الهزبر
2008-03-10, 03:14 PM
أيها الشباب ماذا أنتم فاعلون؟!
بقلم محمد عادل فارس
أيها الشباب: أنتم أمل الأمة بعد الله، وذخرها المرصود. فيكم القوة المتوثبة، والحيوية المتجددة المتفتحة. إن لم تكونوا أنتم عدة المستقبل، وقلعة الإسلام، وحصنه الحصين، وحاملي مشعله، فمن يكون؟
لن أكتم هذه الصيحة، بل سأطلقها عالية مدوية في أسماعكم، تردد الوديان والجبال صداها، فتنبه الغافل، وتوقظ النائم، وتضع النقاط على الحروف. تطوق أعناقكم بطوق الأمانة العظيمة. وإنني أرى أنكم لها أهل، بما آتاكم الله من مزايا وقدرات.
ليست هذه الصيحة لعَرَض زائل، ولا لغرض عاجل، ولا دنيا فانية، إنما هي صيحة إيمانية سماوية، تدعوكم إلى العمل للدين الخاتم، واقتحام الميدان، مؤثرين الباقي على الفاني، فماذا أنتم فاعلون؟
أيها الإخوة الشباب:
كلما زاد طوفان الفساد الأرعن اندفاعاً، وعظمت قوته، عظمت المسؤولية وتأكد الواجب. وإن الرجال الشجعان ينفضون في مثل هذه الحال عن أنفسهم غبار الكسل، ويشمرون عن ساعد الجد، ويعلنون أن وقت التثاؤب والتمطي قد ولى، وأنه قد آن أوان العمل الدؤوب، والمرابطة المبصرة على الثغور، وما أكثر الثغور التي تحتاج إلى حراسة وحماية!. وان كلاً منكم على ثغرة من ثغور الإسلام، فاللهَ اللهَ أن يؤتى الإسلامُ من قِبَله.
إن الميدان رحب فسيح، والساحة واسعة ممتدة، والجوانب التي تتطلب العمل وفيرة. ومهما تصدى للعمل أناس، فإن الساحة تستوعبهم قائلة: هل من مزيد؟!
أيها الإخوة الشباب:
يكاد يكون العمل للإسلام اليوم فرض عين على كل واحد منكم على قدر استطاعته، وذلك لكثرة موارد الفساد، وتعدد سبله واتساعها. وفي مثل هذا الجو، إن لم ينشط أهل الحق ويتحركوا بأقصى قوتهم، ضاع الحق وأهله معه، وعم الفسادُ وطمّ. وإن انعزالكم وانزواءكم يُطمع أهل الشر، ويشجع دعاة الفتنة إذ يرون الساحة خالية، والطريق ميسرة لا عقبات فيها.
ولا يحقرن أحدكم نفسه بأن يقول: إنني ضعيف، وإن معلوماتي ومعارفي محدودة! فلكل واحد منكم دوره مهما كان شأنه. ومن لم يحسن شيئاً أحسن غيره، فليعمل فيما يحسنه ويجيده. والله تعالى يقيض للأمور الأخرى غيره.
ثم أيحُسن أن يقول أحدكم: إن معلوماتي محدودة، ثم يرضى بهذا ويسكت عليه، ولقد علم كل واحد أن نقص المعلومات ليس ضربة لازب، وليس زيادةُ العلم وتنميته من المستحيلات. فلتقل يا أخي: اللهم زدني علماً، ولتندفع في طريق العلم. كيف لا، وطلب العلم فريضة، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين؟! وها هي ذي الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاءً بما يصنع. فليعمل من كان قليل المعرفة على تنميتها، وليكن آخذاً ومعطياً في آن معاً. فما أجمل الأخذ والعطاء، وما أروعهما في مثل هذا!
ويا أيها الإخوة أنتم الأقدر قوةَ جسم، وفراغ وقت. فاغتنموا القوة قبل الضعف، والفراغ قبل الشغل، والصحة قبل السقم. وادّخروا لأنفسكم رصيداً عظيماً عند من يضاعف الحسنة، ولا يجزي السيئة إلا بمثلها.
ولست أعني أنكم في غنى عن حكمة الشيوخ، بل لكم دوركم ولهم دورهم، ولئن كنا لا نستغني عن قوة الشباب، فهيهات أن نستغني عن حكمة الشيوخ وخبرتهم!.
تذكروا أيها الإخوة الشباب أن كثيراً من أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا شباباً، هم رهبان في الليل فرسان في النهار. وللشباب من الصحب الكرام قصص رائعة، وأمثولات مدهشة في التضحية والإقدام والبذل والعطاء.
أيها الإخوة اسمحوا لي أن أحدثكم عن شيء من الماضي القريب الذي عشناه. عندما كنا في مرحلة من العمر كالتي أنتم فيها الآن. وها هو ذلك الماضي أصبح اليوم ذكريات عذبة في نفوسنا، غير أننا نرجو أن يكون هذا الماضي مقبولاً ومثمراً عند الله، نجده في صحائف أعمالنا، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
في أيام الفتوة والشباب، وذلك في المرحلة الثانوية والجامعية، كنا حَمَلَةَ فكرةٍ وأصحاب مبدأ، نشعر بالعزة والتفوق على أصحاب النظريات الأخرى كلها، ونحس ونعلم أننا أبناء دين عظيم خالد، ومبادئ سامية. والإنسان يا إخوتي، بلا مبدأ، أشبه بالحيوان منه بالإنسان. ولقد أدرك الشاعر الجاهلي ذلك فقال:
لحى الله صعلوكاً مُناه وهَمُّهُ ** من العيش أن يلقى لََبوساً ومطعما
ولا خير فيمن يعيش عيش البهائم، ليس له هَمٌ في الدنيا إلا المطالب الجسدية والنزوات الحيوانية!
نعم كنا أصحاب مبدأ وحملة فكرة، وكان الإيمان مزيناً في قلوبنا فلا نستحيي من إظهاره، بل نباهي به. وإن تزيين الإيمان في نفس المؤمن، وتحبيبه إليه، دافع عظيم إلى العمل، ومن لم يكن كذلك فليراجع حساباته، وليتفقد قلبه، ليعرف موقفه ومدى صحة إيمانه (ولكنّ الله حبَّب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم).
وبسبب المبدأ والإيمان المحبوب المزين، كنا نعمل بدأب دون كلل أو ملل، ولم نكن سلبيين أو انهزاميين، كما هي حال بعض الشباب اليوم، نصاحب الآخرين ممن لم تنقدح شرارة الإيمان في قلوبهم، ولم يسطع نوره في جوانحهم، نزورهم ونحاورهم، وإن هربوا منا تبعناهم، ويكون التفوق والكسب بفضل الله لنا دائماً. نشعر أن من واجبنا إنقاذ الآخرين والأخذ بيد الحائرين، ولا نزال نحوم حول من نسعى لإنقاذه، حتى يتم لنا ما أردناه، بتوفيق الله تعالى.
أما المسلم الذي يستحيي أن يعرف الآخرون أنه مسلم ملتزم، وربما يُعْجَب ببعض ما عليه شباب اليوم المنفلت، فليتدارك نفسه فهو في خطر عظيم.
ليس لأحدنا عذر في التقصير والتقاعس، وكل الأعذار في جنب دين الله تعالى باطلة مردودة.
ما الذي يُقعدك ويبعدك عن العمل للإسلام، وعلى ماذا تحرص، وما الذي تخشى فوته إن عملت لدينك؟
أتخشى على الحياة؟ سبحان الله! أليست هي بيد الله عز وجل، حتى لو أن أهل الأرض اجتمعوا ليزيدوها لحظة واحدة لعجزوا!
أتحرص على الرزق، ويأتي الشيطان فيوهمك أن العمل للإسلام ينقصه؟ فأين أنت من قوله تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون). (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها). وقوله صلى الله عليه وسلم :(إن روح القدس نفث في رُوعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب).
أم لعلك تخاف الموت وتريد دفعه؟ فهل رأيت إنساناً أنجاه الحذر والخوف، ودفع عنه الموت؟ قال تعالى: (فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
أيها الأخ الحبيب، إن الخوف والابتعاد لا يؤخر أجلاً، فضلاً عن أن يدفعه، وإن الإقدام لا يعجله ولا يقدمه. وكم من حريص خائف مات قبل شجاع مقدام! وكم من عليل صح، وصحيح مات من غير مقدمات ولا إنذار، ولا خوضٍ في ميادين الوغى وساحات النزال! فخذ بما شرعه الله من أسباب، واعمل بما يرضي ربك، وتوكل على من يملك الأسباب والنتائج، وضع نصب عينيك قوله تعالى:) الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم. هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء؟). لقد جمعت هذه الآية الكريمة أعظم ما يحرص عليه الناس من أجل ورزق، ثم أعلنت أن ذلك بيد الله تعالى، وأن الخلق جميعاً لا يملكون من هذا شيئاً، فعلام الخوف إذن؟
وهَبْ أيها الشاب أن العمل للإسلام يكلف شيئاً من البذل والتضحية، أفلا ينبغي أن يكون الشباب أهلاً لهذا؟! وليت شعري متى كان من شروط العمل للإسلام تمامُ الراحة وإقصاء البذل وإلغاؤه، وضمان السلامة؟! إن ذلك كله خطأ ووهم. ولنتدبر قول الله عز وجل: (أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)؟! وعلى الرغم من هذا فقد يصاب القاعد المنهزم ويُبتلَى، ويُعافى العامل المقدام وينجو، ولقد رأينا مصداق هذا في عصرنا. وما أجمل كلمات سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه التي قالها وهو يفارق الدنيا ويودع هذه الحياة: (لقد طلبتُ الموت في مظانّه وما في جسدي موضع شبر إلا فيه ضربةٌ بسيف، أو طعنة برمح. وها أنذا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء).
ولله در ابن زيدون إذ يقول:
ربما أشرف بالمرء على الآمال ياسُ *** ولقد ينجيك إغفال ويرديك احتراسُ
أيها الإخوة الشباب: لا تقوم دعوة إلا بالبذل والتضحيات، ولا يبقى دين بغير عمل العاملين، وجهود المخلصين. وإن الخوف والسلبية والعجز مضيعة للدنيا والدين. فاستعن بالله يا أخي ولا تعجِز، واعلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير.
فليأخذ كل واحد مكانه في الساحة ولنردد بصوت مرتفع نابع من الأعماق:
لن تسقط الراية وفينا عرق ينبض أو عين تطرف.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
بقلم محمد عادل فارس
أيها الشباب: أنتم أمل الأمة بعد الله، وذخرها المرصود. فيكم القوة المتوثبة، والحيوية المتجددة المتفتحة. إن لم تكونوا أنتم عدة المستقبل، وقلعة الإسلام، وحصنه الحصين، وحاملي مشعله، فمن يكون؟
لن أكتم هذه الصيحة، بل سأطلقها عالية مدوية في أسماعكم، تردد الوديان والجبال صداها، فتنبه الغافل، وتوقظ النائم، وتضع النقاط على الحروف. تطوق أعناقكم بطوق الأمانة العظيمة. وإنني أرى أنكم لها أهل، بما آتاكم الله من مزايا وقدرات.
ليست هذه الصيحة لعَرَض زائل، ولا لغرض عاجل، ولا دنيا فانية، إنما هي صيحة إيمانية سماوية، تدعوكم إلى العمل للدين الخاتم، واقتحام الميدان، مؤثرين الباقي على الفاني، فماذا أنتم فاعلون؟
أيها الإخوة الشباب:
كلما زاد طوفان الفساد الأرعن اندفاعاً، وعظمت قوته، عظمت المسؤولية وتأكد الواجب. وإن الرجال الشجعان ينفضون في مثل هذه الحال عن أنفسهم غبار الكسل، ويشمرون عن ساعد الجد، ويعلنون أن وقت التثاؤب والتمطي قد ولى، وأنه قد آن أوان العمل الدؤوب، والمرابطة المبصرة على الثغور، وما أكثر الثغور التي تحتاج إلى حراسة وحماية!. وان كلاً منكم على ثغرة من ثغور الإسلام، فاللهَ اللهَ أن يؤتى الإسلامُ من قِبَله.
إن الميدان رحب فسيح، والساحة واسعة ممتدة، والجوانب التي تتطلب العمل وفيرة. ومهما تصدى للعمل أناس، فإن الساحة تستوعبهم قائلة: هل من مزيد؟!
