ساجدة لله
2010-10-11, 11:56 PM
300 " حكيه بضلع و اغسليه بماء و سدر " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 539 :
أخرجه أبو داود ( 1 / 141 - بشرح عون المعبود ) و النسائي ( 1 / 69 ) و الدارمي
( 1 / 239 ) و ابن ماجه ( 1 / 217 ) و ابن حبان في " صحيحه " ( 235 ) و البيهقي
( 2 / 407 ) و أحمد ( 6 / 355 , 356 ) من طرق عن سفيان : حدثني ثابت الحداد
حدثني عدي بن دينار قال : سمعت # أم قيس بنت محصن # تقول :
" سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب ? قال ... " فذكره
.
قلت : و هذا سند صحيح و رجاله كلهم ثقات , و في ثابت الحداد و هو ابن هرمز
الكوفي مولى بكر بن وائل خلاف يسير , وثقه أحمد و ابن معين و ابن المديني
و غيرهم , و تكلم فيه بعضهم بدون حجة , و في " التقريب " : " صدوق يهم " .
و كأنه لهذا لم يصحح الحافظ في " الفتح " ( 1 / 266 ) إسناده , بل قال :
" إسناده حسن " . و قال في " التهذيب " :
" و أخرج ابن خزيمة و ابن حبان حديثه في الحيض في " صحيحيهما " , و صححه ابن
القطان , و قال عقبه : لا أعلم له علة , و ثابت ثقة و لا أعلم أحدا ضعفه غير
الدارقطني " .
و نقل في " التلخيص " ( ص 12 - 13 ) تصحيح ابن القطان هذا و أقره , و هو
الصواب .
( تنبيه ) : قوله " بضلع " كذا وقع عند جميع من أخرج الحديث بالضاد المعجمة ,
و هو بالكسر و فتح اللام و يكسر , و هو العود .
لكن قال الحافظ في " التلخيص " ( 13 ) :
" ضبطه ابن دقيق العيد بفتح الصاد المهملة و إسكان اللام ثم عين مهملة و هو
الحجر . قال : و وقع في بعض المواضع بكسر الضاد المعجمة و فتح اللام , و لعله
تصحيف لأنه لا معنى يقضي تخصيص الضلع بذلك . كذا قال .
لكن قال الصغاني في " العباب " في مادة " ضلع " بالمعجمة :
" و في الحديث حتيه بضلع " .
قال ابن الأعرابي : الضلع ههنا العود الذي فيه اعوجاج .
و كذا ذكره الأزهري في المادة المذكورة و زاد عن الليث :
قال : " الأصل فيه ضلع الحيوان فسمي به العود الذي يشبهه " .
فقه الحديث
-----------
يستفاد من هذه الأحاديث أحكام كثيرة أذكر أهمها :
الأول : أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات , لأن جميع
النجاسات بمثابة دم الحيض , و لا فرق بينه و بينها اتفاقا . و هو مذهب الجمهور
و ذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر .
قال الشوكاني ( 1 / 35 ) :
" و الحق أن الماء أصل في التطهير لوصفه بذلك كتابا و سنة وصفا مطلقا غير مقيد
لكن القول بتعينه و عدم إجزاء غيره يرده حديث مسح النعل و فرك المني , و إماطته
بإذخرة , و أمثال ذلك كثير , فالإنصاف أن يقال أنه يطهر كل فرد من أفراد
النجاسات المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النص , لكنه إن كان ذلك الفرد
المحال عليه هو الماء فلا يجوز العدول إلى غيره للمزية التي اختص بها و عدم
مساواة غيره له فيها , و إن كان ذلك الفرد غير الماء جاز العدول عنه إلى الماء
لذلك , و إن وجد فرد من أفراد النجاسة لم يقع من الشارع الإحالة في تطهيره على
فرد من أفراد المطهرات بل مجرد الأمر بمطلق التطهير فالاقتصار على الماء هو
اللازم لحصول الامتثال به بالقطع , و غيره مشكوك فيه . و هذه طريقة متوسطة بين
القولين لا محيص عن سلوكها " .
قلت : و هذا هو التحقيق فشد عليه بالنواجذ . و مما يدل على أن غير الماء لا
يجزىء في دم الحيض قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثاني : " يكفيك الماء "
فإن مفهومه أن غير الماء لا يكفي . فتأمل .
الثاني : أنه يجب غسل دم الحيض و لو قل , لعموم الأمر , و هل يجب استعمال شيء
من المواد لقطع أثر النجاسة كالسدر و الصابون و نحوهما ? فذهب الحنفية و غيرهم
إلى عدم الوجوب مستدلين بعدم ورود الحاد في الحديثين الأولين , و ذهب الشافعي
و العترة كما في " نيل الأوطار " ( 1 / 35 - 36 ) إلى الوجوب و استدلوا بالأمر
بالسدر في الحديث الثالث و هو من المواد , و جنح إلى هذا الصنعاني فقال في
" سبل السلام " ( 1 / 55 ) ردا على الشارح المغربي في قوله " و القول الأول
أظهر " :
" و قد يقال : قد ورد الأمر بالغسل لدم الحيض بالماء و السدر , و السدر من
الحواد و الحديث , الوارد به في غاية الصحة كما عرفت , فيقيد به ما أطلق في
غيره ( كالحديثين السابقين ) و يخص الحاد بدم الحيض , و لا يقاس عليه غيره من
النجاسات , و ذلك لعدم تحقق شروط القياس , و يحمل حديث " و لا يضرك أثره " ,
و قول عائشة : " فلم يذهب " أي بعد الحاد " .
قلت : و هذا هو الأقرب إلى ظاهر الحديث , و من الغريب أن ابن حزم لم يتعرض له
في " المحلى " ( 1 / 102 ) بذكر , فكأنه لم يبلغه .
الثالث : أن دم الحيض نجس للأمر بغسله , و عليه الإجماع كما ذكره الشوكاني
( 1 / 35 ) عن النووي , و أما سائر الدماء فلا أعلم نجاستها اللهم إلا ما ذكره
القرطبي في " تفسيره " ( 2 / 221 ) من " اتفقا العلماء على نجاسة الدم " .
هكذا قال " الدم " فأطلقه , و فيه نظر من وجهين :
الأول : أن ابن رشد ذكر ذلك مقيدا , فقال في " البداية " ( 1 / 62 ) :
" اتفق العلماء على أن دم الحيوان البري نجس " و اختلفوا في دم السمك .. " .
و الثاني : أنه قد ثبت عن بعض السلف ما ينافي الإطلاق المذكور , بل إن بعض ذلك
في حكم المرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
1 - قصة ذلك الصحابي الأنصاري الذي رماه المشرك بثلاثة أسهم و هو قائم يصلى
فاستمر في صلاته و الدماء تسيل منه . و ذلك في غزوة ذات الرقاع , كما أخرجه
أبو داود و غيره من حديث جابر بسند حسن كما بينته في " صحيح أبي داود " ( 192 )
و من الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بها , لأنه يبعد أن لا يطلع النبي
صلى الله عليه وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة . و لم ينقل أنه أخبره بأن
صلاته بطلت كما قال الشوكاني ( 1 / 165 ) .
2 - عن محمد بن سيرين عن يحيى الجزار قال : صلى ابن مسعود و على بطنه فرث و دم
من جزور نحرها , و لم يتوضأ . أخرجه عبد الرزاق في " الأمالي " ( 2 / 51 / 1 )
و ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 151 / 1 ) و الطبراني في " المعجم الكبير "
( 3 / 28 / 2 ) و إسناده صحيح أخرجوه من طرق عن ابن سيرين و يحيى ابن الجزار
قال ابن أبي حاتم ( 4 / 2 / 133 ) : " و قال أبي و أبو زرعة : ثقة " .
3 - ذكر ابن رشد اختلاف العلماء في دم السمك , و ذكر أن السبب في اختلافهم هو
إختلافهم في ميتته , فمن جعل ميتتة داخلة تحت عموم التحرير جعل دمه كذلك , و من
أخرج ميتتة أخرج دمه قياسا على الميتة " .
فهذا يشعر بأمرين :
أحدهما : أن إطلاق الاتفاق على نجاسة الدم ليس بصواب لأن هناك بعض الدماء اختلف
في نجاستها كدم السمك مثلا , فما دام أن الاتفاق على إطلاقه لم يثبت , لم يصح
الاستدلال به على موارد النزاع , بل وجب الرجوع فيه إلى النص , و النص إنما دل
على نجاسة دم الحيض , و ما سوى ذلك فهو على الأصل المتفق عليه بين المتنازعين
و هو الطهارة فلا يخرج منه إلا بنص تقوم به الحجة .
الأمر الآخر : أن القائلين بنجاسة الدماء ليس عندهم حجة إلا أنه محرم بنص
القرآن فاستلزموا من التحريم التنجيس كما فعلوا تماما في الخمر و لا يخفى أنه
لا يلزم من التحريم التنجيس بخلاف العكس كما بينه الصنعاني في " سبل السلام "
ثم الشوكاني و غيرهما , و لذلك قال المحقق صديق حسن خان في " الروضة الندية "
( 1 / 18 ) بعد أن ذكر حديث أسماء المتقدم و حديث أم قيس الثالث :
" فالأمر بغسل دم الحيض و حكه بضلع يفيد ثبوت نجاسته , و إن اختلف وجه تطهيره ,
فذلك لا يخرجه عن كونه نجسا , و أما سائر الدماء فالأدلة مختلفة , مضطربة
و البراءة الأصلية مستصحبة , حتى يأتي الدليل الخالص عن المعارضة الراجحة
أو المساوية , و لو قام الدليل على رجوع الضمير في قوله تعالى ( فإنه رجس )
إلى جميع ما تقدم في الآية الكريمة من الميتة و الدم المسفوح و لحم الخنزير ,
لكان ذلك مفيدا لنجاسة الدم المسفوح و الميتة , و لكن لم يرد ما يفيد ذلك ,
بل النزاع كائن في رجوعه إلى الكل أو إلى الأقرب , و الظاهر الرجوع إلى الأقرب
و هو لحم الخنزير , لإفراد الضمير و لهذا جزمنا هنا بنجاسة لحم الخنزير دون
الدم الذي ليس بدم حيض . و من رام تحقيق الكلام في الخلاف الواقع في مثل هذا
الضمير المذكور في الآية , فليرجع إلى ما ذكره أهل الأصول في الكلام على القيد
الواقع بعد جملة مشتملة على أمور متعددة " .
و لهذا لم يذكر الشوكانى في النجاسات من " الدرر البهية " الدم على عمومه ,
و إنما دم الحيض فقط , و تبعه على ذلك صديق حسن خان كما رأيت فيما نقلته عنه
آنفا . و أما تعقب العلامة أحمد شاكر في تعليقه على " الروضة " بقوله :
" هذا خطأ من المؤلف و الشارح , فإن نجاسة دم الحيض ليست لأنه دم حيض بل لمطلق
الدم , و المتتبع للأحاديث يجد أنه كان مفهوما أن الدم نجس , و لو لم يأت لفظ
صريح بذلك , و قد كانوا يعرفون ما هو قذر نجس بالفطرة الطاهرة " .
قلت : فهذا تعقب لا طائل تحته , لأنه ليس فيه إلا مجرد الدعوى , و إلا فأين
الدليل على نجاسة دم الحيض ليس لأنه دم حيض بل لمطلق الدم ? و لو كان هناك دليل
على هذا لذكره هو نفسه و لما خفي إن شاء الله تعالى على الشوكاني و صديق خان
و غيرهما . و مما يؤيد ما ذكرته أن ابن حزم على سعة اطلاعه لم يجد دليلا على
نجاسة الدم مطلقا , إلا حديثا واحدا و هو إنما يدل على نجاسة دم الحيض فقط كما
سيأتي بيانه , فلو كان عنده غيره لأورده , كما هي عادته في استقصاء الأدلة لا
سيما ما كان منها مؤيدا لمذهبه .
و أما قول الشيخ أحمد شاكر :
" و المتتبع للأحاديث يجد أنه كان مفهموما أن الدم نجس " .
فهو مجرد دعوى أيضا , و شيء لم أشعر به البتة فيما وقفت عليه من الأحاديث بل
وجدت فيها ما يبطل هذه الدعوى كما سبق في حديث الأنصاري و حديث ابن مسعود .
و مثل ذلك قوله :
" و قد كانوا يعرفون ما هو قذر نجس بالفطرة الطاهرة " .
فما علمنا أن للفطرة مدخلا في معرفة النجاسات في عرف الشارع , ألا ترى أن
الشارع حكم بطهارة المني , و نجاسة المذي , فهل هذا مما يمكن معرفته بالفطرة ,
و كذلك ذهب الجمهور إلى نجاسة الخمر , و إنها تطهر إذا تخللت , فهل هذا مما
يمكن معرفته بالفطرة ? اللهم لا . فلو أنه قال " ما هو قذر " و لم يزد لكان
مسلما . و الله تعالى ولي الهداية و التوفيق .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 539 :
أخرجه أبو داود ( 1 / 141 - بشرح عون المعبود ) و النسائي ( 1 / 69 ) و الدارمي
( 1 / 239 ) و ابن ماجه ( 1 / 217 ) و ابن حبان في " صحيحه " ( 235 ) و البيهقي
( 2 / 407 ) و أحمد ( 6 / 355 , 356 ) من طرق عن سفيان : حدثني ثابت الحداد
حدثني عدي بن دينار قال : سمعت # أم قيس بنت محصن # تقول :
" سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب ? قال ... " فذكره
.
قلت : و هذا سند صحيح و رجاله كلهم ثقات , و في ثابت الحداد و هو ابن هرمز
الكوفي مولى بكر بن وائل خلاف يسير , وثقه أحمد و ابن معين و ابن المديني
و غيرهم , و تكلم فيه بعضهم بدون حجة , و في " التقريب " : " صدوق يهم " .
و كأنه لهذا لم يصحح الحافظ في " الفتح " ( 1 / 266 ) إسناده , بل قال :
" إسناده حسن " . و قال في " التهذيب " :
" و أخرج ابن خزيمة و ابن حبان حديثه في الحيض في " صحيحيهما " , و صححه ابن
القطان , و قال عقبه : لا أعلم له علة , و ثابت ثقة و لا أعلم أحدا ضعفه غير
الدارقطني " .
و نقل في " التلخيص " ( ص 12 - 13 ) تصحيح ابن القطان هذا و أقره , و هو
الصواب .
( تنبيه ) : قوله " بضلع " كذا وقع عند جميع من أخرج الحديث بالضاد المعجمة ,
و هو بالكسر و فتح اللام و يكسر , و هو العود .
لكن قال الحافظ في " التلخيص " ( 13 ) :
" ضبطه ابن دقيق العيد بفتح الصاد المهملة و إسكان اللام ثم عين مهملة و هو
الحجر . قال : و وقع في بعض المواضع بكسر الضاد المعجمة و فتح اللام , و لعله
تصحيف لأنه لا معنى يقضي تخصيص الضلع بذلك . كذا قال .
لكن قال الصغاني في " العباب " في مادة " ضلع " بالمعجمة :
" و في الحديث حتيه بضلع " .
قال ابن الأعرابي : الضلع ههنا العود الذي فيه اعوجاج .
و كذا ذكره الأزهري في المادة المذكورة و زاد عن الليث :
قال : " الأصل فيه ضلع الحيوان فسمي به العود الذي يشبهه " .
فقه الحديث
-----------
يستفاد من هذه الأحاديث أحكام كثيرة أذكر أهمها :
الأول : أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات , لأن جميع
النجاسات بمثابة دم الحيض , و لا فرق بينه و بينها اتفاقا . و هو مذهب الجمهور
و ذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر .
قال الشوكاني ( 1 / 35 ) :
" و الحق أن الماء أصل في التطهير لوصفه بذلك كتابا و سنة وصفا مطلقا غير مقيد
لكن القول بتعينه و عدم إجزاء غيره يرده حديث مسح النعل و فرك المني , و إماطته
بإذخرة , و أمثال ذلك كثير , فالإنصاف أن يقال أنه يطهر كل فرد من أفراد
النجاسات المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النص , لكنه إن كان ذلك الفرد
المحال عليه هو الماء فلا يجوز العدول إلى غيره للمزية التي اختص بها و عدم
مساواة غيره له فيها , و إن كان ذلك الفرد غير الماء جاز العدول عنه إلى الماء
لذلك , و إن وجد فرد من أفراد النجاسة لم يقع من الشارع الإحالة في تطهيره على
فرد من أفراد المطهرات بل مجرد الأمر بمطلق التطهير فالاقتصار على الماء هو
اللازم لحصول الامتثال به بالقطع , و غيره مشكوك فيه . و هذه طريقة متوسطة بين
القولين لا محيص عن سلوكها " .
قلت : و هذا هو التحقيق فشد عليه بالنواجذ . و مما يدل على أن غير الماء لا
يجزىء في دم الحيض قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثاني : " يكفيك الماء "
فإن مفهومه أن غير الماء لا يكفي . فتأمل .
الثاني : أنه يجب غسل دم الحيض و لو قل , لعموم الأمر , و هل يجب استعمال شيء
من المواد لقطع أثر النجاسة كالسدر و الصابون و نحوهما ? فذهب الحنفية و غيرهم
إلى عدم الوجوب مستدلين بعدم ورود الحاد في الحديثين الأولين , و ذهب الشافعي
و العترة كما في " نيل الأوطار " ( 1 / 35 - 36 ) إلى الوجوب و استدلوا بالأمر
بالسدر في الحديث الثالث و هو من المواد , و جنح إلى هذا الصنعاني فقال في
" سبل السلام " ( 1 / 55 ) ردا على الشارح المغربي في قوله " و القول الأول
أظهر " :
" و قد يقال : قد ورد الأمر بالغسل لدم الحيض بالماء و السدر , و السدر من
الحواد و الحديث , الوارد به في غاية الصحة كما عرفت , فيقيد به ما أطلق في
غيره ( كالحديثين السابقين ) و يخص الحاد بدم الحيض , و لا يقاس عليه غيره من
النجاسات , و ذلك لعدم تحقق شروط القياس , و يحمل حديث " و لا يضرك أثره " ,
و قول عائشة : " فلم يذهب " أي بعد الحاد " .
قلت : و هذا هو الأقرب إلى ظاهر الحديث , و من الغريب أن ابن حزم لم يتعرض له
في " المحلى " ( 1 / 102 ) بذكر , فكأنه لم يبلغه .
الثالث : أن دم الحيض نجس للأمر بغسله , و عليه الإجماع كما ذكره الشوكاني
( 1 / 35 ) عن النووي , و أما سائر الدماء فلا أعلم نجاستها اللهم إلا ما ذكره
القرطبي في " تفسيره " ( 2 / 221 ) من " اتفقا العلماء على نجاسة الدم " .
هكذا قال " الدم " فأطلقه , و فيه نظر من وجهين :
الأول : أن ابن رشد ذكر ذلك مقيدا , فقال في " البداية " ( 1 / 62 ) :
" اتفق العلماء على أن دم الحيوان البري نجس " و اختلفوا في دم السمك .. " .
و الثاني : أنه قد ثبت عن بعض السلف ما ينافي الإطلاق المذكور , بل إن بعض ذلك
في حكم المرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
1 - قصة ذلك الصحابي الأنصاري الذي رماه المشرك بثلاثة أسهم و هو قائم يصلى
فاستمر في صلاته و الدماء تسيل منه . و ذلك في غزوة ذات الرقاع , كما أخرجه
أبو داود و غيره من حديث جابر بسند حسن كما بينته في " صحيح أبي داود " ( 192 )
و من الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بها , لأنه يبعد أن لا يطلع النبي
صلى الله عليه وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة . و لم ينقل أنه أخبره بأن
صلاته بطلت كما قال الشوكاني ( 1 / 165 ) .
2 - عن محمد بن سيرين عن يحيى الجزار قال : صلى ابن مسعود و على بطنه فرث و دم
من جزور نحرها , و لم يتوضأ . أخرجه عبد الرزاق في " الأمالي " ( 2 / 51 / 1 )
و ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 151 / 1 ) و الطبراني في " المعجم الكبير "
( 3 / 28 / 2 ) و إسناده صحيح أخرجوه من طرق عن ابن سيرين و يحيى ابن الجزار
قال ابن أبي حاتم ( 4 / 2 / 133 ) : " و قال أبي و أبو زرعة : ثقة " .
3 - ذكر ابن رشد اختلاف العلماء في دم السمك , و ذكر أن السبب في اختلافهم هو
إختلافهم في ميتته , فمن جعل ميتتة داخلة تحت عموم التحرير جعل دمه كذلك , و من
أخرج ميتتة أخرج دمه قياسا على الميتة " .
فهذا يشعر بأمرين :
أحدهما : أن إطلاق الاتفاق على نجاسة الدم ليس بصواب لأن هناك بعض الدماء اختلف
في نجاستها كدم السمك مثلا , فما دام أن الاتفاق على إطلاقه لم يثبت , لم يصح
الاستدلال به على موارد النزاع , بل وجب الرجوع فيه إلى النص , و النص إنما دل
على نجاسة دم الحيض , و ما سوى ذلك فهو على الأصل المتفق عليه بين المتنازعين
و هو الطهارة فلا يخرج منه إلا بنص تقوم به الحجة .
الأمر الآخر : أن القائلين بنجاسة الدماء ليس عندهم حجة إلا أنه محرم بنص
القرآن فاستلزموا من التحريم التنجيس كما فعلوا تماما في الخمر و لا يخفى أنه
لا يلزم من التحريم التنجيس بخلاف العكس كما بينه الصنعاني في " سبل السلام "
ثم الشوكاني و غيرهما , و لذلك قال المحقق صديق حسن خان في " الروضة الندية "
( 1 / 18 ) بعد أن ذكر حديث أسماء المتقدم و حديث أم قيس الثالث :
" فالأمر بغسل دم الحيض و حكه بضلع يفيد ثبوت نجاسته , و إن اختلف وجه تطهيره ,
فذلك لا يخرجه عن كونه نجسا , و أما سائر الدماء فالأدلة مختلفة , مضطربة
و البراءة الأصلية مستصحبة , حتى يأتي الدليل الخالص عن المعارضة الراجحة
أو المساوية , و لو قام الدليل على رجوع الضمير في قوله تعالى ( فإنه رجس )
إلى جميع ما تقدم في الآية الكريمة من الميتة و الدم المسفوح و لحم الخنزير ,
لكان ذلك مفيدا لنجاسة الدم المسفوح و الميتة , و لكن لم يرد ما يفيد ذلك ,
بل النزاع كائن في رجوعه إلى الكل أو إلى الأقرب , و الظاهر الرجوع إلى الأقرب
و هو لحم الخنزير , لإفراد الضمير و لهذا جزمنا هنا بنجاسة لحم الخنزير دون
الدم الذي ليس بدم حيض . و من رام تحقيق الكلام في الخلاف الواقع في مثل هذا
الضمير المذكور في الآية , فليرجع إلى ما ذكره أهل الأصول في الكلام على القيد
الواقع بعد جملة مشتملة على أمور متعددة " .
و لهذا لم يذكر الشوكانى في النجاسات من " الدرر البهية " الدم على عمومه ,
و إنما دم الحيض فقط , و تبعه على ذلك صديق حسن خان كما رأيت فيما نقلته عنه
آنفا . و أما تعقب العلامة أحمد شاكر في تعليقه على " الروضة " بقوله :
" هذا خطأ من المؤلف و الشارح , فإن نجاسة دم الحيض ليست لأنه دم حيض بل لمطلق
الدم , و المتتبع للأحاديث يجد أنه كان مفهوما أن الدم نجس , و لو لم يأت لفظ
صريح بذلك , و قد كانوا يعرفون ما هو قذر نجس بالفطرة الطاهرة " .
قلت : فهذا تعقب لا طائل تحته , لأنه ليس فيه إلا مجرد الدعوى , و إلا فأين
الدليل على نجاسة دم الحيض ليس لأنه دم حيض بل لمطلق الدم ? و لو كان هناك دليل
على هذا لذكره هو نفسه و لما خفي إن شاء الله تعالى على الشوكاني و صديق خان
و غيرهما . و مما يؤيد ما ذكرته أن ابن حزم على سعة اطلاعه لم يجد دليلا على
نجاسة الدم مطلقا , إلا حديثا واحدا و هو إنما يدل على نجاسة دم الحيض فقط كما
سيأتي بيانه , فلو كان عنده غيره لأورده , كما هي عادته في استقصاء الأدلة لا
سيما ما كان منها مؤيدا لمذهبه .
و أما قول الشيخ أحمد شاكر :
" و المتتبع للأحاديث يجد أنه كان مفهموما أن الدم نجس " .
فهو مجرد دعوى أيضا , و شيء لم أشعر به البتة فيما وقفت عليه من الأحاديث بل
وجدت فيها ما يبطل هذه الدعوى كما سبق في حديث الأنصاري و حديث ابن مسعود .
و مثل ذلك قوله :
" و قد كانوا يعرفون ما هو قذر نجس بالفطرة الطاهرة " .
فما علمنا أن للفطرة مدخلا في معرفة النجاسات في عرف الشارع , ألا ترى أن
الشارع حكم بطهارة المني , و نجاسة المذي , فهل هذا مما يمكن معرفته بالفطرة ,
و كذلك ذهب الجمهور إلى نجاسة الخمر , و إنها تطهر إذا تخللت , فهل هذا مما
يمكن معرفته بالفطرة ? اللهم لا . فلو أنه قال " ما هو قذر " و لم يزد لكان
مسلما . و الله تعالى ولي الهداية و التوفيق .