مشاهدة النسخة كاملة : دولة الموحدين
الصفحات :
1
2
3
4
5
6
7
8
[
9]
10
الهزبر
2008-07-24, 12:15 AM
السلام عليكم
لا شك أن النزاع السياسي وضعف الهيكل الاداري للدولة تركا أثرا بالغا في التنظيم العسكري للدولة ولقد كانت قوات الموحدين العسكرية على مستوى رفيع من التعبئة المعنوية والاستعداد المادي ولذلك حققوا انتصارات هائلة على خصومهم وحفظوا دولتهم من الطامعين في اسقاطها إلا أن جيش الموحدين في زمن السلطان الناصر فقد قدرته على الضبط والربط وعلى وضع الخطط الحربية وضعا صحيحا وتنفيذا اكيدا.
وظهر ذلك العجز القيادي والقدرة القتالية في معركة العقاب التي انهزم فيها الموحدون وتأثرت معنوياتهم القتالية ولم يستطيعوا بعد تلك الكسرة العنيفة في موقعة العقاب ان يغدوا جيشا قادرا على تحقيق انتصارات بل تابع جيش الموحدين مسيرته الهابطة ، فتكرس انحلاله وتفككه في الهزائم المتكررة أمام النصارى في الأندلس وأمام بني مرين في المغرب الأقصى .
لقد ساهم في ضعف وانحلال الجيش ، ضعف مبادئ الموحدين في نفوس الجند الذين أصبح همهم الأوحد الغنائم وجمعها لا القتال في سبيل المعتقد والمبدأ والفكرة .
ولقد تبدل هدف القادة في استعمال الجيش ، فبدلا من ردع الثوار المحاربين وجهاد الاعداء الكافرين الى اتخاذ الجيش أداة سياسية للإستعلاء وفرض النفوذ لحساب أشخاصهم أو لحساب غيرهم ولذلك فتحت أبواب الإنضمام للجيش من المرتزقة من عرب وعجم .
لقد كان ادخال العربان في الجيش الموحدي كافة على اهدافه ونظامه إذ لا هم لهم سوى السلب والنهب واكتساب المال ولا يعرفون نظاما ولا يتقيدون بأوامر وبعد النزاع بين السادة والتسلط من مراكز القوة وجد هؤلاء العربان سوقا رائجة وتجارة رابحة ، ففي كل فتنة تنشب وكل حرب تندلع كان لهم دور بارز يشايعون هذا أو ذاك متوخين مصلحتهم المادية ، ولا يتورعون عن بيع قائدهم مقابل جعل من المال فينهزمون ساعة الصدام الحاسمة.
7- الترف والانغماس في الشهوات الذي وقع فيه خلفاء الموحدين المتأخرون وانهماكهم في ملذاتهم غير مهتمين بشؤون الدولة والحكم ، فقد فقدت الدولة سهر الحكام الأول وتدقيقهم في أمور الحكم ، واشرافهم على كل امر جل أم صغر ، فالناصر منذ هزيمة العقاب احتجب وانهمك في الملذات حتى وافاه حينه ، ويوسف المستنصر لم يخرج من حضرته طوال أيام خلافته، وكان مولعا بانتجاع البقر والخيل في رياضة وتوفى من طعنة بقرة شرود، والمرتضى كان ميالا للدعة والمسالمة ، ومولعا بالسماع ليلا ونهارا وكذلك المقربون منهم .
وهكذا أصبح هؤلاء المترفون لا يهتمون إلا بملاذ الدنيا وشهواتها وجمع المال لذلك ، ولا يهمهم ما يكون في الناس من منكرات فهي لا تقلقهم ولا ينهون عنها لان انشغالهم واهتمامهم بما يجلب لهم الملذات فقط ولو كان ذلك على حساب الآخرة ونعيمها ، قال تعالى: فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن انجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين (سورة هود ، الآية: 116). وقوله تعالى: واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه أراد بالذين ظلموا: تاركي النهي عن المنكرات ، أي لم يهتموا بماهو ركن عظيم من أركان الدين وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنما اهتموا بالتنعم والترف والانغماس في الشهوات والتطلع إلى الزعامة والحفاظ عليها والعس لها وطلب أسباب العيش الهنيء.
وقد مضت سنة الله في المترفين الذين أبطرتهم النعمة وابتعدو عن شرع الله تعالى بالهلاك والعذاب.
قال تعالى: وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين. فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون. لا تركضوا وارجعوا الى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون.
ومن سنة الله تعالى جعل هلاك الأمة بفسق مترفيها، قال تعالى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا سورة الاسراء، الآية 16.
وجاء في تفسيرها : وإذا دنا وقت هلاكها أمرنا بالطاعة مترفيها أي متنعميها وجبَّاريها وملوكها ففسقوا فيها فحق عليها القول فأهلكناها. وإنما خص الله تعالى المترفين بالذكر مع توجه الأمر بالطاعة الى الجميع لأنهم أئمة الفسق ورؤساء الضلال، وما وقع من سواهم إنما وقع باتباعهم وإغوائهم، فكان توجه الأمر إليهم آكد.
الهزبر
2008-07-24, 12:17 AM
السلام عليكم
8- تقلص اراضي الدولة في افريقية والمغرب والأندلس:
فنتيجة لضعف السلطة المركزية، وتناحر عناصرها ، اغتنمت المراكز البعيدة الفرصة وانفصلت ، فخرجت الاندلس عن طاعة الموحدين وتبعتها افريقية، وتقلص نفوذ الموحدين بالمغرب الأقصى نفسه حتى سقطت عاصمتهم في يد المرينيين.
ففي فترة الانحلال ازداد ضغط الممالك المسيحية على الاراضي الاندلسية: أرغون من الشرق وقشتالة من الشمال والبرتغال من الغرب ، وظهر في شرق الاندلس ابوعبدالله محمد بن هود في رجب 625هـ/1228م في مرسيه وحكم تحت شعار العباسيين وسيطر بن هود على معظم الاندلس وخلع أهل الاندلس طاعة الموحدين (وقتلوهم في كل بلد منها وأجلوهم وأستأصلوهم إلا من ستره الله منهم واخفاه في ذلك الوقت عنهم).
ودخلت الاندلس في دور طوائف ثالث فقام 626هـ/1229م زيان بن مردنيش وفي سنة 630هـ/1233م ثار محمد بن يوسف بن الأحمر بأرجونة ونازع ابن هود على زعامة الاندلس فما جاء عام 636هـ/1239م إلا وقد سيطر على غرب الاندلس.
زالت هيبة الموحدين من نفوس الأندلسيين وتحولوا شطر تونس حيث القوة الموحدية الجديدة بقيادة الحفصيين واضطرت الأندلس لمجابهة النصارى منفردة، فابتلعوها ماعدا دولة بني نصر في غرناطة، وسقطت حواضر الاندلس واحدة تلو الاخرى، فسقطت قرطبة عام 633هـ/1236م وبلنسية في عام 636هـ/1239م، ومرسية 644هـ/1246م واشبيلية 646هـ/1248م وكان هذا السقوط المريع في مدة قصيرة جداً.
وانفصلت افريقية سنة 627هـ/1230م، وقد ساعد على قيام دولة الحفصيين بها بعدها عن العاصمة، ثم ان الصراع والثورات والفتن جعلت اهل المدن يتشوقون للاستقرار والامن فوجدوه مع الحفصيين، وبخاصة أن لهم سابقة وفضلاً في الدعوة وبناء الدولة الموحدية بالمغرب، وواتتهم الفرصة لما تنكر المأمون للدعوة المهدية وأزال رسومها، فجاء أبو زكريا بن أبي محمد عبدالواحد الحفصي الى تونس وسيطر عليها، واستقل بها ، واتبع نظم الموحدين وكتب للجهات بطلب البيعات وفي الوقت نفسه انفصلت فيه الأندلس ، وأفريقية بدأت أحوال الخلفاء في المغرب تضطرب والولايات تستقل، فسيطرت قبائل بني مرين على بوادي المغرب ، وانفصل بني عبدالواد في تلمسان، واستقل الحفصيون في تونس وطرابلس فهذه الانقسامات ساهمت في اضعاف الدولة الموحدية.
الهزبر
2008-07-24, 12:19 AM
السلام عليكم
9- فتور مبادىء ابن تومرت في نفوس الموحدين بل هناك من زعماء الموحدين من أعلن البراءة منها:
كانت فكرة الموحدين قائمة على العقائد ومرتكزة على المهدية الهادفة للتجديد وهي سر حيوية التنظيم الدقيق في اجهزة حزب الموحدين والذي توصلوا من خلاله الى الدولة، فأنتج هذا الايمان طاعة عمياء يسرت تنظيم الحزب فالجيش ثم الادارة ، يصف لنا المراكشي نوعية تلك الطاعة فيقول: "ولم تزل طاعة المصامدة لابن تومرت تكثر وفتنتهم به تشتد وتعظيمهم له يتأكد إلى أن بلغوا في ذلك لو أمر أحدهم بقتل أبيه أو أخيه لبادر إلى ذلك من غير إبطاء". ولم يكن لهم من هدف في بداية أمرهم سوى تحقيق فكرتهم في واقع الحياة ونشرها في العالمين .
ولما نجح عبدالمؤمن في الانتقال بالدعوة من الثورة إلى نظام الدولة رافق ذلك تبدل في مفهومه الاساسي، فنقل الدولة من دولة الفكرة إلى دولة الوراثة ، فكان انحراف في المبادئ التي قامت عليها فكرة الموحدين ، لأن دولة الفكرة والمبادئ تقدم على مؤسساتها من يؤمن بالفكرة والمنهج والمبادئ التي قامت عليها ويلتزمها وتبعد من يحيد عنها . ولكن دولة الوراثة لا تنظر إلا في تقديم من يثبت اقدامها ، ولهذا استقدم عبدالمؤمن قبيلة كومية متقويا بهم وولاهم المناصب في الدولة ، واصبحوا متقدمين على كثير من الموحدين ، ولم تكن كومية مؤمنة بأفكار الدولة الاساسية بل خاضعة لسيادة الدولة ، ولهذا فإن كثيرا ممن قدم منهم كان يسعى لمصلحة نفسه غير مهتم بافكار لم يؤمن بها ومع تقادم الزمن ضعفت الفكرة في النفوس وذبل الايمان في القلوب فدب النزاع على المصالح الخاصة كما يصور ذلك خير تصوير النزاع على العرش واستبداد مراكز القوة المختلفة في الدولة .
ويبدو أن الخلفاء أنفسهم فقدوا الايمان بالفكرة فالمنصور يصرح بذلك لخاصته والمأمون يمحوا آثارها ويزيل رسومها ويبدو أن هذا التحول قد بدأ في أيام عبدالمؤمن ، ومع مرور الأيام حدث انفصام بين الفكرة والدولة ، فتجسد ذلك عمليا في خلافة المستنصر ، وقام على مرتكز نظري في عهد المأمون ولاريب أن الفكر ان لم يداوم اصحابه عليه يتحجر ويغدو آفة عليهم.
كما لا يخفى انحراف الفكر التومرتي الذي فرض على الناس بالسيف والقوة مع كونه يتنافى مع الإسلام الصافي والعقيدة الصحيحة والتصور السليم ، فجعلت الناس تنسل من المنظومة الموحدية والعقدية وتحاول أن تبحث لها عن المنهج الصحيح الذي ينسجم مع الفطرة والفهم السليم للإسلام ، هذه بعض الاسباب التي ساهمت في إسقاط دولة الموحدين .
الهزبر
2008-07-24, 11:11 PM
السلام عليكم
خامساً: خلفاء الموحدين :
عبدالمؤمن بن علي.......................524-558هـ / 1120-1163م
أبو يعقوب يوسف.........................558-580هـ / 1136-1184م
أبو يوسف يعقوب المنصور .............580-595هـ / 1184-1199م
أبو محمد عبدالله الناصر..................595-610هـ /1199- 1213م
أبو يعقوب يوسف المستنصر ............611-620هـ / 1313-1224م
عبدالواحد بن يوسف بن عبدالمؤمن .....620-621هـ / - 1224م
أبوعبدالله بن يعقوب المنصور(العادل)...621-624هـ /1224-1227م
يحي بن الناصر .............................624-627هـ /1227-1230م
المأمون بن المنصور بن المنصور .......630-640هـ / 1232-1242م
السعيد علي أبو الحسن ....................640-646هـ / 1242-1248م
أبو حفص عمر المرتضى .................646-665هـ / 1248-1266م
أبو دبوس الواثق بالله......................665-668هـ / 1266-1270م
الهزبر
2008-07-28, 01:55 AM
السلام عليكم
الفصل الثالث
الاندلس والشمال الافريقي
بعد سقوط دولة الموحدين
بعد سقوط دولة الموحدين في عام 668هـ/1269م مرت بلاد الاندلس بمرحلة طويلة امتدت قرنين ونصف ثم بعد ذلك سقط آخر معاقلها في يد النصارى الاسبان في عام 897هـ ويظهر جهاد بني الأحمر وزعامتهم القوية لغرناطة بعد سقوط الموحدين وهذه المرحلة من تاريخ الاندلس الاسلامي غنية بالعبر والعظات لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد، وتظهر سنن الله في سقوط الدول واضحة المعالم وكذلك الآثار المترتبة عن الابتعاد عن منهج الله تعالى.
أما الشمال الافريقي بعد سقوط الموحدين، فأنقسم الى دول، لاتجاوز الواحدة منها في أحيان إطار المدينة، ولاتجاوز في أحيان اخرى إطار القبيلة واتسمت تلك الفترة التاريخية بالتداخل والتعقيد والغموض، واشتدت النزعات الداخلية وتتابعت الهجمات الخارجية، وظهرت فتن تجعل الحليم حيران من كثرتها وتشابهها، ومرت المنطقة بعملية مخاض طويلة ، لأن دولة الموحدين نفسها مرت بمرحلة سقوط طويلة ، وخرج من ذلك المخاض الطويل ، دول من أهمها ؛ دولة بني حفص في افريقية ، دولة بني زيان في المغرب الاوسط، دولة بني مرين (ثم بني وطاس في المغرب الاقصى).
وسنحاول بإذن الله تعالى في الصفحات القادمة أن نتحدث عن تلك الدويلات التي قامت في الاندلس والشمال الافريقي مستخلصين العبر والعظات والدروس المستفادة من دراسات تلك الدويلات التي أصبحت كأن لم تغن بالأمس.
الهزبر
2008-07-29, 03:26 AM
السلام عليكم
المبحث الاول
مملكة غرناطة
سقطت دولة الموحدين على يد المرينيين في المغرب الاقصى، وملك محمد بن يوسف بن هود قواعد شرقي الاندلس ، وظهر محمد بن يوسف الانصاري في الجنوب ، وغلب بعض الأمراء على أشبيلية ، ونشب صراع على السلطة والملك بين أمراء الاندلس ودخلوا في قتال عنيف لنزع الحصون والقلاع من بعضهم البعض.
وكانت مملكة قشتالة النصرانية الاسبانية تتابع مما يدور في أراضي المسلمين بواسطة أجهزة استخباراتها التي استطاعت أن تجند رجالاً يعملون لحسابها، فرأت أن الفرصة حانت لتوجيه ضربة مميتة للمسلمين في الاندلس ، فبدأت هجومها بالفعل، وكان احتلال قرطبة في 23 شوال 633هـ/29 حزيران (يونية) 1236م، صيحة النذير المدوية ، لقد كان سبب سقوط قرطبة المعاصي والآثم والابتعاد عن منهج الله العظيم، وبالتالي اصابهم الضعف ودخلوا في الفوضى والنزاع والخلاف، فقادهم ذلك الى فقد الاوطان والأرض ومن ثم ضاعت الحضارة والتراث والاسلام وبدأت مدن الاسلام الكبرى تتساقط في يد النصارى، فسقطت بلنسية عام 636هـ/1238م ثم شاطبة ودانية وفي عام 646هـ سقطت اشبيلية بعد حصار شديد ودفاع من المسلمين مجيد ودام الحصار ثمانية عشر شهراً، أبدى فيها المسلمون آيات من البسالة والجلد والدفاع عن أشبيلية، وأخيراً جاء مصير أسود محتوم واستسلمت المدينة لفرديناند الثالث، على ان يُخير المسملون بين البقاء في أشبيلية ، أو يهاجروا وفي الحال حُول مسجدها الجامع الى كنيسة ، وأزيلت منها معالم الاسلام وتوزع أهلوها في الحواضر الاسلامية الباقية.
لقد كان سقوط أشبيلية ايذاناً بسقوط سائر المدن والحصون الاسلامية فيما بينها وبين مصب الوادي الكبير فاستولى النصارى تباعاً على : شريش ، شذونة، قادس، شلوقه، غليانة، روضة، ثغر شنتمرية، وغيرها…. وتحالف بن الأحمر مع النصارى وعاونهم في الاستيلاء على قادس وبهذا بسط القشتاليون سلطانهم على سائر الأراضي الاسلامية في غربي الاندلس، وانكمشت رقعة الدولة الاسلامية بسرعة مروعة.
ويصف الشاعر أبو البقاء صالح بن شريف الرُّنْدي تلك الاوضاع التي وصل إليها حال الاندلس ووضح في قصيدته اسباب تلك المأساة التي وقعت فيها شعوب الاندلس من تركهم لعوامل القوة والنصر، وحبهم للدعة والخنوع والترف، لقد عبرت تلك القصيدة عن مشاعر وأحاسيس الشاعر بوضوح وأعطت تلك الأحاسيس الصادقة والمشاعر المخلصة والحزن العميق على ما حل بالمسلمين روحاً لتلك القطعة الشعرية المعبرة عن تلك الأحداث الجسام ، عندما سقطت القواعد الاندلسية الكبرى، كقرطبة، وبلنسية وأشبيلية ومرسيه بيد النصارى. لقد صور الشاعر المسلم ابو البقاء الرندي مأساة الاندلس في قصيدة تقطر ألماً وحزناً، فلله دره فلكم اغنت عن عشرات الكتب والمجلدات.
قال الشاعر:
الهزبر
2008-07-29, 03:30 AM
السلام عليكم
لكل شيء إذا ما تم نقصان=فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دولُ=من سرّه زمن ساءته ازمان
وهذه الدار لا تبقي على أحدٍ=ولا يدوم على حال لها شَان
أين الملوك ذوو التيجان من يمن=وأين منهم أكليل وتيجان
أتى على الكل أمرُ لا مرّد له=حتى قضوا فكأن القوم ماكانوا
فجائع الدهر أنواع منوعة=وللزمان مسرات وأحزان
وللحوادث سلوانٌ يسهلها=ومالما حل بالاسلام سلوان
وهي الجزيرة أمرٌ لا عزاء له=هوى له أحُدُ وانهد ثهلان
أصابها العين في الاسلام فامتعنت =حتى خلت منه أقطار وبلدانُ
فاسأل بَلنسية ما شأن مُرسية=وأين شاطبة أم أين جَيانُ
وأين قرطبة دار العلوم فكم=من عالم قد سما فيها له شأنُ
واين حِمصٌ وما تَحويه من نُزَهٍ=ونهرها العذبُ فياض وملآنُ
قواعدٌ كُنَّ اركان البلاد فما=عسى البقاء إذا لم تبق أركان
تبكي الحنفية البيضاء من أسف=كما بكى لفِراق الإلفِ هَيمانُ
على ديار من الاسلام خاليةٍ=قد أقفرت ولها بالكفر عُمرانُ
حيث المساجدُ قد صارت كنائس ما=فيهن إلا نواقيس وصُلبانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ=حتى المنابرُ ترْثي وهي عيدانُ
ياغفلاً وله في الدهر موعظة=إن كنت في سنة فالدهر يقظان
وماشياً مرحاً يُلهيه مَوْطِنه=أبعد حمص تفرُّ المرءَ أوطان
تلك المصيبة أنستْ ما تقدمها=ومالها مع طول الدهر نسيان
يا أيها البيضاء رايتُه=أدرك بسيفك أهل الكفر لا كانوا
ياراكبين عتاق الخيل ضامرةً=كأنها في مجالِ السّبق عُقبانُ
وحاملينَ سيوف النهدِ مرْهفةً=كأنها في ظلام النقع نيران
وراتعين وراء البحر في دَعةٍ=لهم بأوطانهم عز وسطان
أعندكم نبأُ من أهل أندلس=فقد سرى بحديث القوم رُكبانُ
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم=قتلى واسرى فما يهتزُّ إنسانُ
ماذا التقاطع في الاسلام بينكم=وأنتم ياعباد الله إخوان
ألا نفوس أبياتٌ لها هِمَمٌ=أما على الخير انصار وأعوان
يامن لِذَّلةِ قومٍ بعد عزهم=أحال حالهم كفر وطغيان
بالأمس كانوا ملوكاً في منازلهم=واليوم هم في بلاد الكفر عبدان
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم=عليهم من ثياب الذل ألوان
ولو رأيت بكاهم عند بيعهمُ=لهالك الأمر واستهوتك احزان
يارُبَّ أُم وطفل حيل بينهم=كما تفرقت ارواح وأبدان
وطفلة مثل حسن الشمس إذ طلعت=كأنما هي ياقوت ومرجان
يقوُدُها العِلْج للمكروه مُكرهة=والعين باكية والقلب حيران
لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ=إن كان في القلب إسلام وإيمان
الهزبر
2008-07-29, 03:36 AM
السلام عليكم
"وكان ابن الاحمر من هذه الحوادث موقفاً شاذاً مؤلماً، فقد كان يقف الى جانب أعداء وأمته ودينه ، وكان يبذل للنصارى ما استطاع من العون المادي والأدبي ، وكان معظم الزعماء المسلمين من حكام المدن والحصون الباقية -قد أيقنوا بانهيار سطان الاسلام في الاندلس- يهرعون الى احتذاء مثاله، والى الانضواء تحت لواء ملك قشتالة".
لقد غدر النصارى بحليفهم محمد بن يوسف الاحمر، فغزوا أراضيه وشنوا عليه الحرب، فتغيرت حساباته وطمع الى جمع كلمة الاندلس تحت لوائه ودمج ماتبقى من تراثها وأراضيها في مملكة موحدة تكون ملكاً له ولعقبه، فصانع النصارى، وتجنب الاشتباك معهم، فشهد التهامهم لاشلاء الوطن الممزق وقلبه يفطر حزناً وأسى.
واستطاع هذا الرجل العجيب أن يؤسس دولة في الاندلس في غرناطة في الجنوب الشرقي في الاندلس حاول ابن الاحمر أن يواجه النصارى وخرج عن طاعتهم وأعلن النصارى الحرب عليه في عام 660هـ/1261م، فردّهم بمعاونة المجاهدين الذين قدموا من العدوة المغربية، وهذا اول انتصار كبير منذ انهيار الموحدين. وفي عام 662هـ استطاع المرينيون بقيادة الفارس عامر بن ادريس فتح مدينة شريش وتخليصها من يد النصارى.
شددّ النصارى هجماتهم بدءاً من عام 663هـ وبدأت الهزائم تتلاحق على محمد بن يوسف ابن الاحمر على يد (دون نوينو دي لارا) صهر ملك قشتالة، فبايع ابن الاحمر المستنصر صاحب تونس فبعث المستنصر لابن الأحمر هدية وعوناً، ولكنها لم تجد نفعاً، فسوء المصير لاح في الأفق، فاضطر ابن الأحمر أن يهادن ملك قشتالة ثانية في أواخر سنة 665هـ/ 1267م متنازلاً له عن أكثر من مائة موضع معظمها غربي الأندلس، منها شريش والمدينة والقلعة.
ودخلت غرناطة في حرب داخلية بين ابن الأحمر وبعض أصهاره وهو أبو محمد بن أشقيلولة وكان في مالقة وتحالف ابن الأحمر مع الاسبان عام 665هـ/1267 وحاصروا أبا محمد بن أشقيلولة في مالقة ولكنهم لم ينالوا منه مأرب.
وفي عام 668هـ ساءت العلاقات بين ابن الأحمر وملك قشتالة الذي بدأ بالجزيرة الخضراء خرابا، فطلب ابن الأحمر العون من أمير المسلمين أبي يوسف المريني، ولكنه مات قبل أن يرى ماحدث، وذلك في 29 جمادي الثانية 671هـ (كانون الأول "ديسمبر" 1272م) وقد قارب الثمانين من عمره، بعد أن وطَّد الملك لبني نصر بقي زهاء مائتين وخمسين عاماً أخرى.
الهزبر
2008-07-30, 11:55 PM
السلام عليكم
أولاً: ترجمة ابن الأحمر :
هو أبو عبدالله الغالب بالله محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن خمسين بن نصر بن قيس الخزرجي. يرجع في نسبه إلى سعد بن عُبادة الأنصاري، أحد كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان نقيباً شهد العقبة وبدراً.
ولد محمد بن يوسف في مدينة أرْجُونة من حصون قرطبة في جهة الشرق سنة 591هـ، (1195م) وهو عام الأرك. كان جندياً وافر العزم والجرأة دعا للم الشمل، فاجتمع حوله الكثير، وكانت بيعته لمملكة غرناطة يوم الجمعة 26 رمضان سنة 635هـ.
أ- شيء من سيرته:
كان في أوقات السلم ينصرف إلى شؤون مملكته، فكانت له سلسلة من الأعمال المجيدة. نظم الشرطة والقضاء، وطبق القوانين العادلة التي وضعها الفقهاء، فشعر الضعيف بالحماية والطمأنينة بعدما فتح السلطان أبوابه لأصحاب المطالب لتلقي المظالم، فكان قريباً من شعبه. ويروي المؤرخون أنه كان يتوخى البساطة في المأكل و الملبس فيبدو في مظهره الخارجي كسائر الناس. يقول فيه لسان الدين بن الخطيب: "كان هذا السلطان آية في السذاجة والسلامة، عظيم التجلد رافضاً للدعة والراحة، مؤثراً التقشف بعيداً من التصنع، شديد الحزم، فظا في طلب حقه، مباشراً للحرب بنفسه يلبس الخشن ويؤثر التبدي".
وكانت له أوقات يختلي فيها بنفسه ويتمشى في حديقة القصر يتأمل ويفكر ويقرأ، وكانت تبدو عليه مسحة من الحزن والكآبة ربما لأنه اضطر الى محالفة اعداء المسلمين ومعاداة أبناء دينه من العرب والبربر.
من أعمال ابن الأحمر، إلى جانب بنائه القصر المشهور، أنه أنشأ مأوى للعميان ودار للعجزة، وبنى مستشفى كبيراً ونشر المدارس، وأعد المنازل للغرباء دون تمييز بين الأديان والقوميات، وكان يتفقد رعيته متستراً بعيداً عن مظاهر الابهة وعظمة الملك "وكان يعقد للناس مجلساً عاماً يومين في كل اسبوع ترتفع إليه الظلامات ويشافهه طلاب الحاجات وينشده الشعراء وتدخل إليه الوفود ويشاور أرباب النصائح في مجلس يحضر به أعيان الحضرة وقضاة الجماعة وأولوا الرتب النبيهة".
كما اهتم بالحياة الاقتصادية فأقام المخازن للحبوب وسائر المواد الغذائية، وكانت توزع بأسعار عادلة "فتوفر ماله، وغصت بالصامت خزائنه، فأفعم الاهراء، وملأ بطن الجبل المتصل بمعقله حبوباً مختلفة". ولما ابتنى قصر الحمراء جلب له المياه التي اوصلها كذلك الى المدينة، فكثرت البرك والنوافير وسبل المياه والحمامات العامة، ومدّ الى سهول غرناطة قنوات الري التي مايزال بعضها قائماً حتى اليوم
لقد نجح هذا السلطان في تأسيس دولة غرناطة في الأندلس وكان لقيام هذه الدولة وثباتها عدة أسباب منها:
1- موقعها الجغرافي، حيث كانت في الزاوية الجنوبية لشبه الجزيرة الأندلسية التي قد تبدو منقطعة، حيث البحر من الجنوب والعدو من الشمال فكانت مملكة غرناطة أبعد مكاناً بالنسبة لمدن الأندلس للوقوع في يد عدو الأندلس من حيث الموقع ومن حيث قربها من بلاد المغرب وعدم وجود خط معادٍ أمام مسلمي غرناطة، يقف حائلاً دون إعانة المغاربة في الشمال الإفريقي لإخوانهم في الدين والعقيدة.
2- ظهور دولة بني مرين في المغرب وكان من أهدافها الكبرى مواصلة الجهاد في الأندلس ولذلك لم تبخل بالوقوف بكل ماتملك من جهد لدعم مملكة غرناطة ضد النصارى في الأندلس، فقامت دولة بني مرين بالمرابطة والجهاد مع مسلمي الأندلس، فكان لهذا العمل الجليل أهمية بالغة في الحفاظ على الأندلس.
3- هجرت المسلمين في الأندلس من مدنهم التي سقطت الى مملكة غرناطة واصبحت لهم ملاذاً يحتمون به ويلجئون إليه، فكثر في غرناطة أهل المهارات والكفايات والذين برعوا في كل الميادين العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية، فأضافت إلى قوات غرناطة قوات أخرى تتطلع إلى أن تعيش عزيزة أبيه وتضع حضارة منبثقة من دينها وعقيدتها وتصورها وفكرها. للصمود أمام الغزاة النصارى، لقد كان للعقيدة الإسلامية والمعاني الإيمانية أثراً مباشراً في بقاء تلك الدول الصغيرة وصمودها وجهادها أمام ممالك النصارى الحاقدة.
5- براعة حكام غرناطة في الاستفادة من الصراع بين ممالك النصارى وتقوية النزاعات بينها والتدخل في هذه النزاعات ومناصرة فريق على فريق آخر. وغير ذلك من الأسباب .
الهزبر
2008-08-02, 07:54 PM
السلام عليكم
ثانياً: جهاد المرينيين في الأندلس:
تولى الملك في مملكة غرناطة بعد وفاة أبي عبدالله الغالب بالله، ابنه محمد الذي اتصف بخلال حسنة من القوة والعزم وبعد الهمّة، وسعة الأفق، مع علم وأدب، وكان شاعراً فقيهاً، حتى أنه دعي باسم "محمد الفقيه"، وفي أول عهده تحركت قوات نصارى قشتالة بقيادة الفونسو العاشر للقضاء على غرناطة وضمها تحت مملكة قشتالة، فاتجهت أنظار المسلمين في غرناطة إلى نصرت المرينيين في المغرب، فأرسلوا إليهم طالبين منهم الغوث والنجدة والمدد وتوالت الكتب على سلطان المغرب (أبي يوسف يعقوب المريني من أهالي غرناطة يستنصرونه ويستدعونه إلى الجهاد، فخرج أبو يوسف من مدينة فاس ملبياً دعوتهم، وقاصداً نصرتهم، في النصف من شهر رمضان المعظم سنة 673هـ فسار حتى نزل مدينة طنجة، فكتب منها إلى الفقيه أبي القاسم العز في صاحب سبتة يأمره بعمارة الأجفان الغزواتية حتى يركبها المسلمون المجاهدون لتسير بهم نحو الأندلس، ثم دعا ابنه أبا زيان وجعله على رأس خمسة آلف من خيرة المجاهدين وأعطاه مالاً وبنوداً وطبولاً وجهزه بكل ما يحتاج إليه، ثم عقد له لواء الجهاد، وأوصاه بتقوى الله في سره وجهره، ودعا له ووجهّه، وانصرف الأمير أبو زيان بجيشه من طنجة إلى قصر المجاز، فركب الأمير مع جميع جيوشه من قصر المجاز، فنزل مدينة طريف من سواحل بلاد الأندلس، وكان جوازه في 17 ذي الحجة 673هـ، فأقام أبو زيان بطريف ثلاثة أيام حتى استراح الناس والخيل من هول البحر، ثم قصد منها الجزيرة الخضراء فغنمها وواصل السير في بلاد العدو حتى وصل إلى شريش، وهو يغنم ويفتح مامرّ عليه من القرى والحصون والبروج، وتهاوت مقاومة الأسبان أمام جيشه المظفر وجمع في طريقه غنائم ضخمة وقفل بها إلى الجزيرة فدخلها، ففرح أهلها بدخوله، وارتفعت معنوياتهم وقويت نفوسهم وهكذا استطاع الأمير أبو زيان - حامل راية والده المنصورة - أن يعز الإسلام ويذل النصارى الحاقدين في الأندلس.
وكانت غزوة أبي زيان غزوة ريادة واستطلاع، وعزم أبو يوسف يعقوب سلطان المرينيين على العبور بنفسه مع جيشه، فبعث سفارة يتزعمها حفيده تاشفين بن الأمير أبي مالك إلى يغمراس بن زيان أمير تلمسان يطلب منه الصلح والألفة واجتماع الكلمة لكي يجاهد في الأندلس وهو مطمئن على بلاده آمن عليها، فوافق يغمراس على مبدأ الصلح فتم الصلح بين بني مرين وبني زيان (بني عبدالواد) وأبعد الله عنهم التحاسد والتنافس والاقتتال وجمع الله كلمة الإسلام وألّف بين المسلمين.
وسر أمير المسلمين أبو يوسف بذلك سروراً عظيماً، وتصدق بصدقات كثيرة، وكتب إلى زعماء بني مرين، وأمراء العرب، وشيوخ قبائل المغرب من المصامدة وجزولة وصنهاجة وغمارة وجاناته يستفزهم إلى الجهاد ثم ارتحل إلى قصر المجاز 674هـ وأخذ في إرسال المجاهدين إلى الأندلس بالخيل العتاق، والعُدة الكاملة والسلاح، فكان يبعث كل يوم قبيلة من بني مرين وطوائف من المطوّعين وقبائل العرب، فلما فرغ من إرسال بني مرين والعرب أخذ في إرسال أجناده، فكان الناس يجوزون فوجاً بعد فوج، وقبيلة بعد قبيلة، فكانت السفن والمراكب غاديات ورائحات آناء الليل وأطراف النهار، من قصر المجاز إلى طريف يزدحمون في ذلك المعبر.
قال الشاعر:
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir