ابن النعمان
2011-02-18, 01:53 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
اللهم اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب
واذا كنا نبحث عن ادلة تثبت تحريف الاناجيل فهذه نماذج منها .
هذا بحث للدكتور محمد عمارة يعطى نماذج من هذه الادلة .
الدليل الأول :
لقد جاء المسيح – عليه السلام – بإِنجيل – أي بشارة بشر بها باللغة الآرامية – فأين هو هذا الإِنجيل ؟ .. إِنجيل المسيح ؟ ..
إِن العالم كله ، بجميع كنائسه .. وبكل مذاهب النصرانية فيه .. لا يملك نسخة واحدة من هذا الإِنجيل .. إِنجيل المسيح – عليه السلام - .
وما لدى كل الكنائس المسيحية هي أناجيل لا يُنسب واحد منها إِلى المسيح .. وإِنما هي « سير » و « قصص » كتِبها كتاب متعددون ومختلفون ، ودونوا فيها ما سمعه كل واحد منهم عن ظهور المسيح ، وما تحدث به ، وما حدث له .
من هنا فإِن الإِنجيل الذي جاء به المسيح .. والذي تحدث عنه القرآن الكريم باعتباره ذكرًا أنزله الله .. وفيه هدى ونور { وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ } [ المائدة : 46 ] .
والذي يطلب من النصارى أن يقيموا أحكامه : { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْأِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ } [ المائدة : 47 ] .
هذا الإِنجيل لا وجود له لدى أي كنيسة من كنائس النصرانية .. ولا لدى أي نصراني في هذا العالم .
والدليل الثاني :
إِن الأناجيل الأربعة المشهورة ، والمعتمدة لدى الكنائس النصرانية الكبرى المعاصرة ، اثنان منها كتبهما اثنان من الجيل التالي لجيل المسيح – أي من تابعي صحابة المسيح .. فمرقس تلميذ لبطرس – الحواري - .. ولوقا تلميذ لبوليس .. فليسا شاهدين على ما كتبا ! .
والإِنجيل الثالث – إِنجيل يوحنا – الذي تفرد بتأليه المسيح – ترجح الدراسات المستندة إِلى النقد الداخلي لنصوصه – أنه قد كتب بواسطة يوحنا آخر – غير يوحنا الحواري – في نهاية القرن الأول الميلادي (10) .
فنحن أمام ثلاثة أناجيل – من أربعة – لا علاقة لها بعصر المسيح ! .
والدليل الثالث :
أن هذه الأناجيل قد انتقلت نصوصها وتغيرت ألفاظها مرات عديدة بالترجمات إِلى العديد من اللغات ، الأمر الذي باعد بين ألفاظها – في هذه الترجمات – مهما بلغت دقتها – إِنما تمثل نوعًا من « الخيانة » للنص الأصلي – وخاصة عندما يكون النص ذا طابع شعري أو وعظي أو صوفي ، تكثر فيه المجازات والكنايات والاستعارات والتشبيهات – كما هو حال هذه الأناجيل – فمن ذا الذي يجرؤ على الحديث عن انتفاء التحريفات والتغييرات التي أصابت هذه الأناجيل ؟! .
إِن إِنجيل متى – على سبيل المثال – وهو الذي يتصدر أناجيل العهد الجديد – قد كتب أولاً بالآرمية لا بالعبرية .. ولقد ترجم إِلى اليونانية .. وضاع النص الأول وبقي الثاني » ! (11) .
وإِذا كانت الأناجيل قد مرت بمئات التغييرات – في الألفاظ ومن ثم في المعاني – عندما ترجمت مئات الترجمات إِلى مئات اللغات الأمر الذي يفتح الباب لدراسات مقارنة لهذه الاختلافات في ألفاظها ومعانيها . فإِننا – مراعاة للمقام – سنضرب على ذلك بعض الأمثلة :
أ ) لقد ترجم إِنجيل مرقس ترجمة مصرية جديدة – ترجمة عربية – ومن يقارن هذه الترجمة بنظيرتها العربية الموجودة ضمن مجموعة « الكتاب المقدس » سيجد العديد من الاختلافات في كل صفحة من الصفحات ! .. فأول سطر – آية – في الطبعة العربية التقليدية : « بدء إِنجيل المسيح ابن الله » .. نجدها في الترجمة العربية الجديدة : « هذه بداية بشارة يسوع المسيح ابن الله » .. فـ « بدء » أصبحت « هذه بداية » .. و « إنجيل » صارت « بشارة » ! .. وفي الآية الثانية نجد أن : « كما هو مكتوب في الأنبياء » - في الطبعة العربية التقليدية – قد صارت : « وفقًا لما هو مكتوب في سفر إِشعيا النبي » ! – في الترجمة العربية الجديدة .
وهكذا امتلأت كل صفحة من صفحات هاتين الطبعتين بالعديد من الاختلافات – في الإِنجيل الواحد ، وفي اللغة الواحدة – فما بالنا بما أصاب هذا الإِنجيل وغيره من الاختلافات والتحريفات عبر مئات الترجمات إِلى مئات اللغات ؟ ! (12) .
ب ) لقد شهد عقد التسعينات من القرن العشرين ترجمات جديدة لنصوص العهدين القديم والجديد إِلى العديد من اللغات الحية ، وقفت وراءها الحركات الأنثوية الغربية المتطرفة .. وتم في هذه الترجمات الجديدة « تحييد » الأسماء الكثيرة المذكرة في هذه النصوص ، كي لا تكون الثقافة الدينية فيها « ثقافة ذكورية » - كما تقول هذه الحركات الأنثوية المتطرفة - .. أي أن التغييرات والتحريفات قد طالت حتى أسماء الله والأنبياء والقديسين ! .
وهذه الترجمات الجديدة يتم الترويج لها والإِشاعة لثقافتها بواسطة قوى العولمة وما بعد الحداثة ، عبر قارات العالم المعاصر ! .
إِذن ، فنحن أمام نصوص دينية لا تمتلك شيئًا من شروط « النص » ، التي تعارف عليها علماء النصوص ! .
إِننا إِذا نظرنا في افتتاحية إِنجيل لوقا – الإِصحاح الأول : 1 – 4 فنقرأ قول لوقا – تلميذ بولس - : « إِذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا . كما سلمها إِلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة ، رأيت أنا أيضًا إِذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إِليك أيها العزيز ثاوفليس . لتعرف صحة الكلام الذي علمت به » .
فنحن أمام نص يقول لنا : إِن كثيرين – وليسوا أربعة فقط – قد ألفوا أناجيل كثيرة ، هي قصص عن ما سلمه الذين عاينوا .. ولوقا هذا قد كتب قصته – إِنجيله – ليصحح الكلام الذي كتبه الكثيرون من كُتَّاب الأناجيل الكثيرة !! .. وادعى أنه هو الذي تتبع كل شيء من الأول بتدقيق – رغم أنه من « التابعين » ، وليس من صحابة المسيح – عليه السلام - ! .
وإِذا كان كلام الله إِنما يستحق هذا الوصف – كلام الله – عندما يكون وحيًا مباشرًا لم يدخل فيه التأليف البشري والإِبداع الإِنساني .. فإِن هذه الأناجيل ، التي كتبها بشر ، والتي حفلت بالعديد من الاختلافات والتناقضات – كما ستأتي الإِشارات إِلى ذلك – لا يمكن أن تكون وحيا إِلهيًا ، ولا أن تكون نص كلام الله .. وإِلا لجاز لنا – في الإِسلام – أن نطلق وصف « الوحي » و « كلام الله » على آلاف الكتب التي ألفت في سيرة رسولنا – عليه الصلاة والسلام - ! .
هو شهادة شاهد من أهلها على حدوث الاختلافات والتحريفات والتناقضات – وحتى الشكوك في حقيقة كُتَّاب هذه الأناجيل - ..
فلقد جاء في ( دائرة المعارف البريطانية ) – وهي أوثق وأشهر دوائر المعارف في العالم المسيحي – جاء عن هذه الأناجيل الأربعة :
أ ) إِنجيل متى : « إِن كون متى هو مؤلف هذا الإِنجيل أمر مشكوك فيه بجد (13) .. ومن المسلم به أن متى قد اعتمد في كتابه إِنجيله على إِنجيل مرقس ، أول الأناجيل تأليفًا ، حيث حوي 600 عدد من أعداد إِنجيل مرقس البالغة 621 عددا ، أي 90 % من محتويات إِنجيل مرقس .
والسؤال الذي يتبادر إِلى الذهن : كيف يعتمد متى ، وهو حواري المسيح الذي لازمه منذ البداية – منذ بداية دعوته – على إِنجيل كتبه مرقس ، وهو تلميذ الحواري بطرس ، أي من الجيل الثاني من أتباع المسيح ؟ ! .
ب ) إِنجيل مرقس : تقول عنه الموسوعة البريطانية : « في أفضل المخطوطات ، فإِن الأعداد من 9 إلى 20 تعتبر عمومًا إِضافات متأخرة .. والأعداد الأخيرة – 16 : 9 – 20 غير موجودة في بعض المخطوطات ، ويوجد عوضًا عنها مقاطع أقصر في مخطوطات أخرى . وهناك خلاف حول تأليف مرقس لهذا الجزء » (14) .
ج ) إِنجيل لوقا : تقول عنه الموسوعة البريطانية : « إِن مؤلف هذا الإِنجيل يظل مجهولاً (15) .
د ) إِنجيل يوحنا : وهو الإِنجيل الوحيد الذي نص بكل صراحة على ألوهية عيسى ، حيث نقل عن عيسى أنه قال : « أنا والآب واحد » - يوحنا 14 : 9 ، « أنا في الآب والآب فيّ » - يوحنا 14 : 10 .
ويتعارض هذا الإِنجيل مع الأناجيل الأخرى في أمور مهمة جدًا وحاسمة ، فهو يذكر أن المسيح صلب يوم 14 نيسان – ( أبريل ) – بينما يفهم من بقية الأناجيل أن الصلب كان يوم 15 نيسان ، ولا يذكر يوحنا في إِنجيله تفاصيل رواية القربان المقدس – أو العشاء الأخير – التي أصبحت فيما بعد شعيرة من شعائر المسيحية ، ولا يذكر أن المسيح تعمَّد بواسطة يوحنا المعمدان . وفي حين يفهم من إِنجيل يوحنا أن رسالة المسيح استغرقت ثلاثة أعوام ، فإِنه يفهم من الأناجيل الأخرى أنها استغرقت عامًا واحدًا .
ويوحنا هو الوحيد الذي ذكر أن عيسى أخبر تلاميذه ، قبل صلبه أنه سيرسل « الفارقليط » وهذه الاختلافات المهمة – وغيرها كثير – جعلت الموسوعة البريطانية تورد قول الأسقف « بابياس » - المتوفى سنة 130 م – أي المعاصر لكتابة الأناجيل – عن وجود أكثر من يوحنا – يوحنا بن زبدي ، الحواري .. ويوحنا آخر ، هو الكاهن في أفسس .
وفي داخل الإِنجيل يفهم أنه كتب بواسطة حواري محبوب مجهول الأسم .
وبما أن الشواهد الداخلية والخارجية مشكوك فيها ، فإِن الفرضية المطروحة لهذا العمل هي : أن إِنجيل يوحنا ورسائله حررت في مكان ما في الشرق ، ربما في أفسس ، كإِنتاج لمدرسة أو دائرة متأثرة بيوحنا في نهاية القرن الأول الميلادي (16) .
والدليل السادس :
هو أن تاريخ كتابة هذه الأناجيل متأخر عن عصر المسيح – عليه السلام – وتاريخ وفاته .
فأقدم هذه الأناجيل – كما تذكر ذلك الموسوعة البريطانية – هو إِنجيل مرقس – الذي كُتب ما بين سنة 65 م وسنة 70 م – أي بعد ثلاثين عامًا من رفع المسيح – عليه السلام - .
وإِنجيل متى كتب ما بين سنة 70 م وسنة 80 م .
وإِنجيل لوقا كُتب سنة 80 م .
أما إِنجيل يوحنا فكُتب في نهاية القرن الميلادي الأول – أي سنة 100 م .. (17) .
هذا إِذا سلمنا بأن كُتَّابها هم الذين نُسبت إليهم كتابتها ! .. مع الأخذ في الاعتبار أن مرقس ولوقا لم يشهدا أحداث القصة التي كتباها .. وإِنما كتبا ما سمعاه شفهيًا من قصص تلك الأحداث ، نقلاً عن الجيل السابق عليهما ! .
وكما يقول الأسقف « بابياس » - المتوفى سنة 130 م – أي المعاصر لكتبة هذه الأناجيل - : « فإِن مرقس الذي كان ترجمانًا لبطرس ، قد كتب القدر الكافي من الدقة التي سمحت بها ذاكرته ما قيل عن أعمال يسوع وأقواله ، ولكن دون مراعاة للنظام ، لأن مرقس لم يكن قد سمع يسوع ، ولا كان تابعًا شخصيًا له ، لكنه في مرحلة متأخرة .. قد تبع بطرس » (18) .
وفي هذا النص الخطير للأسقف « بابياس » تصريح بأن مرقس قد كتب « ما سمحت به ذاكرته » ، و « دون مراعاة للنظام » .. الأمر الذي ينفي نفيًا قاطعًا عن هذه النصوص النصرانية صفة الوحي الإِلهي .. فهي « ذكريات بشرية » أو مجرد « مذكرات » ! ..
والدليل السابع :
ثم كيف ينتفى التحريف اللفظي عن هذه النصوص ، وهناك مغايرة بين اللغة التي كان يعظ بها المسيح – عليه السلام – أي لغة الإِنجيل الذي جاء به .. وهي اللغة الآرامية – وبين اللغة الإِغريقية التي كتبت بها النسخ الأصلية لهذه الأناجيل ؟! .. الأمر الذي جعل الرب « كانينجسر » R.P.Kanenengesser - الأستاذ بالمعهد الكاثوليكي بباريس – يقول : « لا يجب الأخذ بحرفية الأناجيل . إِنهم حفظوا منها نصيبًا ، وإِنهم حرَّفوا النصيب الذي أُتوه ، وأنه أعطى عيسى الإِنجيل ، وقال في أتباعه مثل ما قال في اليهود : فهي كتابات ظرفية خصامية ، حرر مؤلفوها تراث جماعتهم المسيحية » .
كما كتب مؤلفو كتاب ( الترجمة المسكونية للعهد الجديد ) – وهم أكثر من مائة متخصص من الكاثوليك والبروتستانت – فقالوا : « لقد جمع المبشرون وحرروا ، كل حسب وجهة نظره الخاصة ، ما أعطاهم إِياه التراث الشفهي » (19) .
والدليل الثامن :
إِن الأصول الأولى لكل الأناجيل – المشهورة والمعتمدة عند الكنائس المسيحية – قد فُقدت .. وأقدم المخطوطات لهذه الأناجيل الحالية يفصل بينها وبين المسيح وعصر من نسبت إِليهم هذه الأناجيل ما يقرب من ثلثمائة عام ! ..
وبشهادة الموسوعة البريطانية : « فإِن جميع النسخ الأصلية للعهد الجديد التي كتبت بأيدي مؤلفيها الأصليين قد اختفت ، وأن هناك فاصلاً زمنيًا لا يقل عن مائتين أو ثلثمائة سنة بين أحداث العهد الجديد وتاريخ كتابة مخطوطاته الموجودة حاليًا » (20) .
وبعبارة دكتور موريس بوكاي : « فإننا لا نملك أي شهادة لشاهد عيان لحياة المسيح ، وهذا خلافًا لما يتصوره كثير من المسيحيين » (21) .
والدليل التاسع :
وغير فقد المخطوطات الأصلية للأناجيل واختفائها .. ووجود فجوة زمنية تبلغ مئات السنين بين الأصول الأولى للأناجيل وبين المخطوطات التي أخذت عنها هذه الأناجيل الحالية .. فوق كل هذا فإِن هناك أكثر من مائة وخمسين ألفًا ( 000ر150 ) من مواضع الاختلاف بين المخطوطات التي طبعت منها الأناجيل المتداولة الآن !! .. وهذه الاختلافات ليست بين مخطوطات الأناجيل المختلفة فقط ، بل وفي مخطوطات الإِنجيل الواحد ! .
.. وبنص عبارة الموسوعة البريطانية : « فإِن جميع نسخ الكتاب المقدس ، قبل عصر الطباعة تظهر اختلافات في النصوص .. وإِن مقتبسات آباء الكنيسة من كتب العهد الجديد ، والتي تغطيه تقريبًا ، تظهر أكثر من مائة وخمسين ألفًا من الاختلافات بين النصوص » (22) .
وهذه الحقيقة ، التي أشارت إِليها الموسوعة البريطانية – حقيقة الاختلافات بين نصوص الأناجيل التي اقتبسها الآباء – آباء الكنيسة – وبين صورة هذه النصوص في الأناجيل الحالية .. عليها شواهد ونماذج كثيرة .
فلقد كان انتقال التبشير بالمسيحية من الإِطار الإِسرائيلي – الذي بُعث إِليه المسيح – إِلى إطار الأمم ، سببًا في تغيير وتعديل نصوص الأناجيل لتلائم التبشير بين الأمم ، وذلك بحذف الكلمات التي تشير إِلى اختصاص النصوص ببني إِسرائيل ، أو تشير إلى تراثهم .
وفي كتاب ( الدسقولية : تعاليم الرسل ) – الذي وضعه الآباء الأُول – أدلة على اختلاف النصوص – التي اقتبسها الآباء في هذا الكتاب – عنها في الأناجيل الحالية .
ففي النص الذي اقتبسته ( الدسقولية ) من إِنجيل متى يقول المسيح – عليه السلام - : « مكتوب في الناموس : لاتزن » .. « وأنا أقول لكم : إِني أنا الذي نطقت بالناموس من فم موسى » .
فهو هنا يخاطب اليهود – قوم موسى – الذين يعرفون الناموس – الشريعة التي جاء بها موسى – ولذلك يستخدم المصطلحات المعروفة لهم ، والتي تشير إِلى المواريث الدينية التي يعرفونها .
فلما انتقل التبشير بالإِنجيل إِلى الأمم – خارج الفضاء اليهودي – أدخلت على ذات الإنجيل – إِنجيل متى – التغييرات والتعديلات والتحريفات التي تجعله مناسبًا للأمم ، وغير خاص باليهود وتراثهم .
فبدلاً من « مكتوب في الناموس لا تزن » أصبح النص – في الإِنجيل الحالي - : « قد سمعتم أنه قيل للقدماس : لا تزن » .
فحذف مصطلح « الناموس » .. وحذفت الإِشارة إِلى « موسى » والناموس الذي نطق به فمه ، حتى يصبح « الكلام » مقبولاً من الأمم ، وغير خاص باليهود وتراثهم الديني .
وفي نص آخر : اقتبست ( الدسقولية ) من إِنجيل متى – في زمن مبكر – قول المسيح – وهو يخاطب اليهود - :
« إِن كل من نظر إِلى امرأة صاحبة ليشتهيها يزني بها في قلبه » .
فلما انتقل التبشير بالإِنجيل إِلى الأمم – خارج الإِطار اليهودي – تغير النص إِلى : « إِن كل من نظر إِلى امرأة ليشتهيها فقد زني بها في قلبه » - متى 5 : 27 ، 28 .
فحذفت كلمة « صاحبة » التي كانت تخصص التحريم باشتهاء اليهودية فقط ، دون غيرها .. وذلك ليكون النص – المعدل والمحرف – خاليا من العنصرية اليهودية التي تحصر التحريم في اشتهاء اليهودية وحدها . وليكون النص – المعدل – خطابًا صالحًا لعموم الأمم ، لا لليهود وحدهم ! ..
وفي نص ثالث نقلته ( الدسقولية ) – في مرحلة مبكرة – عن إِنجيل متى - :
« فلأجل هذا قال الرب :
تشبَّهوا بطيور السماء ، فإِنها لا تزرع ، ولا تحصد ، ولا تخزن في الأهراء ، وأبوكم السماوي يقوتها ، ألستم أنتم أفضل منها ؟ فلا تهتموا قائلين : ماذا نأكل وماذا نشرب لأن أباكم عارف بحاجتكم إِلى هذا كله )) .
فإِذا رجعنا إِلى هذا النص في النسخة الحالية من إِنجيل متى ، نجده هكذا :
« انظروا إِلى طيور السماء ، إِنها لا تزرع ، ولا تحصد ، ولا تجمع إِلى مخازن ، وأبوكم السموى يقوتها ، ألستم أنتم بالحرى أفضل منها ؟ .
« ومن منكم إِذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعًا واحدة ؟ ولماذا تهتمون باللباس ؟
تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو ، لا تتعب ، ولا تغزل ، ولكن أقول لكم : إِنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها ، فإِن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ، ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا ، أفليس بالحرى جدًا يلبسكم أنتم يا قليلي الإِيمان » ؟
« فلا تهتموا قائلين : ماذا نأكل ،أو ماذا نشرب ، أو ماذا نلبس ، فإِن هذه كلها تطلبها « الأمم » « لأن أباكم السموى يعلم أنكم تحتاجون إِلى هذه كلها » - متى : 6 : 25 – 32 .
وبالمقارنة بين النص كما اقتبسته ( الدسقولية ) – في مرحلة مبكرة – وبين النص كما هو عليه في الصورة الحالية لإِنجيل متى ، نجد :
1 – إِنه قد تم توسيع النص القديم في النسخة الحالية بإِضافة ما يوازي ضعف حجمه الأصلي .
2 – وأن الجزء المضاف يتعلق بعنصر لم ترد الإِشارة إِليه في النص القديم ، وهو عنصر « اللباس » .
3 – وأن الصورة الحالية للنص قد حفلت بالصور والمؤثرات الوجدانية ، والتمثيل بزنابق الحقل – وهي الصور التي خلا منها النص القديم .
4 – كما أشار النص الحالي – المعدل – إِلى « الأمم » في سياق يتم عن اهتمام الآب السموى بكل الأمم ، وأنه لا يقتصر على شعب بعينه ، مما يناقض العنصرية اليهودية ، ولم يكن ذلك في النص القديم .
هوامش البحث:
10ـ ( دائرة المعارف البريطانية ) المجلد الثاني ص 955 .
11ـ د. ميشال الحايك ( المسيح في الإٍسلام ) ص 124 – هامش ( 46 ) طبعة بيروت سنة 2004 م .
12ـ قارن إنجيل مرقس – طبعة دار الكتاب المقدس ، ضمن مجموعة العهد القديم والجديد – بالطبعة العربية التي ترجمتها لجنة مكونة من : زكي شنوده ، د. مراد كامل ، د. باهور لبيب ، حلمي مراد – برئاسة الأنبا غريغوريوس – طبعة دار المعارف – القاهرة سنة 1975 م .
13ـ المجلد 6 ص 697 .
14ـ المصدر السابق . المجلد الثاني ص 951 ، 953 .
15ـ المصدر السابق . المجلد الثاني . ص 954 .
16ـ المصدر السابق . المجلد الثاني . ص 955 .
17ـ المصدر السابق . المجلد الثاني . ص 953 – 955 . وانظر كذلك : محمد السعدي ( حول موثوقية الأناجيل والتوراة ) ص 15 – 24 طبعة طرابلس – ليبيا – سنة 1986 م .
18ـ د. أحمد عبد الوهاب ( المسيح في مصادر العقائد المسيحية ) ص 51 – طبعة مكتبة وهبة – القاهرة سنة 1978 م .
19ـ د. موريس بوكاى ( دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ) ص 78 طبعة دار المعارف – القاهرة سنة 1977 م – والنقل عن ( حول موثوقية الأناجيل والتوراة ) ص 29 .
20ـ ( الموسوعة البريطانية ) المجلد الثاني . ص 941 .
21ـ ( دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ) ص 11 .
22ـ الموسوعة البريطانية . المجلد الثاني . ص 941 .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
اللهم اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب
واذا كنا نبحث عن ادلة تثبت تحريف الاناجيل فهذه نماذج منها .
هذا بحث للدكتور محمد عمارة يعطى نماذج من هذه الادلة .
الدليل الأول :
لقد جاء المسيح – عليه السلام – بإِنجيل – أي بشارة بشر بها باللغة الآرامية – فأين هو هذا الإِنجيل ؟ .. إِنجيل المسيح ؟ ..
إِن العالم كله ، بجميع كنائسه .. وبكل مذاهب النصرانية فيه .. لا يملك نسخة واحدة من هذا الإِنجيل .. إِنجيل المسيح – عليه السلام - .
وما لدى كل الكنائس المسيحية هي أناجيل لا يُنسب واحد منها إِلى المسيح .. وإِنما هي « سير » و « قصص » كتِبها كتاب متعددون ومختلفون ، ودونوا فيها ما سمعه كل واحد منهم عن ظهور المسيح ، وما تحدث به ، وما حدث له .
من هنا فإِن الإِنجيل الذي جاء به المسيح .. والذي تحدث عنه القرآن الكريم باعتباره ذكرًا أنزله الله .. وفيه هدى ونور { وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ } [ المائدة : 46 ] .
والذي يطلب من النصارى أن يقيموا أحكامه : { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْأِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ } [ المائدة : 47 ] .
هذا الإِنجيل لا وجود له لدى أي كنيسة من كنائس النصرانية .. ولا لدى أي نصراني في هذا العالم .
والدليل الثاني :
إِن الأناجيل الأربعة المشهورة ، والمعتمدة لدى الكنائس النصرانية الكبرى المعاصرة ، اثنان منها كتبهما اثنان من الجيل التالي لجيل المسيح – أي من تابعي صحابة المسيح .. فمرقس تلميذ لبطرس – الحواري - .. ولوقا تلميذ لبوليس .. فليسا شاهدين على ما كتبا ! .
والإِنجيل الثالث – إِنجيل يوحنا – الذي تفرد بتأليه المسيح – ترجح الدراسات المستندة إِلى النقد الداخلي لنصوصه – أنه قد كتب بواسطة يوحنا آخر – غير يوحنا الحواري – في نهاية القرن الأول الميلادي (10) .
فنحن أمام ثلاثة أناجيل – من أربعة – لا علاقة لها بعصر المسيح ! .
والدليل الثالث :
أن هذه الأناجيل قد انتقلت نصوصها وتغيرت ألفاظها مرات عديدة بالترجمات إِلى العديد من اللغات ، الأمر الذي باعد بين ألفاظها – في هذه الترجمات – مهما بلغت دقتها – إِنما تمثل نوعًا من « الخيانة » للنص الأصلي – وخاصة عندما يكون النص ذا طابع شعري أو وعظي أو صوفي ، تكثر فيه المجازات والكنايات والاستعارات والتشبيهات – كما هو حال هذه الأناجيل – فمن ذا الذي يجرؤ على الحديث عن انتفاء التحريفات والتغييرات التي أصابت هذه الأناجيل ؟! .
إِن إِنجيل متى – على سبيل المثال – وهو الذي يتصدر أناجيل العهد الجديد – قد كتب أولاً بالآرمية لا بالعبرية .. ولقد ترجم إِلى اليونانية .. وضاع النص الأول وبقي الثاني » ! (11) .
وإِذا كانت الأناجيل قد مرت بمئات التغييرات – في الألفاظ ومن ثم في المعاني – عندما ترجمت مئات الترجمات إِلى مئات اللغات الأمر الذي يفتح الباب لدراسات مقارنة لهذه الاختلافات في ألفاظها ومعانيها . فإِننا – مراعاة للمقام – سنضرب على ذلك بعض الأمثلة :
أ ) لقد ترجم إِنجيل مرقس ترجمة مصرية جديدة – ترجمة عربية – ومن يقارن هذه الترجمة بنظيرتها العربية الموجودة ضمن مجموعة « الكتاب المقدس » سيجد العديد من الاختلافات في كل صفحة من الصفحات ! .. فأول سطر – آية – في الطبعة العربية التقليدية : « بدء إِنجيل المسيح ابن الله » .. نجدها في الترجمة العربية الجديدة : « هذه بداية بشارة يسوع المسيح ابن الله » .. فـ « بدء » أصبحت « هذه بداية » .. و « إنجيل » صارت « بشارة » ! .. وفي الآية الثانية نجد أن : « كما هو مكتوب في الأنبياء » - في الطبعة العربية التقليدية – قد صارت : « وفقًا لما هو مكتوب في سفر إِشعيا النبي » ! – في الترجمة العربية الجديدة .
وهكذا امتلأت كل صفحة من صفحات هاتين الطبعتين بالعديد من الاختلافات – في الإِنجيل الواحد ، وفي اللغة الواحدة – فما بالنا بما أصاب هذا الإِنجيل وغيره من الاختلافات والتحريفات عبر مئات الترجمات إِلى مئات اللغات ؟ ! (12) .
ب ) لقد شهد عقد التسعينات من القرن العشرين ترجمات جديدة لنصوص العهدين القديم والجديد إِلى العديد من اللغات الحية ، وقفت وراءها الحركات الأنثوية الغربية المتطرفة .. وتم في هذه الترجمات الجديدة « تحييد » الأسماء الكثيرة المذكرة في هذه النصوص ، كي لا تكون الثقافة الدينية فيها « ثقافة ذكورية » - كما تقول هذه الحركات الأنثوية المتطرفة - .. أي أن التغييرات والتحريفات قد طالت حتى أسماء الله والأنبياء والقديسين ! .
وهذه الترجمات الجديدة يتم الترويج لها والإِشاعة لثقافتها بواسطة قوى العولمة وما بعد الحداثة ، عبر قارات العالم المعاصر ! .
إِذن ، فنحن أمام نصوص دينية لا تمتلك شيئًا من شروط « النص » ، التي تعارف عليها علماء النصوص ! .
إِننا إِذا نظرنا في افتتاحية إِنجيل لوقا – الإِصحاح الأول : 1 – 4 فنقرأ قول لوقا – تلميذ بولس - : « إِذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا . كما سلمها إِلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة ، رأيت أنا أيضًا إِذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إِليك أيها العزيز ثاوفليس . لتعرف صحة الكلام الذي علمت به » .
فنحن أمام نص يقول لنا : إِن كثيرين – وليسوا أربعة فقط – قد ألفوا أناجيل كثيرة ، هي قصص عن ما سلمه الذين عاينوا .. ولوقا هذا قد كتب قصته – إِنجيله – ليصحح الكلام الذي كتبه الكثيرون من كُتَّاب الأناجيل الكثيرة !! .. وادعى أنه هو الذي تتبع كل شيء من الأول بتدقيق – رغم أنه من « التابعين » ، وليس من صحابة المسيح – عليه السلام - ! .
وإِذا كان كلام الله إِنما يستحق هذا الوصف – كلام الله – عندما يكون وحيًا مباشرًا لم يدخل فيه التأليف البشري والإِبداع الإِنساني .. فإِن هذه الأناجيل ، التي كتبها بشر ، والتي حفلت بالعديد من الاختلافات والتناقضات – كما ستأتي الإِشارات إِلى ذلك – لا يمكن أن تكون وحيا إِلهيًا ، ولا أن تكون نص كلام الله .. وإِلا لجاز لنا – في الإِسلام – أن نطلق وصف « الوحي » و « كلام الله » على آلاف الكتب التي ألفت في سيرة رسولنا – عليه الصلاة والسلام - ! .
هو شهادة شاهد من أهلها على حدوث الاختلافات والتحريفات والتناقضات – وحتى الشكوك في حقيقة كُتَّاب هذه الأناجيل - ..
فلقد جاء في ( دائرة المعارف البريطانية ) – وهي أوثق وأشهر دوائر المعارف في العالم المسيحي – جاء عن هذه الأناجيل الأربعة :
أ ) إِنجيل متى : « إِن كون متى هو مؤلف هذا الإِنجيل أمر مشكوك فيه بجد (13) .. ومن المسلم به أن متى قد اعتمد في كتابه إِنجيله على إِنجيل مرقس ، أول الأناجيل تأليفًا ، حيث حوي 600 عدد من أعداد إِنجيل مرقس البالغة 621 عددا ، أي 90 % من محتويات إِنجيل مرقس .
والسؤال الذي يتبادر إِلى الذهن : كيف يعتمد متى ، وهو حواري المسيح الذي لازمه منذ البداية – منذ بداية دعوته – على إِنجيل كتبه مرقس ، وهو تلميذ الحواري بطرس ، أي من الجيل الثاني من أتباع المسيح ؟ ! .
ب ) إِنجيل مرقس : تقول عنه الموسوعة البريطانية : « في أفضل المخطوطات ، فإِن الأعداد من 9 إلى 20 تعتبر عمومًا إِضافات متأخرة .. والأعداد الأخيرة – 16 : 9 – 20 غير موجودة في بعض المخطوطات ، ويوجد عوضًا عنها مقاطع أقصر في مخطوطات أخرى . وهناك خلاف حول تأليف مرقس لهذا الجزء » (14) .
ج ) إِنجيل لوقا : تقول عنه الموسوعة البريطانية : « إِن مؤلف هذا الإِنجيل يظل مجهولاً (15) .
د ) إِنجيل يوحنا : وهو الإِنجيل الوحيد الذي نص بكل صراحة على ألوهية عيسى ، حيث نقل عن عيسى أنه قال : « أنا والآب واحد » - يوحنا 14 : 9 ، « أنا في الآب والآب فيّ » - يوحنا 14 : 10 .
ويتعارض هذا الإِنجيل مع الأناجيل الأخرى في أمور مهمة جدًا وحاسمة ، فهو يذكر أن المسيح صلب يوم 14 نيسان – ( أبريل ) – بينما يفهم من بقية الأناجيل أن الصلب كان يوم 15 نيسان ، ولا يذكر يوحنا في إِنجيله تفاصيل رواية القربان المقدس – أو العشاء الأخير – التي أصبحت فيما بعد شعيرة من شعائر المسيحية ، ولا يذكر أن المسيح تعمَّد بواسطة يوحنا المعمدان . وفي حين يفهم من إِنجيل يوحنا أن رسالة المسيح استغرقت ثلاثة أعوام ، فإِنه يفهم من الأناجيل الأخرى أنها استغرقت عامًا واحدًا .
ويوحنا هو الوحيد الذي ذكر أن عيسى أخبر تلاميذه ، قبل صلبه أنه سيرسل « الفارقليط » وهذه الاختلافات المهمة – وغيرها كثير – جعلت الموسوعة البريطانية تورد قول الأسقف « بابياس » - المتوفى سنة 130 م – أي المعاصر لكتابة الأناجيل – عن وجود أكثر من يوحنا – يوحنا بن زبدي ، الحواري .. ويوحنا آخر ، هو الكاهن في أفسس .
وفي داخل الإِنجيل يفهم أنه كتب بواسطة حواري محبوب مجهول الأسم .
وبما أن الشواهد الداخلية والخارجية مشكوك فيها ، فإِن الفرضية المطروحة لهذا العمل هي : أن إِنجيل يوحنا ورسائله حررت في مكان ما في الشرق ، ربما في أفسس ، كإِنتاج لمدرسة أو دائرة متأثرة بيوحنا في نهاية القرن الأول الميلادي (16) .
والدليل السادس :
هو أن تاريخ كتابة هذه الأناجيل متأخر عن عصر المسيح – عليه السلام – وتاريخ وفاته .
فأقدم هذه الأناجيل – كما تذكر ذلك الموسوعة البريطانية – هو إِنجيل مرقس – الذي كُتب ما بين سنة 65 م وسنة 70 م – أي بعد ثلاثين عامًا من رفع المسيح – عليه السلام - .
وإِنجيل متى كتب ما بين سنة 70 م وسنة 80 م .
وإِنجيل لوقا كُتب سنة 80 م .
أما إِنجيل يوحنا فكُتب في نهاية القرن الميلادي الأول – أي سنة 100 م .. (17) .
هذا إِذا سلمنا بأن كُتَّابها هم الذين نُسبت إليهم كتابتها ! .. مع الأخذ في الاعتبار أن مرقس ولوقا لم يشهدا أحداث القصة التي كتباها .. وإِنما كتبا ما سمعاه شفهيًا من قصص تلك الأحداث ، نقلاً عن الجيل السابق عليهما ! .
وكما يقول الأسقف « بابياس » - المتوفى سنة 130 م – أي المعاصر لكتبة هذه الأناجيل - : « فإِن مرقس الذي كان ترجمانًا لبطرس ، قد كتب القدر الكافي من الدقة التي سمحت بها ذاكرته ما قيل عن أعمال يسوع وأقواله ، ولكن دون مراعاة للنظام ، لأن مرقس لم يكن قد سمع يسوع ، ولا كان تابعًا شخصيًا له ، لكنه في مرحلة متأخرة .. قد تبع بطرس » (18) .
وفي هذا النص الخطير للأسقف « بابياس » تصريح بأن مرقس قد كتب « ما سمحت به ذاكرته » ، و « دون مراعاة للنظام » .. الأمر الذي ينفي نفيًا قاطعًا عن هذه النصوص النصرانية صفة الوحي الإِلهي .. فهي « ذكريات بشرية » أو مجرد « مذكرات » ! ..
والدليل السابع :
ثم كيف ينتفى التحريف اللفظي عن هذه النصوص ، وهناك مغايرة بين اللغة التي كان يعظ بها المسيح – عليه السلام – أي لغة الإِنجيل الذي جاء به .. وهي اللغة الآرامية – وبين اللغة الإِغريقية التي كتبت بها النسخ الأصلية لهذه الأناجيل ؟! .. الأمر الذي جعل الرب « كانينجسر » R.P.Kanenengesser - الأستاذ بالمعهد الكاثوليكي بباريس – يقول : « لا يجب الأخذ بحرفية الأناجيل . إِنهم حفظوا منها نصيبًا ، وإِنهم حرَّفوا النصيب الذي أُتوه ، وأنه أعطى عيسى الإِنجيل ، وقال في أتباعه مثل ما قال في اليهود : فهي كتابات ظرفية خصامية ، حرر مؤلفوها تراث جماعتهم المسيحية » .
كما كتب مؤلفو كتاب ( الترجمة المسكونية للعهد الجديد ) – وهم أكثر من مائة متخصص من الكاثوليك والبروتستانت – فقالوا : « لقد جمع المبشرون وحرروا ، كل حسب وجهة نظره الخاصة ، ما أعطاهم إِياه التراث الشفهي » (19) .
والدليل الثامن :
إِن الأصول الأولى لكل الأناجيل – المشهورة والمعتمدة عند الكنائس المسيحية – قد فُقدت .. وأقدم المخطوطات لهذه الأناجيل الحالية يفصل بينها وبين المسيح وعصر من نسبت إِليهم هذه الأناجيل ما يقرب من ثلثمائة عام ! ..
وبشهادة الموسوعة البريطانية : « فإِن جميع النسخ الأصلية للعهد الجديد التي كتبت بأيدي مؤلفيها الأصليين قد اختفت ، وأن هناك فاصلاً زمنيًا لا يقل عن مائتين أو ثلثمائة سنة بين أحداث العهد الجديد وتاريخ كتابة مخطوطاته الموجودة حاليًا » (20) .
وبعبارة دكتور موريس بوكاي : « فإننا لا نملك أي شهادة لشاهد عيان لحياة المسيح ، وهذا خلافًا لما يتصوره كثير من المسيحيين » (21) .
والدليل التاسع :
وغير فقد المخطوطات الأصلية للأناجيل واختفائها .. ووجود فجوة زمنية تبلغ مئات السنين بين الأصول الأولى للأناجيل وبين المخطوطات التي أخذت عنها هذه الأناجيل الحالية .. فوق كل هذا فإِن هناك أكثر من مائة وخمسين ألفًا ( 000ر150 ) من مواضع الاختلاف بين المخطوطات التي طبعت منها الأناجيل المتداولة الآن !! .. وهذه الاختلافات ليست بين مخطوطات الأناجيل المختلفة فقط ، بل وفي مخطوطات الإِنجيل الواحد ! .
.. وبنص عبارة الموسوعة البريطانية : « فإِن جميع نسخ الكتاب المقدس ، قبل عصر الطباعة تظهر اختلافات في النصوص .. وإِن مقتبسات آباء الكنيسة من كتب العهد الجديد ، والتي تغطيه تقريبًا ، تظهر أكثر من مائة وخمسين ألفًا من الاختلافات بين النصوص » (22) .
وهذه الحقيقة ، التي أشارت إِليها الموسوعة البريطانية – حقيقة الاختلافات بين نصوص الأناجيل التي اقتبسها الآباء – آباء الكنيسة – وبين صورة هذه النصوص في الأناجيل الحالية .. عليها شواهد ونماذج كثيرة .
فلقد كان انتقال التبشير بالمسيحية من الإِطار الإِسرائيلي – الذي بُعث إِليه المسيح – إِلى إطار الأمم ، سببًا في تغيير وتعديل نصوص الأناجيل لتلائم التبشير بين الأمم ، وذلك بحذف الكلمات التي تشير إِلى اختصاص النصوص ببني إِسرائيل ، أو تشير إلى تراثهم .
وفي كتاب ( الدسقولية : تعاليم الرسل ) – الذي وضعه الآباء الأُول – أدلة على اختلاف النصوص – التي اقتبسها الآباء في هذا الكتاب – عنها في الأناجيل الحالية .
ففي النص الذي اقتبسته ( الدسقولية ) من إِنجيل متى يقول المسيح – عليه السلام - : « مكتوب في الناموس : لاتزن » .. « وأنا أقول لكم : إِني أنا الذي نطقت بالناموس من فم موسى » .
فهو هنا يخاطب اليهود – قوم موسى – الذين يعرفون الناموس – الشريعة التي جاء بها موسى – ولذلك يستخدم المصطلحات المعروفة لهم ، والتي تشير إِلى المواريث الدينية التي يعرفونها .
فلما انتقل التبشير بالإِنجيل إِلى الأمم – خارج الفضاء اليهودي – أدخلت على ذات الإنجيل – إِنجيل متى – التغييرات والتعديلات والتحريفات التي تجعله مناسبًا للأمم ، وغير خاص باليهود وتراثهم .
فبدلاً من « مكتوب في الناموس لا تزن » أصبح النص – في الإِنجيل الحالي - : « قد سمعتم أنه قيل للقدماس : لا تزن » .
فحذف مصطلح « الناموس » .. وحذفت الإِشارة إِلى « موسى » والناموس الذي نطق به فمه ، حتى يصبح « الكلام » مقبولاً من الأمم ، وغير خاص باليهود وتراثهم الديني .
وفي نص آخر : اقتبست ( الدسقولية ) من إِنجيل متى – في زمن مبكر – قول المسيح – وهو يخاطب اليهود - :
« إِن كل من نظر إِلى امرأة صاحبة ليشتهيها يزني بها في قلبه » .
فلما انتقل التبشير بالإِنجيل إِلى الأمم – خارج الإِطار اليهودي – تغير النص إِلى : « إِن كل من نظر إِلى امرأة ليشتهيها فقد زني بها في قلبه » - متى 5 : 27 ، 28 .
فحذفت كلمة « صاحبة » التي كانت تخصص التحريم باشتهاء اليهودية فقط ، دون غيرها .. وذلك ليكون النص – المعدل والمحرف – خاليا من العنصرية اليهودية التي تحصر التحريم في اشتهاء اليهودية وحدها . وليكون النص – المعدل – خطابًا صالحًا لعموم الأمم ، لا لليهود وحدهم ! ..
وفي نص ثالث نقلته ( الدسقولية ) – في مرحلة مبكرة – عن إِنجيل متى - :
« فلأجل هذا قال الرب :
تشبَّهوا بطيور السماء ، فإِنها لا تزرع ، ولا تحصد ، ولا تخزن في الأهراء ، وأبوكم السماوي يقوتها ، ألستم أنتم أفضل منها ؟ فلا تهتموا قائلين : ماذا نأكل وماذا نشرب لأن أباكم عارف بحاجتكم إِلى هذا كله )) .
فإِذا رجعنا إِلى هذا النص في النسخة الحالية من إِنجيل متى ، نجده هكذا :
« انظروا إِلى طيور السماء ، إِنها لا تزرع ، ولا تحصد ، ولا تجمع إِلى مخازن ، وأبوكم السموى يقوتها ، ألستم أنتم بالحرى أفضل منها ؟ .
« ومن منكم إِذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعًا واحدة ؟ ولماذا تهتمون باللباس ؟
تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو ، لا تتعب ، ولا تغزل ، ولكن أقول لكم : إِنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها ، فإِن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ، ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا ، أفليس بالحرى جدًا يلبسكم أنتم يا قليلي الإِيمان » ؟
« فلا تهتموا قائلين : ماذا نأكل ،أو ماذا نشرب ، أو ماذا نلبس ، فإِن هذه كلها تطلبها « الأمم » « لأن أباكم السموى يعلم أنكم تحتاجون إِلى هذه كلها » - متى : 6 : 25 – 32 .
وبالمقارنة بين النص كما اقتبسته ( الدسقولية ) – في مرحلة مبكرة – وبين النص كما هو عليه في الصورة الحالية لإِنجيل متى ، نجد :
1 – إِنه قد تم توسيع النص القديم في النسخة الحالية بإِضافة ما يوازي ضعف حجمه الأصلي .
2 – وأن الجزء المضاف يتعلق بعنصر لم ترد الإِشارة إِليه في النص القديم ، وهو عنصر « اللباس » .
3 – وأن الصورة الحالية للنص قد حفلت بالصور والمؤثرات الوجدانية ، والتمثيل بزنابق الحقل – وهي الصور التي خلا منها النص القديم .
4 – كما أشار النص الحالي – المعدل – إِلى « الأمم » في سياق يتم عن اهتمام الآب السموى بكل الأمم ، وأنه لا يقتصر على شعب بعينه ، مما يناقض العنصرية اليهودية ، ولم يكن ذلك في النص القديم .
هوامش البحث:
10ـ ( دائرة المعارف البريطانية ) المجلد الثاني ص 955 .
11ـ د. ميشال الحايك ( المسيح في الإٍسلام ) ص 124 – هامش ( 46 ) طبعة بيروت سنة 2004 م .
12ـ قارن إنجيل مرقس – طبعة دار الكتاب المقدس ، ضمن مجموعة العهد القديم والجديد – بالطبعة العربية التي ترجمتها لجنة مكونة من : زكي شنوده ، د. مراد كامل ، د. باهور لبيب ، حلمي مراد – برئاسة الأنبا غريغوريوس – طبعة دار المعارف – القاهرة سنة 1975 م .
13ـ المجلد 6 ص 697 .
14ـ المصدر السابق . المجلد الثاني ص 951 ، 953 .
15ـ المصدر السابق . المجلد الثاني . ص 954 .
16ـ المصدر السابق . المجلد الثاني . ص 955 .
17ـ المصدر السابق . المجلد الثاني . ص 953 – 955 . وانظر كذلك : محمد السعدي ( حول موثوقية الأناجيل والتوراة ) ص 15 – 24 طبعة طرابلس – ليبيا – سنة 1986 م .
18ـ د. أحمد عبد الوهاب ( المسيح في مصادر العقائد المسيحية ) ص 51 – طبعة مكتبة وهبة – القاهرة سنة 1978 م .
19ـ د. موريس بوكاى ( دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ) ص 78 طبعة دار المعارف – القاهرة سنة 1977 م – والنقل عن ( حول موثوقية الأناجيل والتوراة ) ص 29 .
20ـ ( الموسوعة البريطانية ) المجلد الثاني . ص 941 .
21ـ ( دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ) ص 11 .
22ـ الموسوعة البريطانية . المجلد الثاني . ص 941 .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته