صقر قريش
2007-10-14, 07:38 PM
استشكل أمرُ القضاء والقدر على الناس، فمِن غافلٍ عنه البتة، تائه عن آلاء الله وحكمته، إلى متواكلٍ أشبه بغنم الأضحية، يحتج به على قعوده منتظراً الفرج من الغيب دون أن يحرّك ساكناً من جانبه. وفيما ينطلق الماديون فيما يحقق عمارة الدنيا وتدميرها على السواء، ينصرف آخرون عن تدبير أبسط الأشياء، كمن أصابه شلل تام. وبين ضفتي الفريقين أصناف من البشر وتباينات شتى تصل إلى حد عبث البعض بالحياة نفسها وازدرائها، ويرى هؤلاء أنه لا حاجة بهم إلى أية حاجة، وأنه لا قيمة لأي كلام أو فعل، ولا فائدة من التفكير العميق فضلاً عن التخطيط لشيء البتة، ويحكم هؤلاء قانون يقول عش حياتك اليوم ولتمت غدا.
ومحور حديثنا هنا هو ذلك الإنسان، الذي يعتبر بحقٍ سيد الكائنات التي يقع عليها الحس. وبما أن إنجازات الإنسان هي المفتاح لتقويم آدائه ومدى نجاحه أثناء حياته، فإن أساس البحث كان منصباً على أفعاله التي تقع منه عن اختيار ووعي وإدراك، حيث أنَّ ما وراء ذلك ليس عليه فيه حساب ولا ثواب ولا عقاب، يقول النبي الكريم ( رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل) .
وترد هنا جملة من الأسئلة المُشْكَلَةِ في أذهان الناس، نأخذها تباعاً: ألا تحكم مشيئة الخالق تبارك وتعالى تفاصيل أحداث الكون والإنسان والحياة؟ والجواب هو بلى، إلا أنه سبحانه اختص الإنسان بقدرة على الاختيار إضافةً إلى تمييزه عن سواه بالفهم والإدراك. وهاتان الخصلتان، مجتمعتين - الفكر والإرادة- ترفعان الإنسان عن مستوى البهائم والجوامد، وتجعلانه مسئولاً عن تصرفاته أمام الخالق والخلائق. والخلاصة هي أن مشيئة الخالق منحت الإنسان القدرة على الاختيار، فكان الإنسان مأذوناً بالتصرف في ملك الله بحسب اختياره، ممنوح القدرة على الفعل والترك في مساحة واسعة، هي المنطقة التي يجري حديثنا عن أفعاله فيها.
وماذا لو تعارضت الإرادتان؟ والجواب هو أنه لا محلَّ لذلك الافتراض، لأنّ إرادة الله شاملة كاملة نافذة حتماً، ولا تلزمها إرادة الإنسان بشيء، بل ولا يوجد محل للمقارنة أصلاً بين إرادة من خلق الكون وبين إرادة العاجز عن خلق ذبابة.
إذن فما هي أهمية أن يكون للإنسان إرادة، طالما أنَّ إرادته سبحانه وحده النافذة؟ والجواب هو أن الله تبارك وتعالى لا يُكرهُ الإنسان على فعلٍ جعل له القدرة على الاختيار فيه ورتب عليه حسابه، فذلك ظلم وقد نفاه سبحانه عن نفسه (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أحدا) وفي الآية نسبة الأعمال لأصحابها بشكلٍ واضح. إضافة إلى التأكيد على أن الله تعالى هو الذي قدّر للإنسان الإرادة، ولذلك فهي داخلة ضمن ما أراده الله حتماً، يقول تعالى (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) ولا يفهم من هذا الإجبار بحال، بل يعني أنه لا يقع في ملك الله شيئٌ رغماً عنه، فضلاً عن أنه لا يمكن أن يقع من دون علمه، إذ أنه قد أحصى كل شيء في اللوح المحفوظ، وليست مشيئة الإنسان نابعة من إرادة ذاتية مستقلة، إنما شاءها الله تبارك وتعالى.
ويأتي السؤال التقليدي عن أمر تدوين الله سبحانه لكل ما هو واقعٌ في الكون، وبالتالي فإنّه ما من امرئ إلا وينفُذُ فيه ما كتبه الله في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق، فقد جاء في كتاب الله تعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ من قبل أن نبرأها ) وفي الحديث النبوي (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) .
والإشكال الوارد هنا: بما أنه لا يمكن تعديل ذلك المنصوص عليه في ذلك الكتاب، فإن النتيجة هي إلزام حتمي للإنسان بما جاء فيه، حيث أنَّه لا قبل له البتة على التغيير فيه؟ وعليه كان الإنسان مسيراً تماماً كالريشة في الفضاء تتقاذفها الرياح، وبهذا لا يبقى محل لإرادة الإنسان ولا معنى لحريته في الاختيار!
والجواب على هذا هو: إنّ اللوح المحفوظ الذي يحوي علم الله بالأشياء والأحداث والوقائع ظاهرها وباطنها وفي الكيفية التي تتم عليها، جاءت لتدل على أمر آخر غير ما توهمه هؤلاء، وهو أن الله تبارك وتعالى بكل شيء عليم حيث يقول سبحانه (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) فالله جل في علاه يقر حقيقة هي أنه لا يغيب عنه شيء مما يقع في الكون، وأن على الإنسان أن يعكس اعتقاده هذا في تقواه لربه ومولاه، وقد عرَّف النبي الكريم الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك) .
وكي نزيل كل التباس متعلق بالموضوع يكفينا استعراض ما هو مشاهدٌ في واقع الحياة وبناءه على ما سبق من مفاهيم محكمة وربطها بشكلٍ سليم حتي يزول الغموض الذي يراود البعض.
كلنا يعرف الآن أن راية الإسلام قد اكتسحت امبراطوريتي فارس والروم في عهد الخلافة الراشدة، وأنّ دولة الإسلام قد هزمت الصليبيين والتتار في فلسطين، وأنه بعد أن هدمت الخلافة تمزقت الأمة الإسلامية واحتُلت حواضرها تباعاً، القدس وغروزني وكابول وبغداد. فهل لمعرفتنا تلك أي تأثير في قرارات النصر أو الهزيمة؟ الجواب هو بالتأكيد لا.
هكذا نجد أن مجرد العلم بالشيء لا يلزم بالفعل ولا أثر له عليه طالما انحصر في مجرد المعرفة. والمفارقة هنا هي أن الإنسان يحتاج إلى أن يقع الشيء حتى يتيقن من وقوعه، وتبقى تحليلاته مجرد تخمينات وتنبؤات إلى أن تتحقق فعلا مهما كانت قوة الأدلة المشاهدة إلا إذا ثبتت لديه بالدليل القطعي. أما بالنسبة لله تبارك وتعالى، وله المثل الأعلى، فإنه عالم الغيب والشهادة ولا يعوزه وقوع الحدث أو التنبؤ به البتة حتى يعلم بوقوعه كحالنا، فالماضي والحاضر والمستقبل لديه سيان. وهذا من عظيم شأنه (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) .
وفي الخلاصة، أنه لا أحد من البشر يستطيع الادعاء بأنه اتخذ قراره على أساس أنه مكتوب في اللوح المحفوظ، وإن حصل، فذلك ادعاء باطل لعدم إمكان أحد الاطلاع على ذلك اللوح، وإنما يأخذ الإنسان قراره بناء على اختياره هو، وبذلك فإننا نخلص إلى أنه لا صلة بين ما نصّ عليه اللوح المحفوظ وبين إلزام الإنسان بعمل ما، منحه الله القدرة على الاختيار فيه.
ويسأل البعض: لعلَّ الإنسان غيَّر رأيه فيما سيقدم عليه فيما هو مخيرٌ فيه، ولكن المكتوب في اللوح المحفوظ سيلزمه لأنه واقعٌ حتماً وإلا لنسب الجهل إلى الخالق وهذا محال، وبهذا يكون الإنسان مكرهاً! يغيب عن ذهن هؤلاء أن الذي كتب ذلك هو الله سبحانه، وهو ليس بغافلٍ عما يفكر فيه هؤلاء وعلى أي قرارٍ سيرسون، فالحيرة والخيار تربك الإنسان وليس الخالق سبحانه، وبما أنه تبارك وتعالى احتفظ بعلمه لنفسه لحكمة يعلمها، ولا يسع أحد الاطلاع على ما كتب، فإنه لن يكون له تأثيرٌ على سلوكه بل عليه أن يحسن طويته ويعزم أمره على الصدق مع ربه كي يكون سجله ناصعاً يرضي الله تبارك وتعالى، وبهذا يكون أثر اللوح المحفوظ من هذا الجانب على الإنسان غير واردٍ من حيث الجبر أو الإكراه.
إذن طالما أن هذا العلم لا يجبر الإنسان على فعله، فلماذا كتب الله تعالى كل شيء واقع في الكون، وما هو الجدوى من ذلك؟ لا شكّ أن الحِكَم في ذلك كثيرة، ويكفي أن نضعها في سياق فهم طبيعة الإنسان لفهمها. فالرقابة على الإنسان هي الضابط الأول لأفعاله، ولولا ذلك لأمعن الإنسان في الأرض بكل الشرور من غير حسيب.
ومحور حديثنا هنا هو ذلك الإنسان، الذي يعتبر بحقٍ سيد الكائنات التي يقع عليها الحس. وبما أن إنجازات الإنسان هي المفتاح لتقويم آدائه ومدى نجاحه أثناء حياته، فإن أساس البحث كان منصباً على أفعاله التي تقع منه عن اختيار ووعي وإدراك، حيث أنَّ ما وراء ذلك ليس عليه فيه حساب ولا ثواب ولا عقاب، يقول النبي الكريم ( رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل) .
وترد هنا جملة من الأسئلة المُشْكَلَةِ في أذهان الناس، نأخذها تباعاً: ألا تحكم مشيئة الخالق تبارك وتعالى تفاصيل أحداث الكون والإنسان والحياة؟ والجواب هو بلى، إلا أنه سبحانه اختص الإنسان بقدرة على الاختيار إضافةً إلى تمييزه عن سواه بالفهم والإدراك. وهاتان الخصلتان، مجتمعتين - الفكر والإرادة- ترفعان الإنسان عن مستوى البهائم والجوامد، وتجعلانه مسئولاً عن تصرفاته أمام الخالق والخلائق. والخلاصة هي أن مشيئة الخالق منحت الإنسان القدرة على الاختيار، فكان الإنسان مأذوناً بالتصرف في ملك الله بحسب اختياره، ممنوح القدرة على الفعل والترك في مساحة واسعة، هي المنطقة التي يجري حديثنا عن أفعاله فيها.
وماذا لو تعارضت الإرادتان؟ والجواب هو أنه لا محلَّ لذلك الافتراض، لأنّ إرادة الله شاملة كاملة نافذة حتماً، ولا تلزمها إرادة الإنسان بشيء، بل ولا يوجد محل للمقارنة أصلاً بين إرادة من خلق الكون وبين إرادة العاجز عن خلق ذبابة.
إذن فما هي أهمية أن يكون للإنسان إرادة، طالما أنَّ إرادته سبحانه وحده النافذة؟ والجواب هو أن الله تبارك وتعالى لا يُكرهُ الإنسان على فعلٍ جعل له القدرة على الاختيار فيه ورتب عليه حسابه، فذلك ظلم وقد نفاه سبحانه عن نفسه (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أحدا) وفي الآية نسبة الأعمال لأصحابها بشكلٍ واضح. إضافة إلى التأكيد على أن الله تعالى هو الذي قدّر للإنسان الإرادة، ولذلك فهي داخلة ضمن ما أراده الله حتماً، يقول تعالى (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) ولا يفهم من هذا الإجبار بحال، بل يعني أنه لا يقع في ملك الله شيئٌ رغماً عنه، فضلاً عن أنه لا يمكن أن يقع من دون علمه، إذ أنه قد أحصى كل شيء في اللوح المحفوظ، وليست مشيئة الإنسان نابعة من إرادة ذاتية مستقلة، إنما شاءها الله تبارك وتعالى.
ويأتي السؤال التقليدي عن أمر تدوين الله سبحانه لكل ما هو واقعٌ في الكون، وبالتالي فإنّه ما من امرئ إلا وينفُذُ فيه ما كتبه الله في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق، فقد جاء في كتاب الله تعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ من قبل أن نبرأها ) وفي الحديث النبوي (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) .
والإشكال الوارد هنا: بما أنه لا يمكن تعديل ذلك المنصوص عليه في ذلك الكتاب، فإن النتيجة هي إلزام حتمي للإنسان بما جاء فيه، حيث أنَّه لا قبل له البتة على التغيير فيه؟ وعليه كان الإنسان مسيراً تماماً كالريشة في الفضاء تتقاذفها الرياح، وبهذا لا يبقى محل لإرادة الإنسان ولا معنى لحريته في الاختيار!
والجواب على هذا هو: إنّ اللوح المحفوظ الذي يحوي علم الله بالأشياء والأحداث والوقائع ظاهرها وباطنها وفي الكيفية التي تتم عليها، جاءت لتدل على أمر آخر غير ما توهمه هؤلاء، وهو أن الله تبارك وتعالى بكل شيء عليم حيث يقول سبحانه (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) فالله جل في علاه يقر حقيقة هي أنه لا يغيب عنه شيء مما يقع في الكون، وأن على الإنسان أن يعكس اعتقاده هذا في تقواه لربه ومولاه، وقد عرَّف النبي الكريم الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك) .
وكي نزيل كل التباس متعلق بالموضوع يكفينا استعراض ما هو مشاهدٌ في واقع الحياة وبناءه على ما سبق من مفاهيم محكمة وربطها بشكلٍ سليم حتي يزول الغموض الذي يراود البعض.
كلنا يعرف الآن أن راية الإسلام قد اكتسحت امبراطوريتي فارس والروم في عهد الخلافة الراشدة، وأنّ دولة الإسلام قد هزمت الصليبيين والتتار في فلسطين، وأنه بعد أن هدمت الخلافة تمزقت الأمة الإسلامية واحتُلت حواضرها تباعاً، القدس وغروزني وكابول وبغداد. فهل لمعرفتنا تلك أي تأثير في قرارات النصر أو الهزيمة؟ الجواب هو بالتأكيد لا.
هكذا نجد أن مجرد العلم بالشيء لا يلزم بالفعل ولا أثر له عليه طالما انحصر في مجرد المعرفة. والمفارقة هنا هي أن الإنسان يحتاج إلى أن يقع الشيء حتى يتيقن من وقوعه، وتبقى تحليلاته مجرد تخمينات وتنبؤات إلى أن تتحقق فعلا مهما كانت قوة الأدلة المشاهدة إلا إذا ثبتت لديه بالدليل القطعي. أما بالنسبة لله تبارك وتعالى، وله المثل الأعلى، فإنه عالم الغيب والشهادة ولا يعوزه وقوع الحدث أو التنبؤ به البتة حتى يعلم بوقوعه كحالنا، فالماضي والحاضر والمستقبل لديه سيان. وهذا من عظيم شأنه (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) .
وفي الخلاصة، أنه لا أحد من البشر يستطيع الادعاء بأنه اتخذ قراره على أساس أنه مكتوب في اللوح المحفوظ، وإن حصل، فذلك ادعاء باطل لعدم إمكان أحد الاطلاع على ذلك اللوح، وإنما يأخذ الإنسان قراره بناء على اختياره هو، وبذلك فإننا نخلص إلى أنه لا صلة بين ما نصّ عليه اللوح المحفوظ وبين إلزام الإنسان بعمل ما، منحه الله القدرة على الاختيار فيه.
ويسأل البعض: لعلَّ الإنسان غيَّر رأيه فيما سيقدم عليه فيما هو مخيرٌ فيه، ولكن المكتوب في اللوح المحفوظ سيلزمه لأنه واقعٌ حتماً وإلا لنسب الجهل إلى الخالق وهذا محال، وبهذا يكون الإنسان مكرهاً! يغيب عن ذهن هؤلاء أن الذي كتب ذلك هو الله سبحانه، وهو ليس بغافلٍ عما يفكر فيه هؤلاء وعلى أي قرارٍ سيرسون، فالحيرة والخيار تربك الإنسان وليس الخالق سبحانه، وبما أنه تبارك وتعالى احتفظ بعلمه لنفسه لحكمة يعلمها، ولا يسع أحد الاطلاع على ما كتب، فإنه لن يكون له تأثيرٌ على سلوكه بل عليه أن يحسن طويته ويعزم أمره على الصدق مع ربه كي يكون سجله ناصعاً يرضي الله تبارك وتعالى، وبهذا يكون أثر اللوح المحفوظ من هذا الجانب على الإنسان غير واردٍ من حيث الجبر أو الإكراه.
إذن طالما أن هذا العلم لا يجبر الإنسان على فعله، فلماذا كتب الله تعالى كل شيء واقع في الكون، وما هو الجدوى من ذلك؟ لا شكّ أن الحِكَم في ذلك كثيرة، ويكفي أن نضعها في سياق فهم طبيعة الإنسان لفهمها. فالرقابة على الإنسان هي الضابط الأول لأفعاله، ولولا ذلك لأمعن الإنسان في الأرض بكل الشرور من غير حسيب.