عبدالرحمن السلفى
2011-04-08, 01:56 PM
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } ( فاطر - 10)
* ورد فى تفسير الجلالين - رحمهما الله - :-
" { مَن كَانَ يُرِيدُ العزة فَلِلَّهِ العزة جَمِيعاً } أي في الدنيا والآخرة فلا تنال منه إلا بطاعته فليطعه { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب } يعلمه وهو : لا إله إلا الله ، ونحوها { والعمل الصالح يَرْفَعُهُ } يقبله { والذين يَمْكُرُونَ } المكرات { السيئات } بالنبي في دار الندوة من تقييده أو قتله أو إخراجه كما ذكر في ( الأنفال ) [ 30 : 8 ] { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أولئك هُوَ يَبُورُ } يهلك . " .
* يقول الإمام بن كثير -رحمه الله - :-
" وقوله: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } أي: مَنْ كان يحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة، فليلزم طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده؛ لأن الله مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعها، كما قال تعالى: { الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } [النساء: 139] .
وقال تعالى: { وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } [يونس: 65] ، وقال: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ } [المنافقون: 8] .
قال مجاهد: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ } بعبادة الأوثان، { فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } .
وقال قتادة: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } أي: فليتعزز بطاعة الله عز وجل.
وقيل: مَنْ كان يريد علْم العزة، لمن هي، { فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } ، حكاه ابن جرير.
وقوله: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } يعني: الذكر والتلاوة والدعاء. قاله غير واحد من السلف.
وقال ابن جرير: حدثني محمد بن إسماعيل الأحْمَسِيّ، أخبرني جعفر بن عَوْن، عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، عن عبد الله بن المخارق، عن أبيه المخارق بن سليم قال: قال لنا عبد الله -هو ابن مسعود-إذا حدثناكم حديثا أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله: إن العبد المسلم إذا قال: "سبحان الله وبحمده، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تبارك الله"، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه، ثم صَعد بهن إلى السماء فلا يمُرّ بهن على جمْعٍ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يجيء بهن وجه الرحمن عز وجل، ثم قرأ عبد الله: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } .
وحدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن عُلَيَّة، أخبرنا سعيد الجُرَيْرِي ، عن عبد الله بن شقيق قال : قال كعب الأحبار: إن لـ "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" لدويا حول العرش كدويّ النحل، يُذَكِّرْنَ بصاحبهن، والعمل الصالح في الخزائن .
وهذا إسناد صحيح إلى كعب الأحبار، رحمه الله، وقد روي مرفوعًا.
قال الإمام أحمد: حدثنا ابن نُمَيْر، حدثنا موسى -يعني: ابن مسلم الطحان -عن عون بن عبد الله، عن أبيه -أو: عن أخيه -عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذين يذكرون من جلال الله، من تسبيحه وتكبيره وتحميده وتهليله، يتعاطفن حول العرش، لهن دوي كدوي النحل، يذكرون بصاحبهن ألا يحب أحدكم ألا يزال له عند الله شيء يذكر به؟" .
وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بشر بكر بن خلف، عن يحيى بن سعيد القطان، عن موسى بن أبي [عيسى] الطحان، عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبيه -أو: عن أخيه-عن النعمان بن بشير، به .
وقوله: { وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } : قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: الكلم الطيب: ذكر الله، يصعد به إلى الله، عز وجل، والعمل الصالح: أداء فرائضه. ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه، رد كلامه على عمله ، فكان أولى به.
وكذا قال مجاهد: العمل الصالح يرفع الكلام الطيب. وكذا قال أبو العالية، وعكرمة، وإبراهيم النَّخعِيّ، والضحاك، والسُّدِّيّ، والربيع بن أنس، وشَهْر بن حَوْشَب، وغير واحد [من السلف] .
وقال إياس بن معاوية القاضي: لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام.
وقال الحسن، وقتادة: لا يقبل قولٌ إلا بعمل.
وقوله: { وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ } : قال مجاهد، وسعيد بن جُبَيْر، وشَهْر بن حَوْشَب: هم المراؤون بأعمالهم، يعني: يمكرون بالناس، يوهمون أنهم في طاعة الله، وهم بُغَضَاء إلى الله عز وجل، يراؤون بأعمالهم، { وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا } [النساء: 142] .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هم المشركون.
والصحيح أنها عامة، والمشركون داخلون بطريق الأولى، ولهذا قال: { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } ، أي: يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنهى، فإنه ما أسر عبد (1) سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله رداءها، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر. فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم، بل يُكشَف لهم عن قريب، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية. " .
* يقول الإمام الطبرى - رحمه الله - :-
" القول في تأويل قوله تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) }
اختلف أهل التأويل في معنى قوله ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ) فقال بعضهم: معنى ذلك: من كان يريد العزة بعبادة الآلهة والأوثان فإن العزة لله جميعًا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قول الله( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ ) يقول: من كان يريد العزة بعبادته
الآلهة(فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا).
وقال آخرون: معنى ذلك من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ) يقول: فليتعزز بطاعة الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: من كان يريد علم العزة لمن هي، فإنه لله جميعًا كلها أي: كل وجه من العزة فلله.
والذي هو أولى الأقوال بالصواب عندي قول من قال: من كان يريد العزة فبالله فليتعزز، فلله العزة جميعًا، دون كل ما دونه من الآلهة والأوثان.
وإنما قلت: ذلك أولى بالصواب لأن الآيات التي قبل هذه الآية، جرت بتقريع الله المشركين على عبادتهم الأوثان، وتوبيخه إياهم، ووعيده لهم عليها، فأولى بهذه أيضًا أن تكون من جنس الحث على فراق ذلك، فكانت قصتها شبيهة بقصتها، وكانت في سياقها.
وقوله( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) يقول تعالى ذكره: إلى الله يصعد ذكر العبد إياه وثناؤه عليه(وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) يقول: ويرفع ذكر العبد ربه إليه عمله الصالح، وهو العمل بطاعته، وأداء فرائضه والانتهاء إلى ما أمر به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي قال: أخبرني جعفر بن عون عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن عبد الله بن المخارق عن أبيه المخارق بن سليم قال: قال لنا عبد الله: إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله، إن العبد المسلم إذا قال: سبحان الله وبحمده، الحمد لله لا إله إلا الله،
والله أكبر، تبارك الله، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحيه ثم صعد بهن إلى السماء، فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيي بهن وجه الرحمن، ثم قرأ عبد الله( وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ).
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلية، قال: أخبرنا سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق قال: قال كعب: إن لسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لدويًّا حول العرش كدوي النحل يذكرن بصاحبهن والعمل الصالح في الخزائن.
حدثني يونس، قال: ثنا سفيان عن ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب الأشعري قوله(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيْبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قال: العمل الصالح يرفع الكلم الطيب.
حدثني علي، ثنا أَبو صالح قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيْبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قال: الكلام الطيب: ذكر الله، والعمل الصالح: أداء فرائضه، فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه حمل عليه ذكر الله فصعد به إلى الله، ومن ذكر الله، ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله فكان أولى به.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيْبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قال: العمل الصالح يرفع الكلام الطيب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيْبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قال: قال الحسن وقتادة: لا يقبل الله قولا إلا بعمل، من قال وأحسن العمل قبل الله منه.
وقوله(وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ) يقول تعالى ذكره: والذين يكسبون السيئات لهم عذاب جهنم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثني سعيد، عن قتادة قوله( وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) قال: هؤلاء أهل الشرك.
وقوله(وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) يقول: وعمل هؤلاء المشركين يبور، فيبطل فيذهب؛ لأنه لم يكن لله، فلم ينفع عامله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة(وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) أى: يفسد.
حدثني يونس قال: أخبرنا سفيان عن ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب(وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) قال: هم أصحاب الرياء.
حدثني محمد بن عمارة قال: ثنا سهل بن أبي عامر قال: ثنا جعفر الأحمر عن شهر بن حوشب في قوله(وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) قال: هم أصحاب الرياء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله(وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) قال: بار فلم ينفعهم ولم ينتفعوا به، وضرهم. " .
* يقول أبن الجوزى - رحمه الله - فى زاد المسير :-
" قوله تعالى : { من كان يُريد العِزَّة } فيه ثلاثة أقوال .
أحدها : من كان يريد العزَّة بعبادة الأوثان { فللّه العِزَّةُ جميعاً } ، قاله مجاهد .
والثاني : من كان يريد العزَّة فليتعزَّز بطاعة الله ، قاله قتادة . وقد روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِنَّ ربَّكم يقول كل يوم : أنا العزيز ، فمن أراد عِزَّ الدَّارَيْن فليُطِع العزيز "
والثالث : من كان يريد عِلْم العزَّة لِمن هي ، فانها لله جميعاً ، قاله الفراء .
قوله تعالى : { إِليه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ } وقرأ ابن مسعود ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والنخعي ، والجحدري ، والشيزري عن الكسائي : { يُصْعَدُ الكلامُ الطَّيِّبُ } وهو توحيده وذِكْره { والعملُ الصَّالح يَرْفَعُهُ } قال علي بن المديني : الكِلَم الطَّيِّب : لا إِله إِلا الله ، والعمل الصالح : أداء الفرائض واجتناب المحارم .
وفي هاء الكناية في قوله «يرفعه» ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها ترجع إِلى الكَلِم الطَّيِّب؛ فالمعنى : والعمل الصالح يرفع الكَلِم الطَّيِّب ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والضحاك . وكان الحسن يقول : يُعْرَض القولُ على الفعل ، فان وافق القولَ الفعلُ قُبِل ، وإِن خالف رُدَّ .
والثاني : أنها ترجع إِلى العمل الصالح ، فالمعنى : والعمل الصالح يرفعُه الكَلِم الطَّيِّب ، فهو عكس القول الأول ، وبه قال أبو صالح ، وشهر بن حوشب . فاذا قلنا : إِن الكَلِم الطَّيِّب هو التوحيد ، كانت فائدة هذا القول أنه لا يُقْبَلُ عملٌ صالح إِلا من مُوحِّد .
والثالث : أنها ترجع إِلى الله عز وجل؛ فالمعنى : والعمل الصالح يرفعُه اللّهُ إِليه ، أي : يَقْبَلُه ، قاله قتادة .
قوله تعالى : { والذين يمكُرون السَّيِّئات } قال أبو عبيدة : يمكرون : بمعنى : يكتسِبون ويجترحِون . ثم في المشار إِليهم أربعة أقوال .
أحدها : أنهم الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة ، قاله أبو العالية .
والثاني : أنهم أصحاب الرِّياءَ ، قاله مجاهد ، وشهر بن حوشب .
والثالث : أنهم الذين يعملون السَّيِّئات ، قاله قتادة ، وابن السائب .
والرابع : أنهم قائلو الشِّرك ، قاله مقاتل .
وفي معنى { يَبُورُ } قولان .
أحدهما : يَبْطُلُ ، قاله ابن قتيبة .
والثاني : يَفْسُدُ قاله الزجاج . " .
* يقول الإمام السعدى -رحمه الله- :-
" { 10 } { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } .
أي: يا من يريد العزة، اطلبها ممن هي بيده، فإن العزة بيد اللّه، ولا تنال إلا بطاعته، وقد ذكرها بقوله: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل وكل كلام حسن طيب، فيرفع إلى اللّه ويعرض عليه ويثني اللّه على صاحبه بين الملأ الأعلى { وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ } من أعمال القلوب وأعمال الجوارح { يَرْفَعُهُ } اللّه تعالى إليه أيضا، كالكلم الطيب.
وقيل: والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، فيكون رفع الكلم الطيب بحسب أعمال العبد الصالحة، فهي التي ترفع كلمه الطيب، فإذا لم يكن له عمل صالح، لم يرفع له قول إلى اللّه تعالى، فهذه الأعمال التي ترفع إلى اللّه تعالى، ويرفع اللّه صاحبها ويعزه.
وأما السيئات فإنها بالعكس، يريد صاحبها الرفعة بها، ويمكر ويكيد ويعود ذلك عليه، ولا يزداد إلا إهانة ونزولا ولهذا قال: { والعمل الصالح يرفعه وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } يهانون فيه غاية الإهانة. { وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } أي: يهلك ويضمحل، ولا يفيدهم شيئا، لأنه مكر بالباطل، لأجل الباطل. "
أنتهى ...
{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } ( فاطر - 10)
* ورد فى تفسير الجلالين - رحمهما الله - :-
" { مَن كَانَ يُرِيدُ العزة فَلِلَّهِ العزة جَمِيعاً } أي في الدنيا والآخرة فلا تنال منه إلا بطاعته فليطعه { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب } يعلمه وهو : لا إله إلا الله ، ونحوها { والعمل الصالح يَرْفَعُهُ } يقبله { والذين يَمْكُرُونَ } المكرات { السيئات } بالنبي في دار الندوة من تقييده أو قتله أو إخراجه كما ذكر في ( الأنفال ) [ 30 : 8 ] { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أولئك هُوَ يَبُورُ } يهلك . " .
* يقول الإمام بن كثير -رحمه الله - :-
" وقوله: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } أي: مَنْ كان يحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة، فليلزم طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده؛ لأن الله مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعها، كما قال تعالى: { الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } [النساء: 139] .
وقال تعالى: { وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } [يونس: 65] ، وقال: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ } [المنافقون: 8] .
قال مجاهد: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ } بعبادة الأوثان، { فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } .
وقال قتادة: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } أي: فليتعزز بطاعة الله عز وجل.
وقيل: مَنْ كان يريد علْم العزة، لمن هي، { فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } ، حكاه ابن جرير.
وقوله: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } يعني: الذكر والتلاوة والدعاء. قاله غير واحد من السلف.
وقال ابن جرير: حدثني محمد بن إسماعيل الأحْمَسِيّ، أخبرني جعفر بن عَوْن، عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، عن عبد الله بن المخارق، عن أبيه المخارق بن سليم قال: قال لنا عبد الله -هو ابن مسعود-إذا حدثناكم حديثا أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله: إن العبد المسلم إذا قال: "سبحان الله وبحمده، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تبارك الله"، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه، ثم صَعد بهن إلى السماء فلا يمُرّ بهن على جمْعٍ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يجيء بهن وجه الرحمن عز وجل، ثم قرأ عبد الله: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } .
وحدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن عُلَيَّة، أخبرنا سعيد الجُرَيْرِي ، عن عبد الله بن شقيق قال : قال كعب الأحبار: إن لـ "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" لدويا حول العرش كدويّ النحل، يُذَكِّرْنَ بصاحبهن، والعمل الصالح في الخزائن .
وهذا إسناد صحيح إلى كعب الأحبار، رحمه الله، وقد روي مرفوعًا.
قال الإمام أحمد: حدثنا ابن نُمَيْر، حدثنا موسى -يعني: ابن مسلم الطحان -عن عون بن عبد الله، عن أبيه -أو: عن أخيه -عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذين يذكرون من جلال الله، من تسبيحه وتكبيره وتحميده وتهليله، يتعاطفن حول العرش، لهن دوي كدوي النحل، يذكرون بصاحبهن ألا يحب أحدكم ألا يزال له عند الله شيء يذكر به؟" .
وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بشر بكر بن خلف، عن يحيى بن سعيد القطان، عن موسى بن أبي [عيسى] الطحان، عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبيه -أو: عن أخيه-عن النعمان بن بشير، به .
وقوله: { وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } : قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: الكلم الطيب: ذكر الله، يصعد به إلى الله، عز وجل، والعمل الصالح: أداء فرائضه. ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه، رد كلامه على عمله ، فكان أولى به.
وكذا قال مجاهد: العمل الصالح يرفع الكلام الطيب. وكذا قال أبو العالية، وعكرمة، وإبراهيم النَّخعِيّ، والضحاك، والسُّدِّيّ، والربيع بن أنس، وشَهْر بن حَوْشَب، وغير واحد [من السلف] .
وقال إياس بن معاوية القاضي: لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام.
وقال الحسن، وقتادة: لا يقبل قولٌ إلا بعمل.
وقوله: { وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ } : قال مجاهد، وسعيد بن جُبَيْر، وشَهْر بن حَوْشَب: هم المراؤون بأعمالهم، يعني: يمكرون بالناس، يوهمون أنهم في طاعة الله، وهم بُغَضَاء إلى الله عز وجل، يراؤون بأعمالهم، { وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا } [النساء: 142] .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هم المشركون.
والصحيح أنها عامة، والمشركون داخلون بطريق الأولى، ولهذا قال: { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } ، أي: يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنهى، فإنه ما أسر عبد (1) سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله رداءها، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر. فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم، بل يُكشَف لهم عن قريب، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية. " .
* يقول الإمام الطبرى - رحمه الله - :-
" القول في تأويل قوله تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) }
اختلف أهل التأويل في معنى قوله ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ) فقال بعضهم: معنى ذلك: من كان يريد العزة بعبادة الآلهة والأوثان فإن العزة لله جميعًا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قول الله( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ ) يقول: من كان يريد العزة بعبادته
الآلهة(فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا).
وقال آخرون: معنى ذلك من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ) يقول: فليتعزز بطاعة الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: من كان يريد علم العزة لمن هي، فإنه لله جميعًا كلها أي: كل وجه من العزة فلله.
والذي هو أولى الأقوال بالصواب عندي قول من قال: من كان يريد العزة فبالله فليتعزز، فلله العزة جميعًا، دون كل ما دونه من الآلهة والأوثان.
وإنما قلت: ذلك أولى بالصواب لأن الآيات التي قبل هذه الآية، جرت بتقريع الله المشركين على عبادتهم الأوثان، وتوبيخه إياهم، ووعيده لهم عليها، فأولى بهذه أيضًا أن تكون من جنس الحث على فراق ذلك، فكانت قصتها شبيهة بقصتها، وكانت في سياقها.
وقوله( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) يقول تعالى ذكره: إلى الله يصعد ذكر العبد إياه وثناؤه عليه(وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) يقول: ويرفع ذكر العبد ربه إليه عمله الصالح، وهو العمل بطاعته، وأداء فرائضه والانتهاء إلى ما أمر به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي قال: أخبرني جعفر بن عون عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن عبد الله بن المخارق عن أبيه المخارق بن سليم قال: قال لنا عبد الله: إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله، إن العبد المسلم إذا قال: سبحان الله وبحمده، الحمد لله لا إله إلا الله،
والله أكبر، تبارك الله، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحيه ثم صعد بهن إلى السماء، فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيي بهن وجه الرحمن، ثم قرأ عبد الله( وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ).
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلية، قال: أخبرنا سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق قال: قال كعب: إن لسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لدويًّا حول العرش كدوي النحل يذكرن بصاحبهن والعمل الصالح في الخزائن.
حدثني يونس، قال: ثنا سفيان عن ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب الأشعري قوله(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيْبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قال: العمل الصالح يرفع الكلم الطيب.
حدثني علي، ثنا أَبو صالح قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيْبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قال: الكلام الطيب: ذكر الله، والعمل الصالح: أداء فرائضه، فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه حمل عليه ذكر الله فصعد به إلى الله، ومن ذكر الله، ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله فكان أولى به.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيْبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قال: العمل الصالح يرفع الكلام الطيب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيْبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قال: قال الحسن وقتادة: لا يقبل الله قولا إلا بعمل، من قال وأحسن العمل قبل الله منه.
وقوله(وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ) يقول تعالى ذكره: والذين يكسبون السيئات لهم عذاب جهنم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثني سعيد، عن قتادة قوله( وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) قال: هؤلاء أهل الشرك.
وقوله(وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) يقول: وعمل هؤلاء المشركين يبور، فيبطل فيذهب؛ لأنه لم يكن لله، فلم ينفع عامله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة(وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) أى: يفسد.
حدثني يونس قال: أخبرنا سفيان عن ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب(وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) قال: هم أصحاب الرياء.
حدثني محمد بن عمارة قال: ثنا سهل بن أبي عامر قال: ثنا جعفر الأحمر عن شهر بن حوشب في قوله(وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) قال: هم أصحاب الرياء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله(وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) قال: بار فلم ينفعهم ولم ينتفعوا به، وضرهم. " .
* يقول أبن الجوزى - رحمه الله - فى زاد المسير :-
" قوله تعالى : { من كان يُريد العِزَّة } فيه ثلاثة أقوال .
أحدها : من كان يريد العزَّة بعبادة الأوثان { فللّه العِزَّةُ جميعاً } ، قاله مجاهد .
والثاني : من كان يريد العزَّة فليتعزَّز بطاعة الله ، قاله قتادة . وقد روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِنَّ ربَّكم يقول كل يوم : أنا العزيز ، فمن أراد عِزَّ الدَّارَيْن فليُطِع العزيز "
والثالث : من كان يريد عِلْم العزَّة لِمن هي ، فانها لله جميعاً ، قاله الفراء .
قوله تعالى : { إِليه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ } وقرأ ابن مسعود ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والنخعي ، والجحدري ، والشيزري عن الكسائي : { يُصْعَدُ الكلامُ الطَّيِّبُ } وهو توحيده وذِكْره { والعملُ الصَّالح يَرْفَعُهُ } قال علي بن المديني : الكِلَم الطَّيِّب : لا إِله إِلا الله ، والعمل الصالح : أداء الفرائض واجتناب المحارم .
وفي هاء الكناية في قوله «يرفعه» ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها ترجع إِلى الكَلِم الطَّيِّب؛ فالمعنى : والعمل الصالح يرفع الكَلِم الطَّيِّب ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والضحاك . وكان الحسن يقول : يُعْرَض القولُ على الفعل ، فان وافق القولَ الفعلُ قُبِل ، وإِن خالف رُدَّ .
والثاني : أنها ترجع إِلى العمل الصالح ، فالمعنى : والعمل الصالح يرفعُه الكَلِم الطَّيِّب ، فهو عكس القول الأول ، وبه قال أبو صالح ، وشهر بن حوشب . فاذا قلنا : إِن الكَلِم الطَّيِّب هو التوحيد ، كانت فائدة هذا القول أنه لا يُقْبَلُ عملٌ صالح إِلا من مُوحِّد .
والثالث : أنها ترجع إِلى الله عز وجل؛ فالمعنى : والعمل الصالح يرفعُه اللّهُ إِليه ، أي : يَقْبَلُه ، قاله قتادة .
قوله تعالى : { والذين يمكُرون السَّيِّئات } قال أبو عبيدة : يمكرون : بمعنى : يكتسِبون ويجترحِون . ثم في المشار إِليهم أربعة أقوال .
أحدها : أنهم الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة ، قاله أبو العالية .
والثاني : أنهم أصحاب الرِّياءَ ، قاله مجاهد ، وشهر بن حوشب .
والثالث : أنهم الذين يعملون السَّيِّئات ، قاله قتادة ، وابن السائب .
والرابع : أنهم قائلو الشِّرك ، قاله مقاتل .
وفي معنى { يَبُورُ } قولان .
أحدهما : يَبْطُلُ ، قاله ابن قتيبة .
والثاني : يَفْسُدُ قاله الزجاج . " .
* يقول الإمام السعدى -رحمه الله- :-
" { 10 } { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } .
أي: يا من يريد العزة، اطلبها ممن هي بيده، فإن العزة بيد اللّه، ولا تنال إلا بطاعته، وقد ذكرها بقوله: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل وكل كلام حسن طيب، فيرفع إلى اللّه ويعرض عليه ويثني اللّه على صاحبه بين الملأ الأعلى { وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ } من أعمال القلوب وأعمال الجوارح { يَرْفَعُهُ } اللّه تعالى إليه أيضا، كالكلم الطيب.
وقيل: والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، فيكون رفع الكلم الطيب بحسب أعمال العبد الصالحة، فهي التي ترفع كلمه الطيب، فإذا لم يكن له عمل صالح، لم يرفع له قول إلى اللّه تعالى، فهذه الأعمال التي ترفع إلى اللّه تعالى، ويرفع اللّه صاحبها ويعزه.
وأما السيئات فإنها بالعكس، يريد صاحبها الرفعة بها، ويمكر ويكيد ويعود ذلك عليه، ولا يزداد إلا إهانة ونزولا ولهذا قال: { والعمل الصالح يرفعه وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } يهانون فيه غاية الإهانة. { وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } أي: يهلك ويضمحل، ولا يفيدهم شيئا، لأنه مكر بالباطل، لأجل الباطل. "
أنتهى ...