مشاهدة النسخة كاملة : دولة الموحدين
الصفحات :
1
2
3
4
5
6
[
7]
8
9
10
ذو الفقار
2008-06-10, 02:43 AM
ولا زلت من المتابعين ان شاء الله
جزاكِ الله خيراً أختنا صفاء
ولا زلت من المتابعين ان شاء الله
جزاكِ الله خيراً أختنا صفاء
جزاك الله الجنان اخي الكريم ذو الفقار
وشكرا لك على المتابعة والمرور الكريم
عذرا على التأخير في اكمال الموضوع
لقد كان بنو غانيه شوكة ضد الموحدين وكانوا من خيرة المجاهدين ضد القوى الصليبية واشتهروا بالغزو البحري لجنوب فرنسا وقطلونيا وساروا على سنة أسلافهم في العقائد والتزام منهج أهل السنة والدعاء للخليفة العباسي في بغداد واتخاذ الويتهم السوداء شعاراً لهم وهادنوا الموحدين بعض الوقت ولما مات الخليفة الموحدي يوسف بن عبدالمؤمن واضطربت احوال الدولة الموحدية بعض الشيء استغل بنو غانيه هذا الاضطراب واظهروا العصيان وخرجوا عن سياسة المهادنة واستولوا على أسطول موحدي ضخم عندما كان في زيارة الجزر الشرقية ثم خرجوا بأساطيلهم ورجالهم الى المغرب الأوسط عام 581هـ/1185م وتحالف بنو غانيه مع قبائل بني سليم وبني هلال ومع جنود الغزو المملوكي الذي كان يقوده قراقوش التقوى واعلنوا ولاءهم للدولة العباسية ورفع شعارهم وأصبح المغرب الاوسط والادنى تابع وخاضع لأتباع الخلافة العباسية.
وكان أول عمل قام به المنصور يعقوب بن يوسف هو الشروع للقضاء على بني غانيه، فأرسل العيون والأعوان إلى المغرب الأوسط وافريقيا وحاول تفكيك التحالف الثلاثي بين بني غانيه والقبائل العربية اتباع قراقوش وواعد زعماء القبائل وأعيان البلدان بالعفو والاحسان وشرع في ارسال الجيوش تتلوها الجيوش وانكسرت بعض جيوش الموحدين وارتفعت معنويات بني غانيه أمام الموحدين إلا أن السلطان يعقوب بن يوسف استمر في ارسال الحملات وفقد الألوف من جنوده ومن خيرة رجاله، وأنفق الملايين من الأموال وكان بنو غانيه وحلفائهم قد اتخذوا الصحراء ملجأهم فكلما تضيق عليهم الدائرة يفرون إلى الصحراء ثم لا يلبثوا أن يعودوا من جديد واستمرت هذه المعارك سنوات طويلة ولكن في النهاية استطاع ابويوسف يعقوب بن يوسف ان يسحق هذه الثورة العنيفة ويقبض على زعمائها وقاد العمليات العسكرية بنفسه عام 582هـ/1168م وجعل من مدينة تونس مقرا لقيادته واستطاع بفضل حزمه شجاعته أن ينتصر على الثوار وفر علي بن غانية الى الصحراء وظل بها إلى أن مات عام 584 هـ وانضم إلى جيوش الموحدين كثير من الأعراب والأتراك واستطاع يعقوب بن يوسف أن يوحد بلاد المغرب كلها غربها وشرقها إلى المحيط الأطلسي غربا . لقد استعمل يعقوب بن يوسف الدهاء والمكر والحنكة والسياسة والمال ضد خصومه وقبل رجوعه إلى المغرب الأقصى رتب أمور القبائل ونظم أمور الولاة ، واهتم بإدارة الاموال ، ونقل معه كثير من القبائل العربية إلى المغرب الأقصى ، ليستخدمها في الجهاد ضد النصارى ويأمن من ثوراتها المستمرة .
لقد استطاع أبو يعقوب يوسف المنصور أن يؤمن خط ظهره ويوحد الجبهة الداخلية وأعاد تنظيم البيت المغربي الموحدي من الداخل ، وأمن خطر القبائل العربية ووظف طاقاتها في حربه في الأندلس ، لقد كان هذا العمل الحاسم القوي في توحيد الجبهة الداخلية سببا من أسباب انتصاره على النصارى في الأندلس في معركة الأراك الكبيرة . لقد كانت أهداف أبي يوسف يعقوب المنصور واضحة المعالم في حركته ولذلك أرجأ جهاد النصارى في الأندلس إلى حين الإنتهاء من مشاكل بني غانية وحلفائهم وهذا يدل على عمق تفكيره الإستراتيجي وبعد نظره العسكري.
إننا ونحن ندرس التاريخ أمام درس عظيم ومهم في حياتنا المعاصرة ألا وهو إذا أردنا بالفعل استرداد الأندلس فإن ذلك الأمر العظيم وهذا الهدف السامي الجميل يسبقه عمل جاد ومتواصل من أجل توحيد بلاد المغرب على أصول منهج أهل السنة والجماعة وبعد ذلك تبدأ حركة الدعوة والجهاد المقدس نحو أراضينا المفقودة وعزنا المنشود .
إن تحرير البيت المقدس ما تم ذلك الفتح الميمون إلا بعد توحيد العراق ومصر والشام وإزالة البدع بالحجة والبرهان وقلع دولة الرافضة بالسيف والسنان مع التدرج المدروس والهمة العالية في تحقيق الأهداف السامية .
ب ــ جهاده في الأندلس :
بعد استشهاد السلطان الموحدي أبي يعقوب يوسف بن عبدالمؤمن في الأندلس 580 هـ هدأت الحرب بضعة أعوام لسببين مهمين :
1- إنشغال الموحدين بثورات قامت في أفريقية ، ومرض أبي يوسف المنصور في مراكش ، فقد كان يرغب في تولي أمر الجهاد بنفسه .
2- الخلاف الذي وقع بين ملوك الأسبان في تلك الفترة ، فحرص الملك ألفونسو على عدم إثارة المسلمين ضده فيغريهم بالسير إلى غزوه ولكن بعد وفاة المطران (جونزالو) وتعيين "مارتن دي بسيرجا" مطرانا لطليطلة ، شرع الأخير في زرع الحقد والبغض وتاجيج صدور النصارى الأسبان ضد المسلمين وعمل على إعداد حملة كبيرة في الأندلس مع التنسيق مع القوة السياسية والعسكرية والنصرانية الحاكمة وبالفعل تم للنصارى ما خططوه وقاد ذلك المطران الحاقد حملة دمرت كل شيء في طريقها بالنار والسيف ، وشرعت تلك الحملة الحاقدة في تدمير مدن وقرى المسلمين القريبة منهم ، فانتسفت الغلات والكروم ، وقطعت اشجار الزيتون ، وخربت الضياع والقرى، وسيقت الماشية ، وسُبي المسلمون العُزل رجالا ونساء ، وقتل قسمٌ كبير منهم، وزحفت قوى من فرسان النصارى إلى أقصى جنوب الأندلس ، وهم يتابعون العبث والتخريب.
وظهر غرور ألفونسو الثامن ملك قشتاله واعتزازه بالنصرانية ولم يقتنع بالغنائم العظيمة التي رجع بها المطران مارتن إلى طليطلة ، فكتب إلى سلطان الموحدين خطابا يشابه كتاب الفونسو السادس إلى يوسف بن تاشفين يدعوه إلى القتال . وهذا هو نص الخطاب كما ورد في وفيات الأعيان:
"باسمك اللهم فاطر السموات والأرض ، وصلى الله على السيد المسيح روح الله وكلمته الرسول الفصيح . أما بعد .. فإنه لا يخفى على ذي ذهن ثاقب ولا ذي عقل لازب ، أنك أمير الملة الحنيفية ، كما أني أمير الملة النصرانية ، وقد علمت الآن ما عليه رؤساء أهل الأندلس من التخاذل والتواكل وإهمال الرعية ، وإخلادهم إلى الراحة ، وأنا أسومهم بحكم القهر وجلاء الديار، وأسبي الذراري ، وأمثل بالرجال ، ولا عذر لك في التخلف عن نصرهم إذا أمكنتك يد القدرة ، وانتم تزعمون أن الله تعالى فرض عليكم قتال عشرة منا بواحد منكم ، فالآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ، ونحن الآن نقاتل عشرة منكم بواحد منا ، لا تستطيعون دفاعا ولا تملكون امتناعا ، وقد حكي لي عنك أنك أخذت في الاحتفال ، وأشرفت عل ربوة القتال ، وتماطل نفسك عاما بعد عام ، تقدم رجلا وتؤخر أخرى ، فلا أدري أكان الجيش أبطأ بك أم التكذيب بما وعد ربك ؟ ثم قيل لي إنك لا تجد إلى جواز البحر سبيلا لعلة لا يسوغ لك التقحم معها ، وها أنا أقول لك ما فيه الراحة لك وأعتذر لك وعنك ، على أن تفي بالعهود والمواثيق والاستكثار من الرهان ، وترسل إلي جملة من عبيدك بالمراكب والشواتي والطرائد والمسطحات ، وأجوز بحملتي إليك ، وأقاتلك في أعز الأماكن لديك ، فإن كانت لك فغنيمة كبيرة جلبت إليك ، وهدية عظيمة مثلت بين يديك ، وإن كانت لي كانت يدي العليا عليك ، واستحقيت إمارة الملتين والحكم على البرين ، والله تعالى يوفق للسعادة، ويسهل الإرادة ، لا رب غيره ولا خير إلا خيره إن شاء الله تعالى" .
فلما وصل كتابه إلى الأمير أبي يوسف المنصور مزّقه وكتب على ظهر قطعة منه: { إرجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ، ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون } (سورة النمل ، الآية 371) . الجواب ما ترى لا ما تسمع .
ولا كُتْبَ إلا المشرفية عنده
ولا رُسُل إلا الخميس العرمرم
لقد اشتد غضب أبي يعقوب المنصور على ألفونسو الثامن وغطرسته ، وأخذته غيرة الإسلام ، فبادر بالتأهب للجهاد في الأندلس ، وأمر أن يداع الخطاب في جنود الموحدين ليثير غيرتهم ، وضج الناس وصاحوا بشعارات الجهاد ، وأمر السلطان الموحدي بإخراج أخراق القبة الحمراء وسيفه الكبير إيذانا بالدعوة العامة إلى الجهاد ، وأمر الجند الذين اجتمعوا من كل صوب بالسير إلى سبتة ، وإلى غيرها من أمكنة العبور إلى الأندلس .
ودوَّت صيحات الجهاد في جميع أنحاء المغرب ، من مدينة سلا على المحيط الأطلسي ، حتى برقة شرقا على حدود مصر ، ضد النصارى الذين غدوا خطرا على الإسلام . في الوقت نفسه الذي كانت أخبار انتصار صلاح الدين على الصليبيين في حطين واستعادة مدينة القدس من أيدي الصليبين قد وصلت إلى مسامع المغاربة وأحيت قلوبهم وطهرت نفوسهم وتعلقوا بالشهادة في سبيل الله بل نجد أن بعض المغاربة فضل الذهاب إلى الشام والانصواء تحت لواء الناصر صلاح الدين الأيوبي .
لقد استجاب الرجال والشيوخ والشباب وسكان الصحاري والمدن والقرى والهضاب والشواطي والجبال في أنحاء المغرب الكبير إلى نداء الجهاد وانضموا إلى ألوية الجهاد في أسبانية ، وبدأ الخطر الداهم ينذر الغرب في الوقت الذي حاول النصارى فيه أن يرفعوا الصليب في المشرق .
وبعد أن سير أبو يوسف المنصور جميع قواته إلى الأندلس ، عبر إلى الجزيرة الخضراء في 20 رجب سنة 591 هـ ، ولم يسترح بها إلى قليلا ، ثم بادر بالسير إلى قشتالة خشية من نفاذ المؤن ، ولكي يكسب حماسة جنده وظمأهم للجهاد وحبهم للإستشهاد .
وكانت خطة زعيم الموحدين ترمي أولا إلى اختراق قلب أسبانية وافتتاح طليطلة ، ومتى ظفر ببغيته استطاع أن يحارب الممالك الأخرى بسرعة وسهولة ، ولكنه لما علم بأن ملك قشتالة قد حشد قوات شمال قلعة رباح ، على مقربة من قلعة الأراك ، اتجه بجيشه إلى ذلك المكان . ولما وصل إلى قيد مسيرة يومين من جيش النصارى ، ضرب معسكره في يوم الخميس الثالث من شعبان سنة 591هـ/1195م ، وعقد مجلسا من القادة والأشياخ للبحث في الخطط التي يجب اتباعها لخوض المعركة.
يتبـــع ان شــاء اللــه
ثالثا: معركة الأرَكْ:(الأرك): حصن على بعد عشرين كيلومترا إلى الشمال الغربي من قلعة رباح، على أحد فروع نهر وادي آنه ، وهي نقطة الحدود بين قشتالة والأندلس في حينه . تجهز الفونسو الثامن ملك قشتالة للقاء الجيش الإسلامي منذ سمع بعبور الموحدين وطلب العون من ملكي ليون وونبارة واستفز كل ملوك أسبانيا المسيحية واستصرخ البابا في روما وقدمت إليه جيوش من فرنسا والمانيا وهولندا وغيرها من الديار الأوربية ووافته جنود اوربية كبيرة يقودها فرسان ذو خبرة عسكرية طويلة وتجربة ماهرة وممتازة في الحروب ضد المسلمين حتى لقد قدرت القوات الأوربية التي احتشدت في مواجهة القوات الإسلامية بـ (150 ألف جندي) تزيد عن ثلاث أضعاف القوات الإسلامية وتحركت تلك القوات ونزلت في الأرك ، ونزل أبو يوسف يعقوب المنصور على مقربة من المعسكر القشتالي ، ومرّت عدة أيام لم يقع فيها إشتباك.
خطة الموحدين :إجتمع المجلس الحربي الإستشاري للموحدين برئاسة زعيمهم أبو يوسف يعقوب المنصور وتناقشوا في الخطة التي يجب اتباعها في المعركة ، واستمع الزعيم لرأي الجميع ، ثم التفت إلى زعماء الأندلس ، وطلب رأي ابي عبدالله بن صناديد ، لقد كان من أعقلهم وأخبرهم بمكائد الحروب ، وكان أبو يوسف المنصور يفضل آراء الأندلسيين في معرفة أفضل الخطط لمحاربة النصارى ، إذ أنهم يخوضون الحرب مع جيرانهم بلا انقطاع ، فهم لذلك أعرف الناس بطرق النصارى ومكائدهم ، وكان من راي ابن صناديد أنه يجب أن توضح خطة موحدة لتسيير دفة الحرب ، إذ كان هذا التوحيد والنظام والتنسيق التام ينقص الموحدين في حروبهم السابقة ، ولا سيما في معركة شنترين ، وأنه يجب أن يختار أمير الموحدين قائدا عاما للجيش كله ، فوقع اختيار المنصور على كبير وزرائه ابي يحي بن أبي حفص ، الذي امتاز بالفطنة وصفاء الذهن والشجاعة في كثير من الحروب والوقائع .
وكذلك يجب أن يتولى قيادة الأندلسيين زعمائهم ، وهو ما لم يتبع دائما ، فكان يترتب على ذلك اضطراب الصفوف اثناء المواقع ، وكانت حماسة الأندلسيين تهبط حينما يتولى الأجانب قيادتهم ، على أنه مع ذلك كانوا يؤلفون قسما مستقلا من الجيش ينضوي تحت لواء القائد العام أبي يحي بن أبي حفص، ولما كان الأندلسيون والموحدون أو الجند المغاربة النظاميون يؤلفون قوة الجيش الرئيسية ، فقد نصح عبدالله بن صناديد بان يتولى هؤلاء لقاء العدو ومواجهة هجومه الأول ، وأما بقية الجيش وهي المؤلفة من قبائل البربر ، ومعظمهم غير النظاميين ، وجمهرة كبيرة من المحاربين والمجاهدين فيجب أن تكون قوة احتياطية للموحدين الأندلسيين ، تقوم بالعون والإمداد . أما أبو يوسف المنصور فيستطيع بحرسه أن يرجح كفة الموقعة كلها ، ويجب ان يرابط بقوته وراء التلال على مسافة قريبة ، ثم ينقض فجأة بجنوده المتوثبين على الأعداء المتبعين ، ويبادر بحضوره إلى تدعيم النصر المكسوب ، كل هذه الآراء أبداها الزعيم الأندلسي ، وأعجب أبو يوسف المنصور بها ، فوافق عليها ، وأمر بتنفيذها.
قلت: وهذه الخطة شبيهة بخطة المرابطين التي وضعوها في معركة الزلاّقة عام 479 هـ وهذا يدل على اهتمام أبي عبدالله ابن صناديد بالدراسة التاريخية الواعية .
وفي تلك الأثناء كان ألفونسو يستعد لمهاجمة المسلمين ونتيجة للأعداد الضخمة التي في حوزته رأى أن يترك أساليب الأسبان القديمة في الحرب ، وهي تقضي بتجنب الإشتباك في المواقع والإمتناع في القلاع ، حتى ترغم قوى المسلمين الجرارة على الإنسحاب ، إما لنفاد المؤن ، أو لتفشي الأمراض، أو لحلول الشتاء ، ولكن ألفونسو رأى - وهو سيد جيش ضخم حسن الأهبة - أنه من العار أن ينسحب أمام العدو ، خصوصا وقد كان يؤمل أن يستطيع بقيادته أن يحرز نصرا باهرا على جيش الموحدين.
وفي 9 شعبان 591هـ/8 تموز (يولية) 1195 كانت موقعة الأرك الفاصلة الحاسمة . وفي صباح هذا اليوم ، أذاع أبو يوسف يعقوب المنصور بين سائر الجند ، لكي يذكي حماستهم للقتال ، خبر حلم رآه في الليلة السابقة ، مفاده أنه رأى في نومه فارسا بهي الطلعة ، على فرس أبيض يخرج من باب فتح في السماء ، وبيده راية خضراء ، وقد انتشرت في الآفاق ، يقوله له : إنه من ملائكة السماء السابعة ، وإنه جاء يبشره بالنصر بحول الله .
ونظم أبو يوسف يعقوب المنصور جيشه ، الذي قدرته الروايات الأوربية الكنسية بستمائة ألف مقاتل وهذا بالطبع مبالغ فيه ، فقد كان في الأغلب يساوي عدد جيش النصارى، فاحتل الموحدون - أو القوات النظامية - القلب ، واحتل الجناح الأيسر الجند العرب أو احفاد فاتحي المغرب المسلمين ، ومعهم زناته وبعض القبائل الأخرى تحت ألويتهم الخاصة ، واحتل الجناح الأيمن قوى الأندلس بقيادة عبدالله بن صناديد . وتولى أبو يوسف المنصور قيادة القوة الاحتياطية مكونة من صفوة الجند والحرس الملكي ، ورفعت صفوف المتطوعين ومعظمها مكون من الجنود الخفيفة ، ولا سيما حملة النبال ، تحت أعلامها الخضراء ، وهو لون الموحدين ، إلى المقدمة ، لتفتتح القتال ، وهم جميعا يضطرمون شوقا إلى الفوز بالشهادة في سبيل الله تعالى(1) . وحين كمل الحشد قال القائد العام للجند إن المنصور أمير المؤمنين يقول لكم : "اغفروا له - فإن هذا موضع الغفران - وتغافروا فيما بينكم ، وطيبوا نفوسكم وأخلصوا لله نياتكم"
فبكى الناس وأعظموا ما سمعوه من أميرهم المؤمن المخلص ، وما جرى من حسن معاملتهم وعدله بينهم.
وقام وخطب وحرض على الجهاد وبين فضله ومكانته وقدره ، وأخذ الناس مواقعهم وقد تنورت بصائرهم ، وخلصت لله ضمائرهم وسرائرهم ، وقويت أنفسهم وعزائمهم ، وتضاعفت نجدتهم وإقدامهم.
ونظم ملك قشتالة في تلك الأثناء جنده المتوثبة إلى القتال ، وكانت قلعة الأرَك تحمي موقعه من جانب ، وتحميه من الجانب الآخر بعض التلال ، ولا يمكن الوصول إليه إلا بواسطة طرق ضيّقة وعرة ، وكان الجيش القشتالي يحتل موقعا عاليا ، وكانت هذه ميزة له في بدء القتال.
ولما تقدمت صفوف المسلمين المهاجمة إلى سفح التل الذي يحتله ملك قشتالة ، واندفعت إليه بحاول اقتحامه على اثر كلمات قائدها الملتهبة ، انقض زهاء سبعة او ثمانية الآف من الفرسان القشتاليين المثقلين بالدروع على المسلمين كالسيل الجارف المندفع من علٍ.
وفي البيان المغرب في معرض الحديث عن القشتاليين، لما رأوا الجيش الاسلامي في سهل الأرك، وهم في المرتفع المشرف عليه: "فهبطوا من مراكزهم كالليل الدامس والبحر الزاخر، أسرابا تتلوها أسرابٌ، وأفواجا تعقبها أفواج، ليس إلا الصهيل والضجيج والحديد على وقع العجيج، فدفعوا حتى انتهوا إلى الأعلام، فتوقفت كالجبال الراسيات، فمالوا على الميسرة فتزحزح قوم من المطوعة وأخلاط من السوقة والأحرجة، فصعد غبارها الى الجو، فقال "أبو يوسف، المنصور لخاصته ومن طاف به: جددوا نياتكم وأحضروا قلوبكم ثم تحرك وحده وترك ساقته على حالها، وسار منفرداً من خاصته مقدما بشهامته ونجدته، ومر على الصفوف والقبائل، وألقى اليهم بنفسه كلاماً وجيزاً في الهجوم على عدوهم والنفوذ إليه، وعاد الى موضعه وساقته" لقد رد المسلمون هجمات القشتاليين مرتين، ولكن العرب والبربر استنفذوا جميع قواهم لرد هذا الهجوم الشرس، ولما عززت صفوف النصارى بقوى جديدة، هجموا للمرة الثانية، وضاعفوا جهودهم واقتحموا صفوف المسلمين وفرقوها، وقتلوا قسما منها، واضطر الباقون إلى التقهقر والتراجع، وأكرم الله الآف من المسلمين بالشهادة، منهم القائد العام أبو يحيى بن أبي حفص، الذي سقط شهيد وهو يقاتل بمنتهى الشجاعة والرجولة والعزة والبسالة، وظن النصارى أنهم أحرزوا النصر بعد أن حطموا قلب جيش الموحدين، ولكن الجناح الأيمن للمسلمين بقيادة القائد الأندلسي أبي عبدالله بن صناديد انقض على النصارى انقضاض الأسد على فريسته وأصابوا قلب جيشه القشتالي إصابة دامغة وكان ملك قشتالة يقود قلب جيشه بنفسه ويحيط به عشرة آلاف فارس، منهم فرسان الداوية وفرسان قلعة رباح، لقد استمرت المعركة وهي حامية الوطيس ساعات متتالية واستبدل المسلمون النقص في العدد، بالاقدام والشجاعة، حتى أنه لما زحف زعيم الموحدين في حرسه وقواته الاحتياطية، ورد تقدم الفرسان القشتاليين واضطرهم إلى الفرار في غير انتظام، لم يغادر ألفونسو وفرسانه عشرة الآلاف مكانهم في القلب، ذلك لأنهم أقسموا جميعاً بأن يموتوا ولا يتقهقروا، فاستمرت المعركة على اضطرامها المروع، والفريقان يقتتلان تحت سحب كثيفة من الغبار، وأرجاء المكان تدوى بوقع حوافر الخيل، وقرع الطبول، وأصوات الأبواق، وصلصلة السلاح، وصياح الجند، وأنين الجرحى.
وأيقن الموحدون بالنصر حينما انحصرت المقاومة في فلولا من النصارى التفت حول ملك قشتالة. وهجم أمير الموحدين في مقدمة جيشه لكي يجهز على هذه البقية، أو يلجئها إلى الفرار، فنفذ الى قلب الفرسان النصارى، والعلم الأبيض يخفق أمامه منقوشاً عليه: "لا إله إلا الله محمد رسول الله، لاغالب إلا الله". ولم يشأ الفونسو بالرغم من اشتداد ضغط المسلمين عليه من كل صوب، ومواجهته لخطر الهلاك والسحق المحقق، أن ينقذ نفسه بالفرار، وأن يتحمل عار الهزيمة، وتساقط معظم الفرسان النصارى حول ملكهم مخلصين لعهدهم، ولكن بقية قليلة منهم استطاعت أن تنجو وأن تقتاد الملك بعيداً عن الميدان، وأن تنقذ بذلك حياته
يتبــــع
لقد انتهى يوم الأرك بهزيمة النصارى على نحو مروع، وسقط منهم في القتال ثلاثون ألف قتيل، بينهم زهرة الفروسية الأسبانية، وغنم المسلمون معسكر الأسبان بجميع مافيه من المتاع والمال، واقتحموا عقب الموقعة حصن الأرك، وقلعة رباح المنيعتين.
وسرعان ما ارتفع نجم الموحدين الحربي في كل مكان بعد انتصارهم في موقعة الأرك، وأمر يوسف المنصور باذاعة النبأ من منابر المساجد في جميع مملكته الشاسعة، وخصص خمس الغنائم بعد أن وزع باقيها على الجند لبناء مسجد ضخم في اشبيلية، اشتهرت منارته بارتفاعها البالغ مائتي متر، كما بنى حصنا كبيراً في مراكش لتخليد ذكرى الموقعة.
وعامل أبو يوسف يعقوب المنصور الأسرى بالإحسان ومنحهم الحرية دون افتداء وكان عددهم عشرين ألفا وقد ساء وقع هذا الجود لدى الموحدين واعتبروه خطأً لكون ذلك العدد الهائل سيكون قوة عسكرية كبيرة ستشد أزر مملكة قشتالة فيما بعد وستسعى للانتقام من المسلمين.
لقد رأى أبو يوسف المنصور أن ينتهز فرصة انهزام ملك قشتالة وتفرق النصارى، فقام في أوائل سنة 592هـ/ 1196 بغزوة جديدة في قلب الأراضي النصرانية واخترق ولاية "استراما دورة" وعبر النهر الكبير "الوادي الكبير" في اتجاه نهر التاجة، وبعد أن فتح عدة حصون وقلاع، ظهر أمام أبواب طليطلة عاصمة قشتالة، فامتنع الفونسو مع جيشه الصغير بعاصمته ولم يجرؤ أن يحارب المسلمين في ميدان مكشوف نظرا لهبوط معنويات جنده بعد الأرك، ولقلة عددهم، وحاصر أبو يوسف المنصور طليطلة عشرة أيام محاولا اقتحام أسوارها المنيعة، لكنه لم ينجح، فعاد منسحباً جنوباً بسبب نقص التموين، بعد أن انتسفت الزروع بيد القشتاليين قبيل الأرك، فدب المرض في صفوف الموحدين، وكثر الموت بينهم، فاضطر أبو يوسف المنصور الى الانسحاب بعد أن وصل إلى مقربة من ضفاف دويرة، الذي لم يقترب من ضفافه منذ مدة طويلة أي جيش اسلامي، وكانت حملتهم هذه آخر حملة اسلامية تهيأ لاحتلال طليطلة.
واستطاع أبو يوسف يعقوب المنصور أن يفرق بين ممالك النصارى بعقد أحلاف معها وساعده على ذلك موقعه القوي ولذلك استجاب لطلب ملك ناقار وليون وعقد معهم حلفاً واضطر ملك قشتالة الى مقاومة هذه الأحلاف، فعقد في سنة 592هـ/1196م الهدنة مع الموحدين لكي يستطيع التغلب على أعدائه ورحب أبو يوسف المنصور بعقد هذه الهدنة لأن ثورات جديدة قامت في افريقية كانت تستدعي عودته إلى مراكش.
ولما جاءت رسل الفونسو المهزوم لمصالحة الموحدين قال الشاعر في مدح المنصور:
أهل بأن يُسعى إليه ويُرتجى
ويُزار من اقصى البلاد على الرجا
مَنْ قد غدا بالمكُرمات مُقلداً
وموشحاً ومختماً ومتَّوجا
عمرت مقامات الملوك بذكره
وتعطرت منه الرياح تأرُّجا
رابعاً: نتائج معركة الأرك :
1- ارتفعت الروح المعنوية لمسلمي الأندلس بعد أن نزل بهم الويل والهلاك والدمار من قبل النصارى الإسبان.
2- سقوط هيبة ملوك النصارى أمام مسلمي الأندلس والمغرب والعالم الإسلامي كله.
3- حقق الموحدون نصراً عظيماً جعلهم يفكرون بجد في توحيد العالم الإسلامي كله تحت سلطانهم.
4- ارتفاع نجم السلطان أبي يوسف يعقوب المنصور والموحدين في العالم أجمع.
5- انصاعت بعض قبائل المغرب التي تفكر في الثورة على الموحدين وكانت تنتظر فرصة الوثوب على دولتهم.
6- عمت الأفراح أرجاء العالم الإسلامي في شرقه وغربه واعتقت الرقاب، وسر العلماء والفقهاء والأدباء وعامة المسلمين بهذا النبأ السعيد.
7- اصيب نصارى الأسبان بهزيمة نفسية أثرت في نفوسهم وتحطمت آمالهم في الإستيلاء على أراضي المسلمين في الأندلس وابعادهم.
8- جعلت ملوك النصارى يتسارعون في عقد المعاهدات مع دولة الموحدين
وإيقاف الحروب والإذعان للشروط التي يضعها الموحدون.
9- تفجرت أحقاد القساوسة والرهبان في نفوسهم، فعملوا على توحيد الممالك وترتيب الأمور ورصّ الصفوف والدعوة إلى التنازل عن صراعات النصارى الداخلية.
10- دخلت معركة الأرك سجل التاريخ الإسلامي المجيد وسجلت على صفحات الزمان بماء الذهب الصافي.
وغير ذلك من النتائج.
يتبـــع
خامساً: اسباب انتصار الموحدين في معركة الأرك :
لاشك أن النصر العظيم الذي حدث في معركة الأرك له أسباب عدة منها،
1- الاهتمام بتصحيح العقيدة ومحاولة الرجوع إلى الفهم الصحيح والتصور السليم وهذا ماقام به خليفة الموحدين أبو يوسف يعقوب بن يوسف حيث أعلن براءته من الاعتقاد بعصمة بن تومرت واستخف بمن بالغوا في تقديسه واهتم بالقرآن والسنة وشجع على الاهتمام بكتب الحديث المعتمدة وهذه محاولة جادة في إصلاح المنهج والاقتراب من منهج أهل السنة والجماعة.
2- اهتمام دولة الموحدين بالمرضى والضعفاء والأيتام والفقراء وكان السلطان أبو يوسف يعقوب المنصور يشرف بنفسه على هذه الأعمال لعلمه أن طريق النصر والتمكين من أسبابه الواضحة الاهتمام بالضعفاء.
3- محاربة المنكر والتضييق على الفساق وتغليظ العقوبة على أهل الكبائر باشراف السلطان بنفسه ونشر العدل بين الرعية والسعي لتنفيذ أحكام الشرع ولو على نفسه وأهله وأقاربه وحارب الظلم وعاقب العمال الذين تشكو الرعايا منهم وكان يشدد في إلزام الرعية باقامة الصلوات الخمس.
4- فتح باب الاجتهاد وحارب الجمود وألغى اهتمام الدولة بفروع الفقه والزم العلماء بأن لايفتون إلا بالكتاب العزيز والسنة النبوية، ولا يقلدون أحد من الأئمة المجتهدين المتقدمين، بل تكون أحكامهم بما يؤدي إليه اجتهادهم من استنباط القضايا من الكتاب والحديث والإجماع والقياس وبذلك فتح باب الاجتهاد لمن اجتمعت فيه شروطه. وابطل التقليد ومن هؤلاء العلماء الذين مشوا على هذه الطريقة: أبو الخطاب بن دحية وأخوه أبو عمر وغيرهم.
5- احترام العلماء والقضاة والفقهاء في زمن أبي يوسف يعقوب بن يوسف وهذه قصة رائعة تدل على احترام أبي يوسف يعقوب المنصور للقضاة ووقوفه عند الشرع روى ابن خلكان: أن الأمير الشيخ أبا محمد عبدالواحد بن الشيخ أبي حفص عمر والد الأمير أبي زكريا يحيى بن عبدالواحد صاحب افريقية، كان قد تزوج أخت الأمير أبي يوسف المنصور، وأقامت عنده، ثم جرت بينهما منافرة فجاءت إلى بيت أخيها، فسيَّر الأمير عبدالواحد لطلبها فامتنعت عليه، وشكا الامير عبدالواحد ذلك الى قاضي الجماعة بمراكش، وهو القاضي أبو عبدالله بن علي بن مروان، فاجتمع القاضي المذكور بأبي يوسف المنصور وقال له: إن الشيخ أبا محمد عبدالواحد يطلب أهله، فسكت الأمير أبو يوسف المنصور. ومضى ذلك أيام. ثم إن الشيخ عبدالواحد اجتمع بالقاضي المذكور في قصر الأمير بمراكش، وقال له: أنت قاضي المسلمين، وقد طلبت أهلي فما جاؤوني، فاجتمع القاضي بأبي يوسف المنصور وقال له: يا أمير المؤمنين، الشيخ عبدالواحد قد طلب أهله مرة وهذه الثانية، فسكت الأمير يعقوب. ثم بعد ذلك بمدة لقي الشيخ عبدالواحد القاضي بالقصر المذكور وقد جاء الى خدمة الأمير أبي يوسف المنصور فقال له: يا قاضي المسلمين، قد قلت لك مرتين وهذه الثالثة، أنا أطلب أهلي وقد منعوني عنهم. فاجتمع القاضي بالأمير، وقال له: يا مولانا إن الشيخ عبدالواحد قد تكرر طلبه لأهله، فإما أن تسيَّر إليه أهله وإلا فاعزلني عن القضاء. فسكت الأمير يعقوب أبو يوسف المنصور، ثم قال: يا أبا عبدالله ماهذا إلا جدّ كبير، ثم استدعى خادما وقال له في السر: تحمل أهل الشيخ عبدالواحد إليه فحملت إليه في ذلك النهار ولم يتغير على القاضي ولا قال له شيئاً يكرهه، لقد تبع في ذلك حكم الشرع المطهّر وانقاد لأوامراه، وهذه حسنة تعد له، وللقاضي أيضا، فإنه بالغ في إقامة منار العدل.
6- الحزم والقيادة الرشيدة التي تميز بها أبو يوسف المنصور في قيادته لدولة الموحدين حيث استطاع أن يوحد البيت المغربي الداخلي والقضاء على ثورات الأعراب وبني غانيه والمتمردين وقاد المعارك بنفسه واسند المهام الكبرى لأصحاب خبرة وحكمة ودراية وتجربة واسعة.
7- الإهتمام بمبدأ الشورى والابتعاد عن التسلط والإعجاب بالرأي وتهميش الآخرين ولذلك استمع أبي يوسف إلى الآراء في مجلس حربه واعطاء لأهل الاختصاص مكانة معنوية واستمع لزعيم الأندلسيين واستفاد من خبرته الطويلة في محاربة النصارى واعتمد خطة أبي عبدالله بن صناديد ذات الابعاد المتعددة.
8- الاهتمام بمعرفة نفسية الأقوام المشاركة في الجهاد فمثلاً، الأندلسيين يفضلون أن يكون زعيمهم منهم وترتفع معناويتهم وتنشط هممهم ويندفعون كالأسود عندما يكون قائدهم منهم ويحدث العكس عندما يكون قائدهم من غيرهم ولذلك جعل المنصور قيادة الأندلسيين لزعيمهم العظيم أبي عبدالله بن صناديد.
9- جودة التخطيط، وظهر ذلك في حشد الألوف من المجاهدين وتوفير العدة والعتاد وتقسيم المواقع واحكام الخطة في المعركة الفاصلة.
10- الاهتمام بتوحيد القيادة في المعارك الفاصلة ولذلك عين أبو يوسف المنصور أبا يحيى بن أبي حفص قائداً أعلى لجيوش الموحدين لما تميز به من حنكة وشجاعة ومهارة في القتال.
11- اذكاء روح الجهاد في الجنود وكان من عادة الموحدين من زمن أبي يعقوب يوسف بن عبدالمؤمن قبل الحرب أن يذكروا المجاهدين بأحاديث الجهاد ولقد أمر السلطان أبو يعقوب العلماء بأن يجمعوا أحاديث في الجهاد لتملى على الموحدين من أجل دراستها وحفظها وأصبح ذلك الفعل سنة في دولة الموحدين.
12- تواضع القيادة، ويظهر ذلك عندما طلب الأمير أبو يوسف المنصور من رعيته أن يغفروا له وأن يتغافروا فيما بينهم، فتأثر الناس وبكوا مما سمعوا من زعيمهم.
13- سريان روح الأمل والتفاؤل بالرؤى، ويظهر ذلك عندما أخبر أبو يوسف المنصور جيشه بما رأى من نزول فارس بهي الطلعة، على فرس أبيض من باب فتح من السماء وبيده راية خضراء وقد انتشرت في الآفاق يقول له: إنه من ملائكة السماء السابعة، وإنه جاء ليبشره بالنصر بحول الله وقوته.
وغير ذلك من الأسباب التي ظهرت من خلال دراسة عصر ابي يوسف يعقوب المنصور.
يتبــع
سادساً: السفارة بين السلطان صلاح الدين الأيوبي وأبي يوسف يعقوب المنصور :
توجت الأعمال العظيمة التي قام بها عماد الدين زنكي ومن بعده نور الدين محمود بن عماد زنكي بتوحيد الشام مع مصر وتولى القيادة بعد نور الدين صلاح الدين الأيوبي فاستمر صلاح الدين في دفع حركة الجهاد، وأخذ يستولي على مواقع الصليبيين حتى استولى على بيت المقدس سنة 583هـ، فتأهب الصليبيون لحرب صلاح الدين وتتابعت أساطيلهم على الإسكندرية. لذلك فكر صلاح الدين في طلب النجدة من يعقوب المنصور الموحدي وأرسل إليه هدية تشتمل على مصحفين ومائة درهم من دهن البلسان، وعشرين رطلاً من العود، وستمائة مثقال من المسك والعنبر، وخمسين قوساً عربية بأوتارها، وعشرين من النصول الهندية وعدة سروج موشاة.
وقد بعث صلاح الدين مع هذه الهدية كتاباً رقيقاً جاء فيه:
"الحمد لله الذي استعمل على الملة الحنفية من استعمر الأرض، وأغنى من أهلها من سأله الفرض، وأجرى على يده النافلة والفرض وزين سماء الذراري التي بعضها من بعض" وكان عنوان الكتاب: من صلاح الدين إلى أمير المسلمين، وفي أوله: الفقير إلى الله تعالى يوسف بن أيوب. ويذكر السلاوي أن يعقوب المنصور لم يعجبه أن يخاطبه صلاح الدين بلقب أمير المسلمين لا أمير المؤمنين، وأن يعقوب أسرها في نفسه، ولكنه أكرم وفادة رسول صلاح الدين دون أن يحقق له غرضاً. وقد قيل إن يعقوب المنصور جهز مع ذلك مائة وثمانين سفينة، وحال دون استيلاء الصليبيين على سواحل الشام، وقد دلل ابن خلدون بذلك على تفوق ملوك المغرب على ملوك المشرق في إنشاء الأساطيل الجهادية.
ولايبعد أن يكون استنجاد صلاح الدين بيعقوب المنصور الموحدي راجعاً إلى حاجة الأسطول المصري إلى بعض قطع من الأسطول الموحدي لدفع خطر الصليبيين الذين كانوا يغيرون على بلاد الشام بحراً، إذ عني المغاربة في عهد الموحدين خاصة ببناء الأساطيل البحرية لاجتياز البحر إلى عدوة الأندلس وليكونوا دائماً على أهبة الاستعداد لحرب نصارى الأندلس الذين كانوا يتطلعون إلى استرداد أملاكهم من أيدي المسلمين بسبب الحروب المتصلة التي كانت تدور بين المغاربة ونصارى الأندلس. على أن ماذكره بعض المؤرخين من أن يعقوب المنصور الموحدي لم يقابل كتاب صلاح الدين بالارتياح لأنه لم يلقبه بلقب أمير المؤمنين لاينهض دليلاً على عدم استجابة يعقوب المنصور لنداء صلاح الدين، وإنما كان ذلك راجعاً إلى أن يعقوب المنصور كان دائماً على أهبة الاستعداد لحرب النصارى في الأندلس وذكر بعض المؤرخين سبباً آخر منع أبو يوسف المنصور من دعم صلاح الدين وذلك لأن توسع صلاح الدين في غرب مصر، بحروب قام بها بعض اتباعه وخصوصاً قراقوش التقوي الذي حالف بعض أعداء الموحدين كعرب بني هلال، وابن غانيه الذي كان يدعوا إلى المرابطين، وهذا سبب وجيه.
ويبدو أن ظهور دولة صلاح الدين الايوبي على انقاض الدولة العبيدية الرافضية في مصر ساءهم، لأن ذلك ترتب عليه ظهور شعار العباسيين من جديد في تلك الديار ولأن الموحدين لم يعترفوا بخلافة العباسيين، وكانوا يرون أن دار الخلافة الشرعية هي مدينة مراكش لا بغداد وكانت طموحات خلفاء الموحدين ظاهرة من أجل توحيد العالم الإسلامي تحت لوائهم ولاسيما في عهد الخليفة يعقوب المنصور الذي ينسب إليه صاحب المعجب تصريحات تدل على رغبته في الرحلة إلى المشرق وتطهيره من عيوبه
وقد أثار الذهبي إلى تصريح السلطان أبي يوسف المنصور برغبته من قصد مصر.
وقد عبر عن هذه الرغبة بوضوح شاعر الموحدين أبو العباس ابن عبدالسلام الجراوي في بعض أشعاره كقوله في مدح الخليفة الموحدي يعقوب المنصور:
إن الخلافة نالت من محاسنكم
أوفى الحظوظ فأبدت منظراً عجباً
أعلى المراتب من بعد النبوة قد
حبا بها الله أعلى الخلق وانتخبا
سينظم السعد مصراً في ممالكه
حتى يدوخ منها خيله حلبا
إلى العراق إلى أقصى الحجاز الى
اقصى خراسان يتلو جيشه الرعبا
هو الذي كانت الدنيا تؤمله
وكل عصر له مازال مرتقبا.
لاشك أن الموحدين كانوا يخططون لغزو بلاد المشرق الإسلامي، وأن أولى الخطوات المستهدفة هي البلاد المصرية لقد صرح سلطان الموحدي المنصور برغبته في غزو البلاد المصرية وذكر مافيها من المناكر والبدع، وقال نحن ان شاء الله مطهروها. ولم يزل هذا عزمه إلى أن مات رحمه الله.
إذن فقد كان الموحدون يخططون لغزو المشرق كله. ولاشك أن أمراء الدولة النورية والأيوبية يعلمون بهذا. ولذلك أرادوا أن يأخذوا زمام المبادرة في أيديهم. فقام الأيوبيون بتكليف بعض كبار شخصياتهم بالتوجه إلى بلاد المغرب وإيجاد مراكز نفوذ لهم بها. وذلك حتى تكون هذه المراكز خط دفاع الأول وامارات المشرق في وجه الاطماع الموحدية. وكانت غزوة قراقوش على المغرب هي احدى هذه الخطوات التي بادر الأيوبيون باتخاذها.لقد تحركت الحملات الأيوبية نحو المغرب واتخذت الطريق الصحراوي، لقصره أولا ثم لقلة الأخطار التي يمكن أن يتعرضوا لها ولذلك تركوا الطريق الساحلي الذي كان مليئاً بقبائل بني سليم وبني هلال الذين استطاعوا أن يخضعوا شرق ليبيا لسيادتهم ونعموا فيها برغد العيش ورفاهته، ولذلك عملوا على التمسك بهذه البلاد ومقاتلة كل من يحاول النزول فيها أو الاستيلاء عليها منهم.
وقد رفض المنصور ارسال النجدة لدوافع نفسية، وحزازات سياسية، وموقف داخلي متوتر، وخارجي متربص ولقد أكرم سلطان الموحدين سفير صلاح الدين وبالغ في اكرامه ولما مدحه سفير صلاح الدين ابن منقذ في قصيدة عدتها أربعون بيتا اعطاه بكل بيت ألفاً.
ومن القصيدة:
سأشكر بحراً ذا عباب قطعته
إلى بحر جود ما لأخراه ساحلُ
إلى معدن التقوى الى كعبة الندى
الى سمت بالذكر منه الأوائل
إليك أمير المؤمنين ولم تزل
إلى بابك المأمول ترجي الرواحل
قطعت إليك البر والبحر موقناً
بأن نداك الغمر بالنجح كافل
وحزت بقصيدك العلا فبلغتها
وأدنى عطياك العدد والفواضل
فلا زلت للعلياء والجود بانياً
تبلغك الآمال ما أنت آمل
إن صلاح الدين الأيوبي لم يعترف بخلافة السلطان الموحدي ولم يخاطبه بلقب أمير المؤمنين في الخطاب الذي أرسله إليه مع رسوله ابن منقذ وهذه مسألة لها أهمية خاصة على أساس أن الاعتراف بالخلافة الموحدية وبشرعية الدولة الموحدية القائمة في العلن على تعاليم ابن تومرت المنحرفة وهذا ما بينه القاضي الفاضل مستشار صلاح الدين الأكبر عندما قال: (… بأن الخطاب يكفي، وطريق جحدنا له ممكن، والكتابة حجة تقيد اللسان عن الإنكار، ومتى قرئت على منبر من منابر المغرب جعلنا خالعين في مكان الإجماع، مبايعين من لاينصره الله ولا شوكة فيه، ولا يحل اتباعه، مرخصين الغالي، منحطين عن العالي شاقين عصا المسلمين، مغرقين كلمة المؤمنين مطيعين لمن لاتحلّ طاعته، متقلدين لمن لاتصح ولايته".
لو التقى صلاح الدين مع السلطان يعقوب المنصور في غرفة مباحثات مغلقة لوصلوا إلى أمور تنفع الأمة كلها نظراً لما تميز به صلاح الدين من مرونة سياسية منقطعة النظير ولما وصل إليه السلطان المنصور من حرصه على اصلاح عقائد الموحدين والاقتراب من منهج أهل السنة والجماعة ولكن الله غالب على أمره.
ومهما يكن من شيء فان هذا الخلاف السياسي والعقدي الذي وقع بين عاهل
المشرق والمغرب، لم يحل دون تعاون شعوبهما في السراء والضراء كما هو الحال في كل زمان ومكان فمن المعروف من كتب التراجم المختلفة أن عدداً كبيراً من المغاربة، قد ساهموا في الحروب الصليبية إلى جانب إخوانهم المشارقة، واستشهد منهم عدد كبير دفن في فلسطين.
ويشير الرحالة ابن جبير وكان معاصراً لزمن صلاح الدين إلى الضريبة الإضافية التي فرضها الإفرنج في الشام على تجار المغاربة دونا عن سائر تجار المسلمين "لأن طائفة من أنجاد المغاربة غزت مع السلطان نور الدين محمود زنكي أحد الحصون فكان لهم في أخذه غنى ظهر واشتهر، فجازاهم الإفرنج بهذه الضريبة المكسية ألزموها رؤوسهم، فكل مغربي يزن على رأسه الدينار المذكور في اختلافهم على بلادهم…" ثم يشير ابن جبير في مكان آخر من كتابه إلى اهتمام الملوك وأهل اليسار والخواتين من النساء في الشرق العربي بفداء الأسرى من المغاربة: فكل من يخرج من ماله وصية من المسلمين بهذه الجهات الشامية وسواها إنما يعينها في افتكاك المغاربة خاصة لبعدهم عن بلادهم".
سابعاً: وفاة السلطان وبعض اعماله واخلاقه:قد كان عصر أبي يوسف يعقوب المنصور من افضل عصور دولة الموحدين ولقد اهتم بالبناء والعمارة، فسعى لأكمال مدينة الرباط التي رسم حدودها وبدأ بناءها والده، وبنى بها مسجداً عظيماً متسع الفناء له مئذنة شامخة على هيئة منارة الاسكندرية، يصعد إليها بغير درج، وتسمى الآن منارة حسان.
كان عبدالمؤمن بن علي قد هدم مدينة فاس في أثناء حروبه مع المرابطين، فأقام حفيده يعقوب المنصور هذا السور. ومما ساعد على إقامة هذه المنشئات هذه الاموال الضخمة التي تدفقت على دولته .
وقد أحاط المؤرخون موت يعقوب المنصور ببعض القصص التي هي أقرب الى الخيال. فقال بعض إنه بايع ابنه الناصر بعد عودته من وقعة الأرك، ثم زهد في الدنيا وساح في الأرض حتى وافته منيته. وقال بعض آخر انه ذهب للحج وعاد منه زاهداً فمات في الطريق ودفن في الشام.
ولم يذكر أحد من المؤرخين أنه مات بالمغرب سوى عبدالواحد المراكشي، فقد ذكر ان يعقوب المنصور كان يتوق الى فتح مصر وأن ذلك لم يزل عزمه حتى مات في مستهل سنة 595هـ ودفن بتينملل مع آبائه ويبدو ماذكره المراكشي أقرب هذه الروايات الى الصواب.
يروى ابن أبي زرع ان المنصور لما أشرف على الموت قال: ما ندمت على شيء فعلته في خلافتي إلا على ثلاث وددت أني لم أفعلها :الاولى : إدخال البدو - العربان- من افريقية الى المغرب، مع أني أعلم أنهم أهل فساد، والثانية: بناء (رباط الفتح) ، انفقت فيه بيت المال وهو بعد لا يعمّر، والثالثة: إطلاق أسارى الأرك، ولابد لهم أن يطلبوا بثأرهم .
وصدقت فراسة يوسف المنصور في الاولى والثانية، وكتب لرباط الفتح ان يعمّر ، ولكن بعد قرون من وفاته، حيث غصّت هذه المدينة بالأسر المهاجرة من الأندلس.
لقد توفى هذا السلطان المجاهد الذي أصلح ما استطاع من عقائد الموحدين عام 595هـ فرحمة الله عليه ومغفرته ورضوانه.
يتبـــــــع
الهزبر
2008-07-08, 05:33 PM
السلام عليكم.
لقد ابلت الاخت صفاء حسنا واجتهدت في الموضوع ولكنها غابت وادعو الله ان يكون سبب غيابها خيرا. وادعو الله بان تعود الينا سالمة غانمة. والى حين عودتها ساحاول مواصلة الموضوع.
الخليفة الموحدي
ابو محمد عبدالله الناصر
توفى الخليفة الموحدي يعقوب المنصور عام 595هـ/1199م وقد أثارت وفاته حزناً عميقاً في الاوساط الاسلامية المغربية ذلك لأن كثير من الناس كذبوا وفاته وقال البعض أنه قد تخلى عن الملك وذهب خفية الى الاندلس حيث يرابط في ثغورنا لجهاد الكفار وقال البعض الآخر بل إنه توجه الى البيت الحرام وجاور في المدينة عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يخفى أمره وقال فريق ثالث بل إنه رحل الى الآراضي المقدسة بفلسطين لجهاد الصليبين هناك. وقد كذب المؤرخون هذه الروايات وكما علمنا فإنه قد مات في المغرب ودفن بجوار آبائه في تينملل إلا أنه في الوقت نفسه حركت وفاته أطماع الطامعين من خصوم دولة الموحدين من جديد ، وخلفه ابو محمد عبدالله الملقب بالناصر وكان عمره يوم ارتقاء عرش سلطنة المغرب والاندلس ثمانية عشرة عاماً حيث إنه ولد في عام 576هـ/1180م.
وتولى الحكم عام 595هـ/1199م وقد كان شاباً طموحاً معتزاً بنفسه وبرأيه قليل الذكاء ولا يحترم أصحاب الخبرات الواسعة من رجالات دولة الموحدين، وأستبد بالأمور ورفض النصائح من أقرب المقربين من رجاله وكان والده قد أطلعه على سير الامور في البلاد وأمره بأن لا يقطع برأي حاسم يهم البلاد دون مشاورة أبي حفص محمد أبي حفص إلا ان ابا محمد عبدالله الناصر.
يتبع باذن الله.
الهزبر
2008-07-09, 03:10 PM
السلام عليكم.
ثورة بني غانية:
شغل محمد الناصر عند استلامه حكم الموحدين بثورة آل غانية التي نشطت من جديد والتي تمكنت من الاستيلاء على تونس والمهدية وبلاد الجريد والدعاء فيها للخليفة العباسي جرياً على عادة أسلافهم المرابطين واستطاع عبدالله بن غانية أن ينظم فلول المرابطين ويجعلهم شوكة في حلق الموحدين، لقد كانت أسرة بني غانية لها نفوذ من زمن المرابطين واستعمل السلطان المرابطي علي بن يوسف رجلين منهما في الاندلس وهما محمد ويحيى، وكان يحيى وهو الأكبر من أخيه محمد، حسنة من حسنات الدهر، اجتمع له من المناقب ما افترق في كثير من الناس ، منها أنه كان رجلاً صالحاً شديد الخوف من الله عز وجل ، والتعظيم له والاحترام للصالحين، هذا مع علو قدم في الفقه، واتساع في رواية الحديث وكان مع هذا شجاعاً فارساً إذا ركب عُدّ وحده بخمسائة فارس. وكان علي بن يوسف بن تاشفين الملثمي يعده للعظائم ويستدفع به المهمات، وأصلح الله على يديه كثيراً من جزيرة الاندلس، ودفع به عن المسلمين غير مرة مكاره كانت قد نزلت بهم، منها انقاذ جزيرة فراغة في شمال شرق الاندلس عام 529هـ من ألفونسو ملك أراغون، بعد ما أحتل هذا سرقسطة وتطليه وقلعة أيوب.
وليّ علي بن يوسف بن تاشفين يحيى بن غانية مدينة بلنسية، ثم عزله عنها ليوليه قرطبة، فلم يزل بها والياً الى أن مات، وبموته كانت أولى الفتنة على المرابطين ، فبدأ أخوه محمد بن غانية يجول الاندلس الفتنة تتزايد، ودعوة الموحدين تنتشر، ولما أشتد خوف محمد بن غانية ، وصل دانية وعبر عنها الى جزيرة البليار (منورقة ويابسة مع ميورقة).
ضبط محمد إمارة جزيرة البليار تحت سلطة المرابطين ، داعياً للخلافة العباسية. وبعد محمد ملك ابنه اسحاق، فأمّه بقايا المرابطين ، فأحسن إليهم وأكرمهم حسب طاقته.
واقبل اسحاق بن محمد على الجهاد في سبيل الله وسجل صفحات عطرة خالده في جهاده الميمون، وكان في كل عام يغزو مرتين بلاد الروم - غرب ايطاليا جنوب فرنسا- فيغنم وينكى في الأعداء أشد نكاية ، وأشتد بذلك عوده وقوى أمره، وتشبّه بالسلاطين العظام ولم تزل هذه سيرته الى ان توفى عام 579هـ.
وكان اسحاق هذا له سياسه مرنة مع الموحدين ، فلاطفهم وارسل لهم الهدايا الثمينة وهادنهم واشغلهم عنه، ولم يلتفت الموحدون الى جزر البليار باهتمام يذكر، فلما كان سنة 578هـ كتبوا إليه الى الدخول في طاعتهم والدعاء لهم على المنابر ويتوعدونه ان لم يلبى مرادهم، فأعطاهم العهود المؤجلة، واستشار وجوه أصحابه، فاختلفوا عليه، فمنهم من أشار بعدم طاعة الموحدين والامتناع عنهم بجزر البليار ، ومنهم من رأى الدخول أسلم لحماية الانفس والاغراض وخرج ذلك المجاهد الكبير في غزوة من غزواته ، فأكرمه الله بالشهادة ، فتولى الامر من بعده ولده الاكبر علي بعهد من والده، والذي دخل في حرب مع الموحدين طويلة المدى واستطاع الخليفة الموحدي المنصور ان يكسر شوكته وجرد الجيوش لحربه وقادها بنفسه واستطاع أن يخمد ثورة بني غانية في المغرب الأوسط وأفريقية وطرابلس بحد السنان ومزق تحالف بني غانية مع قبائل بني سليم وبني هلال وامراء الايوبين.
ومع وفاة الخليفة الموحدي المنصور عاد بنو غانية الميورقيون الى شن غاراتهم على افريقية وتمكنوا من الاستيلاء على تونس والمهدية وبلاد الجريد والدعاء فيها للخليفة العباسي جرياً على عادة أسلافهم المرابطين وكان عبدالله بن غانية قد حاول في عام 596هـ/1200م أن يسترد جزيرة يابسة من الموحدين إلا أنه فشل في تحقيق ذلك الهدف.
ورأى الخليفة الموحدي الجديد أبو عبدالله محمد الناصر لدين الله ابن المنصور أن استقرار نفوذ الموحدين في افريقية لن يستتب إلا إذا استولى على جزر البليار قاعدة بني غانية ومصدر المتاعب التي يواجهها الموحدون في افريقية لهذا صمم الناصر على بسط نفوذه في تلك الجزر مصدر القلق المستمر للموحدين وشرع أبو محمد الناصر بتوجيه حملة بحرية كبرى الى الجزائر الشرقية كان قد أعدها لهذا الغرض في ثغر دانية وأسند قيادة الاسطول الى عمه أبي العلاء إدريس بن يوسف ابن عبدالمؤمن كما أسند قيادة الجيش الى شيخ الموحدين أبي سعيد عثمان بن حفص.
كانت الحملة تتكون من ألفين ومائتي فارس وسبعمائة من الرماة وخمسة عشر الف من الرجال وغير رجال الأسطول وكان الأسطول في ثلاثمائة جفن (سفنينة) ( أو أنواع السفن) وأقلعوا يوم السبت 24 ذي حجة 599هـ/ 1203م من جزيرة يابسة قاصدين ميورقة ونزلوا فيها وأحاطوا بها وخرج اليهم عبدالله بن غانية لكنه هزم وقتل وتغلب رجال الاسطول والجيش على المدينة ودخل أبو العلاء ادريس قائد الاسطول والشيخ أبي سعيد عثمان قائد الجيش ثم تحرك
الأسطول الى جزيرة منورقة فدخل البلد عنوة وأرسل حاكمها الى العاصمة مراكش وبذلك تم للموحدين احتلال الجزر الشرقية أو جزر البليار وتم لهم ذلك 600هـ/1203م وأقيم عليها عبدالله بن طاع الله الكومي والياً عليها وبذلك يكون الموحدين قد قطعوا جذور بني غانية في الجزر الشرقية (جزر البليار وهي ميورقة ومنورقة ويابسة).
يتبع باذن الله
الهزبر
2008-07-11, 07:24 PM
السلام عليكم
وبقي عليهم أن يقطعوا فروعهم في إفريقية والمغرب الأوسط، فتحرك إليهم الناصر بجيشه وأسطوله عام 601هـ/1204م واستولى على تونس والمهدية وفر يحيى بن غانية بأهله وولده الى صحراء ليبيا وأقام الناصر الشيخ عبدالواحد بن أبي حفص الهنتاتي جد ملوك الحفصيين والياً على أفريقية واعطاه مطلق التصرف في إدارتها.
واستطاع الوالي الموحدي الجديد أن يقضي على مقاومة الأعراب وبني غانية واحلافهم في أفريقية ونستطيع أن نقول أن عام 604هـ الذي كانت فيه موقعة الزاب النهاية الحقيقية لنشاط بني غانية في افريقية، لقد تعقب أبو محمد الحفصي جيوش يحيى بن غانية حتى انهكها وشتت جموعها واحلافها وفي عام 631هـ/633هـ/1334م أو 1236م توفى يحيى بن اسحاق ابن غانية في مدينة مليانة على نهر شلف في الجزائر وكان هذه نهاية ثوار المرابطين الذين قضوا حياتهم في معارك طاحنة مع الموحدين. وقد أضعفت هذه الحركة قوات الموحدين نحو نصف قرن من الزمان.
لقد كان الدافع العقدي لثورة بني غانية واضح المعالم، لأنهم رأو في الموحدين دولة منحرفة عن أصول منهج أهل السنة والجماعة ولأنهم حرصوا على وحدة الأمة تحت لواء الدولة العباسية ولذلك سعى بنو غانية الى تأسيس دولة سنية على نهج دولة المرابطين التي كسبت سمعة طيبة عطرة بسبب اخلاصها وصادقها للاسلام الصحيح وهذا يفسر لنا وقوف أهالي المغرب الاوسط وأفريقية لمدة تزيد عن أربعة عقود مع ثورة بني غانية.
لقد كان فشل تلك المحاولة الجادة التي قام بها بنو غانية بسبب الضربات الموحِّدية القوية والمركزة وبسبب ضعف الخلافة العباسية التي لم تستطع أن تمد بني غانية بالعدة والسلاح والرجال في حربهم الطويلة مع دولة الموحدين وبسبب انشغال الأيوبيين بمشاكلهم الداخلية بعد وفاة صلاح الدين وبحروبهم مع والحملات الصليبية الحاقدة.
يتبع باذن الله
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir