أبوحمزة السيوطي
2011-01-05, 10:24 PM
إشعار المغيبين بعظمة هذا الدين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ..
فقد الروى البخاري ومسلم من حديث عَمرو بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَالَا إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ " أَلَيْسَتْ نَفْسًا "
أَلَيْسَتْ نَفْسًا
أَلَيْسَتْ نَفْسًا
فداك أبي وأمي يا رسول الله صلى الله عليك وسلم
إن النفس البشرية لها عند الله شأن عظيم فإنه سبحانه خلق آدم بيديه ونفخ فيه من روحه وكرمه وبنيه على جميع خلقه قال تعالى :
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) } الإسراء
فكان من ذلك التغليظ والتشديد على حرمة دماء البشر حتى إن أول ما يُقضى فيه بين الناس يوم القيامة الدماء ، لماذا ؟
لأن الغرض من خلق الناس على هذه الأرض وتسخيرها لهم هو إقامة العبودية لله ولا تقام العبودية إلا بإعمار الأرض لذلك سخرها الله وذللها للإنسان حتى يجد ما يعينه على التمكين والإعمار وهي الوسيلة التي تتحقق بها غاية العبودية فعظم الله شأن النفس وحرم الدماء وحث على التعارف والزواج وتكثير النسل والعمل وتحقيق الأمن بين الناس لعمارة الأرض ليلتفت الناس لما خلقوا له وهو عبادة الملك سبحانه وتعالى .
قال الله عز وجل :
{ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) } المائدة
وقال تعالى :
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) }
بل إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء فشدد على إزهاق الأرواح كلها حتى ولو كانت نملة !
نملة ؟ نعم نملة عاتب الله عز وجل نبياً من الأنبياء قتل نملاً كما روى البخاري ومسلم واللفظ له من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَفِي أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَهْلَكْتَ أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ "
وقطة !
كما في حديث ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ " رواه مسلم
وكلب !
بل إن الله عز وجل شكر لبغي سقت كلباً فأدخلها الجنة كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ " متفق عليه
بل في كل روح أجراً !
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ " فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ "
كلب وهرة ونملة فما بالكم بالنفس التي كرمها الله على جميع خلقه !
لقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي وهو يقول لأصحابه " أَلَيْسَتْ نَفْسًا "
كل ما هو متعلق بحياة الإنسان غلظ الله عز وجل فيه وشدد ، شدد الله عزوجل وحض على العمارة والسلام بين الناس وغلظ وحرم دماءهم وأموالهم وأعراضهم والإفساد في الأرض .
هذا هو دين الله هذا هو الإسلام هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم .
إن ما حدث في الأسكندرية الأيام الماضية كبيرة من كبائر الذنوب وحرام شرعاً ليس من وجهاً واحداً بل من عدة أوجه سنبينها تفصيلياً وعقوبته تصل إلى عقوبة المفسدين في الأرض مسلماً كان أوكافراً، ولا يقول بغير ذلك إلا جاهل بالشرع أو بواقع البلاد أو داعية فتنة .
قال الشيخ محمد سعيد رسلان حفظه الله معقباً على هذه الجريمة الشنعاء قال :
" وهذا التفجير هتكٌ لحرمات الإسلام المعلومة منه بالضرورة ، هتكٌ لحرمة الأنفس المعصومة ، وهتكٌ لحرمة الأموال ، وهتكٌ لحرمة الأمن والإستقرار ، وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم وغدوهم ورواحهم ، وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها ، وما أبشع وأعظم جريمة من تجرأ على حرمات الله وظلم عباده وأخاف المسلمين والمقيمين بينهم ، فويلٌ له ثم ويل له من عذاب الله ونقمته ، ومن دعوة تحيط به ، ونسأل الله أن يكشف ستره ، وأن يفضح أمره ، إن النفس المعصومة في حكم شريعة الإسلام هي كل مسلم وكل من بينه وبين المسلمين أمان كما قال الله تعالى : { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } وقال سبحانه في حق الذمي الذي له ذمة في حكم قتل الخطأ { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } فإذا كان الذمي الذي له أمان إذا قتل خطئاً فيه الدية والكفارة فكيف إذا قتل عمداً ؟!
