ابن النعمان
2011-04-01, 05:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
اقد لكم اليوم الفصل الثانى من كتاب مدخل الى القرآن الكريم حقائق تاريخية للدكتور محمد عبدالله دراز رحمه الله تعالى
وهو مبحث فى غاية الروعة والجمال ارجوا من الجميع قراءته بتمعن .
كيف جمع نص التنزيل الحكيم ؟
لم يكن القرآن على هذه الهيئة التي بين أيدينا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم . فان كان النص مطابقا تماما لما أملاه الرسول صلى الله عليه وسلم لكتبة الوحي , فان الشكل الخارجي قد طرأ عليه تغيير كبير , إذ لم يكن هناك ما نطلق عليه كتابا أو مجلد ومن المعلوم أن القرآن قد نزل أجزاء متفرقة تتباين أطوالها من سورة كاملة إلى آية واحدة وأحيانا إلى جزء من الآية .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلوا كل جزء ينزل عليه ويعلمه للسامعين ليصل عن طريقهم إلى من لم يسمعه من فم الرسول مباشرة . فقد كان بالنسبة إليهم غذاء الروح وقاعدة السلوك ونصوص الصلاة وأداة الدعوة إلى الإسلام كما كان قانونهم الجوهري ودستورهم في شئون الحياة .
والنص المنزل لم يقتصر على كونه قرآنا أو مجموعة من الآيات التي تتلى أو تقرأ , وتحفظ في الصدور , إنما كان أيضا كتابا مدونا بالمداد , فهاتان الصورتان تتضافران وتصحح كل منهما الأخرى . ولهذا كان الرسول كلما جاءه الوحي وتلاه على الحاضرين أملاه على فوره على كتبة الوحي ليدونوه على اى شيء كان في متناول أيديهم , مثل الورق أو الخشب أو قطع الجلد أو صفائح الحجارة وكسرة الأكتاف ..... الخ .
ويذكر العلماء الثقاة أن عدد كتاب الوحي بلغ تسعة وعشرين كاتبا أشهرهم الخلفاء الخمسة الأوائل .
وإذا كان عدد كتبة الوحي بمكة لم يبلغ هذه الكثرة ومهمة الكتابة ذاتها لم تأخذ الطابع هذا الطابع الرسمي , فان هناك واقعة أكيدة هي أن المؤمنين لم يتوانوا منذ البداية – بل وخلال صنوف الاضطهاد التي تعرضوا لها – في تسجيل الآيات القرآنية التي وصلتهم في مخطوطات شخصية لاستعمالهم الخاص , وكان إسلام عمر كما ورد بالأثر راجعا إلى قراءته لآيات أول سورة طه التي وجدها مكتوبة على ورقة كانت تحملها أخته .
ومن الجلي أن هذه المخطوطات على هيئتها البدائية , لم تكن تمثل مجموعة متجانسة ومنظمة ومرقمة . كما أن الرسول لم يكن عنده شيء مكتوب فلم يكن عند الأفراد في هذه الحقبة نسخة واحدة كاملة من القرآن , وإنما كانت مخطوطات متفرقة ومبعثرة بين المؤمنين , ولم تأخذ شكلها النهائي في صدورهم إلا قرب نهاية حياة الرسول صلى الله عليه وسلم .
ولقد لوحظ في وقت مبكر أن مجموعات الآيات المنزلة لم تكن لتبقى منعزل بعضها عن بعض , ولا أن تتوالى في ترتيب زمني بعضها تلو الأخرى حسب نزول الوحي , فقد كانت مجموعات منها كثيرة منها تتزايد بمعزل عن مجموعات أخرى وتكون تدريجيا وحدات مستقلة بعد أن تنضم إليها آيات أخرى نزلت بعدها .
وان بعضها كانت تضاف هنا والأخرى كانت تضاف هناك بحسب أمر الرسول الصريح الذي كان يتلقاه بدوره من الروح القدس . وحتى تتاح الفرصة لسور القرآن لكي يتم بناؤها تدريجيا , كان ينبغي الانتظار إلى أن يكتمل الوحي كله لإخراج القرآن في شكل وحدة كاملة . إلا أن غياب هذا التتابع بين الآيات المكتوبة في هذه المرحلة لم يحل بين المؤمنين وبين المعرفة الشفوية لموضع كل آية جديدة من كل سورة على وجه التحديد , وفى كل مرحلة من المراحل , وكذلك كان الأمر بالنسبة للصلاة والتعاليم والوعظ والقراءات الأخرى .
ولقد كان فى حياة الرسول مئات الصحابة يطلق عليهم حفظة القرآن تخصصوا فى تلاة القرآن الكريم , وفى حفظه عن ظهر قلب , وفى معرفة كل سورة فى هيئتها المؤقتة او النهائية .
فنرى ابن مسعود يفخر بانه حفظ اكثر من سبعين سورة من فم الرسول , والرسول بدوره كان يؤكد انه فى شهر رمضان من كل عام كان يقوم بمراجعة عامة وتلاوة الايات التى نزل بها الوحى فى حضور جبريل وانه فى العام الاخير راجع عليه جبرير القرآن مرتين مما جعل الرسول يتنبأ بقرب اجله .
"ولم يمض عام واحد بعد ان قبض الرسول صلى الله عليه وسلم الا وبدت الحاجة ملحة لجمع وثائق القرآن المبعثرة فى مجموعة مدونة , سهلة الاستعمال , حيث تتابع ايات كل سورة , كما هو ثابت من قبل فى حافظة جماعة المؤمنين ,ولقد تقدم بالفكرة عمر بن الخطاب الى الخليفة الاول عقب معركة اليمامة مع مسيلمة الكذاب التى قتل فيها مئات من المسلمين , منهم سبعون من حملة القرآن القريم فخشية ان يتناقص تدريجيا عدد هؤلاء القراء بسبب الحروب المحتملة كان عمر يهدف بهذه الطريقة ليس فقط الى حفظ المدون من التنزيل فى مامن من الاخطار , وفى صورة يسهل الرجوع اليها , انما كان يقصد ايضا اقرار الشكل النهائى لهذا الكتاب المقدس وتوثيقه عن طريق حفظته الباقين على قيد الحياة واعتماده من الصحابة الذين كان كل منهم يحفظ منه اجزاءكبيرة او صغيرة" .(انظر م.ج. رستوفدونى – تاريخ القرآن , ص 26-27) ولقد عهد بهذه المهمة الى زيد بن ثابت الذى تردد فى بداية الامر عندما ادرك ضخامة التبعة فى هذا العمل الجليل , ولكن ابا بكر اصر قائلا "انك رجل ذكى لا نتهمك , وكنت تكتب الوحى فى عهد الرسول فقم بجمع القرآن " (بعد ان اورد لوبلوا هذه الرواية اردف قائلا "من ذا الذى لم يتمن لو ان احدا من تلاميذ المسيح الذين عاصروهقام بتدوين تعاليمه بعد وفاته مباشرة " (القرآن والتوراة العبرية – لوبلوا , ص47 مذكرة 5) "ويبدوا ان شىء ما اخر قد اسهم بعض الشىء فى هذا الاختيار وهو ان زيدا لم يكن من الكتبة الوحى ومن حملة القرآن فحسب , ولكنه فضلا عن ذلك حضر بنفسه اخر تلاوة للقرآن قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم" . (انظر تاريخ القرآن للزنجاتى , ص17)
بالاضافة الى كل هذه الضمانات , وضعت قاعدة للعمل وطبقت بكل عناية , وهى تقضى بالا يؤخذ باى مخطوط لا يشهد شخصان على انه مكتوب ليس من الذاكرة وانما باملاء الرسول ذاته وانه جزء من التنزيل فى صورته النهائية .
وبعد جمع القرآن بكل هذه الاحتياطات , سلمه زيد الى ابى بكر الذى احتفظ به طوال خلافته وعهد به قبل موته الى عمر بن الخطاب المرشح للخلافة من بعده , ثم قام عمر بتسليمه الى ابنته حفصة ام المؤمنين فى اخر لحظة من حياته لان الخليفة الثالث لم يكن قد بويع فى ذلك الوقت .
وفضلا عن كماله المطلق , يتميز اول مصحف رسمى (الذى يمكن ان نشبهه بملف يجمع صحفا مرتبة وغير مجلدة) بمطابقته المطلقة للنص .
ولكن رغم قيمة هذا المصحف العظيمة ورغم ما يستحقه من العناية التى بذلت فى جمعه فان مجرد بقائه محفوظا بعناية عند الخليفتين الاولين اسبغ عليه الطابع الفردى او الشخصى بعض الشىء ولم يصبح وثيقة للبشر كافة الا بعد نشره .
عندما اتيحت الفرصة لذلك فى خلافة عثمان بعد معارك ارمينية واذربيجان .
فقد تجمعت جيوش المسلمين الوافدة من سوريا والعراق ولاحظوا اختلاف فى بعض القراءات , اذا كان السوريون يتبعون قراءة "ابى" والعراقيون يتبعون قراءة "ابن مسعود" فقال بعضهم لبعض "قراءتنا خير من قراءتكم " ففزع حذيفة بن اليمان الى عثمان وطلب منه ان يضع حدا لهذا اللجاج الذى قد يؤدى الى مثل ما وقع فيه اليهود والنصارى من فرقة بشان كتبهم . فشكل عثمان لجنة من اربعة نساخ منهم زيد بن ثابت نفسه وهو من الانصار وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن ابن الحارث بن هشام من المهاجرين , وكلفهم بنسخ مصحف حفصة بعدد من النسخ يعادل عدد الامصار الرئيسية فى الدول الاسلامية وقال لهم : ما اختلفتم فيه فكتبوه بلسان قريش فانه نزل بلسانهم ( وهكذا احتفظت كلمة"تابوت" التى كانت تكتب "تابوه" فى المدينة بشكلها المكى ) وبانتهاء هذا العمل بما يتفق تماما مع النص الاصلى , اعيد مصحف حفصة اليها بينما جلدت النسخ الاخرى ووزعت على الامصار , باعتبارها نماذج لا بديل لها وتبطل كل ما يخالفها من قريب او بعيد .
يتبع بعون الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
اقد لكم اليوم الفصل الثانى من كتاب مدخل الى القرآن الكريم حقائق تاريخية للدكتور محمد عبدالله دراز رحمه الله تعالى
وهو مبحث فى غاية الروعة والجمال ارجوا من الجميع قراءته بتمعن .
كيف جمع نص التنزيل الحكيم ؟
لم يكن القرآن على هذه الهيئة التي بين أيدينا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم . فان كان النص مطابقا تماما لما أملاه الرسول صلى الله عليه وسلم لكتبة الوحي , فان الشكل الخارجي قد طرأ عليه تغيير كبير , إذ لم يكن هناك ما نطلق عليه كتابا أو مجلد ومن المعلوم أن القرآن قد نزل أجزاء متفرقة تتباين أطوالها من سورة كاملة إلى آية واحدة وأحيانا إلى جزء من الآية .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلوا كل جزء ينزل عليه ويعلمه للسامعين ليصل عن طريقهم إلى من لم يسمعه من فم الرسول مباشرة . فقد كان بالنسبة إليهم غذاء الروح وقاعدة السلوك ونصوص الصلاة وأداة الدعوة إلى الإسلام كما كان قانونهم الجوهري ودستورهم في شئون الحياة .
والنص المنزل لم يقتصر على كونه قرآنا أو مجموعة من الآيات التي تتلى أو تقرأ , وتحفظ في الصدور , إنما كان أيضا كتابا مدونا بالمداد , فهاتان الصورتان تتضافران وتصحح كل منهما الأخرى . ولهذا كان الرسول كلما جاءه الوحي وتلاه على الحاضرين أملاه على فوره على كتبة الوحي ليدونوه على اى شيء كان في متناول أيديهم , مثل الورق أو الخشب أو قطع الجلد أو صفائح الحجارة وكسرة الأكتاف ..... الخ .
ويذكر العلماء الثقاة أن عدد كتاب الوحي بلغ تسعة وعشرين كاتبا أشهرهم الخلفاء الخمسة الأوائل .
وإذا كان عدد كتبة الوحي بمكة لم يبلغ هذه الكثرة ومهمة الكتابة ذاتها لم تأخذ الطابع هذا الطابع الرسمي , فان هناك واقعة أكيدة هي أن المؤمنين لم يتوانوا منذ البداية – بل وخلال صنوف الاضطهاد التي تعرضوا لها – في تسجيل الآيات القرآنية التي وصلتهم في مخطوطات شخصية لاستعمالهم الخاص , وكان إسلام عمر كما ورد بالأثر راجعا إلى قراءته لآيات أول سورة طه التي وجدها مكتوبة على ورقة كانت تحملها أخته .
ومن الجلي أن هذه المخطوطات على هيئتها البدائية , لم تكن تمثل مجموعة متجانسة ومنظمة ومرقمة . كما أن الرسول لم يكن عنده شيء مكتوب فلم يكن عند الأفراد في هذه الحقبة نسخة واحدة كاملة من القرآن , وإنما كانت مخطوطات متفرقة ومبعثرة بين المؤمنين , ولم تأخذ شكلها النهائي في صدورهم إلا قرب نهاية حياة الرسول صلى الله عليه وسلم .
ولقد لوحظ في وقت مبكر أن مجموعات الآيات المنزلة لم تكن لتبقى منعزل بعضها عن بعض , ولا أن تتوالى في ترتيب زمني بعضها تلو الأخرى حسب نزول الوحي , فقد كانت مجموعات منها كثيرة منها تتزايد بمعزل عن مجموعات أخرى وتكون تدريجيا وحدات مستقلة بعد أن تنضم إليها آيات أخرى نزلت بعدها .
وان بعضها كانت تضاف هنا والأخرى كانت تضاف هناك بحسب أمر الرسول الصريح الذي كان يتلقاه بدوره من الروح القدس . وحتى تتاح الفرصة لسور القرآن لكي يتم بناؤها تدريجيا , كان ينبغي الانتظار إلى أن يكتمل الوحي كله لإخراج القرآن في شكل وحدة كاملة . إلا أن غياب هذا التتابع بين الآيات المكتوبة في هذه المرحلة لم يحل بين المؤمنين وبين المعرفة الشفوية لموضع كل آية جديدة من كل سورة على وجه التحديد , وفى كل مرحلة من المراحل , وكذلك كان الأمر بالنسبة للصلاة والتعاليم والوعظ والقراءات الأخرى .
ولقد كان فى حياة الرسول مئات الصحابة يطلق عليهم حفظة القرآن تخصصوا فى تلاة القرآن الكريم , وفى حفظه عن ظهر قلب , وفى معرفة كل سورة فى هيئتها المؤقتة او النهائية .
فنرى ابن مسعود يفخر بانه حفظ اكثر من سبعين سورة من فم الرسول , والرسول بدوره كان يؤكد انه فى شهر رمضان من كل عام كان يقوم بمراجعة عامة وتلاوة الايات التى نزل بها الوحى فى حضور جبريل وانه فى العام الاخير راجع عليه جبرير القرآن مرتين مما جعل الرسول يتنبأ بقرب اجله .
"ولم يمض عام واحد بعد ان قبض الرسول صلى الله عليه وسلم الا وبدت الحاجة ملحة لجمع وثائق القرآن المبعثرة فى مجموعة مدونة , سهلة الاستعمال , حيث تتابع ايات كل سورة , كما هو ثابت من قبل فى حافظة جماعة المؤمنين ,ولقد تقدم بالفكرة عمر بن الخطاب الى الخليفة الاول عقب معركة اليمامة مع مسيلمة الكذاب التى قتل فيها مئات من المسلمين , منهم سبعون من حملة القرآن القريم فخشية ان يتناقص تدريجيا عدد هؤلاء القراء بسبب الحروب المحتملة كان عمر يهدف بهذه الطريقة ليس فقط الى حفظ المدون من التنزيل فى مامن من الاخطار , وفى صورة يسهل الرجوع اليها , انما كان يقصد ايضا اقرار الشكل النهائى لهذا الكتاب المقدس وتوثيقه عن طريق حفظته الباقين على قيد الحياة واعتماده من الصحابة الذين كان كل منهم يحفظ منه اجزاءكبيرة او صغيرة" .(انظر م.ج. رستوفدونى – تاريخ القرآن , ص 26-27) ولقد عهد بهذه المهمة الى زيد بن ثابت الذى تردد فى بداية الامر عندما ادرك ضخامة التبعة فى هذا العمل الجليل , ولكن ابا بكر اصر قائلا "انك رجل ذكى لا نتهمك , وكنت تكتب الوحى فى عهد الرسول فقم بجمع القرآن " (بعد ان اورد لوبلوا هذه الرواية اردف قائلا "من ذا الذى لم يتمن لو ان احدا من تلاميذ المسيح الذين عاصروهقام بتدوين تعاليمه بعد وفاته مباشرة " (القرآن والتوراة العبرية – لوبلوا , ص47 مذكرة 5) "ويبدوا ان شىء ما اخر قد اسهم بعض الشىء فى هذا الاختيار وهو ان زيدا لم يكن من الكتبة الوحى ومن حملة القرآن فحسب , ولكنه فضلا عن ذلك حضر بنفسه اخر تلاوة للقرآن قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم" . (انظر تاريخ القرآن للزنجاتى , ص17)
بالاضافة الى كل هذه الضمانات , وضعت قاعدة للعمل وطبقت بكل عناية , وهى تقضى بالا يؤخذ باى مخطوط لا يشهد شخصان على انه مكتوب ليس من الذاكرة وانما باملاء الرسول ذاته وانه جزء من التنزيل فى صورته النهائية .
وبعد جمع القرآن بكل هذه الاحتياطات , سلمه زيد الى ابى بكر الذى احتفظ به طوال خلافته وعهد به قبل موته الى عمر بن الخطاب المرشح للخلافة من بعده , ثم قام عمر بتسليمه الى ابنته حفصة ام المؤمنين فى اخر لحظة من حياته لان الخليفة الثالث لم يكن قد بويع فى ذلك الوقت .
وفضلا عن كماله المطلق , يتميز اول مصحف رسمى (الذى يمكن ان نشبهه بملف يجمع صحفا مرتبة وغير مجلدة) بمطابقته المطلقة للنص .
ولكن رغم قيمة هذا المصحف العظيمة ورغم ما يستحقه من العناية التى بذلت فى جمعه فان مجرد بقائه محفوظا بعناية عند الخليفتين الاولين اسبغ عليه الطابع الفردى او الشخصى بعض الشىء ولم يصبح وثيقة للبشر كافة الا بعد نشره .
عندما اتيحت الفرصة لذلك فى خلافة عثمان بعد معارك ارمينية واذربيجان .
فقد تجمعت جيوش المسلمين الوافدة من سوريا والعراق ولاحظوا اختلاف فى بعض القراءات , اذا كان السوريون يتبعون قراءة "ابى" والعراقيون يتبعون قراءة "ابن مسعود" فقال بعضهم لبعض "قراءتنا خير من قراءتكم " ففزع حذيفة بن اليمان الى عثمان وطلب منه ان يضع حدا لهذا اللجاج الذى قد يؤدى الى مثل ما وقع فيه اليهود والنصارى من فرقة بشان كتبهم . فشكل عثمان لجنة من اربعة نساخ منهم زيد بن ثابت نفسه وهو من الانصار وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن ابن الحارث بن هشام من المهاجرين , وكلفهم بنسخ مصحف حفصة بعدد من النسخ يعادل عدد الامصار الرئيسية فى الدول الاسلامية وقال لهم : ما اختلفتم فيه فكتبوه بلسان قريش فانه نزل بلسانهم ( وهكذا احتفظت كلمة"تابوت" التى كانت تكتب "تابوه" فى المدينة بشكلها المكى ) وبانتهاء هذا العمل بما يتفق تماما مع النص الاصلى , اعيد مصحف حفصة اليها بينما جلدت النسخ الاخرى ووزعت على الامصار , باعتبارها نماذج لا بديل لها وتبطل كل ما يخالفها من قريب او بعيد .
يتبع بعون الله