مشاهدة النسخة كاملة : السلسلة الصحيحة للالباني
ساجدة لله
2010-10-11, 06:02 PM
159 " إن هذه الأمة تبتلى في قبورها , فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من
عذاب القبر الذي أسمع منه . قال زيد : ثم أقبل علينا بوجهه فقال : تعوذوا بالله
من عذاب النار , قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار , فقال : تعوذوا بالله من
عذاب القبر , قالوا : نعوذا بالله من عذاب القبر , قال : تعوذوا بالله من الفتن
ما ظهر منها و ما بطن , قالوا : نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها و ما بطن ,
قال : تعوذوا بالله من فتنة الدجال , قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 244 :
أخرجه مسلم ( 8 / 160 - 161 ) من طريق ابن علية قال : و أخبرنا سعيد الجريري
عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن زيد بن ثابت قال أبو سعيد : و لم أشهده من
النبي صلى الله عليه وسلم و لكن حدثنيه # زيد بن ثابت # قال :
" بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له , و نحن معه
إذ حادت به , فكادت تلقيه , و إذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة - شك الجريري -
فقال : من يعرف أصحاب هذه الأقبر ? فقال رجل : أنا قال : فمتى مات هؤلاء ?
قال : ماتوا في الإشراك فقال ... " فذكره .
و أخرجه أحمد ( 5 / 190 ) : حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا أبو مسعود الجريري به
إلا أنه قال : " تعوذوا من فتنة المحيا و الممات " , بدل " تعوذوا من الفتن ما
ظهر منها و ما بطن " .
و أخرجه ابن حبان ( 785 ) بنحو رواية مسلم , لكن لم يذكر فيه زيد بن ثابت .
غريب الحديث
-------------
( تدافنوا ) أصله تتدافنوا فحذف إحدى التاءين . أي : لولا خشية أن يفضي سماعكم
إلى ترك أن يدفن بعضكم بعضا .
( شهباء ) : بيضاء .
( حاصت ) أي حامت كما في رواية لأحمد أي اضطربت .
( خربا ) بكسر الخاء و فتح الراء جمع خربة , كنقمة و نقم .
( تبتلى ) أي تمتحن . و المراد امتحان الملكين للميت بقولهما : " من ربك ? " :
" من نبيك " .
من فوائد الحديث
-----------------
و في هذه الأحاديث فوائد كثيرة أذكر بعضها أو أهمها :
1 - إثبات عذاب القبر , و الأحاديث في ذلك متواترة , فلا مجال للشك فيه بزعم
أنها آحاد ! و لو سلمنا أنها آحاد فيجب الأخذ بها لأن القرآن يشهد لها , قال
تعالى : ( و حاق بآل فرعون سوء العذاب . النار يعرضون عليها غدوا و عشيا .
و يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) .
و لو سلمنا أنه لا يوجد في القرآن ما يشهد لها , فهي وحدها كافية لإثبات هذه
العقيدة , و الزعم بأن العقيدة لا تثبت بما صح من أحاديث الآحاد زعم باطل دخيل
في الإسلام , لم يقل به أحد من الأئمة الأعلام كالأربعة و غيرهم , بل هو مما
جاء به بعض علماء الكلام , بدون برهان من الله و لا سلطان , و قد كتبنا فصلا
خاصا في هذا الموضوع الخطير في كتاب لنا , أرجو أن أوفق لتبييضه و نشره على
الناس .
2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع ما لا يسمع الناس , و هذا من خصوصياته
عليه الصلاة و السلام , كما أنه كان يرى جبريل و يكلمه و الناس لا يرونه و لا
يسمعون كلامه , فقد ثبت في البخاري و غيره أنه صلى الله عليه وسلم قال يوما
لعائشة رضي الله عنها : هذا جبريل يقرئك السلام , فقالت : و عليه السلام
يا رسول الله , ترى ما لا نرى . و لكن خصوصياته عليه السلام إنما تثبت بالنص
الصحيح , فلا تثبت بالنص الضعيف و لا بالقياس و الأهواء , و الناس في هذه
المسألة على طرفي نقيض , فمنهم من ينكر كثيرا من خصوصياته الثابتة بالأسانيد
الصحيحة , إما لأنها غير متواترة بزعمه , و إما لأنها غير معقولة لديه ! و منهم
من يثبت له عليه السلام ما لم يثبت مثل قولهم : إنه أول المخلوقات , و إنه لا
ظل له في الأرض و إنه إذا سار في الرمل لا تؤثر قدمه فيه , بينما إذا داس على
الصخر علم عليه , و غير ذلك من الأباطيل .
و القول الوسط في ذلك أن يقال : إن النبي صلى الله عليه و آله وسلم بشر بنص
القرآن و السنة و إجماع الأمة , فلا يجوز أن يعطى له من الصفات و الخصوصيات إلا
ما صح به النص في الكتاب و السنة , فإذا ثبت ذلك وجب التسليم له , و لم يجز رده
بفلسفة خاصة علمية أو عقلية , زعموا , و من المؤسف , أنه قد انتشر في العصر
الحاضر انتشارا مخيفا رد الأحاديث الصحيحة لأدنى شبهة ترد من بعض الناس , حتى
ليكاد يقوم في النفس أنهم يعاملون أحاديثه عليه السلام معاملة أحاديث غيره من
البشر الذين ليسوا معصومين , فهم يأخذون منها ما شاؤوا , و يدعون ما شاؤوا ,
و من أولئك طائفة ينتمون إلى العلم , و بعضهم يتولى مناصب شرعية كبيرة ! فإنا
لله و إنا إليه راجعون , و نسأله تعالى أن يحفظنا من شر الفريقين المبطلين
و الغالين .
3 - إن سؤال الملكين في القبر حق ثابت , فيجب اعتقاده أيضا , و الأحاديث فيه
أيضا متواترة .
4 - إن فتنة الدجال فتنة عظيمة و لذلك أمر بالاستعاذة من شرها في هذا الحديث
و في أحاديث أخرى , حتى أمر بذلك في الصلاة قبل السلام كما ثبت في البخاري
و غيره . و أحاديث الدجال كثيرة جدا , بل هي متواترة عند أهل العلم بالسنة .
و لذلك جاء في كتب العقائد وجوب الإيمان بخروجه في آخر الزمان , كما جاء فيها
وجوب الإيمان بعذاب القبر و سؤال الملكين .
5 - إن أهل الجاهلية الذين ماتوا قبل بعثته عليه الصلاة و السلام معذبون بشركهم
و كفرهم , و ذلك يدل على أنهم ليسوا من أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة نبي ,
خلافا لما يظنه بعض المتأخرين . إذ لو كانوا كذلك لم يستحقوا العذاب لقوله
تعالى : ( و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) . و قد قال النووي في شرح حديث
مسلم : " أن رجلا قال يا رسول الله أين أبي ? قال : في النار ..." الحديث .
قال النووي ( 1 / 114 طبع الهند ) :
" فيه أن من مات على الكفر فهو في النار , و لا تنفعه قرابة المقربين , و فيه
أن من مات على الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل
النار , و ليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة , فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة
إبراهيم و غيره من الأنبياء صلوات الله تعالى و سلامه عليهم " .
ساجدة لله
2010-10-11, 06:03 PM
160 " لا , و لكن تصافحوا . يعني لا ينحني لصديقه و لا يلتزمه , و لا يقبله حين
يلقاه " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 248 :
رواه الترمذي ( 2 / 121 ) و ابن ماجه ( 3702 ) و البيهقي ( 7 / 100 ) و أحمد
( 3 / 198 ) من طرق عن حنظلة بن عبد الله السدوسي قال : حدثنا # أنس بن مالك #
قال : " قال رجل : يا رسول الله أحدنا يلقى صديقه أينحني له ? قال : فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا , قال : فيلتزمه و يقبله ? قال : لا ,
قال : فيصافحه ? قال : نعم إن شاء " .
و السياق لأحمد و كذا الترمذي , لكن ليس عنده : " إن شاء " و لفظ ابن ماجه
نحوه و فيه : " لا , و لكن تصافحوا " .
و الحديث رواه أيضا محمد بن يوسف الفريابي في " ما أسند الثوري "
( 1 / 46 / 2 ) و أبو بكر الشافعي في " الفوائد " ( 97 / 1 ) و في
" الرباعيات " ( 1 / 93 / 2 ) و الباغندي في " حديث شيبان و غيره "
( 191 / 1 ) و أبو محمد المخلدي في " الفوائد " ( 236 / 2 ) و الضياء
المقدسي في " المصافحة " ( 32 / 2 ) و في " المنتقى من مسموعاته بمرو "
( 28 / 2 ) كلهم عن حنظلة به .
و قال الترمذي : " حديث حسن " .
قلت : و هو كما قال أو أعلا , فإن رجاله كلهم ثقات غير حنظلة هذا فإنهم ضعفوه ,
و لكنهم لم يتهموه , بل ذكر يحيى القطان و غيره أنه اختلط , فمثله يستشهد به ,
و يقوى حديثه عند المتابعة , و قد وجدت له متابعين ثلاثة :
الأول : شعيب بن الحبحاب .
أخرجه الضياء في " المنتقى " ( 87 / 2 ) من طريق أبي بلال الأشعري حدثنا قيس
بن الربيع عن هشام بن حسان عن شعيب به إلا أنه ذكر السجود بدل الالتزام .
و هذا إسناد حسن في المتابعات فإن قيس بن الربيع صدوق , و لكنه كان تغير لما
كبر , و أبو بلال الأشعري اسمه مرداس ضعفه الدارقطني و ذكره ابن حبان في الثقات
و من فوقهما ثقتان من رجال الشيخين .
و هذه المتابعة أخرجها أيضا أبو الحسن المزكي كما أفاده ابن المحب في تعليقه
على " كتاب المصافحة " و من خطه نقلت .
الثاني : كثير بن عبد الله قال : سمعت أنس بن مالك به دون ذكر الانحناء
و الالتزام .
أخرجه ابن شاهين في " رباعياته " ( 172 / 2 ) : حدثنا محمد بن زهير قال : حدثنا
مخلد بن محمد قال : حدثنا كثير بن عبد الله .
و كثير هذا ضعيف كما قال الدارقطني , و قال الذهبي : " و ما أرى رواياته
بالمنكرة جدا , و قد روى له ابن عدي عشرة أحاديث ثم قال :
" و في بعض روايته ما ليس بمحفوظ " .
قلت : فمثله يستشهد به أيضا إن شاء الله تعالى , لكن من دونه لم أجد من ترجمهما
الثالث : المهلب بن أبي صفرة عن أنس مرفوعا بلفظ :
( لا ينحني الرجل للرجل , و لا يقبل الرجل الرجل , قالوا : يصافح الرجل الرجل ?
قال : نعم ) .
رواه الضياء في " المنتقى " ( 23 / 1 ) من طريق عبد العزيز بن أبان حدثنا
إبراهيم بن طهمان عن المهلب به .
قلت : المهلب من ثقات الأمراء كما في " التقريب " , لكن السند إليه واه , فإن
عبد العزيز بن أبان هذا متروك و كذبه ابن معين و غيره كما قال الحافظ , فلا
يستشهد بهذه المتابعة . و لكن ما قبلها من المتابعات يكفي في تقوية الحديث ,
و كأنه لذلك أقر الحافظ في " التلخيص " ( 367 ) تحسين الترمذي إياه .
و منه تعلم أن قول البيهقي :
" تفرد به حنظلة " فليس بصواب و الله أعلم .
إذا عرفت ذلك ففيه رد على بعض المعاصرين من المشتغلين بالحديث , فقد ألف جزءا
صغيرا أسماه " إعلام النبيل بجواز التقبيل " حشد فيه كل ما وقف عليه من أحاديث
التقبيل ما صح منها و ما لم يصح , ثم أورد هذا الحديث و ضعفه بحنظلة و لعله لم
يقف على هذه المتابعات التي تشهد له , ثم تأوله بحمله على ما إذا كان الباعث
على التقبيل مصلحة دنيوية كغنى أو جاه أو رياسة مثلا ! و هذا تأويل باطل , لأن
الصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن التقبيل , لا يعنون به قطعا
التقبيل المزعوم , بل تقبيل تحية كما سألوه عن الانحناء و الالتزام و المصافحة
فكل ذلك إنما عنوا به التحية فلم يسمح لهم من ذلك بشيء إلا المصافحة , فهل هي
المصافحة لمصلحة دنيوية ?!اللهم لا .
فالحق أن الحديث نص صريح في عدم مشروعية التقبيل عند اللقاء ,و لا يدخل في ذلك
تقبيل الأولاد و الزوجات , كما هو ظاهر , و أما الأحاديث التي فيها أن النبي
صلى الله عليه وسلم قبل بعض الصحابة في وقائع مختلفة , مثل تقبيله و اعتناقه
لزيد بن حارثة عند قدومه المدينة , و تقبيله و اعتناقه لأبي الهيثم ابن التيهان
و غيرهما , فالجواب عنها من وجوه :
الأول : أنها أحاديث معلولة لا تقوم بها حجة . و لعلنا نتفرغ للكلام عليها ,
و بيان عللها إن شاء الله تعالى .
الثاني : أنه لو صح شيء منها , لم يجز أن يعارض بها هذا الحديث الصحيح , لأنها
فعل من النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل الخصوصية , أو غيرها من الاحتمالات التي
توهن الاحتجاج بها على خلاف هذا الحديث , لأنه حديث قولي و خطاب عام موجه إلى
الأمة فهو حجة عليها , لما تقرر في علم الأصول أن القول مقدم على الفعل عند
التعارض , و الحاظر مقدم على المبيح , و هذا الحديث قول و حاظر , فهو المقدم
على الأحاديث المذكورة لو صحت .
و كذلك نقول بالنسبة للالتزام و المعانقة , أنها لا تشرع لنهي الحديث عنها ,
لكن قال أنس رضي الله عنه :
" كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا , و إذا قدموا من سفر
تعانقوا " .
رواه الطبراني في الأوسط , و رجاله رجال الصحيح كما قال المنذري ( 3 / 270 )
و الهيثمي ( 8 / 36 ) و روى البيهقي ( 7 / 100 ) بسند صحيح عن الشعبي قال :
" كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا التقوا صافحوا , فإذا قدموا من سفر
عانق بعضهم بعضا " .
و روى البخاري في " الأدب المفرد " ( 970 ) و أحمد ( 3 / 495 ) عن جابر بن
عبد الله قال :
" بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا , ثم
شددت عليه رحلي , فسرت إليه شهرا حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس ,
فقلت للبواب : قل له : جابر على الباب , فقال : ابن عبد الله ? قلت : نعم ,
فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني و اعتنقته " الحديث , و إسناده حسن كما قال الحافظ
( 1 / 195 ) و علقه البخاري .
فيمكن أن يقال : إن المعانقة في السفر مستثنى من النهي لفعل الصحابة ذلك ,
و عليه يحمل بعض الأحاديث المتقدمة إن صحت . و الله أعلم .
و أما تقبيل اليد , ففي الباب أحاديث و آثار كثيرة , يدل مجموعها على ثبوت ذلك
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فنرى جواز تقبيل يد العالم إذا توفرت الشروط
الآتية :
1 - أن لا يتخذ عادة بحيث يتطبع العالم على مد يده إلى تلامذته , و يتطبع هؤلاء
على التبرك بذلك , فإن النبي صلى الله عليه وسلم و إن قبلت يده فإنما كان ذلك
على الندرة , و ما كان كذلك فلا يجوز أن يجعل سنة مستمرة , كما هو معلوم من
القواعد الفقهية .
2 - أن لا يدعو ذلك إلى تكبر العالم على غيره , و رؤيته لنفسه , كما هو الواقع
مع بعض المشايخ اليوم .
3 - أن لا يؤدي ذلك إلى تعطيل سنة معلومة , كسنة المصافحة , فإنها مشروعة بفعله
صلى الله عليه وسلم و قوله , و هي سبب تساقط ذنوب المتصافحين كما روي في غير ما
حديث واحد , فلا يجوز إلغاؤها من أجل أمر , أحسن أحواله أنه جائز .
ساجدة لله
2010-10-11, 06:04 PM
161 " إذهب فوار أباك ( الخطاب لعلي بن أبي طالب ) قال ( لا أواريه ) , ( إنه مات
مشركا ) , ( فقال : اذهب فواره ) ثم لا تحدثن حتى تأتيني , فذهبت فواريته ,
و جئته ( و علي أثر التراب و الغبار ) فأمرني فاغتسلت , و دعا لي ( بدعوات ما
يسرني أن لي بهن ما على الأرض من شيء ) " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 253 :
أبو داود ( 3124 ) و النسائي ( 1 / 282 - 283 ) و ابن سعد في " الطبقات "
( 1 / 123 ) و ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4 / 95 و 142 - طبع الهند ) و ابن
الجارود في " المنتقى " ( ص 269 ) و الطيالسي ( 120 ) و البيهقي ( 3 / 398 )
و أحمد ( 1 / 97 و 131 ) و أبو محمد الخلدي في جزء من " فوائده " ( ق 47 / 1 )
من طرق عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال :
" قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : إن عمك الشيخ الضال قد مات " فمن يواريه ? "
قال : " فذكره .
قلت : و هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ناجية ابن كعب و هو ثقة
كما في " التقريب " , و قد قواه الرافعي و تبعه الحافظ في " التلخيص "كما
بينته في " إرواء الغليل " ( 707 ) .
و له في مسند أحمد ( 1 / 103 ) و " زوائد ابنه عليه " ( 1 / 129 - 130 ) طريق
أخرى عن الحسن بن يزيد الأصم قال : سمعت السدي إسماعيل يذكره عن أبي عبد الرحمن
السلمي عن علي به , و زاد في آخره :
" قال : و كان علي رضي الله عنه إذا غسل الميت اغتسل " .
قلت : و هذا سند حسن , رجاله رجال مسلم غير الحسن هذا و هو صدوق يهم كما في
" التقريب " .
من فوائد الحديث
-----------------
1 - أنه يشرع للمسلم أن يتولى دفن قريبه المشرك و أن ذلك لا ينافي بغضه إياه
لشركه , ألا ترى أن عليا رضي الله عنه امتنع أول الأمر من مواراة أبيه معللا
ذلك بقوله : " إنه مات مشركا " ظنا منه أن دفنه مع هذه الحالة قد يدخله في
التولي الممنوع في مثل قوله تعالى : " لا تتولوا قوما غضب الله عليهم " فلما
أعاد صلى الله عليه وسلم الأمر بمواراته بادر لامتثاله , و ترك ما بدا له أول
الأمر . و كذلك تكون الطاعة : أن يترك المرء رأيه لأمر نبيه صلى الله عليه وسلم
و يبدو لي أن دفن الولد لأبيه المشرك أو أمه هو آخر ما يملكه الولد من حسن صحبة
الوالد المشرك في الدنيا , و أما بعد الدفن فليس له أن يدعو له أو يستغفر له
لصريح قوله تعالى ( ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين و لو
كانوا أولي قربى ) , و إذا كان الأمر كذلك , فما حال من يدعو بالرحمة و المغفرة
على صفحات الجرائد و المجلات لبعض الكفار في إعلانات الوفيات من أجل دريهمات
معدودات ! فليتق الله من كان يهمه أمر آخرته .
2 - أنه لا يشرع له غسل الكافر و لا تكفينه و لا الصلاة عليه و لو كان قريبه
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك عليا , و لو كان ذلك جائزا لبينه
صلى الله عليه وسلم , لما تقرر أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز . و هذا
مذهب الحنابلة و غيرهم .
3 - أنه لا يشرع لأقارب المشرك أن يتبعوا جنازته لأن النبي صلى الله عليه وسلم
لم يفعل ذلك مع عمه و قد كان أبر الناس به و أشفقهم عليه حتى إنه دعى الله له
حتى جعل عذابه أخف عذاب في النار , كما سبق بيانه في الحديث ( رقم 53 ) , و في
ذلك كله عبرة لمن يغترون بأنسابهم , و لا يعملون لآخرتهم عند ربهم , و صدق الله
العظيم إذ يقول : ( فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون ) .
ساجدة لله
2010-10-11, 06:05 PM
162 " لا يا بنت الصديق , و لكنهم الذين يصومون و يصلون و يتصدقون و هم يخافون أن
لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 255
أخرجه الترمذي ( 2 / 201 ) و ابن جرير ( 18 / 26 ) و الحاكم ( 2 / 393 - 394 )
و البغوي في تفسيره ( 6 / 25 ) و أحمد ( 6 / 159 و 205 ) من طريق مالك بن مغول
عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني عن # عائشة # زوج النبي صلى الله عليه
وسلم قالت :
" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم " عن هذه الآية ( و الذين يؤتون ما آتوا
و قلوبهم وجلة ) . قالت عائشة : هم الذين يشربون الخمر و يسرفون ? قال " فذكره
.
و قال الترمذي :
" و قد روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن سعيد عن أبي حازم عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا " .
قلت : و إسناد حديث عائشة رجاله كلهم ثقات , و لذلك قال الحاكم : " صحيح
الإسناد " و وافقه الذهبي .
قلت : و فيه علة , و هي الانقطاع بين عبد الرحمن و عائشة فإنه لم يدركها كما في
" التهذيب " , لكن يقويه حديث أبي هريرة الذي أشار إليه الترمذي فإنه موصول
و قد وصله ابن جرير : حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الحكم بن بشير قال : حدثنا
عمر بن قيس عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني عن أبي حازم عن أبي هريرة
قال : قالت عائشة : الحديث نحوه .
و هذا سند رجاله ثقات غير ابن حميد , و هو محمد بن حميد بن حيان الرازي و هو
ضعيف مع حفظه , لكن لعله توبع , فقد أخرج الحديث ابن أبي الدنيا و ابن الأنباري
في المصاحف و ابن مردويه كما في " الدر المنثور " ( 5 / 11 ) و ابن أبي الدنيا
من طبقة شيوخ ابن جرير , فاستبعد أن يكون رواه عن شيخه هذا . و الله أعلم .
قلت : و السر في خوف المؤمنين أن لا تقبل منهم عبادتهم , ليس هو خشيتهم أن لا
يوفيهم الله أجورهم , فإن هذا خلاف وعد الله إياهم في مثل قوله تعالى ( فأما
الذين آمنوا و عملوا الصالحات , فيوفيهم أجورهم ) , بل إنه ليزيدهم عليها كما
قال ( ليوفيهم أجورهم و يزيدهم من فضله ) , و الله تعالى ( لا يخلف وعده ) كما
قال في كتابه , و إنما السر أن القبول متعلق بالقيام بالعبادة كما أمر الله
عز و جل , و هم لا يستطيعون الجزم بأنهم قاموا بها على مراد الله , بل يظنون
أنهم قصروا في ذلك , و لهذا فهم يخافون أن لا تقبل منهم . فليتأمل المؤمن هذا
عسى أن يزداد حرصا على إحسان العبادة و الإتيان بها كما أمر الله , و ذلك
بالإخلاص فيها له , و اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم في هديه فيها . و ذلك معنى
قوله تعالى ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا , و لا يشرك بعبادة ربه
أحدا ) .
ساجدة لله
2010-10-11, 06:06 PM
163 " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال , أو ثلاثة
فراسخ ( شك شعبة ) قصر الصلاة . ( و في رواية ) : صلى ركعتين " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 257 :
أخرجه الإمام أحمد ( 3 / 129 ) و البيهقي 3 / 146 و السياق له عن محمد بن جعفر
حدثنا شعبة عن يحيي بن يزيد الهنائي قال :
" سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة , و كنت أخرج إلى الكوفة فأصلي ركعتين حتى
أرجع ? فقال # أنس # ..." فذكره .
قلت : و هذا سند جيد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الهنائي فمن رجال مسلم
وحده , و قد روى عنه جماعة من الثقات , و قال ابن أبي حاتم ( 4 / 2 / 198 ) عن
أبيه : " هو شيخ " و ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 1 / 257 ) و سمى جده مرة ,
و قال :
" و من قال : يزيد بن يحيى أو ابن أبي يحيى فقد وهم " .
و الحديث أخرجه مسلم ( 2 / 145 ) و أبو داود ( 1201 ) و ابن أبي شيبة
( 2 / 108 / 1 / 2 ) و عنه أبو يعلى في " مسنده " ( ق 99 / 2 ) من طرق عن محمد
بن جعفر به دون قول الهنائي : " و كنت أخرج إلى الكوفة ... حتى أرجع " . و هي
زيادة صحيحة و من أجلها أوردت الحديث . و كذلك أخرجه أبو عوانة ( 2 / 346 ) من
طريق أبي داود ( و هو الطيالسي ) قال : حدثنا شعبة به . و لم يروه الطيالسي في
" مسنده " .
( الفرسخ ) ثلاثة أميال , و الميل من الأرض منتهى مد البصر لأن البصر يميل عنه
على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه , و بذلك جزم الجوهري , و قيل : حده أن ينظر إلى
الشخص في أرض مسطحة فلا يدري أهو رجل أو امرأة , و هو ذاهب أو آت , كما في
" الفتح " ( 2 / 467 ) و هو في تقدير بعض علماء العصر الحاضر يساوي 1680 مترا .
فقه الحديث
------------
يدل هذا الحديث على أن المسافر إذا سافر مسافة ثلاثة فراسخ ( و الفرسخ نحو ثمان
كيلو مترات ) جاز له القصر , و قد قال الخطابي في " معالم السنن " ( 2 / 49 ) :
" إن ثبت الحديث كانت الثلاثة الفراسخ حدا فيما يقصر إليه الصلاة , إلا أني لا
أعرف أحدا من الفقهاء يقول به " .
و في هذا الكلام نظر من وجوه :
الأول : أن الحديث ثابت كما تقدم , و حسبك أن مسلما أخرجه و لم يضعفه غيره .
الثاني : أنه لا يضر الحديث و لا يمنع العمل به عدم العلم بمن قال به من
الفقهاء , لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود .
الثالث : أنه قد قال به راويه أنس بن مالك رضي الله عنه و أفتى به يحيى بن يزيد
الهنائي راويه عنه كما تقدم , بل ثبت عن بعض الصحابة القصر في أقل من هذه
المسافة , فروى ابن أبي شيبة ( 2 / 108 / 1 ) عن محمد بن زيد بن خليدة عن
ابن عمر قال :
" تقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال " .
و إسناده صحيح كما بينته في " إرواء الغليل " ( رقم 561 ) .
ثم روى من طريق أخرى عنه أنه قال :
" إني لأسافر الساعة من النهار و أقصر " .
و إسناده صحيح , و صححه الحافظ في " الفتح " ( 2 / 467 ) .
ثم روى عنه ( 2 / 111 / 1 ) عنه :
" أنه كان يقيم بمكة , فإذا خرج إلى منى قصر " .
و إسناده صحيح أيضا . و يؤيده أن أهل مكة لما خرجوا مع النبي صلى الله عليه
وسلم إلى منى في حجة الوداع قصروا أيضا كما هو معروف مشهور في كتب الحديث
و السيرة و بين مكة و منى فرسخ كما في " معجم البلدان " .
و قال جبلة بن سحيم سمعت ابن عمر يقول :
" لو خرجت ميلا قصرت الصلاة " .
ذكره الحافظ و صححه .
و لا ينافي هذا ما في الموطأ و غيره بأسانيد صحيحة عن ابن عمر أنه كان يقصر في
مسافة أكثر مما تقدم , لأن ذلك فعل منه , لا ينفي القصر في أقل منها لو سافر
إليها , فهذه النصوص التي ذكرناها صريحة في جواز القصر في أقل منها , فلا يجوز
ردها , مع دلالة الحديث على الأقل منها . و قد قال الحافظ في " الفتح "
( 2 / 467 - 468 ) :
" و هو أصح حديث ورد في بيان ذلك و أصرحه , و قد حمله من خالفه على أن المراد
به المسافة التي يبتدأ منها القصر , لا غاية السفر ! و لا يخفى بعد هذا الحمل ,
مع أن البيهقي ذكره في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد قال : سألت أنسا عن
قصر الصلاة , و كنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة أصلى ركعتين ركعتين حتى
أرجع فقال أنس : فذكر الحديث , فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن
الموضع الذي يبتدئ القصر منه , ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة بل
بمجاوزة البلد الذي يخرج منها . و رده القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به .
فإن كان المراد به أنه لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلم , لكن لا
يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ , فإن الثلاثة أميال مندرجة فيها
فيؤخذ بالأكثر احتياطا . و قد روى ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن
عبد الرحمن بن حرملة قال : قلت لسعيد ابن المسيب : أأقصر الصلاة و أفطر في بريد
من المدينة ? قال : نعم . و الله أعلم " .
قلت : و إسناد هذا الأثر عند بن أبي شيبة ( 2 / 15 / 1 ) صحيح .
و روي عن اللجلاج قال :
" كنا نسافر مع عمر رضي الله عنه ثلاثة أميال فنتجوز في الصلاة و نفطر " .
و إسناده محتمل للتحسين رجاله كلهم ثقات غير أبي الورد بن ثمامة روى عنه ثلاثة
و قال ابن سعد : " كان معروفا قليل الحديث " .
و قد دلت هذه الآثار على جواز القصر في أقل من المسافة التي دل عليها الحديث ,
و ذلك من فقه الصحابة رضي الله عنهم , فإن السفر مطلق في الكتاب و السنة , لم
يقيد بمسافة محدودة كقوله تعالى ( و إذا ضربتم في الأرض فلا جناح عليكم أن
تقصروا من الصلاة ) الآية .
و حينئذ فلا تعارض بين الحديث و هذه الآثار , لأنه لم ينف جواز القصر في أقل من
المسافة المذكورة فيه , و لذلك قال العلامة ابن القيم في " زاد المعاد في هدي
خير العباد " ( 1 / 189 ) :
" و لم يحد صلى الله عليه وسلم لأمته مسافة محدودة للقصر و الفطر , بل أطلق لهم
ذلك في مطلق السفر و الضرب في الأرض , كما أطلق لهم التيمم في كل سفر , و أما
ما يروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثة , فلم يصح عنه منها شيء
البتة , و الله أعلم " .
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" كل اسم ليس له حد في اللغة و لا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف فما كان سفرا
في عرف الناس , فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم " .
و قد اختلف العلماء في المسافة التي تقصر فيها الصلاة اختلافا كثيرا جدا , على
نحو عشرين قولا , و ما ذكرناه عن ابن تيمية و ابن القيم أقربها إلى الصواب ,
و أليق بيسر الإسلام , فإن تكليف الناس بالقصر في سفر محدود بيوم أو بثلاثة
أيام و غيرها من التحديدات , يستلزم تكليفهم بمعرفة مسافات الطرق التي قد
يطرقونها , و هذا مما لا يستطيع أكثر الناس , لاسيما إذا كانت مما لم تطرق
من قبل !
و في الحديث فائدة أخرى , و هي أن القصر مبدؤه من بعد الخروج من البلدة و هو
مذهب الجمهور من العلماء , كما في " نيل الأوطار " ( 3 / 83 ) , قال :
" و ذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين و لو كان في منزله .
و منهم من قال : إذا ركب قصر إن شاء . و رجح ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على
أنه يقصر إذا فارق البيوت , و اختلفوا فيما قبل ذلك , فعليه الإتمام على أصل ما
كان عليه حتى يثبت أن له القصر . قال : و لا أعلم النبي صلى الله عليه وسلم قصر
في سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة " .
قلت : و الأحاديث في هذا المعني كثيرة , و قد خرجت طائفة منها في " الإرواء "
من حديث أنس و أبي هريرة و ابن عباس و غيرهم فانظر رقم ( 562 ) .
ساجدة لله
2010-10-11, 06:06 PM
164 " كان صلى الله عليه وسلم في غزو تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر إلى
أن يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعا , و إذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى
الظهر , و صلى الظهر و العصر جميعا , ثم سار و كان إذا ارتحل قبل المغرب أخر
المغرب حتى يصليها مع العشاء , و إذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع
المغرب " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 263 :
أخرجه أبو داود ( 1220 ) و الترمذي ( 2 / 438 ) و الدارقطني ( 151 ) و البيهقي
( 3 / 163 ) و أحمد ( 5 / 241 - 242 ) كلهم من طريق قتيبة بن سعيد حدثنا الليث
بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن # معاذ بن جبل #
مرفوعا . و قال أبو داود :
" لم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده " .
قلت : و هو ثقة ثبت فلا يضر تفرده لو صح , و لذلك قال الترمذي :
" حديث حسن غريب تفرد به قتيبة , لا نعرف أحدا رواه عن الليث غيره " .
و قال في مكان آخر : " حديث حسن صحيح " .
قلت : و هذا هو الصواب . فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين و قد صححه ابن القيم
و غيره , و أعله الحاكم و غيره بما لا يقدح كما بينته في " إرواء الغليل "
( 571 ) , و ذكرت هناك متابعا لقتيبة و شواهد لحديثه يقطع الواقف عليها بصحته .
و رواه مالك ( 1 / 143 / 2 ) من طريق أخرى عن أبي الطفيل به بلفظ :
" أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك , فكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر و العصر , و المغرب و العشاء , قال : فأخر
الصلاة يوما , ثم خرج فصلى الظهر و العصر جميعا , ثم دخل , ثم خرج فصلى المغرب
و العشاء جميعا " .
و من طريق مالك أخرجه مسلم ( 7 / 60 ) و أبو داود ( 1206 ) و النسائي
( 1 / 98 ) و الدارمي ( 1 / 356 ) و الطحاوي ( 1 / 95 ) و البيهقي ( 3 / 162 )
و أحمد ( 5 / 237 ) , و في رواية لمسلم ( 2 / 152 ) و غيره من طريق أخرى :
" فقلت : ما حمله على ذلك ? قال : أراد ألا يحرج أمته " .
فقه الحديث
------------
فيه مسائل :
1 - جواز الجمع بين الصلاتين في السفر و لو في غير عرفة و مزدلفة , و هو مذهب
جمهور العلماء . خلافا للحنفية , و قد تأولوه بالجمع الصوري أي بتأخير الظهر
إلى قرب وقت العصر , و كذا المغرب مع العشاء , و قد رد عليهم الجمهور من وجوه :
أولا : أنه خلاف الظاهر من الجمع .
ثانيا : أن الغرض من مشروعيته التيسير و رفع الحرج كما صرحت بذلك رواية مسلم ,
و مراعاة الجمع الصوري فيه الحرج كما لا يخفى .
ثالثا : أن في بعض أحاديث الجمع ما يبطل دعواهم كحديث أنس ابن مالك بلفظ :
" أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما " . رواه مسلم ( 2 / 151 )
و غيره .
رابعا : و يبطله أيضا جمع التقديم الذي صرح به حديث معاذ هذا " و إذا ارتحل بعد
زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر " . و الأحاديث بهذا المعنى كثيرة كما سبقت
الإشارة إلى ذلك .
2 - و أن الجمع كما يجوز تأخيرا , يجوز تقديما , و به قال الإمام الشافعي في
" الأم " ( 1 / 67 ) و كذا أحمد و إسحاق كما قال الترمذي ( 2 / 441 ) .
3 - و أنه يجوز الجمع في حال نزوله كما يجوز إذا جد به السير , قال الإمام
الشافعي في " الأم " بعد أن روى الحديث من طريق مالك :
" و هذا و هو نازل غير سائر , لأن قوله " دخل " ثم خرج " لا يكون إلا و هو نازل
فللمسافر أن يجمع نازلا و سائرا " .
قلت : فلا يلتفت بعد هذا النص إلى قول ابن القيم رحمه الله في " الزاد "
( 1 / 189 ) :
" و لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الجمع راكبا في سفره كما يفعله كثير من
الناس , و لا الجمع حال نزوله أيضا " .
و قد اغتر بكلامه هذا بعض إخواننا السلفيين في بعض الأقطار , فلذلك وجب التنبيه
عليه .
و من الغريب أن يخفى مثل هذا النص على ابن القيم رحمه الله مع وروده في الموطأ
و صحيح مسلم و غيرهما من الأصول التي ذكرنا , و لكن لعل الغرابة تزول إذا
تذكرنا أنه ألف هذا الكتاب " الزاد " في حالة بعده عن الكتب و هو مسافر , و هذا
هو السبب في وجود كثير من الأخطاء الأخرى فيه , و قد بينت ما ظهر لي منها في
" التعليقات الجياد على زاد المعاد " .
و مما يحمل على الاستغراب أيضا أن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله صرح
في بعض كتبه بخلاف ما قال ابن القيم رحمه الله , فكيف خفي عليه ذلك و هو أعرف
الناس به و بأقواله ? قال شيخ الإسلام في " مجموعة الرسائل و المسائل "
( 2 / 26 - 27 ) بعد أن ساق الحديث :
" الجمع على ثلاث درجات , أما إذا كان سائرا في وقت الأولى , فإنما ينزل في وقت
الثانية , فهذا هو الجمع الذي ثبت في الصحيحين من حديث أنس و ابن عمر , و هو
نظير جمع مزدلفة , و أما إذا كان وقت الثانية سائرا أو راكبا فجمع في وقت
الأولى , فهذا نظير الجمع بعرفة و قد روي ذلك في السنن ( يعني حديث معاذ هذا )
و أما إذا كان نازلا في وقتهما جميعا نزولا مستمرا , فهذا ما علمت روي ما يستدل
به عليه إلا حديث معاذ هذا , فإن ظاهره أنه كان نازلا في خيمته في السفر ,
و أنه أخر الظهر ثم خرج فصلى الظهر و العصر جميعا ثم دخل إلى بيته , ثم خرج
فصلى المغرب و العشاء جميعا , فإن الدخول و الخروج إنما يكون في المنزل , و أما
السائر فلا يقال : دخل و خرج , بل نزل و ركب .
و تبوك هي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم , و لم يسافر بعدها إلا حجة
الوداع , و ما نقل أنه جمع فيها إلا بعرفة و مزدلفة . و أما بمنى فلم ينقل أحد
أنه جمع هناك , بل نقلوا أنه كان يقصر الصلاة هناك , و هذا دليل على أنه كان
يجمع أحيانا في السفر , و أحيانا لا يجمع , و هو الأغلب على أسفاره أنه لم يكن
يجمع بينهما . و هذا يبين أن الجمع ليس من سنة السفر كالقصر , بل يفعل للحاجة
سواء أكان في السفر أو في الحضر , فإنه قد جمع أيضا في الحضر لئلا يحرج أمته .
فالمسافر إذا احتاج إلى الجمع جمع , سواء أكان ذلك لسيره وقت الثانية أو الأولى
و شق النزول عليه , أو كان مع نزوله لحاجة أخرى مثل أن يحتاج إلى النوم
و الاستراحة وقت الظهر و وقت العشاء , فينزل وقت الظهر و هو تعبان سهران جائع
يحتاج إلى راحة و أكل و نوم , فيؤخر الظهر إلى وقت العصر ثم يحتاج أن يقدم
العشاء مع المغرب و ينام بعد ذلك ليستيقظ نصف الليل لسفره , فهذا و نحوه يباح
له الجمع . و أما النازل أياما في قرية أو مصر و هو في ذلك المصر , فهذا و إن
كان يقصر لأنه مسافر فلا يجمع , كما أنه لا يصلي على الراحلة و لا يصلي بالتيمم
و لا يأكل الميتة . فهذه الأمور أبيحت للحاجة , و لا حاجة به إلى ذلك بخلاف
القصر فإنه سنة صلاة السفر " .
ساجدة لله
2010-10-11, 06:07 PM
165 " الوزن وزن أهل مكة ,و المكيال مكيال أهل المدينة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 267 :
رواه ابن الأعرابي في " معجمه " ( 167 / 2 ) و أبو داود ( 2340 ) و النسائي
( 7 / 281 المطبعة المصرية ) و ابن حبان ( 1105 ) و الطبراني ( 3 / 202 / 1 )
و الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 2 / 99 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 4 / 20 )
و البيهقي ( 6 / 31 ) من طريقين عن سفيان عن حنظلة عن طاووس عن # ابن عمر #
مرفوعا .
قلت : و هذا سند صحيح كما قال ابن الملقن في " الخلاصة " ( 64 - 65 )
و صححه ابن حبان و الدارقطني و النووي و ابن دقيق العيد و العلائي كما
في " فيض القدير " و رواه بعضهم عن سفيان به فقال " عن ابن عباس " بدل
" ابن عمر " و هو خطأ كما بينته في تخريج أحاديث بيوع الموسوعة الفقهية ,
ثم في " الإرواء " ( 1331 ) .
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله :
" تأملنا هذا الحديث , فوجدنا مكة لم يكن بها ثمرة و لا زرع حينئذ , و كذلك
كانت قبل ذلك الزمان , ألا ترى إلى قول إبراهيم عليه السلام : ( ربنا إني أسكنت
من ذريتي بواد غير ذي زرع ) , و إنما كانت بلد متجر , يوافي الحاج إليها
بتجارات فيبيعونها هناك , و كانت المدينة بخلاف ذلك , لأنها دار النخل , و من
ثمارها حياتهم , و كانت الصدقات تدخلها فيكون الواجب فيها من صدقة تؤخذ كيلا ,
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمصار كلها لهذين المصريين أتباعا , و كان
الناس يحتاجون إلى الوزن في أثمان ما يبتاعون , و فيما سواها مما يتصرفون فيه
من العروض و من أداء الزكوات و ما سوى ذلك مما يستعملونه , فيما يسلمونه فيه من
غيره من الأشياء التي يكيلونها , و كانت السنة قد منعت من إسلام موزون في موزون
و من إسلام مكيل في مكيل , و أجازت إسلام المكيل في موزون , و الموزون في مكيل
و منعت من بيع الموزون بالموزون , إلا مثلا بمثل , و من بيع المكيل بالمكيل إلا
مثلا بمثل , و كان الوزن في ذلك أصله ما كان عليه بمكة , و المكيال مكيال أهل
المدينة , لا يتغير عن ذلك , و إن غيره الناس عما كان عليه إلى ما سواه من ضده
فيرحبون بذلك إلى معرفة الأشياء المكيلات التي لها حكم المكيال إلى ما كان عليه
أهل المكاييل فيها يومئذ , و في الأشياء الموزونات إلى ما كان عليه أهل الميزان
يومئذ , و أن أحكامها لا تتغير عن ذلك و لا تنقلب عنها إلى أضدادها " .
قلت : و من ذلك يتبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من وضع أصل توحيد
الموازين و المكاييل , و وجه المسلمين إلى الرجوع في ذلك إلى أهل هذين البلدين
المفضلين : مكة المكرمة و المدينة المنورة . فليتأمل العاقل هذا و لينظر حال
المسلمين اليوم و اختلافهم في مكاييلهم و موازينهم , على أنواع شتى بسبب هجرهم
لهذا التوجيه النبوي الكريم . و لما شعر بعض المسؤولين في بعض الدول العربية
المسلمة بسوء هذا الاختلاف اقترح البعض عليهم توحيد ذلك و غيره كالمقاييس ,
بالرجوع إلى عرف الكفار فيها ! فوا أسفاه , لقد كنا سادة و قادة لغيرنا بعلمنا
و تمسكنا بشريعتنا , و إذا بنا اليوم أتباع و مقلدون ! و لمن ! لمن كانوا في
الأمس القريب يقلدوننا , و يأخذون العلوم عنا ! و لكن لابد لهذا الليل من أن
ينجلي , و لابد للشمس أن تشرق مرة أخرى , و ها قد لاحت تباشير الصبح , و أخذت
الدول الإسلامية تعتمد على نفسها في كل شؤون حياتها , بعد أن كانت فيها عالة
على غيرها , و لعلها تسير في ذلك على هدي كتاب ربها و سنة نبيها .
و لله في خلقه شؤون .
ساجدة لله
2010-10-11, 06:07 PM
166 " هي لك على أن تحسن صحبتها " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 269 :
رواه الطبراني ( 1 / 176 / 1 ) : حدثنا أحمد بن عمرو البزار أنبأنا زيد ابن
أخزم أنبأنا عبد الله بن داود عن موسى بن قيس عن حجر بن قيس - و كان قد أدرك
الجاهلية - قال : : خطب # علي # رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاطمة رضي الله عنها فقال : فذكره .
قلت : و هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات و عبد الله بن داود هو أبو عبد الرحمن
الخريبي , و البزار هو الحافظ صاحب المسند المعروف به .
ساجدة لله
2010-10-11, 06:08 PM
167 " والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمته إلا على رحيم , قالوا : كلنا يرحم ,
قال : ليس برحمة أحدكم صاحبه , يرحم الناس كافة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 270 :
رواه الحافظ العراقي في " المجلس 86 من الأمالي " ( 77 / 2 ) من طريق محمد بن
إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن # أنس بن مالك # مرفوعا و قال :
" هذا حديث حسن غريب , و سنان بن سعد قيل فيه : سعد بن سنان و قيل سعيد بن سنان
وثقه ابن معين و ابن حبان و قال : حدث عنه المصريون و هم يختلفون فيه , و أرجو
أن يكون الصحيح سنان بن سعد .
قال : و قد اعتبرت حديثه فرأيت ما روي عن سنان بن سعد يشبه أحاديث الثقات ,
و ما روي عن سعد بن سنان و سعيد بن سنان فيه المناكير , كأنهما اثنان , و لم
يكتب أحد حديثه لاضطرابهم في اسمه . و قال النسائي منكر الحديث . قلت : و لم
ينفرد به سنان بل تابعه عليه أخشن السدوسي عن أنس رويناه في " كتاب الأدب "
للبيهقي بلفظ : " لا يدخل الجنة منكم إلا رحيم , قالوا : يا رسول الله كلنا
رحيم , قال : ليس رحمة أحدكم نفسه و أهل بيته حتى يرحم الناس " . و أخشن هذا
ذكره ابن حبان في الثقات , و قد أورد الرافعي في أماليه من حديث ثوبان مرفوعا :
" إن أرفعكم درجة في الجنة أشدكم رحمة للعامة , فلم أستحسن إيراده في الإملاء
لأن فيه خمسة رجال على الولاء , ما بين ضعيف و كذاب و مجهول , فإنه من رواية
خالد بن الهياج بن بسطام عن أبيه عن الحسن بن دينار عن الخصيب بن جحدر عن النضر
و هو ابن شفي عن أبي أسماء عن ثوبان .
و الحسن بن دينار و الخصيب متهمان بالكذب , فذكرت بدله حديث أنس المتقدم " .
قلت : و قد وجدت له شاهدا مرسلا جيدا أخرجه ابن المبارك في " الزهد "
( 203 / 1 ) أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يونس عن الحسن مرفوعا به .
ساجدة لله
2010-10-11, 06:09 PM
168 " لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه ( أو شهده أو سمعه ) " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 271 :
أخرجه الترمذي ( 2 / 30 ) و ابن ماجه ( 4007 ) و الحاكم ( 4 / 506 ) و الطيالسي
( 2156 ) و أحمد ( 3 / 19 , 50 , 61 ) و أبو يعلى ( ق 72 / 1 ) و القضاعي في
" مسند الشهاب " ( ق 79 / 2 ) من طريق علي بن زيد ابن جدعان القرشي عن أبي نضرة
عن # أبي سعيد الخدري # مرفوعا به .
و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
و قال الحاكم : " علي بن زيد لم يحتج به الشيخان " .
قال الذهبي : " قلت : هو صالح الحديث " .
و أقول : الصواب فيه أن العلماء اختلفوا , و الأرجح أنه ضعيف , و به جزم الحافظ
في " التقريب " , و لكنه ضعف بسبب سوء الحفظ , لا لتهمه في نفسه , فمثله يحسن
حديثه أو يصحح إذا توبع . و هذا الحديث لم يتفرد به عن أبي نضرة , بل قد تابعه
عليه جماعة :
الأول : أبو سلمة أنه سمع أبا نضرة به .
أخرجه أحمد ( 3 / 44 ) و ابن عساكر ( 7 / 91 / 2 ) و سمى أبا سلمة سعيد بن زيد
و لم أعرفه , و الظاهر أن هذه التسمية وهم من بعض رواته , فإني لم أجد فيمن
يكنى بأبي سلمة أحدا بهذا الاسم و لا في " الكنى " للدولابي , فالأقرب أنه عباد
بن منصور الناجي البصري القاضي فإنه من هذه الطبقة , و من الرواة عنه شعبة بن
الحجاج , و هو الذي روى عنه هذا الحديث , فإذا صح هذا فالسند حسن بما قبله ,
فإن عبادا هذا فيه ضعف من قبل حفظه أيضا .
الثاني : المستمر بن الريان الإيادي حدثنا أبو نضرة به .
أخرجه الطيالسي ( 2158 ) و أحمد ( 3 / 46 - 47 ) , و أبو يعلى في " مسنده "
( 78 / 2 , 83 / 1 ) .
و المستمر هذا ثقة من رجال مسلم , و كذلك سائر الرواة , فهو سند صحيح على شرط
مسلم .
الثالث : التيمي حدثنا أبو نضرة به إلا أنه قال :
" إذا رآه أو شهده أو سمعه . فقال أبو سعيد : وددت أني لم أكن سمعته , و قال
أبو نضرة : وددت أني لم أكن سمعته " .
أخرجه أحمد ( 3 / 53 ) : حدثنا يحيى عن التيمي به .
قلت : و هذا سند صحيح أيضا على شرط مسلم , و التيمي اسمه سليمان بن طرخان و هو
ثقة احتج به الشيخان .
الرابع : قتادة : سمعت أبا نضرة به . و زاد :
" فقال أبو سعيد الخدري : فما زال بنا البلاء حتى قصرنا , و إنا لنبلغ في الشر
" .
أخرجه الطيالسي ( 2151 ) حدثنا شعبة عن قتادة به , و أحمد ( 3 / 92 ) و البيهقي
( 10 / 90 ) من طريقين آخرين عن شعبة و في رواية عنده ( 3 / 84 ) :
حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن رجل عن أبي
سعيد الخدري مرفوعا به , قال شعبة : فحدثت هذا الحديث قتادة فقال : ما هذا ?
عمرو بن مرة عن أبي البختري عن رجل عن أبي سعيد ! حدثني أبو نضرة به إلا أنه
قال :
" إذا شهده أو علمه . قال أبو سعيد : فحملني على ذلك أني ركبت إلى معاوية فملأت
أذنيه , ثم رجعت . قال شعبة : حدثني هذا الحديث أربعة نفر عن أبي نضرة : قتادة
و أبو سلمة ( و ) الجريري و رجل آخر " .
قلت : و هذا سند صحيح أيضا .
و للحديث طريق أخرى يرويه المعلى بن زياد القردوسي عن الحسن عن أبي سعيد به
بلفظ :
" إذا رآه أو شهد , فإنه لا يقرب من أجل , و لا يباعد من رزق , أو يقول بحق ,
أو يذكر بعظيم " .
أخرجه أحمد ( 3 / 50 , 87 ) و أبو يعلى ( 88 / 1 - 2 ) و صرح الحسن بالتحديث
عنده , فهو صحيح الإسناد .
ثم رواه أحمد ( 3 / 71 ) من طريق على بن زيد عن الحسن عنه به . دون الزيادة .
و رجال هذه الطريق ثقات لولا أن الحسن مدلس و قد عنعنه , و مع ذلك فلا بأس بها
في الشواهد .
و الحديث أورده السيوطي في " الجامع الكبير " من رواية أحمد و عبد بن حميد
و أبي يعلى و الطبراني في الكبير و ابن حبان و البيهقي عن أبي سعيد , و ابن
النجار عن بن عباس , و أورده ( 1 / 293 / 1 ) عن أبي يعلى عن أبي سعيد بالزيادة
:
" فإنه لا يقرب من أجل , و لا يبعد من رزق " .
ففاته أنها في مسند أحمد كما ذكرنا , كما فاته كون الحديث في الترمذي و ابن
ماجه و المستدرك !
و في الحديث : النهي المؤكد عن كتمان الحق خوفا من الناس , أو طمعا في المعاش .
فكل من كتمه مخافة إيذائهم إياه بنوع من أنواع الإيذاء كالضرب و الشتم ,
و قطع الرزق , أو مخافة عدم احترامهم إياه , و نحو ذلك , فهو داخل في النهي
و مخالف للنبي صلى الله عليه وسلم , و إذا كان هذا حال من يكتم الحق و هو يعلمه
فكيف يكون حال من لا يكتفى بذلك بل يشهد بالباطل على المسلمين الأبرياء
و يتهمهم في دينهم و عقيدتهم مسايرة منه للرعاع , أو مخافة أن يتهموه هو أيضا
بالباطل إذا لم يسايرهم على ضلالهم و اتهامهم ?! فاللهم ثبتنا على الحق ,
و إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين .
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir