زنبقة الاسلام
2008-04-17, 01:11 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
فضول الزوجة.. كيف يتعامل معه الزوج؟
وصفي عاشور أبو زيد **
تتطلع المرأة إلى معرفة كل ما يفعله زوجها: أين يذهب؟ لماذا؟ ومتى يعود؟ وماذا لو كان كذا؟..وابل من التساؤلات والتحقيقات يجري على لسانها.
ربما دفعها إلى ذلك ما جبلت عليه من غيرة على الزوج؛ ولا تريد أن يشاركها في زوجها غيرها، فهي تتحسس أخباره، وتعرف من يصاحب ومع من يعمل، وماذا حدث أثناء العمل، ويا للكارثة لو كان في عمله نساء.
وتزداد المشكلة لو كان الزوج داعية له أعماله المضاعفة التي ليست لزوج لا علاقة له بأعمال الدعوة.
ولا تكاد امرأة تسلم من هذه الطبيعة، حتى زوجات النبي ص أمهات المؤمنين.
فعَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنّهُ سَمِعَ مُحَمّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تُحَدّثُ قَالَتْ: أَلاَ أُحَدّثُكُمْ عَنّي وَعَنِ النّبِيّ ص؟ قُلْنَا: بَلَى قَالَتْ: لَمّا كَانَتْ لَيْلَتِي الّتِي هُوَ عِنْدِي تَعْنِي النّبِيّ ص انْقَلَبَ فَوَضَعَ نَعْلَيْهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَبَسَطَ طَرَفَ إزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ إلاّ رَيْثَمَا ظَنّ أَنّي قَدْ رَقَدْتُ ثُمّ انْتَعَلَ رُوَيْدا وَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدَا ثُمّ فَتَحَ الْبَابَ رُوَيْدا وَخَرَجَ وَأَجَافَهُ رُوَيْدا وَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي وَاخْتَمَرْتُ وَتَقَنّعْتُ إزَارِي فَانْطَلَقْتُ فِي إثْرِهِ حَتّى جَاءَ الْبَقِيعَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ وَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ وَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ فَلَيْسَ إلاّ أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ فَقَالَ: "مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ حَشْيَا رَابِيَةً؟" قَالَتْ: لاَ قَالَ: "لَتُخْبِرِنّي أَوْ لَيُخْبِرَنّي اللّطِيفُ الْخَبِيرُ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ قَالَ: "فَأَنْتِ السّوَادُ الّذِي رَأَيْتُهُ أَمَامِي؟" قَالَتْ: نَعَمْ قَالَتْ: فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي ثُمّ قَالَ: "أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ" قَالَتْ: مَهْمَا يَكُتُمُ النّاسُ فَقَدْ عَلِمَهُ اللّهُ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: "فَإنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلاَمُ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ فَنَادَانِي فَأَخْفَى مِنْكِ فَأَجَبْتُهُ فَأَخْفَيْتُ مِنْكِ فَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَأَسْتَغْفِرَ لَهُمْ"(1).
معاني بعض الكلمات: قال السندي في حاشيته على سنن النسائي يبين بعض معاني كلمات الحديث:
(إلا ريثما) معناه إلا قدر ما.
(أخذ رداءه رويداً) أي قليلاً لطيفاً لئلا ينبهها.
(ثم أجافه) أي أغلقه. وإنما فعل ذلك ص في خفية لئلا يوقظها، فربما لحقتها وحشة في انفرادها في ظلمة الليل.
(فأحضر فأحضرت) الإحضار فوق الهرولة.
(حشيا رابية) حشيا معناه: قد وقع عليك الحشا، وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه، من ارتفاع النفَس وتواتره، ورابية: أي مرتفعة البطن.
(فلهدني) من اللهد، وهو الدفع الشديد في الصدر، وهذا كان تأديباً لها من سوء الظن.
(أن يحيف الله عليك ورسوله) من الحيف بمعنى الجور أي بأن يدخل الرسول في نوبتك على غيرك، وذكر الله لتعظيم الرسول والدلالة على أن الرسول لا يمكن أن يفعل بدون إذن من الله تعالى، ولو كان منه جور لكان بإذن الله تعالى له فيه، وهذا غير ممكن.
معالجة الفضول
لا يخفى أن السيدة عائشة رضي الله عنها لم تستطع أن تتخلص من طبائع النساء عموماً، وهي الغيرة وحب الفضول، فزوجات الرسول نساء لهن طبائع النساء، إلا أن درجتهن عند الله ومنزلتهن أعلى من أي امرأة: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن. (الأحزاب:32).
وإن أفضل نهج يسير عليه الأزواج لا سيما الدعاة هو هدي رسول الله ص الذي هو أحسن الهدي وأكمله، ويعتبر الحديث السابق علماً يهتدى به في معالجة الفضول، وفيما يلي نذكر بعض المعالم، التي إن اتبعها الزوج استطاع بقدر كبير أن يعالج هذا الأمر مع زوجته:
فهم طبيعة الزوجة: وهو أمر لا بد منه مع النساء عموماً: أماً وأختاً، زوجة وبنتاً، أياً كان صلته بها وقربه منها. فالزوجة لها مشاعرها وطبيعتها الخاصة التي ليست للبنت أو الأم والأخت، فهي حريصة على تتبع أخبار زوجها، لا تريده أن يخاطب أو يعامل من النساء غيرها، تستفسر عن كل شيء عنه حرصاً وخوفاً، وفضولاً وغيرة.
وعلى الزوج أن يفهم هذه الطبيعة حتى يتعامل معها بما يناسبها، وإلا حدث ما لا تحمد عقباه.
ولا يغني الحب عن الفهم هنا بحال من الأحوال، فلربما ضاق الزوج ذرعاً بإلحاح زوجته عليه ومساءلتها له، مع حبه لها، وذلك ناتج عن عدم فهمه لطبيعة النساء، ونفسية الزوجة.
إخلاص الحب لها: وهي من أهم الركائز التي تقوم عليها الحياة الزوجية، فمتى توافر الحب بين الزوجين ذابت المشكلات أو أغلبها في حرارة الحب، واستقامت ظنون المرأة في زوجها، فلا تظن بأفعاله وأقواله إلا خيراً.
أما عند افتقاد الحب فإن الحياة تنقلب إلى موجة من الظنون السيئة، والتساؤلات المتكاثرة عن كل فعل، وربما اختلاق المشكلات في بعض الأحيان، فضلاً عن إعطاء كل مشكلة أكبر من حجمها الطبيعي.
ويستطيع الزوج أن يملك قلب زوجته وعقلها بالكلام الطيب، فهو إكسير السعادة الزوجية، وقد قال النبي ص: "الكلمة الطيبة صدقة"(2). وأولى الناس بهذه الصدقة أهل الرجل، وأخصهم زوجته: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"(3). فعلى الزوج أن يخبرها بحبه لها، وبأنه يدعو لها، وكما قيل: "في المعاريض مندوحة"، حتى لو اضطر للكذب وذلك في أضيق نطاق وهذا من الكذب الذي أباحه الشرع للإنسان، وهو من أجل مصلحة استمرار الحياة الزوجية وعدم تفككها.
ولا يخفى حب رسول الله ص لعائشة، حيث غلب على ظنه أنها نامت، فقام من جوارها برفق حتى لا تستيقظ فتستوحش من الليل والوحدة، ثم أظهر قلقه وحرصه عليها حينما رجع فقال: "مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ حَشْيَا رَابِيَةً؟".
الرفق واللين: وهو المعلم المنبثق عن فهم طبيعة الزوجة أولاً، وإخلاص الحب لها ثانياً، كما أنه خلق يبذل للنساء عامة، وهو دليل كمال الرجولة ونماء فضائلها، فإذا كان للرفق واللين خصوصية يفرضها موقف معين يثير الريبة والشك في نفس الزوجة كانا ألزم وأوجب حفاظاً على كيان الأسرة المسلمة من الانهيار والضياع.
وقد كان رسول الله يحب الرفق في كل شيء، فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ""يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه(4). وقال: "من يحرم الرفق يحرم الخير"(5).
تبيين المواقف وإزالة الغموض: وهو أمر يريح الزوجات كثيراً، ويشعرهن بحظوتهن لدى الزوج، ومدى احترامه لهن، وهذا مبدأ عام في حياة المسلم؛ إذ معظم المشكلات الأسرية والاجتماعية ناتجة عن عدم التثبت، وقلة البيان والتوضيح، ولما شعر النبي، وهو يسير مع صفية، أن بعض الصحابة يمكن أن يشرد بهم الشيطان فيظنوا برسول الله الظنون، بين الأمر على الفور، وقال: "على رسلكما إنها صفية بنت حيي. فقالا سبحان الله يا رسول الله. قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو قال شيئاً"(6).
وهو ما طبقه النبي أيضاً في حديثنا السابق حيث ذكر أن جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلاَمُ أَتَانه فَأَمَره أَنْ يأتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فيَسْتَغْفِرَ لَهُم.
أما مجابهة الزوجة بالتحجيم والكبت، وإغلاق منافذ الحوار فهو يولد الشك والريبة؛ ويؤدي إلى تكاثر المشكلات، واحتدام الخصومات بين الزوجين.
ولايمنع ذلك أن يكون للزوج خصوصاً الداعية إلى الله شيء من السرية في بعض ما يتعلق بخططه وبرامجه، بل حتى في أموره الخاصة، ففي الأثر "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان".
ويكون ذلك بالحرص على خصوصياته وعدم كشفها، فإن من طبيعة بعض النساء إن لم يكن جلّهن نقل الكلام هنا وهناك، ويكون هذا الحرص بحيث لا يولّد ريبة أو شكاً عند الزوجة أو يولّد عندها فضولاً.
الهوامش:
(1) رواه مسلم. كتاب: الجنائز. باب: ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها. والنسائي. كتاب: عشرة النساء. باب: الغيرة. واللفظ له.
(2) رواه البخاري. كتاب الأدب. باب طيب الكلام.
(3) رواه الترمذي. كتاب المناقب عن رسول الله ص. باب: فضل أزواج النبي ص، وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
(4) رواه مسلم. كتاب: البر والصلة والآداب. باب: فضل الرفق.
(5) المصدر السابق.
(6) رواه مسلم عن صفية رضي الله عنها. كتاب السلام. باب: بيان أنه يستحب لمن رؤي خالياً بامرأة وكانت زوجة أو محرماً له أن يقول هذه فلانة ليرفع ظن السوء به
________________
** الأستاذ وصفي عاشور أبو زيد، باحث إسلامي مصري، مقيم بالكويت، مستشار شرعي لموقع إسلام أون لاين ، وله كتاب مطبوع عن نظرية الجبر في الفقه الإسلامي
فضول الزوجة.. كيف يتعامل معه الزوج؟
وصفي عاشور أبو زيد **
تتطلع المرأة إلى معرفة كل ما يفعله زوجها: أين يذهب؟ لماذا؟ ومتى يعود؟ وماذا لو كان كذا؟..وابل من التساؤلات والتحقيقات يجري على لسانها.
ربما دفعها إلى ذلك ما جبلت عليه من غيرة على الزوج؛ ولا تريد أن يشاركها في زوجها غيرها، فهي تتحسس أخباره، وتعرف من يصاحب ومع من يعمل، وماذا حدث أثناء العمل، ويا للكارثة لو كان في عمله نساء.
وتزداد المشكلة لو كان الزوج داعية له أعماله المضاعفة التي ليست لزوج لا علاقة له بأعمال الدعوة.
ولا تكاد امرأة تسلم من هذه الطبيعة، حتى زوجات النبي ص أمهات المؤمنين.
فعَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنّهُ سَمِعَ مُحَمّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تُحَدّثُ قَالَتْ: أَلاَ أُحَدّثُكُمْ عَنّي وَعَنِ النّبِيّ ص؟ قُلْنَا: بَلَى قَالَتْ: لَمّا كَانَتْ لَيْلَتِي الّتِي هُوَ عِنْدِي تَعْنِي النّبِيّ ص انْقَلَبَ فَوَضَعَ نَعْلَيْهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَبَسَطَ طَرَفَ إزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ إلاّ رَيْثَمَا ظَنّ أَنّي قَدْ رَقَدْتُ ثُمّ انْتَعَلَ رُوَيْدا وَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدَا ثُمّ فَتَحَ الْبَابَ رُوَيْدا وَخَرَجَ وَأَجَافَهُ رُوَيْدا وَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي وَاخْتَمَرْتُ وَتَقَنّعْتُ إزَارِي فَانْطَلَقْتُ فِي إثْرِهِ حَتّى جَاءَ الْبَقِيعَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ وَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ وَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ فَلَيْسَ إلاّ أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ فَقَالَ: "مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ حَشْيَا رَابِيَةً؟" قَالَتْ: لاَ قَالَ: "لَتُخْبِرِنّي أَوْ لَيُخْبِرَنّي اللّطِيفُ الْخَبِيرُ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ قَالَ: "فَأَنْتِ السّوَادُ الّذِي رَأَيْتُهُ أَمَامِي؟" قَالَتْ: نَعَمْ قَالَتْ: فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي ثُمّ قَالَ: "أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ" قَالَتْ: مَهْمَا يَكُتُمُ النّاسُ فَقَدْ عَلِمَهُ اللّهُ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: "فَإنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلاَمُ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ فَنَادَانِي فَأَخْفَى مِنْكِ فَأَجَبْتُهُ فَأَخْفَيْتُ مِنْكِ فَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَأَسْتَغْفِرَ لَهُمْ"(1).
معاني بعض الكلمات: قال السندي في حاشيته على سنن النسائي يبين بعض معاني كلمات الحديث:
(إلا ريثما) معناه إلا قدر ما.
(أخذ رداءه رويداً) أي قليلاً لطيفاً لئلا ينبهها.
(ثم أجافه) أي أغلقه. وإنما فعل ذلك ص في خفية لئلا يوقظها، فربما لحقتها وحشة في انفرادها في ظلمة الليل.
(فأحضر فأحضرت) الإحضار فوق الهرولة.
(حشيا رابية) حشيا معناه: قد وقع عليك الحشا، وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه، من ارتفاع النفَس وتواتره، ورابية: أي مرتفعة البطن.
(فلهدني) من اللهد، وهو الدفع الشديد في الصدر، وهذا كان تأديباً لها من سوء الظن.
(أن يحيف الله عليك ورسوله) من الحيف بمعنى الجور أي بأن يدخل الرسول في نوبتك على غيرك، وذكر الله لتعظيم الرسول والدلالة على أن الرسول لا يمكن أن يفعل بدون إذن من الله تعالى، ولو كان منه جور لكان بإذن الله تعالى له فيه، وهذا غير ممكن.
معالجة الفضول
لا يخفى أن السيدة عائشة رضي الله عنها لم تستطع أن تتخلص من طبائع النساء عموماً، وهي الغيرة وحب الفضول، فزوجات الرسول نساء لهن طبائع النساء، إلا أن درجتهن عند الله ومنزلتهن أعلى من أي امرأة: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن. (الأحزاب:32).
وإن أفضل نهج يسير عليه الأزواج لا سيما الدعاة هو هدي رسول الله ص الذي هو أحسن الهدي وأكمله، ويعتبر الحديث السابق علماً يهتدى به في معالجة الفضول، وفيما يلي نذكر بعض المعالم، التي إن اتبعها الزوج استطاع بقدر كبير أن يعالج هذا الأمر مع زوجته:
فهم طبيعة الزوجة: وهو أمر لا بد منه مع النساء عموماً: أماً وأختاً، زوجة وبنتاً، أياً كان صلته بها وقربه منها. فالزوجة لها مشاعرها وطبيعتها الخاصة التي ليست للبنت أو الأم والأخت، فهي حريصة على تتبع أخبار زوجها، لا تريده أن يخاطب أو يعامل من النساء غيرها، تستفسر عن كل شيء عنه حرصاً وخوفاً، وفضولاً وغيرة.
وعلى الزوج أن يفهم هذه الطبيعة حتى يتعامل معها بما يناسبها، وإلا حدث ما لا تحمد عقباه.
ولا يغني الحب عن الفهم هنا بحال من الأحوال، فلربما ضاق الزوج ذرعاً بإلحاح زوجته عليه ومساءلتها له، مع حبه لها، وذلك ناتج عن عدم فهمه لطبيعة النساء، ونفسية الزوجة.
إخلاص الحب لها: وهي من أهم الركائز التي تقوم عليها الحياة الزوجية، فمتى توافر الحب بين الزوجين ذابت المشكلات أو أغلبها في حرارة الحب، واستقامت ظنون المرأة في زوجها، فلا تظن بأفعاله وأقواله إلا خيراً.
أما عند افتقاد الحب فإن الحياة تنقلب إلى موجة من الظنون السيئة، والتساؤلات المتكاثرة عن كل فعل، وربما اختلاق المشكلات في بعض الأحيان، فضلاً عن إعطاء كل مشكلة أكبر من حجمها الطبيعي.
ويستطيع الزوج أن يملك قلب زوجته وعقلها بالكلام الطيب، فهو إكسير السعادة الزوجية، وقد قال النبي ص: "الكلمة الطيبة صدقة"(2). وأولى الناس بهذه الصدقة أهل الرجل، وأخصهم زوجته: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"(3). فعلى الزوج أن يخبرها بحبه لها، وبأنه يدعو لها، وكما قيل: "في المعاريض مندوحة"، حتى لو اضطر للكذب وذلك في أضيق نطاق وهذا من الكذب الذي أباحه الشرع للإنسان، وهو من أجل مصلحة استمرار الحياة الزوجية وعدم تفككها.
ولا يخفى حب رسول الله ص لعائشة، حيث غلب على ظنه أنها نامت، فقام من جوارها برفق حتى لا تستيقظ فتستوحش من الليل والوحدة، ثم أظهر قلقه وحرصه عليها حينما رجع فقال: "مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ حَشْيَا رَابِيَةً؟".
الرفق واللين: وهو المعلم المنبثق عن فهم طبيعة الزوجة أولاً، وإخلاص الحب لها ثانياً، كما أنه خلق يبذل للنساء عامة، وهو دليل كمال الرجولة ونماء فضائلها، فإذا كان للرفق واللين خصوصية يفرضها موقف معين يثير الريبة والشك في نفس الزوجة كانا ألزم وأوجب حفاظاً على كيان الأسرة المسلمة من الانهيار والضياع.
وقد كان رسول الله يحب الرفق في كل شيء، فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ""يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه(4). وقال: "من يحرم الرفق يحرم الخير"(5).
تبيين المواقف وإزالة الغموض: وهو أمر يريح الزوجات كثيراً، ويشعرهن بحظوتهن لدى الزوج، ومدى احترامه لهن، وهذا مبدأ عام في حياة المسلم؛ إذ معظم المشكلات الأسرية والاجتماعية ناتجة عن عدم التثبت، وقلة البيان والتوضيح، ولما شعر النبي، وهو يسير مع صفية، أن بعض الصحابة يمكن أن يشرد بهم الشيطان فيظنوا برسول الله الظنون، بين الأمر على الفور، وقال: "على رسلكما إنها صفية بنت حيي. فقالا سبحان الله يا رسول الله. قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو قال شيئاً"(6).
وهو ما طبقه النبي أيضاً في حديثنا السابق حيث ذكر أن جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلاَمُ أَتَانه فَأَمَره أَنْ يأتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فيَسْتَغْفِرَ لَهُم.
أما مجابهة الزوجة بالتحجيم والكبت، وإغلاق منافذ الحوار فهو يولد الشك والريبة؛ ويؤدي إلى تكاثر المشكلات، واحتدام الخصومات بين الزوجين.
ولايمنع ذلك أن يكون للزوج خصوصاً الداعية إلى الله شيء من السرية في بعض ما يتعلق بخططه وبرامجه، بل حتى في أموره الخاصة، ففي الأثر "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان".
ويكون ذلك بالحرص على خصوصياته وعدم كشفها، فإن من طبيعة بعض النساء إن لم يكن جلّهن نقل الكلام هنا وهناك، ويكون هذا الحرص بحيث لا يولّد ريبة أو شكاً عند الزوجة أو يولّد عندها فضولاً.
الهوامش:
(1) رواه مسلم. كتاب: الجنائز. باب: ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها. والنسائي. كتاب: عشرة النساء. باب: الغيرة. واللفظ له.
(2) رواه البخاري. كتاب الأدب. باب طيب الكلام.
(3) رواه الترمذي. كتاب المناقب عن رسول الله ص. باب: فضل أزواج النبي ص، وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
(4) رواه مسلم. كتاب: البر والصلة والآداب. باب: فضل الرفق.
(5) المصدر السابق.
(6) رواه مسلم عن صفية رضي الله عنها. كتاب السلام. باب: بيان أنه يستحب لمن رؤي خالياً بامرأة وكانت زوجة أو محرماً له أن يقول هذه فلانة ليرفع ظن السوء به
________________
** الأستاذ وصفي عاشور أبو زيد، باحث إسلامي مصري، مقيم بالكويت، مستشار شرعي لموقع إسلام أون لاين ، وله كتاب مطبوع عن نظرية الجبر في الفقه الإسلامي