ابن النعمان
2011-02-03, 02:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
اعتبارات خاصة بالعقاب
اولا : هل العقاب يناقض المحبة ؟
يقول الدكتور مصطفى محمود : المثقفون لهم اعتراض تقليدي على مسألة البعث و العقاب , فهم يقولون : كيف يعذبنا الله و الله محبة ؟ و ينسى الواحد منهم أنه قد يحب ابنه كل الحب و مع ذلك يعاقبه بالضرب و الحرمان من المصروف و التأديب و التعنيف .. و كلما ازداد حبه لابنه كلما ازداد اهتمامه بتأديبه .. و لو أنه تهاون في تربيته لاتّهمه الناس في حبه لابنه و لقالوا عنه إنه أب مهمل لا يرعى أبناءه الرعاية الكافية .. فما بال الرب و هو المربي الأعظم .. و كلمة الرب مشتقة من التربية .
و الواقع أن عبارة ((الله محبة)) عبارة فضفاضة يسيء الكثيرون فهمها و يحملونها معنى مطلقاً .. و يتصورون أن الله محبة على الإطلاق .. و هذا غير صحيح .
فهل الله يحب الظلم مثلاً ؟
مستحيل ..
مستحيل أن يحب الله الظلم و الظالمين .. و أن يستوي في نظره ظالم و مظلوم .. و هذا التصور للقوة الإلهية .. هو فوضى فكرية ..
ويلزم فعلاً أن يكون لله العلو المطلق على كل الظالمين , و أن يكون جباراً مطلقاً يملك الجبروت على كل الجبارين .. و أن يكون متكبراً على المتكبرين مذلاً للمذلين قوياً على جميع الأقوياء .. و أن يكون الحكم العدل الذي يضع كل إنسان في رتبته و مقامه .
و أصحاب المشاعر الرقيقة الذين يتأففون من تصور الله جباراً معذباً علينا أن نذكرهم بما كان يفعله الخليفة التركي حينما يصدر حكم الإعدام بالخازوق على أعدائه .. و ما كان يفعله و ما كان يفعله الجلاد المنوط به تنفيذ الحكم حينما كان يلقى بالضحية على بطنه ثم يدخل في الشرج خازوقاً ذا رأس حديدية مدببة يظل يدق ببطء حتى تتهتك جميع الأحشاء و يخرج الخازوق من الرقبة .. و كيف أنه كان من واجب الجلاد أن يحتفظ بضحيته حيّاً حتى يخرج الخازوق من رقبته ليشعر بجميع الآلام الضرورية .
و أفظع من ذلك أن تفقأ عيون الأسرى بالأسياخ المحمية في النار .
مثل هؤلاء الجبارين هل من المفروض أن يقدم لهم الله حفلة شاي لأن الله محبة ؟
بل إن جهنم هي منتهى المحبة ما دامت لا توجد وسيلة غيرها لتعريف هؤلاء بأن هناك إلهاً عادلاً .
و هي رحمة من حيث كونها تعريفاً و تعليماً لمن رفض أن يتعلم من جميع الكتب و الرسل , و للذين كذبوا حتى أوليات العقل و بداهات الإنسانية .
أيكون عدلاً أن يقتل هتلر عشرين مليوناً في حرب عالمية .. يسلخ فيها عماله الأسرى و يعدمون الألوف منهم في غرف الغاز و يحرقونهم في المحارق .. ثم عند الهزيمة ينتحر هتلر هارباً و فارّاً من مواجهة نتيجة أعماله .
إن العبث وحده و أن يكون العالم عبثاً في عبث هو الذي يمكن أن ينجي هذا القاتل الشامل من ذنبه .
. و لا يكون الله محبة .. و لا يكون عادلاً .. إلا إذا وضع هذا الرجل في هاوية أعماله .
و عذاب الدنيا دائماً نوع من التقويم .. و كذلك على مستوى الفرد و على مستوى الأمم .. فهزيمة 67 في سيناء كانت درساً , كما أن رسوب الطالب يكون درساً – كما أن آلام المرض و اعتلال الصحة هي لمن عاش , حياة الإسراف و الترف و الرخاوة و المتعة درس .
و العذاب يجلو صدأ النفس و يصقل معدنها .
و لا نعرف نبيّاً أو مصلحاً أو فناناً أو عبقريّاً إل و قد ذاق أشد العذاب مرضاً أو فقراً أو اضطهاداً .
و العذاب من هذه الزاوية محبة .. و هو الضريبة التي يلزم دفعها للانتقال إلى درجة أعلى .
و إذا خفيت عنا الحكمة في العذاب أحياناً فلأننا لا ندرك كل شيء و لا نعرف كل شيء من القصة إلا تلك الرحلة المحدودة بين قوسين التي اسمها الدنيا .. أما ما قبل ذلك و ما بعد ذلك فهو بالنسبة لنا غيب محجوب , و لذا يجب أن نصمت في احترام و لا نطلق الأحكام .
(رحلتى من الشك الى الايمان – مصطفى محمود ص61 , 62 , 63 )
ثانيا : هل العفو عن الخطية يتعارض مع العدل، و تطبيق العقوبة يتعارض مع الرحمة ؟
القول بأن العفو عن الخطية يتعارض مع العدل، والقول بأن تطبيق العقوبة يتعارض مع الرحمة هو قول لا يتفق مع الحكمة. نعم لا يجوز العفو الدائم المستمر عن كل خطية، وإلا فقد القانون شرعيته وتأثيره، كذلك لا يجوز تطبيق العقوبة في كل حالة وإلا تحوّل المشرّع إلى دكتاتور ظالم مستبد. إن فلسفة تطبيق العقاب ينبغي أن تنبت من الرحمة وليس من الانتقام، أي أن الغرض من تطبيق العقاب يجب أن يكون هو الرحمة بالخاطئ لكي يمتنع عن ارتكاب الخطأ، والرحمة بالمجتمع لصيانته من نتائج ارتكاب الخطأ. فإذا تبين أن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إلا بتطبيق العقوبة، فالحكمة تقتضي حينئذ ضرورة تطبيق العقوبة. وأما إذا تبين أن هذا الهدف يمكن أن يتحقق بغير تطبيق العقوبة، فالحكمة تقتضي حينئذ عدم تطبيق العقوبة. فليس هناك أي تعارض بين العدل والرحمة لأن الحكمة تجمع بينهما. وما دام العدل ينبثق من الرحمة وليس من شهوة الانتقام، فلا تعارض بين العدل والرحمة، بل يخضع العدل للرحمة بحسب مقتضيات الحكمة. والله تعالى حكيم، والقول بأنه إذا طبق عدله فإن هذا يتعارض مع رحمته أو إذا طبق رحمته فإن هذا يتعارض مع عدله هو قول يخالف الحكمة والحق، ولا يمكن أن ينتج من الله تعالى الحكيم. وعلى هذا، فلا يمكن أن تكون هذه العقيدة التي أساسها الاختلاف بين العدل والرحمة عقيدة نابعة من لدن الإله الحكيم، فيتحتم رفضها ونبذها باعتبارها خرافة من نتاج العقل الإنساني الناقص، أو من اختراع العقل الإنساني الجاهل بصفات الله العادل الرحيم الحكيم. (أجوبة عن الإيمان – الحلقة الثالثة والثلاثون )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
اعتبارات خاصة بالعقاب
اولا : هل العقاب يناقض المحبة ؟
يقول الدكتور مصطفى محمود : المثقفون لهم اعتراض تقليدي على مسألة البعث و العقاب , فهم يقولون : كيف يعذبنا الله و الله محبة ؟ و ينسى الواحد منهم أنه قد يحب ابنه كل الحب و مع ذلك يعاقبه بالضرب و الحرمان من المصروف و التأديب و التعنيف .. و كلما ازداد حبه لابنه كلما ازداد اهتمامه بتأديبه .. و لو أنه تهاون في تربيته لاتّهمه الناس في حبه لابنه و لقالوا عنه إنه أب مهمل لا يرعى أبناءه الرعاية الكافية .. فما بال الرب و هو المربي الأعظم .. و كلمة الرب مشتقة من التربية .
و الواقع أن عبارة ((الله محبة)) عبارة فضفاضة يسيء الكثيرون فهمها و يحملونها معنى مطلقاً .. و يتصورون أن الله محبة على الإطلاق .. و هذا غير صحيح .
فهل الله يحب الظلم مثلاً ؟
مستحيل ..
مستحيل أن يحب الله الظلم و الظالمين .. و أن يستوي في نظره ظالم و مظلوم .. و هذا التصور للقوة الإلهية .. هو فوضى فكرية ..
ويلزم فعلاً أن يكون لله العلو المطلق على كل الظالمين , و أن يكون جباراً مطلقاً يملك الجبروت على كل الجبارين .. و أن يكون متكبراً على المتكبرين مذلاً للمذلين قوياً على جميع الأقوياء .. و أن يكون الحكم العدل الذي يضع كل إنسان في رتبته و مقامه .
و أصحاب المشاعر الرقيقة الذين يتأففون من تصور الله جباراً معذباً علينا أن نذكرهم بما كان يفعله الخليفة التركي حينما يصدر حكم الإعدام بالخازوق على أعدائه .. و ما كان يفعله و ما كان يفعله الجلاد المنوط به تنفيذ الحكم حينما كان يلقى بالضحية على بطنه ثم يدخل في الشرج خازوقاً ذا رأس حديدية مدببة يظل يدق ببطء حتى تتهتك جميع الأحشاء و يخرج الخازوق من الرقبة .. و كيف أنه كان من واجب الجلاد أن يحتفظ بضحيته حيّاً حتى يخرج الخازوق من رقبته ليشعر بجميع الآلام الضرورية .
و أفظع من ذلك أن تفقأ عيون الأسرى بالأسياخ المحمية في النار .
مثل هؤلاء الجبارين هل من المفروض أن يقدم لهم الله حفلة شاي لأن الله محبة ؟
بل إن جهنم هي منتهى المحبة ما دامت لا توجد وسيلة غيرها لتعريف هؤلاء بأن هناك إلهاً عادلاً .
و هي رحمة من حيث كونها تعريفاً و تعليماً لمن رفض أن يتعلم من جميع الكتب و الرسل , و للذين كذبوا حتى أوليات العقل و بداهات الإنسانية .
أيكون عدلاً أن يقتل هتلر عشرين مليوناً في حرب عالمية .. يسلخ فيها عماله الأسرى و يعدمون الألوف منهم في غرف الغاز و يحرقونهم في المحارق .. ثم عند الهزيمة ينتحر هتلر هارباً و فارّاً من مواجهة نتيجة أعماله .
إن العبث وحده و أن يكون العالم عبثاً في عبث هو الذي يمكن أن ينجي هذا القاتل الشامل من ذنبه .
. و لا يكون الله محبة .. و لا يكون عادلاً .. إلا إذا وضع هذا الرجل في هاوية أعماله .
و عذاب الدنيا دائماً نوع من التقويم .. و كذلك على مستوى الفرد و على مستوى الأمم .. فهزيمة 67 في سيناء كانت درساً , كما أن رسوب الطالب يكون درساً – كما أن آلام المرض و اعتلال الصحة هي لمن عاش , حياة الإسراف و الترف و الرخاوة و المتعة درس .
و العذاب يجلو صدأ النفس و يصقل معدنها .
و لا نعرف نبيّاً أو مصلحاً أو فناناً أو عبقريّاً إل و قد ذاق أشد العذاب مرضاً أو فقراً أو اضطهاداً .
و العذاب من هذه الزاوية محبة .. و هو الضريبة التي يلزم دفعها للانتقال إلى درجة أعلى .
و إذا خفيت عنا الحكمة في العذاب أحياناً فلأننا لا ندرك كل شيء و لا نعرف كل شيء من القصة إلا تلك الرحلة المحدودة بين قوسين التي اسمها الدنيا .. أما ما قبل ذلك و ما بعد ذلك فهو بالنسبة لنا غيب محجوب , و لذا يجب أن نصمت في احترام و لا نطلق الأحكام .
(رحلتى من الشك الى الايمان – مصطفى محمود ص61 , 62 , 63 )
ثانيا : هل العفو عن الخطية يتعارض مع العدل، و تطبيق العقوبة يتعارض مع الرحمة ؟
القول بأن العفو عن الخطية يتعارض مع العدل، والقول بأن تطبيق العقوبة يتعارض مع الرحمة هو قول لا يتفق مع الحكمة. نعم لا يجوز العفو الدائم المستمر عن كل خطية، وإلا فقد القانون شرعيته وتأثيره، كذلك لا يجوز تطبيق العقوبة في كل حالة وإلا تحوّل المشرّع إلى دكتاتور ظالم مستبد. إن فلسفة تطبيق العقاب ينبغي أن تنبت من الرحمة وليس من الانتقام، أي أن الغرض من تطبيق العقاب يجب أن يكون هو الرحمة بالخاطئ لكي يمتنع عن ارتكاب الخطأ، والرحمة بالمجتمع لصيانته من نتائج ارتكاب الخطأ. فإذا تبين أن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إلا بتطبيق العقوبة، فالحكمة تقتضي حينئذ ضرورة تطبيق العقوبة. وأما إذا تبين أن هذا الهدف يمكن أن يتحقق بغير تطبيق العقوبة، فالحكمة تقتضي حينئذ عدم تطبيق العقوبة. فليس هناك أي تعارض بين العدل والرحمة لأن الحكمة تجمع بينهما. وما دام العدل ينبثق من الرحمة وليس من شهوة الانتقام، فلا تعارض بين العدل والرحمة، بل يخضع العدل للرحمة بحسب مقتضيات الحكمة. والله تعالى حكيم، والقول بأنه إذا طبق عدله فإن هذا يتعارض مع رحمته أو إذا طبق رحمته فإن هذا يتعارض مع عدله هو قول يخالف الحكمة والحق، ولا يمكن أن ينتج من الله تعالى الحكيم. وعلى هذا، فلا يمكن أن تكون هذه العقيدة التي أساسها الاختلاف بين العدل والرحمة عقيدة نابعة من لدن الإله الحكيم، فيتحتم رفضها ونبذها باعتبارها خرافة من نتاج العقل الإنساني الناقص، أو من اختراع العقل الإنساني الجاهل بصفات الله العادل الرحيم الحكيم. (أجوبة عن الإيمان – الحلقة الثالثة والثلاثون )