أمـــة الله
2011-05-05, 11:17 AM
كلمتان تتكرران على الألسنة كثيراً ، وهما سبب رئيس لحالة الفشل العامة والخاصة ؛ التي تعيشها الأمة,وأفرادها .
إن منبع هاتين الكلمتين ؛ هو العجز العقلي , قبل أن يكون عجزاً حقيقياً واقعياً .
والعقول العاجزة لا تصنع إلا الفشل .
لا مراء ولا جدال أن هناك أموراً في الحياة لا يستطيعها الفرد ؛ ولـذلك كـان النبي -صلى الله عليه وسلم - وهو يبايع الصحابة يقول لهم : ( فيما استطعت ) ؛كما في حديث ابن عمر – رضى الله عنهما - وغيره .
بل يقول سبحانه تأكيداً لهذا الأمر : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) ( البقرة: من الآية 286) ؛ مما يدل على : أن هناك ما هو فوق الوسع والطاقة . ومن هنا فإن هذه الحقيقة ليست مندرجة في هذا الموضوع الذي نحن بصدده , حتى لا ندخل في جدال لا ينتهي ؛ بل ينتهي بنا إلى الوهم الكبير :
( لا أستطيع – مستحيل )
ويزيد على ذلك : بأن نلبسه لباساً شرعياً .
إن هاتين الكلمتين - مع ما بينهما من فرق في اللغة والدلالة والمعنى - فقد أصبحتا قانوناً لكل عجز,وتأخر, وتفريط . تساقان للتبرير , والتخدير , وتحطيم العزائم ووأد النجاح .
كثير من الناس ، وأجيال تتلوها أجيال ، جعلت من هاتين الكلمتين: نبراساً لحياتهم ومنهجاً لتفكيرهم ، ومنطلقاً للشعور بعدم التقصير ، وأساساً للرضى بالواقع المرير .
إنني أقف مدهوشاً أمام هذا التخلف الرهيب , في واقع الأمة وحياتها ؛ مع ما تملكه من مقومات النجاح,والتفوق, والريادة , والسيادة . ومن ثم , أعملت تفكيري في هذا الأمر الجلل ؛ فتوصلت - بعد مراحل من البحث والتحليل، والسبر والتقسيم - إلى أن من أهم الأسباب في ذلك – والأسباب كثيرة– :تحول هـذا الوهم الكبير : ( لا أستطيع – مستحيل ) إلى قاعدة صلبـة في حياة كثير من أفراد الأمة أولاً، وشعوبها ثانياً . منهـا ينطلقون ، وفي ظلامها يسيرون.
وكم جر علينا هذا الوهم - ولا يزال- :
من مآس , وتأخر, وتقهقر في أمور الدين والدنيا ؛ ولذلك فإن من أخطر ما يتعلق بهذا الأمر هو :
عدم الإدراك بأنه وهم ، لا يثبت عند التحقيق , والتمحيص .
فترى من يفني جزءاً من حياته للدفاع عن هذا الصنم ؛ ليثبت أنه ركن صلب , وحقيقة قائمة ، ومسلمة لا مراء فيها .
إن هذا الوهم لم ينشأ بين عشيه وضحاها ؛ وإنما هو ثمرة لمجموعة من التراكمات والعوامل ؛ نشأت على مر السنين والأعوام . وهو إفراز لظروف مرت بها الأمة في تاريخها الطويل . فبدل أن تنتج من رحم المعاناة رجالاً ؛ يقودون الأمة إلى الرقي , والتقدم دون استسلام للصعوبات , والعقبات وبنيات الطريق ؛ وإذا بتلك العوامل تكون سببا لمزيد من الإحباط , واليأس , والفشل , والتردي في هوة الوادي السحيق .
كم يتعجب المرأ عندما يرى أمة وثنية ؛ اتخذت من الشدائد منطلقاً لرقيها ومزاحمتها لأشد أعدائها,دون أن تستسلم للهزيمة النفسية ، والإحباط المعنوي .
فهذه اليابان جعلت من حطام قنبلتي ( هيروشيما , وناجازاكي ) وقوداً سريع الإنضاج , لما وصلت إليه من رقى, وتحضر في أمور الدنيا ؛ حتى أصبحت رقماً مهماً في المعادلة الاقتصادية الدولية ، ولم تجعل من تلك الهزائم, والفواجع وسيلة للبكاء , واستدرار عطف الآخرين .
أما ألمانيا ؛ فقد خرجت من تحت أنقاض الخراب والدمار دولة كبرى . يحسب لها المجتمع الدولي ألف حساب. وأصبح اقتصادها من أقوى ركائز الاقتصاد في العالم مع أنه لم يمر على تدمير ألمانيا سوى سنوات معدودة ؛ حيث إن النقلة بين التاريخيين لا تزيد عن ( 30 ) عاماً .
إنني أسرح في تفكيري بعيداً !! فأقول : يا تُرى , لو أن المجددين والمصلحين -من قادة الأمة - استسلموا لهذا الوهم الكبير : ( لا أستطيع – مستحيل ) ، كيف سيكون حال الأمة ومصيرها ؟!!
لو أن أبا بكر – رضي الله عنه – قال : لا أستطيع مقاتلة العرب بعد ارتدادهم واستسلم لهذا الواقع المرير – وحاشاه من ذلك – كيف ستكون النتيجة ؟! إن مجرد التفكير في ذلك ؛ يحدث هزة ورعباً .
لو أن أحمد بن حنبل – رحمه الله – لم يقف ذلك الموقف الصعب الصلب , في وجه قادة الفتنة , من أساطين المبتدعة , المدعومين من حكام لم يدركوا خطورة ما فعلوا واستسلم لـ ( لا أستطيع – مستحيل ) , فهل يا ترى يكون قد تحقق ذلك النصر المذهل , لأهل السنة على يد رجل واحد ، تخلى عنه أقرب الناس إليه ، وبقى في الميدان وحيداً، يواجه عتاة الفتنة العمياء ، وتأول المحبين؟! .
لو أن صلاح الدين الأيوبي –رحمه الله - استسلم لذلك الذل الرهيب , الذي كانت تعيشه الأمة تحت استعمار الصليبيين ، وهم يدنسون بقعة من أقدس البقاع في الأرض ، معللاً نفسه بأنه : لا يستطيع أن يواجه تلك القوى الغاشمة , التي تملك أقوى الأسلحة المادية ، مع الدعم اللا محدود من كثير من بلدان العالم ، ورضى لنفسه ما رضيه كثير من حكام زمانه ؛ بالخضوع والخنوع , مع ضمان الملك والسلطان . لو أنه فعل ذلك ، وقال: إن إخراج النصارى ومواجهتهم مستحيلة ، أكانت القدس تطهر من براثن الصليبيين وحقدهم ؟!!
قد تمر سنوات طويلة ؛ حتى يتحقق ما تحقق على يد صلاح الدين في حطين ، وما أشبه الليلة بالبارحة!
لو أن شيخ الإسلام ، ابن تيمية – رحمه الله – لم يشمر عن ساعد الجد علماً وعملاً وجهاداً ، في زمن سيطر عليه الجمود ، وارتفعت فيه أصوات أهل الباطل ، من المبتدعة ، وأرباب الكلام ، مع هزائم سياسية وعسكرية ؛ عانت منها الأمة في وقته لو أنه استسلم لعقيدة ( لا أستطيع – مستحيل ) ، أيكون قد حفظ لنا التاريخ ذلك التراث الضخم من البطولات ، والصولات ، والجولات ، والعلم الغزير ، والمنهج السديد الرصين ، والتحدي للباطل - حتى آخر نفس من حياته ، وهو فرد واحد ، ولكنه كان يأوي إلى ركن شديد؟!!
ولو أن محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – وقد وجد الجزيرة تعيش في ظلمة الجهل ، والبدع ، والتقليد ، والتعصب ، لو أنه رضي لنفسه ما رضيه غيره من الطيبين والأخيار ، وتناغم مع ذلك الوهم الذي أصبح واقعاً : ( لا أستطيع – مستحيل ) ، فهل يا ترى تكون الجزيرة قد تخلصت من بدعها ، وشركياتها واستيقظت من نومها , وسباتها ؟!! علم ذلك عند ربي جل وعلا .
وتاريخنا الطويل مليء بمثل أولئك الرواد من القادة ، والمصلحين ، والمجددين ، الذين سطروا بمداد من نور أروع الأمثلة ، والنماذج على قدرة المسلم على تحطيم اعتي العقبات الحسية ، والمعنوية دون أن يستسلموا للهزيمة النفسية والتخدير المركب .
سيقول كثيرون: إن أولئك الرجال عظماء ، وقليل ما هم !!
فأقول : إننا لم نعرف أنهم عظماء ؛ إلا بعد أن سجلوا تلك الصفحات المشرقة وقاموا بتلك البطـولات الرائعـة في شتى الميادين ؛ وإلا فإنهم قبل ذلك رجـال عاديون ؛ ولكنهم - لأسباب كثيرة - تدرجوا في قصة النجاح الطويلة ، التي جعلت منهم أبطالاً وقادة . وكان على قمة تلك الأسباب : تحطيم ذلك الوهم الكبير ( لا أستطيع – مستحيل ) .
أ.د/ ناصر بن سليمان العمر
إن منبع هاتين الكلمتين ؛ هو العجز العقلي , قبل أن يكون عجزاً حقيقياً واقعياً .
والعقول العاجزة لا تصنع إلا الفشل .
لا مراء ولا جدال أن هناك أموراً في الحياة لا يستطيعها الفرد ؛ ولـذلك كـان النبي -صلى الله عليه وسلم - وهو يبايع الصحابة يقول لهم : ( فيما استطعت ) ؛كما في حديث ابن عمر – رضى الله عنهما - وغيره .
بل يقول سبحانه تأكيداً لهذا الأمر : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) ( البقرة: من الآية 286) ؛ مما يدل على : أن هناك ما هو فوق الوسع والطاقة . ومن هنا فإن هذه الحقيقة ليست مندرجة في هذا الموضوع الذي نحن بصدده , حتى لا ندخل في جدال لا ينتهي ؛ بل ينتهي بنا إلى الوهم الكبير :
( لا أستطيع – مستحيل )
ويزيد على ذلك : بأن نلبسه لباساً شرعياً .
إن هاتين الكلمتين - مع ما بينهما من فرق في اللغة والدلالة والمعنى - فقد أصبحتا قانوناً لكل عجز,وتأخر, وتفريط . تساقان للتبرير , والتخدير , وتحطيم العزائم ووأد النجاح .
كثير من الناس ، وأجيال تتلوها أجيال ، جعلت من هاتين الكلمتين: نبراساً لحياتهم ومنهجاً لتفكيرهم ، ومنطلقاً للشعور بعدم التقصير ، وأساساً للرضى بالواقع المرير .
إنني أقف مدهوشاً أمام هذا التخلف الرهيب , في واقع الأمة وحياتها ؛ مع ما تملكه من مقومات النجاح,والتفوق, والريادة , والسيادة . ومن ثم , أعملت تفكيري في هذا الأمر الجلل ؛ فتوصلت - بعد مراحل من البحث والتحليل، والسبر والتقسيم - إلى أن من أهم الأسباب في ذلك – والأسباب كثيرة– :تحول هـذا الوهم الكبير : ( لا أستطيع – مستحيل ) إلى قاعدة صلبـة في حياة كثير من أفراد الأمة أولاً، وشعوبها ثانياً . منهـا ينطلقون ، وفي ظلامها يسيرون.
وكم جر علينا هذا الوهم - ولا يزال- :
من مآس , وتأخر, وتقهقر في أمور الدين والدنيا ؛ ولذلك فإن من أخطر ما يتعلق بهذا الأمر هو :
عدم الإدراك بأنه وهم ، لا يثبت عند التحقيق , والتمحيص .
فترى من يفني جزءاً من حياته للدفاع عن هذا الصنم ؛ ليثبت أنه ركن صلب , وحقيقة قائمة ، ومسلمة لا مراء فيها .
إن هذا الوهم لم ينشأ بين عشيه وضحاها ؛ وإنما هو ثمرة لمجموعة من التراكمات والعوامل ؛ نشأت على مر السنين والأعوام . وهو إفراز لظروف مرت بها الأمة في تاريخها الطويل . فبدل أن تنتج من رحم المعاناة رجالاً ؛ يقودون الأمة إلى الرقي , والتقدم دون استسلام للصعوبات , والعقبات وبنيات الطريق ؛ وإذا بتلك العوامل تكون سببا لمزيد من الإحباط , واليأس , والفشل , والتردي في هوة الوادي السحيق .
كم يتعجب المرأ عندما يرى أمة وثنية ؛ اتخذت من الشدائد منطلقاً لرقيها ومزاحمتها لأشد أعدائها,دون أن تستسلم للهزيمة النفسية ، والإحباط المعنوي .
فهذه اليابان جعلت من حطام قنبلتي ( هيروشيما , وناجازاكي ) وقوداً سريع الإنضاج , لما وصلت إليه من رقى, وتحضر في أمور الدنيا ؛ حتى أصبحت رقماً مهماً في المعادلة الاقتصادية الدولية ، ولم تجعل من تلك الهزائم, والفواجع وسيلة للبكاء , واستدرار عطف الآخرين .
أما ألمانيا ؛ فقد خرجت من تحت أنقاض الخراب والدمار دولة كبرى . يحسب لها المجتمع الدولي ألف حساب. وأصبح اقتصادها من أقوى ركائز الاقتصاد في العالم مع أنه لم يمر على تدمير ألمانيا سوى سنوات معدودة ؛ حيث إن النقلة بين التاريخيين لا تزيد عن ( 30 ) عاماً .
إنني أسرح في تفكيري بعيداً !! فأقول : يا تُرى , لو أن المجددين والمصلحين -من قادة الأمة - استسلموا لهذا الوهم الكبير : ( لا أستطيع – مستحيل ) ، كيف سيكون حال الأمة ومصيرها ؟!!
لو أن أبا بكر – رضي الله عنه – قال : لا أستطيع مقاتلة العرب بعد ارتدادهم واستسلم لهذا الواقع المرير – وحاشاه من ذلك – كيف ستكون النتيجة ؟! إن مجرد التفكير في ذلك ؛ يحدث هزة ورعباً .
لو أن أحمد بن حنبل – رحمه الله – لم يقف ذلك الموقف الصعب الصلب , في وجه قادة الفتنة , من أساطين المبتدعة , المدعومين من حكام لم يدركوا خطورة ما فعلوا واستسلم لـ ( لا أستطيع – مستحيل ) , فهل يا ترى يكون قد تحقق ذلك النصر المذهل , لأهل السنة على يد رجل واحد ، تخلى عنه أقرب الناس إليه ، وبقى في الميدان وحيداً، يواجه عتاة الفتنة العمياء ، وتأول المحبين؟! .
لو أن صلاح الدين الأيوبي –رحمه الله - استسلم لذلك الذل الرهيب , الذي كانت تعيشه الأمة تحت استعمار الصليبيين ، وهم يدنسون بقعة من أقدس البقاع في الأرض ، معللاً نفسه بأنه : لا يستطيع أن يواجه تلك القوى الغاشمة , التي تملك أقوى الأسلحة المادية ، مع الدعم اللا محدود من كثير من بلدان العالم ، ورضى لنفسه ما رضيه كثير من حكام زمانه ؛ بالخضوع والخنوع , مع ضمان الملك والسلطان . لو أنه فعل ذلك ، وقال: إن إخراج النصارى ومواجهتهم مستحيلة ، أكانت القدس تطهر من براثن الصليبيين وحقدهم ؟!!
قد تمر سنوات طويلة ؛ حتى يتحقق ما تحقق على يد صلاح الدين في حطين ، وما أشبه الليلة بالبارحة!
لو أن شيخ الإسلام ، ابن تيمية – رحمه الله – لم يشمر عن ساعد الجد علماً وعملاً وجهاداً ، في زمن سيطر عليه الجمود ، وارتفعت فيه أصوات أهل الباطل ، من المبتدعة ، وأرباب الكلام ، مع هزائم سياسية وعسكرية ؛ عانت منها الأمة في وقته لو أنه استسلم لعقيدة ( لا أستطيع – مستحيل ) ، أيكون قد حفظ لنا التاريخ ذلك التراث الضخم من البطولات ، والصولات ، والجولات ، والعلم الغزير ، والمنهج السديد الرصين ، والتحدي للباطل - حتى آخر نفس من حياته ، وهو فرد واحد ، ولكنه كان يأوي إلى ركن شديد؟!!
ولو أن محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – وقد وجد الجزيرة تعيش في ظلمة الجهل ، والبدع ، والتقليد ، والتعصب ، لو أنه رضي لنفسه ما رضيه غيره من الطيبين والأخيار ، وتناغم مع ذلك الوهم الذي أصبح واقعاً : ( لا أستطيع – مستحيل ) ، فهل يا ترى تكون الجزيرة قد تخلصت من بدعها ، وشركياتها واستيقظت من نومها , وسباتها ؟!! علم ذلك عند ربي جل وعلا .
وتاريخنا الطويل مليء بمثل أولئك الرواد من القادة ، والمصلحين ، والمجددين ، الذين سطروا بمداد من نور أروع الأمثلة ، والنماذج على قدرة المسلم على تحطيم اعتي العقبات الحسية ، والمعنوية دون أن يستسلموا للهزيمة النفسية والتخدير المركب .
سيقول كثيرون: إن أولئك الرجال عظماء ، وقليل ما هم !!
فأقول : إننا لم نعرف أنهم عظماء ؛ إلا بعد أن سجلوا تلك الصفحات المشرقة وقاموا بتلك البطـولات الرائعـة في شتى الميادين ؛ وإلا فإنهم قبل ذلك رجـال عاديون ؛ ولكنهم - لأسباب كثيرة - تدرجوا في قصة النجاح الطويلة ، التي جعلت منهم أبطالاً وقادة . وكان على قمة تلك الأسباب : تحطيم ذلك الوهم الكبير ( لا أستطيع – مستحيل ) .
أ.د/ ناصر بن سليمان العمر