إن الجريمة تكون أعظم وإن الإثم يكون أكبر وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الله بن عمرو الذي أخرجه البخاري في الصحيح " مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجنة " فلا يجوز التعرض لمستأمن بأذى فضلاً عن قتله في مثل هذه الجريمة الكبيرة النكراء ، وهذا وعيد شديد لمن قتل معاهداً وهو كبيرة من الكبائر المتوعد عليها بعدم دخول القاتل الجنة ، نعوذ بالله من الخذلان .
وهذا العمل الإجرامي يتضمن أنواعاً من المحرمات في الإسلام بالضرورة من غدر وخيانة وعدوان وإجرام آثم وترويع للمسلمين وغيرهم وكل هذه قبائح منكرة يأباها ويبغضها الله ويأباها ويبغضها رسول الله ويأباها ويبغضها المؤمنون والإسلام بريئ من هذا العمل ومثله "
فقد ذكر الشيخ حفظه الله أوجه تحريم هذه الجريمة المنكرة ..
إن من أجهل الجهل أن يأتي إنسان بعد الذي ذكرنا وبعد الذي سنذكر فيقول أن الاسلام يبيح مثل هذا العمل بحجة أن نصارى اليوم ليسوا أهل ذمة لأنهم لا يدفعون الجزية فالإسلام يبيح دماءهم وأموالهم وهذا أجهل الجهل وجهل مركب له قرنان ، والجهل المركب هو أن يدرك الجاهل أمراً على غير حقيقته فإذا طلبت منه تعريف الشمس وصف قمراً !
فخرجت فتاة هي من بعض الحُثالة الرُذالة الذين استغلوا هذه الحادثة للنيل من الإسلام والتحريض عليه وتناوله والنبي صلى الله علي وسلم بألسنة حداد قبيحة يجهلون تماماً حقيقة هذا الدين ويجهلون الواقع الذي نعيشه أو أنهم رعاع يتبعون دعاة الفتن الذين يريدون أن تكون بلدنا مصر مسرحاً للفتن ويفتتون عضد البلد فتخور قواها وينجحون في خطة تقسيم البلاد فيخسر الجميع نعمة الأمن والاستقرار وأشهد الله أن نصارى مصر هم أول من سيخسر في هذا الفتنة إن لم يعقلوا ويضبطوا حقيقة الواقع ويفهموا مراد أعداء الأمة ومن عاونهم من الرعاع الخونة فإن هم عرفوا ذلك تبين لهم وبوضوح من هو المستفيد من وراء هذه الجريمة التي حدثت في مصر وما السودان منا ببعيد !! وإنني على ثقة أن هناك فئات منهم متعقلون ولا يرضون بمثل هذا نسأل الله أن يهديهم جميعاً .
وإني أترفع أن أرد على مثل هذه الفتاة لسوء خلقها وسلاطة لسانها ولكن رحمة بالمحترمين من النصارى والمغيبين منهم نبين لهم ونشعرهم بحقيقة الإسلام التي وإن خفيت عنهم لم تخف عن أبائهم وأجدادهم فسألوهم إن كانوا ينطقون كيف عاشوا في ظل الإسلام دهراً من الحياة الكريمة وكم ذاقوا ممن كان قبل المسلمين ذلاً وهواناً .
إن أهل مصر منذ زمان فرعون إلى قبل الفتح الإسلامي ما كانوا يوماً إلا عبيداً للبشر أذلاء في أوطانهم يبذلون لهم من لحومهم ويذوقون سوء العذاب منهم حتى كرمهم الله بالإسلام وأهله فذاقوا طعم الحرية فمنهم من دخل في دين الله فعز به ومنهم من ظل على دينه عاش بكرامته يأمن كما يأمن المسلم ويرعاهم ولاة الأمر بوصاة النبي صلى الله عليه وسلم لهم بل يموت المسلم دونه مدافعاً عنه كما نقل ابن حزم اتفاق أهل العلم على ذلك كما سيأتي بيانه .
يقول شنودة المتكلم بتأييد السماء بزعمهم :
"إن الأقباط، في ظل حكم الشريعة، يكونون أسعد حالاً وأكثر أمنًا، ولقد كانوا كذلك في الماضي، حينما كان حكم الشريعة هو السائد..
نحن نتوق إلى أن نعيش في ظل "لهم ما لنا، وعليهم ما علينا". إن مصر تجلب القوانين من الخارج حتى الآن، وتطبقها علينا، ونحن ليس عندنا ما في الإسلام من قوانين، فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة، ولا نرضى بقوانين الإسلام؟!! " صحيفة الأهرام المصرية، 6 مارس 1985م.
هذا إمامهم المؤيد هل قالها نفاقاً هل قالها مداهنة أم أنه نطق بالحق الذي لا يمكنه كتمانه ؟
موضوع الشبهة ، يقولون :
يخرج علينا البعض من المسلمين المغيبين الذين لا يعرفون الاسلام على حقيقته بأقوال عن عدم جواز أستهداف المسيحيين
لكن ليست هذه حقيقة الاسلام
بأعتبار أن المسيحيين في مصر والعراق ليسوا ذميين, أي انهم لا يدفعون الجزية, ولا يأخذون حواشي الطرق ويطالبون بحقوق متساوية مع المسلمين وبكل الاحوال لا يعيشون بدول مسلمة بشكل رسمي.
فحسب الاسلام يجوز أستهدافهم وأستباحة دمهم
يقول رب الاسلام في كتابه:
{ قاتلوا الذينلا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [التوبة:29]
فما دام المسيحي لا يدفع الجزية ولا يصغر, فدمه مباح من قبل المسلمين أياً كان !!!
كذا قالت ولبئس ما قالت !
فهل هذا كلام صحيح أم جهل مركب ؟؟
هل نحن مغيبون أم هي المغفلة ؟؟
هذا ما سنقوم ببيانه مفصلا ًإن شاء الله وسنبين مواضع جهل صاحبة هذا المواضع بأكثر من وجه .
والله المستعان على ما يصفون .
فتابعونا ...
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ..
فقد الروى البخاري ومسلم من حديث عَمرو بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَالَا إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ " أَلَيْسَتْ نَفْسًا "
أَلَيْسَتْ نَفْسًا
أَلَيْسَتْ نَفْسًا
فداك أبي وأمي يا رسول الله صلى الله عليك وسلم
إن النفس البشرية لها عند الله شأن عظيم فإنه سبحانه خلق آدم بيديه ونفخ فيه من روحه وكرمه وبنيه على جميع خلقه قال تعالى :
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) } الإسراء
فكان من ذلك التغليظ والتشديد على حرمة دماء البشر حتى إن أول ما يُقضى فيه بين الناس يوم القيامة الدماء ، لماذا ؟
لأن الغرض من خلق الناس على هذه الأرض وتسخيرها لهم هو إقامة العبودية لله ولا تقام العبودية إلا بإعمار الأرض لذلك سخرها الله وذللها للإنسان حتى يجد ما يعينه على التمكين والإعمار وهي الوسيلة التي تتحقق بها غاية العبودية فعظم الله شأن النفس وحرم الدماء وحث على التعارف والزواج وتكثير النسل والعمل وتحقيق الأمن بين الناس لعمارة الأرض ليلتفت الناس لما خلقوا له وهو عبادة الملك سبحانه وتعالى .
قال الله عز وجل :
{ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) } المائدة
وقال تعالى :
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) }
بل إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء فشدد على إزهاق الأرواح كلها حتى ولو كانت نملة !
نملة ؟ نعم نملة عاتب الله عز وجل نبياً من الأنبياء قتل نملاً كما روى البخاري ومسلم واللفظ له من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَفِي أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَهْلَكْتَ أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ "
وقطة !
كما في حديث ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ " رواه مسلم
وكلب !
بل إن الله عز وجل شكر لبغي سقت كلباً فأدخلها الجنة كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ " متفق عليه
بل في كل روح أجراً !
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ " فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ "
كلب وهرة ونملة فما بالكم بالنفس التي كرمها الله على جميع خلقه !
لقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي وهو يقول لأصحابه " أَلَيْسَتْ نَفْسًا "
كل ما هو متعلق بحياة الإنسان غلظ الله عز وجل فيه وشدد ، شدد الله عزوجل وحض على العمارة والسلام بين الناس وغلظ وحرم دماءهم وأموالهم وأعراضهم والإفساد في الأرض .
هذا هو دين الله هذا هو الإسلام هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم .
إن ما حدث في الأسكندرية الأيام الماضية كبيرة من كبائر الذنوب وحرام شرعاً ليس من وجهاً واحداً بل من عدة أوجه سنبينها تفصيلياً وعقوبته تصل إلى عقوبة المفسدين في الأرض مسلماً كان أوكافراً، ولا يقول بغير ذلك إلا جاهل بالشرع أو بواقع البلاد أو داعية فتنة .
قال الشيخ محمد سعيد رسلان حفظه الله معقباً على هذه الجريمة الشنعاء قال :
" وهذا التفجير هتكٌ لحرمات الإسلام المعلومة منه بالضرورة ، هتكٌ لحرمة الأنفس المعصومة ، وهتكٌ لحرمة الأموال ، وهتكٌ لحرمة الأمن والإستقرار ، وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم وغدوهم ورواحهم ، وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها ، وما أبشع وأعظم جريمة من تجرأ على حرمات الله وظلم عباده وأخاف المسلمين والمقيمين بينهم ، فويلٌ له ثم ويل له من عذاب الله ونقمته ، ومن دعوة تحيط به ، ونسأل الله أن يكشف ستره ، وأن يفضح أمره ، إن النفس المعصومة في حكم شريعة الإسلام هي كل مسلم وكل من بينه وبين المسلمين أمان كما قال الله تعالى : { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } وقال سبحانه في حق الذمي الذي له ذمة في حكم قتل الخطأ { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } فإذا كان الذمي الذي له أمان إذا قتل خطئاً فيه الدية والكفارة فكيف إذا قتل عمداً ؟!
إن الجريمة تكون أعظم وإن الإثم يكون أكبر وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الله بن عمرو الذي أخرجه البخاري في الصحيح " مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجنة " فلا يجوز التعرض لمستأمن بأذى فضلاً عن قتله في مثل هذه الجريمة الكبيرة النكراء ، وهذا وعيد شديد لمن قتل معاهداً وهو كبيرة من الكبائر المتوعد عليها بعدم دخول القاتل الجنة ، نعوذ بالله من الخذلان .
وهذا العمل الإجرامي يتضمن أنواعاً من المحرمات في الإسلام بالضرورة من غدر وخيانة وعدوان وإجرام آثم وترويع للمسلمين وغيرهم وكل هذه قبائح منكرة يأباها ويبغضها الله ويأباها ويبغضها رسول الله ويأباها ويبغضها المؤمنون والإسلام بريئ من هذا العمل ومثله "
فقد ذكر الشيخ حفظه الله أوجه تحريم هذه الجريمة المنكرة ..
إن من أجهل الجهل أن يأتي إنسان بعد الذي ذكرنا وبعد الذي سنذكر فيقول أن الاسلام يبيح مثل هذا العمل بحجة أن نصارى اليوم ليسوا أهل ذمة لأنهم لا يدفعون الجزية فالإسلام يبيح دماءهم وأموالهم وهذا أجهل الجهل وجهل مركب له قرنان ، والجهل المركب هو أن يدرك الجاهل أمراً على غير حقيقته فإذا طلبت منه تعريف الشمس وصف قمراً !
فخرجت فتاة هي من بعض الحُثالة الرُذالة الذين استغلوا هذه الحادثة للنيل من الإسلام والتحريض عليه وتناوله والنبي صلى الله علي وسلم بألسنة حداد قبيحة يجهلون تماماً حقيقة هذا الدين ويجهلون الواقع الذي نعيشه أو أنهم رعاع يتبعون دعاة الفتن الذين يريدون أن تكون بلدنا مصر مسرحاً للفتن ويفتتون عضد البلد فتخور قواها وينجحون في خطة تقسيم البلاد فيخسر الجميع نعمة الأمن والاستقرار وأشهد الله أن نصارى مصر هم أول من سيخسر في هذا الفتنة إن لم يعقلوا ويضبطوا حقيقة الواقع ويفهموا مراد أعداء الأمة ومن عاونهم من الرعاع الخونة فإن هم عرفوا ذلك تبين لهم وبوضوح من هو المستفيد من وراء هذه الجريمة التي حدثت في مصر وما السودان منا ببعيد !! وإنني على ثقة أن هناك فئات منهم متعقلون ولا يرضون بمثل هذا نسأل الله أن يهديهم جميعاً .
وإني أترفع أن أرد على مثل هذه الفتاة لسوء خلقها وسلاطة لسانها ولكن رحمة بالمحترمين من النصارى والمغيبين منهم نبين لهم ونشعرهم بحقيقة الإسلام التي وإن خفيت عنهم لم تخف عن أبائهم وأجدادهم فسألوهم إن كانوا ينطقون كيف عاشوا في ظل الإسلام دهراً من الحياة الكريمة وكم ذاقوا ممن كان قبل المسلمين ذلاً وهواناً .
إن أهل مصر منذ زمان فرعون إلى قبل الفتح الإسلامي ما كانوا يوماً إلا عبيداً للبشر أذلاء في أوطانهم يبذلون لهم من لحومهم ويذوقون سوء العذاب منهم حتى كرمهم الله بالإسلام وأهله فذاقوا طعم الحرية فمنهم من دخل في دين الله فعز به ومنهم من ظل على دينه عاش بكرامته يأمن كما يأمن المسلم ويرعاهم ولاة الأمر بوصاة النبي صلى الله عليه وسلم لهم بل يموت المسلم دونه مدافعاً عنه كما نقل ابن حزم اتفاق أهل العلم على ذلك كما سيأتي بيانه .
يقول شنودة المتكلم بتأييد السماء بزعمهم :
"إن الأقباط، في ظل حكم الشريعة، يكونون أسعد حالاً وأكثر أمنًا، ولقد كانوا كذلك في الماضي، حينما كان حكم الشريعة هو السائد..
نحن نتوق إلى أن نعيش في ظل "لهم ما لنا، وعليهم ما علينا". إن مصر تجلب القوانين من الخارج حتى الآن، وتطبقها علينا، ونحن ليس عندنا ما في الإسلام من قوانين، فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة، ولا نرضى بقوانين الإسلام؟!! " صحيفة الأهرام المصرية، 6 مارس 1985م.
هذا إمامهم المؤيد هل قالها نفاقاً هل قالها مداهنة أم أنه نطق بالحق الذي لا يمكنه كتمانه ؟
موضوع الشبهة ، يقولون :
يخرج علينا البعض من المسلمين المغيبين الذين لا يعرفون الاسلام على حقيقته بأقوال عن عدم جواز أستهداف المسيحيين
لكن ليست هذه حقيقة الاسلام
بأعتبار أن المسيحيين في مصر والعراق ليسوا ذميين, أي انهم لا يدفعون الجزية, ولا يأخذون حواشي الطرق ويطالبون بحقوق متساوية مع المسلمين وبكل الاحوال لا يعيشون بدول مسلمة بشكل رسمي.
فحسب الاسلام يجوز أستهدافهم وأستباحة دمهم
يقول رب الاسلام في كتابه:
{ قاتلوا الذينلا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [التوبة:29]
فما دام المسيحي لا يدفع الجزية ولا يصغر, فدمه مباح من قبل المسلمين أياً كان !!!
كذا قالت ولبئس ما قالت !
فهل هذا كلام صحيح أم جهل مركب ؟؟
هل نحن مغيبون أم هي المغفلة ؟؟
هذا ما سنقوم ببيانه مفصلا ًإن شاء الله وسنبين مواضع جهل صاحبة هذا المواضع بأكثر من وجه .
والله المستعان على ما يصفون .
فتابعونا ...