلى الله عليه وسلم عليهم أم يكتفي بتعليمهم ؟
لا شك أن الجواب إنما هو تعليمهم فقط ، فكذلك الأمر في كراهة الاستقبال ، كان
يكتفي معهم بتعليمهم ، و أما أن ينكر عليهم بقوله " أو قد فعلوها " فإنه شيء
ثقيل لا أكاد أتخيل صدوره منه صلى الله عليه وسلم ، و قد أراحنا الله تعالى من
التصديق به بعد أن علمنا ثبوته بالطريق التي أقام الحجة بها على عباده في
تعريفهم بتفاصيل شريعته ، و أعني الإسناد . و اعلم أن كلامنا هذا إنما هو قائم
على أساس ما ذهب إليه بعض العلماء من الاستدلال بالحديث على نسخ النهي عن
استقبال القبلة ، و أما على افتراض أنه كان قبل النهي عن استقبال القبلة فلا
يرد الاستنكار المذكور ، و عليه حمل ابن حزم الحديث على فرض صحته فقال ( 1 /
197 - 198 ) : " ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة ، لأن نصه يبين أنه إنما كان قبل
النهي ، لأن من الباطل المحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن
استقبال القبلة بالبول و الغائط ، ثم ينكر عليهم طاعته في ذلك المجال ، هذا ما
لا يظنه مسلم و لا ذو عقل ، و في هذا الخبر إنكار ذلك عليهم ، لو صح لكان
منسوخا بلا شك " . قلت : لكن يرد على هذا الافتراض أنه يبعد أن يكره الصحابة
شيئا دون توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ، و افتراض ثبوت ذلك عنهم
فيه إساءة الظن بهم و أنهم يشرعون بآرائهم ، و هذا ما لا يجوز أن نظنه بهم ، و
لذلك فالحديث كيف ما أول فهو منكر عندي . و الله أعلم .
-----------------------------------------------------------
[1] سبقه إلى تحسينه النووي ، ثم تبعهما الصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 116
) و في " العدة شرح العمدة " ( 1 / 131 ) أيضا لكنه عقب ذلك بقوله " إلا أنه
أشار البخاري في تاريخه إلى أن فيه علة " .
[2] و هو في مسلم ( 8 / 38 ) و تمامه " فأطعمتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل واحدة
منها تمرة ، و رفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها التمرة التي كانت
تريد أن تأكلها بينهما ، فأعجبني شأنها قد ذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال : إن الله قد أوجب لها الجنة ، أو أعتقها من النار " .
(2/446)
________________________________________
948 - " إنما هو بمنزلة المخاط و البزاق ، و إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة ، أو إذخرة .
( يعني المني ) " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 360 ) :
منكر مرفوعا .
رواه الدارقطني ( 46 ) و البيهقي ( 2 / 418 ) من طريق إسحاق
بن يوسف الأزرق : أخبرنا شريك عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس
قال : " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب ؟ قال : " فذكره ، و
قال الدارقطني : " لم يروه غير إسحاق الأزرق عن شريك ( يعني مرفوعا ) ، محمد بن
عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى ثقة في حفظ شيء " . و قال البيهقي : " و رواه وكيع
عن ابن أبي ليلى موقوفا على ابن عباس ، و هو الصحيح " . قلت : و هذا وصله
الدارقطني : حدثنا محمد بن مخلد : أخبرنا الحساني : أخبرنا وكيع به . و يرجح
هذا أنه ورد موقوفا من طريقين آخرين عن عطاء ، فقال الشافعي في " سننه " ( 1 /
24 ) : أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار و ابن جريج كلاهما يخبره عن عطاء عن ابن
عباس رضي الله عنه أنه قال في المني يصيب الثوب ، قال : " أمطه عنك - قال
أحدهما - بعود أو إذخرة ، فإنما هو بمنزلة البصاق و المخاط " . قلت : و هذا سند
صحيح على شرط الشيخين ، و قد أخرجه البيهقي من طريق الشافعي ثم قال : " هذا
صحيح عن ابن عباس من قوله ، و قد روي مرفوعا ، و لا يصح رفعه ". قلت : و جملة
القول أن المرفوع فيه ثلاث علل : الأولى : ضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
كما أشار إلى ذلك الدارقطني بقوله " في حفظه شيء " على تسامح منه في التعبير !
الثانية : ضعف شريك أيضا و هو ابن عبد الله القاضي ، و أستغرب من الدارقطني
سكوته عنه هنا ، مع أنه قال فيه و قد ساق له حديث وضع الركبتين قبل اليدين عند
الهوي للسجود : " و شريك ليس بالقوي فيما تفرد به " . ( انظر الحديث المتقدم
929 ) . الثالثة : تفرد إسحاق الأزرق بروايته عن شريك مرفوعا ، و هو - أعني
الأزرق - و إن كان ثقة ، فقد خالفه وكيع و هو أوثق منه ، و لذلك رجح روايته
البيهقي كما تقدم ، لكن يبدو لي أن الراجح صحة الروايتين معا عن شريك ،
الموقوفة و المرفوعة ، و أن هذا الاختلاف إنما هو من شريك أو شيخه ابن أبي ليلى
، لما عرفت من سوء حفظهما ، فهذا الإعلال أولى من تخطئة إسحاق الأزرق الثقة ، و
هذا أولى من نصب الخلاف بين الثقتين كما فعل البيهقي من جهة ، و ابن الجوزي من
جهة أخرى ، أما البيهقي فقد رجح رواية وكيع على إسحاق ، و عكس ذلك ابن الجوزي
فقال بعد أن ذكر قول الدارقطني " لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك " : " قلنا
إسحاق إمام مخرج عنه في " الصحيحين " ، و رفعه زيادة ، و الزيادة من الثقة
مقبولة ، و من وقفه لم يحفظ " . كذا قال : و قد عرفت أن الصواب تصحيح الروايتين
و أن كلا من الثقتين حفظ ما سمع من شريك ، و أن هذا أو شيخه هو الذي كان يضطرب
في رواية الحديث عن عطاء ، فتارة يرفعه ، و تارة يوقفه ، فسمع الأزرق منه الرفع
، و سمع وكيع منه الوقف ، و كل روى ما سمع ، و كل ثقة . و من العجيب أن ابن
الجوزي يتغافل عن العلتين الأوليين ، و يجادل في العلة الثالثة ، و قد عرفت ما
في كلامه فيها ، و لو سلم له ذلك ، فلم يسلم الحديث من العلتين ، و أعجب من ذلك
أن العلة الأولى قد نبه عليها الدارقطني في جملته التي ذكرنا عنه في أول هذا
التحقيق ، فلما نقلها ابن الجوزي عنه اقتصر منها على الشطر الأول الذي فيه
إعلال الحديث بالوقف ، و لم يذكر الشطر الثاني الذي فيه الإشارة إلى العلة
الأولى و هي ضعف ابن أبي ليلى ! و هذا شيء لا يليق بأهل التحقيق و العلم . و من
الأوهام حول هذا الحديث قول الإمام الصنعاني - في " العدة على شرح العمدة " ( 1
/ 404 ) : " ثبت عنه ( يعني ابن عباس ) مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال : إنه بمنزلة البصاق و المخاط .... أخرجه الدارقطني من حديث إسحاق بن
يوسف الأزرق : حدثنا شريك .... " . ثم أعاده قائلا ( 1 / 405 ) : " و إسناده
صحيح كما قال ابن القيم في ( بدائع الفوائد ) " <1> . قلت : و هذا هو السبب
الذي دفعني إلى كتابة هذا التحقيق حول هذا الحديث ، و بيان أن رفعه وهم و إن
كان ما تضمنه من الحكم على المني بالطهارة هو الصواب ، و حسبنا في ذلك جزم ابن
عباس رضي الله عنه بأنه بمنزلة المخاط و البصاق ، و لا يعرف له مخالف من
الصحابة ، و لا ما يعارضه من الكتاب و السنة ، و قد حقق القول في المسألة ابن
قيم الجوزية في المصدر السابق تحت عنوان " مناظرة بين فقيهين في طهارة المني و
نجاسته " ( 3 / 119 - 126 ) و هو بحث هام جدا في غاية التحقيق .
-----------------------------------------------------------
[1] البدائع ( 3 / 123 ) . اهـ .
(2/447)
________________________________________
949 - " كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر بالهاجرة فقال لنا :
أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 362 ) :
ضعيف بهذا السياق .
أخرجه ابن ماجة ( 1 / 232 ) و ابن أبي حاتم في " العلل
" ( رقم 376 و 378 ) و ابن حبان في " صحيحه " ( 269 - موارد ) و الطحاوي في "
شرح المعاني " ( 1 / 111 ) و البيهقي ( 1 / 439 ) و أحمد ( 4 / 250 ) من طريق
إسحاق بن يوسف الأزرق عن شريك عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة
بن شعبة قال : فذكره . قلت : و هذا سند ضعيف ، علته شريك و هو بن عبد الله
القاضي و هو ضعيف لسوء حفظه كما تقدم آنفا ، و قال الحافظ في " التقريب " : "
صدوق يخطيء كثيرا ، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة " . قلت : و من ذلك تعلم
أن قول الحافظ في " الفتح " ( 2 / 13 ) : " رجاله ثقات ، رواه أحمد و ابن ماجه
و صححه ابن حبان " ، وهم أو تساهل منه ، و إن قلده فيه الصنعاني في " العدة " (
2 / 485 ) ، و أشد منه في الوهم قول البوصيري في " الزوائد " ( ق 46 / 1 ) : "
إسناده صحيح ، و رجاله ثقات " !! و ليت شعري كيف يكون ثقة صحيح الإسناد و فيه
من كان يخطيء كثيرا ، و هو معروف بذلك لدى أهل العلم ؟! و لاسيما و قد اضطرب في
إسناد هذا الحديث ، فرواه مرة هكذا ، و مرة قال : " عن عمارة بن القعقاع عن أبي
زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله " . رواه على الوجهين أبو
حاتم الرازي ، فقال ابنه ( 1 / 136 / 378 ) : " سمعت أبي يقول : سألت يحيى بن
معين و قلت له : حدثنا أحمد بن حنبل بحديث إسحاق الأزرق عن شريك عن بيان ... (
قلت : فذكره ثم قال : ) و ذكرته للحسن بن شاذان الواسطي فحدثنا به ، و حدثنا
أيضا عن إسحاق عن شريك عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم : بمثله ؟ قال يحيى : ليس له أصل إني <1> نظرت في كتاب
إسحاق فليس فيه هذا . قلت لأبي : فما قولك في حديث عمارة بن القعقاع عن أبي
زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : الذي أنكره يحيى ؟ قال هو
عندي صحيح و حدثنا به أحمد ابن حنبل بالحديثين جميعا عن إسحاق الأزرق . قلت
لأبي : فما بال يحيى نظر في كتاب إسحاق فلم يجده ؟ قال : كيف ؟ نظر في كتابه
كله ؟ ! إنما نظر في بعض و ربما كان في موضع آخر " . فقد حكم أبو حاتم على
الحديث بالصحة من رواية شريك بسنده عن أبي هريرة خلافا لما يوهمه صنيع الحافظ
في " التلخيص " ( 67 ) أنه صحح حديث المغيرة ، و السياق المذكور من كلام أبي
حاتم يشهد لما ذكرنا . و يؤيده أن أبا حاتم أعل الطريق الأولى . فقد قال ابن
أبي حاتم ( 1 / 136 / 376 ) بعد أن ساقها : " و رواه أبو عوانة عن طارق عن قيس
قال : سمعت عمر بن الخطاب قال : أبردوا بالصلاة . قال ابن أبي حاتم عن أبيه : "
أخاف أن يكون هذا الحديث ( يعني الموقوف على عمر ) يدفع ذاك الحديث . قلت :
فأيهما أشبه ؟ قال : كأنه هذا ، يعني حديث عمر قال أبي في موضع آخر : لو كان
عند قيس عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج أن يفتقر إلى أن يحدث
عن عمر موقوفا " . و قد ذكر الحافظ في " التلخيص " عن ابن معين نحو ما ذكر ابن
أبي حاتم عن أبيه فقال : " و أعله ابن معين بما روى أبو عوانة عن طارق عن قيس
عن عمر موقوفا . و قال : لو كان عند قيس عن المغيرة مرفوعا لم يفتقر إلى أن
يحدث به عن عمر موقوفا ، و قوى ذلك عنده أن أبا عوانة أثبت من شريك " . قلت : و
هذا هو الذي تقتضيه القواعد العلمية أن الحديث معلول بتفرد شريك به و مخالفته
لمن هو أثبت منه ، فلا وجه عندي لتصحيح الحديث كما فعل أبو حاتم ، و قال الحافظ
قبيل ما نقلنا عنه آنفا ! " و ذكر الميموني عن أحمد أنه رجح صحته " و في " طرح
الترتيب " للحافظ العراقي ( 2 / 154 ) : " و ذكر الخلال عن الميموني أنهم
ذاكروا أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - حديث المغيرة بن شعبة ، فقال :
أسانيد جياد ، قال و في رواية غير الميموني : و كان آخر الأمرين من رسول الله
صلى الله عليه وسلم الإبراد " . فهذا النقل عن الإمام أحمد غريب عندي لقوله "
أسانيد جياد " مع أنه ليس له إلا إسناد واحد كما يفيده قول الحافظ ابن حجر : "
تفرد به إسحاق الأزرق عن شريك ... " و قال البيهقي عقب الحديث : " قال أبو عيسى
الترمذي ... فيما بلغني عنه - : سألت محمدا يعني البخاري - عن هذا الحديث ؟
فعده محفوظا ، و قال : رواه غير شريك عن بيان عن قيس عن المغيرة قال : كنا نصلي
الظهر بالهاجرة ، فقيل لنا : أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم ، رواه
أبو عيسى عن عمر بن إسماعيل بن مجالد عن أبيه عن بيان كما قال البخاري " . قلت
: عمر بن إسماعيل ضعيف جدا ، قال بن معين : كذاب خبيث رجل سوء ، و قال النسائي
: " ليس بثقة ، متروك الحديث " . و أبوه فيه ضعف ، فمثل هذه الطريق لا يقوى
طريق شريك لشدة ضعفها ، فلا أدري ما وجه عد البخاري الحديث محفوظا ، فإن كان
بالنظر إلى الطريق الأولى فقد عرفت ضعفها و تفرد شريك بها ، و إن كان من أجل
هذه الطريق فهي ضعيفة جدا . و خلاصة القول : أن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة
عندي ، لتفرد الضعيف به ، و عدم وجود شاهد معتبر له . ثم إن الكلام عليه إنما
هو بالنظر لوروده بهذا السياق الذي يدل على أن صلاته صلى الله عليه وسلم
بالهاجرة منسوخ بقوله : أبردوا .. و هو ظاهر الدلالة على ذلك ، و به أحتج
الطحاوي و غيره على النسخ فإذا تبين ضعفه سقط الاحتجاج به و أما إذا نظرنا إلى
الحديث نظرة أخرى و هي أنه تضمن أمرين اثنين : صلاته صلى الله عليه وسلم
بالهاجرة ، و أمره بالإبراد دون أن نربط بينهما بهذا السياق الذي يمنع من فعل
أي الأمرين و يضطرنا إلى القول بالنسخ . أقول إذا نظرنا إليه هذه النظرة
فالحديث صحيح أما الأمر الأول فقد ورد من حديث جابر قال : " كان النبي صلى الله
عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة " . أخرجه البخاري ( 2 / 33 ) و مسلم ( 2 / 119
) و غيرهما . و أما الأمر بالإبراد . فقد ورد في " الصحيحين " و غيرهما من طرق
عن أبي هريرة و عن أبي سعيد أيضا ، و ابن عمر . فإذا عرف هذا . فقد اختلف
العلماء في الجمع بين الأمرين . فذهب الطحاوي و غيره إلا أن الأول منسوخ . و قد
عرفت ضعف دليله ، و ذهب الجمهور إلى أن الأمر بالإبراد أمر استحباب ، فيجوز
التعجيل به . و الإبراد أفضل ، و ذهب بعض الأئمة إلى تخصيص ذلك بالجماعة دون
المنفرد ، و بما إذا كانوا ينتابون مسجدا من بعد ، فلو كانوا مجتمعين ، أو
كانوا يمشون في كن فالأفضل في حقهم التعجيل ، و الحق التسوية ، و أنه لا فرق
بين جماعة و جماعة ، و لا بينهما و بين الفرد ، فالكل يستحب لهم الإبراد ، لأن
التأذي بالحر الذي يتسبب عنه ذهاب الخشوع ، يستوي فيه المنفرد و غيره كما قال
الشوكاني ( 1 / 265 ) . و أما تخصيص ذلك بالبلد الحار ، فهو الظاهر من التعليل
في قوله " فإن شدة الحر من فيح جهنم " . و يشهد له من فعله صلى الله عليه وسلم
حديث أنس قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة
، و إذا اشتد الحر أبرد بالصلاة " . أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( 1162
) و النسائي ( 1 / 87 ) و الطحاوي ( 1 / 111 ) ، و له عنده شاهد من حديث أبي
مسعود بسند حسن . ( تنبيه ) : قال الحافظ في " التلخيص " في تخريج حديث المغيرة
: " و في رواية للخلال : و كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإبراد " . و تلقى هذا عنه الشوكاني في " نيل الأوطار " ( 1 / 265 ) دون أن
يعزوه إليه كما هو الغالب عليه من عادته ! ثم بنى على ذلك قوله في الصفحة التي
قبل المشار إليها : " فرواية الخلال من أعظم الأدلة الدالة على النسخ " . قلت :
لكن الظاهر مما نقله الحافظ العراقي عن الخلال فيما سبق ذكره في هذا البحث أن
هذه الرواية ليست من حديث المغيرة ، و إنما هي من قول الإمام أحمد رحمه الله ،
و قد صرح بهذا الحافظ في " الفتح " ( 2 / 13 ) فقال : " و نقل الخلال عن أحمد
أنه قال : هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم " . و كذا قال
الصنعاني في " العدة " ( 2 / 485 ) دون أن يعزوه للحافظ أيضا !
-----------------------------------------------------------
[1] قلت : الأصل ( إنما ) و لعل الصواب ما أثبتنا . اهـ .
(2/448)
________________________________________
950 - " قال الله تبارك و تعالى : إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ، و لم
يستطل على خلقي ، و لم يبت مصرا على معصيتي ، و قطع نهاره في ذكري ، و رحم
المسكين و ابن السبيل ، و الأرملة ، و رحم المصاب ، ذلك نوره كنور الشمس
، أكلؤه بعزتي ، و أستحفظه ملائكتي ، و أجعل له في الظلمة نورا ، و في الجهالة
حلما ، و مثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 365 ) :
ضعيف .
رواه البزار ( ص 65 - زوائده ) و ابن حبان في " المجروحين " ( 2 /
35 ) عن عبد الله بن واقد الحراني عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاووس عن ابن
عباس مرفوعا . قلت : و عبد الله بن واقد كان متعففا صالحا متفقها برأي أبي
حنيفة حافظا له . و لم يكن حافظا للحديث ، فضعف حديثه و ترك . كذا في " الأحكام
الكبرى " ( 57 / 1 - 2 ) لعبد الحق الإشبيلي . و قال في " المجمع " ( 2 / 147 )
: " رواه البزار و فيه عبد الله بن واقد الحراني ضعفه النسائي ، و البخاري ، و
إبراهيم الجوزجاني ، و ابن معين في رواية ، و وثقه في رواية ، و وثقه أحمد ، و
قال : كان يتحرى الصدق و أنكر على من تكلم فيه ، و أثنى عليه خيرا ، و بقية
رجاله ثقات " . و كذا قال في " الترغيب " ( 1 / 176 ) أن بقية رواته ثقات ، و
أشار إلى أن في ابن واقد هذا ضعفا ، و لم يسق فيه كلاما للأئمة ، و جمهور
الأئمة على تضعيفه ، و أحمد و إن أثنى عليه خيرا فقد نسبه للخطإ و التدليس ، و
قال : " لعله كبر و اختلط " . لكنه لم ينفرد به ، فأخرجه الحسن بن علي الجوهري
في " مجلس من الأمالي " ( ق 69 / 2 ) من طريق ابن نمير : حدثنا ابن كثير ، عن
عبد الله بن طاووس عن أبيه به . قلت : لكن ابن كثير و اسمه محمد بن كثير البصري
السلمي القصاب ، قال ابن المديني : " ذاهب الحديث " . و قال البخاري و الساجي :
" منكر الحديث " ، و ضعفه آخرون . و روي من حديث علي مرفوعا نحوه ، و زاد في
آخره : " لا يتسنى ثمارها ، و لا يتغير حالها " . رواه ابن عساكر في " مدح
التواضع " ( ق 90 / 1 - 2 ) و قال : " قال الدارقطني : غريب تفرد به الدينوري .
قلت : يعني أبا جعفر محمد بن عبد العزيز بن المبارك الدينوري ، قال الذهبي : "
منكر الحديث ، ضعيف ، ذكره ابن عدي ، و ذكر له مناكير ، و كان ليس بثقة يأتي
ببلايا " . ثم ساق له حديثين من بلاياه و موضوعاته ، و أقره الحافظ في " اللسان
" و قال : " و أورد له ابن عدي أحاديث قال في بعضها : باطل بهذا الإسناد ، ثم
قال : و له غير ما ذكرت من المناكير " .
(2/449)
***********************************
يتبع ان شاء الله ....
أمـــة الله
2008-04-22, 04:27 PM
951 - " كان إذا أمن أمن من خلفه حتى إن للمسجد ضجة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 366 ) :
لا أصل له بهذا اللفظ فيما نعلم .
و قد نص على ذلك الحفاظ فقال الحافظ ابن
حجر في " التلخيص " ( ص 90 ) : " لم أره بهذا اللفظ ، لكن روى معناه ابن ماجه
من حديث بشر بن رافع " ( ثم ذكر الحديث الآتي ) ثم قال : " تنبيه : قال ابن
الصلاح في الكلام على " الوسيط " : هذا الحديث أورده الغزالي هكذا تبعا لإمام
الحرمين ، فإنه أورده في " نهايته " كذلك ، و هو غير صحيح مرفوعا ، و إنما رواه
الشافعي من حديث عطاء قال : " كنت أسمع الأئمة ابن الزبير فمن بعده يقولون آمين
حتى إن للمسجد للجة " . و قال النووي مثل ذلك ، و زاد هذا غلط منهما ، و كأنه و
ابن الصلاح أرادا لفظ الحديث و الحق معهما ، لكن سياق ابن ماجه يعطي بعض معناه
كما أسلفناه " . قلت : ما سلف من كلامه ينص على أن سياق ابن ماجه يعطي معناه
كله لا بعضه ، فليتأمل فإن السياق المشار إليه يحتمل بعض المعنى أو كله ، أما
البعض فهو جهر الإمام وحده ، و هو صريح في ذلك ، و أما الكل ، فهو هذا مع جهر
المؤتمين لقوله فيه " فيرتج بها المسجد " ، فإن هذا يحتمل أن الارتجاج سببه
تأمين الرسول صلى الله عليه وسلم و هو صريح الحديث ، و يحتمل أنه بسبب تأمين
المؤتمين معه ، و هو محتمل ، و هذا هو لفظ ابن ماجه : " كان إذا تلا *( غير
المغضوب عليهم و لا الضالين )* قال : آمين ، حتى يسمع من يليه من الصف الأول (
فيرتج بها المسجد ) " .
(2/450)
-----------------------------------------------------------
952 - " كان إذا تلا *( غير المغضوب عليهم و لا الضالين )* قال : آمين ، حتى يسمع من
يليه من الصف الأول ( فيرتج بها المسجد ) " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 367 ) :
ضعيف .
أخرجه أبو داود ( 1 / 148 ) و السياق له و ابن ماجه ( 1 / 281 ) و
الزيادة له ، كلاهما من طريق بشر بن رافع عن أبي عبد الله بن عم أبي هريرة عن
أبي هريرة مرفوعا . قلت : و هذا سند ضعيف ، و قول الحافظ أبو زرعة ابن
العراقي في " طرح التثريب " ( 2 / 268 ) : " و إسناده جيد " غير جيد ، يبينه ما
يأتيك من النصوص ، فقال الحافظ في " التلخيص " ( 90 ) : " و بشر بن رافع ضعيف ،
و ابن عم أبي هريرة ، قيل : لا يعرف ، و قد وثقه ابن حبان " . و قال البوصيري
في " الزوائد " ( ق 56 / 1 ) : " هذا إسناد ضعيف ، أبو عبد الله لا يعرف حاله ،
و بشر ضعفه أحمد ، و قال ابن حبان : يروي الموضوعات " . قلت : و تمام كلام ابن
حبان ( 1 / 179 ) : " كأنه كان المتعمد لها " . و من أوهام الشوكاني رحمه الله
أنه قال في هذا الحديث بعد أن ذكره المجد ابن تيمية بلفظ أبي داود و لفظ ابن
ماجه ( 2 / 188 ) قال الشوكاني : " أخرجه أيضا الدارقطني ، و قال : إسناده حسن
، و الحاكم ، و قال : صحيح على شرطهما " و البيهقي و قال : حسن صحيح " ! و
هؤلاء إنما أخرجوا الشطر الأول من الحديث بلفظ : " كان إذا فرغ من قراءة أم
القرآن رفع صوته فقال : آمين " ، فليس فيه تسميع من يليه من الصف .... الخ ،
فهذا اللفظ لا يحتمل ما يحتمله لفظ ابن ماجه من تأمين المؤتمين أيضا حتى يرتج
بها المسجد ، فثبت الفرق بين اللفظين ، و لم يجز عزو الأول منهما إلى من أخرج
الآخر ، كما هو ظاهر . على أن هذا اللفظ إسناده ضعيف أيضا ، فإن فيه عندهم
جميعا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي و هو المعروف بابن زبريق و هو ضعيف ،
قال أبو حاتم : " شيخ لا بأس به " و أثنى عليه ابن معين خيرا ، و قال النسائي :
" ليس بثقة " . و قال محمد بن عوف : " ما أشك أن إسحاق بن زبريق يكذب " . لكن
هذا اللفظ معناه صحيح ، فإن له شاهدا من حديث وائل بن حجر بسند صحيح . و أما
اللفظ الأول فلا أعرف ما يشهد له من السنة إلا ما رواه الشافعي في " مسنده " (
1 / 76 ) : أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء قال : " كنت أسمع الأئمة و
ذكر ابن الزبير و من بعده يقولون آمين ، و يقول من خلفهم آمين ، حتى أن للمسجد
للجة " . سكت عليه الحافظ كما سبق قريبا ، و فيه علتان : الأولى : ضعف مسلم بن
خالد و هو الزنجي ، قال الحافظ : صدوق ، كثير الأوهام " . الثانية : عنعنة ابن
جريج ، فإنه كان مدلسا ، و لعله تلقاه عن خال بن أبي أنوف فقد رواه عن عطاء
بلفظ : " أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد
( يعني الحرام ) إذا قال الإمام *( و لا الضالين )* رفعوا أصواتهم بآمين ، ( و
في رواية ) : سمعت لهم رجة بآمين " . أخرجه ابن حبان في " الثقات " ( 2 / 74
) و البيهقي ( 2 / 59 ) و الرواية الأخرى له . و خالد هذا ترجمه ابن أبي حاتم (
1 / 2 / 355 - 356 ) و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا ، و أورده ابن حبان في "
الثقات " و في ترجمته ساق له هذا الأثر ، و توثيق ابن حبان فيه تساهل معروف ، و
لذلك فإني غير مطمئن لصحة روايته ، فإن كان ابن جريج أخذه عنه فالطريق واحدة ،
و إلا فلا ندري عمن تلقاه ابن جريج ، و يبدو أن الإمام الشافعي نفسه لم يطمئن
أيضا لصحة روايته هذه ، فقد ذهب إلى خلافها ، قال في " الأم " ( 1 / 95 ) :
" فإذا فرغ الإمام من قراءة أم القرآن قال آمين ، و رفع بها صوته ، ليقتدي به
من كان خلفه ، فإذا قالها قالوها و أسمعوا أنفسهم ، و لا أحب أن يجهروا بها "
. فلو أن هذا الأثر ثابت عن أولئك الصحابة عند الشافعي لما أحب خلاف فعلهم إن
شاء الله و لذلك فالأقرب إلى الصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الشافعي أن
يجهر الإمام دون المؤتمين . و الله أعلم . ثم رأيت البخاري قد علق أثر ابن
الزبير المذكور بصيغة الجزم ، فقال الحافظ في " الفتح " ( 2 / 208 ) : " وصله
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ، قال و يعني ابن جريج ، قلت له : أكان ابن
الزبير يؤمن على أثر أم القرآن ؟ قال : نعم ، و يؤمن من وراءه حتى أن للمسجد
للجة ، ثم قال : إنما آمين دعاء " . قلت : و هو في " مصنف عبد الرزاق " برقم (
2640 ج 2 ) و من طريقه ابن حزم في " المحلى " ( 3 / 364 ) . فقد صرح ابن جريج
في هذه الرواية أنه تلقى ذلك عن عطاء مباشرة ، فأمنا بذلك تدليسه ، و ثبت بذلك
هذا الأثر عن ابن الزبير ، و قد صح نحوه عن أبي هريرة ، فقال أبو رافع : " إن
أبا هريرة كان يؤذن لمروان بن الحكم ، فاشترط أن لا يسبقه بـ *( الضالين ) *
حتى يعلم أنه قد دخل الصف ، فكان إذا قال مروان : *( و لا الضالين )* قال أبو
هريرة : آمين يمد بها صوته ، و قال : إذا وافق تأمين أهل الأرض تأمين أهل
السماء غفر لهم " . أخرجه البيهقي ( 2 / 59 ) و إسناده صحيح . فإذا لم يثبت عن
غير أبي هريرة و ابن الزبير من الصحابة خلاف الجهر الذي صح عنهما ، فالقلب
يطمئن للأخذ بذلك أيضا ، و لا أعلم الآن أثرا يخالف ذلك ، و الله أعلم .
(2/451)
-----------------------------------------------------------
953 - " إذا نام العبد في سجوده باهى الله عز وجل به ملائكته ، قال : انظروا إلى عبدي
، روحه عندي و جسده في طاعتي ! " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 369 ) :
ضعيف .
رواه تمام في " الفوائد " ( ق 263 / 2 ) و عنه ابن عساكر ( 11 / 444
/ 1 ) عن داود بن الزبرقان عن سليمان التيمي عن أنس مرفوعا . قلت : و هذا
سند ضعيف جدا ، داود بن الزبرقان قال الحافظ في " التقريب " : " متروك ، و كذبه
الأزدي " . قال ابن حبان ( 1 / 287 ) : " يأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم "
. قلت : و من طريقه رواه البيهقي أيضا في " الخلافيات " كما في " تلخيص الحبير
" ( ص 44 ) و اقتصر هناك على قوله في داود هذا : إنه ضعيف : و قال : " و روي من
وجه آخر عن أبان عن أنس ، و أبان متروك " . و روي من حديث أبي هريرة مرفوعا
.أخرجه ابن سمعون في " الأمالي " ( 172 / 1 ) عن حجاج بن نصير : أخبرنا المبارك
بن فضالة عن الحسن عن أبي هريرة . قلت : و هذا سند ضعيف ، و فيه ثلاث علل : 1 -
حجاج بن نصير ، قال الحافظ : " ضعيف كان يقبل التلقين " . 2 - المبارك بن فضالة
ضعيف أيضا ، قال الحافظ : " صدوق ، يدلس و يسوي " . 3 - الحسن و هو البصري ،
فإنه على جلالته كان يدلس ، و من طريقة الأئمة النقاد إعلال الحديث بعنعة الحسن
البصري ، فانظر " اللآلي المصنوعة " للسيوطي ( 2 / 389 ) ، على أنه اختلف في
ثبوت سماعه من أبي هريرة . لكن ذكر الحافظ في " التلخيص " أنه رواه ابن شاهين
في " الناسخ و المنسوخ " من حديث المبارك بن فضالة ، فإن كان عنده غير طريق
الحجاج بن نصير ، فقد ذهبت العلة الأولى و بقيت الثانية و الثالثة . ثم قال
الحافظ : " و ذكره الدارقطني في " العلل " من حديث عباد بن راشد كلاهما ( يعني
المبارك و عبادا ) عن الحسن عن أبي هريرة ، قال الدارقطني : و قيل : عن الحسن :
بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : و الحسن لم يسمع من أبي هريرة " .
قلت : و عباد بن راشد صدوق له أوهام ، فمتابعته للمبارك تذهب بالعلة الثانية ،
فيبقى في الحديث العلة الثالثة ، و بها أعل الحديث ابن حزم في " المحلى " فقال
( 1 / 228 ) : " و هذا لا شيء ، أنه مرسل ، لم يخبر الحسن ممن سمعه " . ثم قال
الحافظ : " و مرسل الحسن ، أخرجه في " الزهد " ، و روى ابن شاهين عن أبي سعيد
معناه ، و إسناده ضعيف " . قلت : و سنده في " الزهد " ( 20 / 81 / 1 ) صحيح ،
فراجع الإسناد إلى أنه من مرسل الحسن البصري فهو علته . و الحديث على ضعفه قد
استدل به من ذهب إلى نوم الساجد - و ألحقوا به الراكع - لا ينقض الوضوء ، قال
ابن حزم : " لو صح لم يكن في إسقاط الوضوء عنه " . و هو كما قال ، و قال
الصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 92 ) : " و من استدل به قالوا : سماه ساجدا و
هو نائم ، و لا سجود إلا بطهارة ، و أجيب بأنه سماه باعتبار أول أمره ، أو
باعتبار هيئته " . و قد ذكر الصنعاني اختلاف العلماء ، في هذا المسألة ، و جمع
الأقوال فيها فبلغت ثمانية ، الصواب منها القول الأول و هو أن النوم ناقض مطلقا
على كل حال قليلا كان أو كثيرا ، و نصره ابن حزم بأدلة قوية فراجعه ، و مثل هذا
الحديث في الضعف و الدلالة الحديث الآتي : " من استحق النوم وجب عليه الوضوء "
.
(2/452)
-----------------------------------------------------------
954 - " من استحق النوم وجب عليه الوضوء " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 370 ) :
شاذ لا يصح .
رواه الحافظ ابن المظفر في " غرائب شعبة " ( 148 / 2 ) :
حدثنا أبو الفضل العباس بن إبراهيم : حدثنا أبو غسان مالك بن الخليل : حدثنا
محمد بن عباد الهنائي : حدثنا شعبة عن الجريري عن خالد بن غلاق - و لا أعلمه
إلا عن أبي هريرة مرفوعا : قلت : و هذا سند رجاله كلهم ثقات : أبو الفضل
العباس بن إبراهيم له ترجمة في " تاريخ الخطيب ( 12 / 151 - 152 ) و قال : " و
كان ثقة " . و سائرهم من رجال " التهذيب " . لكن قوله : " لا أعلمه إلا .... "
فيه بعض الشك في رفعه ، و يقوي الشك أن الهنائي خولف في رفعه ، فقال علي بن
الجعد : أنبأنا شعبة فذكره موقوفا ، أخرجه البغوي في " الجعديات " ( 7 / 69 / 1
) و من طريقه البيهقي ( 1 / 119 ) و علي بن الجعد ثقة ثبت ، و قد تابعه الثقات
، فقال : ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 39 / 2 ) : حدثنا هشيم و ابن علية
عن الجريري عن خالد بن غلاق القيسي عن أبي هريرة قال : فذكره موقفا عليه ، و
لعله الصواب ، و زاد ابن علية ، قال الجريري : فسألنا عن استحقاق النوم
. فقالوا : " إذا وضع جنبه " . قلت : فاتفاق هؤلاء الثلاثة الثقات على وقفه
يجعل رواية الهنائي شاذة ، و لذلك قال البيهقي : " و قد روي مرفوعا و لا يصح
رفعه " . و قال الحافظ في " التلخيص " ( 43 ) بعد أن ذكره من طريق البيهقي :
" و روي موقوفا ، و إسناده صحيح ، و رواه في " الخلافيات " من طريق آخر عن أبي
هريرة و أعله بالربيع بن بدر عند ابن عدي ، و كذا قال الدارقطني في " العلل "
أن وقفه أصح " . قلت : و يشهد لوقفه أن البيهقي رواه ( 1 / 122 - 123 ) من طريق
أخرى عن يزيد ابن قسيط أنه سمع أبا هريرة يقول : " ليس على المحتبي النائم ، و
لا على القائم النائم ، و لا على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع ، فإذا اضطجع
توضأ " ، و قال : " و هذا موقوف " . قلت : و إسناده جيد كما قال الحافظ في "
التلخيص " . لكن الراجح أن العمل على خلافه كما تقدم في آخر الحديث الذي قبله .
(2/453)
-----------------------------------------------------------
955 - " يا معاذ إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر ، و أطل القراءة قدر ما يطيق الناس و
لا تملهم ، و إذا كان الصيف فأسفر بالفجر ، فإن الليل قصير ، و الناس ينامون ،
فأمهلهم حتى يداركوا " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 371 ) :
موضوع .
رواه البغوي في " شرح السنة " ( 1 / 52 / 1 ) من طريق أبي الشيخ و
هذا في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " ( ص 76 و 80 ) عن يوسف بن أسباط :
المنهال بن الجراح عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل
قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال : فذكره . قلت : و
هذا سند ضعيف جدا بل موضوع ، آفته المنهال بن الجراح ، و هو الجراح بن المنهال
، انقلب على يوسف بن أسباط ، و كذلك قلبه محمد بن إسحاق كما ذكر الحافظ في "
اللسان " و هو متفق على تضعيفه ، و قال البخاري و مسلم : " منكر الحديث " . و
قال النسائي و الدارقطني : " متروك " ، و قال ابن حبان ( 1 / 213 ) : " كان
يكذب في الحديث و يشرب الخمر " . و ذكره البرقي في " باب من اتهم بالكذب " . و
مما يؤكد كذبه في هذا الحديث أنه خلاف ما جرى عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم من التغليس بصلاة الفجر دون تفريق بين الشتاء و الصيف ، كما تدل على ذلك
الأحاديث الصحيحة فأكتفي بذكر واحد منها ، و هو حديث أبي مسعود البدري " أن
النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح مرة بغلس ، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ، ثم
كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات ، و لم يعد إلى أن يسفر " . رواه أبو داود
بسند حسن كما قال النووي و ابن حبان في " صحيحه " ( 273 ) و صححه الحاكم و
الخطابي و الذهبي و غيرهم كما بينته في " صحيح أبي داود " ( رقم 417 ) . و
العمل بهذا الحديث هو الذي عليه جماهير العلماء ، من الصحابة و التابعين و
الأئمة المجتهدين ، و منهم الإمام أحمد أن التعجيل بصلاة الفجر أفضل ، لكن ذكر
ابن قدامة في " المقنع " ( 1 / 105 ) رواية أخرى عن الإمام أحمد : " إن أسفر
المأمومون فالأفضل الإسفار " ، و احتج له في الشرح بحديث معاذ هذا ، و عزاه
لأبي سعيد الأموي في مغازيه !
(2/454)
-----------------------------------------------------------
956 - " إذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره ، فلا ينظرن إلى شيء من عورته ، فإن أسفل من
سرته إلى ركبتيه من عورته " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 372 ) :
ضعيف مضطرب
. يرويه سوار بن داود أبو حمزة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
، فرواه هكذا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي و عبد الله بن بكر السهمي - المعنى
واحد - قالا : حدثنا سوار به . أخرجه الإمام أحمد ( رقم 6756 ) عنهما معا هكذا
، و أخرجه الدارقطني ( 85 ) و عنه البيهقي ( 2 / 228 - 229 ) و الخطيب في "
تاريخ بغداد " ( 2 / 278 ) و كذا العقيلي في " الضعفاء ( 173 - 174 ) عن السهمي
وحده . و تابعهما وكيع عن سوار لكنه قلب اسمه فقال : " داود بن سوار " بلفظ : "
إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره ، فلا ينظر إلى ما دون السرة و فوق الركبة "
. أخرجه أبو داود ( 1 / 185 - 186 - عون ) و قال : وهم وكيع في اسمه ، و روى عن
أبو داود الطيالسي هذا الحديث فقال : حدثنا أبو حمزة سوار الصيرفي " . و خالفهم
النضر بن شميل فقال : أنبأنا أبو حمزة الصيرفي و هو سوار بن داود به بلفظ : "
إذا زوج أحدكم عبده : أمته أو أجيره ، فلا تنظر الأمة إلى شيء من عورته ، فإن
ما تحت السرة إلى الركبة من العورة " . أخرجه الدارقطني و عنه البيهقي . فهذه
الرواية على خلاف الروايات السابقة فإنها صريحة في أن المنهي عنه النظر إنما هي
الأمة ، و أن ضمير " عورته " راجع إلى " أحدكم " و المقصود به السيد ، و هذه
الرواية أرجح عندي لسببين : الأول : أنها أوضح في المعنى من الأولى لأنها لا
تحتمل إلا معنى واحدا ، بخلاف الأولى ، فإنها تحتمل معنيين : أحدهما يتفق مع
معنى هذه ، و الآخر يختلف عنه تمام الاختلاف ، و هو الظاهر من المعنيين ، و هو
أن المنهي عن النظر إنما هو السيد ، و أن ضمير " عورته " راجع إلى العبد أو
الأجير أي الأمة ، و لهذا استدل بعض العلماء بهذه الرواية على أن عورة الأمة
كعورة الرجل ما بين السرة و الركبة ، قال : " و يريد به ( يعني بقوله : عبده أو
أجيره ) الأمة ، فإن العبد و الأجير لا يختلف حاله بالتزويج و عدمه " <1> لكن
المعنى الأول أرجح بدليل هذه الرواية التي لا تقبل غيره و يؤيده السبب الآتي و
هو : الآخر : أن الليث بن أبي سليم قد تابع سوارا في روايته عن عمرو به ، و
لفظه : " إذا زوج أحدكم أمته أو عبده أو أجيره ، فلا تنظر إلى عورته ، و العورة
ما بين السرة و الركبة " . أخرجه البيهقي ( 2 / 229 ) عن الخليل بن مرة عن
الليث . و هذا السند إلى عمرو ، و إن كان ضعيفا ، فإنه لا بأس به في الشواهد و
المتابعات ، و هذا صريح في المعنى الأول لا يحتمل غيره أيضا ، لكن روي الحديث
بلفظ آخر ، لا يحتمل إلا المعنى الآخر ، و هو من طريق الوليد : حدثنا الأوزاعي
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ : " إذا زوج أحدكم عبده أو أمته
( أو أجيره ) فلا ينظرن إلى عورتها " . كذا قال " عورتها " . أخرجه البيهقي ( 2
/ 226 ) ، و الوليد هو ابن مسلم و هو يدلس تدليس التسوية ، و قد عنعن بين
الأوزاعي و عمرو ، ثم هو لو صح ، فليس فيه تعيين العورة من الأمة ، و لذلك قال
البيهقي بعد أن أتبع هذه الرواية برواية وكيع المتقدمة : " و هذه الرواية إذا
قرنت برواية الأوزاعي دلنا على أن المراد بالحديث نهي السيد عن النظر إلى
عورتها إذا زوجها ، و أن عورة الأمة ما بين السرة و الركبة ، و سائر طرق هذا
الحديث يدل ، و بعضها ينص على ( أن ) المراد به نهي الأمة عن النظر إلى عورة
السيد ، بعد ما زوجت ، أو نهي الخادم من العبد و الأجير عن النظر إلى عورة
السيد بعدما بلغا النكاح ، فيكون الخبر واردا في بيان مقدار العورة من الرجل ،
لا في بيان مقدارها من الأمة " . و جملة القول أن الحديث اضطرب فيه سوار ، فلا
يطمئن القلب إلى ترجيح رواية من روايتيه و إن كنا نميل إلى الرواية التي وافقه
عليها الليث بن أبي سليم و إن كان ضعيف ، فإن اتفاق ضعيفين على لفظ من لفظين
، أولى بالترجيح من اللفظ الآخر الذي تفرد به أحدهما ، هذا لو اتفق الرواة عنه
فيه ، فكيف و قد اختلفوا ، و البيهقي ، و إن مال إلى أن الحديث ورد في عورة
الرجل لا الأمة ، فقد جزم بضعفه للاختلاف الذي ذكرنا ، فقال : " فأما حديث عمرو
بن شعيب فقد اختلف في متنه ، فلا ينبغي أن يعتمد عليه في عورة الأمة و إن كان
يصلح الاستدلال به و سائر ما يأتي عليه معه في عورة الرجل ، و بالله التوفيق "
. و إذا عرفت ذلك ، فمن الغرائب أن تتبنى بعض المذاهب هذا الحديث فتقول : بأن
الأمة عورتها عورة الرجل ! و يرتب على ذلك جواز النظر إليها بل هذا ما صرح به
بعضهم ، فقالوا : فيجوز للأجنبي النظر إلى شعر الأمة و ذراعها و ساقها و صدرها
و ثديها " ! ذكره الجصاص في " أحكام القرآن " ( 3 / 390 ) ، و لا يخفى ما في
ذلك من فتح باب الفساد ، مع مخالفة عمومات النصوص التي توجب على النساء إطلاقا
التستر ، و على الرجال غض البصر انظر كتابنا " حجاب المرأة المسلمة " ( 22 - 25
) .
[1] انظر الحاشية على " المقنع " ( 1 / 110 ) . اهـ .
(2/455)
-----------------------------------------------------------
957 - " إن الله عز وجل قد رفع لي الدنيا ، فأنا أنظر إليها و إلى ما هو كائن فيها
إلى يوم القيامة كأنما أنظر إلى كفي هذه ، جليانا من أمر الله عز وجل جلاه
لنبيه كما جلاه للنبيين قبله " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 374 ) :
ضعيف جدا .
رواه أبو نعيم في " الحلية " ( 6 / 101 ) من طريق الطبراني :
حدثنا بكر بن سهل : حدثنا نعيم بن حماد : حدثنا بقية عن سعيد بن سنان : حدثنا
أبو الزاهرية عن كثير بن مرة عن ابن عمر مرفوعا . قلت : و هذا إسناد واه
فيه أربع علل : 1 - سعيد بن سنان متروك ، و رماه الدارقطني و غيره بالوضع . 2 -
و بقية مدلس و قد عنعنه . 3 - و نعيم بن حماد ضعيف . 4 - و بكر بن سهل ضعيف
أيضا . و الحديث أورده الهيثمي في " المجمع " ( 8 / 287 ) و قال : " رواه
الطبراني ، و رجاله وثقوا على ضعف كثير في سعيد بن سنان الرهاوي " .
(2/456)
-----------------------------------------------------------
958 - " كان لا يمس من وجهي شيئا و أنا صائمة ، قالته عائشة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 374 ) :
منكر .
رواه ابن حبان في صحيحه ( 904 ) : أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع
حدثنا عثمان بن أبي ( شيبة : حدثنا وكيع عن ) <1> زكريا بن أبي زائدة عن العباس
بن ذريح عن الشعبي عن محمد بن الأشعث عن عائشة قالت : فذكره مرفوعا إلى
النبي صلى الله عليه وسلم و قد رواه الإمام أحمد ( 6 / 162 ) فقال : حدثنا وكيع
عن زكريا به ... مثله ، يعني مثل حديث ساقه قبله فقال : حدثنا يحيى بن زكريا
حدثني أبي عن صالح الأسدي عن الشعبي عن محمد بن الأشعث ابن قيس عن عائشة أم
المؤمنين قالت : " ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتنع من شيء من وجهي و
هو صائم " . قلت : و في هذا السياق مخالفتان : الأولى في السند ، و الأخرى في
المتن . أما المخالفة في السند ، فهي أنه جعل مكان العباس بن ذريح ، صالحا
الأسدي ، و هو صالح بن أبي صالح الأسدي ، و هو مجهول كما يشير إلى ذلك الذهبي
بقوله : " تفرد عنه زكريا بن أبي زائدة " . و قد قيل : عنه عن محمد بن الأشعث
عن عائشة بإسقاط الشعبي من بينهما ، أخرجه النسائي و قال : " إنه خطأ ، و
الصواب الأول " كما في " تهذيب التهذيب " . و أخرجه النسائي في " العشرة " من "
الكبرى " ( ق 84 / 1 ) من طريق زياد بن أيوب قال حدثنا ابن أبي زائدة قال :
أخبرني أبي صالح الأسدي عن الشعبي به ، فهذا يرجح رواية أحمد عن وكيع ، و يدل
على أن رواية ابن حبان شاذة . ثم رأيتها في " مصنف ابن أبي شيبة " ( 3 / 60 )
عن وكيع مثل رواية أحمد . و أما الاختلاف في المتن فظاهر بأدنى تأمل ، و ذلك أن
يحيى بن زكريا ، جعل المتن نفي امتناعه صلى الله عليه وسلم من تقبيل وجه عائشة
و هو صائم ، بينما جعله وكيع - في رواية ابن حبان - نفي تقبيله صلى الله عليه
وسلم لها و هي صائمة ! فإذا كان لفظ رواية وكيع عند أحمد ، مثل لفظ رواية يحيى
بن زكريا كما يدل عليه إحالة أحمد عليه بقوله : " مثله " كما سبقت الإشارة إليه
، إذا كان الأمر كذلك كانت رواية وكيع عند ابن حبان شاذة لمخالفتها ، لروايته
عند أحمد و رواية يحيى بن زكريا ، و يؤكد هذا موافقة لفظ زياد بن أيوب عند
النسائي للفظ أحمد . و سواء كان الأمر كما ذكرنا أو لم يكن ، فإننا نقطع بأن
هذه الرواية شاذة بل منكرة ، لمخالفتها للحديث الثابت بالسند الصحيح عن عائشة
أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبلها و هما صائمان ، فقال الإمام أحمد ( 6 / 162
) : حدثنا يحيى بن زكريا قال : أخبرني أبي عن سعد بن إبراهيم عن رجل من قريش من
بني تميم يقال له طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت : " تناولني رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فقلت : إني صائمة ، فقال : و أنا صائم " . و هذا سند صحيح ، و
قد رواه جماعة من الثقات عن سعد بن إبراهيم به نحوه كما بينته في " الأحاديث
الصحيحة " فانظر " كان يقبلني ... " ( رقم 219 ) . و علة حديث الترجمة إنما هي
تفرد محمد بن الأشعث بهما ، و هن في عداد مجهولي الحال . فقد أورده البخاري في
" التاريخ الكبير " ( 1 / 1 / 16 ) و ابن أبي حاتم ( 3 / 2 / 206 ) و لم يذكرا
فيه جرحا و لا تعديلا ، نعم ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 3 / 231 ) و روى عنه
جمع من الثقات ، فمثله حسن الحديث عندي إذا لم يخالف ، و لكن لما كان قد تفرد
بهذا الحديث و خالف فيه الثقة و هو طلحة بن عبد الله بن عثمان القرشي الذي أثبت
أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة و هي صائمة ، كان الحديث بسبب هذه
المخالفة شاذا بل منكرا و قد اتق الشيخان على إخراج حديثها بلفظ : " كان يقبل و
هو صائم " و ليس فيه بيان أنها كانت صائمة أيضا كما في حديث القرشي عنها و قد
خفي هذا على بعض أهل العلم ، كما خفي عليه حال هذا الحديث المنكر ، فقال
الصنعاني في " سبل السلام " ( 2 / 218 ) : " تنبيه " : قولها : " و هو صائم "
لا يدل على أنه قبلها و هي صائمة فقد أخرج ابن حبان بإسناده ( عنها ) أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان لا يمس وجهها و هي صائمة ، و قال : ليس بين الخبرين
تضاد ، إنه كان يملك إربه ، و نبه بفعله ذلك على جواز هذا الفعل لمن هو بمثابة
حاله ، و ترك استعماله إذا كانت المرأة صائمة ، علما منه بما ركب في النساء من
الضعف عند الأشياء التي ترد عليهن ، انتهى " . فقد فات ابن حبان حديث القرشي
المشار إليه ، و تبعه عليه الصنعاني ، و ذهل هذا عن علة حديث ابن حبان ! و تبعه
على ذلك الشوكاني ( 4 / 180 ) . و لكن هذا لم يفته حديث القرشي ، بل ذكره من
طريق النسائي ، فالعجب منه كيف ذكر الحديثين دون أن يذكر التوفيق بينهما ، و
الراجح من المرجوح منهما . فهذا هو الذي حملني على تحرير القول في نكارة هذا
الحديث ، و الله ولي التوفيق . ثم إني لما رأيت الحديث في " المصنف " و وجدت
متنه بلفظ : " كان لا يمتنع من وجهي و أنا صائمة " ، تيقنت شذوذ لفظ ابن حبان ،
كما تبينت أنه لا علاقة لابن الأشعث به ، و إنما هو من ابن حبان نفسه أو من
شيخه عمران ، و الله أعلم .
-----------------------------------------------------------
[1] سقطت هذه الزيادة من النسخة المطبوعة ، فاستدركتها من أصلها المخطوط
المحفوظ في المكتبة المحمودية في المدينة المنورة ( ق 68 / 1 ) بعد أن ضيعت
وقتا كثيرا في معرفة عثمان بناء على ما وقع في المطبوعة ! و أما فهرس الخطأ
فيها ، فقد جاء التصويب فيه خطأ أيضا ! . اهـ .
(2/457)
-----------------------------------------------------------
959 - " الوضوء مما خرج و ليس مما دخل " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 376 ) :
منكر .
رواه ابن عدي ( 194 / 2 ) و الدارقطني ( ص 55 ) و البيهقي ( 1 / 116
) عن الفضل بن المختار عن ابن أبي ذئب عن شعبة - يعني - مولى ابن عباس عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره . و قال البيهقي : " لا يثبت " .
قلت : و له ثلاث علل : الأولى : الفضل بن المختار ، و هو أبو سهل البصري و هو
متروك ، قال أبو حاتم : " أحاديثه منكرة ، يحدث بالأباطيل " . و قال ابن عدي :
" عامة أحاديثه منكرة لا يتابع عليها " . و ساق له الذهبي أحاديث ، قال في واحد
منها : يشبه أن يكون موضوعا " ، و في الأخرى ، " هذه أباطيل و عجائب " !
الثانية : شعبة مولى ابن عباس ، و هو صدوق سيء الحفظ ، كما في " التقريب " . و
قال في " التلخيص " ( ص 43 ) : " و في إسناده الفضل بن المختار ، و هو ضعيف جدا
، و فيه شعبة مولى ابن عباس و هو ضعيف ، و قال ابن عدي : الأصل في هذا الحديث
أنه موقوف ، و قال البيهقي : لا يثبت مرفوعا ، و رواه سعيد بن منصور موقوفا من
طريق الأعمش عن أبي ظبيان عنه ، و رواه الطبراني من حديث أبي أمامة ، و إسناده
أضعف من الأول و من حديث ابن مسعود موقوفا " . قلت : فقد أشار الحافظ إلى أن في
الحديث علة أخرى و هي : الثالثة : و هي الوقف ، فإن شعبة المذكور علاوة على
كونه ضعيفا ، فقد خالفه الثقة أبو ظبيان و هو حصين بن جندب الجهني فقال : عن
ابن عباس في الحجامة للصائم قال : " الفطر مما دخل ، و ليس مما خرج ، و الوضوء
مما خرج و ليس مما دخل " . رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان .
ذكره الحافظ في " الفتح " ( 4 / 141 ) و قد علقه البخاري في " صحيحه " مجزوما
به مقتصرا على الشطر الأول منه " و قد وصله أيضا البيهقي في " سننه " ( 1 / 116
و 4 / 261 ) من طريق أخرى عن وكيع به ، و هذا سند صحيح موقوف ، فهو الصواب كما
أشار إلى ذلك ابن عدي ثم البيهقي ثم الحافظ . و أما حديث أبي أمامة الذي أشار
إليه الحافظ في كلامه السابق فهو الآتي عقبه . ( تنبيه ) : ذكر الشوكاني حديث
الترجمة هذا بلفظ : الفطر مما دخل ، و الوضوء مما خرج " و قال : " أخرجه
البخاري تعليقا ، و وصله البيهقي و الدارقطني و ابن أبي شيبة " . ثم ضعفه
بالفضل بن المختار ، و شعبة مولى ابن عباس . أقول : و في هذا التخريج على
إيجازه أوهام لابد من التنبيه عليها . الأول : أن الحديث عند البخاري و ابن أبي
شيبة موقوف و ليس بمرفوع كما تقدم . الثاني : أن إسنادهما صحيح و ليس بضعيف .
الثالث : أن البخاري لم يخرجه بتمامه ، بل الشطر الأول منه فقط ، كما سبق منا
التنصيص عليه . و قد وقع في بعض هذه الأوهام الصنعاني قبل الشوكاني ! فإنه ذكر
الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مجزوما به بلفظ : " الفطر مما دخل
و ليس مما خرج " . ثم قال في تخريجه : " علقه البخاري عن ابن عباس ، و وصله عنه
ابن أبي شيبة " . فوهم الوهم الأول ، و زاد وهما آخر ، و هو أن المرفوع صحيح
لجزمه به و عدم ذكر علته ، فهذا و ذاك هو الذي حملني على تحقيق القول في هذا
الحديث لكيلا يغتر بكلامهما من لا علم عنده بأوهامهما . هذا و للحديث شاهد من
رواية أبي أمامة ، و لكنه ضعيف جدا و هو : " إنما الوضوء علينا مما خرج ، و ليس
علينا مما دخل " .
(2/458)
-----------------------------------------------------------
960 - " إنما الوضوء علينا مما خرج ، و ليس علينا مما دخل " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 378 ) :
ضعيف جدا .
رواه الطبراني في " الكبير " عن أبي أمامة قال : دخل رسول
الله صلى الله عليه وسلم على صفية بنت عبد المطلب فغرفت له ، أو فقربت له علقا
فوضعته بين يديه ، ثم غرفت أو قربت آخر فوضعته بين يديه فأكل ، ثم أتى المؤذن
فقال : الوضوء الوضوء ، فقال " فذكره . قال الهيثمي في " المجمع " ( 1 / 152 )
: " و فيه عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد ، و هما ضعيفان لا يحل الاحتجاج
بهما " . قلت : و لذلك قال الحافظ فيما سبق نقله عنه في الكلام على الحديث الذي
قبله . " إنه أشد ضعفا منه " .
(2/459)
***********************************
يتبع ان شاء الله ....
961 - " إنما الإفطار مما دخل ، و ليس مما خرج " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 378 ) :
ضعيف .
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " : حدثنا أحمد بن منيع : حدثنا مروان بن
معاوية عن رزين البكري قال : حدثنا مولاة لنا يقال لها : سلمى من بكر بن وائل
أنها سمعت عائشة تقول : " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال :
يا عائشة هل من كسرة ؟ فأتيته بقرص ، فوضعه في فيه و قال : يا عائشة هل دخل
بطني منه شيء ؟ كذلك قبلة الصائم ، إنما الإفطار .... " . قلت : و هذا سند ضعيف
، من أجل سلمى هذه ، فإنها لا تعرف كما في " التقريب " ، و رزين البكري إن كان
هو الجهني فثقة ، و إلا فمجهول . و قد أشار إلى ذلك الهيثمي في " المجمع " ( 3
/ 167 ) قال : " رواه أبو يعلى و فيه من لم أعرفه " . و الصواب في الحديث أنه
موقوف على ابن عباس كما سبق بيانه قبل حديث .
(2/460)
________________________________________
962 - " ما فضلكم أبو بكر بكثرة صيام و لا صلاة ، و لكن بشيء وقر في صدره " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 378 ) :
لا أصل له مرفوعا .
قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ( 1 / 30 و
105 طبعة الحلبي ) : " رواه الترمذي الحكيم في " النوادر " من قول بكر بن عبد
الله المزني ، و لم أجده مرفوعا " . و أقره الحافظ السخاوي في " المقاصد
الحسنة " ( رقم 970 ) . و من المؤسف أن يسمع هذا الحديث من بعض الوعاظ في
المسجد النبوي ، سمعته منه في أواسط شهر شوال سنة 1382 هـ مصرحا بصحته ، و قد
حاولت الاتصال به بعد فراغه من الوعظ ، و استدللت على المنزل الذي كان حل فيه ،
ثم عرض لي ما حال بيني و بين ذلك ، ثم سافر في اليوم الثاني ، فعسى أن يطلع على
هذه الكلمة ، فتكون له و لغيره تذكرة ، *( و الذكرى تنفع المؤمنين )* .
(2/461)
________________________________________
963 - " كان يخطب يوم الجمعة ، و يوم الفطر ، و يوم الأضحى على المنبر " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 379 ) :
ضعيف .
قال الهيثمي ( 2 / 183 ) و قد ذكره من حديث ابن عباس : " رواه
الطبراني في " الكبير " و فيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، ضعفه
أحمد و ابن المديني و البخاري و النسائي ، و بقية رجاله موثقون " . قلت : و قال
الحافظ في الحسين هذا : " ضعيف " . قلت : و مما يدل على ضعفه روايته مثل هذا
الحديث ، فإن من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يصلي الفطر و
الأضحى في المصلى ، و لم يكن ثمة منبر يرقى عليه ، و لا كان كان يخرج منبره
، من المسجد إليه ، و إنما كان يخطبهم قائما على الأرض ، كما ثبت في " الصحيحين
" و غيرهما من حديث جابر ، و أول من أخرج المنبر إلى المصلى مروان بن الحكم
، فأنكر عليه أبو سعيد الخدري كما في " الصحيحين " عنه قال : " كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم الفطر و يوم الأضحى بالمصلى ، فأول شيء يبدأ به الصلاة
، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس .... فلم يزل الناس على ذلك ، حتى خرجت مع مروان
، و هو أمير المدينة في أضحى أو فطر ، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن
الصلت ، فإذا مروان فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي ، فجبذت بثوبه ... "
الحديث انظر " فتح الباري " ( 2 / 359 ) . و أما الحديث الذي رواه المطلب بن
عبد الله بن حنطب عن جابر قال : " شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى
بالمصلى ، فلما صلى و قضى خطبته نزل عن منبره ، فأتى بكبش فذبحه رسول الله صلى
الله عليه وسلم بيده و قال : بسم الله ، و الله أكبر ، هذا عني ، و عمن لم يضح
من أمتي " . أخرجه أبو داود ( 2 / 5 ) و الدارقطني ( 544 ) و أحمد ( 3 / 362 )
. قلت : فهذا معلول بالانقطاع بين المطلب و جابر ، فقد قال أبو حاتم : " المطلب
لم يسمع من جابر و لم يدرك أحدا من الصحابة إلا سهل بن سعد و من في طبقته " . و
قال مرة : " يشبه أنه أدركه " يعني جابرا . فإن صح هذا فعلته عنعنة المطلب ،
فإنه مدلس قال الحافظ : " صدوق كثير التدليس و الإرسال " . قلت : فمثله لا يحتج
به لاسيما و الحديث في الصحيحين من طريق أخرى عن جابر و ليس فيه ذكر المنبر كما
تقدم .
(2/462)
________________________________________
964 - " كان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها و هو على المنبر " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 380 ) :
لا أصل له بهذه الزيادة و " و هو على المنبر " .
فيما أعلم و قد أورده هكذا
الزرقاني في " شرح المواهب الدنية " ( 7 / 394 ) من رواية أبي داود و الصنعاني
في " سبل السلام " ( 2 / 65 ) من روايته من حديث البراء بلفظ : " كان إذا خطب
يعتمد على عنزة له " . و الذي رأيته في " سنن أبي داود " ( 1 / 178 ) من طريق
أبي جناب عن يزيد بن البراء عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نوول يوم
العيد قوسا فخطب عليه ، و كذا رواه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه
وسلم " ( ص 146 ) و ابن أبي شيبة ( 2 / 158 ) و رواه أحمد ( 4 / 282 ) مطولا و
كذا الطبراني و صححه ابن السكن فيما ذكره الحافظ في " التلخيص " ( 137 ) ، و
فيه نظر فإن أبا جناب و اسمه يحيى بن أبي حية ضعيف ، قال الحافظ في " التقريب "
: " ضعفوه لكثرة تدليسه " . فأنت ترى أنه ليس في الحديث أن ذلك كان على المنبر
، و يوم الجمعة ، بل هو صريح في يوم العيد دون المنبر ، و لم يكن صلى الله عليه
وسلم يخطب فيه على المنبر ، لأنه كان يصلي في المصلى ، و لذلك لم يصح التعقب به
- كما فعل الزرقاني تبعا لأصله : القسطلاني - على ابن القيم في قوله في " زاد
المعاد " ( 1 / 166 ) : " و لم يكن يأخذ بيده سيفا و لا غيره ، و إنما كان
يعتمد على عصا ، و لم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف ، و ما يظنه بعض الجهال أنه
كان يعتمد على السيف دائما ، و أن ذلك إشارة إلى الدين قام بالسيف فمن فرط جهله
، فإنه لا يحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف و لا قوس و لا غيره ،
و لا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفا ألبتة ، و إنما كان يعتمد على عصا أو قوس "
. فقوله " قبل أن يتخذ المنبر " صواب لا غبار عليه ، و إن نظر فيه القسطلاني و
تعقبه الزرقاني كما أشرنا آنفا ، و ذلك قوله في شرحه : " كيف و في أبي داود :
كان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها و هو على المنبر " ! فقد علمت مما سبق أن
هذا لا أصل له عند أبي داود ، بل و لا عند غيره من أهل السنن الأربعة و غيرهم ،
فقد تتبعت الحديث فيما أمكنني من المصادر ، فوجدته روي عن جماعة من الصحابة ، و
هم الحكم بن حزن الكلفي و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس و سعد القرظ
المؤذن ، و عن عطاء مرسلا ، و ليس في شيء منها ما ذكره الزرقاني ، و إليك ألفاظ
أحاديثهم ما تخريجها : 1 - عن الحكم بن حزن قال : " شهدنا الجمعة مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقام متوكئا على عصا أو قوس ، فحمد الله ، و أثنى عليه
.. " الحديث . أخرجه أبو داود ( 1 / 172 ) بسند حسن و كذا البيهقي ( 3 / 206 )
و أحمد و ابنه في " زوائد المسند " ( 4 / 212 ) ، قال الحافظ في " التلخيص " (
137 ) : " و إسناده حسن ، فيه شهاب بن خراش ، و قد اختلف فيه ، و الأكثر وثقوه
و قد صححه ابن السكن و ابن خزيمة " . 2 - عن عبد الله بن الزبير ." أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يخطب بمخصرة في يده " . أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (
1 / 377 ) و أبو الشيخ ( 155 ) بسند رجاله ثقات ، غير أن فيه ابن لهيعة ، سيء
الحفظ . 3 - عن عبد الله بن عباس قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يخطبهم يوم الجمعة في السفر ، متوكئا على قوس قائما " . رواه أبو الشيخ ( 146 )
بسند واه جدا ، فيه الحسن بن عمارة و هو متروك . 4 - عن سعد القرظ المؤذن " أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس ، و إذا خطب في
الجمعة خطب على عصا " . أخرجه البيهقي ( 3 / 206 ) ، و فيه عبد الرحمن بن سعد
بن عمار و هو ضعيف . 5 - عن عطاء يرويه عنه ابن جريج قال : " قلت لعطاء : أكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على عصا إذا خطب ؟ قال : نعم ، كان يعتمد
عليها اعتمادا " . أخرجه الشافعي في " الأم " ( 1 / 177 ) و في " المسند " ( 1
/ 163 ) و البيهقي من طريقين عن ابن جريج به ، فهو إسناد مرسل صحيح ، و أما قول
الحافظ : " رواه الشافعي عن إبراهيم عن ليث بن أبي سليم عن عطاء مرسلا ، و ليث
ضعيف " . فوهم منه تبعه عليه الشوكاني ( 3 / 228 ) ، فليس الحديث عنده بهذا
الإسناد ، ثم لو كان كذلك فهو ضعيف جدا ، لأن إبراهيم - و هو ابن أبي يحيى
الأسلمي - أشد ضعفا من الليث ، فإنه متهم بالكذب . و جملة القول : أنه لم يرد
في حديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتمد على العصا أو القوس و هو على المنبر
، فلا يصح الاعتراض على ابن القيم في قوله : أنه لا يحفظ عن النبي صلى الله
عليه وسلم بعد اتخاذه المنبر أنه كان يرقاه بسيف و لا قوس و غير ، بل الظاهر من
تلك الأحاديث الاعتماد على القوس إذا خطب على الأرض ، و الله أعلم . فإن قيل :
في حديث الحكم بن حزن المتقدم أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة
متوكئا على عصا أو قوس ، و قد ذكروا في ترجمته أنه أسلم عام الفتح ، أي سنة
ثمان ، و أن المنبر عمل به سنة سبع فتكون خطبته صلى الله عليه وسلم المذكورة
على المنبر ، ضرورة أنه رآه يخطب بعد أن اتخذ له المنبر ، و هذا ظاهر مع تذكر
أنه لا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة في غير مسجده صلى الله
عليه وسلم . قلت : الاستنتاج صحيح لو أن المتقدمين المذكورين ثابتان ، و ليس
كذلك ، أما الأولى : و هي أن الحكم أسلم عام الفتح ، فهذا لم أر من ذكره ممن
ألف في تراحم الصحابة و غيرهم ، و إنما ذكره الصنعاني في " سبل السلام " ( 2 /
65 ) عند الكلام على حديثه المتقدم ، فقال : " قال ابن عبد البر : إنه أسلم عام
الفتح ، و قيل : يوم اليمامة ، و أبوه حزن بن أبي وهب المخزومي " . و قد رجعت
إلى كتاب " الاستيعاب " لابن عبد البر ، فلم أره ذكر ذلك . ثم عدت إلى الكتب
الأخرى مثل " أسد الغابة " لابن الأثير و " تجريده " للذهبي ، و " الإصابة " و
" تهذيب التهذيب " للعسقلاني ، فلم أجدهم زادوا على ما في " الاستيعاب " ! فلو
كان لذلك أصل عند ابن عبد البر لما خفي عليهم جميعا ، و لما أغفلوه ، لاسيما ،
و ترجمته عندهم جرداء ليس فيها إلا أنه روى هذا الحديث الواحد ! <1> ثم إن في
حديثه ما قد يمكن أن يؤخذ منه أن إسلامه قد كان متقدما على عام الفتح فإنه قال
: " وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة ، فقلنا :
يا رسول الله زرنالك فادع الله لنا بخير ، فأمر بنا ، أو أمر لنا بشيء من التمر
، و الشأن إذا ذاك دون ، فأقمنا أياما شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم .... " الحديث . فقوله : " و الشأن إذا ذاك دون " يشعر بأنه قدم عليه
صلى الله عليه وسلم و الزمان زمان فقر و ضيق في العيش ، و ليس هذا الوصف بالذي
ينطبق على زمان فتح مكة كما هو ظاهر ، فإنه زمن فتح و نصر و خيرات و بركات ،
فالذي يبدو لي أنه أسلم في أوائل قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة ، و الله
أعلم . و قول الصنعاني : " و أبوه حزن بن أبي وهب المخزومي خطأ آخر ، لا أدري
كيف وقع له هذا و الذي قبله فإن حزن بن أبي وهب مخزومي و ليس كلفيا ، و هو سعيد
بن المسيب بن حزن . و أما المقدمة الأخرى و هي أن المنبر عمل به صلى الله عليه
وسلم سنة سبع ، فهذا مما لا أعلم عليه دليلا إلا جزم ابن سعد بذلك ، و لكن
الحافظ ابن حجر لم يسلم به و نظر فيه لأمرين ، أصححهما أنه خلاف ما دل عليه
حديث ابن عمر : " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بدن قال له تميم الداري :
ألا أتخذ لك منبرا يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك ؟ قال : بلى ، فاتخذ له
منبرا مرقاتين " . أخرجه أبو داود ( 1 / 170 ) بسند جيد كما قال الحافظ ( 2 /
318 ) . و تميم الداري إنما كان إسلامه سنة تسع فدل على أن المنبر إنما اتخذ في
هذه السنة لا قبلها ، و لكن قال الحافظ : " و فيه نظر أيضا لما ورد في حديث
الإفك في " الصحيحين " عن عائشة قالت : " فثار الحيان الأوس و الخزرج حتى كادوا
أن يقتلوا . و رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فخفضهم حتى سكتوا " .
فإن حمل على التجوز في ذكر المنبر ، و إلا فهو أصح مما مضى " . و يشير الحافظ
بهذا إلى أن قصة الإفك وقعت في غزوة المريسيع سنة أربع أو خمس على قولين ، و
رجح الحافظ ( 7 / 345 ) الثاني ، و عليه فقد كان المنبر موجودا في السنة
الخامسة ، فهو يعارض ما دل عليه حديث تميم فلابد من التوفيق بينهما ، و ذلك
يحمل ذكر المنبر في حديث الإفك على التجوز كما ذكره الحافظ . و الله أعلم . و
سواء ثبت هذا الجمع أو لم يثبت ، فيكفي في الدلالة على عدم صحة ذلك الاستنتاج
ثبوت ضعف المقدمة الأولى و هي كون الحكم بن حزن أسلم سنة ثمان ، و الله أعلم .
-----------------------------------------------------------
[1] ثم إنه كلفي ، نسبة إلى كلفة بن عوف بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ،
فليس مخزوميا . اهـ .
(2/463)
________________________________________
965 - " إذا دخل النور القلب انفسح و انشرح ، قالوا : فهل لذلك إمارة يعرف بها ؟ قال
: الإنابة إلى دار الخلود ، و التنحي عن دار الغرور ، و الاستعداد للموت قبل
الموت " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 383 ) :
ضعيف .
روي من حديث عبد الله بن مسعود و عبد الله بن عباس ، و من حديث
الحسن البصري ، و أبي جعفر المدائني كلاهما مرسلا . 1 - أما حديث ابن مسعود ،
فله ثلاث طرق : الأولى : عن سعيد بن عبد الملك بن واقد الحراني : حدثنا محمد بن
مسلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة
عنه . أخرجه ابن جرير ( 12 / 100 / 13855 ) . قلت : و هذا سند ضعيف و فيه
علتان : أ - ضعف الحراني هذا ، ضعفه الدارقطني و غيره . ب - الانقطاع بين أبي
عبيدة و أبيه عبد الله بن مسعود فإنه لم يسمع منه . الثانية : عن عدي بن الفضل
، عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ، عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن
ابن مسعود . أخرجه الحاكم ( 4 / 311 ) ساكتا عنه ، و تعقبه الذهبي بقوله : "
عدي ساقط " . قلت : قال ابن معين و أبو حاتم : " متروك الحديث " . قلت : و شيخه
المسعودي كان اختلط ، و اسم جده عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي . الثالثة
: عن محبوب بن الحسن الهاشمي عن يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة عن عبد
الله بن مسعود به نحوه . أخرجه ابن جرير ( رقم 13857 ) . قلت : و هذا سند ضعيف
، محبوب هذا - و هو لقبه و اسمه محمد - مختلف فيه ، قال ابن معين : ليس به بأس
، و قال أبو حاتم : ليس بالقوي ، و قال النسائي : ضعيف . و ذكره ابن حبان في "
الثقات " ، و روى له البخاري متابعة . و أما الراوي عنه يونس فهو ابن عبيد ،
ثقة من رجال الشيخين ، و هو أكبر سنا من المسعودي فهو من رواية الأكابر عن
الأصاغر . و أما ابن عتبة فهو المسعودي الذي في السند الذي قبله ، و قد أشكل
هذا على الأستاذ الأديب محمود محمد شاكر في تعليقه على تفسير ابن جرير من جهة
أنهم لم يذكروا في الرواة عنه يونس بي عبيد ، مع كونه في طبقة شيوخ المسعودي ،
فلو كان يونس روى عنه لذكر مثل ذلك في ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة .
ثم رجح أن الصواب " عن يونس عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عتبة " . و هو
عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي ، و ليس هو والد عبد الرحمن كما هو ظاهر من
نسبهما ، قال الأستاذ مبررا لترجيحه : " و هو الذي يروي عن عمه " عبد الله بن
مسعود " و ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم و رآه و مات سنة ( 74 ) ، فهو
الخليق أن يروي عن يونس بن عبيد " . قلت : هكذا قال ، و أنا أرى أن ذلك بعيد عن
الصواب لوجوه : أولا : أن الإشكال من أصله غير وارد ، لأنه إنما يمكن القول به
على فرض صحة السند بذلك ، أما و هو ضعيف من أجل محبوب ، فلا إشكال لأنه يمكن أن
يقال حينئذ : أخطأ محبوب في تسمية شيخ يونس ، و لا ضرورة بعد ذلك إلى محاولة
الكشف عن خطإه و بيان الصواب فيه بمجرد الظن كما صنع الأستاذ . ثانيا : إن
حضرته في سبيل الخلاص من إشكال ، و قع في إشكال آخر و هو تصويبه أنه من رواية
يونس بن عبيد عن عبد الله بن عتبة الذي توفي سنة ( 74 ) . و قد ذكر هو نفسه أن
يونس ابن عبيد مات سنة ( 140 ) و الصواب أنه مات قبل ذلك بسنة ، و على ذلك
فتبين وفاتيهما ( 65 ) سنة ، فكم كان سن يونس حين وفاة ابن عتبة ؟ ذلك مما لم
يصرحوا به ، و لكن يمكن استنتاج ذلك من قول حميد بن الأسود " كان أسن من ابن
عون بسنة " . و إذا رجعنا إلى ترجمة ابن عون و اسمه عبد الله وجدنا أن مولده
كان سنة ( 66 ) فإن مولد يونس يكون سنة ( 65 ) فإذا طرحنا هذا من ( 74 ) سنة
وفاة ابن عتبة عرفنا أن سن يونس حين وفاة ابن عتبة إنما هو تسع سنين ، فهل يمكن
لمن كان في مثل هذه السن أن يتلقى العلم عن الشيوخ و يحفظه ؟ لسنا نشك أن ذلك
ممكن ، و لكنه بلا ريب شيء نادر ، فادعاء وقوع مثله مما لا تطمئن النفس إليه
إلا إن جاء ذلك بالسند الصحيح فيما نحن فيه ، و هيهات ، فإنه لو ثبت أن يونس بن
عبيد روى عن ابن عتبة لذكروا ذلك في ترجمته ، لأنه يكون إسنادا عاليا ، لا يغفل
مثله عادة لو صح ، و قد ذكروا فيها كثيرا من شيوخه من التابعين ، أقدمهم وفاة
حصين بن أبي الحر ، عاش إلى قرب التسعين و إبراهيم التيمي مات سنة ( 92 ) فهما
أكبر شيوخه و ابن عتبة أكبر منهما بستة عشر عاما و أكثر ، فلو كان من شيوخه
لذكروه فيهم إن شاء الله تعالى . ثالثا : قد كشفت الطريق التي قبل هذه أن راوي
الحديث إنما هو عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ، فهي متفقة من هذه الطريق في
تسمية الراوي به ، و لكن اختلفتا في الرواية عنه ، فالأولى قالت : عنه عن
القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود ، فوصلته و هذه قالت عنه عن ابن
مسعود ، فأعضلته ، و أسقطت من السند راويين ، و لا شك أن هذه الطريق على ضعفها
أقرب إلى الصواب من التي قبلها . و جملة القول أن هذه الطريق ضعيفة أيضا
لإعضالها و ضعف محبوب راويها . و الحديث قال السيوطي في " الدر المنثور " ( 3 /
44 ) : " أخرجه ابن أبي شيبة و ابن أبي الدنيا و ابن جرير و أبو الشيخ و ابن
مردويه و الحاكم و البيهقي في " الشعب " من طرق عن ابن مسعود مرفوعا " . و قال
الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ( 1 / 82 ) : " رواه الحاكم و البيهقي في
" الزهد " من حديث ابن مسعود " . ثم سكت عليه ! و ما كان يحسن به ذلك لما عرفت
من شدة ضعف إسناده . 2 - و أما حديث ابن عباس ، فيرويه حفص بن عمر العدني :
حدثنا الحسن بن أبان عن عكرمة عنه مرفوعا نحوه . أخرجه ابن أبي حاتم في "
تفسيره " ( 3 / 108 / 1 ) <1> و هذا سند ضعيف و له علتان . الأولى : الحكم بن
أبان ضعيف الحفظ ، و في التقريب " : " صدوق له أوهام " . و الأخرى : حفص بن عمر
العدني ، ضعيف جدا ، قال ابن معين و النسائي : " ليس بثقة " . و قال العقيلي
: " يحدث بالأباطيل " . و قال الدارقطني : " متروك " . قلت : فهو آفة الحديث .
و قد فات هذا الإسناد جماعة من الحفاظ المخرجين ، فلم يذكروه و لا أشاروا إليه
البتة ، كالحافظ ابن كثير و السيوطي و غيرهما ، فالحمد لله الذي يسر لي طريق
الوقوف عليه و معرفة حاله . 3 - و أما حديث الحسن البصري ، فلم أقف على إسناده
، و إنما ذكره السيوطي من تخريج ابن أبي الدنيا في " كتاب ذكر الموت " عنه
مرسلا نحوه ، و هو لم يتكلم على إسناده كما هي عادته ، و ذلك من عيوب كتابه
الحافل بالأحاديث و الآثار . 4 - و أما حديث أبي جعفر المدائني ، فأخرجه ابن
جرير ( 13852 و 13853 ) و ابن أبي حاتم من طرق عن عمرو بن مرة عن أبي جعفر قال
: قال النبي صلى الله عليه وسلم : فذكره نحوه . ثم رواه ابن أبي حاتم من طريق
عمرو بن قيس عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن المسور <2> قال : تلا رسول الله صلى
الله عليه وسلم .... الحديث نحوه . و رواه ابن جرير ( 13856 ) عن خالد بن أبي
كريمة عن عبد الله بن المسور به . قلت : و هذا سند مرسل هالك ، فإن أبا جعفر
هذا هو عبد الله بن المسور كما في ... عمرو بن قيس عن عمرو ، و رواية ابن أبي
كريمة كلاهما عن عبد الله بن المسور ، و قد ذكر الذهبي في كنى " الميزان " : "
أبو جعفر الهاشمي المسوري هو عبد الله بن المسور ، و هو أبو جعفر المدائني " .
و قد ذكروا في ترجمته من " الأسماء " : " قال أحمد و غيره : أحاديثه موضوعة ، و
قال ابن المديني : كان يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و لا يضع
إلا ما فيه أدب أو زهد ، فيقال له في ذلك ، فيقول : إن فيه أجرا ! و قال
النسائي : " كذاب " . و قال إسحاق بن راهويه : " كان معروفا عند أهل العلم بوضع
الحديث ، و روايته إنما هي عن التابعين ، و لم يلق أحدا من الصحابة " . و
الحديث قال في " الدر " : " أخرجه سعيد بن منصور و ابن جرير و ابن أبي حاتم و
البيهقي في " الأسماء و الصفات " عن عبد الله بن مسعود " . و عزاه الحافظ ابن
كثير في " تفسيره " ...... وحده ! و هو أول طرق هذا الحديث عنده من ثلاث طرق و
الطريق الثاني ... عن أبي عبيدة عن <3> ابن مسعود ، و الثالثة طريق عبد الرحمن
بن عبد الله <4> بن عتبة عنه ، ثم ختمها بقول له : " فهذه طرق لهذا الحديث
مرسلة و متصلة ، يشد بعضها بعضا " . قلت : و هذا من أوهامه رحمه الله تعالى ،
فإن طريقه الأولى معضلة مع كذب الذي أعضله ! و الثانية منقطعة ، مع ضعف أحد
رواته ، و الثالثة معضلة أيضا مع ضعف أحد رواته فأين الطريق المتصلة ؟ ! و قد
زدنا عليه طريقين آخرين إحداهما عن الحسن و هو مرسلة أيضا ، و الأخرى عن ابن
عباس ، و هي الوحيدة في الاتصال ، و لكن فيها متروك كما سبق بيانه . و جملة
القول : أن هذا الحديث ضعيف لا يطمئن القلب لثبوته عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لشدة الضعف الذي في جميع طرقه ، و بعضها أشد ضعفا من بعض ، فليس فيها ما
ضعفه يسير يمكن أن ينجبر ، خلافا لما ذهب إليه ابن كثير ، و إن قلده في ذلك
جماعة ممن ألفوا في التفسير ، كالشوكاني في " فتح القدير " ( 2 / 154 ) ، و
صديق حسن خان في " فتح البيان " ( 2 / 217 ) ، و جزم الآلوسي في " روح المعاني
بنسبته إليه صلى الله عليه وسلم ، و من قبله ابن القيم في " الفوائد " ( ص 27 -
طبع دار مصر ) ، و عزاه للترمذي ! فجاء بوهم آخر ، و العصمة لله وحده .
-----------------------------------------------------------
[1] يوجد منه مجلدان في المكتبة المحمودية في المدينة المنورة .
[2] تصحف اسمه في تفسير ابن كثير فصار " عبد الله بن مسعود " ! .
[3] وقع في تفسير ابن كثير " بن " بدل " عن " ! .
[4] وقع فيه " عبيد " بدل " عبد الله " ! . اهـ .
(2/464)
________________________________________
966 - " من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط ، فكأنما جلس على جمرة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 387 ) :
منكر بهذا اللفظ .
أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " ( 1 / 297 ) عن ابن
وهب و سليمان بن داود ( و هو الطيالسي ) كلاهما عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن
كعب عن أبي هريرة مرفوعا . قلت : و هذا سند ضعيف جدا ، فإن ابن أبي حميد
هذا قال البخاري : " منكر الحديث " . و قال النسائي : " ليس بثقة " ، و لهذا
قال الحافظ في " الفتح " ( 3 / 174 ) بعد أن ذكر الحديث . " إسناده ضعيف " . و
قد رواه عنه أبو داود الطيالسي في مسنده " بلفظ آخر فقال : ( 1 / 168 - ترتيبه
) : حدثنا محمد بن أبي حميد عن محمد بن كعب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " لأن يجلس أحدكم على جمرة خير له من أن يجلس على قبر "
. قال أبو هريرة : يعني يجلس لغائط أو بول . قلت : و هذا التفسير للجلوس و إن
كان باطلا في نفسه كما سيأتي ، فهو بالنظر لكونه منسوبا لأبي هريرة أقرب من
رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما في رواية الطحاوي و هو أخرجها كما رأيت
من طريق ابن وهب عن ابن أبي حميد ، ثم من طريق الطيالسي عنه بلفظ ابن وهب
مغايرا للفظه في " المسند " . و هذا أقرب أيضا ، لأنه روى الحديث المرفوع عن
الجادة كما رواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ : " لأن
يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر " .
رواه مسلم ( 3 / 62 ) و أصحاب السنن إلا الترمذي و الطحاوي و غيرهم عن أبي صالح
عن أبي هريرة مرفوعا ، فهذا هو المحفوظ عن أبي هريرة بالسند الصحيح عنه <1> ،
فرواية ابن أبي حميد منكرة لمخالفتها لرواية الثقة ، أما على رواية الطحاوي
فظاهر ، و أما على رواية الطيالسي التي فيها التفسير الباطل ، فلأنها تضمنت
زيادة على رواية الثقة من ضعيف فلا تقبل اتفاقا ، و أيضا ، فقد ثبت عن أبي
هريرة عمله بالحديث على ظاهره ، فروى الشافعي في " الأم " ( 1 / 246 ) و ابن
أبي شيبة في " المصنف " ( 4 / 137 ) عن محمد بن أبي يحيى عن أبيه قال : " كنت
أتتبع أبا هريرة في الجنائز ، فكان يتخطى القبور ، قال : " لأن يجلس ... " فذكر
الحديث موقوفا ، و سنده جيد <2> فدل هذا على بطلان ما روى ابن أبي حميد عن أبي
هريرة من تفسير الجلوس على القبر بالبول و التغوط عليه ، لأن أبا هريرة استدل
بالحديث على تخطيه للقبور و عدم وطئها ، فدل على أنه هو المراد ، و هو الذي لا
يظهر من الحديث سواه ، و من الغرائب أن يتأوله بعض العلماء الكبار بالجلوس
للغائط و أغرب منه أن يحتج الطحاوي لذلك باللغة ، فيقول : " و ذلك جائز في
اللغة ، يقال : جلس فلان للغائط ، و جلس فلان للبول " !! . و ما أدري والله كيف
يصدر مثل هذا الكلام من مثل هذا الإمام ، فإن الجلوس الذي ورد النهي عنه في
الأحاديث مطلق ، فهل في اللغة " جلس فلان " بمعنى تغوط أو بال ؟ ! فما معنى
قوله إذن : يقال جلس فلان للغائط ..... " فمن نفى هذا و ما علاقته بالجلوس
المطلق ؟ ! و لذلك جزم العلماء المحققون كابن حزم و النووي و العسقلاني ببطلان
ذلك التأويل ، فمن شاء الاطلاع على ذلك فليراجع " المحلى " ( 5 / 136 ) و " فتح
الباري " ( 3 / 174 ) . و إن من شؤم الأحاديث الضعيفة أن يستدل بها بعض أهل
العلم على تأويل الأحاديث الصحيحة كهذا الحديث ، فقد احتج به الطحاوي لذلك
التأويل الباطل ! و احتج أيضا بحديث آخر فقال : " حدثنا سليمان بن شعيب قال :
حدثنا الخصيب قال : حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا عثمان بن حكيم عن أبي أمامة
أن زيد بن ثابت قال : هلم يا ابن أخي أخبرك إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن الجلوس على القبور لحدث : غائط أو بول " . قلت : و هذا سند رجاله ثقات
معرفون غير عمرو بن علي ، فلم أعرفه ، و لم أجد في هذه الطبقة من اسمه عمرو بن
علي ، و يغلب على الظن أن واو ( عمرو ) زيادة من بعض النساخ ، و أن الصواب
( عمر بن علي ) <3> و هو عمرو بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي و هو ثقة و لكنه
كان يدلس تدليسا عجيبا يعرف بتدليس السكوت قال ابن سعد كان يدلس تدليسا شديدا
يقول : سمعت و حدثنا ، ثم يسكت فيقول : هشام بن عروة و الأعمش " . قلت : و مثل
هذا التدليس حري بحديث صاحبه أن يتوقف عن الاحتجاج به و لو صرح بالتحديث خشية
أن يكون سكت بعد قوله حدثنا ، و لا يفترض في كل الرواة الآخذين عنه أن يكونوا
قد تنبهوا لتدليسه هذا ، و كأنه لهذا الذي أوضحنا ، اقتصر الحافظ في " الفتح "
( 3 / 174 ) على قوله " و رجال إسناده ثقات " و لم يصححه ، بينما رأيناه قد صرح
بتصحيح إسناد الحديث من طريق أخرى عن عثمان بن حكيم بنحوه و قد علقه البخاري
عنه فقال : " و قال عثمان بن حكيم : أخذ بيدي خارجة ، فأجلسني على قبر ، و
أخبرني عن عمه يزيد بن ثابت قال : إنما كره ذلك لمن أحدث عليه " . فقال الحافظ
: " وصله مسدد في " مسنده الكبير " و بين فيه سبب إخبار خارجة لحكيم بذلك و
لفظه : حدثنا عيسى بن يونس : حدثنا عثمان بن حكيم : حدثنا عبد الله بن سرجس و
أبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة يقول : لأن أجلس على جمرة فتحرق
ما دون لحمي حتى تفضي إلي أحب إلي من أن أجلس على قبر ، قال عثمان : فرأيت
خارجة بن زيد في المقابر ، فذكرت له ذلك فأخذ بيدي ... الحديث . و هذا إسناد
صحيح " . ففي هذا الإسناد الصحيح لم يصرح الراوي برفع ذلك إلى النبي صلى الله
عليه وسلم بخلاف السند الذي قلبه المعلول ، أقول هذا ، و أنا على ذكر أن قول
الصحابي " نهى عن كذا " في حكم المرفوع ، و لكن هذا شيء ، و قوله : " إنما نهى
عن كذا " شيء آخر ، ففي هذا القول شيئان : الأول النهي ، و هو في حكم المرفوع ،
و الآخر و هو تعليل النهي فهو موقوف و لا يزم من كون الأول مرفوعا أن يكون
الأخر كذلك ، لجواز أنه قاله باجتهاد من عنده لا بتوقيف له من النبي صلى الله
عليه وسلم ، و يؤيد هذا ورود النهي عن الاتكاء على القبر الذي هو دون الجلوس
عليه فقال الحافظ : " و يؤيد قول الجمهور ما أخرجه أحمد من حديث عمرو بن حزم
الأنصاري مرفوعا " لا تقعدوا على القبور " . و في رواية له عنه : " رآني رسول
الله صلى الله عليه وسلم و أنا متكئ على قبر فقال : " لا تؤذ صاحب القبر " .
إسناده صحيح ، و هو دال على أن المراد بالجلوس القعود على حقيقته " . قلت : و
هو مخرج في " أحكام الجنائز " ( 209 - 210 ) .
-----------------------------------------------------------
[1] و تابعه سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة نحوه ، أخرجه ابن عدي ( 60
/ 2 ) و الخطيب ( 11 / 252 ) و كذا أبو نعيم في " الحلية " ( 7 / 207 ) لكن فيه
الجارود بن يزيد متروك و هو مخرج في " أحكام الجنائز " ( ص 209 ) .
[2] و سيأتي له طريق أخرى بإسناد صححه الحافظ .
[3] ثم تأكدت من ذلك ، حينما رأيت الحافظ المزي قد ذكر في " التهذيب " عثمان بن
حكيم في شيوخ عمر بن علي هذا . اهـ .
(2/465)
________________________________________
967 - " نهى أن يعتمد الرجل على يده إذا نهض في الصلاة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 389 ) :
منكر .
أخرجه أبو داود ( 1 / 157 ) حدثنا أحمد بن حنبل ، و أحمد بن محمد بن
شبويه ، و محمد بن رافع ، و محمد بن عبد الملك الغزال قالوا : حدثنا عبد الرزاق
عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال : " نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم - قال أحمد بن حنبل - أن يجلس في الصلاة و هو معتمد على يده -
قال ابن شبويه : أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة ، و قال ابن رافع : نهى أن
يصلي الرجل و هو معتمد على يده و ذكره في باب الرفع من السجود ، و قال ابن عبد
الملك : نهى أن يعتمد الرجل على يده إذا نهض في الصلاة " . قلت : فقد اختلف في
لفظ هذا الحديث على عبد الرزاق كما ترى من أربعة وجوه : الأول : رواية أحمد
بلفظ " نهى أن يجلس الرجل في الصلاة و هو معتمد على يده " . الثاني : رواية ابن
شبويه بلفظ : نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة . الثالث : رواية ابن رافع
: نهى أن يصلي الرجل و هو معتمد على يده . الرابع : رواية عبد الملك باللفظ
المذكور أعلاه . و من البين الواضح أن الحديث واحد لأن الطريق واحد ، و إنما
تعددت الطرق من بعد عبد الرزاق ، و اختلفوا عليه ، و إذا كان كذلك ، فينبغي
النظر في الراجح من هذه الوجوه المختلفة ، لأن في بعضها معارضة للبعض الآخر ، و
هو الوجه الأول و الرابع ، فإن الأول صريح في أن النهي عن الاعتماد في الصلاة
في الجلوس ، و ذلك يكون في التشهد أو بين السجدتين ، و الآخر صريح في أن النهي
عن الاعتماد إنما هو إذا نهض في الصلاة و ذلك من التشهد الأول في المعنى ، فلا
تعارض بينهما ، كما أنه لا تعارض بينهما من جهة و بين الوجهين الآخرين من جهة
أخرى ، لأنهما مجملان بالنسبة إلى الوجهين الآخرين ، يقبلان التفسير بأحدهما
فبأيهما يفسران ؟ هذا هو موضع البحث و التحقيق . و مما لا شك فيه أن الوجه
الأول هو الراجح ، و ذلك ظاهر من النظر في الراوي له عن عبد الرزاق ، و هو
الإمام أحمد رحمه الله تعالى ، فإنه من الأئمة المشهورين بالحفظ و الضبط و
الإتقان ، فلا يقوم أمامه أيا كان من الثقات عند المخالفة ، لاسيما إذا كان فيه
كلام مثل راوي الوجه الآخر محمد بن عبد الملك الغزال هذا ، فإنه و إن وثقه
النسائي و غيره ، فقد قال مسلمة : " ثقة كثير الخطأ " . قلت : فمثله لا يحتج به
إذا خالفه الثقة ، فكيف إذا كان المخالف له إماما ثبتا كالإمام أحمد بن حنبل
؟ ! فكيف إذا توبع فيه الإمام أحمد ، و بقي الغزال فريدا غريبا ، فقد أخرج أحمد
الحديث في " مسنده " ( رقم 6347 ) هكذا كما رواه عنه أبو داود ، و تابعه إسحاق
بن إبراهيم الدبري راوي " مصنف عبد الرزاق " عنه ، فقد أورد الحديث فيه ( 2 /
197 / 3054 ) بلفظ أحمد إلا أنه قال : " يديه " ، و ترجم له بقوله : " باب
الرجل يجلس معتمدا على يديه في الصلاة " و كذلك رواه البيهقي في " سننه " ( 2 /
135 ) من طريق " المسند " و من طريق أبي داود عن أحمد مقرونا مع شيوخ أبي داود
الآخرين في هذا الحديث و ساق ألفاظهم كما فعل أبو داود . ثم قال في رواية أحمد
: " و هذا أبين الروايات ، و رواية غير ابن عبد الملك لا تخالفه ، و إن كان
أبين منها ، و رواية ابن عبد الملك وهم ، و الذي يدل على أن رواية أحمد بن حنبل
هي المراد بالحديث أن هشام بن يوسف رواه عن معمر كذلك " . ثم ساق من طريق
الحاكم ، و هذا في " المستدرك " ( 1 / 272 ) عن إبراهيم بن موسى حدثنا هشام بن
يوسف عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه
وسلم نهى رجلا و هو جالس معتمدا على يده اليسرى في الصلاة و قال : إنها صلاة
اليهود " . و قال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " ، و وافقه الذهبي ، و هو
كما قالا . و يدل على ذلك أيضا رواية هشام بن سعد قال : عن نافع عن ابن عمر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا ساقطا يده في الصلاة فقال : " لا تجلس
هكذا ، إنما هذه جلسة الذين يعذبون " . أخرجه أحمد ( 5972 ) بسند جيد و رواه
أبو داود و البيهقي من طرق أخرى عن هشام به موقوفا ، و الرفع زيادة من ثقة فهي
مقبولة ، لاسيما و طريق إسماعيل بن أمية أقوى من هذه و لم يختلف عليه في رفعه .
فتبين مما سبق أن الحديث عن ابن عمر في النهي عن الاعتماد في الجلوس في الصلاة
و هذا هو المحفوظ ، و أن رواية الغزال إياه في النهي عن الاعتماد إذا نهض شاذ
بل منكر ، لمخالفته لروايات الثقات على سوء حفظه . ( تنبيه ) : قد وقعت بعض
الأوهام حول هذا الحديث لبعض العلماء ، فرأيت من النصيحة التنبيه عليها : أولا
: قال النووي في " المجموع " ( 3 / 445 ) مبينا علة الحديث : " إنه من رواية
محمد بن عبد الملك الغزال و هو مجهول " ! و قد عرفت أنه ليس بمجهول ، بل هو ثقة
سيء الحفظ . ثانيا : نقل صاحب " عون المعبود " ( 1 / 376 ) عن السيد عبد الله
الأمير أنه قال : إن محمد ابن عبد الملك هذا هو محمد بن عبد الملك بن مروان
الواسطي قال فيه في " التقريب " : " صدوق " . و أقره عليه ، و هو وهم منهما
، فإن محمد بن عبد الملك هذا هو الغزال كما صرح بذلك أبو داود في روايته كما
تقدم ، و قد نبه على هذا الوهم الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى . ثالثا :
احتج بهذا الحديث الحنفية و الحنابلة على أن المصلي لا يعتمد على يديه عند
النهوض من السجدة الثانية في الوتر من الصلاة ، و أغرب من ذلك أن يتابعهم عليه
العلامة ابن القيم في كتابه المفرد في " الصلاة " ! و ذكر في " زاد المعاد "
أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يعتمد على الأرض بيديه ! و ليس له في النفي
مستند صحيح كما بينته في " التعلقات الجياد " ( 1 / 38 ) بل هو معارض لظاهر
حديث مالك بن الحويرث أنه كان يقول : ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم فصلى في غير وقت الصلاة ، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في أول
الركعة استوى قاعدا ، ثم قام فاعتمد على الأرض . أخرجه النسائي ( 1 / 173 ) و
الشافعي في " الأم " ( 1 / 101 ) و البيهقي ( 2 / 124 و 135 ) بإسناد صحيح على
شرط الشيخين ، و هو عند البخاري ( 2 / 241 ) نحوه . أقول : فظاهر قوله " فاعتمد
على الأرض " أي بيديه عند النهوض ، و قد قال السيد عبد الله الأمير " و عند
الشافعي : و اعتمد بيديه على الأرض " . و لكني لم أجد هذه الزيادة " بيديه
" عند الشافعي و لا عند غيره ، و إن كان معناها هو المتبادر من الاعتماد ، و في
" الفتح " : قيل يستفاد من الاعتماد أن يكون باليد ، لأنه افتعال من العماد ، و
المراد به الاتكاء ، و هو باليد ، و روى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان يقوم
إذا رفع رأسه من السجدة معتمدا عى يديه قبل أن يرفعهما " . قلت : تقدم بيان ضعف
إسناده تحت الحديث ( 929 ) لكني وجدت له شاهدا قويا موقوفا و مرفوعا يرويه حماد
بن سلمة عن الأزرق بن قيس قال : رأيت ابن عمر إذا قام من الركعتين اعتمد على
الأرض بيديه ، فقلت لولده و جلسائه : لعله يفعل هذا من الكبر ؟ قالوا لا و لكن
هكذا يكون ، أخرجه البيهقي ( 2 / 135 ) . قلت : و هذا إسناد جيد رجاله ثقات
كلهم . فقوله : " هكذا يكون " صريح في أن ابن عمر كان يفعل ذلك اتباعا لسنة
الصلاة ، و ليس لسن أو ضعف ، و قد جاء عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
. فأخرجه أبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " ( 5 / 98 / ... ) عن الأزرق بن
قيس : رأيت ابن عمر يعجن <1> في الصلاة : يعتمد على يديه في الصلاة إذا قام ،
فقلت له : ؟ فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله . قلت : و إسناده
حسن ، و هو هكذا : حدثنا عبيد الله ( الأصل : عبد الله و هو خطأ من الناسخ ) بن
عمر حدثنا يونس بن بكير عن الهيثم بن عطية عن قيس بن الأزرق بن قيس به . قلت
: و ابنا قيس ثقتان من رجال الصحيح . و الهيثم هو ابن عمران الدمشقي ، أورده
ابن حبان في " الثقات " ( 2 / 296 ) و قال : " يروي عن عطية بن قيس ، روى عنه
الهيثم بن خارجة " . و أورده ابن حاتم في " الجرح و التعديل " ( 4 / 2 / 82 -
83 ) و قال : " روى عنه محمد بن وهب بن عطية ، و هشام بن عمار ، و سليمان بن
شرحبيل " . قلت : و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا ، لكن رواية هؤلاء الثقات
الثلاثة عنه و يضم إليهم رابع و هو الهيثم بن خارجة ، و خامس و هو يونس بن بكير
، مما يجعل النفس تطمئن لحديثه لأنه لو كان في شيء من الضعف لتبين في رواية أحد
هؤلاء الثقات عنه ، و لعرفه أهل الحديث كابني حبان و أبي حاتم زد على ذلك أنه
قد توبع على روايته هذه كما تقدم قريبا من حديث حماد بن سلمة نحوه . و الله
أعلم . و أما يونس بن بكير و عبيد الله بن عمر ، فثقتان من رجال مسلم ، و الآخر
روى له البخاري أيضا و هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ، و وقع في
" التهذيب " ( ابن عمرو ) بزيادة الواو و هو خطأ مطبعي ، و قد ذكر الخطيب في
الرواة عنه من ترجمته ( 10 / 320 ) إبراهيم الحربي هذا . و جملة القول : أن
الاعتماد على اليدين عند القيام سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و
ذلك مما يؤكد ضعف هذا الحديث في النهي عن الاعتماد ، و كذا الحديث الآتي بعده
. ( تنبيه ) : لقد خفي حديث ابن عمر هذا المرفوع على الحفاظ الجامعين المصنفين
كابن الصلاح و النووي و العسقلاني و غيرهم ، فقد ، فقد جاء في " تلخيص الحبير "
( 1 / 260 ) ما نصه : " حديث ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
إذا قام في صلاته وضع يده على الأرض كما يضع العاجن ، قال ابن الصلاح في كلامه
على " الوسيط " : هذا الحديث لا يصح ، و لا يعرف ، و لا يجوز أن يحتج به ، و
قال النووي في " شرح المهذب " : هذا حديث ضعيف ، أو باطل لا أصل له ، و قال في
" التنقيح " : ضعيف باطل " . هذه هي كلماتهم كما نقلها الحافظ العسقلاني عنهم ،
دون أن يتعقبهم بشيء ، اللهم إلا بأثر ابن عمر الذي عزاه في " الفتح " لعبد
الرزاق ، فإنه عزاه هنا للطبراني في " الأوسط " ، فلم يقف على هذا الحديث
المرفوع صراحة ، مصداقا للقول المشهور : كم ترك الأول للآخر . فالحمد لله على
توفيقه ، و أسأله المزيد من فضله .
-----------------------------------------------------------
[1] أي يعتمد على يديه إذا قام كما يفعل الذي يعجن العجين . " نهاية " . اهـ .
(2/466)
________________________________________
968 - " من السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض الرجل في الركعتين الأوليين أن لا يعتمد
على الأرض إلا أن يكون شيخا كبيرا لا يستطيع " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 393 ) :
ضعيف .
أخرجه البيهقي في " سننه " ( 2 / 136 ) و الضياء في " المختارة " (
1 / 260 ) عن عبد الرحمن بن إسحاق عن زياد بن زياد السوائي عن أبي جحيفة عن
علي رضي الله عنه قال : فذكره . قلت : و هذا سند ضعيف ، علته عبد الرحمن هذا
، قال الذهبي : " ضعفوه " . و قال الحافظ في " التقريب " : " ضعيف " . قلت : و
هو راوي حديث علي في وضع اليدين في الصلاة تحت السرة ، رواه بهذا السند الواهي
، فإن زياد بن زياد هذا مجهول كما قال الحافظ تبعا لابن أبي حاتم . ( تنبيه ) :
هذا الحديث . و إن كان في " المختارة " فهو مضروب عليه مع حديث وضع اليدين
المشار إليه بخط أفقي ، مما يشعر بأن المصنف عدل عنه ، و هو اللائق به ، فإن
إيراد مثل هذا الحديث بهذا الإسناد مما لا يتفق في شيء مع " الأحاديث المختارة
" .
(2/467)
________________________________________
969 - " أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار : حجرين للصفحتين و حجرا للمسربة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 393 ) :
ضعيف .
أخرجه الدارقطني ( 21 ) و البيهقي ( 1 / 114 ) من طريق أبي بن
العباس بن سهل الساعدي قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الاستطابة فقال ... " . و قال الدارقطني : " إسناده حسن " . و أقره البيهقي و
تبعهما ابن القيم فقال في " إعلام الموقعين " ( 3 / 487 ) : " حديث حسن " . قلت
: و في ذلك نظر عندي ، فإن أبيا هذا و قد تفرد بهذا الحديث مجروح ، و لم يوثقه
أحد ، بل كل من عرف كلامه فيه ضعفه ، فقال ابن معين : " ضعيف " . و قال أحمد :
" منكر الحديث " . و قال البخاري : " ليس بالقوي " . كذا قال النسائي ، و قال
العقيلي : " له أحاديث لا يتابع على شيء منها : ( حجران للصفحتين و حجر للمسربة
) " . و أورده ابن أبي حاتم ( 1 / 1 / 290 ) و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا .
و أما قول الذهبي في " الميزان " : " قلت : أبي و إن لم يكن بالثبت فهو حسن
الحديث " . فهذا مما لا وجه له عندي بعد ثبوت تضعيفه ممن ذكرنا من الأئمة ، و
لعله استأنس بتخريج البخاري له ، و لا مستأنس له فيه ، بعد تصريح البخاري نفسه
بأنه ليس بالقوي ، لاسيما و هو لم يخرج له إلا حديثا واحدا ليس فيه تحريم و لا
تحليل ، و لا كبير شيء ، و إنما هو في ذكر خيل النبي صلى الله عليه وسلم ، و
لفظه كان للنبي صلى الله عليه وسلم فرس يقال له اللحيف " . و مع ذلك فلم يتفرد
به بل تابعه أخوه عبد المهيمن بن عباس عند ابن منده كما ذكر الحافظ في " الفتح
" ( 6 / 44 - 45 ) ، و كأن الذهبي تراجع عن ذلك حين أورد أبيا هذا في " الضعفاء
" و قال : " ضعفه ابن معين و قال أحمد : منكر الحديث " ، و قال الحافظ في "
التقريب " : " فيه ضعف ، ماله في البخاري غير حديث واحد " . ( تنبيه ) وقع
للصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 177 ) وهم عجيب حول هذا الحديث فقال في شرح
حديث سلمان في النهي عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار : " و قد ورد كيفية
استعمال الثلاثة في حديث ابن عباس : حجران للصفحتين و حجر للمسربة - و هي بسين
مهملة و راء مضمومة أو مفتوحة مجرى الحدث من الدبر " . فتصحف عليه " أبي بن
عباس " بـ " ابن عباس " ! ثم سقط عنه باقي السند و أنهم من مسند سهيل بن سعد
الساعدي ! ثم إنه جزم بورود الحديث ، و ليس بجيد ، و الظاهر أنه قلد الدارقطني
أو غيره فقد رأيت الحديث - بعد كتابة ما تقدم - في " تلخيص الحبير " ( ص 41 ) :
" قال المصنف - يعني الرافعي - هو حديث ثابت رواه الدارقطني و حسنه و البيهقي و
العقيلي في " الضعفاء " من رواية أبي بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال
: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ... قال الحازمي : لا يروى إلا من هذا
الوجه ، و قال العقيلي : لا يتابع على شيء من أحاديثه ، يعني أبيا ، و قد ضعفه
ابن معين و أحمد و غيرهما ، و أخرج له البخاري حديثا واحدا في غير حكم " . و
الحديث أورده الهيثمي في " المجمع " ( 1 / 211 ) و قال : " رواه الطبراني في
" الكبير " و فيه عتيق بن يعقوب الزبيري قال أبو زرعة أنه حفظ " الموطأ " في
حياة مالك " . قلت : و هذا قد وثقه الدارقطني و ابن حبان ، و هو الراوي لهذا
الحديث عن أبي بن العباس ، فالتعلق عليه في إعلال الحديث دون شيخه أبي لا يخفى
ما فيه .
(2/468)
________________________________________
970 - " إذا فرغ الرجل من صلاته فقال : رضيت بالله ربا و بالإسلام دينا ، و بالقرآن
إماما ، كان حقا على الله عز وجل أن يرضيه " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 395 ) :
موضوع .
عزاه في " الجامع الكبير " ( 1 / 68 / 1 ) لأبي نصر السجزي في
" الإبانة " عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده رضي الله عنهم و قال : " غريب
" . قلت بل هو موضوع ، فقد وقفت على إسناده ، أخرجه الحافظ عبد الغني المقدسي
في " الثالث و التسعين " ( 43 / 2 ) من طريق السجزي بسنده عن زيد بن الحريش
: حدثنا عمرو بن خالد عن أبي عقيل الدورقي عن هشام بن عروة به . قلت : و هذا
سند موضوع ، آفته عمرو بن خالد و هو أبو خالد القرشي ، قال أحمد و ابن معين و
غيرهما : " كذاب " . و قال إسحاق بن راهويه و أبو زرعة : " كان يضع الحديث
" . و نحوه في " المجروحين " ( 2 / 74 - 75 ) لابن حبان . و زيد بن الحريش هو
الأهوازي ، قال ابن القطان : " مجهول الحال " .
(2/469)
*************************************
يتبع ان شاء الله .....
971 - " اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على نبيك ، فرد عليه شرقها ، ( و في رواية
) : اللهم إنه كان في طاعتك و طاعة رسولك فاردد عليه الشمس ، قالت أسماء ،
فرأيتها غربت ، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 395 ) :
موضوع .
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 2 / 9 ) من طريق أحمد بن صالح
: حدثنا ابن أبي فديك : حدثني محمد بن موسى عن عون بن محمد عن أمه أم جعفر عن
أسماء بنت عميس : " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بـ ( الصهباء ) ،
ثم أرسل عليا عليه السلام في حاجة ، فرجع و قد صلى النبي صلى الله عليه وسلم
العصر ، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه في حجر علي ( فنام ) ، فلم يحركه
حتى غابت الشمس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( فذكره باللفظ الأول و زاد
) : قالت أسماء : فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال ، و على الأرض ، ثم قام علي
فتوضأ و صلى العصر ، ثم غابت ، و ذلك في ( الصهباء ) " . قال الطحاوي : " محمد
بن موسى هو المدني المعروف بـ ( الفطري ) ، و هو محمود في روايته ، و عون بن
محمد ، هو عون بن محمد بن علي بن أبي طالب ، و أمه هي أم جعفر ابنة محمد بن
جعفر بن أبي طالب " . و أقول : و هذا سند ضعيف مجهول ، و كلام الطحاوي عليه لا
يفيد صحته ، بل لعله يشير إلى تضعيفه ، فإنه سكت عن حال عون بن محمد و أمه
، بينما وثق الفطري هذا ، فلو كان يجد سبيلا إلى توثيقهما لوثقهما كما فعل
بالفطري ، فسكوته عنهما في مثل هذا المقام مما يشعر أنهما عنده مجهولان ، و هذا
هو الذي ينتهي إليه الباحث ، فإن الأول منهما ، أورده ابن أبي حاتم ( 3 / 1 /
386 ) و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا ، و أما ابن حبان فأورده في " الثقات " (
2 / 228 ) على قاعدته في توثيق المجهولين ! و أما أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر
بن أبي طالب ، فهي من رواة ابن ماجه ، أخرج لها حديثا واحدا في " الجنائز "
( رقم 1611 ) و قد أعله الحافظ البوصيري بأن في إسناده مجهولتين إحداهما أم عون
هذه ، و قد ذكرها الحافظ في " التهذيب " دون توثيق أو تجريح ، و قال في "
التقريب " : " مقبولة " يعني عند المتابعة ، و إلا فهي لينة الحديث عنده . قلت
: و قد توبعت من فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب ، و هي ثقة فاضلة ، إلا
أن الطريق إليها لا يصح ، أخرجه الطحاوي ( 2 / 8 ) و الطبراني في " الكبير " من
طريق الفضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين عن أسماء بنت
عميس قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ، و رأسه في حجر علي
، فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صليت يا
علي ؟ قال : لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ... " فذكر الرواية
الثانية ، قال الهيثمي في " المجمع " ( 8 / 297 ) بعد أن ساق هذه الرواية و
التي قبلها ، و منه نقلت الزيادة فيها : " رواه كله الطبراني بأسانيد ، و رجال
أحدها رجال الصحيح غير إبراهيم بن حسن و هو ثقة وثقه ابن حبان ، و فاطمة بنت
علي بن أبي طالب لم أعرفها " . قلت : بل هي معروفة ، فهي فاطمة بنت الحسين بن
علي بن أبي طالب كما تقدم ، و الظاهر أنها وقعت في معجم الطبراني منسوبة إلى
جدها علي بن أبي طالب ، و لذلك لم يعرفها الهيثمي ، و الله أعلم . أما قوله في
" إبراهيم بن حسن " أنه ثقة ، ففيه تساهل لا يخفى على أهل العلم ، لأنه لم
يوثقه غير ابن حبان كما عرفت ، و هو قد أشار إلى أن توثيقه إياه إنما بناه على
توثيق ابن حبان ، و إذا كان هذا معروف بالتساهل في التوثيق فمن اعتمد عليه وحده
فيه فقد تساهل ، و قد أورد إبراهيم هذا ابن أبي حاتم ( 1 / 1 / 92 ) و لم يذكر
فيه جرحا و لا تعديلا ، و هو في أول المجلد الثاني من " كتاب الثقات " لابن
حبان . ثم إن فضيل بن مرزوق و إن كان من رجال مسلم فإنه مختلف فيه ، و قد أشار
إلى ذلك الحافظ بقوله في " التقريب " : " صدوق يهم " ، و قال فيه شيخ الإسلام
ابن تيمية في كلام له طويل على هذا الحديث في " منهاج السنة " ( 4 / 189 ) : "
و هو معروف بالخطأ على الثقات ، و إن كان لا يتعمد الكذب ، قال فيه ابن حبان :
" يخطىء على الثقات ، و يروي عن عطية الموضوعات " . و قال فيه أبو حاتم الرازي
: " لا يحتج به " . و قال فيه يحيى بن معين مرة : " هو ضعيف " و هذا لا يناقضه
قول أحمد بن حنبل فيه : " لا أعلم إلا خيرا " ، و قول سفيان : " هو ثقة " ،
فإنه ليس ممن يتعمد الكذب و لكنه يخطىء ، و إذا روى له مسلم ما تابعه عليه غيره
، لم يلزم أن يروي ما انفرد به مع أنه لم يعرف سماعه عن إبراهيم و لا سماع
إبراهيم من فاطمة ، و لا سماع فاطمة من أسماء ، و لابد في ثبوت هذا الحديث من
أن يعلم أن كلا من هؤلاء عدل ضابط ، و أنه سمع من الآخر ، و ليس هذا معلوما " .
قلت : ثم إن في هذه الطريق ما يخالف الطريق الأولى ، ففيها أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يقظانا يوحى إليه حينما كان واضعا رأسه في حجر علي رضي الله عنه
، و في الأولى أنه كان نائما ، و هذا تناقض يدل على أن هذه القصة غير محفوظة ،
كما قال ابن تيمية ( 4 / 184 ) . و الحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " و
قال ( 1 / 356 ) " موضوع بلا شك ، و قال الجوزقاني : هذا حديث منكر مضطرب " .
ثم أعله بالفضيل هذا فقط ، و فاته جهالة إبراهيم ، و لم يتعقبه السيوطي في هذا
، و إنما تعقبه في تضعيف الفضيل ، فقال في " اللآلىء " ( 1 / 174 - الطبعة
الأولى ) : " ثقة صدوق ، و احتج به مسلم في " صحيحه " و أخرج له الأربعة " . و
هذا ليس بشيء ، و قد عرفت الجواب عن ذلك مما سبق ، ثم ساق له السيوطي طرقا أخرى
كلها معلولة ، و أما قول الحافظ في " الفتح " ( 6 / 155 ) : " و قد أخطأ ابن
الجوزي بإيراده له في " الموضوعات " ، و كذا ابن تيمية في كتاب " الرد على
الروافض " في زعمه وضعه و الله أعلم " . فهو مع عدم تصريحه بصحة إسناده ، فقد
يوهم من لا علم عنده أنه صحيح عنده ! و هو إنما يعني أنه غير موضوع فقط ، و ذلك
لا ينفي أنه ضعيف كما هو ظاهر ، و ابن تيمية رحمه الله لم يحكم على الحديث
بالوضع من جهة إسناده ، و إنما من جهة متنه ، أما الإسناد ، فقد اقتصر على
تضعيفه ، فإنه ساقه من حديث أسماء و علي بن أبي طالب و أبي سعيد الخدري و أبي
هريرة ، ثم بين الضعف الذي في أسانيدها ، و كلها تدور على رجال لا يعرفون
بعدالة و لا ضبط ، و في بعضها من هو متروك منكر الحديث جدا ، و أما حكمه على
الحديث بالوضع متنا ، فقد ذكر في ذلك كلاما متينا جدا ، لا يسع من وقف عليه ،
إلا أن يجزم بوضعه ، و أرى أنه لابد من نقله و لو ملخصا ليكون القارئ على بينة
من الأمر فقال رحمه الله : " و حديث رد الشمس لعلي ، قد ذكره طائفة كالطحاوي و
القاضي عياض و غيرهما ، و عدوا ذلك من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن
المحققون من أهل العلم و المعرفة بالحديث ، يعلمون أن هذا الحديث كذب موضوع ،
كما ذكره ابن الجوزي في ( الموضوعات ) " . ثم ذكر حديث " الصحيحين " في حديث
الشمس لنبي من الأنبياء ، و هو يوشع بن نون ، كما في رواية لأحمد و الطحاوي
بسند جيد كما بينته في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " رقم ( 202 ) ثم قال : " فإن
قيل : فهذه الأمة أفضل من بني إسرائيل ، فإذا كانت قد ردت ليوشع فما المانع أن
ترد لفضلاء هذه الأمة ؟ فيقال : يوشع لم ترد له الشمس ، و لكن تأخر غروبها و
طول له النهار و هذا قد لا يظهر للناس ، فإن طول النهار و قصره لا يدرك ، و نحن
إنما علمنا وقوفها ليوشع بخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، و أيضا لا مانع من
طول ذلك ، و لو شاء الله لفعل ذلك ، لكن يوشع كان محتاجا إلى ذلك لأن القتال
كان محرما عليه بعد غروب الشمس ، لأجل ما حرم الله عليهم من العمل ليلة السبت و
يوم السبت و أما أمة محمد فلا حاجة لهم إلى ذلك ، و لا منفعة لهم فيه ، فإن
الذي فاتته العصر إن كان مفرطا لم يسقط ذنبه إلا التوبة ، و مع التوبة لا يحتاج
إلى رد ، و إن لم يكن مفرطا كالنائم و الناسي فلا ملام عليه في الصلاة بعد
الغروب . و أيضا فبنفس غروب الشمس خرج الوقت المضروب للصلاة ، فالمصلي بعد ذلك
لا يكون مصليا في الوقت الشرعي و لو عادت الشمس ، و قول الله تعالى *( فسبح
بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل غروبها )* يتناول الغروب المعروف ، فعلى العبد
أن يصلي قبل هذا الغروب و إن طلعت ثم غربت . و الأحكام المتعلقة بغروب الشمس
حصلت بذلك الغروب ، فالصائم يفطر و لو عادت بعد ذلك لم يبطل صومه ، مع أن هذه
الصورة لا تقع لأحد ، و لا وقعت لأحد ، فتقديرها تقدير ما لا وجود له . و أيضا
فالنبي صلى الله عليه وسلم فاتته صلاة العصر يوم الخندق ، فصلاها قضاء هو و
كثير من أصحابه ، و لم يسأل الله رد الشمس ، و في " الصحيح " أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال لأصحابه ، بعد ذلك لما أرسلهم إلى بني قريظة ، " لا يصلين أحد
العصر إلا في بني قريظة " ، فلما أدركتهم الصلاة في الطريق ، قال بعضهم : لم
يرد من تفويت الصلاة ، فصلوا في الطريق ، فقالت طائفة : لا نصلي إلا في بني
قريظة ، فلم يعنف واحدة من الطائفتين ، فهؤلاء الذين كانوا مع النبي صلى الله
عليه وسلم صلوا العصر بعد غروب الشمس و ليس علي بأفضل من النبي صلى الله عليه
وسلم ، فإذا صلاها هو و أصحابه معه بعد الغروب ، فعلي و أصحابه أولى بذلك ، فإن
كانت الصلاة بعد الغروب لا تجزي أو ناقصة تحتاج إلى رد الشمس كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم أولى برد الشمس ، و إن كانت كاملة مجزئة فلا حاجة إلى ردها . و
أيضا فمثل هذه القضية من الأمور العظام الخارجة عن العادة التي تتوفر الهمم و
الدواعي على نقلها ، فإذا لم ينقلها إلا الواحد و الاثنان ، علم كذبهم في ذلك
. و انشقاق القمر كان بالليل وقت نوم الناس ، و مع هذا فقد رواه الصحابة من غير
وجه ، و أخرجوه في " الصحاح " و " السنن " و " المسانيد " من غير وجه ، و نزل
به القرآن ، فكيف ترد الشمس التي تكون بالنهار ، و لا يشتهر ذلك ، و لا ينقله
أهل العلم نقل مثله ؟ ! و لا يعرف قط أن الشمس رجعت بعد غروبها ، و إن كان كثير
من الفلاسفة و الطبيعين و بعض أهل الكلام ينكر انشقاق القمر و ما يشبه ذلك ،
فليس الكلام في هذا المقام ، لكن الغرض أن هذا من أعظم خوارق العادات في الفلك
، و كثير من الناس ينكر إمكانه ، فلو وقع لكان ظهوره و نقله أعظم من ظهور ما
دونه و نقله ، فكيف يقبل و حديثه ليس له إسناد مشهور ، فإن هذا يوجب العلم
اليقيني بأنه كذب لم يقع . و إن كانت الشمس احتجبت بغيم ثم ارتفع سحابها ، فهذا
من الأمور المعتادة ، و لعلهم ظنوا أنها غربت ثم كشف الغمام عنها ، و هذا إن
كان قد وقع ففيه أن الله بين له بقاء الوقت حتى يصلي فيه ، و مثل هذا يجري
لكثير من الناس " . ثم قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " ثم تفويت الصلاة بمثل
هذا إما أن يكون جائزا ، و إما أن لا يكون ، فإن كان جائزا لم يكن على علي رضي
الله عنه إثم إذا صلى العصر بعد الغروب ، و ليس علي أفضل من النبي صلى الله
عليه وسلم ، و قد نام صلى الله عليه وسلم و معه علي و سائر الصحابة عن الفجر
حتى طلعت الشمس ، و لم ترجع لهم إلى الشرق . و إن كان التفويت محرما فتفويت
العصر من الكبائر ، و قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من فاتته صلاة العصر
فكأنما وتر أهله و ماله " . و علي كان يعلم أنها الوسطى و هي صلاة العصر ، و هو
قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في " الصحيحين " أنه قال : " شغلونا عن
الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس ملأ الله أجوافهم و بيوتهم نارا " . و
هذا كان في الخندق ، و هذه القصة كانت في خيبر كما في بعض الروايات ، و خيبر
بعد الخندق ، فعلي أجل قدرا من أن يفعل مثل هذه الكبيرة و يقره عليها جبريل و
رسول الله ، و من فعل هذا كان من مثالبه لا من مناقبه ، و قد نزه الله عليا عن
ذلك ثم فاتت لم يسقط الإثم عنه بعود الشمس . و أيضا فإذا كانت هذه القصة في
خيبر في البرية قدام العسكر ، و المسلمون أكثر من ألف و أربعمائة ، كان هذا مما
يراه العسكر و يشاهدونه ، و مثل هذا مما تتوفر الهمم و الدواعي على نقله ،
فيمتنع أن ينفرد بنقله الواحد و الاثنان ، فلو نقله الصحابة لنقله منهم أهل
العلم ، كما نقلوا أمثاله ، لم ينقله المجهولون الذين لا يعرف ضبطهم و عدالتهم
، و ليس في جميع أسانيد هذا الحديث إسناد واحد يثبت ، تعلم عدالة ناقليه و
ضبطهم ، و لا يعلم اتصال إسناده ، و قد قال النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر
: " لأعطين الراية رجلا يحب الله و رسوله ، و يحبه الله و رسوله " ، فنقل ذلك
غير واحد من الصحابة و أحاديثهم في " الصحاح " و " السنن " و " المسانيد " ، و
هذا الحديث ليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة ، و لا رواه أهل الحديث و لا أهل
" السنن " و لا " المسانيد " ، بل اتفقوا على تركه ، و الإعراض عنه ، فكيف في
شيء من كتب الحديث المعتمدة . ( قال ) : و هذا مما يوجب القطع بأن هذا من الكذب
المختلق . ( قال ) : و قد صنف جماعة من علماء الحديث في فضائل علي كالإمام أحمد
و أبي نعيم و الترمذي و النسائي و أبي عمر بن عبد البر ، و ذكروا فيها أحاديث
كثيرة ضعيفة ، و لم يذكروا هذا ! لأن الكذب ظاهر عليه بخلاف غيره " . ثم ختم
شيخ الإسلام بحثه القيم بقوله : " و سائر علماء المسلمين يودون أن يكون مثل هذا
صحيحا لما فيه من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم : و فضيلة علي عند الذين
يحبونه و يتولونه ، و لكنهم لا يستجيزون التصديق بالكذب فردوه ديانة ، و الله
أعلم " . و قد مال إلى ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الحديث تلميذاه
الحافظان الكبيران ابن كثير و الذهبي ، فقال الأول منهما بعد أن ساق حديث حبس
الشمس ليوشع عليه السلام ( 1 / 323 ) من " تاريخه " : " و فيه أن هذا كان من
خصائص يوشع عليه السلام ، فيدل على ضعف الحديث الذي رويناه أن الشمس رجعت حتى
صلى علي بن أبي طالب صلاة العصر ، بعد ما فاتته بسبب نوم النبي صلى الله عليه
وسلم على ركبته ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردها عليه حتى يصلي
العصر فرجعت ، و قد صححه أحمد بن صالح المصري ، و لكنه منكر ليس في شيء من "
الصحاح " و الحسان " ، و هو مما تتوفر الدواعي على نقله ، و تفردت بنقله امرأة
من أهل البيت مجهولة لا يعرف حالها . و الله أعلم " . و قال الذهبي في " تلخيص
الموضوعات " : " أسانيد حديث رد الشمس لعلي ساقطة ليست بصحيحة ، و اعترض بما صح
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن الشمس لم تحبس إلا ليوشع بن
نون ، ليالي سار إلى بيت المقدس " . و قال شيعي : إنما نفى عليه السلام وقوفها
، و حديثنا فيه الطلوع بعد المغيب فلا تضاد بينهما . قلت : لو ردت لعلي لكان
ردها يوم الخندق للنبي صلى الله عليه وسلم أولى ، فإنه حزن و تألم و دعا على
المشركين لذلك . ثم نقول : لو ردت لعلي لكان بمجرد دعاء النبي صلى الله عليه
وسلم و لكن لما غابت خرج وقت العصر و دخل وقت المغرب ، و أفطر الصائمون ، و صلى
المسلمون المغرب ، فلو ردت الشمس للزم تخبيط الأمة في صومها و صلاتها ، و لم
يكن في ردها فائدة لعلي ، إذ رجوعها لا يعيد العصر أداء . ثم هذه الحادثة
العظيمة لو وقعت لاشتهرت و توفرت الهمم و الدواعي على نقلها . إذ هي في نقض
العادات جارية مجرى طوفان نوح ، و انشقاق القمر " . هذا كله كلام الذهبي نقلته
من " تنزيه الشريعة " لابن عراق ( 1 / 379 ) و هو كلام قوي سبق جله في كلام ابن
تيمية ، و قد حاول المذكور رده من بعض الوجوه فلم يفلح ، و لو أردنا أن ننقل
كلامه في ذلك مع التعقيب عليه لطال المقال جدا ، و لكن نقدم إليك مثالا واحدا
من كلامه مما يدل على باقيه ، قال : " و قوله : و رجوعها لا يعيد العصر أداء .
جوابه : إن في " تذكرة القرطبي " ما يقتضي أنها وقعت أداء ، قال رحمه الله :
فلو لم يكن رجوع الشمس نافعا ، و أنه لا يتجدد الوقت لما ردها عليه الصلاة و
السلام " . و الجواب على هذا من وجوه : أولا : أن يقال : أثبت العرش ثم انقش .
ثانيا : لو كان الرجوع نافعا و يتجدد الوقت به لكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم أحق و أولى به في غزوة الخندق ، لاسيما و معه علي رضي الله عنه و سائر
أصحابه صلى الله عليه وسلم كما تقدم عن ابن تيمية رحمه الله تعالى . ثالثا : هب
أن في ذلك نفعا ، و لكنه على كل حال هو نفع كمال - و ليس ضروريا ، بدليل عدم
رجوع الشمس له صلى الله عليه وسلم في الغزوة المذكورة ، فإذا كان كذلك فما قيمة
هذا النفع تجاه ذلك الضرر الكبير الذي يصيب المسلمين بسبب تخبيطهم في صلاتهم و
و صومهم كما سبق عن الذهبي ؟ ! و جملة القول : أن العقل إذا تأمل فيما سبق من
كلام هؤلاء الحفاظ على هذا الحديث من جهة متنه ، و علم قبل ذلك أنه ليس له
إسناد يحتج به ، تيقن أن الحديث كذب موضوع لا أصل له .
(2/470)
________________________________________
972 - " أمر صلى الله عليه وسلم الشمس أن تتأخر ساعة من النهار ، فتأخرت ساعة من
النهار " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 401 ) :
ضعيف .
أخرجه أبو الحسن شاذان الفضلي في " جزئه في طرق حديث رد الشمس لعلي
رضي الله عنه " من طريق محفوظ بن بحر : حدثنا الوليد بن عبد الواحد : حدثنا
معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله مرفوعا . ذكره
السيوطي في " اللآلىء " كشاهد لحديث أسماء بنت عميس الذي قبله ثم قال : " و
أخرجه الطبراني في " الأوسط " من طريق الوليد بن عبد الواحد به ، و قال : لم
يروه عن أبي الزبير إلا معقل و لا عنه إلا الوليد " . و سكت عليه السيوطي ، و
قال الهيثمي في " المجمع " ( 8 / 297 ) ، و تبعه الحافظ في " الفتح " ( 6 / 155
) : رواه الطبراني في " الأوسط " ، و إسناده حسن " ! و هذا عجيب من هذين
الحافظين ، إذ كيف يكون الإسناد المذكور حسنا و فيه العلل الآتية : أولا : أبو
الزبير مدلس معروف بذلك و قد عنعنه و قد وصفه بذلك الحافظ نفسه في " التقريب "
، و في " طبقات المدلسين " ، و قال الذهبي في ترجمته من " الميزان " بعد أن ذكر
أنه عند العلماء ممن يدلس : " و في صحيح مسلم عدة أحاديث مما يوضح فيها أبو
الزبير السماع من جابر ، و لا هي من طريق الليث عنه ، ففي القلب منها شيء " .
فإذا كان هذا حال ما أخرجه مسلم معنعنا ، فماذا يقال فيما لم يخرجه هو و لا
غيره من سائر الكتب الستة ، و لا أصحاب المسانيد كهذا الحديث ؟! ثانيا : الوليد
بن عبد الواحد ، مجهول لا يعرف و لم يرد له ذكر في شيء من كتب الرجال المعروفة
، كـ " التهذيب " و " التقريب " و " الميزان " و " اللسان " و " التعجيل " و "
الجرح و التعديل " و " تاريخ بغداد " ، و قد تفرد بهذا الحديث كما سبق عن
الطبراني فكيف يحسن إسناد حديثه ؟! ثالثا : محفوظ بن بحر ، قال ابن عدي في
" الكامل " ( ق 399 - 400 ) : " سمعت أبا عروبة يقول : كان يكذب " ، ثم قال : "
له أحاديث يوصلها و غيره يرسلها ، و أحاديث يرفعها و غيره يوقفها على الثقات "
. قلت : و غالب الظن أن رواية الطبراني تدور عليه أيضا ، و يؤسفني أن السيوطي
لم يسق إسناده بكامله ، كما تقدم ، فإن كان الأمر كما ظننت فالإسناد موضوع ، و
إن كان على خلافه فهو ضعيف في أحسن أحواله ، لتحقق العلتين الأوليين فيه . و من
ذلك يتبين خطأ الهيثمي و العسقلاني في تحسينهما إياه و كذا سكوت السيوطي عليه ،
و الموفق الله تبارك و تعالى . ( تنبيه ) : قد جاءت أحاديث و آثار في رد الشمس
لطائفة من الأنبياء ، و لا يصح من ذلك شيء إلا ما في الصحيحين و غيرهما أن
الشمس حبست ليوشع عليه السلام ، قد بينت ذلك في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " رقم
( 202 ) .
(2/471)
________________________________________
973 - " لو بني هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدي " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 402 ) :
ضعيف جدا .
رواه أبو زيد عمر بن شبة النميري في كتاب " أخبار المدينة "
حدثنا محمد بن يحيى عن سعد بن سعيد عن أخيه عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره ، كذا في " الرد على الإخنائي " ( 126 )
. قلت : و هذا سند ضعيف جدا ، آفته أخو سعد بن سعيد و اسمه عبد الله بن سعيد بن
أبي سعيد المقبري و هو متروك متهم بالكذب ، و أخوه سعد لين الحديث ، و قد أشار
إلى تضعيف الحديث ابن النجار في " تاريخ المدينة " المسمى بـ " الدرر الثمينة "
( ص 370 ) بقوله : " و روي عن أبي هريرة أنه قال : ... فذكره . و الظاهر أن أصل
الحديث موقوف رفعه هذا المتهم ، فقد رواه عمر بن شبة من طريقين مرسلين عن عمر
قال : " لو مد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي الحليفة لكان منه " . هذا
لفظه من الطريق الأولى و لفظه من الطريق الأخرى : " لو زدنا فيه حتى بلغ
الجبانة كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و جاءه الله بعامر " . ثم إن
معناه صحيح ، يشهد له عمل السلف به حين زاد عمر و عثمان في مسجده صلى الله عليه
وسلم من جهة القبلة ، فكان يقف الإمام في الزيادة ، و رواه الصحابة في الصف
الأول ، فما كانوا يتأخرون إلى المسجد القديم كما يفعل بعض الناس اليوم ! قال
شيخ الإسلام ابن تيمية في الكتاب السابق ( ص 125 ) : " و قد جاءت الآثار بأن
حكم الزيادة في مسجده صلى الله عليه وسلم حكم المزيد ، تضعف فيه الصلاة بألف
صلاة ، كما أن المسجد الحرام حكم الزيادة فيه حكم المزيد ، فيجوز الطواف فيه ،
و الطواف لا يكون إلا في المسجد لا خارجا منه ، و لهذا اتفق الصحابة على أنهم
يصلون في الصف الأول من الزيادة التي زادها عمر ثم عثمان ، و على ذلك عمل
المسلمين كلهم ، فلولا أن حكمه حكم مسجده ، لكانت تلك الصلاة في غير مسجده و
يأمرون بذلك " ثم قال : " و هذا هو الذي يدل عليه كلام الأئمة المتقدمين و
عملهم ، فإنهم قالوا : إن صلاة الفرض خلف الإمام أفضل ، و هذا الذي قاله هو
الذي جاءت به السنة ، و كذلك كان الأمر على عهد عمر و عثمان رضي الله عنهما
، فإن كلاهما زاد من قبلي المسجد ، فكان مقامه في الصلوات الخمس في الزيادة ، و
كذلك مقام الصف الأول الذي هو أفضل ما يقام فيه بالسنة و الإجماع ، و إذا كان
كذلك ، فيمتنع أن تكون الصلاة في غير مسجده أفضل منها في مسجده ، و إن يكون
الخلفاء و الصفوف الأول كانوا يصلون في غير مسجده ، و ما بلغني عن أحد من السلف
خلاف هذا لكن رأيت بعض المتأخرين قد ذكر أن الزيادة ليست من مسجده ، و ما علمت
له في ذلك سلفا من العلماء " . و قد روي الحديث بلفظ آخر و هو : " لو زدنا في
مسجدنا ، و أشار بيده إلى القبلة " .
(2/472)
________________________________________
974 - " لو زدنا في مسجدنا ، و أشار بيده إلى القبلة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 403 ) :
ضعيف جدا .
رواه ابن النجار في " تاريخ المدينة " ( 369 ) من طريق محمد بن
الحسن بن زبالة : حدثني محمد بن عثمان بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن مصعب بن
ثابت عن مسلم بن خباب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما و هو في
مصلاه ( فذكره ) . فلما توفي صلى الله عليه وسلم و ولي عمر بن الخطاب رضي الله
عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( فذكره ) فأجلسوا رجلا في موضع
مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم رفعوا يد الرجل و خفضوها حتى رأوا ذلك نحوا
ما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم رفع يده ثم مد ، و وضعوا طرفه بيد الرجل ثم
مدوه فلم يزالوا يقدمونه و يؤخرونه حتى رأوا أن ذلك شبيه بما أشار رسول الله
صلى الله عليه وسلم من الزيادة ، فقدم عمر القبلة ، فكان موضع جدار عمر في موضع
عيدان المقصورة . قلت : و هذا سند واه جدا ، ابن زبالة اتهموه بالكذب كما في
" التقريب " ، و قال ابن حبان ( 2 / 271 ) : " كان ممن يسرق الحديث ، و يروي عن
الثقات ما لم يسمع منهم من غير تدليس عنهم " .
(2/473)
________________________________________
975 - " حياتي خير لكم ، تحدثون و يحدث لكم ، و وفاتي خير لكم ، تعرض علي أعمالكم ،
فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، و ما رأيت من شر استغفرت الله لكم " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 404 ) :
ضعيف .
رواه الحافظ أبو بكر البزار في " مسنده " : حدثنا يوسف بن موسى :
حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن سفيان عن عبد الله بن السائب عن
زاذان عن عبد الله هو ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن
لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام " . قال : و قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " حياتي خير لكم ... " ، ثم قال البزار : " لم نعرف آخره يروى عن
عبد الله إلا من هذا الوجه " . ذكره الحافظ ابن كثير في " البداية " ( 5 / 275
) ثم قال : " قلت و أما أوله و هو قوله عليه السلام : " إن لله ملائكة سياحين
يبلغوني عن أمتي السلام " ، فقد رواه النسائي من طرق متعددة عن سفيان الثوري و
عن الأعمش كلاهما عن عبد الله بن السائب به " . قلت الحديث عند النسائي في
" سننه " ( 1 / 189 ) كما ذكر الحافظ من طرق عديدة عن سفيان عن عبد الله بن
السائب ، لكن ليس عنده و عن الأعمش ، و إنما رواه من طريقه أيضا الطبراني في
" المعجم الكبير " ( 3 / 81 / 2 ) . و أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 205
) و ابن عساكر ( 9 / 189 / 2 ) . قلت : فاتفاق جماعة من الثقات على رواية
الحديث عن سفيان دون آخر الحديث " حياتي .... " ، ثم متابعة الأعمش له على ذلك
مما يدل عندي على شذوذ هذه الزيادة ، لتفرد عبد المجيد بن عبد العزيز بها
، لاسيما و هو متكلم فيه من قبل حفظه ، مع أنه من رجال مسلم و قد وثقه جماعة و
ضعفه آخرون و بين ...... ، فقال الخليلي : " ثقة ، لكنه أخطأ في أحاديث ، و قال
النسائي : " ليس بالقوي ، يكتب حديثه " . و قال ابن عبد البر : " روى عن مالك
أحاديث أخطأ فيها " . و قال ابن حبان في " المجروحين " ( 2 / 152 ) : " منكر
الحديث جدا ، يقلب الأخبار ، و يروي المناكير عن المشاهير ، فاستحق الترك " .
قلت : و لهذا قال فيه الحافظ في " التقريب : " صدوق يخطىء " . و إذا عرفت ما
تقدم فقول الحافظ الهيثمي في " المجمع " ( 6 / 24 ) : " رواه البزار ، و رجاله
رجال الصحيح " . فهو يوهم أنه ليس فيه من هو متكلم فيه ! و لعل السيوطي اغتر
بهذا حين قال في " الخصائص الكبرى " ( 2 / 281 ) : " سنده صحيح " . و لهذا فإني
أقول : إن الحافظ العراقي - شيخ الهيثمي - كان أدق في التعبير عن حقيقة إسناد
البزار حين قال عنه في " تخريج الإحياء " ( 4 / 128 ) : " و رجاله رجال الصحيح
، إلا أن عبد المجيد بن أبي رواد و إن أخرج له مسلم ، و وثقه ابن معين و
النسائي ، فقد ضعفه بعضهم " . قلت : و أما قوله هو أو ابنه في " طرح التثريب في
شرح التقريب " ( 3 / 297 ) : " إسناده جيد " . فهو غير جيد عندي ، و كان يكون
ذلك لولا مخالفة عبد المجيد للثقات على ما سبق بيانه ، فهي علة الحديث ، و إن
كنت لم أجد من نبه عليها ، أو لفت النظر إليها ، إلا أن يكون الحافظ بن كثير في
كلمته التي نقلتها عن كتابه " البداية " ، و الله أعلم . نعم ، قد صح إسناد هذا
الحديث عن بكر بن عبد الله المزني مرسلا ، و له عنه ثلاث طرق : الأولى عن غالب
القطان عنه . أخرجه إسماعيل القاضي في " فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم " ( رقم 25 بتحقيقي ) و ابن سعد في " الطبقات " ( 2 / 2 / 2 ) . و رجاله
كلهم ثقات رجال الشيخين . الثانية : عن كثير أبي الفضل عنه . أخرجه إسماعيل
أيضا ( رقم 26 ) ، و رجاله ثقات رجال مسلم غير كثير ، و اسم أبيه يسار و هو
معروف كما بينه الحافظ في " اللسان " ردا على قول ابن القطان فيه : " حاله غير
معروفة " . الثالثة : عن جسر بن فرقد عنه . أخرجه الحارث بن أبي أسامة في "
مسنده " ( 230 من بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ) ، و جسر ضعيف . قلت :
فلعل هذا الحديث الذي رواه عبد المجيد موصولا عن ابن مسعود أصله هذا المرسل عن
بكر ، أخطأ فيه عبد المجيد فوصله عن ابن مسعود ملحقا إياه بحديثه الأول عنه . و
الله أعلم . و قد وقفت عليه من حديث أنس ، و له عنه طريقان : الأولى : عن أبي
سعيد الحسن بن علي بن زكريا بن صالح العدوي البصري : حدثنا خراش عن أنس مرفوعا
مختصرا نحوه و فيه " تعرض علي أعمالكم عشية الاثنين و الخميس " . أخرجه ابن عدي
( 124 / 2 ) و أبو منصور الجرباذقاني في " الثاني من عروس الأجزاء " ( ق / 139
/ 2 ) و عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي في " جزء له " ( 2 / 2 ) و عزاه
الحافظ العراقي ( 4 / 128 ) للحارث بن أبي أسامة في " مسنده " بإسناد ضعيف ، أي
بهذا الإسناد كما بينه المناوي في " فيض القدير " بعد أن نقل عنه تضعيفه إياه
بقوله : أي و ذلك لأن فيه خراش بن عبد الله ساقط عدم ، و ما أتى به غير أبي
سعيد العدوي الكذاب ، و قال ابن حبان : لا يحل كتب حديثه إلا للاعتبار ، ثم ساق
له أخبارا هذا منها " . قلت : فالإسناد موضوع ، فلا يفرح به . الثانية : عن
يحيى بن خدام : حدثنا محمد بن عبد الملك بن زياد أبو سلمة الأنصاري : حدثنا
مالك بن دينار عن أنس به نحوه و فيه : " تعرض علي أعمالكم كل خميس " . أخرجه
أبو طاهر المخلص في " الثاني من العاشر من حديثه " ( ق 212 / 2 ) : حدثنا يحيى
( يعني ابن محمد بن صاعد ) : حدثنا يحيى بن خدام به . قلت : و هذا موضوع أيضا
آفته الأنصاري هذا قال العقيلي : " منكر الحديث " ، و قال ابن حبان : " منكر
الحديث جدا ، يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم ، لا يجوز الاحتجاج به " . و قال
ابن طاهر : " كذاب و له طامات " . و قال الحاكم أبو عبد الله : " يروي أحاديث
موضوعة " . و الراوي عنه يحيى بن خدام روى عنه جماعة من الثقات ، و ذكره ابن
حبان في " الثقات " . و قال الحاكم أبو أحمد في ترجمة الأنصاري المذكور : " روى
عن يحيى بن خدام عن مالك بن دينار أحاديث منكرة ، فالله تعالى أعلم الحمل فيه
على أبي سلمة أو على ابن خدام " . و جملة القول أن الحديث ضعيف بجميع طرقه ، و
خيرها حديث بكر بن عبد الله المزني و هو مرسل ، و هو من أقسام الحديث الضعيف
عند المحدثين ، ثم حديث ابن مسعود ، و هو خطأ ، و شرها حديث أنس بطريقيه .
(2/474)
________________________________________
976 - " إني لأفعل ذلك أنا و هذه ثم نغتسل ، يعني الجماع بدون إنزال " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 406 ) :
ضعيف مرفوعا .
أخرجه مسلم ( 1 / 187 ) و البيهقي ( 1 / 164 ) من طريق ابن
وهب : أخبرني عياض بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن أم كلثوم
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : " إن رجلا سأل رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل ، هل عليهما الغسل ؟ و عائشة جالسة
، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فذكره . قلت و هذا إسناد ضعيف و له
علتان : الأولى : عنعنة أبي الزبير فقد كان مدلسا ، قال الحافظ في " التقريب "
: " صدوق ، إلا أنه يدلس " . و قال الذهبي في " الميزان " : " و في صحيح مسلم
عدة أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع عن جابر ، و لا هي من طريق
الليث عنه ، ففي القلب منها شيء " . قلت : ثم ذكر لذلك بعض الأمثلة ، و هذا
منها عندي . الثانية : ضعف عياض بن عبد الله و هو ابن عبد الرحمن الفهري المدني
، و قد اختلفوا فيه فقال البخاري : " منكر الحديث " . و هذا منه إشارة إلى أنه
شديد الضعف كما هو معروف عنه ، و قال أبو حاتم : ليس بالقوي ، و ذكره ابن حبان
في " الثقات " . و قال الساجي : " روى عنه ابن وهب أحاديث فيها نظر " . قلت : و
هذا من روايته عنه كما ترى ، و قال ابن معين : ضعيف الحديث ، و قال ابن شاهين
في " الثقات " : و قال أبو صالح : ثبت ، له بالمدينة شأن كبير في حديثه شيء "
. قلت : و لخص هذه النقول الحافظ في " التقريب " بقوله : " فيه لين " ، و أشار
الذهبي في " الميزان " إلى تضعيف قول من وثقه بقوله في ترجمته : " وثق ! و قال
أبو حاتم ، ليس بالقوي " . و لذلك أورده في " كتاب الضعفاء " و حكى فيه قول أبي
حاتم المذكور ، و بالجملة ، فالرجل ضعيف لا يحتج به إذا انفرد و لو لم يخالف
، فكيف و قد خالفه من مثله في الضعف فرواه موقوفا على عائشة ، ألا و هو أشعث بن
سوار فقال : عن أبي الزبير به عن عائشة قالت : " فعلناه مرة فاغتسلنا ، يعني
الذي يجامع و لا ينزل " . أخرجه أحمد ( 6 / 68 / 110 ) و أبو يعلى ( 223 / 2 )
. و أشعث هذا ضعيف كما في " التقريب " . و أخرج له مسلم متابعة ، فروايته أرجح
عندي من رواية عياض ، لأن لها شاهدا من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن القاسم عن
أبيه عن عائشة رضي الله عنها " أنها سئلت عن الرجل يجامع و لا ينزل ؟ فقالت
: فعلت أنا و رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا منه جميعا " . أخرجه أبو
يعلى في " مسنده " ( 233 / 1 ) و ابن الجارود في " المنتقى " ( رقم 93 ) و غيره
بسند صحيح كما بينته في زوائده على " الصحيحين " برقم ( 54 ) الذي أنا في صدد
تأليفه ، أرجو الله أن يسهل لي إتمامه . قلت : فهذا هو اللائق بهذا الحديث أن
يكون موقوفا ، و أما رفعه فلا يصح ، و الله أعلم . ثم رأيت الحديث في " المدونة
" ( 1 / 29 - 30 ) هكذا : ابن وهب عن عياض بن عبد الله القرشي و ابن لهيعة عن
أبي الزبير عن جابر . فزال بذلك تفرد عياض به ، و انحصرت العلة في عنعنة أبي
الزبير مع المخالفة .
(2/475)
________________________________________
977 - " إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 408 ) :
ضعيف مرفوعا .
أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار ( 1 / 231 ) : حدثنا
ابن أبي داود قال : حدثنا المقدمي : قال : حدثني عمر بن علي قال : حدثنا ابن
عجلان عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : فذكره
. قلت و هذا إسناد ظاهره الصحة ، و لذلك قال الحافظ في " الفتح " ( 2 / 214 )
إنه حسن ، و لكنه معلول ، و علته خفية جدا ، فإن الرجال كلهم ثقات ، و المقدمي
اسمه محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم مولى ثقيف وثقه أبو زرعة و قال
أبو حاتم : " صالح الحديث محله الصدق " كما في " الجرح و التعديل " ( 3 / 2 /
213 ) . و عمر بن علي هو عم المقدمي ، و هو علة الحديث فإنه و إن كان ثقة محتجا
به في " الصحيحين " فقد كان يدلس تدليسا سيئا جدا ، قال ابن سعد : " كان ثقة ،
و كان يدلس تدليسا شديدا ، يقول سمعت و حدثنا ، ثم يسكت ، فيقول : هشام بن عروة
، و الأعمش ! " ، و قال أحمد : " كان يدلس ، سمعته يقول : " حجاج ، و سمعته " .
يعني حديثا آخر ، قال أحمد : كذا كان يدلس ! " ، و قال أبو حاتم : " محله الصدق
، و لولا تدليسه لحكمنا له إذا جاء بزيادة ، غير أنا نخاف أن يكون أخذه عن غير
ثقة " . قلت : و أنا أخشى أن يكون دلس في هذا الحديث عن بعض الضعفاء حيث زاد
الرفع ، و المعروف أنه موقوف ، فقال ابن أبي شيبة ( 1 / 99 / 2 ) : " أخبرنا
أبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان به موقوفا بلفظ : " لا تكبر حتى تأخذ مقامك
من الصف " ، ثم قال : " أخبرنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عجلان به بلفظ : " إذا
دخلت و الإمام راكع ، فلا تركع حتى تأخذ مقامك من الصف " . و مما يضعف هذا
الحديث سواء المرفوع منه و الموقوف أنه قد صح ما يخالفه مرفوعا عن النبي صلى
الله عليه وسلم و موقوفا على جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، و قد بينت ذلك
في " الأحاديث الصحيحة " تحت ( رقم 229 ) بلفظ : " إذا دخل أحدكم المسجد و
الناس ركوع فليركع حين يدخل ثم يدب راكعا حتى يدخل في الصف فإن ذلك السنة " .
فهذا الحديث و إسناده صحيح كما بينته هناك هو العمدة في هذا الباب و قد عمل به
كبار الأصحاب كما أثبته هناك .
(2/476)
________________________________________
978 - " أعلنوا هذا النكاح و اجعلوه في المساجد ، و اضربوا عليه بالدفوف " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 409 ) :
ضعيف بهذا التمام .
أخرجه الترمذي ( 1 / 202 ) و البيهقي ( 7 / 290 ) من
طريق عيسى بن ميمون الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عائشة مرفوعا . و قال
الترمذي : " حديث غريب حسن ، و عيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث " . و
قال البيهقي : " عيسى بن ميمون ضعيف " . و كذا قال الحافظ في " التقريب " . و
روى ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل " ( 3 / 1 / 287 ) و ابن حبان ( 2 / 116
) عن عبد الرحمن بن مهدي قال : " استعديت على عيسى بن ميمون في هذه الأحاديث عن
القاسم بن محمد في النكاح و غيره فقال : لا أعود " . و عن ابن معين قال : "
عيسى بن ميمون صاحب القاسم عن عائشة ، ليس بشيء " . و عن أبي حاتم قال : " هو
متروك الحديث " . قلت : تابعه ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد به
دون قوله : " و اجعلوه في المساجد " . أخرجه ابن ماجه ( 1895 ) و البيهقي و أبو
نعيم في " الحلية " ( 3 / 265 ) من طريق خالد بن إلياس عن ربيعة ، و قال أبو
نعيم : " تفرد به خالد بن إلياس " . و قال البيهقي : و قال في " الزوائد " : "
هو ضعيف " . " اتفقوا على ضعفه ، بل نسبه ابن حبان و الحاكم و أبو سعيد النقاش
إلى الوضع " . ( تنبيه ) زاد البيهقي في الرواية الأولى : " و ليولم أحدكم ، و
لو بشاة ، فإذا خطب أحدكم و قد خضب بالسواد فليعلمها و لا يغرنها " . و قد عزاه
بهذه الزيادة الصنعاني ( 3 / 154 ) للترمذي و هو وهم ، فليس عنده و لا عند ابن
ماجه مثل هذه الزيادة ، و قال المناوي في " فيض القدير " : " جزم البيهقي بصحته
( ! ) قال ابن الجوزي ضعيف جدا ، و قال ابن حجر في " الفتح " : سنده ضعيف ، و
قال الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية " : ضعيف " . قلت : قوله : " بصحته "
أظنه محرفا " بضعفه " ، فقد عرفت أن البيهقي ضعفه بعيسى ابن ميمون . و أما
تحسين الترمذي للحديث فإنما هو باعتبار الفقرة الأولى منه ، فإن لها شاهدا من
حديث عبد الله بن الزبير مرفوعا ، و الترمذي إنما أورده في " باب ما جاء في
إعلان النكاح " . و أما الجملة التي بعدها فإني لم أجد لها شاهدا فهي لذلك
منكرة . و قد خرجت شواهد الفقرة الأولى في " آداب الزفاف " ( ص 97 ) و " إرواء
الغليل " ( 2053 ) .
(2/477)
________________________________________
979 - " من أدى إلى أمتي حديث يقيم به سنة ، أو يثلم به بدعة ، فله الجنة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 410 ) :
موضوع .
رواه أبو نعيم في " حلية الأولياء " ( 10 / 44 ) و الخطيب في " شرف
أصحاب الحديث " ( 2 / 57 / 1 ) و كذا ابن شاذان في " المشيخة الصغيرة " ( رقم
46 من نسختي ) و أبو القاسم القشيري في " الأربعين " ( ق 150 - 151 ) و السلفي
في " أربعينه " ( 10 / 2 ) و عنه ابن عساكر في " أربعين السلفي " ( 9 / 2 ) و
ابن البناء في " الرد على المبتدعة " ( 2 / 2 ) و عفيف الدين في " فضل العلم "
( ق 124 - 125 ) و محمد بن طولون في " الأربعين " ( 14 / 1 ) من طريق عبد
الرحيم بن حبيب و العلاء بن مسلمة بعضهم عن الأول ، و أكثرهم عن الآخر كلاهما
عن إسماعيل بن يحيى التيمي عن سفيان الثوري عن ليث عن طاووس عن ابن عباس
مرفوعا . قلت : و هذا إسناد موضوع آفته إسماعيل هذا ، قال الذهبي : " حدث عن
ابن جريج و مسعر بالأباطيل ، قال صالح جزرة : كان يضع الحديث ، و قال الأزدي
ركن من أركان الكذب لا تحل الرواية عنه ، و قال ابن عدي : عامة ما يرويه بواطيل
. و قال أبو علي النيسابوري و الدارقطني و الحاكم : كذاب " . قلت : و قد تلقاه
عنه كذابان مثله ! أحدهما العلاء بن مسلمة ، قال ابن حبان ( 2 / 174 ) : " يروي
الموضوعات عن الثقات " و قال ابن طاهر : " كان يضع الحديث " . و الآخر عبد
الرحيم بن حبيب ، قال ابن معين : ليس بشيء ، و قال ابن حبان ( 2 / 154 ) :
" كان يضع الحديث على الثقات وضعا ، لعله وضع أكثر من خمسمائة حديث على رسول
الله صلى الله عليه وسلم " . و قال أبو نعيم الأصبهاني : " روى عن ابن عيينة و
بقية الموضوعات " . و الحديث مما سود به السيوطي كتابه " الجامع الصغير " ! و
عزاه لحلية أبي نعيم فقط ! و تعقبه المناوي في " فيض القدير " بقوله : " و فيه
عبد الرحيم ( الأصل عبد الرحمن و هو خطأ ) بن حبيب أورده الذهبي في " الضعفاء "
و قال : " متهم بالوضع " ، و إسماعيل بن يحيى التيمي قال - أعني الذهبي - كذاب
يضع " . و قد اغتر بالسيوطي بعض المتأخرين من المغاربة ، فأورده في كتابه
" لبانة القاري من صحيح البخاري " و ذكره في مقدمته محتجا به و جازما بنسبته
إلى النبي صلى الله عليه وسلم !
(2/478)
________________________________________
980 - " إذا أكلتم فاخلعوا نعالكم ، فإنه أروح لأقدامكم " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 411 ) :
ضعيف جدا .
رواه الدارمي ( 2 / 108 ) و أبو سعيد الأشج في " حديثه " ( 214
/ 1 ) و الحاكم ( 4 / 119 ) و كذا أبو القاسم الصفار في " الأربعين في شعب
الإيمان " كما في " المنتقى منه " للضياء المقدسي ( 48 / 2 ) و " المنتخب منه
" لأبي الفتح الجويني ( 74 / 1 ) و الديلمي في " مسند الفردوس " ( 1 / 1 / 102
- مختصره ) عن موسى بن محمد عن أبيه عن أنس مرفوعا . و قال الحاكم : " حديث
صحيح الإسناد ! و رده الذهبي بقوله : " قلت أحسبه موضوعا ، و إسناده مظلم ، و
موسى تركه الدارقطني " . و أقول : هو موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي
أبو محمد المدني ، متفق على تضعيفه ، و ضعفه طائفة تضعيفا شديدا ، فقال البخاري
: " عنده مناكير " . و قال أبو داود : " لا يكتب حديثه " و قال أبو حاتم : "
ضعيف الحديث ، منكر الحديث ، و أحاديث عقبة بن خالد عنه من جناية موسى ، ليس
لعقبة فيها جرم " . قلت : و هذا الحديث من رواية عقبة عنه ، فهو من جناية موسى
، و في تعبير أبي حاتم هذا توهين شديد له كما لا يخفى . و الحديث أورده الهيثمي
في " المجمع " ( 5 / 23 ) و قال : " رواه البزار و أبو يعلى و الطبراني في "
الأوسط " ، و رجال الطبراني ثقات إلا أن عقبة بن خالد السكوني لم أجد له من
محمد بن الحارث سماعا " . قلت : محمد بن الحارث والد موسى لكنه نسب إلى جده ،
فإنه محمد بن إبراهيم بن الحارث كما عرفت من ترجمة ابنه ، و الحديث من رواية
الولد عن أبيه ، كذلك أخرجه الحاكم و غيره كما تقدم عن عقبة بن خالد عن موسى بن
محمد عن أبيه ، فالظاهر أنه سقط من إسناد الطبراني أو من ناسخ كتابه قوله " عن
أبيه " فصار الحديث منقطعا بين عقبة و محمد بن الحارث ، و الله أعلم . و لفظ
رواية أبي يعلى و إسناده خلاف ما سبق كما يتبين مما يأتي : " إذا قرب لأحدكم
طعامه و في رجليه نعلان فلينتزع نعليه ، فإنه أروح للقدمين ، و هو من السنة
" . قال المناوي : " و فيه معاذ بن سعد ، قال الذهبي : مجهول ، و داود بن
الزبرقان ، قال أبو داود : متروك ، و البخاري : مقارب " . قلت : ثم وقفت على
إسناد أبي يعلى في " مسنده " قال ( 3 / 1036 ) : حدثنا معاذ بن شعبة : أخبرنا
داود بن الزبرقان عن أبي الهيثم عن إبراهيم التيمي عن أنس مرفوعا به ، و بهذا
الإسناد أخرجه البزار أيضا ( ص 159 - زوائده ) قلت : و معاذ بن شعبة هو أبو
سهيل البصري ، روى عن عباد بن العوام و عثمان بن مطر ، روى عن موسى بن إسحاق
الأنصاري ، كما في " الجرح و التعديل " ( 4 / 1 / 251 ) و لم يذكر فيه جرحا و
لا تعديلا ، و منه تبين أنه تصحف اسم أبيه ( شعبة ) إلى ( سعد ) على المناوي ،
فنقل عن الذهبي أنه قال : " معاذ بن سعد مجهول " . و هذا إنما هو الذي يروي عن
جنادة بن أبي أمية ، فهو تابعي مجهول من الطبقة الرابعة عند الحافظ !
(2/479)
*************************************
يتبع ان شاء الله ...
981 - " من كانت له حمولة تأوي إلى شبع ( و ري ) ، فليصم رمضان حيث أدركه " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 412 ) :
ضعيف .
أخرجه أبو داود ( 1 / 378 ) و أحمد ( 3 / 476 و 5 / 7 ) و العقيلي
في " الضعفاء ( ص 259 ) من طرق عن عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الأزدي
: حدثني حبيب بن عبد الله قال : سمعت سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي يحدث
عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره ، و قال العقيلي - و
الزيادة له - : " لا يتابع عليه ، و لا يعرف إلا به " . يعني عبد الصمد هذا ، و
قد أورده البخاري في " الضعفاء " أيضا و قال ( ص 24 ) : " لين الحديث ، ضعفه
أحمد " . و قال المنذري في " مختصر السنن " ( 3 / 290 ) : " قال ابن معين : ليس
به بأس ، و قال أبو حاتم الرازي : يكتب حديثه ، و ليس بالمتروك ، و قال : يحول
من : " كتاب الضعفاء " - ثم ذكر ما نقلناه عن البخاري ثم قال - و قال البخاري
أيضا : منكر الحديث ، ذاهب الحديث ، و لم يعد البخاري هذا الحديث شيئا " . قلت
: و فيه علة أخرى ، و هي جهالة ابنه حبيب بن عبد الله ، قال الذهبي في
" الميزان " و العسقلاني في " التقريب " : " مجهول " . و الحديث أورده الحافظ
شمس الدين ابن عبد الهادي في رسالته " الأحاديث الضعيفة و الموضوعة " ( ق 217 /
2 ) في جملة أحاديث من " ما يذكره بعض الفقهاء و الأصوليين أو المحدثين محتجا
به أو غير محتج به مما ليس له إسناد ، أو له إسناد و لا يحتج بمثله النقاد من
أهل العلم " . ثم ساق أحاديث كثيرة هذا أحدها .
(2/480)
________________________________________
982 - " لا تكون لأحد بعدك مهرا . قاله للذي زوجه المرأة على سورة من القرآن " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 413 ) :
منكر .
أخرجه سعيد بن منصور من مرسل أبي النعمان الأزدي قال : " زوج
رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن ، و قال : فذكره ، قال
الحافظ في " الفتح " ( 9 / 174 ) : " و هذا مع إرساله فيه من لا يعرف " . قلت :
هو أبو النعمان هذا ، و الظاهر أنه الذي في " الجرح و التعديل " ( 4 / 2 / 449
) " أبو النعمان روى عن أبي وقاص عن زيد بن أرقم ، و روى عن سلمان ، و روى عنه
على ابن عبد الأعلى ، قال أبي مجهول " . و الحديث في الصحيحين و غيرهما من حديث
سهل بن سعد الساعدي قال : " إني لفي القوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ
قامت امرأة فقالت : يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك ، فر فيها رأيك ، فلم
يجبها شيئا ، ثم قامت الثالثة ، فقالت إنها وهبت نفسها لك فر فيها رأيك فقام
رجل فقال : يا رسول الله أنكحنيها ، قال : هل عندك من شيء ؟ قال : لا ، قال :
اذهب فاطلب و لو خاتم من حديد ، فذهب يطلب ، ثم جاء فقال : ما وجدت شيئا و لا
خاتما من حديد ، قال : هل معك من القرآن شيء ؟ قال : نعم ، سورة كذا و سورة كذا
، قال : اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن " . و كذلك رواه مالك و النسائي و
الترمذي و البيهقي ( 7 / 242 ) دون قوله : " لا تكون لأحد بعدك " ، و لقد وهم
صاحب " الروض المربع " من كتب الحنابلة وهما فاحشا ، فعزا الحديث بلفظ سعيد بن
منصور المرسل إلى البخاري ! فقد تبين أن البخاري ليس عنده هذه الزيادة و لا عند
غيره ممن ذكرنا ، فدل ذلك على أنها زيادة منكرة لتفرد هذا الطريق الواهي بها
دون سائر طرق الحديث و شواهده و هي كثيرة قد أخرجها الحافظ رحمه الله في "
الفتح " ( 9 / 168 ) فليراجعها من شاء ، و قد روي الحديث عن ابن مسعود بزيادة
أخرى منكرة أيضا و هو : " قد أنكحتكها على أن تقرئها و تعلمها ، و إذا رزقك
الله عوضتها " .
(2/481)
________________________________________
983 - " قد أنكحتكها على أن تقرئها و تعلمها ، و إذا رزقك الله عوضتها " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 413 ) :
منكر .
رواه الدارقطني في " سننه " ( 394 ) و من طريقه البيهقي ( 7 / 243 )
عن عتبة بن السكن : أخبرنا الأوزاعي : أخبرني محمد بن عبد الله بن أبي طلحة
: حدثني زياد بن زياد : حدثني عبد الله بن سخبرة عن ابن مسعود : " أن امرأة
أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله رأ في رأيك .... " الحديث
نحو حديث سهيل الصحيح المذكور قبله ، و فيه : " قال : فهل تقرأ من القرآن شيئا
؟ قال : نعم سورة البقرة و سورة المفصل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
.... " فذكره و قال الدارقطني : " تفرد به عن عتبة و هو متروك الحديث " . و قال
البيهقي : " عتبة بن السكن منسوب إلى الوضع ، و هذا باطل لا أصل له " . قلت : و
من أحاديث هذا المتهم : " كان يستحب أن يصلي بعد نصف النهار حين ترتفع الشمس
أربع ركعات ، فقالت عائشة : يا رسول الله أراك تستحب الصلاة في هذه الساعة
؟ قال : يفتح فيه أبواب السماء ، و ينظر الله تبارك و تعالى إلى خلقه ، و هي
صلاة كان يحافظ عليها آدم و نوح و إبراهيم و موسى و عيسى عليهم السلام " .
(2/482)
________________________________________
984 - " كان يستحب أن يصلي بعد نصف النهار حين ترتفع الشمس أربع ركعات ، فقالت عائشة
: يا رسول الله أراك تستحب الصلاة في هذه الساعة ؟ قال : يفتح فيه أبواب السماء
، و ينظر الله تبارك و تعالى إلى خلقه ، و هي صلاة كان يحافظ عليها آدم و نوح و
إبراهيم و موسى و عيسى عليهم السلام " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 414 ) :
ضعيف جدا .
رواه الخطيب في " التلخيص " ( 88 / 1 - 2 ) عن عتبة بن السكن
الحمصي : حدثنا الأوزاعي : حدثنا صالح بن جبير : حدثني أبو أسماء الرحبي :
حدثني ثوبان مرفوعا و قال : " تفرد به عتبة بن السكن عن الأوزاعي " . قلت :
و قد عرفت من الحديث السابق أن ابن السكن هذا متهم بالوضع . و الحديث قال
الهيثمي في " المجمع " ( 2 / 219 ) : " رواه البزار ، و فيه عتبة بن السكن ،
قال الدارقطني : متروك ، و قد ذكره ابن حبان في " الثقات " و قال : يخطىء و
يخالف " . قلت : و لذلك أشار المنذري في " الترغيب " ( 1 / 203 ) إلى ضعفه .
قلت : و ليس عند البزار قوله " حين ترتفع الشمس " ، و هو يدفع دلالة الحديث على
ما ترجم له المنذري و هو : " الترغيب في الصلاة قبل الظهر و بعدها " فتأمل .
(2/483)
________________________________________
985 - " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر فلا صلاة له " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 414 ) :
منكر .
رواه ابن أبي حاتم في " تفسيره " : حدثنا محمد بن هارون المخرمي
الفلاس : حدثنا عبد الرحمن بن نافع أبو زياد : حدثنا عمر بن أبي عثمان : حدثنا
الحسن عن عمران بن حصين قال : " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله
تعالى : *( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر )* ؟ قال : " فذكره . ذكره ابن
كثير ( 2 / 414 ) و ابن عروة في " الكواكب الدراري " ( 83 / 1 - 2 / 1 ) . قلت
: و هذا سند ضعيف ، و فيه علتان : الأولى : الانقطاع بين الحسن و هو البصري و
عمران بن الحصين ، فإنهم اختلفوا في سماعه منه فإن ثبت ، فعلته عنعنة الحسن
فإنه مدلس معروف بذلك . و الأخرى جهالة عمر بن أبي عثمان ، أورده ابن أبي حاتم
في " الجرح و التعديل " ( 3 / 1 / 123 ) و قال " سمع طاووسا قوله ، روى عنه
يحيى بن سعيد " .
(2/484)
________________________________________
986 - " إذا خلع أحدكم نعليه في الصلاة ، فلا يجعلهما بين يديه فيأتم بهما ، و لا من
خلفه ، فيأتم بهما أخوه المسلم و لكن ليجعلهما بين رجليه " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 415 ) :
ضعيف جدا .
أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " ( ص 195 ) من طريق أبي
سعيد الشقري عن زياد الجصاص عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي
صلى الله عليه وسلم و قال : " لا يروى عن أبي بكرة إلا بهذا الإسناد " . قلت :
و هو ضعيف جدا ، فإن زيادا هذا و هو ابن أبي زياد الجصاص قال الذهبي في "
الميزان " : " قال ابن معين و ابن المديني : ليس بشيء ، و قال أبو زرعة : واه ،
و قال النسائي و الدارقطني : متروك ، و أما ابن حبان فقال في " الثقات " : ربما
يهم ، قلت بل هو مجمع على ضعفه " . قلت : و الراوي عنه أبو سعيد الشقري و اسمه
المسيب بن شريك مثله في الضعف أو أشد ، فقد قال فيه أحمد : " ترك الناس حديثه "
. و ضعفه البخاري جدا فقال : " سكتوا عنه " . و قال مسلم و جماعة : " متروك " .
و قال الفلاس : " متروك الحديث ، قد أجمع أهل العلم على ترك حديثه " . و قال
الساجي : " متروك الحديث ، يحدث بمناكير " . و الحديث أورده الهيثمي في "
المجمع " ( 2 / 55 ) بلفظ : " إذا صلى أحدكم فخلع نعليه ، فلا يخلعهما عن يمينه
فيأثم ، و لا من خلفه فيأتم بهما صاحبه ، و لكن ليخلعهما بين ركبتيه " . و قال
: " رواه الطبراني في الكبير ، و فيه زياد الجصاص ضعفه ابن معين و ابن المديني
و غيرهما ، و ذكره ابن حبان في " الثقات " " . كذا قال ، و قد عرفت مما سبق أن
ابن حبان قد خالف في هذا التوثيق إجماع الأئمة الذين ضعفوه ، فلا يعتد بتوثيقه
! و الحديث قد روي من طريق أخرى و هو : " إذا صليت فصل في نعليك ، فإن لم تفعل
فضعهما تحت قدميك ، و لا تضعهما عن يمينك ، و لا عن يسارك فتؤذي الملائكة و
الناس ، و إذا وضعتهما بين يديك كأنما بين يديك قبلة " .
(2/485)
________________________________________
987 - " إذا صليت فصل في نعليك ، فإن لم تفعل فضعهما تحت قدميك ، و لا تضعهما عن
يمينك ، و لا عن يسارك فتؤذي الملائكة و الناس ، و إذا وضعتهما بين يديك كأنما
بين يديك قبلة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 416 ) :
منكر .
رواه الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 9 / 448 - 449 ) عن أبي خالد
إبراهيم بن سالم حدثنا عبد الله بن عمران البصري عن أبي عمران الجوني عن أبي
برزة الأسلمي عن ابن عباس مرفوعا . قلت : و هذا سند ضعيف علته إبراهيم هذا
، قال الذهبي في " الميزان " : " قال ابن عدي : له مناكير " . ثم ساق له الذهبي
حديثين منكرين ، ثم قال : " و سئل أبو حاتم عن عبد الله بن عمران ؟ فقال : شيخ
" . و روي الحديث من طريق ثالث و هو : " ألزم نعليك قدميك ، فإن خلعتهما
فاجعلهما بين رجليك ، و لا تجعلهما عن يمينك ، و لا عن يمين صاحبك ، و لا وراءك
فتؤذي من خلفك " .
(2/486)
________________________________________
988 - " ألزم نعليك قدميك ، فإن خلعتهما فاجعلهما بين رجليك ، و لا تجعلهما عن يمينك
، و لا عن يمين صاحبك ، و لا وراءك فتؤذي من خلفك " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 416 ) :
ضعيف جدا .
رواه ابن ماجه ( 1 / 437 - 438 ) عن عبد الله بن سعيد بن أبي
سعيد عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا . و هذا سند ضعيف جدا ، لأن عبد الله هذا
متروك كما في " التقريب " لابن حجر ، و " الضعفاء " للذهبي و لفظه : " تركوه "
و سلفه في ذلك البخاري و قال البوصيري في " الزوائد " ( ق 89 / 1 ) : " هذا
إسناده ضعيف ، عبد الله بن سعيد متفق على تضعيفه " . قلت : و مما يؤكد ضعفه أنه
قد خالفه في متن هذا الحديث ثقتان فروياه عن أبيه سعيد بن أبي سعيد بلفظ : "
إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحدا ، ليجعلهما بين رجليه ، أو ليصل
فيهما " . و إسناده صحيح ، و قد خرجته في " صحيح أبي داود " ( رقم 662 ) .
(2/487)
________________________________________
989 - " يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة ، و حد يقام في الأرض أزكى فيها من
مطر أربعين يوما " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 416 ) :
ضعيف .
رواه سمويه في " الفوائد " ( 37 / 2 ) : حدثنا أحمد بن يونس :
أخبرني سعد أبو غيلان الشيباني قال : سمعت عفان بن جبير الطائي عن أبي حريز
الأزدي أو حريز عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا و رواه الطبراني ( 3 / 140 / 1
) من طريق أخرى عن أحمد بن يونس به إلا أنه لم يقل في سنده " أو حريز " . قلت
: و هذا سند ضعيف مسلسل بجماعة لا يعرفون من سعد إلى أبي حريز غير أن سعدا لم
يتفرد به ، فقد رواه الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 182 / 1 ، 144 / 1 ) من طريق
زريق بن السحت : أخبرنا جعفر بن عون : أخبرنا عفان بن جبير الطائي عن عكرمة به
و قال : " لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد " . قلت : و مداره على عفان بن
جبير هذا ، و قد أورده ابن أبي حاتم ( 3 / 2 / 30 ) و لم يذكر فيه جرحا و
تعديلا ، و لعل ابن حبان أورده في " الثقات " ! و الظاهر أنه قد اختلف عليه
فرواه زريق هذا عن جعفر بن عون عنه عن عكرمة به . و خالفه سعد أبو غيلان فرواه
عنه عن أبي حريز أو حريز عن عكرمة به ، فزاد في السند أبا حريز أو حريز ، و
يبدو أن حريزا مجهول ، فإن ابن أبي حاتم لم يذكر في ترجمته أكثر من قوله :
" كوفي ، كان أبوه أبا حريز عبد الله بن الحسين قاضي سجستان " . و له ترجمة
طويلة في " اللسان " و أفاد أنه كان من شيوخ الشيعة و أنه كوفي أزدي . و أما
أبوه عبد الله بن الحسين فصدوق يخطىء كما في " التقريب " . و أما سعد أبو غيلان
فأورده ابن أبي حاتم أيضا ( 2 / 1 / 99 ) و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا . و
أما زريق الذي في الوجه الثاني فلم أجد له ترجمة . و أما جعفر بن عون فثقة من
رجال الشيخين . و جملة القول أن إسناد الحديث ضعيف لتفرد عفان بن جبير به ، كما
أشار إلى ذلك الطبراني و هو مجهول ، و للاختلاف عليه في إسناده كما عرفت ، فقول
المنذري في " الترغيب " ( 3 / 135 ) ثم العراقي في " تخريج الإحياء ( 1 / 155 )
: " رواه الطبراني في الكبير و الأوسط ، و إسناد الكبير حسن " . ففيه نظر كبير
، لما عرفت من تسلسل إسناد الكبير بالمجهولين . نعم الشطر الثاني من الحديث حسن
لأن له شاهدا من حديث أبي هريرة ، و لذلك أوردته في " الأحاديث الصحيحة " ( رقم
231 ) .
(2/488)
________________________________________
990 - " من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله و رسوله " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 417 ) :
ضعيف .
أخرجه أبو داود ( 2 / 235 - طبع الحلبي ) و من طريقه البيهقي في
" سننه " ( 6 / 128 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 9 / 236 ) من طريق عبد الله
بن رجاء : أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره و قال أبو نعيم : " غريب من حديث أبي
الزبير ، تفرد به ابن خثيم بهذا اللفظ ، و عبد الله بن رجاء هو المكي ، ليس
بالعراقي البصري " . قلت و هو ثقة من رجال مسلم و أصله من البصرة قال ابن سعد :
" كان ثقة كثير الحديث ، و كان من أهل البصرة ، فانتقل إلى مكة فنزلها إلى أن
مات بها " . و أما العراقي البصري فهو الغداني و ليس مكيا و هو مع كونه ممن
احتج بهم البخاري في " صحيحه " ففيه كلام كثير ، و قد ظن المناوي في " فيض
القدير " أنه هو راوي هذا الحديث فأعله به فقال : " و فيه عبد الله بن رجاء ،
أورده الذهبي في " ذيل الضعفاء " و قال : صدوق ، قال الفلاس : كثير الغلط و
التصحيف " . و هذا هو الغداني كما صرح به الذهبي نفسه في ترجمته ، و ليس هو
صاحب هذا الحديث كما صرح بذلك أبو نعيم فيما نقلته عنه آنفا ، و كذلك أبو داود
حيث قال في روايته : " حدثنا ابن رجاء يعني المكي " . و الغداني ليس مكيا كما
ذكرنا ، فلا أدري كيف خفي هذا على المناوي . و إنما علة الحديث أبو الزبير و
اسمه محمد بن مسلم بن تدرس ، فإنه و إن كان ثقة و من رجال مسلم ، فهو مدلس و قد
عنعنه و قد قال الذهبي في ترجمته من " الميزان " : " و في صحيح مسلم عدة أحاديث
مما لم يوضح فيها ابن الزبير السماع عن جابر و لا من طريق الليث عنه ، ففي
القلب منها شيء " . قلت : فلا يطمئن القلب لصحة هذا الحديث مع هذه العنعنة
، لاسيما و هو ليس في " صحيح مسلم " . ( تنبيه ) عزاه السيوطي في " الجامع
الصغير " لأبي داود و الحاكم ، و لم أجده في " مستدركه " في المواضع التي يظن
وجوده فيها ، فالله أعلم . ثم وجدته فيه بواسطة الفهرس الذي أنا في صدد وضعه له
، يسر الله لي إتمامه ، أخرجه في " التفسير " ( 2 / 285 - 286 ) من طريق ابن
رجاء المكي به . ( فائدة ) : المخابرة هي المزارعة ، و في القاموس : " المزارعة
المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها ، و يكون البذر من مالكها ، و قال : و
المخابرة أن يزرع على النصف و نحوه " . و قد صح النهي عن المخابرة من طرق أخرى
عن جابر رضي الله عنه عند مسلم ( 5 / 18 و 19 ) و غيره ، و لكنه محمول على
الوجه المؤدي إلى الغرر و الجهالة ، لا على كرائها مطلقا حتى بالذهب و الفضة
لثبوت جواز ما لا غرر فيه في أحاديث كثيرة و تفصيل ذلك في المطولات مثل " نيل
الأوطار " و " فتح الباري " و غيرهما .
(2/489)
***********************************
يتبع ان شاء الله ...
أمـــة الله
2008-04-24, 12:53 PM
991 - " من صلى صلاة مكتوبة مع الإمام فليقرأ بفاتحة الكتاب في سكتاته ، و من انتهى
إلى أم القرآن فقد أجزأه " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 418 ) :
ضعيف جدا .
رواه الدارقطني في " سننه " ( ص 120 ) و الحاكم ( 1 / 238 ) و
البيهقي في " جزء القراءة " ( ص 54 ) عن فيض بن إسحاق الرقي : أخبرنا محمد بن
عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : فذكره . قلت : و هذا سند ضعيف جدا ، ابن عمير هذا متروك
كما قال الدارقطني و النسائي ، و قال البخاري : " منكر الحديث " . و قال
البيهقي عقب الحديث : " لا يحتج به " و قال الدارقطني : " ضعيف " . قلت : و
هذا الحديث يخالف المعروف من مذهب أبي هريرة رضي الله عنه ، و ذلك أن مفهومه أن
القراءة في غير سكتات الإمام - أعني حالة جهره - لا تشرع ، و الثابت عن أبي
هريرة مشروعية القراءة إطلاقا ، و هو ما أخرجه مسلم ( 2 / 9 ) و غيره عن أبي
هريرة مرفوعا : " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ( ثلاثا ) غير
تمام " . فقيل لأبي هريرة : إنا نكون وراء الإمام ؟ فقال : اقرأ بها في نفسك ،
فهذا كالنص عنه في أنه أمر المؤتم بالقرأة وراء الإمام و لو كان يجهر ، لكن قد
يقال : أن لا مخالفة ، و ذلك بحمل المطلق على القراءة في سكتات الإمام ، فإنه
ثبت عن أبي هريرة أمره بها كما تقدم تحت الحديث ( 546 ) و ذلك من الأدلة على
خطأ رفع حديث الترجمة . ثم إن ما ذهب إليه أبو هريرة من القراءة في الجهرية
وراء الإمام ، له في الصحابة موافقون و مخالفون ، فمن الأول ما أخرجه البيهقي (
2 / 167 ) و غيره عن يزيد بن شريك أنه سأل عمر عن القراءة خلف الإمام ؟ فقال :
اقرأ بفاتحة الكتاب . قلت : و إن كنت أنت ؟ قال : و إن كنت أنا ، قلت : و إن
جهرت به ؟ قال و إن جهرت ، و سنده صحيح . ثم ذكر البيهقي في الموافقين جماعة من
الصحابة و في ذلك نظر من جهة السند و المعنى لا ضرورة بنا إلى استقصاء القول في
ذلك بعد أن ذكرنا ثبوته عن أبي هريرة و عمر . و أما المخالفون فيأتي ذكر بعضهم
في الحديث الآتي .
(2/490)
-----------------------------------------------------------
992 - " إذا كنت مع الإمام فاقرأ بأم القرآن قبله إذا سكت " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 419 ) :
ضعيف .
رواه البيهقي في " جزء القراءة " ( ص 54 ) من طريق المثنى بن الصباح
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : فذكره . ثم رواه من طريق ابن لهيعة أخبرنا عمرو بن شعيب به نحوه . ثم
رواه الدارقطني ( 121 ) من طريق محمد بن عبد الوهاب : أخبرنا محمد بن عبد الله
بن عبيد بن عمير عن عمرو بن شعيب به . و خالفه فيض بن إسحاق الرقي فرواه عن ابن
عبيد هذا بإسناد آخر نحوه فانظر الحديث المتقدم . ثم قال البيهقي : " و محمد بن
عبد الله بن عبيد بن عمير ، و إن كان غير محتج به ، و كذا من تقدم ممن رواه عن
عمرو بن شعيب ، فلقراءة المأموم فاتحة الكتاب في سكتة الإمام شواهد صحيحة عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده خبرا عن فعلهم ، و عن أبي هريرة و غيره من فتواهم
، و نحن نذكرها إن شاء الله تعالى في ذكر أقاويل الصحابة " . قلت : ابن عمير
هذا متروك شديد الضعف كما مضى قريبا ، فلا يستشهد به و نحوه المثنى بن الصباح ،
فقد ضعفه الجمهور من الأئمة ، و قال النسائي و ابن الجنيد : " متروك الحديث " و
قال النسائي في موضع آخر : " ليس بثقة " . و قال الساجي : " ضعيف الحديث جدا ،
حدث بمناكير يطول ذكرها ، و كان عابدا يهم " . قلت : و أيضا فإنه كان ممن اختلط
في آخر عمره كما قال ابن حبان . و أما ابن لهيعة ، فهو معروف بالضعف ، ، لأنه
خلط بعد احتراق كتبه ، فيحتمل أن يكون هذا من تخاليطه ، و مع الاحتمال يسقط
الاستدلال . و أما الشواهد التي أشار إليها البيهقي فعلى فرض التسليم بصحتها ،
فهي موقوفة ، فلا يصح الاستشهاد بها على صحة المرفوع ، لاسيما و الآثار في هذا
الباب عن الصحابة مختلفة ، فقد روى البيهقي في " سننه " ( 2 / 163 ) بسند صحيح
عن أبي الدرداء أنه قال : " لا أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم " . و روى
هو ( 2 / 160 ) و غيره بسند صحيح أيضا عن جابر قال : " من صلى ركعة لم يقرأ
فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام " . و عن ابن عمر أنه كان يقول : " من
صلى وراء الإمام كفاه قراءة الإمام " . و سنده صحيح أيضا ، و عن ابن مسعود أنه
سئل عن القراءة خلف الإمام ؟ قال : أنصت ، فإن في الصلاة شغلا و يكفيك الإمام .
رواه الطحاوي ( 1 / 129 ) و البيهقي ( 2 / 160 ) و غيرهما بسند صحيح . قلت :
فهذه آثار كثيرة قوية تعارض الآثار المخالفة لها مما أشار إليه البيهقي و ذكرنا
بعضها آنفا ، فإذا استشهد بها لصحة هذا الحديث ، فلمخافة أن يستشهد بهذه الآثار
على ضعفه ، و الحق أنه لا يجوز تقوية الحديث و لا تضعيفه بآثار متعارضة فتأمل
. و الذي نراه أقرب إلى الصواب في هذه المسألة مشروعية القراءة وراء الإمام في
السرية دون الجهرية ، إلا إن وجد سكتات الإمام ، و ليس هناك حديث صريح لم يدخله
التخصيص يوجب القراءة في الجهرية ، و ليس هذا موضع تفصيل القول في ذلك فاكتفينا
بالإشارة .
(2/491)
-----------------------------------------------------------
993 - " من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 420 ) :
باطل .
رواه ابن حبان في " المجروحين " ( 1 / 151 - 152 ) و عنه ابن الجوزي
في " العلل المتناهية " : حدثني إبراهيم بن سعيد القشيري عن أحمد بن علي بن
سلمان المروزي عن ( سعيد بن ) عبد الرحمن المخزومي عن سفيان بن عيينة عن ابن
طاووس عن أبيه عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال ابن
حبان في ترجمة المروزي هذا : " هذا الحديث لا أصل له ، و أحمد بن علي بن سلمان
لا ينبغي أن يشتغل بحديثه " . و نقله الزيلعي في " نصب الراية " ( 2 / 19 ) و
الحافظ في " اللسان " و لم يعلق عليه بشيء و ابن سلمان هذا ترجمه الخطيب أيضا (
4 / 303 ) و قال : " قرأت بخط الدارقطني - و حدثنيه أحمد بن محمد العتيقي عنه -
قال : أحمد بن علي بن سلمان المروزي متروك يضع الحديث " . قلت : و قد روي
موقوفا على زيد بإسناد خير من هذا ، أخرجه البيهقي في " سننه " ( 2 / 163 ) من
طريق الحسين بن حفص عن سفيان عن عمر بن محمد عن موسى بن سعد عن ابن زيد بن ثابت
عن أبيه زيد بن ثابت قال : فذكره موقوفا . قلت : و هذا سند رجاله ثقات غير ابن
زيد بن ثابت ، فلم أعرفه ، و الظاهر أنه سعد والد موسى المذكور في هذا الإسناد
فإنه موسى بن سعد بن زيد بن ثابت ، فإن كان هو ، فهو مجهول لا يعرف في شيء من
كتب الرجال ، و لا ذكر في الرواة عن أبيه ، و قد روى عن أبيه أخواه خارجة و
سلمان كما في " التهذيب " و لم يذكر معهما سعدا هذا . و الله أعلم . و قد أشار
البيهقي إلى تضعيف هذا السند فقال : " و هذا إن صح بهذا اللفظ - و فيه نظر -
فمحمول على الجهر بالقراءة ، و الله تعالى أعلم . و قد خالفه عبد الله بن
الوليد العدني فرواه عن سفيان عن عمر بن محمد عن موسى بن سعد عن زيد لم يذكر
أباه في إسناده . قال البخاري : لا يعرف بهذا الإسناد سماع بعضهم من بعض و لا
يصح مثله " . قلت : و العدني هذا قال الحافظ : صدوق ربما أخطأ ، و لم يحتج به
مسلم ، بخلاف الحسين بن حفص فإنه صدوق احتج به مسلم ، فروايته أرجح ، و فيها
المجهول كما عرفت فلا يصح الحديث لا مرفوعا و لا موقوفا و الموقوف أشبه . نعم
أخرج البيهقي بسند صحيح عن عطاء بن يسار أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع
الإمام فقال : لا أقرأ مع الإمام في شيء ، و قال : " أخرجه مسلم ، و هو محمول
على الجهر بالقراءة مع الإمام ، و الله أعلم " . قلت : هذا حمل بعيد جدا ، و
إنما يحمل على مثله التوفيق بين الأثر و المذهب ! و إلا فكيف يؤول بمثل هذا
التأويل الباطل الذي إنما يقول البعض مثله إذا كان هناك من يرى مشروعية جهر
المؤتم بالقراءة وراء الإمام ، فهل من قائل بذلك حتى يضطر زيد رضي الله عنه إلى
إبطاله ؟ ! اللهم لا ، و لكنه التعصب للمذهب عفانا الله منه ، و إن مما يؤكد
بطلانه أن الإمام الطحاوي رواه ( 1 / 129 ) من الطريق المذكور عن زيد بلفظ
: " لا تقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات " ! و أما عزوه لمسلم ففيه نظر ،
فإني لم أجد عنده ، و الله أعلم .
(2/492)
-----------------------------------------------------------
994 - " من تقول علي ما لم أقل فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا . قيل : يا رسول الله و
هل لها من عينين ؟ قال : ألم تسمع إلى قول الله عز وجل : *( إذا رأتهم من مكان
بعيد سمعوا لها تغيظا و زفيرا )* ، فأمسك القوم أن يسألوه ، فأنكر ذلك من شأنهم
، و قال : ما لكم لا تسألوني ؟ قالوا : يا رسول الله سمعناك تقول من تقول علي
ما لم أقل ... و نحن لا نحفظ الحديث كما سمعناه ، نقدم حرفا و نؤخر حرفا ، و
نزيد حرفا و ننقص حرفا ، قال : ليس ذلك أردت ، إنما قلت : من تقول علي مالم أقل
يريد عيبي و شين الإسلام ، أو شيني و عيب الإسلام " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 421 ) :
موضوع .
أخرجه الخطيب في " الكفاية " ( ص 200 ) بسند صحيح عن علي بن مسلم
الطوسي قال : حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن أصبغ بن زيد عن خالد بن كثير عن
خالد بن دريك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . قلت : و هذا إسناد ضعيف و إن كان رجاله كلهم
ثقات ، فإنه منقطع بين ابن دريك و الرجل ، فإنه لم يدرك أحدا من الصحابة ، و
لذلك أورده ابن حبان في أتباع التابعين . ثم رأيت الحافظ ابن كثير قد ساق
إسناده في " تفسيره " ( 3 / 310 ) من رواية ابن أبي حاتم و ابن جرير من طريقين
آخرين عن محمد بن يزيد الواسطي بسنده المذكور عن خالد بن دريك ( قال : ) بإسناد
عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . فهذا صريح في الانقطاع بين ابن
دريك و الرجل لقوله " بإسناده " و هذا يقتضي أن يكون بينه و بين الرجل راو واحد
على الأقل ، و هو مجهول لم يسم ، فهو علة الحديث . ثم إن في آخره ما يشعر بأن
التقول عليه لا بأس به إذا لم يكن في شين الإسلام و عيب النبي صلى الله عليه
وسلم ، فكأنه من وضع الكرامية الذين كانوا يرون جواز الكذب على النبي صلى الله
عليه وسلم في الترغيب و الترهيب و فضائل الأعمال ، فإذا أنكر ذلك عليهم بقوله
صلى الله عليه وسلم " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " قالوا : نحن
ما كذبنا عليه إنما نكذب له ! . و قد روي الحديث من طريق أخرى لا يصح أيضا ،
رواه أبو نعيم في " المستخرج على صحيح مسلم " ( 1 / 9 / 1 ) عن محمد بن الفضل
بن عطية عن الأحوص بن حكيم عن مكحول عن أبي أمامة مرفوعا به مع تقديم و تأخير و
قال : " هذا حديث لا أصل له فيما أعلم ، و الحمل فيه على محمد بن الفضل بن عطية
لاتفاق أكثر الناس على إسقاط حديثه " . و قال الهيثمي في " المجمع " ( 1 / 148
) بعد أن عزاه للطبراني في " الكبير " : " و فيه الأحوص بن حكيم ضعفه النسائي و
غيره ، و وثقه العجلي و يحيى بن سعيد القطان في رواية ، و رواه عن الأحوص محمد
بن الفضل بن عطية ضعيف " . قلت : بل هو شر من ذلك كما أشار إليه أبو نعيم في
كلمته السابقة ، و قال الحافظ في " التقريب " : " كذبوه " . و قال الذهبي في "
الضعفاء " : " متروك باتفاق " . و الحديث أخرجه ابن منده أيضا في " معرفة
الصحابة " ( 2 / 282 / 2 ) .
(2/493)
-----------------------------------------------------------
995 - " خذوا للرأس ماء جديدا " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 423 ) :
ضعيف جدا .
رواه الطبراني ( 1 / 214 / 2 ) عن دهثم بن قران عن نمران بن
جارية عن أبيه مرفوعا . قلت : و هذا سند ضعيف جدا دهثم قال الحافظ ابن حجر :
" متروك " . و قال الهيثمي في " المجمع " ( 1 / 234 ) : " رواه الطبراني في
" الكبير " و فيه دهثم بن قران ضعفه جماعة ، و ذكره ابن حبان في الثقات " . قلت
: و ذكره ابن حبان في " الضعفاء " أيضا و قال ( 1 / 290 ) : " كان ممن يتفرد
بالمناكير عن المشاهير ، و يروي عن الثقات أشياء لا أصول لها ، قال ابن معين :
لا يكتب حديث " . قلت : و هذا معناه أنه متروك كما قال الحافظ ، و هو قول ابن
الجنيد ، و مثله قول أحمد : " متروك الحديث " . و قال النسائي : " ليس بثقة " .
و نمران بن جارية مجهول لا يعرف كما قال الذهبي و العسقلاني . و نحو هذا الحديث
في المعنى ما أخرجه البيهقي ( 1 / 65 ) من طريق الهيثم بن خارجة : حدثنا عبد
الله بن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث عن حبان بن واسع الأنصاري أن أباه
حدثه أنه سمع عبد الله بن زيد أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ،
فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه ، و قال : " و هذا إسناد صحيح ، و
كذلك روي عن عبد العزيز بن عمران بن مقلاص و حرملة بن يحيى عن ابن وهب ، و رواه
مسلم بن الحجاج في " الصحيح " عن هارون بن معروف و هارون بن سعيد الأيلي و أبي
الطاهر عن ابن وهب بإسناد صحيح أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ -
فذكر وضوءه ، قال - و مسح برأسه بماء غير فضل يديه ، و لم يذكر الأذنين ، و هذا
أصح من الذي قبله " . و تعقبه ابن التركماني فقال : " قلت : ذكر صاحب الإمام
أنه رأى في رواية ابن المقرىء عن حرملة عن ابن وهب بهذا الإسناد و فيه : و مسح
بماء غير فضل يديه لم يذكر الأذنين " . قلت : فقد اختلف في هذا الحديث على ابن
وهب ، فالهيثم بن خارجة و ابن مقلاص و حرملة بن يحيى - و العهدة في ذلك على
البيهقي - رووه عنه باللفظ الأول الذي فيه أخذ الماء الجديد لأذنيه . و خالفهم
ابن معروف و ابن سعيد الأيلي و أبو الطاهر ، فرووه عنه باللفظ الآخر الذي فيه
أخذ الماء لرأسه لم يذكر الأذنين ، و قد صرح البيهقي بأنه أصح كما سبق ، و معنى
ذلك أن اللفظ الأول شاذ ، و قد صرح بشذوذه الحافظ بن حجر في " بلوغ المرام " ،
و لا شك في ذلك عندي لأن أبا الطاهر و سائر الثلاثة قد تابعهم ثلاثة آخرون ، و
هم حجاج بن إبراهيم الأزرق ، و ابن أخي بن وهب - و اسمه أحمد بن عبد الرحمن بن
وهب ، أخرجه عنهما أبو عوانة في " صحيحه " ( 1 / 249 ) ، و سريج بن النعمان عند
أحمد ( 4 / 41 ) و لا ريب أن اتفاق الستة على الرواية أولى بالترجيح من رواية
الثلاثة عند المخالفة ، و يؤيد ذلك أن عبد الله بن لهيعة قد رواه عن حبان بن
واسع مثل رواية الستة ، أخرجه الدارمي ( 1 / 180 ) و أحمد ( 4 / 39 - 42 ) ، و
ابن لهيعة و إن كان ضعيفا ، فإن رواية العبادلة الثلاثة عنه صحيحة ، كما نص على
ذلك غير واحد من الأئمة ، و هذا مما رواه عنه عبد الله بن المبارك عند الإمام
أحمد في رواية ، و هو أحد العبادلة الثلاثة ، فهو شاهد قوي لرواية الجماعة يؤكد
شذوذ رواية الثلاثة و عليه فلا يصلح شاهدا لهذا الحديث الشديد الضعف ، و لا
نعلم في الباب غيره ، على أنها لو كانت محفوظة لم تصلح شاهدا له لأنه أمر ، و
هو بظاهره يفيد الوجوب بخلاف الفعل كما هو ظاهر . إذا عرفت هذا ، فقد اختلف
العلماء في مسح الأذنين هل يؤخذ لهما ماء جديد أم يمسحان ببقية ما مسح به الرأس
؟ فذهب إلى الأول أحمد و الشافعي ، قال الصنعاني ( 1 / 70 ) : " و حديث البيهقي
هذا هو دليل ظاهر " ، و قال في مكان آخر ( 1 / 65 ) : " و الأحاديث قد وردت
بهذا و هذا " . قلت : و فيما قاله نظر ، فإنه ليس في الباب ما يمكن الاعتماد
عليه إلا حديث البيهقي و قد أشار هو إلى شذوذه ، و صرح بذلك الحافظ كما سبق
، فلا يحتج به ، و يؤيد ذلك أن الأحاديث التي ورد فيها مسح الرأس و الأذنين لم
يذكر أحد أنه صلى الله عليه وسلم أخذ ماء جديدا ، و لو أنه فعل ذلك لنقل و
يقويه ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : " الأذنان من الرأس " . قال الصنعاني ( 1
/ 71 ) " و هو و إن كان في أسانيده مقال ، إلا أن كثرة طرقه يشد بعضها بعضا
" . قلت : بل له طريق صحيح و قد سقته و غيره في " الأحاديث الصحيحة " ( رقم 36
) . و خلاصة القول : أنه لا يوجد في السنة ما يوجب أخذ ماء جديد للأذنين
فيمسحهما بماء الرأس ، كما يجوز أن يمسح الرأس بماء يديه الباقي عليهما بعد
غسلهما ، لحديث الربيع بنت معوذ : " أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من
فضل ماء كان في يده " . أخرجه أبو داود و غيره بسند حسن كما بينته في " صحيح
أبي داود " ( 121 ) و هو مم يؤكد ضعف حديث الترجمة ، و بالله تعالى التوفيق .
(2/494)
-----------------------------------------------------------
996 - " كان يحب أن يفطر على ثلاث تمرات ، أو شيء لم تصبه النار " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 424 ) :
ضعيف جدا .
رواه العقيلي في " الضعفاء " ( ص 251 ) و أبو يعلى في " مسنده "
( 163 / 1 ) و اللفظ له و عنه الضياء في " المختارة " ( 49 / 1 ) كلاهما عن أبي
ثابت عبد الواحد بن ثابت عن أنس مرفوعا . قلت : و هذا سند ضعيف جدا عبد
الواحد قال البخاري : " منكر الحديث " . و قال العقيلي : " لا يتابع على هذا
الحديث " . و ذكره الهيثمي في " المجمع " ( 3 / 155 ) و قال : " رواه أبو يعلى
و فيه عبد الواحد بن ثابت و هو ضعيف " . قلت : و قد أخرجه أبو داود و الترمذي و
غيرهما من طريق أخرى عن ثابت عن أنس به أتم منه دون قوله : " أو شيء لم تصبه
النار " . فهي زيادة منكرة لتفرد هذا الضعيف بها مخالفا للثقة ، و هو ثابت هذا
و هو البناني و لفظ حديثه : " كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم تكن
رطبات فعلى تمرات ، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء " . و قال الترمذي : " حديث
حسن غريب " . و قد خرجت هذا في " الإرواء " بتفصيل فراجعه برقم ( 904 ) .
(2/495)
-----------------------------------------------------------
997 - " ولدت في زمن الملك العادل " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 425 ) :
باطل لا أصل له .
قال البيهقي في " شعب الإيمان ( 2 / 97 / 1 ) بعد أن ذكر
كلاما جيدا للحليمي في " شعبه " : " و تكلم في بطلان ما يرويه بعض الجهال عن
نبينا صلى الله عليه وسلم : " ولدت في زمن الملك العادل " . يعني أنوشروان . و
كان شيخنا أبو عبد الله الحافظ ( يعني الحاكم صاحب " المستدرك " ) قد تكلم أيضا
في بطلان هذا الحديث ، ثم رأى بعض الصالحين رسول الله صلى الله عليه وسلم في
المنام ، فحكى له ما قال أبو عبد الله ، فصدقه في تكذيب هذا الحديث و إبطاله ،
و قال : ما قلته قط " .
قلت : و المنامات و إن كان لا يحتج بها ، فذلك لا يمنع من الاستئناس بها فيما
وافق نقد العلماء و تحقيقهم كما لا يخفى على أهل العلم و النهى .
(2/496)
-----------------------------------------------------------
998 - " بكى شعيب النبي صلى الله عليه وسلم من حب الله عز وجل حتى عمي ، فرد الله
إليه بصره ، و أوحى إليه : يا شعيب ما هذا البكاء ؟ !أشوقا إلى الجنة أم خوفا
من النار ؟ قال : إلهي و سيدي أنت تعلم ما أبكي شوقا إلى جنتك و لا خوفا من
النار ، و لكني اعتقدت حبك بقلبي ، فإذا أنا نظرت إليك فما أبالي ما الذي صنع
بي ، فأوحى الله عز وجل إليه : يا شعيب إن يك ذلك حقا فهنيئا لك لقائي يا شعيب
! و لذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 425 ) :
ضعيف جدا .
رواه الخطيب في " تاريخه " ( 6 / 315 ) : أخبرنا أبو سعد - من
حفظه - : حدثنا أبي حدثنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق الرملي : حدثنا أبو
الوليد هشام بن عمار حدثنا إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعيد عن خالد بن معدان
عن شداد بن أوس مرفوعا . أورده في ترجمة أبي سعد هذا و سماه إسماعيل بن علي
بن الحسن بن البندار الواعظ الأستراباذي و قال : " قدم علينا بغداد حاجا و سمعت
منه بها حديث واحدا مسندا منكرا ، و لم يكن موثوقا به في الرواية " . ثم ساق
هذا الحديث . و رواه ابن عساكر ( 2 / 432 / 2 ) من طريق الخطيب ، ثم قال : "
رواه الواحدي عن أبي الفتح محمد بن علي الكوفي عن علي بن الحسن بن بندار كما
رواه ابنه إسماعيل عنه فقد برئ من عهدته ، و الخطيب إنما ذكره لأنه حمل فيه على
إسماعيل " . ثم ساقه ( 8 / 35 / 1 ) بسنده عن الواحدي به . قلت : فانحصرت
التهمة في علي بن الحسن والد إسماعيل هذا قال الذهبي : " اتهمه محمد بن طاهر "
. و قال ابن النجار : " ضعيف " . و قال أبو محمد عبد العزيز بن محمد النخشبي :
" روى عن الجارود الذي كان يروي عن يونس بن عبد الأعلى و طبقته ، فروى علي هذا
عنه عن هشام بن عمار ، فكذب عليه ما لم يكن هو يجترئ أن يقوله ، لا تحل الرواية
عنه إلا على وجه التعجب " .
و محمد بن إسحاق الرملي لا يعرف إلا في هذا السند ، و قد ساق له ابن عساكر في
ترجمته ( 15 / 35 / 1 ) حديثا آخر عن هذا الشيخ ابن عمار ، و لم يذكر فيه جرحا
و لا تعديلا . و مما ينكر في هذا الحديث قوله : " ما أبكي شوقا إلى جنتك ، و لا
خوفا من النار " ! فإنها فلسفة صوفية ، اشتهرت بها رابعة العدوية ، إن صح ذلك
عنها ، فقد ذكروا أنها كانت تقول في مناجاتها : " رب ! ما عبدتك طمعا في جنتك و
لا خوفا من نارك " . و هذا كلام لا يصدر إلا ممن لم يعرف الله تبارك و تعالى حق
معرفته ، و لا شعر بعظمته و جلاله ، و لا بجوده و كرمه ، و إلا لتعبده طمعا
فيما عنده من نعيم مقيم ، و من ذلك رؤيته تبارك و تعالى و خوفا مما أعده للعصاة
و الكفار من الجحيم و العذاب الأليم ، و من ذلك حرمانهم النظر إليه كما قال :
*( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )* ، و لذلك كان الأنبياء عليهم الصلاة و
السلام - و هم العارفون بالله حقا - لا يناجونه بمثل هذه الكلمة الخيالية ، بل
يعبدونه طمعا في جنته - و كيف لا و فيها أعلى ما تسمو إليه النفس المؤمنة ، و
هو النظر إليه سبحانه ، و رهبة من ناره ، و لم لا و ذلك يستلزم حرمانهم من ذلك
، و لهذا قال تعالى بعد ذكر نخبة من الأنبياء : *( إنهم كانوا يسارعون في
الخيرات و يدعوننا رغبا و رهبا و كانوا لنا خاشعين )* ، و لذلك كان نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم أخشى الناس لله ، كما ثبت في غير ما حديث صحيح عنه . هذه
كلمة سريعة حول تلك الجملة العدوية ، التي افتتن بها كثير من الخاصة فضلا عن
العامة ، و هي في الواقع *( كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء )* ، و كنت قرأت
حولها بحثا فياضا ممتعا في " تفسير العلامة ابن باديس " فليراجعه من شاء زيادة
بيان .
(2/497)
999 - " إن القبلة لا تنقض الوضوء ، و لا تفطر الصائم " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 427 ) :
ضعيف .
أخرجه إسحاق بن راهويه في " مسنده " ( 4 / 77 / 2 مصورة الجامعة
الإسلامية ) قال : أخبرنا بقية بن الوليد : حدثني عبد الملك بن محمد عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلها و هو صائم و
قال : فذكر الحديث و قال : " يا حميراء إن في ديننا لسعة " قال إسحاق : " أخشى
أن يكون غلطا " . قلت : و هذا إسناد ضعيف ، و رجاله ثقات غير عبد الملك بن محمد
، أورده الذهبي في " الميزان " لهذا الحديث مختصرا بلفظ الدارقطني الآتي ، و
قال : " و عنه بقية بـ ( عن ) ، قال الدارقطني : ضعيف " . و كذا في " اللسان
" لكن لم يقع فيه : بـ ( عن ) " . و المقصود بهذا الحرف أن بقية روى عنه معنعنا
، و يشير بذلك إلى رواية الدارقطني للحديث في " سننه " ( ص 50 ) قال : و ذكر
ابن أبي داود قال : أخبرنا ابن المصفى : حدثنا بقية عن عبد الملك بن محمد به
مختصرا بلفظ : " ليس في القبلة وضوء " . و قد خفيت على الذهبي رواية إسحاق هذه
التي صرح فيها بقية بالتحديث ، و لعله لذلك لم يذكر الحافظ في " اللسان " قوله
: " بـ ( عن ) " . و الله أعلم . و الحديث أورده الزيلعي في " نصب الراية " ( 1
/ 73 ) من رواية ابن راهويه كما ذكرته ، دون قول إسحاق : " أخشى أن يكون غلطا
" و سكت عليه و لم يكشف عن علته و تبعه على ذلك الحافظ في " الدراية " ( ص 20
) و كان ذلك من دواعي تخريج الحديث هنا و بيان علته و إن كان معنى الحديث صحيحا
كما يأتي في الذي بعده ، ففي هذا الحديث - و مثله كثير - لأكبر دليل على جهل من
يزعم أنه ما من حديث إلا و تكلم عليه المحدثون تصحيحا و تضعيفا ! ثم إن قول
إسحاق : " أخشى أن يكون غلطا " . فالذي يظهر لي - و الله أعلم - أنه يعني أن
الحديث بطرفيه محفوظ من حديث عائشة رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم فعلا
منه ، لا قولا ، فكان يقبل بعض نسائه ثم يصلي و لا يتوضأ ، كما يأتي في الحديث
الذي بعده ، كما كان يقبلها و هو صائم . <1> فأخطأ الراوي ، فجعل ذلك كله من
قوله صلى الله عليه وسلم . و هو منكر غير معروف . و الله أعلم .
-----------------------------------------------------------
[1] أخرجه الشيخان و غيرهما ، و هو مخرج في " الصحيحة ( 219 - 221 ) و
" الإرواء " ( 916 ) . اهـ .
(2/498)
************************************
يتبع ان شاء الله
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir