المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اللائكية في ميزان العقل والنقل



الصفحات : 1 [2]

الهزبر
2011-04-14, 12:14 AM
السلام عليكم



اللائكية في ميزان العقل والنقل (9)




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

اللائكية في ميزان النقل


سنبيّن فيما يلي تناقض اللائكية مع الإسلام من خلال نصوص الكتاب والسنة.

1. الإيمان بالخالق:



بالنسبة لللائكية فإنّ مسألة الإيمان بالخالق المدبّر مسألة شخصية لا تعني الإنسان ككل، إنما تعني الفرد. فمن شاء أن يؤمن فله ذلك، ومن شاء أن يكفر فله ذلك؛ فهي قضية لا تهم المجتمع، ولا تهم الإنسانية، إنما تهم الأفراد بوصفهم الفردي.
وهذه الرؤية اللائكية تناقض رؤية الإسلام الذي يعدّ الدعوة إلى التوحيد أي الإيمان بالخالق المدبّر هي أساس كل شيء في هذا الوجود؛ فما أرسل الله عزّ وجلّ من رسول إلاّ ليدعو الناس إلى التوحيد. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء 25). وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل 36).



والدعوة إلى التوحيد ليست قضية فردية بل هي قضية الإنسانية ككل؛ ولذلك نرى القرآن الكريم يوجّه الخطاب إلى الناس جميعا ليؤمنوا بربهم وخالقهم. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}(البقرة).



وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني نفسه وماله، إلا بحقه وحسابه على الله". فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم قضية الإيمان والتوحيد القضية الأساسية التي يقاتل المسلمون الناس من أجلها. ولا يعني هذا إكراه الناس على العقيدة، إنما يعني إزالة الحواجز المادية التي تمنع انتشار الدعوة الإسلامية وتبليغها إلى الناس.


وعليه، فإنّ قضية الإيمان بالنسبة للإسلام قضية أساسية يدعى إليها كل الناس لتكون هي أساس النقاش والبحث، وليست مسألة فردية – كما تقول اللائكية - لا تبحث على مستوى الجماعات، ولا تطرح في المجتمع كمسألة فكرية تهم الشأن العام. أخرج البخاري ومسلم عن أبي حازم قال: أخبرني سهل رضي الله عنه يعني ابن سعد، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: " لأعطين الراية غدا رجلا يفتح على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله"، فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى، فغدوا كلهم يرجوه، فقال: " أين علي ؟"، فقيل يشتكي عينيه، فبصق في عينيه ودعا له، فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم".

2. التكليف


القول باللائكية أي بفصل الدين عن الحياة يعني القول بعدم تدخل الدين في أنظمة الحكم والاقتصاد والسياسة وفي العلاقات المجتمعية والاجتماعية. وقد نتج هذا القول عن رؤية عقدية مفادها أنّ الإنسان سيّد نفسه في هذا الوجود، وأنّه ينظّم شؤون حياته وفق ما يراه عقله من منفعة ومفسدة؛ لأنّ الخالق لا علاقة له بحياتنا الدنيا.


وهذا يناقض الإسلام؛ لأنّه يقوم على فكرة التكليف. فالله عزّ وجل خلقنا ولم يتركنا لأنفسنا ننظم حياتنا كما نشاء بل كلّفنا وأرسل الرسل لتخرجنا من الظلمات إلى النور.



قال الله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)}(القيامة). قال الشيخ الطاهر ابن عاشور (رحمه الله): " {أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} أي لا يحسب أنه يترك غير مرعي بالتكليف كما تترك الإبل، وذلك يقتضي المجازاة. وعن الشافعي: لم يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمت أن السدى الذي لا يؤمر ولا ينهى.. وقد تبين من هذا أن قوله { أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} كناية عن الجزاء لأن التكليف في الحياة الدنيا مقصود منه الجزاء في الآخرة"(1).


وقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)}(المؤمنون). قال القرطبي: "قوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} أي مهملين كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب عليها؛ مثل قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} يريد كالبهائم مهملا لغير فائدة"(2).


وعليه، فاللائكي يؤمن بهذه الحياة الدنيا، ولا يربطها بما قبلها وبما بعدها، إنما يحصر وجوده وكينونته ضمن هذا العالم السفلي، ولا يعنيه أمر الخالق ونهيه؛ لأنه لا يؤمن بالتكليف. وأما المسلم الحقّ، فيربط الحياة الدنيا بما قبلها وبما بعدها؛ لأنه يعتقد جازما بأنه خلق لعبادة الله وطاعته. قال الله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)}(الذاريات). ومن كانت هذه عقيدته أي يؤمن بالحساب والثواب والعقاب، ويؤمن بأنه مخلوق لله رب العالمين ومكلّف بطاعته، فلا يمكن أبدا أن يكون لائكيا يفصل الدين عن الحياة.

3. لمن الحكم؟


إذا فصل اللائكي الدين عن الحياة فمعناه أنه ينصّب نفسه مشرّعا حاكما. فهل يقبل الإسلام هذا؟ ولمن الحكم: لله أم للإنسان؟ أجاب الشرع فقال: لا حكم إلا لله، وأما حكم الإنسان وتشريعه فهو جاهلية وطاغوت.



قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)}(النساء).
وقال سبحانه: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}(النساء).


وقال سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) }(المائدة).
وقال سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)}(المائدة). قال الشيخ الطاهر ابن عاشور: "... وتحت هذا حالة أخرى، وهي التزام أن لا يحكم بما أنزل الله في نفسه كفعل المسلم الذي تقام في أرضه الأحكام الشرعية فيدخل تحت محاكم غير شرعية باختياره فإن ذلك الالتزام أشد من المخالفة في الجزئيات، ولا سيما إذا لم يكن فعله لجلب منفعة دنيوية. وأعظم منه إلزام الناس بالحكم بغير ما أنزل الله من ولاة الأمور، وهو مراتب متفاوتة، وبعضها قد يلزمه لازم الردة إن دل على استخفاف أو تخطئة لحكم الله"(3).

وقال سبحانه: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ... (10)}(الشورى).
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)}(النساء).



وأخرج الترمذي في السنن عن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب. فقال: "يا عدي اطرح عنك هذا الوثن"، وسمعته يقرأ في سورة براءة: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}، قال: "أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه ".
وفي رواية الطبراني في الكبير: "... فقلت: إنا لسنا نعبدهم، فقال: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه ؟ قلت: بلى، قال: " فتلك عبادتهم".

4. دين ودولة


يزعم اللائكي أنّ الإسلام مجرد عبادة ولا علاقة له بشؤون الحياة والدولة. وهذا يناقض الإسلام الذي أتى بتشريعات كاملة متعلقة بتنظيم شؤون الناس والمجتمع والدولة؛ فالإسلام دين ودولة بل لا يتأتى وجود الإسلام في هذه الحياة بدون حكم وسلطة.



عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتُنتَقضُنّ عُرى الإسلام عُروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضا الحكم، وآخرهن الصلاة" (رواه الطبراني في الكبير وأحمد). وفي هذا الحديث دلالة على أن الدين مرتبط بالدولة والحكم. وفيه دلالة أيضا على أن غياب الحكم بالإسلام وفصل الحكم عن الدين ينتج غياب الدين ككل؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم شبّه أحكام الإسلام من ناحية عملية بالعروة، وهي في الأصل ما يعلّق به من طرف الدلو والكوز ونحوهما، فاستعير لما يتمسك به من أمر الدين، ويتعلق به من شعب الإسلام وأحكامه من ناحية تطبيقية عملية، وكأنّ الإسلام من ناحية التطبيق والتنفيذ في المجتمع، مرهون بالحكم، فإذا انتقضت عروة الحكم انتقضت بقية العرى شيئا بعد شيء حتى يكون آخرها ترك الصلاة.


وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم ارتباط الدين بالسياسة والدولة بألفاظ صريحة فقال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون. قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، أعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم" (البخاري ومسلم عن أبي هريرة).

قال الشيخ محمد البشير النيفر (رحمه الله): "والأمر في شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم أوضح وأظهر فهو صلى الله عليه وسلم خليفة ورسول وقد خاطبه الله بقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}. وكانت حكومات الإسلام على عهد الخلفاء والملوك تجري على هذا الصراط المستقيم، وقد قال أبو بكر رضي الله عنه في خطبته التي ألقاها إذ توفى الله إليه رسوله صلى الله عليه وسلم: "إن محمدا قد مات ولا بد لهذا الدين من يقوم به". ولم يفهم أحد من الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين وأئمة مذاهبهم سلفا وخلفا من معنى الإمامة والإمارة إلا حكومة تتصل بالدين وتقيم أحكامه العادلة. وقد قيل في تعريف الإمامة: ولاية عامة في الدين والدنيا توجب طاعة موصوفها في غير منهي إلخ، وقيل أيضا: رئاسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم"(4).



وقال الشيخ العلامة محمد العزيز جعيط (رحمه الله): "ولا يخفى أن معنى القيادة بكتاب الله الخضوع لأوامره ونواهيه الواردة في الكتاب أو السنة وإجراء الشؤون على إذلالها، فإذا حادت الحكومة عن الوصايا القيمة التي جاء بها الدين لم تطع فيما خالفت فيه الدين. ومما يزيد ما تقدم إيضاحا أن المسلم إذا لم يبح له الخروج عن سلطان الدين ويعد امتناعه من قبول سلطة الدين عليه بالأمر والنهي موجبا لخروجه عن حظيرة الإسلام ولفصله عن أمس الناس به صلة وأقواهم به رابطة من المسلمين فلا يرث مسلما ولا يرثه مسلم ولا يدفن في مقابر المسلمين وتبين منه زوجته، فكيف يقبل أن تكون الحكومة غير خاضعة لسلطان الدين وهل الحكومة إلا مجموع الأفراد. وكيف يمكن أن يعتني الدين بالعباد منفردين فيأمرهم وينهاهم ويحتم عليهم الخضوع لأوامره ونواهيه ويهمل أمورهم في شكل الدولة مع أنها أهم؟ وما الفرق بين حكومة لا تتقيد بأوامر الدين ونواهيه وبين حكومة أجنبية لا تدين بالدين الإسلامي؟"(5).

يتبع إن شاء الله تعالى...
____________________
(1) تفسير التحرير والتنوير، م14 ج29 ص366
(2) تفسير القرطبي، ج12 ص156
(3) تفسير التحرير والتنوير، م4 ج6 ص212
(4) مقال: فصل الدين عن الحكومة ج1، المجلة الزيتونية، م9 ج5 ص252
(5) مقال: الإسلام دين ودولة وقومية، المجلة الزيتونية، م9 ج1 ص13

الهزبر
2011-04-19, 12:38 AM

الهزبر
2011-04-19, 12:45 AM
السلام عليكم



فنص الحديث كما أخرجه مسلم: عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون، فقال: لو لم تفعلوا لصلح. قال: فخرج شيصا، فمر بهم فقال: ما لنخلكم ؟ قالوا: قلت كذا وكذا، قال: " أنتم أعلم بأمر دنياكم". وأصله ما أخرجه مسلم عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: "مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رءوس النخل، فقال: ما يصنع هؤلاء ؟ فقالوا : يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن يغني ذلك شيئا. قال فأخبروا بذلك فتركوه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا، فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل".
قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند: "وهذا الحديث مما طنطن به ملحدو مصر وصنائع أوربة فيها، من عبيد المستشرقين، وتلامذة المبشرين، فجعلوه أصلا يحجون به أهل السنة وأنصارها، وخدام الشريعة وحماتها، إذا أرادوا أن ينفوا شيئا من السنة، وأن ينكروا شريعة من شرائع الإسلام، في المعاملات وشؤون الاجتماع وغيرها... والحديث واضح صريح، لا يعارض نصا، و لا يدل على عدم الاحتجاج بالسنة في كل شأن، لأن رسول الله لا ينطق عن الهوى، فكل ما جاء عنه فهو شرع وتشريع، (وإن تطيعوه تهتدوا)، وإنما كان في قصة تلقيح النخل أن قال لهم "ما أظن ذلك يغني شيئا"، فهو لم يأمر ولم ينه، ولم يخبر عن الله، ولم يسن في ذلك سنة، حتى يتوسع في هذا المعنى إلى ما يهدم به أصل التشريع، بل ظن ثم اعتذر عن ظنه، قال: "فلا تؤاخذوني بالظن"، فأين هذا مما يرمي إليه أولئك؟"(11).
فهذا الحديث، كما يفهم من سياقه ومنطوقه ومفهومه، يتعلّق بقضية فنية زراعية ليس بالضرورة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عالما بها. ولذلك بوب الإمام النووي لهذا الحديث بقوله: "باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي". وإذا كان الأمر يتعلّق بقضية فنية زراعية، فمن أين لبعض الناس أن يقول بأنه يفيد فصل السياسة عن الدين. فهل تعلّق الحديث بمسألة سياسية؟

خاتمة:



إن ما تم ذكره ومناقشته في هذه السلسلة يصلح لأن يؤسس عليه لنقض كل تبرير لللائكية؛ لأننا نقضنا أسسها وهدمنا أصولها، وبيّنا بطلانها وفسادها بالدليل العقلي والنقلي.
يقول عالم الاجتماع الشهير بيتر برغر (Peter L. Berger) الذي كان من أشدّ الدعاة إلى العلمانية في الستينات من القرن الماضي: "إن العالم اليوم، مع بعض الاستثناءات... أشدّ تديّنا مما كان عليه من قبل، وفي بعض المناطق أكثر مما كان عليه من قبل. وهذا يعني أنّ كيانا كاملا من أدبيات نظرية العلمنة التي صاغها مؤرخون وعلماء اجتماع بغير دقة هو في جوهره خاطئ"(12). ويقول عالم الاجتماع رودني ستارك (Rodney Stark) وعالم الاجتماع روجي فينك (Roger Finke): "بعد حوالي ثلاثة قرون من الإخفاق التام في التنبؤات وسوء تصور الماضي والمستقبل، يبدو أن الوقت قد حان لأخذ عقيدة العلمنة إلى مقبرة النظريات الفاشلة..."(13).
فهذه شهادة من مفكري الغرب بموت النظرية العلمانية وفشلها، فلماذا يصرّ بعض الناس في بلدنا على الدعوة إلى نظرية فاشلة بشهادة أهلها؟ ولماذا نستورد البضاعة الفاسدة الفاشلة الباطلة وعندنا ما أنزل الله من حقّ؟
قال الله سبحانه وتعالى: { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)} (الرعد).


_______________________
(1) عن "هل اللائكية ممكنة في تونس: هل هي الطريق إلى الديمقراطية أم تهميش للدين"، جريدة الشروق، 16/03/2011م.
(2) السابق.
(3) مقال: الإسلام والعلمانية، لراشد الغنوشي، الخميس 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008م.
عن موقع: http://www.ghannoushi.net/ (http://www.ghannoushi.net/)
(4) مقاصد الشريعة الإسلامية، ص39
(5) تفسير القرطبي، ج5 ص376
(6) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج15 ص236
(7) الفروق، ج1 ص357-358
(8) السابق، ص359
(9) ينظر مقاصد الشريعة الإسلامية، ص27-28
(10) نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم، ص21-22
(11) المسند للإمام أحمد، ج2 ص177
(12) SACRED AND SECULAR: Religion and Politics Worldwide, Pippa Noris and Ronald inglehart, Cambridge University Press2009, p.4
(13) السابق.

الهزبر
2011-05-03, 12:09 PM
للرفع