ابوالسعودمحمود
2011-03-16, 05:46 PM
لماذا قلنا: نعم؟ ولماذا قالوا: لا؟
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالليبراليون والعالمانيون يدَّعون أنهم مع الديمقراطية والحرية، وأنهم مع إرادة الشعب، وأنهم ضد الحكم العسكري، إلى درجة أنهم يستنكفون -أسوة بأمريكا- أن يكون وزير الدفاع نفسه عسكريًا، ويُطالبون بأن يكون مدنيًا؛ بينما يهتم الإسلاميون في العادة بجوهر الإصلاحات التي تتم، ويُعلون المصلحة العليا للبلاد والعباد، وهذه الحقيقة تثبت الأحداثُ ـ يومًا بعد يوم ـ صدقَها.
بينما يبدو أن العالمانيين والليبراليين تحكمهم قواعد أخرى غير العالمانية التي يريدون نشرها قسرًا بيْن الناس والليبرالية التي يزعمون التبشير بها!
إننا أمام "مفارقة كوميدية" بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ؛ "ليبرالية" أو حرية مطلقة -لا سيما مِن قيد الدين كما هو تعريفها عند أصحابها- يُراد لها أن تُفرض على الناس فرضًا، وفي سبيل ذلك يدعو العالمانيون صراحة إلى بقاء الجيش في السلطة لمدة أطول - رغم رفض الجيش لذلك- من أجل البحث عن حيلة تُوجِد لهم موطأ قدم على الأرض.
وهذا مِن وجهة نظري: "انتحار سياسي" لكل مَن يُطالِب به مِن العالمانيين والليبراليين؛ لأنه ببساطة يصنفهم في خانة مَن يَسعى إلى توسيع جبهة التأييد له، ولو على حساب مبادئه!
لقد قال معظم العالمانيين "لا" للتعديلات الدستورية، وهذه مناقشة لأهم أسباب رفضهم لها
السبب الأول:
الإحباط مِن عدم مساس هذه التعديلات بالمادة الثانية، والملاحظ أن عددًا كبيرًا جدًا ممن يعترضون على التعديلات الدستورية كانوا يُطالبون بحذف أو تعديل المادة الثانية مِن الدستور التي تنص على أن دين الدولة هو الإسلام، وأن لغتها هي اللغة العربية، وأن مبادئ الشريعة إسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وقد بيَّنا أهمية هذه المادة في أكثر مِن مقال سابق.
ويكفي أن تعرف الجيوش التي جُيشت لإلغائها، وأن المبرر الرئيسي للمطالبة بدستور جديد هو: إلغاؤها بدون الحاجة إلى استفتاء شعبي، ثم عمل دستور جديد خالٍ منها، وبعضهم قد صرح بهذا!
وعلى الرغم مِن أن التعديلات الحالية تنص على عمل دستور جديد بعد استكمال مؤسسات الدولة المنتخبة إلا أنها أوكلت اختيار اللجنة التأسيسية إلى مجلس الشعب الذي مِن المتوقع أن يكون تمثيل الإسلاميين فيه في غاية القوة، ومِن ثمَّ فهم يريدون لجنة تأسيسية تختار بسياسة الصوت العالي، ومَن يملك الحضور أكثر في وسائل الإعلام، وهذا ما جعل البعض يصرحون بالسبب الثاني.
السبب الثاني:
إن الرفض هو إجراء تكتيكي؛ لتعطيل ما وراء ذلك مِن إجراءات، وأهمها: انتخابات مجلس الشعب؛ لأن الانتخابات القادمة لن تفرز إلا الإسلاميين، وبقايا النظام السابق، وهذه زلة لو وقع فيها ليبرالي أو ديموقراطي غربي؛ لانسحب على أثرها مِن الحياة السياسية إلى الأبد؛ لأن التخوف هنا ليس مِن تزوير الانتخابات؛ ولكن التخوف مِن أن تأتي الانتخابات النزيهة بأناس ليسوا على مزاج الساسة العالمانيين، وهم رموز النظام السابق، رغم أن معظم الليبراليين المتخوفين مِن هذه الجزئية معدودين من رموز النظام السابق.
ألم يكن الدكتور "يحيى الجمل" عضوًا في لجنة تعديل الدستور التي أسسها الرئيس السابق؟!
ألم يكن "ساويرس" رجل الأعمال المقرب لدى السلطة الذي لم ترفض له تصريح قناة في الوقت الذي منع غيره؟!
حتى الدكتور "البرادعي" الذي ظل طوال الفترة السابقة على أحداث يناير يدافع عن الرئيس السابق، ولكنه فقط يستنكر تأخر قطار التغيير، ثم بعد أحداث 25 يناير - وإن شئت الدقة - في 28 يناير تحول "البرادعي" إلى مطالب بإسقاط النظام بكل رموزه، ومعه الدستور، وتحول النظام السابق إلى نظام مستبد جائر إلى آخره؟!
وعلى أيٍّ، فالديمقراطية التي يزعمون الإيمان بها تفرض عليهم أن يرحبوا بمن أتى عبر صناديق الاقتراع، ولو كان مِن رموز النظام السابق الذين لم يسعفهم الحظ فيقفزوا مِن قطاره في اللحظة المناسبة كما قفز غيرهم.
ثم إن رموز النظام السابق لن تستطيع الوصول إلا مِن خلال الانتخابات الفردية حيث التربيطات الانتخابية، والعصبية القبلية، وعلاج هذا الأمر لا سيما في بلد يتعاظم الانتماء القبلي والعائلي في كثير مِن بقاعه يتمثل فى اجراء الانتخابات بالقائمة، ولأن الليبراليين يرفضون هذه الفكرة أيضًا - مع أنها تعمق أن يكون المجلس التشريعي مجلسًا سياسيًا، وليس مجرد مجلس آخر للمحليات -، وطالما كان الأمر كذلك؛ فليقبلوا برموز النظام السابق شاءوا أم أبوا.
وأما الفريق الآخر الذي يقر العالمانيون بأنه سيحصل على تمثيل كبير في المجلس القادم فهو الإسلاميون، والسؤال مرة أخرى: هل الديمقراطية حكر على المناهج الوافدة أم ماذا؟
فإذا كان هؤلاء يدْعون للديموقراطية؛ فلمَ ينزعجون مِن نتائجها؟
ولماذا يُقصى الإسلاميون طالما أن الأمة سوف تختارهم في انتخابات نزيهة؟!
يقولون: لأنه عبر ثلاثين سنة سَمحَ النظام للإخوان بالتواجد العلني بخلاف الأحزاب الليبرالية التي كانت مقيدة، ومِن ثمَّ فهي في حاجة إلى فترة يكسبون فيها أنصارًا!
ولا أدري أي سماح سمح به النظام للإخوان بحرية العمل، وهم الذين كانوا يعتقلون، وتصادر أموالهم، وتجرم لافتاتهم؟! في وقت كان الدكتور فلان يستخدم صالة كبار الزوار في مطار القاهرة ذهابًا وإيابًا، والمناضل علان يحصل حزبه على الدعم الحكومي للأحزاب!
عمومًا.. يكفينا اعتراف الأحزاب الليبرالية مجتمعة بأنها لا تملك رصيدًا في الشارع المصري في انتخابات نزيهة؛ بغض النظر عن مبررات أصحابها.
يبقى أنهم سوف يتمحكون في "شباب الثورة" الذين هم أصحاب الثورة الحقيقيين، والذين يجب أن نعطيهم فرصة؛ لكي تعرفهم الناس، وكأن هذه التعديلات انتخابات تشريعية، وليست استفتاء على الدستور، وما زالت هناك فرصة قبل الانتخابات التشريعية؛ ليتواجد شباب الثورة بين الناس.
ثم مَن هم شباب الثورة؟ مَن دعا إليها أولاً؟ أم مَن وصل بها إلى بر الأمان؟
فإذا كان شباب "الفيس بوك" - وليس بيننا وبينهم إلا الحب والإعجاب - هم من دعا إلى "مظاهرات 25 يناير"؛ فإن مَن حوَّلها إلى ثورة، وحماها، وصد الهجوم البربري عليها هم شباب التيار الإسلامي مِن إخوان وسلفيين باعتراف ساويرس نفسه.
فلماذا ـ إذن ـ اختزال شباب الثورة في المجموعة غير السياسية من الشباب مع أن المسيسين كانوا أكثر؟!
نعم، تم الاتفاق على عدم تسييس الثورة، ولكن كانت كل الاتجاهات ممثلة، وعدد غير المسيسين ـ أصلاً ـ كان قليلاً، ثم سرعان ما أعلنوا عن مشروعات أحزاب سياسية.
ثم إنَّ جعل المشروعية مشروعية الثورة استبداد شمولي يفوق استبداد ثورة يوليو، لا سيما أن "فاتورة الثورة" لم يدفعها محتجو التحرير فقط؛ فبينما كانت كاميرات الإعلام العالمي تقدم قدرًا مِن الحماية لمحتجي التحرير؛ كان البلطجية يقتلون وينهبون؛ حتى يثور الشعب على الثوار، ولكنه لم يثر - بفضل الله -، ثم بفضل التواجد الإسلامي ـ لا سيما "السلفي" في الشارع المصري ـ.
إن الشعب قد تحمل الخوف والنقص في المؤن والعطلة في الأعمال، ولو أننا افترضنا أن الشعب كان مؤيدًا للنظام أو محايدًا ـ على أقل تقدير ـ؛ لما جاز أن تُسمى هذه ثورة، ولما أصبحت لها أي مشروعية.
فلماذا يقولون: الشعب يريد إسقاط النظام، والشعب يجب أن يصبر حتى يسقط النظام، ثم يقولون: متظاهرو التحرير يريدون وضع الدستور منفردين؟!
ثم مَن الذي يضمن لنا مَن سيخرج إلى التظاهر في التحرير؛ إذا دعوا إلى ذلك؟! أو مَن سينضم إلى كيان هو ممن خرج إلى التحرير قبل تنحي الرئيس؟!
إن ادعاء أن المشروعية هي مشروعية التحرير، ثم ادعاء أن ذوي "الكرافتات الأنيقة" هم مَن يملك التحدث باسمهم هو نوع مِن السرقة المركبة للشعب أولاً، ثم لمتظاهري التحرير ثانيًا؛ فإذا كان شعار التحرير: "الشعب يريد إسقاط النظام"، فليكن الشعار القادم: "الشعب يريد أو لا يريد التعديلات الدستورية".
السبب الثالث:
اعتراضهم على منع مزدوج الجنسية والمتزوج بأجنبية مِن الترشيح، ونحن نقول: إن الاشتراطات الخاصة برئيس الجمهورية مِن الناحية الشرعية مطلوب أن يزاد عليها شروط تضمن ولاءه لأمته، ولكن وضع هذه الشروط قد يكون غير متيسر الآن؛ فلا أقل من استبعاد من أصبح ولاؤه منقوصًا بحكم العرف الدستوري المصري منذ نشأته.
وهذا يختلف حتى مِن وجهة النظر الديمقراطية في بلد مثل مصر تعرض لاحتلال وحروب عن بلد آخر قائم على الهجرة، ومعظم أبنائه مزدوجو الجنسية، ومع هذا يتعرض مَن هناك شبهة نقص في ولائه لهجوم شرس كما تم في حالة "أوباما"، مع أن "أمريكا" دولة مؤسسات بكل ما تحويه الكلمة مِن معانٍ، ومِن ثمَّ فإن استبعاد كل مَن يوجد احتمال في نقص ولائهم أمر مطلوب، وليس هذا طعنًا في كل مزدوج جنسية، ولكنه احتياط اقتضته طبائع الأمور.
والعجيب: أن الدكتور "البرادعي" يصرِّح بأنه ليست معه جنسية أخرى، وأن زوجته مصرية؛ فلمَ افتعال المشكلات ـ إذن ـ؟!
ثم إن مزدوج الجنسية لا يحصل عليها في الغالب إلا بعد هجرة طويلة أو دائمة إلى البلاد الأخرى؛ فكيف يمكن أن يهبط أمثال هؤلاء بالبراشوت؛ ليتبوءوا رأس الهرم في السلطة التنفيذية؟!
ومِن طرائف الأمور: ما أدلى به الدكتور "البرادعي": إنه عندما جاء لتعزية أسرة "خالد سعيد" في الإسكندرية كانت المرة الأولى في حياته التي رأى فيها "الأمن المركزي"!
ولا ندري كم مِن الأمور المركزية الأخرى في مصر التي لم يرها الدكتور البرادعى مِن قبل؟!
وكم مِن الأمور التي رآها وأحبها وتشبع بها في حياته خارج مصر، ومنها: الليبرالية الأخلاقية؟! ولا مجال للخوض فيما هو أكثر من ذلك الآن!
ثم إن مَن يتابع ما أشيع مِن أن الرئيس السابق فكَّر في التنحي مبكرًا، وأن الابن وأمه هم مَن حاول مِن خلال بعض الساسة عرقلة التنحي؛ يتبيَّن له أن الانتماء إلى جنسية أخرى ولو مِن زوجة الرئيس خطر في حالة مثل الحالة المصرية.
السبب الرابع:
يدعى هؤلاء أن الدستور الحالي يجمع الصلاحيات في يد الرئيس مما يهدد بوجود طاغية آخر.
وهؤلاء يغفلون أن الرئيس لم يتوحش إلا بعد تزوير مجلس الشعب، وأن السنوات الأولى مِن حكم أي رئيس - مهما أعطاه الدستور مِن صلاحيات - تكون أقرب إلى مراعاة المصلحة، وأن تقييد مدة حكم رئيس الجمهورية كافية في المرحلة الراهنة حتى ننتقل بسرعة إلى الحكم الطبيعي.
السبب الخامس:
ادعاء أن الدستور سقط بقيام الثورة.
وقد تناسى هؤلاء أن القوات المسلحة التي ابتهج الثوار عندما آل الحكم إليها قامت على أساس هذا الدستور، وأنها تولت الحكم بناء على تنحي الرئيس السابق الذي تنحى لصالح المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ففي ادعاء سقوط الدستور ادعاء لسقوط القوات المسلحة مما يعني: سقوط الدولة ككل!
ثم إنها مسألة شكلية.. لا ندري وجه اهتمام اللبراليين الذين ما يفتأون يدعوننا إلى تطبيق روح الدين، وترك قشوره - التي تشمل عندهم كل التشريعات العامة، وجزءًا مِن العبادات -، ثم يتمسكون بشكلية سقوط الدستور مثلاً!
الحاصل أن: العالمانيين يقولون: لا؛ لأنهم يحتاجون أن يقوموا بحالة إبقاء للوضع على ما هو عليه حتى ينظموا صفوفهم، فهم يعطلون الجدول الزمني للإصلاح ليس إلا؛ بينما يقول الإسلاميون: نعم؛ لأسباب بيناها مِن قبل.
منها على سبيل الإيجاز:
1- تثبيت المادة التي تقول: "إن الإسلام هو دين الدولة الرسمي".
2- تثبيت أن الشريعة هي: "المصدر الرئيسي للتشريع".
3- وبالجملة فالدستور السابق أكثر محافظة على الهوية مما يرتب له العالمانيون والليبراليون.
4- منع مزدوج الجنسية مِن قيادة البلاد في وقت تتربص فيه دول العالم بنا، وتريد أن تقودنا عن طريق وكلائها.
5- لأنها نزعت مِن الرئيس أهم سبب من أسباب طغيانه وهو طول فترة حكمه؛ لأنها نزعت ممن يشغل منصب الرئيس أهم ما يغرى حكام زماننا بالطغيان؛ وهو طول فترة حكمهم، وأما باقي الصلاحيات ـ على اتساعها ـ فلم تكن سببًا في الاستبداد، والفترة الأولى مِن حكم الرئيس السابق تشهد بهذا.
6- لسرعة إنجاز مهام الفترة الانتقالية؛ ليتفرغ الجيش لحماية الحدود، ونسارع بعجلة العودة إلى الحياة الطبيعية، ونعود ندعو قومنا إلى مزيدٍ مِن العودة نحو الإسلام: حكامًا ومحكومين.
7- لسرعة عودة الصورة الطبيعية للحالة الاقتصادية، وتهيئة مناخ الاستثمار؛ وإلا كانت الثورة سببًا لتأخر الاقتصاد، لا لتقدمه.
إخواننا الأعزاء:
التعديلات الدستورية خطوة على الطريق الصحيح، نخشى إن ضاعت؛ أن يلتف أعداء الأمة عليها، ويقفزوا فوق مكتسبات أبنائها المخلصين.
لذلك تدعوكم الدعوة السلفية جميعًا إلى المشاركة في الاستفتاء السبت 19-2-2011، والتصويت بـ"نعم" على التعديلات الدستورية.
هذا وبالإضافة إلى "الدعوة السلفية" فقد دعت تيارات ورموز إسلامية كثيرة إلى الموافقة على التعديلات الدستورية، منها:
1- جماعة أنصار السنة
2- جماعة الإخوان المسلمين.
3- الجماعة الإسلامية.
4- حزب الوسط.
5- الهيئة الشرعية للحقوق و الاصلاح
وقد وقع عن الهيئة كل من:
1- الشيخ نصر فريد واصل
2- أ.د. علي أحمد السالوس
3- د. محمد يسري إبراهيم
ومِن الرموز الإسلامية والمفكرين أيضا:
4- الشيخ "محمد عبد المقصود"، ومِن الجدير بالتنبيه عليه: أنه دعا أولاً إلى التصويت بلا، ثم تبين له خطورة ذلك وما قد يؤدي إليه من إتاحة الفرصة للتحرش بهوية الأمة؛ فنصح بالتصويت بنعم، فجزاه الله خيرًا.
5- فضيلة الشيخ "أحمد المحلاوي" - حفظه الله -.
6- الدكتور محمد سليم العوا
7- الأستاذ جمال سلطان
و الله من وراء القصد، وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
www.anasalafy.com
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالليبراليون والعالمانيون يدَّعون أنهم مع الديمقراطية والحرية، وأنهم مع إرادة الشعب، وأنهم ضد الحكم العسكري، إلى درجة أنهم يستنكفون -أسوة بأمريكا- أن يكون وزير الدفاع نفسه عسكريًا، ويُطالبون بأن يكون مدنيًا؛ بينما يهتم الإسلاميون في العادة بجوهر الإصلاحات التي تتم، ويُعلون المصلحة العليا للبلاد والعباد، وهذه الحقيقة تثبت الأحداثُ ـ يومًا بعد يوم ـ صدقَها.
بينما يبدو أن العالمانيين والليبراليين تحكمهم قواعد أخرى غير العالمانية التي يريدون نشرها قسرًا بيْن الناس والليبرالية التي يزعمون التبشير بها!
إننا أمام "مفارقة كوميدية" بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ؛ "ليبرالية" أو حرية مطلقة -لا سيما مِن قيد الدين كما هو تعريفها عند أصحابها- يُراد لها أن تُفرض على الناس فرضًا، وفي سبيل ذلك يدعو العالمانيون صراحة إلى بقاء الجيش في السلطة لمدة أطول - رغم رفض الجيش لذلك- من أجل البحث عن حيلة تُوجِد لهم موطأ قدم على الأرض.
وهذا مِن وجهة نظري: "انتحار سياسي" لكل مَن يُطالِب به مِن العالمانيين والليبراليين؛ لأنه ببساطة يصنفهم في خانة مَن يَسعى إلى توسيع جبهة التأييد له، ولو على حساب مبادئه!
لقد قال معظم العالمانيين "لا" للتعديلات الدستورية، وهذه مناقشة لأهم أسباب رفضهم لها
السبب الأول:
الإحباط مِن عدم مساس هذه التعديلات بالمادة الثانية، والملاحظ أن عددًا كبيرًا جدًا ممن يعترضون على التعديلات الدستورية كانوا يُطالبون بحذف أو تعديل المادة الثانية مِن الدستور التي تنص على أن دين الدولة هو الإسلام، وأن لغتها هي اللغة العربية، وأن مبادئ الشريعة إسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وقد بيَّنا أهمية هذه المادة في أكثر مِن مقال سابق.
ويكفي أن تعرف الجيوش التي جُيشت لإلغائها، وأن المبرر الرئيسي للمطالبة بدستور جديد هو: إلغاؤها بدون الحاجة إلى استفتاء شعبي، ثم عمل دستور جديد خالٍ منها، وبعضهم قد صرح بهذا!
وعلى الرغم مِن أن التعديلات الحالية تنص على عمل دستور جديد بعد استكمال مؤسسات الدولة المنتخبة إلا أنها أوكلت اختيار اللجنة التأسيسية إلى مجلس الشعب الذي مِن المتوقع أن يكون تمثيل الإسلاميين فيه في غاية القوة، ومِن ثمَّ فهم يريدون لجنة تأسيسية تختار بسياسة الصوت العالي، ومَن يملك الحضور أكثر في وسائل الإعلام، وهذا ما جعل البعض يصرحون بالسبب الثاني.
السبب الثاني:
إن الرفض هو إجراء تكتيكي؛ لتعطيل ما وراء ذلك مِن إجراءات، وأهمها: انتخابات مجلس الشعب؛ لأن الانتخابات القادمة لن تفرز إلا الإسلاميين، وبقايا النظام السابق، وهذه زلة لو وقع فيها ليبرالي أو ديموقراطي غربي؛ لانسحب على أثرها مِن الحياة السياسية إلى الأبد؛ لأن التخوف هنا ليس مِن تزوير الانتخابات؛ ولكن التخوف مِن أن تأتي الانتخابات النزيهة بأناس ليسوا على مزاج الساسة العالمانيين، وهم رموز النظام السابق، رغم أن معظم الليبراليين المتخوفين مِن هذه الجزئية معدودين من رموز النظام السابق.
ألم يكن الدكتور "يحيى الجمل" عضوًا في لجنة تعديل الدستور التي أسسها الرئيس السابق؟!
ألم يكن "ساويرس" رجل الأعمال المقرب لدى السلطة الذي لم ترفض له تصريح قناة في الوقت الذي منع غيره؟!
حتى الدكتور "البرادعي" الذي ظل طوال الفترة السابقة على أحداث يناير يدافع عن الرئيس السابق، ولكنه فقط يستنكر تأخر قطار التغيير، ثم بعد أحداث 25 يناير - وإن شئت الدقة - في 28 يناير تحول "البرادعي" إلى مطالب بإسقاط النظام بكل رموزه، ومعه الدستور، وتحول النظام السابق إلى نظام مستبد جائر إلى آخره؟!
وعلى أيٍّ، فالديمقراطية التي يزعمون الإيمان بها تفرض عليهم أن يرحبوا بمن أتى عبر صناديق الاقتراع، ولو كان مِن رموز النظام السابق الذين لم يسعفهم الحظ فيقفزوا مِن قطاره في اللحظة المناسبة كما قفز غيرهم.
ثم إن رموز النظام السابق لن تستطيع الوصول إلا مِن خلال الانتخابات الفردية حيث التربيطات الانتخابية، والعصبية القبلية، وعلاج هذا الأمر لا سيما في بلد يتعاظم الانتماء القبلي والعائلي في كثير مِن بقاعه يتمثل فى اجراء الانتخابات بالقائمة، ولأن الليبراليين يرفضون هذه الفكرة أيضًا - مع أنها تعمق أن يكون المجلس التشريعي مجلسًا سياسيًا، وليس مجرد مجلس آخر للمحليات -، وطالما كان الأمر كذلك؛ فليقبلوا برموز النظام السابق شاءوا أم أبوا.
وأما الفريق الآخر الذي يقر العالمانيون بأنه سيحصل على تمثيل كبير في المجلس القادم فهو الإسلاميون، والسؤال مرة أخرى: هل الديمقراطية حكر على المناهج الوافدة أم ماذا؟
فإذا كان هؤلاء يدْعون للديموقراطية؛ فلمَ ينزعجون مِن نتائجها؟
ولماذا يُقصى الإسلاميون طالما أن الأمة سوف تختارهم في انتخابات نزيهة؟!
يقولون: لأنه عبر ثلاثين سنة سَمحَ النظام للإخوان بالتواجد العلني بخلاف الأحزاب الليبرالية التي كانت مقيدة، ومِن ثمَّ فهي في حاجة إلى فترة يكسبون فيها أنصارًا!
ولا أدري أي سماح سمح به النظام للإخوان بحرية العمل، وهم الذين كانوا يعتقلون، وتصادر أموالهم، وتجرم لافتاتهم؟! في وقت كان الدكتور فلان يستخدم صالة كبار الزوار في مطار القاهرة ذهابًا وإيابًا، والمناضل علان يحصل حزبه على الدعم الحكومي للأحزاب!
عمومًا.. يكفينا اعتراف الأحزاب الليبرالية مجتمعة بأنها لا تملك رصيدًا في الشارع المصري في انتخابات نزيهة؛ بغض النظر عن مبررات أصحابها.
يبقى أنهم سوف يتمحكون في "شباب الثورة" الذين هم أصحاب الثورة الحقيقيين، والذين يجب أن نعطيهم فرصة؛ لكي تعرفهم الناس، وكأن هذه التعديلات انتخابات تشريعية، وليست استفتاء على الدستور، وما زالت هناك فرصة قبل الانتخابات التشريعية؛ ليتواجد شباب الثورة بين الناس.
ثم مَن هم شباب الثورة؟ مَن دعا إليها أولاً؟ أم مَن وصل بها إلى بر الأمان؟
فإذا كان شباب "الفيس بوك" - وليس بيننا وبينهم إلا الحب والإعجاب - هم من دعا إلى "مظاهرات 25 يناير"؛ فإن مَن حوَّلها إلى ثورة، وحماها، وصد الهجوم البربري عليها هم شباب التيار الإسلامي مِن إخوان وسلفيين باعتراف ساويرس نفسه.
فلماذا ـ إذن ـ اختزال شباب الثورة في المجموعة غير السياسية من الشباب مع أن المسيسين كانوا أكثر؟!
نعم، تم الاتفاق على عدم تسييس الثورة، ولكن كانت كل الاتجاهات ممثلة، وعدد غير المسيسين ـ أصلاً ـ كان قليلاً، ثم سرعان ما أعلنوا عن مشروعات أحزاب سياسية.
ثم إنَّ جعل المشروعية مشروعية الثورة استبداد شمولي يفوق استبداد ثورة يوليو، لا سيما أن "فاتورة الثورة" لم يدفعها محتجو التحرير فقط؛ فبينما كانت كاميرات الإعلام العالمي تقدم قدرًا مِن الحماية لمحتجي التحرير؛ كان البلطجية يقتلون وينهبون؛ حتى يثور الشعب على الثوار، ولكنه لم يثر - بفضل الله -، ثم بفضل التواجد الإسلامي ـ لا سيما "السلفي" في الشارع المصري ـ.
إن الشعب قد تحمل الخوف والنقص في المؤن والعطلة في الأعمال، ولو أننا افترضنا أن الشعب كان مؤيدًا للنظام أو محايدًا ـ على أقل تقدير ـ؛ لما جاز أن تُسمى هذه ثورة، ولما أصبحت لها أي مشروعية.
فلماذا يقولون: الشعب يريد إسقاط النظام، والشعب يجب أن يصبر حتى يسقط النظام، ثم يقولون: متظاهرو التحرير يريدون وضع الدستور منفردين؟!
ثم مَن الذي يضمن لنا مَن سيخرج إلى التظاهر في التحرير؛ إذا دعوا إلى ذلك؟! أو مَن سينضم إلى كيان هو ممن خرج إلى التحرير قبل تنحي الرئيس؟!
إن ادعاء أن المشروعية هي مشروعية التحرير، ثم ادعاء أن ذوي "الكرافتات الأنيقة" هم مَن يملك التحدث باسمهم هو نوع مِن السرقة المركبة للشعب أولاً، ثم لمتظاهري التحرير ثانيًا؛ فإذا كان شعار التحرير: "الشعب يريد إسقاط النظام"، فليكن الشعار القادم: "الشعب يريد أو لا يريد التعديلات الدستورية".
السبب الثالث:
اعتراضهم على منع مزدوج الجنسية والمتزوج بأجنبية مِن الترشيح، ونحن نقول: إن الاشتراطات الخاصة برئيس الجمهورية مِن الناحية الشرعية مطلوب أن يزاد عليها شروط تضمن ولاءه لأمته، ولكن وضع هذه الشروط قد يكون غير متيسر الآن؛ فلا أقل من استبعاد من أصبح ولاؤه منقوصًا بحكم العرف الدستوري المصري منذ نشأته.
وهذا يختلف حتى مِن وجهة النظر الديمقراطية في بلد مثل مصر تعرض لاحتلال وحروب عن بلد آخر قائم على الهجرة، ومعظم أبنائه مزدوجو الجنسية، ومع هذا يتعرض مَن هناك شبهة نقص في ولائه لهجوم شرس كما تم في حالة "أوباما"، مع أن "أمريكا" دولة مؤسسات بكل ما تحويه الكلمة مِن معانٍ، ومِن ثمَّ فإن استبعاد كل مَن يوجد احتمال في نقص ولائهم أمر مطلوب، وليس هذا طعنًا في كل مزدوج جنسية، ولكنه احتياط اقتضته طبائع الأمور.
والعجيب: أن الدكتور "البرادعي" يصرِّح بأنه ليست معه جنسية أخرى، وأن زوجته مصرية؛ فلمَ افتعال المشكلات ـ إذن ـ؟!
ثم إن مزدوج الجنسية لا يحصل عليها في الغالب إلا بعد هجرة طويلة أو دائمة إلى البلاد الأخرى؛ فكيف يمكن أن يهبط أمثال هؤلاء بالبراشوت؛ ليتبوءوا رأس الهرم في السلطة التنفيذية؟!
ومِن طرائف الأمور: ما أدلى به الدكتور "البرادعي": إنه عندما جاء لتعزية أسرة "خالد سعيد" في الإسكندرية كانت المرة الأولى في حياته التي رأى فيها "الأمن المركزي"!
ولا ندري كم مِن الأمور المركزية الأخرى في مصر التي لم يرها الدكتور البرادعى مِن قبل؟!
وكم مِن الأمور التي رآها وأحبها وتشبع بها في حياته خارج مصر، ومنها: الليبرالية الأخلاقية؟! ولا مجال للخوض فيما هو أكثر من ذلك الآن!
ثم إن مَن يتابع ما أشيع مِن أن الرئيس السابق فكَّر في التنحي مبكرًا، وأن الابن وأمه هم مَن حاول مِن خلال بعض الساسة عرقلة التنحي؛ يتبيَّن له أن الانتماء إلى جنسية أخرى ولو مِن زوجة الرئيس خطر في حالة مثل الحالة المصرية.
السبب الرابع:
يدعى هؤلاء أن الدستور الحالي يجمع الصلاحيات في يد الرئيس مما يهدد بوجود طاغية آخر.
وهؤلاء يغفلون أن الرئيس لم يتوحش إلا بعد تزوير مجلس الشعب، وأن السنوات الأولى مِن حكم أي رئيس - مهما أعطاه الدستور مِن صلاحيات - تكون أقرب إلى مراعاة المصلحة، وأن تقييد مدة حكم رئيس الجمهورية كافية في المرحلة الراهنة حتى ننتقل بسرعة إلى الحكم الطبيعي.
السبب الخامس:
ادعاء أن الدستور سقط بقيام الثورة.
وقد تناسى هؤلاء أن القوات المسلحة التي ابتهج الثوار عندما آل الحكم إليها قامت على أساس هذا الدستور، وأنها تولت الحكم بناء على تنحي الرئيس السابق الذي تنحى لصالح المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ففي ادعاء سقوط الدستور ادعاء لسقوط القوات المسلحة مما يعني: سقوط الدولة ككل!
ثم إنها مسألة شكلية.. لا ندري وجه اهتمام اللبراليين الذين ما يفتأون يدعوننا إلى تطبيق روح الدين، وترك قشوره - التي تشمل عندهم كل التشريعات العامة، وجزءًا مِن العبادات -، ثم يتمسكون بشكلية سقوط الدستور مثلاً!
الحاصل أن: العالمانيين يقولون: لا؛ لأنهم يحتاجون أن يقوموا بحالة إبقاء للوضع على ما هو عليه حتى ينظموا صفوفهم، فهم يعطلون الجدول الزمني للإصلاح ليس إلا؛ بينما يقول الإسلاميون: نعم؛ لأسباب بيناها مِن قبل.
منها على سبيل الإيجاز:
1- تثبيت المادة التي تقول: "إن الإسلام هو دين الدولة الرسمي".
2- تثبيت أن الشريعة هي: "المصدر الرئيسي للتشريع".
3- وبالجملة فالدستور السابق أكثر محافظة على الهوية مما يرتب له العالمانيون والليبراليون.
4- منع مزدوج الجنسية مِن قيادة البلاد في وقت تتربص فيه دول العالم بنا، وتريد أن تقودنا عن طريق وكلائها.
5- لأنها نزعت مِن الرئيس أهم سبب من أسباب طغيانه وهو طول فترة حكمه؛ لأنها نزعت ممن يشغل منصب الرئيس أهم ما يغرى حكام زماننا بالطغيان؛ وهو طول فترة حكمهم، وأما باقي الصلاحيات ـ على اتساعها ـ فلم تكن سببًا في الاستبداد، والفترة الأولى مِن حكم الرئيس السابق تشهد بهذا.
6- لسرعة إنجاز مهام الفترة الانتقالية؛ ليتفرغ الجيش لحماية الحدود، ونسارع بعجلة العودة إلى الحياة الطبيعية، ونعود ندعو قومنا إلى مزيدٍ مِن العودة نحو الإسلام: حكامًا ومحكومين.
7- لسرعة عودة الصورة الطبيعية للحالة الاقتصادية، وتهيئة مناخ الاستثمار؛ وإلا كانت الثورة سببًا لتأخر الاقتصاد، لا لتقدمه.
إخواننا الأعزاء:
التعديلات الدستورية خطوة على الطريق الصحيح، نخشى إن ضاعت؛ أن يلتف أعداء الأمة عليها، ويقفزوا فوق مكتسبات أبنائها المخلصين.
لذلك تدعوكم الدعوة السلفية جميعًا إلى المشاركة في الاستفتاء السبت 19-2-2011، والتصويت بـ"نعم" على التعديلات الدستورية.
هذا وبالإضافة إلى "الدعوة السلفية" فقد دعت تيارات ورموز إسلامية كثيرة إلى الموافقة على التعديلات الدستورية، منها:
1- جماعة أنصار السنة
2- جماعة الإخوان المسلمين.
3- الجماعة الإسلامية.
4- حزب الوسط.
5- الهيئة الشرعية للحقوق و الاصلاح
وقد وقع عن الهيئة كل من:
1- الشيخ نصر فريد واصل
2- أ.د. علي أحمد السالوس
3- د. محمد يسري إبراهيم
ومِن الرموز الإسلامية والمفكرين أيضا:
4- الشيخ "محمد عبد المقصود"، ومِن الجدير بالتنبيه عليه: أنه دعا أولاً إلى التصويت بلا، ثم تبين له خطورة ذلك وما قد يؤدي إليه من إتاحة الفرصة للتحرش بهوية الأمة؛ فنصح بالتصويت بنعم، فجزاه الله خيرًا.
5- فضيلة الشيخ "أحمد المحلاوي" - حفظه الله -.
6- الدكتور محمد سليم العوا
7- الأستاذ جمال سلطان
و الله من وراء القصد، وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
www.anasalafy.com