Ahmed_Negm
2010-11-02, 06:48 PM
http://www.shorouknews.com/images/logo.jpg
يوسف زيدان: (النبطى) تتناول الخرافات التى أحاطت بمجىء عمرو بن العاص وتحكى وقائع احتلال الفرس لمصر
آخر تحديث: الثلاثاء 2 نوفمبر 2010 3:12 م بتوقيت القاهرة
حوار ـ سامح سامى -
يظل يوسف زيدان فى دائرة ضوء محيرة، فالمتتبع لأعماله، خصوصا بعد رواية «عزازيل»، وكتابه «اللاهوت العربى» ومن قبلهما رواية «ظل الأفعى»، يتلهف لما يكتبه زيدان متوقعا أن يستمتع برواية أخرى لا تقل روعة عن لغة وبناء «عزازيل» التى أثارت ضجة واسعة منذ صدورها، وحتى الآن.
ودخل زيدان على إثرها معارك وهمية، ومجانية مع الواقفين ضد حرية الإبداع بحجة الحفاظ على العقيدة المسيحية من عزازيل ــ شياطين ــ زيدان!!.
سبب الحيرة، أن «معمعة» الهجوم والرد تغفلنا عن قيمة العمل الأدبى وجمالياته ومحاولة نقده فنيا، فنستغرق فى قراءته تاريخيا وعقائديا، وكأنه بحث علمى، وليس عملا أدبيا، مما يخدم فى النهاية معدل المبيعات، فيحرم الإشارة والتدليل على جمال العمل وروعته، من عدمه.
لذلك فمتى نتوقف عن إثارة الجدل والهجوم على الأعمال الإبداعية، ونجعل الناس تقرأ وتقرر بنفسها، وعلى من يريد الرد فليرد بكتابٍ آخر، لا بالتجريح والتلميح المسىء، وجر الكتّاب فى بعض الأحيان إلى ساحات المحاكم الجنائية، وفى أحيان أكثر إلى محاكم تفتيش إرهابية.
وبقدر ما نتوقع أن تثير رواية زيدان الجديدة «النبطى» التى تصدر قريبا عن دار الشروق الجدل، كعادة كل الأعمال التى تتناول كل ما هو جديد، مقتحمة العقول الخاملة، متمردة على ما هو سائد، نتوقع التعرف على قطعة حضارية فى منطقتنا تم إغفالها ربما عن عمد، وربما عن إهمال، وهى منطقة «الأنباط» وطن رواية يوسف زيدان.
السؤال الذى كان يشغلنى: من أين أتى زيدان بوقتٍ كافٍ لكتابة عمل إبداعى جديد وسط زحمة الهجوم عليه؟. ويزداد هذا السؤال اشتعالا حينما اطلعت على بروفة رواية «النبطي»، إذ تحتاج إلى ذهن صاف لا يشغله شىء فما بالنا بـ«الخناقات» الوهمية عن وهم هدم المسيحية بسبب رواية «عزازيل»، وهى بالمناسبة كما قال عنها ناشرون غربيون إنها «جوهرة أدبية فريدة». وظنى أن رواية «النبطى» ستحظى بمثل هذه الأقوال.
إذ القارئ لـ«النبطى» يدخل فى دوامة إبداعية تجذبه إلى عمقها، فلا يستطيع أن يقاوم خفايا كلام العرب، وأسرار الأنباط أصحاب الشعر والحضارة. ولا يقدر على مقاومة حكاية ماريا العروس المصرية التى ذهبت إلى أرض الأنباط، بعدما تزوجت من النبطى، عن هذه الأرض، وعادات وتقاليد أهلها: أم البنين وسلومة وسارة، وعميرو، وعن حروب المسلمين، والروم، واليهود، والأساقفة المسيحيين. لكن الرواية أعمق من سرد هذه الحكايات أو تلك، فهى سيرة امرأة مصرية، وحياة عربية، وحضارة نبطية منسية، مغلفة بقراءة تاريخية تم توظيفها فنيا لفترة بالغة الأهمية من تاريخنا المصرى والعربى.
والرواية مقسمة إلى ثلاث حيوات، الأولى «شَهْرُ الأَفْرَاحِ»، والثانية «صَدْمةُ الصَّحْرَاء»، والثالثة «أُمُّ البنين».
«النبطى» بطل الرواية، تقول عنه الحيوة الأولى: «وهـو يأخذُ الكأسَ من يدى المرتجفة، قال بصوتٍ خفيض: شكرًا يا خالة. تمنيتُ لحظتَها بقلبِ حالمةٍ، لو كان هو الذى جاء يخطبى.. لكنه لم يكن، كان أخا خاطبى الأصغرَ منه، المسمَّى عندهم الكاتب؛ لأنه يكتبُ لهم عقودَ التجارات، وهو الملقَّبُ هناك بالنبطى مع أنهم كلَّهُم أنباط، وهو الذى سيعلمنى فى حيوةٍ تالية، خفايا كلام العرب وأسرارَ مَسِّ المعانى بالكلمات».
وقد صدر زيدان روايته: «مكتوبٌ فى الزُّبُـر الأُولى: إن الأُمُورَ التى تُروى مُشافهةً، لا يَحِقُّ لكَ إثباتُها بالكتابةِ»، فضلا عن تنويهٍ يقول: «نهاياتُ هذهِ الرواية، كُتبتْ قبلَ بداياتِها بقرون. وقد قدَّتِ النهاياتُ البدايات».
وفى الصفحات الأولى نقرأ تحت عنوان«الدِّيباجةُ..فى سَنَدِ الرِّواية»ِ:
(الحمْدُ للهِ المنـزَّهِ عَنِ الصَّاحِبَةِ والوَلَد. يَبْتَلى العِبَادَ بالشَّدائِدِ، وَهْوَ الذى يَهبُ الجَلَد. سُبْحَانه. جَعَلَ السَّلَفَ عِبْرَةً للخَلَف، وأَجْرَى الوَقائِعَ بما يُناسِبُ السُّـنَنَ، وبمَا قد يَخْتَلِف. نَحْمَدُهُ حَمْدَ الحالمينَ، الرَّاضينَ بالضَّرَّاءِ والسَّرَّاءِ، السَّاكنينَ حِينَ البَأْسِ، وسَاعَةَ البُؤس. ونُسَلِّمُ كَثيراً ونُصَلِّى، عَلَى نَبِيِّهِ العَدْنَانىِّ الذى نُصِرَ بالرُّعْبِ مَسِيرةَ شَهْرٍ، ودَانَتْ لِدَعْوَتِهِ الأَرْضُ بالهدْى والقَهْر .
أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أخبرنى شيخى الجليلُ الحسنُ الإسكندرانى، عَنْ شَيخِه الأَجَلِّ مُحمَّدٍ اللَّوَاتى، قَالَ: أَخبرنا الإمامُ مسعودٌ المغربى فى مجلسِه، بسَنَدِه، مَرْفُوعًا إِلى الشَّيْخِ طَبَارة البَلَوِى. عن أبى المواهبِ البغدادىِّ المؤَدِّبِ، عَنْ شِهَابِ الدِّينِ الهرَوىِّ الأفغانى المعْروفِ بالشَّيخِ جَرَادَة، عَنْ نور الدِّين الوَزَّانِ السَّائِحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ المعَمِّرِ نَزِيلِ القَاهِرَةِ، عَنْ شِيوُخِهِ وشيخاتِه وبعضِ عَمَّاتِه، عَنْ الخالَةِ الغَابِرَةِ مَارِيَّة. وقيِلَ: بَلْ صَوَابُ اسْمِها مَاوِيَّة).
• فسألت زيدان: بطلة الرواية المصرية التى تحكى الأحداث، تقول رواية «النبطى» فى بداياتها إن اسمها كان «ماريا» ثم صار «ماوية»... فما المقصود من هذا التغيير، وما دلالته؟
ـ هذا التغير فى الاسم يعكس تغيرا كبيرا فى ملامح الشخصية بحسب ما تجرى به أحداث الرواية، وانتقال البطلة من منطقة شرق الدلتا، حيث كانت تعيش فى قرية صغيرة، وهى فى الثامنة عشرة من عمرها إلى مضارب الأنباط شمال الجزيرة العربية. وهناك تغير اسمها من الاسم المصرى النمطى المتكرر كثيرا آنذاك كاسم للمصريات إلى الاسم العربى «ماوية» الذى أطلقته عليها أم زوجها «أم البنين».
• هناك روايات كثيرة عن الأنباط، فمن هم؟
ـ الأنباط جماعات عربية كبيرة كانت تعيش من قبل الإسلام، بل من قبل المسيحية فى المنطقة الشاسعة الممتدة من جنوب العراق، مرورا بالمنطقة المسماة اليوم شمال السعودية، وجنوب الأردن، وفلسطين، وسيناء، وهم الذين بنوا الآثار الهائلة الباقية إلى اليوم منحوتة بالجبال بمنطقة «البتراء»، وما حولها من مناطق مثل «مدائن صالح»، و«وادى رم».
• لكن من أين جاء اسم الأنباط؟
ـ هذا الاسم مشتق على أرجح الأقوال من الصفة المميزة لهذه الجماعة الضخمة العريقة، فهى صفة تميزوا بها عن بقية العرب، حيث استطاعوا استنباط المياه من الصحراء القاحلة. هذا هو الرأى المشهور، ولكن الحقيقة أن الأنباط كانوا مهرة فى هندسة تجميع المياه التى تنزل بشكل نادر مع السيول، فكانوا ينقرون بطون الجبال لتخزين هذه المياه بشكل متقن، يحير المعاصرين من الدارسين وعلماء الآثار لدقته الكبيرة.
وكان رأى القدماء أنهم يستنبطون المياه من تحت الجبال، وظنوا أنها آبار يستخرجون منها المياه من باطن الأرض، فأطلقوا عليهم هذا الاسم من الفعل العربى الفصيح «نبط»، ومن المصدر «أنباط»، وهو الذى يعنى استخراج المياه.
• نعود لرواية «النبطى» حيث تتعرض لفترة حرجة من تاريخ المنطقة، هى العشرون سنة التى سبقت فتح مصر: فلماذا اخترت هذه المرحلة بالذات؟
ـ أهتم اهتماما خاصا بالمناطق المنسية والمهجورة فى تاريخنا، وأحاول من خلال أعمالى الإبداعية، وكتبى البحثية، ومقالاتى أن أوجه الأنظار إلى هذه المناطق سعيا لاستكشاف الحلقات المفقودة فى وعينا المعاصر لتأسيس وعى حقيقى بالماضى والحاضر.
وفى زمن الرواية نرى وقائع كبرى منسية اليوم مثل السنوات العشر التى احتل فيها الفرس مصر، ومثل الحضور العربى القوى فى الشام والعراق قبل ظهور الإسلام، ومثل التركينات الطويلة التى سبقت مجىء عمرو بن العاص لتسلم زمام الأمور فى مصر «وخرافات كثيرة تتعلق بذلك!». لكن الرواية تعرض لذلك كله بحسب سياق الأحداث، وعلى لسان «ماريا» التى صارت اسمها «ماوية»، بعدما تزوجت من هذا التاجر النبطى.
• إذن، النبطى هو زوج البطلة؟
ـ الإشارة إلى أخيه الذى كان من المفترض أنه سيكون نبيا، فى زمن كثرت فيه النبوات بالجزيرة العربية. لكن ظهور الإسلام أحدث تحولا جذريا فى العقلية العربية، واتجه من بعده العرب الذين أسلموا إلى آفاق جديدة لم تكن معروفة قبل الإسلام.
• وما هى الخرافات الكثيرة التى تتعلق بمجىء عمرو بن العاص إلى مصر؟
ـ خرافات تتعلق بصورة شخصيات هذه المرحلة فى أذهاننا، وحقيقة الحقائق التى جرت، فعلى سبيل المثال كان العرب موجودين بمصر قبل فتح مصر بمئات السنين، وكانت لهم تجارة كبيرة فى صعيد مصر، وشرق الدلتا. وكان هذا الحضور العربى الكثيف مرتبطا بنظام التجارة الدولية، وهو نظام تلامس فيه «طريق البخور» مع «طريق الحرير» الذى كان يمتد من مشارق آسيا إلى أطراف الشام.
• بروفة الرواية التى اطلعت عليها تشير إلى ظهور شخصيات حقيقية فى هذا النص الروائى.
ـ فى مشاهد قليلة تظهر ثلاث شخصيات، وهى شخصيات كانت لها ضرورة فنية فى سياق الأحداث، وهم تحديدا حاطب بن أبى بلتعة القرشى، وعمرو بن العاص، وزوجته رائطة «ريطة». لكن بقية شخصيات الرواية هى خيالية، ولكنها فى الوقت ذاته مستقاة من طبيعة الحياة فى هذا الزمان الذى تلامست فيه الثقافات والعقائد المصرية والعربية، المسيحية والإسلامية الوليدة.
• هل تتوقع أن تثير «النبطى» الجدل كما تم مع «عزازيل»؟
ـ أنا لا أتوقع شيئا، أكتب ما أراه مهما ومختلفا. وبالتالى فليست عندى أية توقعات. ولكن أستطيع أن أخبرك بأشياء من واقع ما أراه فى النص، من ذلك أن اللغة فى هذه الرواية أكثر رهافة وشعرية من اللغة التى كتبت بها رواية عزازيل، بل إن بعض المقاطع بالرواية تتحول بحسب الإيقاع السردى إلى نصوص شعرية خالصة. هذا من حيث اللغة، ومن حيث البناء فرواية «النبطى» فيها من «الحكائية» والسرد الأنثوى الرهيف، الشىء الكثير، حتى إنها تعد مغامرة إبداعية أراهن فيها على قدرة المتلقى بدلا من الاعتماد على الأنماط المعتادة فى تاريخ الرواية المعاصر.
• قبل أسبوعين كرمتك الكنيسة الروم الأرثوذكسية، ومنحتك درع القديس مرقس البشير كاروز الديار المصرية (التقليد الكنسى يقول إن القديس مرقس هو الذى أدخل المسيحية إلى مصر).. ما دلالته وسط هذا الزخم من هجوم بعض الأقباط على «عزازيل»؟
ـ تلقيت هذا التكريم بتقدير كبير من البابا ثيوذوروس الثانى (بابا وبطريرك الأرثوذكس بالإسكندرية وسائر أفريقيا) وكنيسته عريقة، خصوصا أننى قبلها بأسبوع واحد كان الفاتيكان يحتفى بزيارتى لروما أثناء مشاركتى فى فاعليات مهرجان أدب الرحلات الذى عقد فى العاصمة الإيطالية فى الفترة من 30 سبتمبر إلى 3 أكتوبر الماضى. زرت خلالها جناح الآثار المصرية الذى افتتح مؤخرا بمتحف الفاتيكان فى روما، وعقدت جلسة مع أمينة قسم الآثار المصرية وآثار الشرق الأدنى القديم بالمتحف وأستاذة الآثار المعروفة «أليسيا أمينتا». ثم فى الأيام التالية لاحظت الترحيب الكبير للترجمة الإيطالية لرواية عزازيل: وهى شواهد تدل على أنه خلاف بينى وبين المسيحية كديانة!، فضلا عن استقبال الأقباط المستنيرين للرواية يدل على أن الضجة المثارة لا ترتبط بالرواية ذاتها بقدر ما ترتبط برغبة البعض فى إحداث ضجة تجعل منهم: «المدافعين» عن العقيدة المسيحية عند رعاياهم.
• وهل ترى أن كتابك «اللاهوت العربى.. أصول العنف الدينى» أخذ حقه من التداول والمناقشة؟
ـ لقد فوجئت بالانتشار الواسع لطبعات هذا الكتاب فى مصر والبلاد العربية، خصوصا بلدان الخليج العربى، حتى إن طبعاته تصدر بانتظام شهريا حتى وصلت إلى الطبعة السادسة أى تجاوز رواية «عزازيل» فى انتشار، مع أن الكتاب، وهو من الموضوعات الدقيقة، وغير المعتادة للقارئ العربى، ولكن ذلك يدل من جهة أخرى على وعى هذا القارئ الذى طالما اتهم بأنه لا يقرأ الأعمال الجيدة أو الجادة!.
وقد لامست أثر الكتاب بشكل مباشر ليس فقط من خلال آلاف النسخ التى تم بيعها أو تحميلها، ولكن أيضا من خلال التفاعل المباشر مع الشباب فى الندوات التى أقيمت الشهور الماضية ومن خلال الصالون الشهرى بساقية عبد المنعم الصاوى.
http://www.shorouknews.com/#######Data.aspx?id=326398
يوسف زيدان: (النبطى) تتناول الخرافات التى أحاطت بمجىء عمرو بن العاص وتحكى وقائع احتلال الفرس لمصر
آخر تحديث: الثلاثاء 2 نوفمبر 2010 3:12 م بتوقيت القاهرة
حوار ـ سامح سامى -
يظل يوسف زيدان فى دائرة ضوء محيرة، فالمتتبع لأعماله، خصوصا بعد رواية «عزازيل»، وكتابه «اللاهوت العربى» ومن قبلهما رواية «ظل الأفعى»، يتلهف لما يكتبه زيدان متوقعا أن يستمتع برواية أخرى لا تقل روعة عن لغة وبناء «عزازيل» التى أثارت ضجة واسعة منذ صدورها، وحتى الآن.
ودخل زيدان على إثرها معارك وهمية، ومجانية مع الواقفين ضد حرية الإبداع بحجة الحفاظ على العقيدة المسيحية من عزازيل ــ شياطين ــ زيدان!!.
سبب الحيرة، أن «معمعة» الهجوم والرد تغفلنا عن قيمة العمل الأدبى وجمالياته ومحاولة نقده فنيا، فنستغرق فى قراءته تاريخيا وعقائديا، وكأنه بحث علمى، وليس عملا أدبيا، مما يخدم فى النهاية معدل المبيعات، فيحرم الإشارة والتدليل على جمال العمل وروعته، من عدمه.
لذلك فمتى نتوقف عن إثارة الجدل والهجوم على الأعمال الإبداعية، ونجعل الناس تقرأ وتقرر بنفسها، وعلى من يريد الرد فليرد بكتابٍ آخر، لا بالتجريح والتلميح المسىء، وجر الكتّاب فى بعض الأحيان إلى ساحات المحاكم الجنائية، وفى أحيان أكثر إلى محاكم تفتيش إرهابية.
وبقدر ما نتوقع أن تثير رواية زيدان الجديدة «النبطى» التى تصدر قريبا عن دار الشروق الجدل، كعادة كل الأعمال التى تتناول كل ما هو جديد، مقتحمة العقول الخاملة، متمردة على ما هو سائد، نتوقع التعرف على قطعة حضارية فى منطقتنا تم إغفالها ربما عن عمد، وربما عن إهمال، وهى منطقة «الأنباط» وطن رواية يوسف زيدان.
السؤال الذى كان يشغلنى: من أين أتى زيدان بوقتٍ كافٍ لكتابة عمل إبداعى جديد وسط زحمة الهجوم عليه؟. ويزداد هذا السؤال اشتعالا حينما اطلعت على بروفة رواية «النبطي»، إذ تحتاج إلى ذهن صاف لا يشغله شىء فما بالنا بـ«الخناقات» الوهمية عن وهم هدم المسيحية بسبب رواية «عزازيل»، وهى بالمناسبة كما قال عنها ناشرون غربيون إنها «جوهرة أدبية فريدة». وظنى أن رواية «النبطى» ستحظى بمثل هذه الأقوال.
إذ القارئ لـ«النبطى» يدخل فى دوامة إبداعية تجذبه إلى عمقها، فلا يستطيع أن يقاوم خفايا كلام العرب، وأسرار الأنباط أصحاب الشعر والحضارة. ولا يقدر على مقاومة حكاية ماريا العروس المصرية التى ذهبت إلى أرض الأنباط، بعدما تزوجت من النبطى، عن هذه الأرض، وعادات وتقاليد أهلها: أم البنين وسلومة وسارة، وعميرو، وعن حروب المسلمين، والروم، واليهود، والأساقفة المسيحيين. لكن الرواية أعمق من سرد هذه الحكايات أو تلك، فهى سيرة امرأة مصرية، وحياة عربية، وحضارة نبطية منسية، مغلفة بقراءة تاريخية تم توظيفها فنيا لفترة بالغة الأهمية من تاريخنا المصرى والعربى.
والرواية مقسمة إلى ثلاث حيوات، الأولى «شَهْرُ الأَفْرَاحِ»، والثانية «صَدْمةُ الصَّحْرَاء»، والثالثة «أُمُّ البنين».
«النبطى» بطل الرواية، تقول عنه الحيوة الأولى: «وهـو يأخذُ الكأسَ من يدى المرتجفة، قال بصوتٍ خفيض: شكرًا يا خالة. تمنيتُ لحظتَها بقلبِ حالمةٍ، لو كان هو الذى جاء يخطبى.. لكنه لم يكن، كان أخا خاطبى الأصغرَ منه، المسمَّى عندهم الكاتب؛ لأنه يكتبُ لهم عقودَ التجارات، وهو الملقَّبُ هناك بالنبطى مع أنهم كلَّهُم أنباط، وهو الذى سيعلمنى فى حيوةٍ تالية، خفايا كلام العرب وأسرارَ مَسِّ المعانى بالكلمات».
وقد صدر زيدان روايته: «مكتوبٌ فى الزُّبُـر الأُولى: إن الأُمُورَ التى تُروى مُشافهةً، لا يَحِقُّ لكَ إثباتُها بالكتابةِ»، فضلا عن تنويهٍ يقول: «نهاياتُ هذهِ الرواية، كُتبتْ قبلَ بداياتِها بقرون. وقد قدَّتِ النهاياتُ البدايات».
وفى الصفحات الأولى نقرأ تحت عنوان«الدِّيباجةُ..فى سَنَدِ الرِّواية»ِ:
(الحمْدُ للهِ المنـزَّهِ عَنِ الصَّاحِبَةِ والوَلَد. يَبْتَلى العِبَادَ بالشَّدائِدِ، وَهْوَ الذى يَهبُ الجَلَد. سُبْحَانه. جَعَلَ السَّلَفَ عِبْرَةً للخَلَف، وأَجْرَى الوَقائِعَ بما يُناسِبُ السُّـنَنَ، وبمَا قد يَخْتَلِف. نَحْمَدُهُ حَمْدَ الحالمينَ، الرَّاضينَ بالضَّرَّاءِ والسَّرَّاءِ، السَّاكنينَ حِينَ البَأْسِ، وسَاعَةَ البُؤس. ونُسَلِّمُ كَثيراً ونُصَلِّى، عَلَى نَبِيِّهِ العَدْنَانىِّ الذى نُصِرَ بالرُّعْبِ مَسِيرةَ شَهْرٍ، ودَانَتْ لِدَعْوَتِهِ الأَرْضُ بالهدْى والقَهْر .
أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أخبرنى شيخى الجليلُ الحسنُ الإسكندرانى، عَنْ شَيخِه الأَجَلِّ مُحمَّدٍ اللَّوَاتى، قَالَ: أَخبرنا الإمامُ مسعودٌ المغربى فى مجلسِه، بسَنَدِه، مَرْفُوعًا إِلى الشَّيْخِ طَبَارة البَلَوِى. عن أبى المواهبِ البغدادىِّ المؤَدِّبِ، عَنْ شِهَابِ الدِّينِ الهرَوىِّ الأفغانى المعْروفِ بالشَّيخِ جَرَادَة، عَنْ نور الدِّين الوَزَّانِ السَّائِحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ المعَمِّرِ نَزِيلِ القَاهِرَةِ، عَنْ شِيوُخِهِ وشيخاتِه وبعضِ عَمَّاتِه، عَنْ الخالَةِ الغَابِرَةِ مَارِيَّة. وقيِلَ: بَلْ صَوَابُ اسْمِها مَاوِيَّة).
• فسألت زيدان: بطلة الرواية المصرية التى تحكى الأحداث، تقول رواية «النبطى» فى بداياتها إن اسمها كان «ماريا» ثم صار «ماوية»... فما المقصود من هذا التغيير، وما دلالته؟
ـ هذا التغير فى الاسم يعكس تغيرا كبيرا فى ملامح الشخصية بحسب ما تجرى به أحداث الرواية، وانتقال البطلة من منطقة شرق الدلتا، حيث كانت تعيش فى قرية صغيرة، وهى فى الثامنة عشرة من عمرها إلى مضارب الأنباط شمال الجزيرة العربية. وهناك تغير اسمها من الاسم المصرى النمطى المتكرر كثيرا آنذاك كاسم للمصريات إلى الاسم العربى «ماوية» الذى أطلقته عليها أم زوجها «أم البنين».
• هناك روايات كثيرة عن الأنباط، فمن هم؟
ـ الأنباط جماعات عربية كبيرة كانت تعيش من قبل الإسلام، بل من قبل المسيحية فى المنطقة الشاسعة الممتدة من جنوب العراق، مرورا بالمنطقة المسماة اليوم شمال السعودية، وجنوب الأردن، وفلسطين، وسيناء، وهم الذين بنوا الآثار الهائلة الباقية إلى اليوم منحوتة بالجبال بمنطقة «البتراء»، وما حولها من مناطق مثل «مدائن صالح»، و«وادى رم».
• لكن من أين جاء اسم الأنباط؟
ـ هذا الاسم مشتق على أرجح الأقوال من الصفة المميزة لهذه الجماعة الضخمة العريقة، فهى صفة تميزوا بها عن بقية العرب، حيث استطاعوا استنباط المياه من الصحراء القاحلة. هذا هو الرأى المشهور، ولكن الحقيقة أن الأنباط كانوا مهرة فى هندسة تجميع المياه التى تنزل بشكل نادر مع السيول، فكانوا ينقرون بطون الجبال لتخزين هذه المياه بشكل متقن، يحير المعاصرين من الدارسين وعلماء الآثار لدقته الكبيرة.
وكان رأى القدماء أنهم يستنبطون المياه من تحت الجبال، وظنوا أنها آبار يستخرجون منها المياه من باطن الأرض، فأطلقوا عليهم هذا الاسم من الفعل العربى الفصيح «نبط»، ومن المصدر «أنباط»، وهو الذى يعنى استخراج المياه.
• نعود لرواية «النبطى» حيث تتعرض لفترة حرجة من تاريخ المنطقة، هى العشرون سنة التى سبقت فتح مصر: فلماذا اخترت هذه المرحلة بالذات؟
ـ أهتم اهتماما خاصا بالمناطق المنسية والمهجورة فى تاريخنا، وأحاول من خلال أعمالى الإبداعية، وكتبى البحثية، ومقالاتى أن أوجه الأنظار إلى هذه المناطق سعيا لاستكشاف الحلقات المفقودة فى وعينا المعاصر لتأسيس وعى حقيقى بالماضى والحاضر.
وفى زمن الرواية نرى وقائع كبرى منسية اليوم مثل السنوات العشر التى احتل فيها الفرس مصر، ومثل الحضور العربى القوى فى الشام والعراق قبل ظهور الإسلام، ومثل التركينات الطويلة التى سبقت مجىء عمرو بن العاص لتسلم زمام الأمور فى مصر «وخرافات كثيرة تتعلق بذلك!». لكن الرواية تعرض لذلك كله بحسب سياق الأحداث، وعلى لسان «ماريا» التى صارت اسمها «ماوية»، بعدما تزوجت من هذا التاجر النبطى.
• إذن، النبطى هو زوج البطلة؟
ـ الإشارة إلى أخيه الذى كان من المفترض أنه سيكون نبيا، فى زمن كثرت فيه النبوات بالجزيرة العربية. لكن ظهور الإسلام أحدث تحولا جذريا فى العقلية العربية، واتجه من بعده العرب الذين أسلموا إلى آفاق جديدة لم تكن معروفة قبل الإسلام.
• وما هى الخرافات الكثيرة التى تتعلق بمجىء عمرو بن العاص إلى مصر؟
ـ خرافات تتعلق بصورة شخصيات هذه المرحلة فى أذهاننا، وحقيقة الحقائق التى جرت، فعلى سبيل المثال كان العرب موجودين بمصر قبل فتح مصر بمئات السنين، وكانت لهم تجارة كبيرة فى صعيد مصر، وشرق الدلتا. وكان هذا الحضور العربى الكثيف مرتبطا بنظام التجارة الدولية، وهو نظام تلامس فيه «طريق البخور» مع «طريق الحرير» الذى كان يمتد من مشارق آسيا إلى أطراف الشام.
• بروفة الرواية التى اطلعت عليها تشير إلى ظهور شخصيات حقيقية فى هذا النص الروائى.
ـ فى مشاهد قليلة تظهر ثلاث شخصيات، وهى شخصيات كانت لها ضرورة فنية فى سياق الأحداث، وهم تحديدا حاطب بن أبى بلتعة القرشى، وعمرو بن العاص، وزوجته رائطة «ريطة». لكن بقية شخصيات الرواية هى خيالية، ولكنها فى الوقت ذاته مستقاة من طبيعة الحياة فى هذا الزمان الذى تلامست فيه الثقافات والعقائد المصرية والعربية، المسيحية والإسلامية الوليدة.
• هل تتوقع أن تثير «النبطى» الجدل كما تم مع «عزازيل»؟
ـ أنا لا أتوقع شيئا، أكتب ما أراه مهما ومختلفا. وبالتالى فليست عندى أية توقعات. ولكن أستطيع أن أخبرك بأشياء من واقع ما أراه فى النص، من ذلك أن اللغة فى هذه الرواية أكثر رهافة وشعرية من اللغة التى كتبت بها رواية عزازيل، بل إن بعض المقاطع بالرواية تتحول بحسب الإيقاع السردى إلى نصوص شعرية خالصة. هذا من حيث اللغة، ومن حيث البناء فرواية «النبطى» فيها من «الحكائية» والسرد الأنثوى الرهيف، الشىء الكثير، حتى إنها تعد مغامرة إبداعية أراهن فيها على قدرة المتلقى بدلا من الاعتماد على الأنماط المعتادة فى تاريخ الرواية المعاصر.
• قبل أسبوعين كرمتك الكنيسة الروم الأرثوذكسية، ومنحتك درع القديس مرقس البشير كاروز الديار المصرية (التقليد الكنسى يقول إن القديس مرقس هو الذى أدخل المسيحية إلى مصر).. ما دلالته وسط هذا الزخم من هجوم بعض الأقباط على «عزازيل»؟
ـ تلقيت هذا التكريم بتقدير كبير من البابا ثيوذوروس الثانى (بابا وبطريرك الأرثوذكس بالإسكندرية وسائر أفريقيا) وكنيسته عريقة، خصوصا أننى قبلها بأسبوع واحد كان الفاتيكان يحتفى بزيارتى لروما أثناء مشاركتى فى فاعليات مهرجان أدب الرحلات الذى عقد فى العاصمة الإيطالية فى الفترة من 30 سبتمبر إلى 3 أكتوبر الماضى. زرت خلالها جناح الآثار المصرية الذى افتتح مؤخرا بمتحف الفاتيكان فى روما، وعقدت جلسة مع أمينة قسم الآثار المصرية وآثار الشرق الأدنى القديم بالمتحف وأستاذة الآثار المعروفة «أليسيا أمينتا». ثم فى الأيام التالية لاحظت الترحيب الكبير للترجمة الإيطالية لرواية عزازيل: وهى شواهد تدل على أنه خلاف بينى وبين المسيحية كديانة!، فضلا عن استقبال الأقباط المستنيرين للرواية يدل على أن الضجة المثارة لا ترتبط بالرواية ذاتها بقدر ما ترتبط برغبة البعض فى إحداث ضجة تجعل منهم: «المدافعين» عن العقيدة المسيحية عند رعاياهم.
• وهل ترى أن كتابك «اللاهوت العربى.. أصول العنف الدينى» أخذ حقه من التداول والمناقشة؟
ـ لقد فوجئت بالانتشار الواسع لطبعات هذا الكتاب فى مصر والبلاد العربية، خصوصا بلدان الخليج العربى، حتى إن طبعاته تصدر بانتظام شهريا حتى وصلت إلى الطبعة السادسة أى تجاوز رواية «عزازيل» فى انتشار، مع أن الكتاب، وهو من الموضوعات الدقيقة، وغير المعتادة للقارئ العربى، ولكن ذلك يدل من جهة أخرى على وعى هذا القارئ الذى طالما اتهم بأنه لا يقرأ الأعمال الجيدة أو الجادة!.
وقد لامست أثر الكتاب بشكل مباشر ليس فقط من خلال آلاف النسخ التى تم بيعها أو تحميلها، ولكن أيضا من خلال التفاعل المباشر مع الشباب فى الندوات التى أقيمت الشهور الماضية ومن خلال الصالون الشهرى بساقية عبد المنعم الصاوى.
http://www.shorouknews.com/#######Data.aspx?id=326398