د/احمد
2011-03-07, 08:59 PM
هذا مقال للاخ خالد الشافعي
اعجبني فوضعته هنا للنقاش دون مشاجرات
ارجو ذلك والا فليحذف
سلفية التحرير ... هل بدأت المراجعات ؟؟ .. للأستاذ خالد الشافعي
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد
فقد جاء زلزال 25 يناير ليضع كثيراً من الأفكار فى مهب الريح ، وليجبر غالبية الناس على إعادة النظر فى الكثير من المفاهيم ، وعلى مراجعة كثير من المواقف التى لم تكن قابلة للنقد ، ولا للمراجعة ، فضلاً عن قابليتها للتغيير ، زلزال 25 يناير من هوله و ضخامته يكاد يكون لم يترك حجراً على حجر فى بلادنا .
ومن المؤكد أن الدعوة السلفية - كغيرها من الجماعات - وجدت نفسها - فجأة بل فجأة جداً - أمام أحداث جسام ، باغتتها كما باغتت غيرها على حين غرة ، فى وقت لم تكن فيه الدعوة مستعدة لتغيير أقل من ذلك بكثير ( لا أجد حرجاً - وأنا السلفى - أن أقول أنه ومن وجهة نظرى فإن الجماعة الوحيدة - لا أقول فى مصر بل فى العالم - التى كانت مستعدة لهذه المفاجأة هى جماعة الإخوان المسلمين ، وهذه الجاهزية الكاملة واليقظة المعجزة كانت - بعد توفيق الله - هى سر نجاح هذه الثورة المباركة)
يرى كثير من المراقبين - سواء من معسكر الخصوم أو حتى معسكر الأتباع والمؤيدين - أن الأداء السلفى كان كارثياً فى تواضعه وتخبطه ومستواه ، وأن الدعوة السلفية ربما تكون فقدت كثير من رصيدها فى الشارع ، وفقدت كثير من الأتباع المتوقعين ، بعد أن تركوا الملايين فى بحر الحيرة والتخبط ، وهم بين صامت وخابط ومائع إلا من رحم الله حتى كاد الشباب أن يفتن فى دينه ، وكادت السلفية أن تكون منقصة .
وحيث أننى واحد من هؤلاء الأتباع ، وأدعى وأزعم أننى سلفى حتى النخاع ، فأنا الذى كتبت ( الحوينى الذى أعرفه ) وأنا الذى كتبت ( الرد الدامى فى الدفاع عن الشيخ ياسر برهامى ) وأنا الذى كتبت ( أنا وهابى فكان ماذا ) وأنا الذى كتبت ( السلفية والأمر الأول ) وكتبت ( التغيير الذى يريده السلفيون ) وأنا الذى أؤمن إيماناً جازماً أن السلفية هى الحل ، أسوق هذه المقدمة ، وأُذكر بهذه العناوين حتى أقطع الطريق على من سيكتب أننى علمانى أو إخوانى أو زلبانى ، ولأثبت أننى لا أكتب بقلم المبغض ، بل بقلم المحب .
أقول أنا ككثير من السلفيين ، ومن الناس العاديين ، الذين أصابهم زلزال 25 يناير فى مقتل ، وبعثر أوراقهم ، وأحرجهم حرجاً بالغاً ، وألقاهم فى بحر من التساؤلات ، وجعلهم على وشك بدء مراجعات شاملة ، كما وأقول أنن لا أكتب اليوم ما أكتب إلا بعد أن حملت حيرتى وذهبت بها إلى شيخ هو وإن كان غير مشهور لكننى أدين لله أنه من أفقه من رأيت بعينى ، ولم أكتفى بذلك بل حملت حيرتى ، وذهبت بها أول أمس إلى جلسة إجتمع فيها ثلاثة من أقطاب سلفية القاهرة ، وهم من القلائل الذين قالوا الحق فى عز بطش النظام ، وتحملوا لأجل ذلك ما لا يعلمه إلا الله ، زهم أيضاً ممن شارك فى الثورة فحفظ لنا بعض ماء الوجه .
وقد خرجت من هذه الجلسات بأننى لست وحدى ، بل إن هناك حالة تذمر واسعة فى المجتمع السلفى وأنه قد آن آوان الجهر بما بين الحنايا ، وآن آوان المصارحة ، وآن آوان ثورة 25 يناير سلفية ، لا تسعى لإسقاط النظام ، بل إلى مساعدته على التقويم والتصحيح ، وصولاً إلى حقيقة المنهج السلفى ، الذى هو أعظم منهج فى الدنيا ، وهو أصلح بل هو المنهج الوحيد الصالح لإصلاح العالم ، وصولاً لسعادة الدارين ، لكن الخلل وقع حين قام البشر بتنزيل هذا المنهج الربانى على واقعنا المعاصر شديد التعقيد،الذى يتغير بسرعة خارقة وهو ما يستلزم آليات بالغة الدقة والحساسية لمسايرة هذا الواقع .
من أجل هذا كانت هذه السلسلة حول نقد الخطاب السلفى نقداً سلفياً ، وأعتذر عن صراحتى التى ربما ستكون تامة ، وأحياناً مؤلمة ، لكن والله ثم والله ثم والله هى قسوة المحب ، مع العلم أننى أحمل هذه التساؤلات بداخلى منذ زمن بعيد ، لكنى قاومتها رغبة فى وحدة الصف ، لكن جسامة الحدث ، وبشاعة الأداء ، لم يدعا للكتمان مسلكاً .
هذا وأكرر أن ما أكتبه قد وافقنى بل وشجعنى عليه من يُجمع أبناء جناحنا السلفى على أنه أفقه أهل هذه البلاد ، وشجعنى عليه من وضعته بينى وبين ربى وأنا أرجو بذلك النجاة .
كذلك أود أن أقول أنه ربما قال قائل : ولماذا الفضيحة ؟ ولما لم تكن نصيحة تسر بها إلى هؤلاء الأفاضل ؟ فأقول أولاً وولأسف - وهذا من جملة المآخذ - بعضهم لا يمكن الوصول إليه ، وبعضهم إن وصلت إليه لا يرد وإن رد لا يتفاعل ، هذه واحدة و الثانية أن الأخطاء وقعت على الملأ ، وأن القضية صارت قضية رأى عام سلفى ، وأن الأمر صار يحتاج إلى مساهمة المجتمع السلفى كله فى تحديد سائر الأمراض والمشاركة فى وضع وتنفيذ خطة العلاج .
بعض الملاحظات على الأداء والخطاب السلفى فى الجملة ( مع ملاحظة أن بعض كلامى لو لم يكن صحيحاً فإنه يمثل وجهة نظر الملايين وهو ما نتج عن صمت البعض وتخبط البعض الآخر ) :
1- كان موقف كثير من رموز الدعوة السلفية - خصوصاً من يحتلون صدارة المشهد الإعلامى الإسلامى - كان موقفهم يتراوح ما بين فريق الشاشات الذى يخاطب العوام ، فهذا الفريق ساهم - ولو عن غير قصد وبحسن نية وطفولة سياسية لأن معظم رموز هذا الفريق من الوعاظ - ساهم فى تغييب الجماهير عن قضايا مصيرية لا تقل فى حكمها الشرعى لا تقل أهمية عن كثير من قضايا العبادات ، وما بين التمييع الذى مارسه بعض من الفريق المحجوب عن الإعلام والشاشات ، كان موقف هذين الفريقين ولأسباب تختلف من واحد إلى آخر ، منها قلة حظ البعض من العلم الشرعى المتين والراسخ ، ومنها عدم الفهم الواعى لمقاصد الشريعة ، أو حقيقة التكييف الفقهى لكثير من الأمور التى تعد من النوازل ، وتحقيق المناط ، وحجم المصالح والمفاسد والأكيد أن الأحداث أثبتت الطفولة السياسية لكثير من الرموز السلفية و إنعدام آليات تطوير الخطاب ، وإهمال العلوم غير الشرعية ، وضعف الثقافة العامة ، وهو ما ساهم فى أن يكون التفاعل مع الأحداث بطىء جداً وبالتالى كان الخطاب ، ورد الفعل بطىء وناقص ومحبط ، ومن المفارقات العجيبة أنها نفس خطايا الرئيس المخلوع ، فقد أخطأ فى تقدير حجم الحدث ، وأخطأ فى قراءة حقيقة المشهد ، فكانت خطاباته دائماً متأخرة وناقصة ومحبطة .
كان الخطاب السلفى متواضعاً جداً فى معظمه ، ولا يتناسب قط - لا مع عظمة وقوة المنهج السلفى ، ولا مع مستوى الأحداث ، ولا مع تطلعات الجماهير ، ولا مع متطلبات المرحلة ، والأسوأ أنه لم يكن متناسباً مع قوة وجزالة ورقى خطاب العلمانيين والمنافقين وطلاب الدنيا ، أما حين تقارن بأداء الإخوان المسلمين فإنك تموت من الخجل والمرارة ، ولا تملك إلا أن تقف مشدوهاً أمام آداء معجز يكاد يشبه فى دقته وترتيبه وكماله أداء الجيش المصرى فى إنجاز العبور وتحقيق نصر أكتوبر ، أداء الإخوان المسلمين فاق الخيال ، وسبب هذا من وجهة نظرى أن الإخوان المسلمين ومنذ زمن بعيد يعرفون ماذا يريدون ، ونظرا لوضوح الهدف فقد إستعدوا جيدا لهذه اللحظة فلما جاءت لم يكن هناك أى تردد أو شك ، كانت الخطة جاهزة والكوادر موجودة واتلطريق واضحاً والغاية معروفة وهو ما يفسر رفضهم التام لكل تنازلات النظام بينما كان كثير من الناس يرون هذه التنازلات كافية ويطالبون الثوار بالرضى والقنوع والرجوع ، جاءت اللحظة للجماعة الجاهزة ، فانقضوا على خيوط النهار قبل أن تفلت من بين أيديهم ، وأنقذوا ثورة الشباب ، كان خطاب وأداء الإخوان مشرفاً واحترافياً بامتياز وشتان بينه وبين خطاب الهواة ، ثم ومع التواضع البالغ للخطاب السلفى والذى سبب حرجاً بالغاً للسلفيين ، فقد كان شديد التأخر ، والتخبط ، والميوعة ، والإرتجال ، وكان خطاباً إجترارياً بامتياز ، يعيد ترديد أدبياته ذاتها ، دون أن يقف لحظة مع نفسه ليدرك أنه أمام طوفان أو زلزال وأن كل شىء يتغير ويحتاج الأمر إلى خطاب مختلف ومميز وواضح ، وليس خطاباً ألعوبانياً يحاول أن يمسك العصا من المنتصف ، فيخسر كل شىء .
2- أثبتت الأحداث أن السلفيين لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين وأنهم شربوا المر ورضوا بالذل والهوان من نظام بالغ الضعف والوهن وأنهم فقط لو كانوا دخلوا عليه الباب لكانوا هم الغالبين
3- أثبتت الأحداث أيضاً أن كثيراً من الأحكام الفقهية التى تتعلق بالخروج على الحاكم ، وحكم المظاهرات والإعتصامات ، تبنى فيه كثير من الدعاة السلفيين أقوالاً وجعلوها محل إجماع ، مع أن هذا خلاف الحقيقة ، وأن شروط الحاكم الذى لا يخرج عليه ، والشكل الممنوع من الخروج كانا يمكن أن يكونا سبباً فى تبنى عشاق الحور ، وطالبوا الجنان وأحفاد خالد وصلاح أقوالاً أخرى ، أو على الأقل جعل الباب موارباً ، خصوصاً مع حجم الفساد ، والظلم ، والبطش ، والفسق ، والزندقة ، ومحاربة دين الله الذى وصلت إليه البلاد على يد هؤلاء الحكام مما يجعل تبنى القول الآخر – أو على الأقل عدم تسفيهه أو التشنيع عليه - هو الأقرب لروح الشريعة و هو الأقرب لمصالح العباد ، ومقاصد الشريعة ، ومع جمع آثار أخرى فى باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ( راجع كلام إبن حزم فى كتاب الفصل باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) ومع وجود أبواب الصدع بالحق عند سلطان جائر ، ومع وجود أبواب نصرة المظلوم ، ودفع الظلم ، والحكم بغير ما أنزل الله ، ومع أن العقد الذى ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وهو الدستور لا يعد المظاهرات خروجاً على الحاكم والحاكم نفسه لا يقول لمن تظاهر أنه قد خرج عليه ، كل هذا كان كفيلاً بفتح الباب أمام شرعنة موقف رافض ومشرف يحفظ للدعوة السلفية مكاناً فى صدارة المشهد يمكنها من تحقيق مكتسبات للتمكين لشرع الله .
4- أثبتت الأحداث غياب الرؤية الموحدة ، والقدرة على التنسيق ، ومعرفة أدوات وأساليب التعاطى والتخاطب مع المجتمع ، ووسائل الإعلام ، والغياب التام والمخزى للتنسيق للخروج بورقة عمل مشتركة لا تخالف الشرع لكنها مكتوبة بمفردات عصرية جداً ، فلا موقف واحد ، ولا متحدث واحد ، ولا هيئة واحدة ، ولا بيان مشترك !!!
5- أثبتت الأحداث عدم وجود أى مشروع سلفى جاد يمكن تقديمه للمجتمع ، بحيث يصلح أن يكون المشروع السلفى الكامل لنهضة الأمة وليس كلاماً عمومياً أو عاطفياً يصلح أن تخاطب به الناس فى خطبة جمعة أو درس عام ، كما وأثبتت الأحداث الإفتقار شبه الكامل للكوادر التى تربت على تعظيم الشريعة ونالت حظها من العلم الشرعى وفى نفس الوقت عندها ثقافة عامة وخطاب عصرى خطة محددة ، وانتشرت فى كافة قطاعات المجتمع لتكون رهن الإشارة ، ولو قالوا لنا الأن نريد منكم رجلاً فى لجنة صياغة الدستور يشترط فيه أن يكون فقيهاً حتى النخاع ، وقانونياً من رأسه لأخمص قدميه ، فهل عندنا ؟ وهل عندنا فى وسائل الإعلام العادية من يتبنى وجهة نظرنا بل حتى يفهم حقيقة دعوتنا ؟ بل هل يعرف عوام الناس مميزات الحكم الإسلامى ؟ وحقيقة المنهج السلفى ؟ وهل عرض واحد من رموز الدعوة السلفية شكل الدولة التى نرغب فيها بشكل يراعى طبيعة المرحلة ومخاوف الآخرين ومنطقية التغيير وفقه التوزنات والتنازلات ؟
6- أسوأ ما أثبتته الأحداث هو أننا حجرنا واسعاً ، وقاتلنا على قضايا كان هناك ماهو أهم منها وأولى ، وكان الخلاف فيها جائزاً ومعتبراً ، وأننا من أضيق الناس صدوراً بالمخالف ، بل ومن أجهل الناس معرفة بطبيعة من يخالفنا ، وحقيقة ما نختلف معه فيه ، وأننا من أسوأ الناس ظناً بمخالفيناً ، واحتقاراً لهم ، وأجرأهم على الوقوع فى مخالفيهم ، وأنجحهم فى صناعة الخصوم .
7- السؤال الآن : من أين أوتينا ؟ ماهى الثغرة ؟ وما هو الخلل الذى قاد إلى هذه الأخطاء الكارثية بالرغم من أننا نملك المنهج الذى جعل رعاة الغنم يملكون الدنيا فى عشر سنوات ، المهنج الذى صنع أبا بكر وعمر وعثمان وعلى وبلال وخباب ؟ كيف يمكن تعويض ما فات ، والبدء فى الإندماج فى المجتمع ؟ كيف يمكن وضع آليات تجعلنا نعيش الواقع دون أن نتخلى عن ما يطلبه الشرع ؟ كيف يمكن أن ننتج جيلاً دينه شحمه ولحمه لكنه يفهم زمانه ويحسن قراءءة واقعه ويملك من العلم الشرعى والوعى الدنيوى ما يجعله نموذجاً لما يحتاجه الناس اليوم ؟ كيف يمكن أن نكون فى قمة الجاهزية حتى إذا جاءت الفرصة أمسكنا بها ولم نفوتها ؟
8- بقى أن أقول أن هناك من من الرموز السلفية وشباب السلفيين من ساندوا المطالب وجهروا بالمعارضة وساهموا فى التغيير .
9- أهم ما أريد أن أسجله أن الغضب العارم ليس من تبنى موقف مخالف للثورة ، بل هذا الرأى يظل رأياً محترماً ومعتبراً خاصة وأن حجم المفاسد كان يمكن أن يكون كارثياً ويقلب فرحتنا إلى مأتم ، ويثبت أن من منع الخروج كان محقاً ، أقول ليس هذا هو سبب الغضب ، إنما الغضب جاء من جعل هذا الرأى هو الحق الوحيد ، وجاء من بشاعة الآداء وهزليته ، فلو أن خطاباً محترماً وحاسماً ومدججاً بأدلة الشرع مع ذكر أدلة المخالف بإنصاف وجعلها معتبرة أقول لو خرج هذا الخطاب لهان الخطب ولو توحدت الرموز وانضوت تحت لواء واحد وأظهرت تفاهماً كالذى يظهره العلمانيون والليبراليون ولو وجدت آليات التواصل مع الشباب ومع المجتمع ومع سائر أطياف التيار الإسلامى للتنسيق ، مع ديناميكية الأداء لكانت الصورة مختلفة جداً ، دعوة بهذا الحجم ليس لها كبير ، فوا أسفاه
توضيح(انا منسلفي الاسكندرية منذ عام 1994)
فلا مجال للمزايدة علي هويتي
اعجبني فوضعته هنا للنقاش دون مشاجرات
ارجو ذلك والا فليحذف
سلفية التحرير ... هل بدأت المراجعات ؟؟ .. للأستاذ خالد الشافعي
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد
فقد جاء زلزال 25 يناير ليضع كثيراً من الأفكار فى مهب الريح ، وليجبر غالبية الناس على إعادة النظر فى الكثير من المفاهيم ، وعلى مراجعة كثير من المواقف التى لم تكن قابلة للنقد ، ولا للمراجعة ، فضلاً عن قابليتها للتغيير ، زلزال 25 يناير من هوله و ضخامته يكاد يكون لم يترك حجراً على حجر فى بلادنا .
ومن المؤكد أن الدعوة السلفية - كغيرها من الجماعات - وجدت نفسها - فجأة بل فجأة جداً - أمام أحداث جسام ، باغتتها كما باغتت غيرها على حين غرة ، فى وقت لم تكن فيه الدعوة مستعدة لتغيير أقل من ذلك بكثير ( لا أجد حرجاً - وأنا السلفى - أن أقول أنه ومن وجهة نظرى فإن الجماعة الوحيدة - لا أقول فى مصر بل فى العالم - التى كانت مستعدة لهذه المفاجأة هى جماعة الإخوان المسلمين ، وهذه الجاهزية الكاملة واليقظة المعجزة كانت - بعد توفيق الله - هى سر نجاح هذه الثورة المباركة)
يرى كثير من المراقبين - سواء من معسكر الخصوم أو حتى معسكر الأتباع والمؤيدين - أن الأداء السلفى كان كارثياً فى تواضعه وتخبطه ومستواه ، وأن الدعوة السلفية ربما تكون فقدت كثير من رصيدها فى الشارع ، وفقدت كثير من الأتباع المتوقعين ، بعد أن تركوا الملايين فى بحر الحيرة والتخبط ، وهم بين صامت وخابط ومائع إلا من رحم الله حتى كاد الشباب أن يفتن فى دينه ، وكادت السلفية أن تكون منقصة .
وحيث أننى واحد من هؤلاء الأتباع ، وأدعى وأزعم أننى سلفى حتى النخاع ، فأنا الذى كتبت ( الحوينى الذى أعرفه ) وأنا الذى كتبت ( الرد الدامى فى الدفاع عن الشيخ ياسر برهامى ) وأنا الذى كتبت ( أنا وهابى فكان ماذا ) وأنا الذى كتبت ( السلفية والأمر الأول ) وكتبت ( التغيير الذى يريده السلفيون ) وأنا الذى أؤمن إيماناً جازماً أن السلفية هى الحل ، أسوق هذه المقدمة ، وأُذكر بهذه العناوين حتى أقطع الطريق على من سيكتب أننى علمانى أو إخوانى أو زلبانى ، ولأثبت أننى لا أكتب بقلم المبغض ، بل بقلم المحب .
أقول أنا ككثير من السلفيين ، ومن الناس العاديين ، الذين أصابهم زلزال 25 يناير فى مقتل ، وبعثر أوراقهم ، وأحرجهم حرجاً بالغاً ، وألقاهم فى بحر من التساؤلات ، وجعلهم على وشك بدء مراجعات شاملة ، كما وأقول أنن لا أكتب اليوم ما أكتب إلا بعد أن حملت حيرتى وذهبت بها إلى شيخ هو وإن كان غير مشهور لكننى أدين لله أنه من أفقه من رأيت بعينى ، ولم أكتفى بذلك بل حملت حيرتى ، وذهبت بها أول أمس إلى جلسة إجتمع فيها ثلاثة من أقطاب سلفية القاهرة ، وهم من القلائل الذين قالوا الحق فى عز بطش النظام ، وتحملوا لأجل ذلك ما لا يعلمه إلا الله ، زهم أيضاً ممن شارك فى الثورة فحفظ لنا بعض ماء الوجه .
وقد خرجت من هذه الجلسات بأننى لست وحدى ، بل إن هناك حالة تذمر واسعة فى المجتمع السلفى وأنه قد آن آوان الجهر بما بين الحنايا ، وآن آوان المصارحة ، وآن آوان ثورة 25 يناير سلفية ، لا تسعى لإسقاط النظام ، بل إلى مساعدته على التقويم والتصحيح ، وصولاً إلى حقيقة المنهج السلفى ، الذى هو أعظم منهج فى الدنيا ، وهو أصلح بل هو المنهج الوحيد الصالح لإصلاح العالم ، وصولاً لسعادة الدارين ، لكن الخلل وقع حين قام البشر بتنزيل هذا المنهج الربانى على واقعنا المعاصر شديد التعقيد،الذى يتغير بسرعة خارقة وهو ما يستلزم آليات بالغة الدقة والحساسية لمسايرة هذا الواقع .
من أجل هذا كانت هذه السلسلة حول نقد الخطاب السلفى نقداً سلفياً ، وأعتذر عن صراحتى التى ربما ستكون تامة ، وأحياناً مؤلمة ، لكن والله ثم والله ثم والله هى قسوة المحب ، مع العلم أننى أحمل هذه التساؤلات بداخلى منذ زمن بعيد ، لكنى قاومتها رغبة فى وحدة الصف ، لكن جسامة الحدث ، وبشاعة الأداء ، لم يدعا للكتمان مسلكاً .
هذا وأكرر أن ما أكتبه قد وافقنى بل وشجعنى عليه من يُجمع أبناء جناحنا السلفى على أنه أفقه أهل هذه البلاد ، وشجعنى عليه من وضعته بينى وبين ربى وأنا أرجو بذلك النجاة .
كذلك أود أن أقول أنه ربما قال قائل : ولماذا الفضيحة ؟ ولما لم تكن نصيحة تسر بها إلى هؤلاء الأفاضل ؟ فأقول أولاً وولأسف - وهذا من جملة المآخذ - بعضهم لا يمكن الوصول إليه ، وبعضهم إن وصلت إليه لا يرد وإن رد لا يتفاعل ، هذه واحدة و الثانية أن الأخطاء وقعت على الملأ ، وأن القضية صارت قضية رأى عام سلفى ، وأن الأمر صار يحتاج إلى مساهمة المجتمع السلفى كله فى تحديد سائر الأمراض والمشاركة فى وضع وتنفيذ خطة العلاج .
بعض الملاحظات على الأداء والخطاب السلفى فى الجملة ( مع ملاحظة أن بعض كلامى لو لم يكن صحيحاً فإنه يمثل وجهة نظر الملايين وهو ما نتج عن صمت البعض وتخبط البعض الآخر ) :
1- كان موقف كثير من رموز الدعوة السلفية - خصوصاً من يحتلون صدارة المشهد الإعلامى الإسلامى - كان موقفهم يتراوح ما بين فريق الشاشات الذى يخاطب العوام ، فهذا الفريق ساهم - ولو عن غير قصد وبحسن نية وطفولة سياسية لأن معظم رموز هذا الفريق من الوعاظ - ساهم فى تغييب الجماهير عن قضايا مصيرية لا تقل فى حكمها الشرعى لا تقل أهمية عن كثير من قضايا العبادات ، وما بين التمييع الذى مارسه بعض من الفريق المحجوب عن الإعلام والشاشات ، كان موقف هذين الفريقين ولأسباب تختلف من واحد إلى آخر ، منها قلة حظ البعض من العلم الشرعى المتين والراسخ ، ومنها عدم الفهم الواعى لمقاصد الشريعة ، أو حقيقة التكييف الفقهى لكثير من الأمور التى تعد من النوازل ، وتحقيق المناط ، وحجم المصالح والمفاسد والأكيد أن الأحداث أثبتت الطفولة السياسية لكثير من الرموز السلفية و إنعدام آليات تطوير الخطاب ، وإهمال العلوم غير الشرعية ، وضعف الثقافة العامة ، وهو ما ساهم فى أن يكون التفاعل مع الأحداث بطىء جداً وبالتالى كان الخطاب ، ورد الفعل بطىء وناقص ومحبط ، ومن المفارقات العجيبة أنها نفس خطايا الرئيس المخلوع ، فقد أخطأ فى تقدير حجم الحدث ، وأخطأ فى قراءة حقيقة المشهد ، فكانت خطاباته دائماً متأخرة وناقصة ومحبطة .
كان الخطاب السلفى متواضعاً جداً فى معظمه ، ولا يتناسب قط - لا مع عظمة وقوة المنهج السلفى ، ولا مع مستوى الأحداث ، ولا مع تطلعات الجماهير ، ولا مع متطلبات المرحلة ، والأسوأ أنه لم يكن متناسباً مع قوة وجزالة ورقى خطاب العلمانيين والمنافقين وطلاب الدنيا ، أما حين تقارن بأداء الإخوان المسلمين فإنك تموت من الخجل والمرارة ، ولا تملك إلا أن تقف مشدوهاً أمام آداء معجز يكاد يشبه فى دقته وترتيبه وكماله أداء الجيش المصرى فى إنجاز العبور وتحقيق نصر أكتوبر ، أداء الإخوان المسلمين فاق الخيال ، وسبب هذا من وجهة نظرى أن الإخوان المسلمين ومنذ زمن بعيد يعرفون ماذا يريدون ، ونظرا لوضوح الهدف فقد إستعدوا جيدا لهذه اللحظة فلما جاءت لم يكن هناك أى تردد أو شك ، كانت الخطة جاهزة والكوادر موجودة واتلطريق واضحاً والغاية معروفة وهو ما يفسر رفضهم التام لكل تنازلات النظام بينما كان كثير من الناس يرون هذه التنازلات كافية ويطالبون الثوار بالرضى والقنوع والرجوع ، جاءت اللحظة للجماعة الجاهزة ، فانقضوا على خيوط النهار قبل أن تفلت من بين أيديهم ، وأنقذوا ثورة الشباب ، كان خطاب وأداء الإخوان مشرفاً واحترافياً بامتياز وشتان بينه وبين خطاب الهواة ، ثم ومع التواضع البالغ للخطاب السلفى والذى سبب حرجاً بالغاً للسلفيين ، فقد كان شديد التأخر ، والتخبط ، والميوعة ، والإرتجال ، وكان خطاباً إجترارياً بامتياز ، يعيد ترديد أدبياته ذاتها ، دون أن يقف لحظة مع نفسه ليدرك أنه أمام طوفان أو زلزال وأن كل شىء يتغير ويحتاج الأمر إلى خطاب مختلف ومميز وواضح ، وليس خطاباً ألعوبانياً يحاول أن يمسك العصا من المنتصف ، فيخسر كل شىء .
2- أثبتت الأحداث أن السلفيين لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين وأنهم شربوا المر ورضوا بالذل والهوان من نظام بالغ الضعف والوهن وأنهم فقط لو كانوا دخلوا عليه الباب لكانوا هم الغالبين
3- أثبتت الأحداث أيضاً أن كثيراً من الأحكام الفقهية التى تتعلق بالخروج على الحاكم ، وحكم المظاهرات والإعتصامات ، تبنى فيه كثير من الدعاة السلفيين أقوالاً وجعلوها محل إجماع ، مع أن هذا خلاف الحقيقة ، وأن شروط الحاكم الذى لا يخرج عليه ، والشكل الممنوع من الخروج كانا يمكن أن يكونا سبباً فى تبنى عشاق الحور ، وطالبوا الجنان وأحفاد خالد وصلاح أقوالاً أخرى ، أو على الأقل جعل الباب موارباً ، خصوصاً مع حجم الفساد ، والظلم ، والبطش ، والفسق ، والزندقة ، ومحاربة دين الله الذى وصلت إليه البلاد على يد هؤلاء الحكام مما يجعل تبنى القول الآخر – أو على الأقل عدم تسفيهه أو التشنيع عليه - هو الأقرب لروح الشريعة و هو الأقرب لمصالح العباد ، ومقاصد الشريعة ، ومع جمع آثار أخرى فى باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ( راجع كلام إبن حزم فى كتاب الفصل باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) ومع وجود أبواب الصدع بالحق عند سلطان جائر ، ومع وجود أبواب نصرة المظلوم ، ودفع الظلم ، والحكم بغير ما أنزل الله ، ومع أن العقد الذى ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وهو الدستور لا يعد المظاهرات خروجاً على الحاكم والحاكم نفسه لا يقول لمن تظاهر أنه قد خرج عليه ، كل هذا كان كفيلاً بفتح الباب أمام شرعنة موقف رافض ومشرف يحفظ للدعوة السلفية مكاناً فى صدارة المشهد يمكنها من تحقيق مكتسبات للتمكين لشرع الله .
4- أثبتت الأحداث غياب الرؤية الموحدة ، والقدرة على التنسيق ، ومعرفة أدوات وأساليب التعاطى والتخاطب مع المجتمع ، ووسائل الإعلام ، والغياب التام والمخزى للتنسيق للخروج بورقة عمل مشتركة لا تخالف الشرع لكنها مكتوبة بمفردات عصرية جداً ، فلا موقف واحد ، ولا متحدث واحد ، ولا هيئة واحدة ، ولا بيان مشترك !!!
5- أثبتت الأحداث عدم وجود أى مشروع سلفى جاد يمكن تقديمه للمجتمع ، بحيث يصلح أن يكون المشروع السلفى الكامل لنهضة الأمة وليس كلاماً عمومياً أو عاطفياً يصلح أن تخاطب به الناس فى خطبة جمعة أو درس عام ، كما وأثبتت الأحداث الإفتقار شبه الكامل للكوادر التى تربت على تعظيم الشريعة ونالت حظها من العلم الشرعى وفى نفس الوقت عندها ثقافة عامة وخطاب عصرى خطة محددة ، وانتشرت فى كافة قطاعات المجتمع لتكون رهن الإشارة ، ولو قالوا لنا الأن نريد منكم رجلاً فى لجنة صياغة الدستور يشترط فيه أن يكون فقيهاً حتى النخاع ، وقانونياً من رأسه لأخمص قدميه ، فهل عندنا ؟ وهل عندنا فى وسائل الإعلام العادية من يتبنى وجهة نظرنا بل حتى يفهم حقيقة دعوتنا ؟ بل هل يعرف عوام الناس مميزات الحكم الإسلامى ؟ وحقيقة المنهج السلفى ؟ وهل عرض واحد من رموز الدعوة السلفية شكل الدولة التى نرغب فيها بشكل يراعى طبيعة المرحلة ومخاوف الآخرين ومنطقية التغيير وفقه التوزنات والتنازلات ؟
6- أسوأ ما أثبتته الأحداث هو أننا حجرنا واسعاً ، وقاتلنا على قضايا كان هناك ماهو أهم منها وأولى ، وكان الخلاف فيها جائزاً ومعتبراً ، وأننا من أضيق الناس صدوراً بالمخالف ، بل ومن أجهل الناس معرفة بطبيعة من يخالفنا ، وحقيقة ما نختلف معه فيه ، وأننا من أسوأ الناس ظناً بمخالفيناً ، واحتقاراً لهم ، وأجرأهم على الوقوع فى مخالفيهم ، وأنجحهم فى صناعة الخصوم .
7- السؤال الآن : من أين أوتينا ؟ ماهى الثغرة ؟ وما هو الخلل الذى قاد إلى هذه الأخطاء الكارثية بالرغم من أننا نملك المنهج الذى جعل رعاة الغنم يملكون الدنيا فى عشر سنوات ، المهنج الذى صنع أبا بكر وعمر وعثمان وعلى وبلال وخباب ؟ كيف يمكن تعويض ما فات ، والبدء فى الإندماج فى المجتمع ؟ كيف يمكن وضع آليات تجعلنا نعيش الواقع دون أن نتخلى عن ما يطلبه الشرع ؟ كيف يمكن أن ننتج جيلاً دينه شحمه ولحمه لكنه يفهم زمانه ويحسن قراءءة واقعه ويملك من العلم الشرعى والوعى الدنيوى ما يجعله نموذجاً لما يحتاجه الناس اليوم ؟ كيف يمكن أن نكون فى قمة الجاهزية حتى إذا جاءت الفرصة أمسكنا بها ولم نفوتها ؟
8- بقى أن أقول أن هناك من من الرموز السلفية وشباب السلفيين من ساندوا المطالب وجهروا بالمعارضة وساهموا فى التغيير .
9- أهم ما أريد أن أسجله أن الغضب العارم ليس من تبنى موقف مخالف للثورة ، بل هذا الرأى يظل رأياً محترماً ومعتبراً خاصة وأن حجم المفاسد كان يمكن أن يكون كارثياً ويقلب فرحتنا إلى مأتم ، ويثبت أن من منع الخروج كان محقاً ، أقول ليس هذا هو سبب الغضب ، إنما الغضب جاء من جعل هذا الرأى هو الحق الوحيد ، وجاء من بشاعة الآداء وهزليته ، فلو أن خطاباً محترماً وحاسماً ومدججاً بأدلة الشرع مع ذكر أدلة المخالف بإنصاف وجعلها معتبرة أقول لو خرج هذا الخطاب لهان الخطب ولو توحدت الرموز وانضوت تحت لواء واحد وأظهرت تفاهماً كالذى يظهره العلمانيون والليبراليون ولو وجدت آليات التواصل مع الشباب ومع المجتمع ومع سائر أطياف التيار الإسلامى للتنسيق ، مع ديناميكية الأداء لكانت الصورة مختلفة جداً ، دعوة بهذا الحجم ليس لها كبير ، فوا أسفاه
توضيح(انا منسلفي الاسكندرية منذ عام 1994)
فلا مجال للمزايدة علي هويتي