مشاهدة النسخة كاملة : السلسلة الصحيحة للالباني
الهزبر
2008-08-02, 11:44 PM
السلام عليكم
81 " من قال : سبحان الله و بحمده سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت
أستغفرك و أتوب إليك , فقالها في مجلس ذكر كانت كالطابع يطبع عليه و من قالها
في مجلس لغو كانت كفارة له " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 120 :
أخرجه الطبراني ( 1 / 79 / 2 ) و الحاكم ( 1 / 537 ) من طريق # نافع بن جبير
ابن مطعم عن أبيه # مرفوعا .
و قال : " صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي و هو كما قالا .
و عزاه المنذري ( 2 / 236 ) للنسائي و الطبراني , قال :
" و رجالهما رجال الصحيح " .
و قال الهيثمي ( 10 / 142 و 423 ) : " رواه الطبراني و رجاله رجال الصحيح " .
قلت : و في رواية للطبراني زيادة : " يقولها ثلاث مرات " و قد سكت عليها
الهيثمي , و ليس بجيد , فإن في سندها خالد بن يزيد العمري و قد كذبه أبو حاتم
و يحيى , و قال ابن حبان : " يروي الموضوعات عن الأثبات " .
فهذه الزيادة واهية لا يلتفت إليها .
82 " لا أشبع الله بطنه . يعني معاوية " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 121 :
رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " ( 2746 ) : حدثنا هشام و أبو عوانة عن أبي
حمزة القصاب عن # ابن عباس # :
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى معاوية ليكتب له : فقال : إنه يأكل
ثم بعث إليه , فقال : إنه يأكل , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره .
قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم , و في أبي حمزة القصاب
و اسمه عمران بن أبي عطاء كلام من بعضهم لا يضره , فقد وثقه جماعة من الأئمة
منهم أحمد و ابن معين و غيرهما , و من ضعفه لم يبين السبب , فهو جرح مبهم غير
مقبول , و كأنه لذلك احتج به مسلم , و أخرج له هذا الحديث في " صحيحه " ( 8 /
27 ) من طريق شعبة عن أبي حمزة القصاب به .
و أخرجه أحمد ( 1 / 240 , 291 , 335 , 338 ) عن شعبة و أبي عوانة عنه به , دون
قوله : " لا أشبع الله بطنه " و كأنه من اختصار أحمد أو بعض شيوخه , و زاد في
رواية : " و كان كاتبه " و سندها صحيح .
و قد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ليتخذوا منه مطعنا في معاوية رضي الله عنه ,
و ليس فيه ما يساعدهم على ذلك , كيف و فيه أنه كان كاتب النبي صلى الله عليه
وسلم ? ! و لذلك قال الحافظ ابن عساكر ( 16 / 349 / 2 ) " إنه أصح ما ورد في
فضل معاوية " فالظاهر أن هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم غير مقصود , بل هو
ما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية كقوله صلى الله عليه وسلم في بعض
نسائه " عقرى حلقى " و " تربت يمينك " . و يمكن أن يكون ذلك منه صلى الله عليه
وسلم بباعث البشرية التي أفصح عنها هو نفسه عليه السلام في أحاديث كثيرة
متواترة .
منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
" دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان , فكلماه بشيء لا أدري ما هو
فأغضباه , فلعنهما و سبهما , فلما خرجا قلت : يا رسول الله من أصاب من الخير
شيئا ما أصابه هذان ? قال : و ما ذاك ? قالت : قلت : لعنتهما و سببتهما ,
قال : " أو ما علمت ما شارطت عليه ربي ? قلت : اللهم إنما أنا بشر , فأي
المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة و أجرا " .
83 " أو ما علمت ما شارطت عليه ربي ? قلت : اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته
أو سببته فاجعله له زكاة و أجرا " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 122 :
رواه مسلم مع الحديث الذي قبله في باب واحد هو " باب من لعنه النبي صلى الله
عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه و ليس هو أهلا لذلك كان له زكاة و أجرا و رحمة "
.
ثم ساق فيه من حديث # أنس بن مالك # قال :
" كانت عند أم سليم يتيمة و هي أم أنس , فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم
اليتيمة , فقال : آنت هي ? لقد كبرت لا كبر سنك فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي
فقالت أم سليم : ما لك يا بنية ? فقالت الجارية : دعا علي نبي الله صلى الله
عليه وسلم أن لا يكبر سني أبدا , أو قالت : قرني , فخرجت أم سليم مستعجله تلوث
خمارها حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ما لك يا أم سليم ? فقالت يا نبي الله , أدعوت على يتيمتي ? قال :
و ما ذاك يا أم سليم ? قالت : زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها , و لا يكبر قرنها
قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم قال :
" يا أم سليم ! أما تعلمين أن شرطي على ربي ? أني اشترطت على ربي فقلت : إنما
أنا بشر أرضى كما يرضى البشر , و أغضب كما يغضب البشر , فأيما أحد دعوت عليه
من أمتي بدعوة ليس لها بأهل , أن يجعلها له طهورا و زكاة و قربة يقربه بها منه
يوم القيامة " .
84 " يا أم سليم ! أما تعلمين أن شرطي على ربي ? أني اشترطت على ربي فقلت : إنما
أنا بشر أرضى كما يرضى البشر و أغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من
أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا و زكاة و قربة يقربه بها منه يوم
القيامة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 123 :
( عن # أم سليم # ) :
ثم أتبع الإمام مسلم هذا الحديث بحديث معاوية و به ختم الباب , إشارة منه
رحمه الله إلى أنها من باب واحد , و في معنى واحد , فكما لا يضر اليتيمة دعاؤه
صلى الله عليه وسلم عليه بل هو لها زكاة و قربة , فكذلك دعاؤه صلى الله عليه
وسلم على معاوية .
و قد قال الإمام النووي في " شرحه على مسلم " ( 2 / 325 طبع الهند ) :
" و أما دعاؤه صلى الله عليه وسلم على معاوية ففيه جوابان :
أحدهما : أنه جرى على اللسان بلا قصد .
و الثانى : أنه عقوبة له لتأخره , و قد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن
معاوية لم يكن مستحقا الدعاء عليه , فلهذا أدخله في هذا الباب , و جعله غيره من
مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له " .
و قد أشار الذهبي إلى هذا المعنى الثاني فقال في " سير أعلام النبلاء "
( 9 / 171 / 2 ) :
" قلت : لعل أن , يقال : هذه منقبة لمعاوية لقوله صلى الله عليه وسلم : اللهم
من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة و رحمة " .
و اعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث : " إنما أنا بشر أرضى كما
يرضى البشر .." إنما هو تفصيل لقول الله تبارك و تعالى : ( قل إنما أنا بشر
مثلكم , يوحى إلي ....) الآية .
و قد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء , إلى إنكار مثل هذا الحديث
بزعم تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم و تنزيهه عن النطق به ! و لا مجال إلى مثل
هذا الإنكار فإن الحديث صحيح , بل هو عندنا متواتر , فقد رواه مسلم من حديث
عائشة و أم سلمة كما ذكرنا , و من حديث أبي هريرة و جابر رضي الله عنهما ,
و ورد من حديث سلمان و أنس و سمرة و أبي الطفيل و أبي سعيد و غيرهم .
انظر " كنز العمال " ( 2 / 124 ) .
و تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما مشروعا , إنما يكون بالإيمان بكل ما
جاء عنه صلى الله عليه وسلم صحيحا ثابتا , و بذلك يجتمع الإيمان به صلى الله
عليه وسلم عبدا و رسولا , دون إفراط و لا تفريط , فهو صلى الله عليه وسلم بشر ,
بشهادة الكتاب و السنة , و لكنه سيد البشر و أفضلهم إطلاقا بنص الأحاديث
الصحيحة . و كما يدل عليه تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم و سيرته , و ما حباه
الله تعالى به من الأخلاق الكريمة , و الخصال الحميدة , التي لم تكتمل في بشر
اكتمالها فيه صلى الله عليه وسلم , و صدق الله العظيم , إذ خاطبه بقوله
الكريم : ( و إنك لعلى خلق عظيم ) .
85 " ارحلوا لصاحبيكم و اعملوا لصاحبيكم ! ادنوا فكلا " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 124 :
رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في " المصنف " ( ج 2 / 149 / 2 ) , و الفريابي في
" الصيام " ( 4 / 64 / 1 ) عنه و عن أخيه عثمان بن أبي شيبة , قالا : حدثنا عمر
بن سعد أبو داود عن سفيان عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن
#أبي هريرة # قال :
" أتي النبي صلى الله عليه وسلم بطعام و هو بـ ( مر الظهران ) , فقال لأبي بكر
و عمر : ادنوا فكلا , فقالا : إنا صائمان , فقال : ارحلوا لصاحبيكم " الحديث .
و كذا أخرجه النسائي ( 1 / 315 ) و ابن دحيم في " الأمالي " ( 2 / 1 ) من طرق
أخرى عن عمر بن سعد به .
ثم أخرجه النسائي من طريق محمد بن شعيب : أخبرني الأوزاعي به مرسلا لم يذكر أبا
هريرة , و كذلك أخرجه من طريق علي - و هو ابن المبارك - عن يحيى به .
و لعل الموصول أرجح , لأن الذي وصله و هو سفيان عن الأوزاعي ثقة , و زيادة
الثقة مقبولة ما لم تكن منافية لمن هو أوثق منه .
قلت : و إسناده صحيح على شرط مسلم , و رواه ابن خزيمة في " صحيحه "
و قال : " فيه دليل على أن للصائم في السفر الفطر بعد مضي بعض النهار " .
كما في " فتح الباري " ( 4 / 158 ) .
و أخرجه الحاكم ( 1 / 433 ) و قال :
" صحيح على شرط الشيخين " . و وافقه الذهبي ! و إنما هو على شرط مسلم وحده ,
فإن عمر بن سعد لم يخرج له البخاري شيئا .
و الغرض من قوله صلى الله عليه و آله وسلم : " ارحلوا لصاحبيكم ..." الإنكار
و بيان أن الأفضل أن يفطرا و لا يحوجا الناس إلى خدمتهما , و يبين ذلك ما روى
الفريابي ( 67 / 1 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " لا تصم فى السفر فإنهم
إذا أكلوا طعاما قالوا : ارفعوا للصائم ! و إذا عملوا عملا قالوا : اكفلوا
للصائم ! فيذهبوا بأجرك " . و رجاله ثقات .
قلت : ففي الحديث توجيه كريم , إلى خلق قويم , و هو الاعتماد على النفس , و ترك
التواكل على الغير , أو حملهم على خدمته , و لو لسبب مشروع كالصيام , أفليس في
الحديث إذن رد واضح على أولئك الذين يستغلون عملهم , فيحملون الناس على التسارع
في خدمتهم , حتى في حمل نعالهم ?!
و لئن قال بعضهم : لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يخدمون رسول الله صلى الله
عليه وسلم أحسن خدمة , حتى كان فيهم من يحمل نعليه صلى الله عليه وسلم و هو
عبد الله بن مسعود .
فجوابنا نعم , و لكن هل احتجاجهم بهذا لأنفسهم إلا تزكية منهم لها , و اعتراف
بأنهم ينظرون إليها على أنهم و رثته صلى الله عليه وسلم في العلم حتى يصح لهم
هذا القياس ?! وايم الله لو كان لديهم نص على أنهم الورثة لم يجز لهم هذا
القياس , فهؤلاء أصحابه صلى الله عليه وسلم المشهود لهم بالخيرية , و خاصة منهم
العشرة المبشرين بالجنة , فقد كانوا خدام أنفسهم , و لم يكن واحد منهم يخدم من
غيره , عشر معشار ما يخدم أولئك المعنيين من تلامذتهم و مريديهم ! فكيف و هم لا
نص عندهم بذلك , و لذلك فإني أقول : إن هذا القياس فاسد الاعتبار من أصله ,
هدانا الله تعالى جميعا سبيل التواضع و الرشاد .
الهزبر
2008-08-02, 11:57 PM
السلام عليكم
86 " من أنظر معسرا فله بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين , فإذا حل الدين فأنظره فله
بكل يوم مثليه صدقة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 126 :
رواه أحمد ( 5 / 360 ) عن # سليمان بن بريدة عن أبيه # قال : سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول :
" من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة , قال : ثم سمعته يقول : من أنظر معسرا
فله بكل يوم مثله صدقة , قلت : سمعتك يا رسول الله تقول : من أنظر معسرا فله
بكل يوم مثله صدقة , ثم سمعتك تقول : من أنظر معسرا فله بكل يوم مثليه صدقة ,
قال : له بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم
مثليه صدقة " .
قلت : و إسناده صحيح رجاله ثقات محتج بهم في " صحيح مسلم " .
ثم رأيته في " المستدرك " ( 2 / 29 ) و قال : " صحيح على شرط الشيخين " و وافقه
الذهبي فأخطأ لأن سليمان هذا لم يخرج له البخاري , و إنما الذي أخرج له الشيخان
هو أخوه عبد الله بن بريدة .
87 " يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام و لا صلاة و لا نسك و
لا صدقة و ليسرى على كتاب الله عز و جل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية و
تبقى طوائف من الناس : الشيخ الكبير و العجوز , يقولون : أدركنا آباءنا على هذه
الكلمة : " لا إله إلا الله " فنحن نقولها " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1/127:
أخرجه ابن ماجه ( 4049 ) و الحاكم ( 4 / 473 ) من طريق أبي معاوية عن أبي مالك
الأشجعي عن ربعي بن حراش عن # حذيفة بن اليمان # مرفوعا به , و زاد :
" قال صلة بن زفر لحذيفة : ما تغني عنهم لا إله إلا الله و هم لا يدرون ما صلاة
و لا صيام و لا نسك و لا صدقة ? فأعرض عنه حذيفة , ثم ردها عليه ثلاثا , كل ذلك
يعرض عنه حذيفة , ثم أقبل عليه في الثالثة فقال : يا صلة ! تنجيهم من النار .
ثلاثا " .
و قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي .
قلت : و هو كما قالا .
و قال البوصيري في " الزوائد " ( ق 247 / 1 ) : " إسناده صحيح , رجاله ثقات " .
( يدرس ) من درس الرسم دروسا : إذا عفا و هلك .
( وشي الثوب ) نقشه .
من فوائد الحديث :
----------------
و في هذا الحديث نبأ خطير , و هو أنه سوف يأتي يوم على الإسلام يمحى أثره ,
و على القرآن فيرفع فلا يبقى منه و لا آية واحدة , و ذلك لا يكون قطعا إلا بعد
أن يسيطر الإسلام على الكرة الأرضية جميعها , و تكون كلمته فيها هي العليا .
كما هو نص قول الله تبارك و تعالى ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق
ليظهره على الدين كله ) , و كما شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في
أحاديث كثيرة سبق ذكر بعضها في المقال الأول من هذه المقالات ( الأحاديث
الصحيحة ) .
و ما رفع القرآن الكريم في آخر الزمان إلا تمهيدا لإقامة الساعة على شرار الخلق
الذين لا يعرفون شيئا من الإسلام البتة , حتى و لا توحيده !
و في الحديث إشارة إلى عظمة القرآن , و أن وجوده بين المسلمين هو السبب لبقاء
دينهم و رسوخ بنيانه و ما ذلك إلا بتدارسه و تدبره و تفهمه و لذلك تعهد الله
تبارك و تعالى بحفظه , إلى أن يأذن الله برفعه . فما أبعد ضلال بعض المقلدة
الذين يذهبون إلى أن الدين محفوظ بالمذاهب الأربعة , و أنه لا ضير على المسلمين
من ضياع قرآنهم لو فرض وقوع ذلك !! هذا ما كان صرح لي به أحد كبار المفتين من
الأعاجم و هو يتكلم العربية الفصحى بطلاقة و ذلك لما جرى الحديث بيني و بينه
حول الاجتهاد و التقليد .
قال - ما يردده كثير من الناس - : إن الاجتهاد أغلق بابه منذ القرن الرابع !
فقلت له : و ماذا نفعل بهذه الحوادث الكثيرة التي تتطلب معرفة حكم الله فيها
اليوم ?
قال : إن هذه الحوادث مهما كثرت فستجد الجواب عنها في كتب علمائنا إما عن عينها
أو مثلها .
قلت : فقد اعترفت ببقاء باب الاجتهاد مفتوحا و لا بد !
قال : و كيف ذلك ?
قلت : لأنك اعترفت أن الجواب قد يكون عن مثلها , لا عن عينها و إذ الأمر كذلك ,
فلابد من النظر في كون الحادثه في هذا العصر , هي مثل التي أجابوا عنها , و حين
ذلك فلا مناص من استعمال النظر و القياس و هو الدليل الرابع من أدلة الشرع ,
و هذا معناه الاجتهاد بعينه لمن هو له أهل ! فكيف تقولون بسد بابه ?!و يذكرني
هذا بحديث آخر جرى بيني و بين أحد المفتين شمال سورية , سألته : هل تصح الصلاة
في الطائرة ? قال : نعم . قلت : هل تقول ذلك تقليدا أم اجتهادا ? قال : ماذا
تعني ? قلت : لا يخفى أن من أصولكم في الإفتاء , أنه لا يجوز الإفتاء باجتهاد ,
بل اعتمادا على نص من إمام , فهل هناك نص بصحة الصلاة في الطائرة ? قال : لا ,
قلت : فكيف إذن خالفتم أصلكم هذا فأفتيتم دون نص ? قال : قياسا .
قلت : ما هو المقيس عليه ? قال : الصلاة في السفينة .
قلت : هذا حسن , و لكنك خالفت بذلك أصلا و فرعا , أما الأصل فما سبق ذكره ,
و أما الفرع فقد ذكر الرافعي في شرحه أن المصلي لو صلى في أرجوحة غير معلقة
بالسقف و لا مدعمة بالأرض فصلاته باطلة . قال : لا علم لي بهذا .
قلت : فراجع الرافعي إذن لتعلم أن ( فوق كل ذي علم عليم ) , فلو أنك تعترف أنك
من أهل القياس و الاجتهاد و أنه يجوز لك ذلك و لو في حدود المذهب فقط , لكانت
النتيجة أن الصلاة في الطائرة باطلة لأنها هي التي يتحقق فيها ما ذكره الرافعي
من الفرضية الخيالية يومئذ . أما نحن فنرى أن الصلاة في الطائرة صحيحة لا شك في
ذلك , و لئن كان السبب في صحة الصلاة في السفينة أنها مدعمة بالماء بينها و بين
الأرض , فالطائرة أيضا مدعمة بالهواء بينها و بين الأرض . و هذا هو الذي بدا
لكم في أول الأمر حين بحثتم استقلالا , و لكنكم لما علمتم بذلك الفرع المذهبي
صدكم عن القول بما أداكم إليه بحثكم !?
أعود إلى إتمام الحديث مع المفتي الأعجمي , قلت له : و إذا كان الأمر كما
تقولون : إن المسلمين ليسوا بحاجة إلى مجتهدين لأن المفتي يجد الجواب عن عين
المسألة أو مثلها , فهل يترتب ضرر ما لو فرض ذهاب القرآن ? قال : هذا لا يقع ,
قلت : إنما أقول : لو فرض , قال : لا يترتب أي ضرر لو فرض وقوع ذلك !
قلت : فما قيمة امتنان الله عز و جل إذن على عباده بحفظ القرآن حين قال : ( إنا
نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ) , إذا كان هذا الحفظ غير ضروري بعد الأئمة
?!
و الحقيقة أن هذا الجواب الذي حصلنا عليه من المفتي بطريق المحاورة , هو جواب
كل مقلد على وجه الأرض , و إنما الفرق أن بعضهم لا يجرؤ على التصريح به , و إن
كان قلبه قد انطوى عليه . نعوذ بالله من الخذلان .
فتأمل أيها القارىء اللبيب مبلغ ضرر ما نشكو منه , لقد جعلوا القرآن في حكم
المرفوع , و هو لا يزال بين ظهرانينا و الحمد لله , فكيف يكون حالهم حين يسرى
عليه في ليلة , فلا يبقى في الأرض منه آية ?! فاللهم هداك .
حكم تارك الصلاة :
----------------
هذا و في الحديث فائدة فقهية هامة , و هي أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي
قائلها من الخلود في النار يوم القيامة و لو كان لا يقوم بشيء من أركان الإسلام
الخمسة الأخرى كالصلاة و غيرها , و من المعلوم أن العلماء اختلفوا في حكم تارك
الصلاة خاصة , مع إيمانه بمشروعيتها , فالجمهور على أنه لا يكفر بذلك , بل يفسق
و ذهب أحمد إلى أنه يكفر و أنه يقتل ردة , لا حدا , و قد صح عن الصحابة أنهم
كانوا لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة . رواه الترمذي و الحاكم ,
و أنا أرى أن الصواب رأي الجمهور , و أن ما ورد عن الصحابة ليس نصا على أنهم
كانوا يريدون بـ ( الكفر ) هنا الكفر الذي يخلد صاحبه في النار و لا يحتمل أن
يغفره الله له , كيف ذلك و هذا حذيفة بن اليمان - و هو من كبار أولئك الصحابة -
يرد على صلة بن زفر و هو يكاد يفهم الأمر على نحو فهم أحمد له , فيقول : ما
تغني عنهم لا إله إلا الله , و هم لا يدرون ما صلاة ...."فيجيبه حذيفة بعد
إعراضه عنه :
" يا صلة تنجيهم من النار . ثلاثا " .
فهذا نص من حذيفة رضي الله عنه على أن تارك الصلاة , و مثلها بقية الأركان ليس
بكافر , بل هو مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة . فاحفظ هذا فإنه قد لا
تجده في غير هذا المكان .
و في الحديث المرفوع ما يشهد له , و لعلنا نذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى .
ثم وقفت على " الفتاوى الحديثية " ( 84 / 2 ) للحافظ السخاوي , فرأيته يقول بعد
أن ساق بعض الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة و هي مشهورة معروفة :
" و لكن كل هذا إنما يحمل على ظاهره في حق تاركها جاحدا لوجودها مع كونه ممن
نشأ بين المسلمين , لأنه يكون حينئذ كافرا مرتدا بإجماع المسلمين , فإن رجع إلى
الإسلام قبل منه , و إلا قتل . و أما من تركها بلا عذر , بل تكاسلا مع اعتقاد
وجوبها , فالصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه لا يكفر , و أنه - على
الصحيح أيضا - بعد إخراج الصلاة الواحدة عن وقتها الضروري , كأن يترك الظهر
مثلا حتى تغرب الشمس أو المغرب حتى يطلع الفجر - يستتاب كما يستتاب المرتد ,
ثم يقتل إن لم يتب , و يغسل و يصلى عليه و يدفن في مقابر المسلمين , مع إجراء
سائر أحكام المسلمين عليه . و يؤول إطلاق الكفر عليه لكونه شارك الكافر في بعض
أحكامه . و هو وجوب العمل , جمعا بين هذه النصوص و بين ما صح أيضا عنه
صلى الله عليه وسلم أنه قال : خمس صلوات كتبهن الله - فذكر الحديث . و فيه :
" إن شاء عذبه , و إن شاء غفر له " و قال أيضا : " من مات و هو يعلم أن لا إله
إلا الله دخل الجنة " إلى غير ذلك . و لهذا لم يزل المسلمون يرثون تارك الصلاة
و يورثونه و لو كان كافرا لم يغفر له , و لم يرث و لم يورث " .
و قد ذكر نحو هذا الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله في " حاشيته على المقنع " ,
( 1 / 95 - 96 ) و ختم البحث بقوله :
" و لأن ذلك إجماع المسلمين , فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي
الصلاة , ترك تغسيله و الصلاة عليه , و لا منع ميراث موروثه مع كثرة تاركي
الصلاة , و لو كفر لثبتت هذه الأحكام . و أما الأحاديث المتقدمة , فهي على وجه
التغليظ و التشبيه بالكفار لا على الحقيقة , كقوله عليه الصلاة و السلام :
" سباب المسلم فسوق , و قتاله كفر " , و قوله " من حلف بغير الله فقد أشرك "
و غير ذلك . قال الموفق : و هذا أصوب القولين " .
أقول : نقلت هذا النص من " الحاشية " المذكورة , ليعلم بعض متعصبة الحنابلة ,
أن الذي ذهبت إليه , ليس رأيا لنا تفردنا به دون أهل العلم , بل هو مذهب
جمهورهم , و المحققين من علماء الحنابلة أنفسهم , كالموفق هذا , و هو ابن قدامة
المقدسي , و غيره , ففي ذلك حجة كافية على أولئك المتعصبة , تحملهم إن شاء الله
تعالى , على ترك غلوائهم , و الاعتدال في حكمهم .
بيد أن هنا دقيقة , قل من رأيته تنبه لها , أو نبه عليها , فوجب الكشف عنها
و بيانها .
فأقول : إن التارك للصلاة كسلا إنما يصح الحكم بإسلامه , ما دام لا يوجد هناك
ما يكشف عن مكنون قلبه , أو يدل عليه , و مات على ذلك , قبل أن يستتاب كما هو
الواقع في هذا الزمان , أما لو خير بين القتل و التوبة بالرجوع إلى المحافظة
على الصلاة , فاختار القتل عليها , فقتل , فهو في هذه الحالة يموت كافرا ,
و لا يدفن في مقابر المسلمين , و لا تجري عليه أحكامهم , خلافا لما سبق عن
السخاوي لأنه لا يعقل - لو كان غير جاحد لها في قلبه - أن يختار القتل عليها ,
هذا أمر مستحيل , معروف بالضرورة من طبيعة الإنسان , لا يحتاج إثباته إلى برهان
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " مجموعة الفتاوى " ( 2 / 48 ) :
" و متى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل , لم يكن في الباطن مقرا بوجوبها و لا
ملتزما بفعلها , و هذا كافر باتفاق المسلمين , كما استفاضت الآثار عن الصحابة
بكفر هذا , و دلت عليه النصوص الصحيحة .... فمن كان مصرا على تركها حتى يموت ,
لا يسجد لله سجدة قط , فهذا لا يكون قط مسلما مقرا بوجوبها , فإن اعتقاد الوجوب
و اعتقاد أن تاركها يستحق القتل , هذا داع تام إلى فعلها , و الداعي مع القدرة
يوجب وجود المقدور , فإذا كان قادرا و لم يفعل قط , علم أن الداعي في حقه لم
يوجد " .
88 " ما اجتمع هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 133 :
رواه مسلم في " صحيحه " ( 7 / 100 ) و البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 515 )
و ابن عساكر في " تاريخه " ( ج 9 / 288 / 1 ) من طريق مروان بن معاوية قال :
حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن # أبي هريرة # قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :
" من أصبح منكم اليوم صائما ? قال أبو بكر : أنا , قال : من عاد منكم اليوم
مريضا ? قال أبو بكر أنا , قال : من شهد منكم اليوم جنازة ? قال أبو بكر :
أنا , قال : من أطعم اليوم مسكينا ? قال أبو بكر : أنا , قال مروان : بلغني أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
و السياق للبخارى . و ليس عند مسلم و ابن عساكر " قال مروان : بلغني " بل هذا
البلاغ عندهما متصل بأصل الحديث من طريقين عن مروان . و هو الأصح إن شاء الله
تعالى .
و الحديث عزاه المنذري في " الترغيب " ( 4 / 162 ) لابن خزيمة فقط في " صحيحه "
! و له طريق أخرى عند ابن عساكر عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة نحوه .
و لبعضه شاهد من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر بلفظ :
" هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا ? فقال أبو بكر رضي الله عنه :
دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل , فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن , فأخذتها
منه , فدفعتها إليه " .
أخرجه أبو داود و غيره و إسناده ضعيف كما بينته في الأحاديث " الضعيفة "
( 1400 ) .
و فيه فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه و البشارة له بالجنة , و الأحاديث في
ذلك كثيرة طيبة .
و فيه فضيلة الجمع بين هذه الخصال في يوم واحد , و أن اجتماعها في شخص بشير له
بالجنة , جعلنا الله من أهلها .
89 " إن أول ما يكفئ - يعني الإسلام - كما يكفأ الإناء - يعني الخمر - , فقيل :
كيف يا رسول الله , و قد بين الله فيها ما بين ? قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : يسمونها بغير اسمها " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 134 :
رواه الدارمي ( 2 / 114 ) : حدثنا زيد بن يحيى حدثنا محمد بن راشد عن أبي وهب
الكلاعي عن القاسم بن محمد عن # عائشة # قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : فذكره .
قلت : و هذا سند حسن , القاسم بن محمد هو ابن أبي بكر الصديق - ثقة أحد الفقهاء
في المدينة , احتج به الجماعة .
و أبو وهب الكلاعي اسمه عبيد الله بن عبيد وثقه دحيم .
و قال ابن معين : لا بأس به .
و محمد بن راشد هو المكحولي الخزاعي الدمشقي , وثقه جماعة من كبار الأئمة كأحمد
و ابن معين و غيرهما , و ضعفه آخرون .
و توسط فيه أبو حاتم فقال : " كان صدوقا حسن الحديث " .
قلت : و هذا هو الراجح لدينا , و قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق يهم " .
و زيد بن يحيى , هو إما زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي أبو عبد الله الدمشقي ,
و إما زيد بن أبي الزرقاء يزيد الموصلي أبو محمد نزيل الرملة , و لم يترجح لدي
الآن أيهما المراد هنا , فكلاهما روى عن محمد بن راشد , و لكن أيهما كان فهو
ثقة .
و قد وجدت للحديث طريقا أخرى , أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ( 225 / 1 )
و ابن عدي ( ق 264 / 2 ) عن الفرات بن سلمان عن القاسم به , و لفظه :
" أول ما يكفأ الإسلام كما يكفأ الإناء في شراب يقال له : الطلاء " .
ثم رواه ابن عدي عن الفرات قال : حدثنا أصحاب لنا عن القاسم به .
و قال : " الفرات هذا لم أر المتقدمين صرحوا بضعفه , و أرجو أنه لا بأس به ,
لأني لم أر في رواياته حديثا منكرا " .
قلت : و قال ابن أبي حاتم ( 3 / 2 / 80 ) :
" سألت أبي عنه ? فقال : لا بأس به , محله الصدق , صالح الحديث " .
و قال أحمد : " ثقة " . كما في " الميزان " و " اللسان " .
قلت : فالإسناد صحيح , و لا يضره جهالة أصحاب الفرات , لأنهم جمع ينجبر به
جهالتهم , و لعل منهم أبا وهب الكلاعي فإنه قد رواه عن القاسم كما في الطريق
الأولى , فالحديث صحيح . و قول الذهبي في ترجمة الفرات : " حديث منكر " منكر من
القول , و لعله لم يقف على الطريق الأولى , بل هذا هو الظاهر .
و الله أعلم .
و الحديث مما فات السيوطي فلم يورده في " الجامع الكبير " , لا في بابا " إن "
و لا في " أول " و إنما أورد فيه ما قد يصلح أن يكون شاهدا لهذا فقال
( 1 / 274 / 2 ) :
" أول ما يكفأ أمتي عن الإسلام كما يكفأ الإناء , في الخمر . ابن عساكر عن ابن
عمرو " .
ثم رأيته في " تاريخه " ( 18 / 76 / 1 ) عن زيد بن يحيى بن عبيد حدثني ابن ثابت
ابن ثوبان عن إسماعيل بن عبد الله قال : سمعت ابن محيريز يقول : سمعت عبد الله
بن عمرو يقول فذكره و زاد في آخره " قال : و قلت ( لعله . و قطب ) رسول الله
صلى الله عليه وسلم " . و هذا إسناد لا بأس به في الشواهد .
و للحديث طريق أخرى بلفظ آخر عن عائشة , يأتي في الذي بعده .
( الطلاء ) قال في " النهاية " :
" بالكسر و المد : الشراب المطبوخ من عصير العنب , و هو الرب " .
ثم ذكر الحديث ثم قال :
" هذا نحو الحديث الآخر : سيشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها .
يريد : أنهم يشربون النبيذ المسكر , المطبوخ , و يسمونه طلاء , تحرجا من أن
يسموه خمرا " .
و للحديث شاهد صحيح بلفظ :
" ليستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه , ( و في رواية ) : يسمونها
بغير اسمها " .
90 " ليستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه , ( و في رواية ) : يسمونها
بغير اسمها " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 136 :
أخرجه ابن ماجه ( 3385 ) و أحمد ( 5 / 318 ) و ابن أبي الدنيا في " ذم المسكر "
( ق 4 / 2 ) عن سعيد بن أوس الكاتب عن بلال بن يحيى العبسي عن أبي بكر ابن حفص
عن ابن محيريز عن ثابت بن السمط عن # عبادة بن الصامت # قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم .
قلت : و هذا إسناد جيد , رجاله كلهم ثقات , و ابن محيريز اسمه عبد الله .
و هو ثقة من رجال الشيخين .
و أبو بكر بن حفص , هو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص و هو ثقة
محتج به في " الصحيحين " أيضا .
و بلال بن يحيى العبسي , قال ابن معين : " ليس به بأس " . و وثقه ابن حبان .
و قد تابعه شعبة , لكنه أسقط من الإسناد " ثابت بن السمط " و قال :
" عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " بالرواية الثانية .
أخرجه النسائي ( 2 / 330 ) , و أحمد ( 4 / 237 ) , و إسناده صحيح , و هو أصح
من الأول .
و روي عن أبي بكر بن حفص على وجه آخر , من طريق محمد بن عبد الوهاب أبي شهاب
عن أبي إسحاق الشيباني عن أبي بكر بن حفص عن ابن عمر قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 6 / 205 ) .
قلت : و رجاله ثقات غير أبي شهاب هذا فلم أعرفه .
و للحديث شاهد يرويه سعيد بن أبي هلال عن محمد بن عبد الله بن مسلم أن أبا مسلم
الخولاني حج , فدخل على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت تسأله عن
الشام و عن بردها , فجعل يخبرها , فقالت : كيف تصبرون على بردها ? فقال : يا أم
المؤمنين إنهم يشربون شرابا لهم , يقال له : الطلاء , فقالت : صدق الله و بلغ
حبي , سمعت حبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" إن ناسا من أمتي يشربون الخمر , يسمونها بغير اسمها " .
أخرجه الحاكم ( 2 / 147 ) و البيهقي ( 7 / 294 - 295 ) .
و قال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " .
و تعقبه الذهبي بقوله :
" قلت : كذا قال : " محمد " , فمحمد مجهول , و إن كان ابن أخي الزهري فالسند
منقطع " .
قلت : و سعيد بن أبي هلال كان اختلط , و قد تقدم الحديث عن عائشة بلفظ آخر قبل
هذا الحديث .
و له شاهد ثان , من حديث أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :
" لا تذهب الليالي و الأيام , حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر , يسمونها بغير
اسمها " .
أخرجه ابن ماجه ( 3384 ) , و أبو نعيم في " الحلية " ( 6 / 97 ) عن عبد السلام
بن عبد القدوس , حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عنه .
و قال أبو نعيم :
" كذا حدثناه عن أبي أمامة , و روي عن ثور عن خالد عن أبي هريرة رضي الله تعالى
عنه مثله " .
قلت : و رجاله ثقات غير عبد السلام هذا و هو ضعيف كما في " التقريب " .
و له شاهد ثالث يرويه أبو عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" إن أمتي يشربون الخمر في آخر الزمان , يسمونها بغير اسمها " .
أخرجه الطبراني في " الكبير " ( 3 / 114 / 3 ) . و أبو عامر اسمه صالح بن رستم
المزني , و هو صدوق كثير الخطأ كما في " التقريب " , فمثله يستشهد به .
و الله أعلم .
و له شاهد رابع يرويه حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم قال :
دخل علينا عبد الرحمن بن غنم فتذاكرنا الطلاء , فقال : حدثني أبو مالك الأشعري
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" ليشربن ناس من أمتي الخمر , يسمونها بغير اسمها " .
أخرجه أبو داود ( 3688 ) , و البخاري في " التاريخ الكبير " ( 1 / 1 / 305 و
4 / 1 / 222 ) , و ابن ماجه ( 4020 ) , و ابن حبان ( 1384 ) , و البيهقي
( 8 / 295 و 10 / 231 ) , و أحمد ( 5 / 342 ) و الطبراني في " المعجم الكبير "
( 1 / 167 / 2 ) , و ابن عساكر ( 16 / 115 / 2 ) , كلهم عن معاوية بن صالح عن
حاتم به .
قلت : و رجاله ثقات غير مالك بن أبي مريم , قال الذهبي :
" لا يعرف " . و وثقه ابن حبان على قاعدته !
هذا هو علة هذا الإسناد , و أما المنذري فأعله في " مختصره " ( 5 / 271 )
بقوله : " في إسناده حاتم بن حريث الطائي الحمصي , سئل عنه أبو حاتم الرازي ,
فقال : شيخ . و قال ابن معين : لا أعرفه " .
قلت : قد عرفه غيره , فقال عثمان بن سعيد الدارمي : " ثقة " . و ذكره ابن حبان
في " الثقات " , و قال ابن عدي :
" لعزة حديثه لم يعرفه ابن معين , و أرجو أنه لا بأس به " .
قلت : فإعلاله بشيخه مالك بن أبي مريم - كما فعلنا - أولى , لأنه لم يوثقه غير
ابن حبان كما ذكرنا .
هذا و في الحديث زيادة عن ابن ماجه و البيهقي و ابن عساكر بلفظ :
" يعزف على رؤوسهم بالمعازف و المغنيات , يخسف الله بهم الأرض , و يجعل منهم
القردة و الخنازير " .
و الحديث صحيح بكامله , أما أصله فقد تقدمت له شواهد .
و أما الزيادة فقد جاءت من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن غنم نحوه , و لفظه يأتي
بعده , و قال البيهقي عقبه :
" و لهذا شواهد من حديث علي , و عمران بن حصين , و عبد الله بن بسر , و سهل بن
سعد , و أنس بن مالك , و عائشة , رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم "
.
الهزبر
2008-08-03, 12:09 AM
91 " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير و الخمر و المعازف , و لينزلن
أقوام إلى جنب علم , يروح عليهم بسارحة لهم , يأتيهم لحاجة , فيقولون : ارجع
إلينا غدا , فيبيتهم الله , و يضع العلم , و يمسخ آخرين قردة و خنازير إلى يوم
القيامة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 139 :
رواه البخاري في " صحيحه " تعليقا فقال ( 4 / 30 ) :
" باب ما جاء فيمن يستحل الخمر و يسميه بغير اسمه . و قال هشام بن عمار :
حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس
الكلابي حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال : حدثني أبو عامر أو أبو مالك
الأشعري - و الله ما كذبني - سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ... " فذكره .
و قد وصله الطبراني ( 1 / 167 / 1 ) و البيهقي ( 10 / 221 ) و ابن عساكر
( 19 / 79 / 2 ) و غيرهم من طرق عن هشام بن عمار به .
و له طريق أخرى عن عبد الرحمن بن يزيد , فقال أبو داود ( 4039 ) :
حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به .
و رواه ابن عساكر من طريق أخرى عن بشر به .
قلت : و هذا إسناد صحيح و متابعة قوية لهشام بن عمار و صدقة بن خالد , و لم يقف
على ذلك ابن حزم في " المحلى " , و لا في رسالته في إباحة الملاهي , فأعل إسناد
البخاري بالانقطاع بينه و بين هشام , و بغير ذلك من العلل الواهية , التي بينها
العلماء من بعده و ردوا عليه تضعيفه للحديث من أجلها , مثل المحقق ابن القيم في
" تهذيب السنن " ( 5 / 270 - 272 ) و الحافظ ابن حجر في " الفتح " و غيرهما ,
و قد فصلت القول في ذلك في جزء عندي في الرد على رسالة ابن حزم المشار إليها ,
يسر الله تبيضه و نشره .
و ابن حزم رحمه الله مع علمه و فضله و عقله , فهو ليس طويل الباع في الاطلاع
على الأحاديث و طرقها و رواتها . و من الأدلة على ذلك تضعيفه لهذا الحديث .
و قوله في الإمام الترمذي صاحب السنن : " مجهول " و ذلك مما حمل العلامة محمد
بن عبد الهادي - تلميذ ابن تيمية - على أن يقول في ترجمته في " مختصر طبقات
علماء الحديث " ( ص 401 ) :
" و هو كثير الوهم في الكلام على تصحيح الحديث و تضعيفه , و على أحوال الرواة "
.
قلت : فينبغي أن لا يؤخذ كلامه على الأحاديث إلا بعد التثبيت من صحته و عدم
شذوذه , شأنه في ذلك شأنه في الفقه الذي يتفرد به , و علم الكلام الذي يخالف
السلف فيه , فقد قال ابن عبد الهادي بعد أن وصفه " بقوة الذكاء و كثرة
الاطلاع " :
" و لكن تبين لي منه أنه جهمي جلد , لا يثبت معاني أسماء الله الحسنى إلا
القليل , كالخالق , و الحق , و سائر الأسماء عنده لا يدل على معنى أصلا ,
كالرحيم و العليم و القدير , و نحوها , بل العلم عنده هو القدرة , و القدرة هي
العلم , و هما عين الذات , و لا يدل العلم على شيء زائد على الذات المجردة أصلا
و هذا عين السفسطة و المكابرة . و قد كان ابن حزم قد اشتغل في المنطق و الفلسفة
, و أمعن في ذلك , فتقرر في ذهنه لهذا السبب معاني باطلة " .
غريب الحديث :
------------
( الحر ) الفرج , و المراد : الزنا .
( المعازف ) جمع معزفة و هي آلات الملاهي كما في " الفتح " .
( علم ) هو الجبل العالي .
( يروح عليهم ) بحذف الفاعل و هو الراعي بقرينة المقام , إذ السارحة لابد لها
من حافظ .
( بسارحة ) هي الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها , و تروح أي ترجع بالعشي
إلى مألفها .
( يأتيهم لحاجة ) بيانه في رواية الإسماعيلي في " مستخرجه على الصحيح " :
" يأتيهم طالب حاجة " .
( فيبيتهم الله ) أي يهلكهم ليلا .
( و يضع العلم ) أي يوقعه عليهم .
فقه الأحاديث :
-------------
يستفاد من الأحاديث المتقدمة فوائد هامة نذكر بعضها :
أولا : تحريم الخمر , و هذا أمر مجمع عليه بين المسلمين و الحمد لله , غير أن
طائفة منهم - و فيهم بعض المتبوعين - خصوا التحريم بما كان من عصير العنب خاصة
! و أما ما سوى ذلك من المشروبات المسكرة , مثل ( السكر ) و هو نقيع التمر إذا
غلى بغير طبخ , و ( الجعة ) و هو نبيذ الشعير , و ( السكركة ) و هو خمر الحبشة
من الذرة , فذلك كله حلال عندهم إلا المقدار الذي يسكر منه , و أما القليل منه
فحلال ! بخلاف خمر العنب فقليله ككثيره في التحريم .
و هذا التفريق مع مصادمته للنصوص القاطعة في تحريم كل مسكر , كقول عمر رضي الله
عنه : " نزل تحريم الخمر يوم نزل و هي من خمسة أشياء من العنب و التمر و العسل
و الحنطة و الشعير . و الخمر ما خامر العقل " و كقوله صلى الله عليه وسلم :
" كل مسكر خمر , و كل خمر حرام " و قوله : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " .
أقول : هذا التفريق مع مصادمته لهذه النصوص و غيرها , فهو مخالف للقياس الصحيح
و النظر الرجيح , إن أي فرق بين تحريم القليل الذي لا يسكر من خمر العنب المسكر
كثيره , و بين تحليل القليل الذي لا يسكر من خمر الذرة المسكر ? ! و هل حرم
القليل إلا لأنه ذريعة إلى الكثير المسكر , فكيف يحلل هذا و يحرم ذاك و العلة
واحدة ?! تالله إن هذا من الغرائب التي لا تكاد تصدق نسبتها إلى أحد من أهل
العلم لولا صحة ذلك عنهم , و أعجب منه الذي تبنى القول به هو من المشهورين بأنه
من أهل القياس و الرأي !!قال ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 5 / 263 ) بعد
أن ساق بعض النصوص المذكورة :
" فهذه النصوص الصحيحة الصريحة في دخول هذه الأشربة المتخذة من غير العنب في
اسم الخمر في اللغة التي نزل بها القرآن و خوطب بها الصحابة مغنية عن التكلف في
إثبات تسميتها خمرا بالقياس , مع كثرة النزاع فيه . فإذ قد ثبت تسميتها خمرا
نصا فتناول لفظ النصوص لها كتناوله لشراب العنب سواء تناولا واحدا . فهذه طريقة
منصوصة سهلة تريح من كلمة القياس في الاسم , و القياس في الحكم . ثم إن محض
القياس الجلي يقتضي التسوية بينها , لأن تحريم قليل شراب العنب مجمع عليه ,
و إن لم يسكر , و هذا لأن النفوس لا تقتصر على الحد الذي لا يسكر منه , و قليله
يدعو إلى كثيره . و هذا المعنى بعينه في سائر الأشربة المسكرة , فالتفريق بينها
في ذلك تفريق بين المتماثلات و هو باطل , فلو لم يكن في المسألة إلا القياس
لكان كافيا في التحريم , فكيف و فيها ما ذكرناه من النصوص التي لا مطعن في
سندها , و لا اشتباه في معناها , بل هي صحيحة . و بالله التوفيق " .
و أيضا فإن إباحة القليل الذي لا يسكر من الكثير الذي يسكر غير عملي , لأنه لا
يمكن معرفته إذ أن ذلك يختلف باختلاف نسبة كمية المادة المسكرة ( الكحول ) في
الشراب , فرب شراب قليل , كمية الكحول فيه كثيرة و هو يسكر , و رب شراب أكثر
منه كمية , الكحول فيه أقل لا يسكر و كما أن ذلك يختلف باختلاف بنية الشاربين
و صحتهم , كما هو ظاهر بين , و حكمة الشريعة تنافي القول بإباحة مثل هذا الشراب
و هي التي تقول : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " , " و من حام حول الحمى يوشك
أن يقع فيه " .
و اعلم أن ورود مثل هذه الأقوال المخالفة للسنة و القياس الصحيح معا في بعض
المذاهب مما يوجب على المسلم البصير في دينه , الرحيم بنفسه أن لا يسلم قيادة
عقله و تفكيره و عقيدته لغير معصوم , مهما كان شأنه في العلم و التقوى و الصلاح
بل عليه أن يأخذ من حيث أخذوا من الكتاب و السنة إن كان أهلا لذلك , و إلا سأل
المتأهلين لذلك , و الله تعالى يقول : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )
.
و بالإضافة إلى ذلك فإنا نعتقد أن من قال بهذا القول من العلماء المشار إليهم
فهو مأجور على خطئه , للحديث المعروف , لأنهم قصدوا الحق فأخطؤوه , و أما من
وقف من أتباعهم على هذه الاحاديث التي ذكرنا , ثم أصر على تقليدهم على خطأهم ,
و أعرض عن اتباع الأحاديث المذكورة فهو - و لا شك - على ضلال مبين , و هو داخل
في وعيد هذه الأحاديث التي خرجناها و لا يفيده شيئا تسميته لما يشرب بغير اسمه
مثل الطلاء , و النبيذ , أو ( الويسكى ) أو ( الكونياك ) و غير ذلك من الأسماء
التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث الكريمة .
و صدق الله العظيم إذ يقول : ( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم و آبائكم ما أنزل
الله بها من سلطان ) .
ثانيا : تحريم آلات العزف و الطرب , و دلالة الحديث على ذلك من وجوه :
أ - قوله : " يستحلون " فإنه صريح بأن المذكورات و منها المعازف هي في الشرع
محرمة , فيستحلها أولئك القوم .
ب - قرن ( المعازف ) مع المقطوع حرمته : الزنا و الخمر , و لو لم تكن محرمة ما
قرنها معها إن شاء الله تعالى .
و قد جاءت أحاديث كثيرة بعضها صحيح في تحريم أنواع من آلات العزف التي كانت
معروفة يومئذ , كالطبل و القنين و هو العود و غيرها , و لم يأت ما يخالف ذلك
أو يخصه , اللهم إلا الدف في النكاح و العيد , فإنه مباح على تفصيل مذكور في
الفقه , و قد ذكرته في ردي على ابن حزم . و لذلك اتفقت المذاهب الأربعة على
تحريم آلات الطرب كلها , و استثنى بعضهم - بالإضافة إلى ما ذكرنا - الطبل في
الحرب , و ألحق به بعض المعاصرين الموسيقى العسكرية , و لا وجه لذلك ألبتة
لأمور :
الأول : أنه تخصيص لأحاديث التحريم , بدون مخصص , سوى مجرد الرأي و الاستحسان ,
و هو باطل .
الثاني : أن المفروض في المسلمين في حالة الحرب أن يقبلوا بقلوبهم على ربهم ,
و أن يطلبوا منه نصرهم على عدوهم , فذلك أدعى لطمأنينة نفوسهم , و أربط لقلوبهم
فاستعمال الموسيقى مما يفسد ذلك عليهم , و يصرفهم عن ذكر ربهم , قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا , و اذكروا الله كثيرا لعلكم
تفلحون ) .
الثالث : أن استعمالها من عادة الكفار ( الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم
الآخر , و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله , و لا يدينون دين الحق ) فلا يجوز
لنا أن نتشبه بهم , لا سيما فيما حرمه الله تبارك و تعالى علينا تحريما عاما
كالموسيقى .
و لا تغتر أيها القارئ الكريم بما قد تسمع عن بعض المشهورين اليوم من المتفقهة
من القول بإباحة آلات الطرب و الموسيقى , فإنهم - و الله - عن تقليد يفتون ,
و لهوى الناس اليوم ينصرون , و من يقلدون ? إنما يقلدون ابن حزم الذي أخطأ
فأباح آلات الطرب و الملاهي , لأن حديث أبي مالك الأشعري لم يصح عنده , و قد
عرفت أنه صحيح قطعا , و أن ابن حزم أتي من قصر باعه في علم الحديث كما سبق
بيانه , و ليت شعري ما الذي حملهم على تقليده هنا دون الأئمة الأربعة , مع أنهم
أفقه منه و أعلم و أكثر عددا و أقوى حجة ? ! لو كان الحامل لهم على ذلك إنما هو
التحقيق العلمي فليس لأحد عليهم من سبيل , و معنى التحقيق العلمي كما لا يخفى
أن يتتبعوا الاحاديث كلها الواردة في هذا الباب و يدرسوا طرقها و رجالها , ثم
يحكموا عليها بما تستحق من صحة أو ضعف , ثم إذا صح عندهم شيء منها درسوها من
ناحية دلالتها و فقهها و عامها و خاصها , و ذلك كله حسبما تقتضيه قواعد علم
أصول الحديث و أصول الفقه , لو فعلوا ذلك لم يستطع أحد انتقادهم و لكانوا
مأجورين , و لكنهم - و الله - لا يصنعون شيئا من ذلك , و لكنهم إذا عرضت لهم
مسألة نظروا في أقوال العلماء فيها , ثم أخذوا ما هو الأيسر أو الأقرب إلى
تحقيق المصلحة زعموا . دون أن ينظروا موافقة ذلك للدليل من الكتاب و السنة ,
و كم شرعوا للناس - بهذه الطريقة - أمورا باسم الشريعة الإسلامية , يبرأ
الإسلام منها . فإلى الله المشتكى .
فاحرص أيها المسلم على أن تعرف إسلامك من كتاب ربك , و سنة نبيك , و لا تقل :
قال فلان , فإن الحق لا يعرف بالرجال , بل اعرف الحق تعرف الرجال , و رحمة الله
على من قال :
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول و بين رأي فقيه
كلا و لا جحد الصفات و نفيها حذرا من التمثيل و التشبيه
ثالثا : أن الله عز و جل قد يعاقب بعض الفساق عقوبة دنيوية مادية , فيمسخهم
فيقلب صورهم , و بالتالي عقولهم إلى بهيمة ..
قال الحافظ في " الفتح " ( 10 / 49 ) في صدد كلامه على المسخ المذكور في
الحديث :
" قال ابن العربي : يحتمل الحقيقة كما وقع للأمم السالفة , و يحتمل أن يكون
كناية عن تبدل أخلاقهم . قلت : و الأول أليق بالسياق " .
أقول : و لا مانع من الجمع بين القولين كما ذكرنا بل هو المتبادر من الحديثين .
و الله أعلم .
و قد ذهب بعض المفسرين في العصر الحاضر إلى أن مسخ بعض اليهود قردة و خنازير لم
يكن مسخا حقيقيا بدنيا , و إنما كان مسخا خلقيا ! و هذا خلاف ظاهر الآيات
و الأحاديث الواردة فيهم , فلا تلتفت إلى قولهم فإنهم لا حجة لهم فيه إلا
الاستبعاد العقلي , المشعر بضعف الإيمان بالغيب . نسأل الله السلامة .
رابعا : ثم قال الحافظ :
" و في هذا الحديث وعيد شديد على من يتحيل في تحليل ما يحرم بتغيير اسمه , و أن
الحكم يدور مع العلة , و العلة في تحريم الخمر الإسكار , فمهما وجد الإسكار ,
وجد التحريم , و لو لم يستمر الاسم , قال ابن العربي : هو أصل في أن الأحكام
إنما تتعلق بمعاني الأسماء لا بألقابها , ردا على من حمله على اللفظ " !
92 " ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك على أن تشعلوا لي منها شعلة . يعني الشمس "
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 147 :
رواه أبو جعفر البختري في " حديث أبي الفضل أحمد بن ملاعب " ( 47 / 1 - 2 )
و ابن عساكر ( 11 / 363 / 1 , 19 / 44 / 201 ) من طريق أبي يعلى و غيره
كلاهما عن يونس بن بكير أنبأنا طلحة بن يحيى عن موسى بن طلحة حدثني
# عقيل بن أبي طالب # قال :
" جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا : أرأيت أحمد ? يؤذينا في نادينا , و في
مسجدنا , فانهه عن أذانا , فقال : يا عقيل , ائتني بمحمد , فذهبت فأتيته به ,
فقال : يا ابن أخي إن بني عمك زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم , و في مسجدهم ,
فانته عن ذلك , قال : فلحظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره ( و في رواية :
فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره ) إلى السماء فقال : فذكره .
قال : فقال أبو طالب : ما كذب ابن أخي . فارجعوا " .
قلت : و هذا إسناد حسن رجاله كلهم رجال مسلم و في يونس به بكير و طلحة ابن يحيى
كلام لا يضر .
و أما حديث : " يا عم و الله لو وضعوا الشمس في يميني , و القمر في يساري على
أن أترك هذا الأمر حتى يظهره أو أهلك فيه ما تركته " .
فليس له إسناد ثابت و لذلك أوردته في " الأحاديث الضعيفة " ( 913 ) .
93 " تكون إبل للشياطين و بيوت للشياطين , فأما إبل الشياطين , فقد رأيتها يخرج
أحدكم بجنيبات معه قد أسمنها فلا يعلو بعيرا منها و يمر بأخيه قد انقطع به فلا
يحمله . و أما بيوت الشياطين فلم أرها " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 148 :
رواه أبو داود في " الجهاد " رقم ( 2568 ) من طريق ابن أبي فديك :
حدثني عبد الله بن أبي يحيى عن سعيد بن أبي هند قال : قال # أبو هريرة #
.. فذكره مرفوعا به و زاد .
" و كان سعيد يقول : " لا أراها إلا هذه الأقفاص التي تستر الناس بالديباج " .
قلت : و هذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين , غير عبد الله ابن أبي
يحيى و هو عبد الله بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي الملقب بـ " سحبل " و هو ثقة ,
و ابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل , و فيه كلام يسير .
و الظاهر أنه عليه الصلاة و السلام عني بـ " بيوت الشياطين " هذه السيارات
الفخمة التي يركبها بعض الناس مفاخرة و مباهاة , و إذا مروا ببعض المحتاجين إلى
الركوب لم يركبوهم , و يرون أن إركابهم يتنافى مع كبريائهم و غطرستهم ?
فالحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم .
94 " من حلف بالأمانة فليس منا " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 149 :
رواه أبو داود ( 3253 ) : حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الوليد بن ثعلبة
الطائي عن # ابن بريدة عن أبيه # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
قلت : و هذا إسناد صحيح , رجاله كلهم ثقات . و ابن بريدة اثنان : عبد الله
و سليمان , و الأول أوثق و قد احتج به الشيخان .
و زهير هو ابن معاوية أبو خيثمة الكوفي و هو ثقة احتج به الشيخان أيضا .
و مثله أحمد بن يونس و اسم أبيه عبد الله بن يونس .
و الوليد بن ثعلبة وثقه ابن معين و ابن حبان , و قد أخرج حديثه هذا في
" صحيحه " ( 1318 ) .
قال الخطابي في " معالم السنن " ( 4 / 358 ) تعليقا على الحديث :
" هذا يشبه أن تكون الكراهة فيها من أجل أنه إنما أمر أن يحلف بالله و صفاته ,
و ليست الأمانة من صفاته , و إنما هي أمر من أمره , و فرض من فروضه , فنهوا عنه
لما في ذلك من التسوية بينها و بين أسماء الله عز و جل و صفاته " .
95 " انظر إليها , فإن في أعين الأنصار شيئا . يعني الصغر " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 149 :
أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 4 / 142 ) و سعيد بن منصور في " سننه " ( 523 )
و كذا النسائي ( 2 / 73 ) و الطحاوي في " شرح المعاني " ( 2 / 8 ) و الدارقطني
( 396 ) و البيهقي ( 7 / 84 ) عن أبي حازم عن # أبي هريرة # :
" أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من نساء الأنصار , فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " .
قلت : فذكره . و السياق للطحاوي , و لفظ مسلم و البيهقي :
" كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم , فأتاه رجل , فأخبره أنه تزوج امرأة من
الأنصار , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنظرت إليها ? قال : لا ,
قال : فانظر ..." الحديث .
و قد جاء تعليل هذا الأمر في حديث صحيح و هو :
" انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " .
الهزبر
2008-08-03, 12:18 AM
السلام عليكم
96 " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 150 :
أخرجه سعيد بن منصور في " سننه " ( 515 - 518 ) و كذا النسائي ( 2 / 73 )
و الترمذي ( 1 / 202 ) و الدارمي ( 2 / 134 ) و ابن ماجه ( 1866 ) و الطحاوي
( 2 / 8 ) و ابن الجارود في " المنتقى " ( ص 313 ) و الدارقطني ( ص 395 )
و البيهقي ( 7 / 84 ) و أحمد ( 4 / 144 - 245 / 246 ) و ابن عساكر ( 17 / 44
/ 2 ) عن بكر بن عبد الله المزني عن # المغيرة بن شعبة # .
أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فذكره .
و زاد أحمد و البيهقي . " فأتيتها و عندها أبواها و هي في خدرها , قال : فقلت :
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر إليها , قال : فسكتا , قال :
فرفعت الجارية جانب الخدر فقالت : أحرج عليك إن كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمرك أن تنظر , لما نظرت , و إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
يأمرك أن تنظر , فلا تنظر . قال : فنظرت إليها , ثم تزوجتها , فما وقعت عندي
امرأة بمنزلتها , و لقد تزوجت سبعين , أو بضعا و سبعين امرأة " .
و قال الترمذي : " حديث حسن " .
قلت : و رجاله كلهم ثقات إلا أن يحيى بن معين قال : " لم يسمع بكر من المغيرة "
.
قلت : لكن قال الحافظ في " التلخيص ( ص 291 ) بعد أن عزاه إلى ابن حبان و بعض
من ذكرنا : " و ذكره الدارقطني في " العلل " و ذكر الخلاف فيه , و أثبت سماع
بكر بن عبد الله المزني من المغيرة " .
قلت : و لعله لذلك قال البوصيري في " الزوائد " ( ص 118 ) :
" إسناد صحيح رجاله ثقات " .
قلت : و على فرض أنه لم يسمع منه , فلعل الواسطة بينهما أنس بن مالك رضي الله
عنه , فقد سمع منه بكر المزني و أكثر عنه , و هو قد رواه عن المغيرة رضي الله
عنهما .
أخرجه عبد الرزاق في " الأمالي " ( 2 / 46 / 1 - 2 ) و ابن ماجه ( 1865 )
و أبو يعلى في " مسنده " ( ق 170 / 1 ) و ابن حبان ( 1236 ) و ابن الجارود
و الدارقطني و الحاكم ( 2 / 165 ) و الضياء في " المختارة " ( ق 88 / 2 )
و البيهقي كلهم من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ثابت عن أنس قال :
" أراد المغيرة أن يتزوج , فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ... " فذكره
و زاد قال : ففعل ذلك , فتزوجها , فذكر من موافقتها " .
و قال الحاكم :
" صحيح على شرط الشيخين " . و وافقه الذهبي , و قال البوصيري في " الزوائد "
( 118 / 1 ) .
" هذا إسناد صحيح و رجاله ثقات و رواه ابن حبان في " صحيحه " و عبد بن حميد في
" مسنده " عن عبد الرزاق به " .
قلت : لكن أعله الدارقطني بقوله : " الصواب عن ثابت عن بكر المزني " .
ثم ساق من طريق ابن مخلد الجرجاني أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ثابت عن
بكر المزني أن المغيرة بن شعبة قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم نحوه " .
قلت : و كذا رواه ابن ماجه : حدثنا الحسن بن أبي الربيع أنبأنا عبد الرزاق به .
و لكن الرواة الذين رووه عن عبد الرزاق بإسناده عن ثابت عن أنس , أكثر , فهو
أرجح , إلا أن يكون الخطأ من عبد الرزاق أو شيخه معمر , و الله أعلم .
( يؤدم ) أي تدوم المودة .
قلت : و يجوز النظر إليها و لو لم تعلم أو تشعر به , لقوله صلى الله عليه
وسلم : " إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر
إليها لخطبته , و إن كانت لا تعلم " .
97 " إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها
لخطبته , و إن كانت لا تعلم " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 152 :
أخرجه الطحاوي و أحمد ( 5 / 424 ) عن زهير بن معاوية قال : حدثنا عبد الله
ابن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن # أبي حميد # - و كان قد رأى النبي
صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره .
قلت : و هذا إسناد صحيح , رجاله كلهم ثقات رجال مسلم .
و قد رواه الطبراني أيضا في " الأوسط " و " الكبير " كما في " المجمع "
( 4 / 276 ) و قال : " و رجال أحمد رجال الصحيح " .
و سكت عليه الحافظ في " التلخيص " .
و قد عمل بهذا الحديث بعض الصحابة و هو محمد بن مسلمة الأنصاري , فقال سهل
ابن أبي حثمة :
" رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك فوق إجار لها ببصره طردا شديدا ,
فقلت : أتفعل هذا و أنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ? ! فقال : إني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" إذا ألقي في قلب امرىء خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها " .
98 " إذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 153 :
رواه سعيد بن منصور في " سننه " ( 519 ) و كذا ابن ماجه ( 1864 ) و الطحاوي
( 2 / 8 ) و البيهقي و الطيالسي ( 1186 ) و أحمد ( 4 / 225 ) عن حجاج ابن أرطاة
عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة عن عمه # سليمان ابن أبي حثمة # .
قلت : و هذا إسناد ضعيف من أجل الحجاج فإنه مدلس و قد عنعنه .
و قال البيهقي :
" إسناده مختلف , و مداره على الحجاج بن أرطاة , و فيما مضى كفاية " .
و تعقبه الحافظ البوصيري فقال في " الزوائد " ( 117 / 2 ) :
" قلت : لم ينفرد به الحجاج بن أرطاة , فقد رواه ابن حبان في " صحيحه "
عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن أبي حازم , عن سهل بن أبي حثمة عن عمه سليمان
ابن أبي حثمة قال : رأيت محمد بن سلمة فذكره " .
قلت : كذا وجدته بخطي نقلا عن " الزوائد " , فلعله سقط مني أو من ناسخ الأصل
شيء من سنده - و ذاك ما استبعده - فإنه منقطع بين أبي خيثمة و أبي حازم , فإن
أبا خيثمة و اسمه زهير بن حرب توفي سنة ( 274 ) , و أما أبو حازم فهو إما سلمان
الأشجعي و إما سلمة بن دينار الأعرج و هو الأرجح و كلاهما تابعي , و الثاني
متأخر الوفاة , مات سنة ( 140 ) .
ثم رأيت الحديث في " زوائد ابن حبان " ( 1225 ) مثلما نقلته عن البوصيري :
إلا أنه وقع فيه " أبو خازم " بالخاء المعجمة - عن " سهل بن محمد ابن أبي
حثمة " مكان " سهيل بن أبي حثمة " و سهل بن محمد بن أبي حثمة لم أجد له ترجمة
و لعله في " ثقات ابن حبان " فليراجع .
لكن للحديث طريقان آخران :
الأولى : عن إبراهيم بن صرمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن سليمان بن
أبي حثمة به .
أخرجه الحاكم ( 3 / 434 ) و قال :
" حديث غريب , و إبراهيم بن صرمة ليس من شرط هذا الكتاب " .
قال الذهبي في " تلخيصه " :
" قلت : ضعفه الدارقطني , و قال أبو حاتم : شيخ " .
الثانية : عن رجل من أهل البصرة عن محمد بن سلمة مرفوعا به .
أخرجه أحمد ( 4 / 226 ) : حدثنا وكيع عن ثور عنه .
قلت : و رجاله ثقات غير الرجل الذي لم يسم .
و بالجملة فالحديث قوي بهذه الطرق , و الله أعلم .
و قد ورد عن جابر مثل ما ذكرنا عن بن مسلمة كما يأتي .
و ما ترجمنا به للحديث قال به أكثر العلماء , ففي " فتح الباري " ( 9 / 157 ) :
" و قال الجمهور : يجوز أن ينظر إليها إذا أراد ذلك بغير إذنها , و عن مالك
رواية : يشترط إذنها , و نقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة
قبل العقد بحال , لأنها حينئذ أجنبية , و رد عليهم بالأحاديث المذكورة " .
فائدة :
------
روى عبد الرزاق في " الأمالي " ( 2 / 46 / 1 ) بسند صحيح عن ابن طاووس قال :
أردت أن أتزوج امرأة , فقال لي أبي : اذهب فانظر إليها , فذهبت فغسلت رأسي
و ترجلت و لبست من صالح ثيابي , فلما رآني في تلك الهيئة قال : لا تذهب !
قلت : و يجوز له أن ينظر منها إلى أكثر من الوجه و الكفين لإطلاق الأحاديث
المتقدمة و لقوله صلي الله عليه وسلم :
" إذا خطب أحدكم المرأة , فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل "
.
99 " إذا خطب أحدكم المرأة , فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل "
.
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 155 :
أخرجه أبو داود ( 2082 ) و الطحاوي و الحاكم و البيهقي و أحمد ( 3 / 334 ,
360 ) , عن محمد بن إسحاق عن داود بن حصين عن واقد بن عبد الرحمن بن سعد بن
معاذ عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
قال :
" فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها و تزوجها " .
و السياق لأبي داود , و قال الحاكم :
" هذا حديث صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي .
قلت : ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة , ثم هو مدلس و قد عنعنه , لكن قد
صرح بالتحديث في إحدى روايتي أحمد , فإسناده حسن , و كذا قال الحافظ في
" الفتح " ( 9 / 156 ) , و قال في " التلخيص " :
" و أعله ابن القطان بواقد بن عبد الرحمن , و قال : المعروف واقد بن عمرو " .
قلت : رواية الحاكم فيها عن واقد بن عمرو و كذا هو عند الشافعي و عبد الرزاق "
.
أقول : و كذلك هو عند جميع من ذكرنا غير أبي داود و أحمد في روايته الأخرى
فقالا : " واقد بن عبد الرحمن " , و قد تفرد به عبد الواحد بن زياد خلافا لمن
قال : " واقد بن عمرو " و هم أكثر , و روايتهم أولى , و واقد بن عمرو ثقة من
رجال مسلم , أما واقد بن عبد الرحمن فمجهول . و الله أعلم .
فقه الحديث :
-----------
و الحديث ظاهر الدلالة لما ترجمنا له , و أيده عمل راويه به , و هو الصحابي
الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه , و قد صنع مثله محمد بن مسلمة كما
ذكرناه في الحديث الذي قبله , و كفى بهما حجة , و لا يضرنا بعد ذلك , مذهب من
قيد الحديث بالنظر إلى الوجه و الكفين فقط , لأنه تقييد للحديث بدون نص مقيد ,
و تعطيل لفهم الصحابة بدون حجة , لاسيما و قد تأيد بفعل الخليفة الراشد عمر بن
الخطاب رضي الله عنه , فقال الحافظ في " التلخيص " ( ص 291 - 292 ) :
( فائدة ) :
----------
روى عبد الرزاق و سعيد بن منصور في " سننه " ( 520 - 521 ) و ابن أبي عمر
و سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن على بن الحنفية :
أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم , فذكر له صغرها , ( فقيل له : إن ردك ,
فعاوده ) , فقال ( له علي ) : أبعث بها إليك , فإن رضيت فهي امرأتك , فأرسل بها
إليه , فكشف عن ساقيها , فقالت : لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينك . و هذا
يشكل على من قال : إنه لا ينظر غير الوجه و الكفين " .
و هذا القول الذي أشار الحافظ إلى استشكاله هو مذهب الحنفية و الشافعية .
قال ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 3 / 25 - 26 ) :
" و قال داود : ينظر إلى سائر جسدها . و عن أحمد ثلاث روايات :
إحداهن : ينظر إلى وجهها و يديها .
و الثانية : ينظر ما يظهر غالبا كالرقبة و الساقين و نحوهما .
و الثالثة : ينظر إليها كلها عورة و غيرها , فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر
إليها متجردة ! "
قلت : و الرواية الثانية هي الأقرب إلى ظاهر الحديث , و تطبيق الصحابة له
و الله أعلم .
و قال ابن قدامة في " المغني " ( 7 / 454 ) :
" و وجه جواز النظر ( إلى ) ما يظهر غالبا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن
في النظر إليها من غير علمها , علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادة ,
إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور , و لأنه يظهر
غالبا فأبيح النظر إليه كالوجه , و لأنها امرأة أبيح له النظر إليها بأمر
الشارع , فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم " .
ثم وقفت على كتاب " ردود على أباطيل " لفضيلة الشيخ محمد الحامد , فإذا به يقول
( ص 43 ) :
" فالقول بجواز النظر إلى غير الوجه و الكفين من المخطوبة باطل لا يقبل " .
و هذه جرأة بالغة من مثله ما كنت أترقب صدورها منه , إذ أن المسألة خلافية كما
سبق بيانه , و لا يجوز الجزم ببطلان القول المخالف لمذهبه إلا بالإجابة عن حجته
و دليله كهذه الأحاديث , و هو لم يصنع شيئا من ذلك , بل إنه لم يشر إلى
الأحاديث أدنى إشارة , فأوهم القراء أن لا دليل لهذا القول أصلا , و الواقع
خلافه كما ترى , فإن هذه الأحاديث بإطلاقها تدل على خلاف ما قال فضيلته , كيف
لا و هو مخالف لخصوص قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ( 99 ) : " ما يدعوه
إلى نكاحها " , فإن كل ذي فقه يعلم أنه ليس المراد منه الوجه و الكفان فقط ,
و مثله في الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ( 97 ) : " و إن كانت لا
تعلم " .
و تأيد ذلك بعمل الصحابة رضي الله عنهم , عمله مع سنته صلى الله عليه وسلم ,
و منهم محمد ابن مسلمة و جابر بن عبد الله , فإن كلا منهما تخبأ لخطيبته ليرى
منها ما يدعوه إلى نكاحها , أفيظن بهما عاقل أنهما تخبآ للنظر إلى الوجه
و الكفين فقط ! و مثل عمر بن الخطاب الذي كشف عن ساقي أم كلثوم بنت علي رضي
الله عنهم . فهؤلاء ثلاثة من كبار الصحابة أحدهم الخليفة الراشد أجازوا النظر
إلى أكثر من الوجه و الكفين , و لا مخالف لهم من الصحابة فيما أعلم , فلا أدري
كيف استجاز مخالفتهم مع هذه الأحاديث الصحيحة ?! و عهدى بأمثال الشيخ أن
يقيموا القيامة على من خالف أحدا من الصحابة اتباعا للسنة الصحيحة , و لو كانت
الرواية عنه لا تثبت كما فعلوا في عدد ركعات التراويح ! و من عجيب أمر الشيخ
عفا الله عنا و عنه أنه قال في آخر البحث : " قال الله تعالى : فإن تنازعتم في
شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ذلك خير
و أحسن تأويلا " . ! فندعو أنفسنا و إياه إلى تحقيق هذه الآية و رد هذه المسألة
إلى السنة بعد ما تبينت . و الله المستعان و لا حول و لا قوة إلا بالله .
هذا و مع صحة الأحاديث في هذه المسألة , و قول جماهير العلماء بها - على خلاف
السابق - فقد أعرض كثير من المسلمين في العصور المتأخرة عن العمل بها , فإنهم
لا يسمحون للخاطب بالنظر إلى فتاتهم - و لو في حدود القول الضيق .
تورعا منهم , زعموا , و من عجائب الورع البارد أن بعضهم يأذن لابنته بالخروج
إلى الشارع سافرة بغير حجاب شرعي ! ثم يأبى أن يراها الخاطب في دارها , و بين
أهلها بثياب الشارع !
و في مقابل هؤلاء بعض الآباء المستهترين الذين لا يغارون على بناتهم . تقليدا
منهم لأسيادهم الأوربيين , فيسمحون للمصور أن يصورهن و هن سافرات سفورا غير
مشروع , و المصور رجل أجنبي عنهن , و قد يكون كافرا , ثم يقدمن صورهن إلى بعض
الشبان , بزعم أنهم يريدون خطبتهن , ثم ينتهي الأمر على غير خطبة , و تظل صور
بناتهم معهم , ليتغزلوا بها , و ليطفئوا حرارة الشباب بالنظر إليها ! .
ألا فتعسا للآباء الذين لا يغارون . و إنا لله و إنا إليه راجعون .
100 " يا أبا ذر ألا أعلمك كلمات تدرك بهن من سبقك و لا يلحقك من خلفك إلا من أخذ
بمثل عملك ? تكبر الله دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين , و تحمده ثلاثا و ثلاثين
و تسبحه ثلاثا و ثلاثين و تختمها بـ ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له
الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير ) " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 159 :
رواه أبو داود ( 1504 ) : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم , حدثنا الوليد بن مسلم
حدثنا الأوزاعي , حدثني حسان بن عطية قال : حدثني محمد بن أبي عائشة قال :
حدثني # أبو هريرة # قال :
" قال أبو ذر : يا رسول الله , ذهب أهل الدثور بالأجور , يصلون كما نصلي ,
و يصومون كما نصوم , و لهم فضول أموال يتصدقون بها , و ليس لنا مال نتصدق به ,
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره , و زاد في آخره :
" غفرت له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر " .
قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح , و لكني في شك من صحة هذه
الزيادة في الحديث بهذا الإسناد , فقد أخرجه أحمد ( 2 / 238 ) بهذا الإسناد :
حدثنا الوليد به , دونها . و كذلك أخرجه الدارمي من طريق أخرى فقال ( 1 / 312 )
: " أخبرنا الحكم بن موسى , حدثنا هقل عن الأوزاعي به , دونها " .
و من الظاهر أنها غير منسجمة مع سياق الحديث , و قد جاءت هذه الزيادة في حديث
آخر لأبي هريرة , فأخشى أن يكون اختلط على بعض الرواة أحد الحديثين بالآخر
فدمجهما في سياق واحد ! و لفظ الحديث المشار إليه يأتي في أول الجزء التالي إن
شاء الله .
و سبحانك اللهم و بحمدك , أشهد أن لا إله إلا أنت , أستغفرك و أتوب إليك .
الهزبر
2008-08-03, 12:39 AM
السلام عليكم
101 " من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين و حمد الله ثلاثا و ثلاثين و كبر
الله ثلاثا و ثلاثين , فتلك تسع و تسعون , ثم قال تمام المائة : لا إله إلا
الله وحده لا شريك له , له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير , غفرت له
خطاياه و إن كانت مثل زبد البحر " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 161 :
أخرجه مسلم ( 2 / 98 ) و أبو عوانة ( 2 / 247 ) و البيهقي ( 2 / 187 ) و أحمد
( 2 / 373 , 383 ) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبي عبيد المذحجي عن عطاء
ابن يزيد الليثي عن # أبي هريرة # مرفوعا .
و قد جاء هذا العدد في حديث آخر , لكنه جعل بدل التهليلة تكبيرة أخرى مع الثلاث
و الثلاثين , و يأتي عقب هذا إن شاء الله تعالى .
( فائدة ) أخرج النسائي ( 1 / 198 ) و الحاكم ( 1 / 253 ) عن زيد ابن ثابت
قال :
" أمروا أن يسبحوا دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين , و يحمدوا ثلاثا و ثلاثين ,
و يكبروا أربعا و ثلاثين , فأتي رجل من الأنصار في منامه فقيل له : أمركم رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين , و تحمدوا
ثلاثا و ثلاثين , و تكبروا أربعا و ثلاثين ? قال : نعم , قال : فاجعلوها خمسا
و عشرين , و اجعلوا فيها التهليل ( يعني خمسا و عشرين ) ,فلما أصبح أتى النبي
صلى الله عليه وسلم , فذكر ذلك له , قال : اجعلوها كذلك " .
و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " , و وافقه الذهبي , و هو كما قالا .
و له شاهد من حديث ابن عمر نحوه . أخرجه النسائي بسند صحيح .
102 " معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة : ثلاث و ثلاثون تسبيحة
و ثلاث و ثلاثون تحميدة و أربع و ثلاثون تكبيرة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 162 :
رواه مسلم ( 2 / 98 ) و أبو عوانة ( 2 / 247 , 248 ) و النسائي ( 1 / 198 )
و الترمذي ( 2 / 249 ) و البيهقي ( 2 / 187 ) و الطيالسي ( 1060 ) من طرق عن
الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن # كعب بن عجرة # مرفوعا .
( معقبات ) أي كلمات تقال عقب الصلاة , و المعقب ما جاء عقب قبله .
قلت : و الحديث نص على أن هذا الذكر إنما يقال عقب الفريضة مباشرة , و مثله ما
قبله من الأوراد و غيرها , سواء كانت الفريضة لها سنة بعدية أو لا , و من قال
من المذاهب بجعل ذلك عقب السنة فهو مع كونه لا نص لديه بذلك , فإنه مخالف لهذا
الحديث و أمثاله مما هو نص في المسألة .
و الله ولي التوفيق .
103 " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصحابه , و خير الجيران عند الله خيرهم لجاره " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 162 :
رواه الترمذي ( 1 / 353 ) و الدارمي ( 2 / 215 ) و الحاكم ( 4 / 164 )
و أحمد ( 2 / 168 ) و ابن بشران في " الأمالي " ( 143 / 1 ) عن حيوة
و ابن لهيعة قالا : حدثنا شرحبيل بن شريك أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي
يحدث عن # عبد الله بن عمرو # به مرفوعا .
هكذا أخرجوه جميعا عنهما إلا أن الترمذي لم يذكر ابن لهيعة , و كذا الحاكم إلا
أنه خالف في إسناده فقال :
" ... حيوة بن شريح حدثني شرحبيل بن مسلم عن عبد الله بن عمرو " .
فجعل شرحبيل بن مسلم بدل شرحبيل بن شريك , و أسقط من السند أبا عبد الرحمن
الحبلي , و ذلك من أوهامه رحمه الله , ثم وهم وهما آخر فقال :
" حديث صحيح على شرط الشيخين " . و وافقه الذهبي !
قلت : و ابن مسلم لم يخرج له الشيخان , و أما ابن شريك فاحتج به مسلم وحده ,
و كلاهما ثقة . و قال ابن بشران عقب الحديث :
" حديث صحيح , و إسناده كلهم ثقات " .
و هو كما قال , و قال الترمذي : " حديث حسن غريب " .
104 " إن الشيطان قال : وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم
فقال الرب تبارك و تعالى : وعزتي وجلالي : لا أزال أغفر لهم ما استغفروني "
.
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 163 :
رواه الحاكم ( 4 / 261 ) و البيهقي في " الأسماء " ( ص 134 ) من طريق عمرو
ابن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن # أبي سعيد # رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : فذكره , و قال :
" صحيح الإسناد " و وافقه الذهبي و ذلك من أوهامه , فإن دراجا عنده واه كما
يأتي .
و رواه ابن لهيعة عن دراج به و زاد : " و ارتفاع مكاني " .
أخرجه البغوي في " شرح السنة " ( 1 / 146 ) , و أحمد ( 3 / 29 ) بدونها
و أوردها الذهبي في " العلو " ( ص 116 ) من هذا الوجه و لم يعزه لأحد و قال :
" دراج واه " .
قلت : و علة هذه الزيادة عندي من ابن لهيعة و هي من تخاليطه لا من دراج , فقد
رواه عنه عمرو بن الحارث بدونها كما رأيت .
و قد توبع على الحديث , فأخرجه الإمام أحمد ( 3 / 29 / 41 ) من طريق ليث عن
يزيد بن الهاد عن عمرو عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ :
" إن إبليس قال لربه : بعزتك و جلالك لا أبرح أغوي بني آدم ما دامت الأرواح
فيهم فقال الله : فبعزتي و جلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني " .
قلت : هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين لكنه منقطع بين عمرو - و هو ابن
أبي عمر مولى المطلب - و بين أبي سعيد الخدري , فإنهم , لم يذكروا لعمرو رواية
عن أحد من الصحابة غير أنس بن مالك , و هو متأخر الوفاة جدا عن أبي سعيد , فإن
هذا كانت وفاته سنة ( 75 ) على أكثر ما قيل , و هو توفي سنة ( 92 ) و قيل
( 93 ) .
و الحديث أورده الهيثمي في " المجمع " ( 10 / 207 ) بلفظ أحمد و قال :
" رواه أحمد و أبو يعلى بسنده , و قال : لا أبرح أغوي عبادك , و الطبراني في
الأوسط , و أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح , و كذلك أحد إسنادي أبي يعلى "
.
و كأنه قد خفي عليه الانقطاع الذي ذكرت , أقول هذا مع العلم أن قول المحدث في
حديث ما " رجاله رجال الصحيح " أو " رجاله ثقات " و نحو ذلك لا يفيد تصحيح
إسناده , خلافا لما يظن البعض , و قد نص على ما ذكرنا الحافظ ابن حجر فقال في
" التلخيص " ( ص 239 ) بعد أن ساق حديثا آخر :
" و لا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحا , لأن الأعمش مدلس و لم يذكر
سماعه " .
105 " لقيت إبراهيم ليلة أسري بي , فقال : يا محمد أقرئ أمتك مني السلام و أخبرهم
أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء و أنها قيعان , غراسها سبحان الله و الحمد لله
و لا إله إلا الله و الله أكبر " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 165 :
أخرجه الترمذي ( 2 / 258 - بولاق ) عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم
ابن عبد الرحمن عن ابن مسعود مرفوعا , و قال :
" هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود " .
قلت : و عبد الرحمن بن إسحاق هذا ضعيف اتفاقا , لكن يقويه أن له شاهدين من حديث
أبي أيوب الأنصاري , و من حديث عبد الله بن عمر .
أما حديث أبي أيوب , فهو من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر عن
سالم بن عبد الله : أخبرني أبو أيوب الأنصاري :
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على إبراهيم فقال : من معك
يا جبريل ? قال : هذا محمد , فقال له إبراهيم : مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة
فإن تربتها طهور , و أرضها واسعة قال : و ما غراس الجنة ? قال : لا حول و لا
قوة إلا بالله " .
أخرجه أحمد ( 5 / 418 ) و أبو بكر الشافعي في " الفوائد " ( 6 / 65 / 1 )
و الطبراني كما في " المجمع " ( 10 / 97 ) و قال : " و رجال أحمد رجال الصحيح
غير عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب و هو ثقة لم يتكلم
فيه أحد , و وثقه ابن حبان " .
قلت : و بناء على توثيق ابن حبان إياه أخرج حديثه هذا في " صحيحه " كما في
" الترغيب " ( 2 / 265 ) و عزاه لابن أبي الدنيا أيضا مع أحمد و قال :
" إسناده حسن " .
قلت : و في ذلك نظر عندي لما قررناه مرارا أن توثيق ابن حبان فيه لين , لكن
الحديث لا بأس به بما قبله .
و أما حديث ابن عمر , فأخرجه ابن أبي الدنيا في الذكر و الطبراني بلفظ :
" أكثروا من غراس الجنة , فإنه عذب ماؤها طيب ترابها , فأكثروا من غراسها ,
قالوا : يا رسول الله و ما غراسها ? قال ما شاء الله , لا حول و لا قوة إلا
بالله " .
هكذا أورده في " الترغيب " و سكت عليه , و أورده الهيثمي من رواية الطبراني
وحده دون قوله " ما شاء الله " و قال ( 10 / 98 ) :
" و فيه عقبة بن علي و هو ضعيف " .
( قيعان ) جمع " قاع " و هو المكان المستوي الواسع في وطأة من الأرض يعلوه ماء
السماء , فيمسكه , و يستوي نباته . نهاية .
الهزبر
2008-08-03, 12:43 AM
السلام عليكم
106 " يا معشر المهاجرين ! خمس إذا ابتليتم بهن و أعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر
الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم تكن
مضت في أسلافهم الذين مضوا و لم ينقصوا المكيال و الميزان إلا أخذوا بالسنين
و شدة المؤنة و جور السلطان عليهم و لم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر
من السماء و لولا البهائم لم يمطروا و لم ينقضوا عهد الله و عهد رسوله إلا سلط
الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم و ما لم تحكم أئمتهم بكتاب
الله و يتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 167 :
رواه ابن ماجه ( 4019 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 8 / 333 - 334 ) عن
ابن أبي مالك عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح عن #عبد الله ابن عمر # قال :
أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : فذكره .
قلت : و هذا سند ضعيف من أجل ابن أبي مالك و اسمه خالد بن يزيد بن عبد الرحمن
ابن أبي مالك و هو ضعيف مع كونه فقيها و قد اتهمه ابن معين كما في " التقريب "
.
و قال البوصيري في " الزوائد " .
" هذا حديث صالح للعمل به , و قد اختلفوا في ابن أبي مالك و أبيه " .
قلت الأب لا بأس به , و إنما العلة من ابنه , و لذلك أشار الحافظ ابن حجر في
" بذل الماعون " لضعف الحديث بقوله ( ق 55 / 2 ) :
" إن ثبت الخبر " .
قلت : قد ثبت حتما فإنه جاء من طرق أخرى عن عطاء و غيره , فرواه ابن أبي الدنيا
في " العقوبات " ( ق 62 / 2 ) من طريق نافع بن عبد الله عن فروة بن قيس المكي
عن عطاء بن أبي رباح به .
قلت : و هذا سند ضعيف , نافع و فروة لا يعرفان كما في " الميزان " .
و رواه الحاكم ( 4 / 540 ) من طريق أبي معبد حفص بن غيلان عن عطاء بن أبي رباح
به و قال : " صحيح الإسناد " و وافقه الذهبي .
قلت : بل هو حسن الإسناد فإن ابن غيلان هذا قد ضعفه بعضهم , لكن وثقه الجمهور ,
و قال الحافظ في " التقريب " :
" صدوق فقيه , رمي بالقدر " .
و رواه الروياني في " مسنده " ( ق 247 / 1 ) عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن
عبد الله بن عمر مرفوعا .
و هذا سند ضعيف , عطاء هذا هو ابن أبي مسلم الخراساني و هو صدوق لكنه مدلس
و قد عنعنه .
و ابنه عثمان ضعيف كما في " التقريب " .
فهذه الطرق كلها ضعيفة إلا طريق الحاكم فهو العمدة , و هي إن لم تزده قوة فلا
توهنه .
( السنين ) جمع سنة أي جدب و قحط .
( يتخيروا ) أي يطلبوا الخير , أي و ما لم يطلبوا الخير و السعادة مما
أنزل الله .
و لبعض الحديث شاهد من حديث بريدة بن الحصيب مرفوعا بلفظ :
" ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم , و ما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا
سلط الله عز و جل عليهم الموت , و لا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر "
.
107 " ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم , و ما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا
سلط الله عز و جل عليهم الموت , و لا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر "
.
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 169 :
رواه الحاكم ( 2 / 126 ) و البيهقي ( 3 / 346 ) من طريق بشير بن مهاجر عن
# عبد الله بن بريدة عن أبيه # .
و قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " , و وافقه الذهبي .
قلت : و هو كما قالا , غير أن بشيرا هذا قد تكلم فيه من قبل حفظه , و في
" التقريب " أنه صدوق لين الحديث . و قد خولف في إسناده , فقال البيهقي عقبه :
" كذا رواه بشير بن المهاجر " .
ثم ساق بإسناده من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريده عن ابن عباس قال :
" ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم , و لا فشت الفاحشة في قوم إلا
أخذهم الله بالموت , و ما طفف قوم الميزان إلا أخذهم الله بالسنين , و ما منع
قوم الزكاة إلا منعهم الله القطر من السماء , و ما جار قوم في حكم إلا كان
البأس بينهم - أظنه قال - و القتل " .
قلت : و إسناده صحيح و هو موقوف في حكم المرفوع , لأنه لا يقال من قبل الرأي
و قد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " مرفوعا من طريق أخرى : عن إسحاق
ابن عبد الله بن كيسان المروزي : حدثنا أبي عن الضحاك بن مزاحم عن مجاهد
و طاووس عن ابن عباس .
قلت : و هذا إسناد ضعيف يستشهد به و قال المنذري في " الترغيب " ( 1 / 271 ) :
" و سنده قريب من الحسن , و له شواهد " .
قلت : و يبدو لي أن للحديث أصلا عن بريدة فقد وجدت لبعضه طريقا أخرى رواه
الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 85 / 1 من الجمع بينه و بين الصغير ) و تمام في
" الفوائد " ( ق 148 - 149 ) عن مروان ابن محمد الطاطرى حدثنا سليمان بن موسى
أبو داود الكوفي عن فضيل بن مرزوق ( و في الفوائد فضيل بن غزوان ) عن عبد الله
بن بريدة عن أبيه مرفوعا بلفظ :
" ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين " .
و قال الطبراني :
" لم يروه إلا سليمان تفرد به مروان " .
قلت : مروان ثقة , و سليمان بن موسى أبو داود الكوفي صويلح كما قال الذهبي ,
و فضيل إن كان ابن مرزوق ففيه ضعف , و إن كان ابن غزوان فهو ثقة احتج به
الشيخان , فإن كان هو راوي الحديث فهو حسن إن شاء الله تعالى .
و قد قال المنذري ( 1 / 270 ) بعد ما عزاه للطبراني :
" و رواته ثقات " .
و بالجملة فالحديث بهذه الطرق و الشواهد صحيح بلا ريب , و توقف الحافظ ابن حجر
في ثبوته إنما هو باعتبار الطريق الأولى . و الله أعلم .
108 " إن الله زادكم صلاة و هي الوتر , فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 171 :
رواه الإمام أحمد ( 6 / 7 ) و الطبراني في " المعجم الكبير ( 1 / 100 / 1 )
من طريقين عن ابن المبارك : أنبأنا سعيد بن يزيد حدثني ابن هبيرة عن أبي تميم
الجيشاني أن عمرو بن العاص خطب الناس يوم الجمعة , فقال : إن # أبا بصرة #
حدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
قال أبو تميم : فأخذ بيدي أبو ذر فسار في المسجد إلى أبي بصرة فقال له :
أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قال عمرو ? قال أبو بصرة :
أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم .
و سعيد بن يزيد هو أبو شجاع الإسكندراني .
و قد تابعه عبد الله بن لهيعة : أنبأنا عبد الله بن هبيرة به .
أخرجه أحمد ( 6 / 379 ) و الطحاوي في " شرح المعاني " ( 1 / 250 ) و الطبراني
في " الكبير " ( 1 / 104 / 2 ) و الدولابي في " الكنى " ( 1 / 13 ) من طرق ثلاث
عن ابن لهيعة به .
و إسناده عند الطحاوي صحيح كما بينته في " إرواء الغليل " رقم ( 416 ) .
و له طرق أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم خرجت بعضها هناك , و هذه الطريق هي
العمدة و لذلك اقتصرت عليها هنا .
و ذكر الشيخ الكتاني و صاحبه الأستاذ الزحيلي في تخريج " تحفة الفقهاء "
( 1 / 1 / 355 ) جملة كبيرة منها عن عشرة من الصحابة منها طريق واحدة عن عمرو
ابن العاص , و لكنها واهية , و فاتهما هذه الطريق الصحيحة !
فقه الحديث
------------
يدل ظاهر الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم : " فصلوها " على وجوب صلاة الوتر ,
و بذلك قال الحنفية , خلافا للجماهير , و لولا أنه ثبت بالأدلة القاطعة حصر
الصلوات المفروضات في كل يوم و ليلة بخمس صلوات لكان قول الحنفية أقرب إلى
الصواب , و لذلك فلابد من القول بأن الأمر هنا ليس للوجوب , بل لتأكيد
الاستحباب .
و كم من أوامر كريمة صرفت من الوجوب بأدنى من تلك الأدلة القاطعة , و قد انفك
الأحناف عنها بقولهم إنهم لا يقولون بأن الوتر واجب كوجوب الصلوات الخمس , بل
هو واسطة بينها و بين السنن , أضعف من هذه ثبوتا , و أقوى من تلك تأكيدا !
فليعلم أن قول الحنفية هذا قائم على اصطلاح لهم خاص حادث , لا تعرفه الصحابة
و لا السلف الصالح ,و هو تفريقهم بين الفرض و الواجب ثبوتا و جزاء كما هو مفصل
في كتبهم .
و إن قولهم بهذا معناه التسليم بأن تارك الوتر معذب يوم القيامة عذابا دون عذاب
تارك الفرض كما هو مذهبهم في اجتهادهم , و حينئذ يقال لهم : و كيف يصح ذلك مع
قوله صلى الله عليه وسلم لمن عزم على أن لا يصلي غير الصلوات الخمس : " أفلح
الرجل " ? ! و كيف يلتقي الفلاح مع العذاب ?! فلا شك أن قوله صلى الله عليه
وسلم هذا وحده كاف لبيان أن صلاة الوتر ليست بواجبة و لهذا اتفق جماهير العلماء
عى سنيته و عدم وجوبه , و هو الحق , نقول هذا مع التذكير و النصح بالاهتمام
بالوتر , و عدم التهاون عنه لهذا الحديث و غيره . و الله أعلم .
109 " ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة و فضل العرش على
الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 174 :
رواه محمد بن أبي شيبة في " كتاب العرش " ( 114 / 1 ) :
حدثنا الحسن بن أبي ليلى أنبأنا أحمد بن علي الأسدي عن المختار بن غسان العبدي
عن إسماعيل بن سلم عن أبي إدريس الخولاني عن # أبي ذر الغفاري # قال :
" دخلت المسجد الحرام فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فجلست إليه ,
فقلت : يا رسول الله أيما آية نزلت عليك أفضل ? قال : آية الكرسي : ما السموات
السبع " . الحديث .
قلت : و هذا سند ضعيف , إسماعيل بن سلم لم أعرفه , و غالب الظن أنه إسماعيل
بن مسلم فقد ذكروه في شيوخ المختار بن عبيد , و هو المكي البصري و هو ضعيف .
و المختار روى عنه ثلاثة و لم يوثقه أحد و في " التقريب " : أنه مقبول .
قلت : و لم ينفرد به إسماعيل بن مسلم , بل تابعه يحيى بن يحيى الغساني رواه
حفيده إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني قال : حدثنا أبي عن جدي عن
أبي إدريس الخولاني به .
أخرجه البيهقي في " الأسماء و الصفات " ( ص 290 ) .
قلت : و هذا سند واه جدا إبراهيم هذا متروك كما قال الذهبي , و قد كذبه
أبو حاتم .
و تابعه القاسم بن محمد الثقفي و لكنه مجهول كما في " التقريب " .
أخرجه ابن مردويه كما في تفسير ابن كثير ( 2 / 13 - طبع المنار ) من طريق محمد
بن أبي السري ( الأصل : اليسري ) العسقلاني أخبرنا محمد بن عبد الله التميمي عن
القاسم به . و العسقلاني و التميمي كلاهما ضعيف .
و للحديث طريقان آخران عن أبي ذر :
الأول عن يحيى بن سعيد السعدي البصري قال : حدثنا عبد الملك ابن جريج عن عطاء
عن عبيد بن عمر الليثي عنه به .
أخرجه البيهقي و قال .
" تفرد به يحيى بن سعيد السعدي , و له شاهد بإسناد أصح " .
قلت : ثم ساقه من طريق الغساني المتقدم , و ما أراه بأصح من هذا , بل هو أوهى ,
لأن إبراهيم متهم كما سبق , و أما هذا فليس فيه من اتهم صراحة , و رجاله ثقات
غير السعدي هذا , قال العقيلي : " لا يتابع على حديثه " . يعني هذا .
و قال ابن حبان : يروى المقلوبات و الملزقات , لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد .
الثاني : عن ابن زيد قال : حدثني أبي قال : قال أبو ذر فذكره .
أخرجه ابن جرير في " تفسيره " ( 5 / 399 ) " حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب
قال : قال ابن زيد به .
قلت و هذا إسناد رجاله كلهم ثقات . لكني أظن أنه منقطع , فإن ابن زيد هو عمر
ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب و هو ثقة من رجال الشيخين يروي
عنه ابن وهب و غيره . و أبوه محمد بن زيد ثقة مثله , روى عن العبادلة الأربعة
جده عبد الله و ابن عمرو و ابن عباس و ابن الزبير و سعيد بن زيد بن عمرو , فإن
هؤلاء ماتوا بعد الخمسين , و أما أبو ذر ففي سنة اثنتين و ثلاثين فما أظنه سمع
منه .
و جملة القول : أن الحديث بهذه الطرق صحيح و خيرها الطريق الأخير و الله أعلم .
و الحديث خرج مخرج التفسير لقوله تعالى : ( وسع كرسيه السماوات و الأرض ) و هو
صريح في كون الكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش , و أنه جرم قائم بنفسه و ليس
شيئا معنويا . ففيه رد على من يتأوله بمعنى الملك و سعة السلطان , كما جاء في
بعض التفاسير . و ما روي عن ابن عباس أنه العلم , فلا يصح إسناده إليه لأنه من
رواية جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عنه . رواه ابن جرير .
قال ابن منده : ابن أبي المغيرة ليس بالقوي في ابن جبير .
و اعلم أنه لا يصح في صفة الكرسي غير هذا الحديث , كما في بعض الروايات أنه
موضع القدمين . و أن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد , و أنه يحمله أربعة أملاك ,
لكل ملك أربعة وجوه , و أقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة ... إلخ فهذا
كله لا يصح مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم و بعضه أشد ضعفا من بعض , و قد
خرجت بعضها فيما علقناه على كتاب " ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة
القويمة البرهان " ملحقا بآخره طبع المكتب الإسلامي .
110 " سيحان و جيحان و الفرات و النيل كل من أنهار الجنة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 177 :
رواه مسلم ( 8 / 149 ) و أحمد ( 2 / 289 و 440 ) و أبو بكر الأبهري في
" الفوائد المنتقاة " ( 143 / 1 ) و الخطيب ( 1 / 54 - 55 ) من طريق حفص
بن عاصم عن # أبي هريرة # مرفوعا .
و له طريق أخرى بلفظ :
" فجرت أربعة أنهار من الجنة : الفرات و النيل و السيحان و جيحان " .
الهزبر
2008-08-03, 12:47 AM
السلام عليكم
111 " فجرت أربعة أنهار من الجنة : الفرات و النيل و السيحان و جيحان " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 177 :
رواه أحمد ( 2 / 261 ) و أبو يعلى في مسنده ( 4 / 1416 مصورة المكتب الإسلامي )
و الخطيب في " تاريخه " ( 1 / 44 , 8 / 185 ) عن محمد بن عمرو عن # أبي سلمة
عنه # مرفوعا . و هذا إسناد حسن .
و له طريق ثالث , أخرجه الخطيب ( 1 / 54 ) من طريق إدريس الأودي عن أبيه مرفوعا
مختصرا بلفظ :
( نهران من الجنة النيل و الفرات ) .
و إدريس هذا مجهول كما في " التقريب " .
و له شاهد من حديث أنس بن مالك مرفوعا بلفظ :
" رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة , نبقها مثل قلال هجر , و ورقها مثل
آذان الفيلة , يخرج من ساقها نهران ظاهران , و نهران باطنان , فقلت : يا جبريل
ما هذان ? قال : أما الباطنان ففي الجنة , و أما الظاهران فالنيل و الفرات " .
112 " رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة نبقها مثل قلال هجر و ورقها مثل آذان
الفيلة يخرج من ساقها نهران ظاهران و نهران باطنان , فقلت : يا جبريل ما هذان ?
قال : أما الباطنان ففي الجنة و أما الظاهران فالنيل و الفرات " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 178 :
رواه أحمد ( 3 / 164 ) : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة عن # أنس بن
مالك # مرفوعا .
قلت : و هذا سند صحيح على شرط الشيخين , و قد أخرجه البخاري ( 334 ) معلقا ,
فقال : و قال : إبراهيم بن طهمان عن شعبة عن قتادة به .
و قد و صله هو ( 3 / 30 - 33 ) و مسلم ( 1 / 103 - 105 ) و أبو عوانة ( 1 / 120
- 124 ) و النسائي ( 1 / 76 - 77 ) و أحمد أيضا ( 4 / 207 - 208 و 208 - 210 )
من طرق عن قتادة عن أنس عن مالك ابن صعصعة مرفوعا بحديث الإسراء بطوله و فيه
هذا . فجعلوه من مسند مالك بن صعصعة و هو الصواب .
ثم وجدت الحاكم أخرجه ( 1 / 81 ) من طريق أحمد و قال :
" صحيح على شرط الشيخين " و وافقه الذهبي .
ثم رواه من طريق حفص بن عبد الله حدثني إبراهيم بن طهمان به .
هذا و لعل المراد من كون هذه الأنهار من الجنة أن أصلها منها كما أن أصل
الإنسان من الجنة , فلا ينافي الحديث ما هو معلوم مشاهد من أن هذه الأنهار
تنبع من منابعها المعروفة في الأرض , فإن لم يكن هذا هو المعنى أو ما يشبهه ,
فالحديث من أمور الغيب التي يجب الإيمان بها , و التسليم للمخبر عنها
( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم , ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا
مما قضيت و يسلموا تسليما ) .
113 " من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل
شيء قدير بعدما يصلي الغداة عشر مرات كتب الله عز و جل له عشر حسنات و محى عنه
عشر سيئات و رفع له عشر درجات و كن له بعدل عتق رقبتين من ولد إسماعيل , فإن
قالها حين يمسي كان له مثل ذلك و كن له حجابا من الشيطان حتى يصبح " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 179 :
رواه الحسن بن عرفة في جزئه ( 5 / 1 ) : حدثنا قران بن تمام الأسدي عن سهيل
بن أبي صالح عن أبيه عن # أبي هريرة # مرفوعا .
و من طريق ابن عرفة رواه الخطيب في " تاريخه " ( 12 / 389 , 472 ) .
قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير قران هذا و هو ثقة .
و له شاهد من حديث أبي أيوب الأنصاري بلفظ :
" من قال : إذا صلى الصبح ... " فذكره بتمامه إلا أنه قال :
" أربع رقاب " و قال : " و إذا قالها بعد المغرب مثل ذلك " .
رواه أحمد ( 5 / 415 ) من طريق محمد بن إسحاق عن يزيد بن يزيد ابن جابر عن
القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن يعيش عنه .
قلت : و رجاله ثقات غير ابن يعيش هذا فلم يوثقه غير ابن حبان و لم يرو عنه غير
القاسم هذا , و لذلك قال الحسيني : " مجهول " .
لكن الحديث عزاه المنذري في " الترغيب " ( 1 / 167 ) لأحمد و النسائي و ابن
حبان في " صحيحه " , فهذا يقتضي أنه عند النسائي من غير طريق ابن يعيش , لأنه
ليس من رجال النسائي .
و قد تابعه أبو رهم السمعي عن أبي أيوب بلفظ :
" من قال حين يصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك و له الحمد ,
يحيى و يميت , و هو على كل شيء قدير عشر مرات , كتب الله له بكل واحدة قالها
عشر حسنات , و حط الله عنه عشر سيئات , و رفعه الله بها عشر درجات , و كن له
كعشر رقاب , و كن له مسلحة من أول النهار إلى آخره , و لم يعمل يومئذ عملا
يقهرهن , فإن قال حين يمسي فمثل ذلك " .
114 " من قال حين يصبح : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد يحيي
و يميت و هو على كل شيء قدير عشر مرات كتب الله له بكل واحدة قالها عشر حسنات
و حط الله عنه عشر سيئات و رفعه الله بها عشر درجات و كن له كعشر رقاب و كن له
مسلحة من أول النهار إلى آخره و لم يعمل يومئذ عملا يقهرهن , فإن قال حين يمسي
فمثل ذلك " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 180 :
أخرجه أحمد ( 5 / 420 ) حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان
بن عمرو عن خالد بن معدان عن # أبي رهم # به .
قلت : و هذا سند صحيح , رجاله كلهم ثقات , و ابن عياش إنما ضعف في روايته عن
غير الشاميين , و أما في روايته عنهم فهو صحيح الحديث كما قال البخاري و غيره
و هذه منها , فإن صفوانا من ثقاتهم .
و في هذه الرواية فائدة عزيزة و هي زيادة " يحيي و يميت " فإنها قلما تثبت في
حديث آخر , و قد رويت من حديث أبي ذر و عمارة بن شبيب و حسنهما الترمذي ,
و إسنادهما ضعيف كما بينته في " التعليق الرغيب على الترغيب و الترهيب " و في
حديث الأول منهما : " من قال في دبر صلاة الفجر و هو ثان رجليه قبل أن يتكلم لا
إله إلا الله .. " فهذا القيد : " و هو ثان ....." لا يصح في الحديث لأنه تفرد
به شهر بن حوشب , و قد اضطرب في إسناد الحديث و في متنه اضطرابا كثيرا كما
أوضحته في المصدر المذكور .
115 " سددوا و قاربوا و اعملوا و خيروا و اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة و لا يحافظ
على الوضوء إلا مؤمن " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 181 :
رواه الإمام أحمد ( 5 / 282 ) : " حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ابن ثوبان حدثني
حسان بن عطية أن أبا كبشة السلولي حدثه أنه سمع # ثوبان # يقول :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
و كذا رواه الدارمي ( 1 / 168 ) و ابن حبان ( 164 ) و الطبراني في " المعجم
الكبير " ( 1 / 72 / 2 ) عن الوليد به .
قلت : و هذا إسناد حسن , رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير ابن ثوبان و اسمه
عبد الرحمن بن ثابت و هو مختلف فيه , و المتقرر أنه حسن الحديث إذا لم يخالف .
و للحديث طرق أخرى و شواهد خرجتها في " إرواء الغليل " ( 405 ) .
الهزبر
2008-08-03, 12:51 AM
السلام عليكم
116 " إن أحدكم يأتيه الشيطان فيقول : من خلقك ? فيقول : الله , فيقول : فمن خلق
الله ?! فإذا وجد ذلك أحدكم فليقرأ : آمنت بالله و رسله , فإن ذلك يذهب عنه " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 182 :
رواه أحمد ( 6 / 258 ) : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا الضحاك عن هشام
بن عروة عن أبيه عن # عائشة # أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
قلت : و هذا سند حسن , و هو على شرط مسلم , رجاله كلهم من رجاله الذين احتج بهم
في " صحيحه " , لكن الضحاك و هو ابن عثمان الأسدي الحزامي قد تكلم فيه بعض
الأئمة من قبل حفظه , لكن ذلك لا ينزل حديثه من رتبة الحسن إن شاء الله تعالى .
و قد تابعه سفيان الثوري و ليث بن سالم عند ابن السني ( 201 ) فالحديث صحيح .
و قال المنذري في " الترغيب " ( 2 / 266 ) :
" رواه أحمد بإسناد جيد , و أبو يعلى و البزار , و رواه الطبراني في الكبير
و الأوسط من حديث عبد الله بن عمرو , و رواه أحمد أيضا من حديث خزيمة بن ثابت
رضي الله عنه " .
و هذه شواهد يرقى بها الحديث إلى درجة الصحيح جدا .
و حديث ابن خزيمة عند أحمد ( 5 / 214 ) و رجاله ثقات إلا أن فيهم ابن لهيعة
و هو سيء الحفظ .
و حديث ابن عمرو قال الهيثمي ( 341 ) :
" و رجاله رجال الصحيح خلا أحمد بن نافع الطحان شيخ الطبراني " .
كذا قال , و لم يذكر من حاله شيئا , كأنه لم يقف له على ترجمة , و كذلك أنا فلم
أعرفه و هو مصري كما في " معجم الطبراني الصغير " ( ص 10 ) .
ثم إن الحديث رواه هشام بن عروة عن أبيه عن أبي هريرة أيضا مرفوعا مثله .
أخرجه مسلم ( 1 / 84 ) و أحمد ( 2 / 331 ) من طرق عن هشام به , دون قوله :
" فإن ذلك يذهب عنه " .
و أخرجه أبو داود ( 4121 ) إلى قوله : " آمنت بالله " , و هو رواية لمسلم .
117 " يأتي شيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ? من خلق كذا ? من خلق كذا ? حتى يقول :
من خلق ربك ?! فإذا بلغه فليستعذ بالله و لينته " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 183 :
أخرجه البخاري ( 2 / 321 ) و مسلم و ابن السني .
و للحديث طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ :
" يوشك الناس يتساءلون بينهم حتى يقول قائلهم : هذا الله خلق الخلق فمن
خلق الله عز و جل ? فإذا قالوا ذلك , فقولوا : ( الله أحد , الله الصمد ,
لم يلد , و لم يولد , و لم يكن له كفوا أحد ) ثم ليتفل أحدكم عن يساره ثلاثا ,
و ليستعذ من الشيطان " .
118 " يوشك الناس يتساءلون بينهم حتى يقول قائلهم : هذا الله خلق الخلق فمن خلق
الله عز وجل ? فإذا قالوا ذلك , فقولوا : *( الله أحد , الله الصمد , لم يلد ,
و لم يولد , و لم يكن له كفوا أحد )* ثم ليتفل أحدكم عن يساره ثلاثا , و ليستعذ
من الشيطان " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 184 :
( عن # أبي هريرة # ) :
أخرجه أبو داود ( 4732 ) و ابن السني ( 621 ) عن محمد بن إسحاق قال : حدثني
عتبة بن مسلم مولى بني تميم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه قال : سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .
قلت : و هذا سند حسن رجاله ثقات , و ابن إسحاق قد صرح بالتحديث فأمنا بذلك
تدليسه .
و رواه عمر بن أبي سلمة عن أبيه به إلى قوله : " فمن خلق الله عز و جل ? "
قال : فقال أبو هريرة : فو الله إني لجالس يوما إذ قال لي رجل من أهل العراق :
هذا الله خالقنا فمن خلق الله عز و جل ? قال أبو هريرة : فجعلت أصبعي في أذني
ثم صحت فقلت : صدق الله و رسوله ( الله الواحد الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن
له كفوا أحد ) .
أخرجه أحمد ( 2 / 387 ) و رجاله ثقات غير عمر هذا فإنه ضعيف .
و له عنده ( 2 / 539 ) طريق أخرى عن جعفر حدثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة به
مرفوعا مثل الذي قبله , قال يزيد : فحدثني نجمة بن صبيغ السلمي أنه رأى ركبا
أتوا أبا هريرة , فسألوه عن ذلك , فقال : الله أكبر , ما حدثني خليلي بشيء إلا
و قد رأيته و أنا أنتظره . قال جعفر بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إذا سألكم الناس عن هذا فقولوا : الله قبل كل شيء , و الله خلق كل شيء , و الله
كائن بعد كل شيء .
و إسناد المرفوع صحيح , و أما بلاغ جعفر و هو ابن برقان فمعضل .
و ما بينهما موقوف , لكن نجمة هذا لم أعرفه , و هكذا وقع في المسند " نجمة "
بالميم , و في " الجرح و التعديل " ( 4 / 1 / 509 ) : " نجبة " بالباء الموحدة
و قال :
" روى عن أبي هريرة , روى عنه يزيد بن الأصم , سمعت أبي يقول ذلك " و لم يزد !
و لم يورده الحافظ في " التعجيل " و هو على شرطه !
فقه الحديث :
-----------
دلت هذه الأحاديث الصحيحة على أنه يجب على من وسوس إليه الشيطان بقوله : من
خلق الله ? أن ينصرف عن مجادلته إلى إجابته بما جاء في الأحاديث المذكورة ,
و خلاصتها أن يقول :
" آمنت بالله و رسله , الله أحد , الله الصمد , لم يلد و لم يولد , و لم يكن له
كفوا أحد . ثم يتفل عن يساره ثلاثا , و يستعيذ بالله من الشيطان , ثم ينتهي عن
الانسياق مع الوسوسة .
و أعتقد أن من فعل ذلك طاعة لله و رسوله , مخلصا في ذلك أنه لابد أن تذهب
الوسوسة عنه , و يندحر شيطانه لقوله صلى الله عليه وسلم : " فإن ذلك يذهب عنه "
.
و هذا التعليم النبوي الكريم أنفع و أقطع للوسوسة من المجادلة العقلية في هذه
القضية , فإن المجادلة قلما تنفع في مثلها . و من المؤسف أن أكثر الناس في غفلة
عن هذا التعليم النبوي الكريم , فتنبهوا أيها المسلمون , و تعرفوا إلى سنة
نبيكم , و اعملوا بها , فإن فيها شفاءكم و عزكم .
119 " لا تقصوا الرؤيا إلا على عالم أو ناصح " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 186 :
أخرجه الترمذي ( 2 / 45 ) و الدارمي ( 2 / 126 ) عن يزيد بن زريع حدثنا سعيد
عن قتادة عن ابن سيرين عن # أبي هريرة # عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان
يقول : فذكره .
و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
قلت : و إسناده صحيح على شرط الشيخين .
و تابعه هشام بن حسان عن ابن سيرين به .
أخرجه الطبراني في " الصغير " ( ص 187 ) و أبو الشيخ في " الطبقات " ( 281 )
عن إسماعيل بن عمرو البجلي حدثنا مبارك بن فضالة عن هشام بن حسان .
قلت : و هذا سند لا بأس به في المتابعات , فإن هشاما ثقة محتج به في الصحيحين
و من دونه فيهما ضعف .
و قد جاء الحديث من طريق أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم و فيه زيادة توضح
سبب هذا النهي و هو :
" إن الرؤيا تقع على ما تعبر , و مثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها
فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما " .
120 " إن الرؤيا تقع على ما تعبر و مثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها
فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 186 :
أخرجه الحاكم ( 4 / 391 ) من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة
عن # أنس # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
و قال : " صحيح الإسناد " .
و وافقه الذهبي و حقهما أن يضيفا إلى ذلك " على شرط البخاري " , فإن رجاله كلهم
من رجال الشيخين سوى الراوي له عن عبد الرزاق و هو يحيى بن جعفر البخاري فمن
شيوخ البخاري وحده . على أن في النفس وقفة في تصحيحه , لأن أبا قلابة قد وصف
بالتدليس و قد عنعنه , فإن كان سمعه من أنس فهو صحيح الإسناد , و إلا فلا .
نعم الحديث صحيح , فقد تقدم له آنفا شاهد لشطره الأخير , و أما شطره الأول ,
فله شاهد بلفظ :
" و الرؤيا على رجل طائر , ما لم تعبر , فإذا عبرت وقعت , ( قال الراوي :
و أحسبه قال ) و لا يقصها إلا على واد أو ذي رأي " .
أخرجه البخاري في " التاريخ " ( 4 / 2 / 178 ) و أبو داود ( 5020 ) و الترمذي
( 2 / 45 ) و الدارمي ( 2 / 126 ) و ابن ماجه ( 3914 ) و الحاكم ( 4 / 390 )
و الطيالسي ( 1088 ) و أحمد ( 4 / 10 - 13 ) و ابن أبي شيبة ( 12 / 189 / 1 )
و الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 1 / 295 ) و ابن عساكر ( 11 / 219 / 2 ) عن
يعلى بن عطاء سمعت وكيع بن عدس يحدث عن عمه أبي رزين العقيلي قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " و وافقه الذهبي .
و نقل المناوي في " الفيض " عن صاحب " الاقتراح " أنه قال :
" إسناده على شرط مسلم " ! و كل ذلك وهم لاسيما القول الأخير منها فإن وكيع
ابن عدس لم يخرج له مسلم شيئا , ثم هو لم يوثقه أحد غير ابن حبان و لم يرو عنه
غير يعلى بن عطاء و لذلك قال ابن القطان : مجهول الحال .
و قال الذهبي : لا يعرف . و مع ذلك فحديثه كشاهد لا بأس به , و قد حسن سنده
الحافظ ( 12 / 377 ) .
و روى ابن أبي شيبة ( 12 / 193 / 1 ) و الواحدي في " الوسيط " ( 2 / 96 / 2 )
عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا بلفظ : " الرؤيا لأول عابر " .
قلت : و يزيد ضعيف .
( على رجل طائر ) أي أنها لا تستقر ما لم تعبر . كما قال الطحاوي و الخطابي
و غيرهما .
و الحديث صريح بأن الرؤيا تقع على مثل ما تعبر , و لذلك أرشدنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى أن لا نقصها إلا على ناصح أو عالم , لأن المفروض فيهما
أن يختارا أحسن المعاني في تأويلها فتقع على وفق ذلك , لكن مما لا ريب فيه أن
ذلك مقيد بما إذا كان التعبير مما تحتمله الرؤيا و لو على وجه , و ليس خطأ محضا
و إلا فلا تأثير له حينئذ و الله أعلم .
و قد أشار إلى هذا المعنى الإمام البخاري في " كتاب التعبير " من " صحيحه "
بقوله ( 4 / 362 ) :
" باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب " .
ثم ساق حديث الرجل الذي رأى في المنام ظلة و عبرها أبو بكر الصديق ثم قال :
فأخبرني يا رسول الله - بأبي أنت - أصبت أم أخطأت , قال النبي صلى الله عليه
وسلم : " أصبت بعضا , و أخطأت بعضا " .
الهزبر
2008-08-04, 12:10 AM
السلام عليكم
121 " أصبت بعضا و أخطأت بعضا " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 189 :
و هو من حديث # ابن عباس # و لفظه :
" أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الليلة في المنام
ظلة تنطف بالسمن و العسل , فأرى الناس يتكففون منها , فالمستكثر و المستقل ,
و إذا سبب واصل من الأرض إلى السماء , فأراك أخذت به فعلوت , ثم أخذ به رجل آخر
فعلا به , ثم أخذه رجل آخر فعلا به , ثم أخذه رجل فانقطع , ثم وصل , فقال
أبو بكر : يا رسول الله بأبي أنت و الله لتدعني فأعبرها , فقال النبي صلى الله
عليه وسلم له : أعبرها ,قال : أما الظلة فالإسلام , و أما الذي ينطف من العسل
و السمن فالقرآن حلاوته تنطف , فالمستكثر من القرآن و المستقل , و أما السبب
الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به , فيعليك الله , ثم
يأخذ به رجل , فيعلو به , ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به , ثم يأخذ به رجل فينقطع
به , ثم يوصل له فيعلو به , فأخبرني يا رسول الله - بأبي أنت - أصبت أم أخطأت ,
قال النبي صلى الله عليه وسلم : أصبت بعضا , و أخطأت بعضا , قال فوالله لتحدثني
بالذي أخطأت , قال : لا تقسم " .
و أخرجه مسلم أيضا ( 7 / 55 - 56 ) و أبو داود ( 3268 , 4632 ) و الترمذي
( 2 / 47 ) و الدارمي ( 2 / 128 ) و ابن ماجه ( 3918 ) و ابن أبي شيبة في
" المصنف " ( 12 / 190 / 2 ) و أحمد ( 1 / 236 ) كلهم عن ابن عباس , إلا أن
بعضهم جعله من روايته عن أبي هريرة , و رجح الإمام البخاري الأول , و هو أنه
عن ابن عباس , ليس لأبي هريرة فيه ذكر .
و تبعه على ذلك الحافظ ابن حجر في " الفتح " و الله أعلم .
غريب الحديث :
------------
( ظلة ) أي سحابة لها ظل , و كل ما أظل من سقيفة و نحوها يسمى ظلة .
( تنطف ) أي تقطر , و النطف القطر .
( يتكففون ) أي يأخذون بأكفهم .
( سبب ) أي حبل .
122 " والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس و يكلم الرجل عذبة
سوطه و شراك نعله و يخبره فخذه بما حدث أهله بعده " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 190 :
رواه الإمام أحمد ( 3 / 83 - 84 ) : حدثنا يزيد أنبأنا القاسم بن الفضل الحدائي
عن أبي نضرة عن # أبي سعيد الخدري # قال :
" عدا الذئب على شاة , فأخذها , فطلبه الراعي , فانتزعها منه , فأقعى الذئب على
ذنبه , قال : ألا تتقي الله تنزع مني رزقا ساقه الله إلي , فقال : يا عجبي ذئب
مقع على ذنبه يكلمني كلام الإنس ! فقال الذئب ألا أخبرك بأعجب من ذلك ? محمد
صلى الله عليه وسلم بيثرب , يخبر الناس بأنباء ما قد سبق ! قال : فأقبل الراعي
يسوق غنمه حتى دخل المدينة , فزواها إلى زاوية من زواياها , ثم أتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأخبره , فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي بالصلاة
جامعة , ثم خرج , فقال للراعي : أخبرهم , فأخبرهم , فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : صدق , و الذي نفسي بيده " . الحديث .
قلت : و هذا سند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير القاسم هذا و هو ثقة اتفاقا ,
و أخرج له مسلم في المقدمة .
و الحديث أخرجه ابن حبان ( 2109 ) و الحاكم مفرقا ( 4 / 467 , 467 - 468 )
و قال : " صحيح على شرط مسلم " ! و وافقه الذهبي !
و أخرج الترمذي منه قوله : " و الذي نفسي بيده ... " و قال :
" حديث حسن , لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل و هو ثقة مأمون " .
123 " ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد علي الحوض من أمتي " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 191 :
أخرجه أبو داود ( 5746 ) و الحاكم ( 1 / 76 ) و صححه و أحمد ( 4 / 367 ,
369 , 371 , 372 ) من طريق شعبة عن عمرو بن مرة قال : سمعت أبا حمزة أنه سمع
# زيد بن أرقم # قال :
" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر , فنزلنا منزلا فسمعته يقول :
( فذكره ) , قال : كم كنتم يومئذ ? قال : سبعمائة أو ثمانمائة " .
قلت : و هذا سند صحيح رجاله رجال الشيخين غير أبي حمزة و اسمه طلحة بن يزيد
الأنصاري فمن رجال البخاري , و وثقه ابن حبان و النسائي .
124 " الشمس و القمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 192 :
أخرجه الإمام الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 1 / 66 - 67 ) حدثنا محمد بن خزيمة
: حدثنا معلى بن أسد العمي حدثنا عبد العزيز بن المختار عن عبد الله الداناج
قال :
" شهدت أبا سلمة بن عبد الرحمن جلس في مسجد في زمن خالد بن عبد الله بن خالد
ابن أسيد , قال : فجاء الحسن فجلس إليه فتحدثنا , فقال أبو سلمة : حدثنا
# أبو هريرة # عن النبي صلى الله عليه وسلم قال . ( فذكره ) .
فقال الحسن : ما ذنبهما ?! فقال : إنما أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسكت الحسن .
و رواه البيهقي في كتاب " البعث و النشور " , و كذا البزار و الإسماعيلي
و الخطابي كلهم من طريق يونس بن محمد حدثنا عبد العزيز بن المختار به .
قلت : و هذا إسناد صحيح على شرط البخاري , و قد أخرجه في صحيحه مختصرا فقال
( 2 / 304 - 305 ) : حدثنا مسدد قال : حدثنا عبد العزيز بن المختار به بلفظ :
" الشمس و القمر مكوران يوم القيامة " .
و ليس عنده قصة أبي سلمة مع الحسن , و هي صحيحة , و قد وقع للخطيب التبريزي وهم
في إسناد هذا الحديث و القصة , حيث جعل الحديث من تحديث الحسن عن أبي هريرة ,
و المناقشة بينهما , و قد نبهت عليه في تعليقي على كتابه " مشكاة المصابيح "
رقم ( 5692 ) .
و للحديث شاهد , فقال الطيالسي في " مسنده " ( 2103 ) : حدثنا درست عن يزيد
ابن أبان الرقاشي عن أنس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ :
" إن الشمس و القمر ثوران عقيران في النار " .
و هذا إسناد ضعيف من أجل الرقاشي فإنه ضعيف , و مثله درست و لكنه قد توبع و من
هذه الطريق أخرجه الطحاوي و أبو يعلى ( 3 / 17 / 10 ) و ابن عدي ( 129 / 2 )
و أبو الشيخ في " العظمة " كما في " اللآلي المصنوعة " ( 1 / 82 ) و ابن مردويه
كما في " الجامع الصغير " و زاد :
" و إن شاء أخرجهما . و إن شاء تركهما " .
و أما المتابعة المشار إليها , فقال أبو الشيخ :
حدثنا أبو معشر الدارمي حدثنا هدبة حدثنا حماد بن سلمة عن يزيد الرقاشي به .
قال السيوطي : و هذه متابعة جليلة . و هو كما قال , و السند رجاله ثقات كما
قال ابن عراق في " تنزيه الشريعة " ( 1 / 190 الطبعة الأولى ) , يعني من دون
الرقاشي و إلا فهو ضعيف كما عرفت , و لكنه ليس شديد الضعف , فيصلح للاستشهاد
به و لذلك فقد أساء ابن الجوزي بإيراده لحديثه في " الموضوعات " ! على أنه قد
تناقض , فقد أورده أيضا في " الواهيات " يعني الأحاديث الواهية غير الموضوعة ,
و كل ذلك سهو منه عن حديث أبي هريرة هذا الصحيح . و الله الموفق .
معنى الحديث :
------------
و ليس المراد من الحديث ما تبادر إلى ذهن الحسن البصري أن الشمس و القمر في
النار يعذبان فيها عقوبة لهما , كلا فإن الله عز و جل لا يعذب من أطاعه من
خلقه و من ذلك الشمس و القمر كما يشير إليه قول الله تبارك و تعالى ( ألم تر
أن الله يسجد له من في السموات و من في الأرض , و الشمس و القمر , و النجوم
و الجبال و الشجر و الدواب , و كثير من الناس , و كثير حق عليه العذاب ) .
فأخبر تعالى أن عذابه إنما يحق على غير من كان يسجد له تعالى في الدنيا , كما
قال الطحاوي , و عليه فإلقاؤهما في النار يحتمل أمرين :
الأول : أنهما من وقود النار .
قال الإسماعيلي :
" لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما , فإن لله في النار ملائكة و حجارة
و غيرها لتكون لأهل النار عذابا و آلة من آلات العذاب , و ما شاء الله من ذلك
فلا تكون هي معذبة " .
و الثاني : أنهما يلقيان فيها تبكيتا لعبادهما .
قال الخطابي :
" ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك , و لكنه تبكيت لمن كان يعبدهما
في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلا " .
قلت : و هذا هو الأقرب إلى لفظ الحديث و يؤيده أن في حديث أنس عند أبي يعلى -
كما في " الفتح " ( 6 / 214 ) :
" ليراهما من عبدهما " . و لم أرها في " مسنده " و الله تعالى أعلم .
125 " من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض و قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 195 :
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " ( 3 / 1 / 155 ) أخبرنا سعيد بن منصور قال :
أنبأنا صالح بن موسى عن معاوية بن إسحاق عن عائشة بنت طلحة عن # عائشة # قالت :
" إني لفي بيتي , و رسول الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه بالفناء , و بيني
و بينهم الستر , أقبل طلحة بن عبيد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
فذكره .
و كذا رواه أبو يعلى في " مسنده " ( ق 232 / 1 ) و أبو نعيم في " الحلية "
( 1 / 88 ) من طريق أخرى عن صالح بن موسى به . و رواه أيضا الطبراني في
" الأوسط " كما في " المجمع " ( 9 / 148 ) و قال :
" و فيه صالح بن موسى و هو متروك " .
قلت : و لم ينفرد به , فقد رواه إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة
قال : " بينما عائشة بنت طلحة تقول لأمها أم كلثوم بنت أبي بكر : أبي خير من
أبيك , فقالت عائشة أم المؤمنين : ألا أقضي بينكما ? إن أبا بكر دخل على النبي
صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار , قالت : فمن
يومئذ سمي عتيقا , و دخل طلحة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
" أنت يا طلحة ممن قضى نحبه " .
أخرجه الحاكم ( 2 / 415 / 416 ) و قال : " صحيح الإسناد " .
و تعقبه الذهبي بقوله : " قلت : بل إسحاق متروك , قاله أحمد " .
قلت : و مع ضعفه الشديد , فقد اضطرب في إسناده , فرواه مرة هكذا , و مرة قال :
عن موسى بن طلحة قال : " دخلت على معاوية , فقال : ألا أبشرك ? قلت : بلى قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " طلحة ممن قضى نحبه " .
أخرجه ابن سعد ( 3 / 1 / 155 - 156 ) و الترمذي ( 2 / 219 , 302 ) و قال :
" حديث غريب , لا نعرفه إلا من هذا الوجه , و إنما روي عن موسى بن طلحة عن
أبيه " .
قلت : ثم ساقه هو و أبو يعلى ( ق 45 / 1 ) و الضياء في " المختارة "
( 1 / 278 ) من طريق طلحة بن يحيى عن موسى و عيسى ابني طلحة عن أبيهما طلحة
أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل : سله عمن قضى نحبه
من هو ? و كانوا لا يجترؤون على مسألته , يوقرونه و يهابونه , فسأله الأعرابي ,
فأعرض عنه , ثم سأله فأعرض عنه , ثم إني اطلعت من باب المسجد و علي ثياب خضر ,
فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أين السائل عمن قضى نحبه ? قال :
أنا يا رسول الله , قال : هذا ممن قضى نحبه .
و قال : " هذا حديث حسن غريب " .
قلت : و إسناده حسن رجاله ثقات رجال مسلم , غير أن طلحة بن يحيى , تكلم فيه
بعضهم من أجل حفظه , و هو مع ذلك لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن .
و لم ينفرد بالحديث , فقد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 1 / 13 / 2 )
عن سليمان بن أيوب حدثني أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن أبيه قال : كان النبي
صلى الله عليه وسلم إذا رآني قال :
" من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله "
.
قلت : و هذا سند ضعيف سليمان هذا صاحب مناكير , و قال ابن مهدي : " عامة
أحاديثه لا يتابع عليها " .
و قال الهيثمي في " المجمع " ( 9 / 149 ) :
" رواه الطبراني , و فيه سليمان بن أيوب الطلحي , و قد وثق , و ضعفه جماعة ,
و فيه جماعة لم أعرفهم " .
و للحديث شاهد جيد مرسل بلفظ :
" من أراد أن ينظر إلى رجل قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله " .
أخرجه ابن سعد ( 3 / 1 / 156 ) : أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال :
حدثنا أبو عوانة عن حصين عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , فذكره .
قلت : و هذا مرسل صحيح الإسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين .
ثم إن صالح بن موسى الذي في الطريق الأول قد رواه بإسناد آخر و لفظ آخر و هو :
" من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله "
.
الهزبر
2008-08-04, 12:16 AM
السلام عليكم
126 " من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله "
.
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 198 :
أخرجه الترمذي ( 2 / 302 - بولاق ) عن صالح بن موسى الطلحي - من ولد طلحة
ابن عبيد الله - عن الصلت بن دينار عن أبي نضرة قال : قال # جابر بن عبد الله #
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره و قال :
" حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الصلت , و قد تكلم بعض أهل العلم في الصلت
ابن دينار و في صالح بن موسى من قبل حفظهما " .
قلت : هما بعد التحقيق ضعيفان جدا , غير أن صالح بن موسى لم ينفرد به , و هو ما
أشعر به كلام الترمذي نفسه , فقال الطيالسي في " مسنده " ( 1793 ) : حدثنا
الصلت بن دينار ( حدثنا ) أبو نضرة به بلفظ :
" مر طلحة بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال : شهيد يمشي على وجه الأرض " .
و هكذا رواه ابن ماجه ( 125 ) عن وكيع : حدثنا الصلت الأزدي به .
و رواه الواحدي في " الوسيط " ( 3 / 7 / 121 ) عن الصلت به مثل رواية الترمذي ,
و رواه البغوي في " تفسيره " ( 7 / 528 ) من هذا الوجه بلفظ :
" نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طلحة بن عبد الله فقال : من أحب أن
ينظر إلى رجل يمشي على وجه الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى هذا " .
و قد عزاه صاحب " مشكاة المصابيح " للترمذي في رواية له , و هو وهم منه
رحمه الله .
و بالجملة فالحديث بهذه الطرق و الشواهد يرتقي إلى درجة الصحة , و هي و إن
اختلفت ألفاظها فالمؤدى واحد كما هو ظاهر و قد ثبته الحافظ في " الفتح "
( 8 / 398 - بولاق ) . و الله أعلم .
و في الحديث إشارة إلى قول الله تبارك و تعالى ( من المؤمنين رجال صدقوا ما
عاهدوا الله عليه , فمنهم من قضى نحبه , و منهم من ينتظر , و ما بدلوا تبديلا )
.
و فيه منقبة عظيمة لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه , حيث أخبر صلى الله عليه
وسلم أنه ممن قضى نحبه مع أنه لا يزال حيا ينتظر الوفاء بما عاهد الله عليه ,
قال ابن الأثير في " النهاية " :
" النحب النذر , كأنه ألزم نفسه أن يصدق أعداء الله في الحرب , فوفى به ,
و قيل : النحب الموت , كأنه يلزم نفسه أن يقاتل حتى يموت " .
و قد قتل رضي الله عنه يوم الجمل . فويل لمن قتله .
127 " قال الله تعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني و رجوتني غفرت لك على ما كان فيك
و لا أبالي , يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء , ثم استغفرتني غفرت لك
و لا أبالي , يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك
بي شيئا , لأتيتك بقرابها مغفرة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 200 :
رواه الترمذي ( 2 / 270 ) من طريق كثير بن فائد : حدثنا سعيد ابن عبيد قال :
سمعت بكر بن عبد الله المزني يقول : حدثنا # أنس ابن مالك # قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره و قال :
" حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه " .
قلت : و رجاله موثقون غير كثير بن فائد , فلم يوثقه غير ابن حبان , و في
" التقريب " أنه مقبول .
قلت : لكن الحديث حسن كما قال الترمذي , فإن له شاهدا من حديث أبي ذر , يرويه
شهر بن حوشب عن عمر بن معد يكرب عنه مرفوعا به مع تقديم و تأخير .
أخرجه الدارمي ( 2 / 322 ) و أحمد ( 5 / 172 ) من طريق غيلان ابن جرير عن شهر
به .
و خالفه عبد الحميد - و هو ابن بهرام - فقال : حدثنا شهر حدثني ابن غنم أن أبا
ذر حدثه به .
أخرجه أحمد ( 5 / 154 ) و شهر فيه ضعف من قبل حفظه , و إن لم يكن هذا الاختلاف
عليه من تردده و سوء حفظه , فالوجه الأول أصح لأن غيلان أوثق من ابن بهرام .
و له شاهد آخر عند الطبراني في " معاجمه " عن ابن عباس , و هو مخرج في
" الروض النضير " ( 432 ) .
و له عن أبي ذر طريق أخرى مختصرا بلفظ :
" قال الله تبارك و تعالى : الحسنة بعشر أمثالها أو أزيد , و السيئة واحدة
أو أغفرها و لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ما لم تشرك بي لقيتك بقرابها مغفرة "
.
128 " قال الله تبارك و تعالى : الحسنة بعشر أمثالها أو أزيد و السيئة واحدة
أو أغفرها و لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ما لم تشرك بي لقيتك بقرابها مغفرة "
.
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 201 :
رواه الحاكم ( 4 / 241 ) و أحمد ( 5 / 108 ) عن عاصم عن المعرور بن سويد أن
# أبا ذر # رضي الله عنه قال :
" حدثنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك و تعالى
أنه قال : الحسنة ... " .
و قال : " صحيح الإسناد " و وافقه الذهبي .
قلت : عاصم هو ابن بهدلة و هو حسن الحديث , و بقية الرجال ثقات رجال الشيخين ,
فالإسناد حسن .
129 " قد أفلح من أسلم و رزق كفافا و قنعه الله بما آتاه " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 201 :
رواه مسلم ( 3 / 102 ) و الترمذي ( 2 / 56 ) و أحمد ( 2 / 168 ) و البيهقي
( 4 / 196 ) من طريق عبد الله بن يزيد المقرىء حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني
شرحبيل بن شريك عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن # عبد الله ابن عمرو بن العاصي #
مرفوعا .
و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
و رواه ابن ماجه ( 4138 ) عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر , و حميد
ابن هانىء الخولاني أنهما سمعا أبا عبد الرحمن الحبلي يخبر عن عبد الله
ابن عمرو به نحوه .
و ابن لهيعة سيء الحفظ , لكن لا بأس به في المتابعات .
( تنبيه ) :
---------
عزاه السيوطي في " الصغير " و " الكبير " ( 2 / 95 / 1 ) لمسلم و من ذكرنا معه
غير البيهقي فتعقبه المناوي بقوله : " تبع في العزو لما ذكر عبد الحق .
قال في " المنار " : و هذا لم يذكره مسلم و إنما هو عند الترمذي .. " .
قلت : و هذا وهم من صاحب " المنار " ثم المناوي , فالحديث في المكان الذي أشرنا
إليه من مسلم : في " كتاب الزكاة " .
و في الحديث فضل الكفاف و القناعة به , و مثله الحديث الآتي :
" اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا " .
130 " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 202 :
أخرجه البخاري ( 4 / 222 ) و مسلم ( 3 / 103 , 8 / 217 ) و أحمد ( 2 / 232 )
من طرق عن محمد بن فضيل عن أبيه عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن
# أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
و اللفظ لمسلم , و كذا أحمد إلا أنه قال : " بيتي " بدل " محمد " .
و لفظ البخاري : " اللهم ارزق آل محمد قوتا " .
و يؤيد اللفظ الأول أن الأعمش رواه عن عمارة بن القعقاع به .
أخرجه مسلم و الترمذي ( 2 / 57 - بولاق ) و ابن ماجه ( 4139 ) و البيهقي
( 7 / 46 ) من طرق عن وكيع : حدثنا الأعمش به .
و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
و أخرجه مسلم من طريق أبي أسامة قال : سمعت الأعمش به إلا أنه قال : " كفافا "
بدل " قوتا " .
و كذلك رواه القاسم السرقسطي في " غريب الحديث " ( ج 2 / 5 / 2 ) عن حماد
ابن أسامة قال : حدثنا الأعمش به إلا أنه قال :
" رزقي و رزق آل محمد كفافا " .
فقد اختلف في متنه على الأعمش , و الرواية الأولى التي رواها مسلم أرجح عندي
لموافقتها لرواية بعض الرواة عن الأعمش . و الله أعلم .
( تنبيه ) :
----------
أورد السيوطي الحديث في " الجامع الصغير " بلفظ مسلم و بزيادة :
" في الدنيا " و عزاه لمسلم و الترمذي و ابن ماجه , و كذلك أورده في
" الجامع الكبير " ( 1 / 309 ) من رواية هؤلاء الثلاثة و كذا أحمد و أبي يعلى
و البيهقي . و لا أصل لها عند أحد منهم إلا أن تكون عند أبي يعلى , و ذلك مما
أستبعده , فإن ثبتت عنده فهي زيادة شاذة بلا شك لمخالفتها لرويات الثقات الحفاظ
. و الله أعلم .
فائدة الحديث
--------------
فيه و في الذي قبله دليل على فضل الكفاف , و أخذ البلغة من الدنيا و الزهد فيما
فوق ذلك , رغبة في توفر نعيم الآخرة , و إيثارا لما يبقى على ما يفنى , فينبغي
للأمة أن تقتدي به صلى الله عليه وسلم في ذلك .
و قال القرطبي :
معنى الحديث أنه طلب الكفاف , فإن القوت ما يقوت البدن و يكف عن الحاجة , و في
هذه الحالة سلامة من آفات الغنى و الفقر جميعا . كذا في " فتح الباري "
( 11 / 251 - 252 ) .
قلت : و مما لا ريب فيه أن الكفاف يختلف باختلاف الأشخاص و الأزمان و الأحوال ,
فينبغي للعاقل أن يحرص على تحقيق الوضع الوسط المناسب له , بحيث لا ترهقه
الفاقة , و لا يسعى وراء الفضول الذي يوصله إلي التبسط و الترفه , فإنه في هذه
الحال قلما يسلم من عواقب جمع المال , لاسيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه
مفاتنه , و تيسرت على الأغنياء سبله .
أعاذنا الله تعالى من ذلك , و رزقنا الكفاف من العيش .
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir