أسد الدين
2007-10-13, 05:31 AM
معركة الزلاقة : 12 رجب 479هـ
هي أعظم وأكبر معارك الأندلس قاطبة، والنقطة الفاصلة في حياة دولة الإسلام في الأندلس والتي أجلت السقوط لعدة قرون، وتبدأ فصولها قبل وقوعها بعدة سنين عندما أدت الخلافات على كرسي الخلافة الأموية إلى سقوطها بالكلية، ودخلت الأندلس عهدًا جديدًا أشبه ما يكون بالنفق المظلم، ألا وهو عهد ملوك الطوائف، وفيه تمزقت دولة الإسلام في الأندلس لعدة دويلات صغيرة, على رأس كل واحدة منها متغلب طامع استقوى بعشيرته وقرابته في التسلط على هذه الدويلة وساكنيها ومعظمهم محدثو نعمة لا يرجعون إلى دين أو فضل أو نباهة، مما انعكس سلبًا على وضع الإسلام كدولة وكشعب بالأندلس، حيث إن ملوك الطوائف أرهقوا رعاياهم بالضرائب الجائرة من أجل إشباع شهواتهم ورغباتهم وتقوية سلطانهم، وانشغلوا بالاقتتال مع جيرانهم المسلمين من أجل اقتطاع أراضي جديدة تضاف لدائرة ملك كل واحد منهم على حساب جاره المسلم، وهم على النقيض من ذلك تمامًا مع أعدائهم الأسبان الصليبيين في الشمال، فهم في منتهى الخنوع والذلة معهم, فجميع ملوك الطوائف يدفعون الجزية لملك الصليبيين «ألفونسو السادس» بل إن الأدهى من ذلك يطلبون مساعدته في حربهم ضد بعضهم البعض.
هذه الحالة المزرية لملوك الطوائف في الأندلس شجعت أشهر ملوك أسبانيا «ألفونسو السادس» على تنفيذ مخطط إسبانيا القديم وشن حرب الاسترداد المقدسة! والتي تهدف لإزالة الوجود الإسلامي من الأندلس بالكلية، وفي الوقت الذي كان فيه ملوك الطوائف في غفلتهم نائمين وفي غيهم سادرون وبصراعاتهم منشغلين، كان «ألفونسو» مشغولاً بتوحيد صفوف الصليبيين, ويتوسع أفقيًا على حساب أملاك الدولة المسلمة, ثم وثب «ألفونسو» وثبة كبيرة كانت بمثابة ناقوس الخطر لجميع المسلمين, وذلك حين استولى على مدينة طليطلة العريقة القديمة سنة 478هـ، وكان ألفونسو هو أول ملك نصراني يلبس شارة الصليب عند قتاله ضد المسلمين إشارة منه للبعد الديني الكامل لهذه الحروب, وكان استيلاؤه على طليطلة الباعث الرئيس والملهم الأول لفكرة الحروب الصليبية التي شنتها أوروبا الغربية على العالم الإسلامي والشام, والتي استمرت أكثر من قرنين من الزمان.
دخل الصراع بين الأندلس المسلمة وإسبانيا مرحلة جديدة تحولت فيها كفة الصراع لصالح الصليبيين وحدث نوع انتفاضة وفورة صليبية في أوروبا عامة وإسبانيا خاصة، مما جعل «ألفونسو» لا يقنع بما أكله من أرض المسلمين في «طليطلة» إذ رمى ببصره إلى مملكة «إشبيلية» ورام أخذها وبدأ في التحرش بملكها «المعتمد بن عباد» تمهيدًا لشن الحرب عليه، وأخذ في اختلاق الذرائع الواهية والمهنية في نفس الوقت لاستدراج المعتمد بن عباد في حرب لا قبل له بها.
في الحقيقة كان وزر سقوط «طليطلة» يقع في المقام الأول على ملوكها الغافلين المفرطين, ثم على «المعتمد بن عباد» ذلك لأنه أقوى ملوك الطوائف وقتها, وأيضًا أقرب الجيران لطليطلة ويملك الجيوش القادرة على رد عادية ألفونسو الصليبي، ولما أحس المعتمد بن عباد بجدية تهديدات ألفونسو له أخذ في التفكير في كيفية التصدي لهذا العدوان السافر، وبعد مداولات ومشاورات مع كبار رجال دولته استقر الرأي على الاستعانة بالمرابطين وزعيمهم «يوسف بن تاشفين» ولم يلتفت لمن خوفوه بذهاب ملكه إن هو استعان بالمرابطين, وقال المعتمد كلمته الشهيرة المأثورة: «لأن أكون راعي جمال في صحراء إفريقيا خير من أن أرعى الخنازير في قشتالة».
أرسل المعتمد بن عباد قاضيه عبد الله بن أدهم برسالة استغاثة مؤثرة لقائد المرابطين يوسف بن تاشفين الذي جمع مشايخ وعلماء المرابطين واستشارهم, فأفتوا جميعًا بوجوب نصرة مسلمي الأندلس, فأعلن يوسف النفير العام في جميع أنحاء المغرب والشمال الإفريقي، واجتمع عنده أعداد عظيمة من المجاهدين عبر بهم البحر الذي هدأت ثورته عند عبور الجيوش، فلما نزل يوسف على بر الأندلس سجد لله عز وجل شكرًا وتواضعًا، وبدوره قام ألفونسو السادس بإعلان النفير العام في صليبي أوروبا عمومًا وإسبانيا خصوصًا وفك حصاره الطويل على «إشبيلية» وعاد إلى طليطلة لتجهيز الجيوش، وبالفعل اجتمع عنده هو الآخر أعداد ضخمة من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وكرسي البابوية واستعد الفريقان للقتال المرتقب.
وصل الجيشان عند وادي الزلاقة على نهر الوادي الكبير, وقبل الصدام وعملاً بأحكام القرآن والسنة بدعوة ألفونسو للإسلام أو الجزية فإن أبى فالحرب وهو ما اختاره ألفونسو بكل استكبار وعناد, وقد حاول «ألفونسو» خداع المسلمين فكتب إليهم يقول: «إن الجمعة لكم والسبت لليهود وهم وزراؤنا وخدامنا ولا نستغني عنهم, والأحد لنا, فاللقاء يكون الاثنين» وكان هذا الخطاب يوم الخميس عصرًا, وكان ألفونسو يبيت الغدر بالمسلمين والهجوم عليهم أثناء صلاة الجمعة، ولكن المعتمد بن عباد أدرك هذه الخدعة وأخذ استعداداته للصدام يوم الجمعة.
وفي صبيحة يوم الجمعة الموافق 12 رجب 479هـ زحف الصليبيون بكل قواتهم ظانين غفلة المسلمين, ولكنهم فوجئوا بالقوات الأندلسية بقيادة «المعتمد بن عباد» على أهبة الاستعداد، واشتبك الجيشان في معركة عارمة وتضغط مقدمة الجيوش الصليبية على القوات الأندلسية بمنتهى العنف مستغلة كثرتها العددية، فتراجع الأندلسيون إلى الخلف وصمد المعتمد مكانه وأصيب بجراحات كثيرة, ولكنه لم يتزحزح من موقعه، هذا كله والجيوش المرابطية لم تنزل بعد أرض المعركة، إذ كانت الخطة تقوم على استدراج الصليبيين واستنفاذ قوتهم وإيقاعهم بين فكي كماشة محكمة.
وفي اللحظة المناسبة نزلت الجيوش المرابطية أرض المعركة وطوقت الجيوش الصليبية وفتكت بمؤخرتها وأضرمت النار في معسكر ألفونسو الخلفي، وحاول ألفونسو الارتداد لإنقاذ معسكره فوجد نفسه في مواجهة مباشرة مع الحرس الأسود, وهي كتيبة خاصة مكونة من أربعة آلاف مقاتل من منطقة «غانا» في منتهى الضراوة والشجاعة القتالية, ولا يقاتلون إلا بالخناجر والرماح القصيرة, وقد استطاعت هذه الكتيبة المرعبة أن تنهي أي مقاومة من جانب الصليبيين، بل أكثر من ذلك استطاع أحدهم أن يصيب ألفونسو في فخذه بطعنة خنجر ظل بعدها سائر عمره أعرج، وفر ألفونسو ومن بقي من جيشه، ولم يصل إلى طليطلة إلا في مائة مقاتل فقط بعد أن خرج للقتال ومعه جيش يفوق الخمسين ألفًا.
وهكذا انتهت المعركة بنصر عالمي مدوي للمسلمين أبقى دولة الإسلام في الأندلس صامدة قرون عديدة. ومن الطرائف التاريخية أن الذي صد الصليبيين في المشرق ببلاد الشام هو صلاح الدين يوسف, والذي تولى صدهم في المغرب ببلاد الأندلس هو يوسف بن تاشفين، ولكن شهرة يوسف المشرق غطت على شهرة يوسف المغرب، على الرغم من الدور العظيم الذي قام به من أجل إنقاذ مسلمي الأندلس، ولكن مما يؤخذ على هذه المعركة أن المرابطين لم يواصلوا قتالهم ضد الصليبيين من أجل تحرير مدينة طليطلة، واكتفى يوسف بن تاشفين بتحطيم قوة ألفونسو العسكرية، وهذا ما سيظهر عواقبه بعد ذلك.
هي أعظم وأكبر معارك الأندلس قاطبة، والنقطة الفاصلة في حياة دولة الإسلام في الأندلس والتي أجلت السقوط لعدة قرون، وتبدأ فصولها قبل وقوعها بعدة سنين عندما أدت الخلافات على كرسي الخلافة الأموية إلى سقوطها بالكلية، ودخلت الأندلس عهدًا جديدًا أشبه ما يكون بالنفق المظلم، ألا وهو عهد ملوك الطوائف، وفيه تمزقت دولة الإسلام في الأندلس لعدة دويلات صغيرة, على رأس كل واحدة منها متغلب طامع استقوى بعشيرته وقرابته في التسلط على هذه الدويلة وساكنيها ومعظمهم محدثو نعمة لا يرجعون إلى دين أو فضل أو نباهة، مما انعكس سلبًا على وضع الإسلام كدولة وكشعب بالأندلس، حيث إن ملوك الطوائف أرهقوا رعاياهم بالضرائب الجائرة من أجل إشباع شهواتهم ورغباتهم وتقوية سلطانهم، وانشغلوا بالاقتتال مع جيرانهم المسلمين من أجل اقتطاع أراضي جديدة تضاف لدائرة ملك كل واحد منهم على حساب جاره المسلم، وهم على النقيض من ذلك تمامًا مع أعدائهم الأسبان الصليبيين في الشمال، فهم في منتهى الخنوع والذلة معهم, فجميع ملوك الطوائف يدفعون الجزية لملك الصليبيين «ألفونسو السادس» بل إن الأدهى من ذلك يطلبون مساعدته في حربهم ضد بعضهم البعض.
هذه الحالة المزرية لملوك الطوائف في الأندلس شجعت أشهر ملوك أسبانيا «ألفونسو السادس» على تنفيذ مخطط إسبانيا القديم وشن حرب الاسترداد المقدسة! والتي تهدف لإزالة الوجود الإسلامي من الأندلس بالكلية، وفي الوقت الذي كان فيه ملوك الطوائف في غفلتهم نائمين وفي غيهم سادرون وبصراعاتهم منشغلين، كان «ألفونسو» مشغولاً بتوحيد صفوف الصليبيين, ويتوسع أفقيًا على حساب أملاك الدولة المسلمة, ثم وثب «ألفونسو» وثبة كبيرة كانت بمثابة ناقوس الخطر لجميع المسلمين, وذلك حين استولى على مدينة طليطلة العريقة القديمة سنة 478هـ، وكان ألفونسو هو أول ملك نصراني يلبس شارة الصليب عند قتاله ضد المسلمين إشارة منه للبعد الديني الكامل لهذه الحروب, وكان استيلاؤه على طليطلة الباعث الرئيس والملهم الأول لفكرة الحروب الصليبية التي شنتها أوروبا الغربية على العالم الإسلامي والشام, والتي استمرت أكثر من قرنين من الزمان.
دخل الصراع بين الأندلس المسلمة وإسبانيا مرحلة جديدة تحولت فيها كفة الصراع لصالح الصليبيين وحدث نوع انتفاضة وفورة صليبية في أوروبا عامة وإسبانيا خاصة، مما جعل «ألفونسو» لا يقنع بما أكله من أرض المسلمين في «طليطلة» إذ رمى ببصره إلى مملكة «إشبيلية» ورام أخذها وبدأ في التحرش بملكها «المعتمد بن عباد» تمهيدًا لشن الحرب عليه، وأخذ في اختلاق الذرائع الواهية والمهنية في نفس الوقت لاستدراج المعتمد بن عباد في حرب لا قبل له بها.
في الحقيقة كان وزر سقوط «طليطلة» يقع في المقام الأول على ملوكها الغافلين المفرطين, ثم على «المعتمد بن عباد» ذلك لأنه أقوى ملوك الطوائف وقتها, وأيضًا أقرب الجيران لطليطلة ويملك الجيوش القادرة على رد عادية ألفونسو الصليبي، ولما أحس المعتمد بن عباد بجدية تهديدات ألفونسو له أخذ في التفكير في كيفية التصدي لهذا العدوان السافر، وبعد مداولات ومشاورات مع كبار رجال دولته استقر الرأي على الاستعانة بالمرابطين وزعيمهم «يوسف بن تاشفين» ولم يلتفت لمن خوفوه بذهاب ملكه إن هو استعان بالمرابطين, وقال المعتمد كلمته الشهيرة المأثورة: «لأن أكون راعي جمال في صحراء إفريقيا خير من أن أرعى الخنازير في قشتالة».
أرسل المعتمد بن عباد قاضيه عبد الله بن أدهم برسالة استغاثة مؤثرة لقائد المرابطين يوسف بن تاشفين الذي جمع مشايخ وعلماء المرابطين واستشارهم, فأفتوا جميعًا بوجوب نصرة مسلمي الأندلس, فأعلن يوسف النفير العام في جميع أنحاء المغرب والشمال الإفريقي، واجتمع عنده أعداد عظيمة من المجاهدين عبر بهم البحر الذي هدأت ثورته عند عبور الجيوش، فلما نزل يوسف على بر الأندلس سجد لله عز وجل شكرًا وتواضعًا، وبدوره قام ألفونسو السادس بإعلان النفير العام في صليبي أوروبا عمومًا وإسبانيا خصوصًا وفك حصاره الطويل على «إشبيلية» وعاد إلى طليطلة لتجهيز الجيوش، وبالفعل اجتمع عنده هو الآخر أعداد ضخمة من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وكرسي البابوية واستعد الفريقان للقتال المرتقب.
وصل الجيشان عند وادي الزلاقة على نهر الوادي الكبير, وقبل الصدام وعملاً بأحكام القرآن والسنة بدعوة ألفونسو للإسلام أو الجزية فإن أبى فالحرب وهو ما اختاره ألفونسو بكل استكبار وعناد, وقد حاول «ألفونسو» خداع المسلمين فكتب إليهم يقول: «إن الجمعة لكم والسبت لليهود وهم وزراؤنا وخدامنا ولا نستغني عنهم, والأحد لنا, فاللقاء يكون الاثنين» وكان هذا الخطاب يوم الخميس عصرًا, وكان ألفونسو يبيت الغدر بالمسلمين والهجوم عليهم أثناء صلاة الجمعة، ولكن المعتمد بن عباد أدرك هذه الخدعة وأخذ استعداداته للصدام يوم الجمعة.
وفي صبيحة يوم الجمعة الموافق 12 رجب 479هـ زحف الصليبيون بكل قواتهم ظانين غفلة المسلمين, ولكنهم فوجئوا بالقوات الأندلسية بقيادة «المعتمد بن عباد» على أهبة الاستعداد، واشتبك الجيشان في معركة عارمة وتضغط مقدمة الجيوش الصليبية على القوات الأندلسية بمنتهى العنف مستغلة كثرتها العددية، فتراجع الأندلسيون إلى الخلف وصمد المعتمد مكانه وأصيب بجراحات كثيرة, ولكنه لم يتزحزح من موقعه، هذا كله والجيوش المرابطية لم تنزل بعد أرض المعركة، إذ كانت الخطة تقوم على استدراج الصليبيين واستنفاذ قوتهم وإيقاعهم بين فكي كماشة محكمة.
وفي اللحظة المناسبة نزلت الجيوش المرابطية أرض المعركة وطوقت الجيوش الصليبية وفتكت بمؤخرتها وأضرمت النار في معسكر ألفونسو الخلفي، وحاول ألفونسو الارتداد لإنقاذ معسكره فوجد نفسه في مواجهة مباشرة مع الحرس الأسود, وهي كتيبة خاصة مكونة من أربعة آلاف مقاتل من منطقة «غانا» في منتهى الضراوة والشجاعة القتالية, ولا يقاتلون إلا بالخناجر والرماح القصيرة, وقد استطاعت هذه الكتيبة المرعبة أن تنهي أي مقاومة من جانب الصليبيين، بل أكثر من ذلك استطاع أحدهم أن يصيب ألفونسو في فخذه بطعنة خنجر ظل بعدها سائر عمره أعرج، وفر ألفونسو ومن بقي من جيشه، ولم يصل إلى طليطلة إلا في مائة مقاتل فقط بعد أن خرج للقتال ومعه جيش يفوق الخمسين ألفًا.
وهكذا انتهت المعركة بنصر عالمي مدوي للمسلمين أبقى دولة الإسلام في الأندلس صامدة قرون عديدة. ومن الطرائف التاريخية أن الذي صد الصليبيين في المشرق ببلاد الشام هو صلاح الدين يوسف, والذي تولى صدهم في المغرب ببلاد الأندلس هو يوسف بن تاشفين، ولكن شهرة يوسف المشرق غطت على شهرة يوسف المغرب، على الرغم من الدور العظيم الذي قام به من أجل إنقاذ مسلمي الأندلس، ولكن مما يؤخذ على هذه المعركة أن المرابطين لم يواصلوا قتالهم ضد الصليبيين من أجل تحرير مدينة طليطلة، واكتفى يوسف بن تاشفين بتحطيم قوة ألفونسو العسكرية، وهذا ما سيظهر عواقبه بعد ذلك.