الرافعي
2010-12-16, 06:07 PM
عقد الرافعي - رحمه الله - فصولاً شتى في كتابه الماتع : ( إعجاز القرآن ، والبلاغة النبوية ) ، أتى فيها على الاستيفاء من الكلام في بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم ..
وفي فصل عقده بعنوان : ( نسق البلاغة النبوية ) قال رحمه الله : [ وضربٌ آخر من الأوضاع التركيبية في بلاغة النبي - صلى الله عليه وسلم - غيرَ ما مرت مُثلُهُ من ذلك النحو الذي يكون مُجتمعاً بنفسه منفرداً في الكلم القليلة ، وهذا الضرب يتفق في بعض الكلام المبسوط ، فتقوم اللمحَة منه في دلالتها بأوسع ما تأتي به الإطالةُ ، وتكفي من مرادفة المعاني وتوكيدها ومقابلتها بعضها ببعض ، فيكون السكوت عليها كلاماً طويلاً ، والوقوف عندها شأواً بعيداً وهو القليل في
كلام البلغاء إلى حد النذرة التي لا يُبنى عليها حكم ، ولكنه كثير رائع في البلاغة النبوية ، لما عرفْتَ من أسباب قلة كلامه - صلى الله عليه وسلم - ، فإن هذه القلة إن لم تنطو على مثل هذا الضرب الغريب ، لا تفي بالكثرة من غيره ، ولا تُعَد في باب التمكين والاستطاعة ، ولا يكون فضلها في الكلام فضلاً ، ولا يعرفُ أمرها في البلاغة أمراً .
فمن ذلك حديث الحدَيبية ، حين جاءه بُدَيل بن ورقاء يتهدده ويحذره فقال له ، إني تركت كعبَ بن لؤَي بن عامر بن لؤي ، معهم العوذ المطافيل وهمُ مُقاتلوكَ وصادوك عن البيت .
فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"إن قريشاً قد نهكتْهم الحرب فإن شاءوا ماددناهم مُدة ويدَعوا ما بيني وبين الناس فإن أظهر عليهم وأحبوا أن يدخلوا فيما دخلَ فيه الناس . . وإلا كانوا قد جفوا ، وإن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفَتي هذه ، وليُتفِذَن الله أمره" .
فتأمل قوله عليه الصلاة والسلام : "حتى تنفرد سالفتي هذه" وكيف تصور معنى الانفراد الذي لا يستوحش منه لأن الثقة فيه بالله ، والقلة التي لا يخاف منها لأن الكثرة فيها من الله ، والاستماتة
التي لا تردد معها لأن الأمر فيها إلى الله ، وانظر كيف يصف العزيمة الحذاء ، وكيف تقرع بالوعيد والتهديد ، وكيف تغني في جواب القوم ما لا تغنيه الرسائل الطوال ، حتى لتقطع الشهادة عليها قطعاً بما في نية صاحب الجواب من عزم أمره ووثاقة عقده ، فكأنها صورة واضحة لما استقر في نفسه من كل ما عسى أن يَرجعه جواباً ، وما عسى أن يتهيأ له في باب الحزم ، وإنَّها لكلمة بمعركة!
ومن هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم - :
"من هم بحسنةٍ ولم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عمِلها كتبت لهعشراً ، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة ، ولا يهلك على الله إلا هالك "
فتأمل هذا التذييل العجيب ، فإنك لا تقضي منه عجباً ، ولَن يعجز إنسان أن يهم بالخير ، يفعله أو لا يفعله ، وأن ينزع إلى الشر فيمسك عنه ، فإن عجز حتى عن هذا فما فيه آدمية ، ورحمة الله تنال الإنسان بأسباب من خيره ، ومن شره إذا كان فيه الضمير الإنساني ، وهذا في الغاية كما ترى ] اهـ .
وفي فصل عقده بعنوان : ( نسق البلاغة النبوية ) قال رحمه الله : [ وضربٌ آخر من الأوضاع التركيبية في بلاغة النبي - صلى الله عليه وسلم - غيرَ ما مرت مُثلُهُ من ذلك النحو الذي يكون مُجتمعاً بنفسه منفرداً في الكلم القليلة ، وهذا الضرب يتفق في بعض الكلام المبسوط ، فتقوم اللمحَة منه في دلالتها بأوسع ما تأتي به الإطالةُ ، وتكفي من مرادفة المعاني وتوكيدها ومقابلتها بعضها ببعض ، فيكون السكوت عليها كلاماً طويلاً ، والوقوف عندها شأواً بعيداً وهو القليل في
كلام البلغاء إلى حد النذرة التي لا يُبنى عليها حكم ، ولكنه كثير رائع في البلاغة النبوية ، لما عرفْتَ من أسباب قلة كلامه - صلى الله عليه وسلم - ، فإن هذه القلة إن لم تنطو على مثل هذا الضرب الغريب ، لا تفي بالكثرة من غيره ، ولا تُعَد في باب التمكين والاستطاعة ، ولا يكون فضلها في الكلام فضلاً ، ولا يعرفُ أمرها في البلاغة أمراً .
فمن ذلك حديث الحدَيبية ، حين جاءه بُدَيل بن ورقاء يتهدده ويحذره فقال له ، إني تركت كعبَ بن لؤَي بن عامر بن لؤي ، معهم العوذ المطافيل وهمُ مُقاتلوكَ وصادوك عن البيت .
فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"إن قريشاً قد نهكتْهم الحرب فإن شاءوا ماددناهم مُدة ويدَعوا ما بيني وبين الناس فإن أظهر عليهم وأحبوا أن يدخلوا فيما دخلَ فيه الناس . . وإلا كانوا قد جفوا ، وإن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفَتي هذه ، وليُتفِذَن الله أمره" .
فتأمل قوله عليه الصلاة والسلام : "حتى تنفرد سالفتي هذه" وكيف تصور معنى الانفراد الذي لا يستوحش منه لأن الثقة فيه بالله ، والقلة التي لا يخاف منها لأن الكثرة فيها من الله ، والاستماتة
التي لا تردد معها لأن الأمر فيها إلى الله ، وانظر كيف يصف العزيمة الحذاء ، وكيف تقرع بالوعيد والتهديد ، وكيف تغني في جواب القوم ما لا تغنيه الرسائل الطوال ، حتى لتقطع الشهادة عليها قطعاً بما في نية صاحب الجواب من عزم أمره ووثاقة عقده ، فكأنها صورة واضحة لما استقر في نفسه من كل ما عسى أن يَرجعه جواباً ، وما عسى أن يتهيأ له في باب الحزم ، وإنَّها لكلمة بمعركة!
ومن هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم - :
"من هم بحسنةٍ ولم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عمِلها كتبت لهعشراً ، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة ، ولا يهلك على الله إلا هالك "
فتأمل هذا التذييل العجيب ، فإنك لا تقضي منه عجباً ، ولَن يعجز إنسان أن يهم بالخير ، يفعله أو لا يفعله ، وأن ينزع إلى الشر فيمسك عنه ، فإن عجز حتى عن هذا فما فيه آدمية ، ورحمة الله تنال الإنسان بأسباب من خيره ، ومن شره إذا كان فيه الضمير الإنساني ، وهذا في الغاية كما ترى ] اهـ .