أيها الإخوة الشباب:
يكاد يكون العمل للإسلام اليوم فرض عين على كل واحد منكم على قدر استطاعته، وذلك لكثرة موارد الفساد، وتعدد سبله واتساعها. وفي مثل هذا الجو، إن لم ينشط أهل الحق ويتحركوا بأقصى قوتهم، ضاع الحق وأهله معه، وعم الفسادُ وطمّ. وإن انعزالكم وانزواءكم يُطمع أهل الشر، ويشجع دعاة الفتنة إذ يرون الساحة خالية، والطريق ميسرة لا عقبات فيها.
ولا يحقرن أحدكم نفسه بأن يقول: إنني ضعيف، وإن معلوماتي ومعارفي محدودة! فلكل واحد منكم دوره مهما كان شأنه. ومن لم يحسن شيئاً أحسن غيره، فليعمل فيما يحسنه ويجيده. والله تعالى يقيض للأمور الأخرى غيره.
ثم أيحُسن أن يقول أحدكم: إن معلوماتي محدودة، ثم يرضى بهذا ويسكت عليه، ولقد علم كل واحد أن نقص المعلومات ليس ضربة لازب، وليس زيادةُ العلم وتنميته من المستحيلات. فلتقل يا أخي: اللهم زدني علماً، ولتندفع في طريق العلم. كيف لا، وطلب العلم فريضة، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين؟! وها هي ذي الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاءً بما يصنع. فليعمل من كان قليل المعرفة على تنميتها، وليكن آخذاً ومعطياً في آن معاً. فما أجمل الأخذ والعطاء، وما أروعهما في مثل هذا!
ويا أيها الإخوة أنتم الأقدر قوةَ جسم، وفراغ وقت. فاغتنموا القوة قبل الضعف، والفراغ قبل الشغل، والصحة قبل السقم. وادّخروا لأنفسكم رصيداً عظيماً عند من يضاعف الحسنة، ولا يجزي السيئة إلا بمثلها.
ولست أعني أنكم في غنى عن حكمة الشيوخ، بل لكم دوركم ولهم دورهم، ولئن كنا لا نستغني عن قوة الشباب، فهيهات أن نستغني عن حكمة الشيوخ وخبرتهم!.
تذكروا أيها الإخوة الشباب أن كثيراً من أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا شباباً، هم رهبان في الليل فرسان في النهار. وللشباب من الصحب الكرام قصص رائعة، وأمثولات مدهشة في التضحية والإقدام والبذل والعطاء.
أيها الإخوة اسمحوا لي أن أحدثكم عن شيء من الماضي القريب الذي عشناه. عندما كنا في مرحلة من العمر كالتي أنتم فيها الآن. وها هو ذلك الماضي أصبح اليوم ذكريات عذبة في نفوسنا، غير أننا نرجو أن يكون هذا الماضي مقبولاً ومثمراً عند الله، نجده في صحائف أعمالنا، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
في أيام الفتوة والشباب، وذلك في المرحلة الثانوية والجامعية، كنا حَمَلَةَ فكرةٍ وأصحاب مبدأ، نشعر بالعزة والتفوق على أصحاب النظريات الأخرى كلها، ونحس ونعلم أننا أبناء دين عظيم خالد، ومبادئ سامية. والإنسان يا إخوتي، بلا مبدأ، أشبه بالحيوان منه بالإنسان. ولقد أدرك الشاعر الجاهلي ذلك فقال:
لحى الله صعلوكاً مُناه وهَمُّهُ ** من العيش أن يلقى لََبوساً ومطعما
ولا خير فيمن يعيش عيش البهائم، ليس له هَمٌ في الدنيا إلا المطالب الجسدية والنزوات الحيوانية!
نعم كنا أصحاب مبدأ وحملة فكرة، وكان الإيمان مزيناً في قلوبنا فلا نستحيي من إظهاره، بل نباهي به. وإن تزيين الإيمان في نفس المؤمن، وتحبيبه إليه، دافع عظيم إلى العمل، ومن لم يكن كذلك فليراجع حساباته، وليتفقد قلبه، ليعرف موقفه ومدى صحة إيمانه (ولكنّ الله حبَّب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم).
وبسبب المبدأ والإيمان المحبوب المزين، كنا نعمل بدأب دون كلل أو ملل، ولم نكن سلبيين أو انهزاميين، كما هي حال بعض الشباب اليوم، نصاحب الآخرين ممن لم تنقدح شرارة الإيمان في قلوبهم، ولم يسطع نوره في جوانحهم، نزورهم ونحاورهم، وإن هربوا منا تبعناهم، ويكون التفوق والكسب بفضل الله لنا دائماً. نشعر أن من واجبنا إنقاذ الآخرين والأخذ بيد الحائرين، ولا نزال نحوم حول من نسعى لإنقاذه، حتى يتم لنا ما أردناه، بتوفيق الله تعالى.
أما المسلم الذي يستحيي أن يعرف الآخرون أنه مسلم ملتزم، وربما يُعْجَب ببعض ما عليه شباب اليوم المنفلت، فليتدارك نفسه فهو في خطر عظيم.
ليس لأحدنا عذر في التقصير والتقاعس، وكل الأعذار في جنب دين الله تعالى باطلة مردودة.
ما الذي يُقعدك ويبعدك عن العمل للإسلام، وعلى ماذا تحرص، وما الذي تخشى فوته إن عملت لدينك؟
أتخشى على الحياة؟ سبحان الله! أليست هي بيد الله عز وجل، حتى لو أن أهل الأرض اجتمعوا ليزيدوها لحظة واحدة لعجزوا!
أتحرص على الرزق، ويأتي الشيطان فيوهمك أن العمل للإسلام ينقصه؟ فأين أنت من قوله تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون). (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها). وقوله صلى الله عليه وسلم :(إن روح القدس نفث في رُوعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب).
أم لعلك تخاف الموت وتريد دفعه؟ فهل رأيت إنساناً أنجاه الحذر والخوف، ودفع عنه الموت؟ قال تعالى: (فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
أيها الأخ الحبيب، إن الخوف والابتعاد لا يؤخر أجلاً، فضلاً عن أن يدفعه، وإن الإقدام لا يعجله ولا يقدمه. وكم من حريص خائف مات قبل شجاع مقدام! وكم من عليل صح، وصحيح مات من غير مقدمات ولا إنذار، ولا خوضٍ في ميادين الوغى وساحات النزال! فخذ بما شرعه الله من أسباب، واعمل بما يرضي ربك، وتوكل على من يملك الأسباب والنتائج، وضع نصب عينيك قوله تعالى:) الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم. هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء؟). لقد جمعت هذه الآية الكريمة أعظم ما يحرص عليه الناس من أجل ورزق، ثم أعلنت أن ذلك بيد الله تعالى، وأن الخلق جميعاً لا يملكون من هذا شيئاً، فعلام الخوف إذن؟
وهَبْ أيها الشاب أن العمل للإسلام يكلف شيئاً من البذل والتضحية، أفلا ينبغي أن يكون الشباب أهلاً لهذا؟! وليت شعري متى كان من شروط العمل للإسلام تمامُ الراحة وإقصاء البذل وإلغاؤه، وضمان السلامة؟! إن ذلك كله خطأ ووهم. ولنتدبر قول الله عز وجل: (أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)؟! وعلى الرغم من هذا فقد يصاب القاعد المنهزم ويُبتلَى، ويُعافى العامل المقدام وينجو، ولقد رأينا مصداق هذا في عصرنا. وما أجمل كلمات سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه التي قالها وهو يفارق الدنيا ويودع هذه الحياة: (لقد طلبتُ الموت في مظانّه وما في جسدي موضع شبر إلا فيه ضربةٌ بسيف، أو طعنة برمح. وها أنذا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء).
ولله در ابن زيدون إذ يقول:
ربما أشرف بالمرء على الآمال ياسُ *** ولقد ينجيك إغفال ويرديك احتراسُ
أيها الإخوة الشباب: لا تقوم دعوة إلا بالبذل والتضحيات، ولا يبقى دين بغير عمل العاملين، وجهود المخلصين. وإن الخوف والسلبية والعجز مضيعة للدنيا والدين. فاستعن بالله يا أخي ولا تعجِز، واعلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير.
فليأخذ كل واحد مكانه في الساحة ولنردد بصوت مرتفع نابع من الأعماق:
لن تسقط الراية وفينا عرق ينبض أو عين تطرف.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.