وليد المسلم
2011-07-14, 05:32 PM
الإسلاميون في ظلمة الإغتراب ..مرة أخرى
http://cdn.tanseerel.com/upload/home_pictures/2010-12-12_171954_4.jpg
خالد حربي
حال الإسلاميين اليوم يذكرني بأسطورة "اليهودي التائه" التي اخترعها القساوسة الكاثوليك في القرون الوسطى، والتي ملخصها أن المسيح - كما يزعمون - وهو في طريقه للصلب لكزه أحد اليهود في ظهره، وقال له: امضِ.. فالتفت إليه يسوع قائلاً: نعم أنا سأمضي، أما أنت فستبقى طويلاً.. وبعدها كتب على هذا اليهودي التيه، وظل حيًّا تائهًا لقرون طويلة، وكان يُرى هائمًا على وجهه في أطراف العالم، لا يُعرف له غاية، ولا تستقر له قدم.
وفي هذا المعنى يُروى أيضًا أن اليهودي حُيي بن أخطب حين قدم ليُقتل ضمن أسرى بني النضير التفت إلى اليهود وقال: "ملحمة كتبت على بني إسرائيل إلى يوم القيامة".
صورتان لنفس واحدة، استمرأت التيه، واستعذبت تكرار الخطأ.
وفي حركتنا الإسلامية ما زلنا نكرر نفس الخطأ منذ سقوط الخلافة..
الافتقاد للجسارة في مواجهة الواقع، والشعور دائمًا أننا أقل من الحدث، وأضعف من الإمساك بدفته، أو التحكم في حركته، ورضينا دائمًا باللعب على أطراف المشهد.
الواقع يشهد أن الحركة الإسلامية أدمنت هذا الخطأ، سواء كان إدمانًا عن رغبة أو عن اعتياد في التعاطي، إلا أنه صار إدمانًا بلا ريب.
منذ صعود محمد علي فوق جثث عمر مكرم ومشايخ الأزهر، مرورًا بثورة 1919 التي انطلقت من الأزهر في بدايتها ثم ركبها سعد زغلول، وثورة يوليو التي كان الإخوان عمادها ووقودها، ثم الحرب الصليبية الأخيرة في العالم الإسلامي، وأخيرًا ثورة 25 يناير التي نعيشها الآن.
في كل هذه الأحداث وغيرها كنا في قلب الحدث، وكنا أخطر وأقوى عناصره، لكننا في عجيبة غريبة انسحبنا وتركنا كل شيء لأيدي المتلقفين واللصوص الذين صعدوا على أجداثنا إلى مأربهم.
لا أفهم الآن لماذا صمت الإسلاميون وحدهم وتركوا الجميع يتحدث بلسان الثورة إلا هم؟!
لماذا الإسلاميون وحدهم هم الذين يثقون في الحكومة والمجلس العسكري بلا ضمانات واضحة ولا خطة معلنة؟!
لماذا ترك الإسلاميون الدفاع عن الثورة وعن حقوق شهدائها للعلمانيين والليبراليين وأصحاب النوايا الخبيثة؟!
لماذا فرط الإسلاميون في أصوات الشعب المسكين الذي استأمنهم على رغبته في الاستفتاء الأخير وتركوا العلمانيين يلاعبون المجلس العسكري حتى استصدروا منهم قرارًا بإصدار مواد فوق دستورية تعيق تحويل مصر لدولة إسلامية وتمنع الشعب من تحقيق أمنياته، ثم زادت الضغوط فأصدر المجلس قرارًا بتعيين أسامة الغزالي حرب – رئيس حزب الجبهة الذي اعترف ساويرس أنه الممول الأكبر له – ليقوم بوضع المبادئ الأساسية للدستور القادم، وهو ما يعني سيطرة علمانية نصرانية على الدستور القادم؟!
لما عجز الإسلاميون عن إقالة يحيى الجمل عراب الثورة المضادة بينما استطاع عشرات العلمانيين إقالته في ثلاثة أيام؟!
لماذا ترك الإسلاميون خيرة أبنائهم يقادون بعد الثورة إلى المحاكم الظالمة لتصفية حسابات قديمة معهم، وحسبك أبو يحيى البطل مثالاً صارخًا على هذا، بينما ينجح متطرفو الأقباط في حمل الحكومة على الإفراج عن مجرمين حقيقيين صدرت ضدهم أحكام قضائية نهائية؟!
الحقيقة أننا لم نعجز، لكننا لم نحاول أصلاً؛ لأننا لازلنا نعاني من آثار المذابح التي تعرضنا لها في العهد البائد، لقد مارس النظام البائد ضدنا أبشع ألوان القمع والتعذيب والإبادة على مدار سنوات طويلة حتى استطاع هدم الجسارة والإيجابية والمبادأة والمراغمة في نفوسنا.
وكنت كثيرًا ما أتأمل في استعاذة النبي صلى الله عليه من "جهد البلاء"، خاصة في تلك الفترات المتعددة التي اعتقلت فيها، حيث كنت أرى البلاء وهو يغير أخلاق الناس وطبائعهم، وأحيانا معتقداتهم.
حين يضغط البلاء على النفس فيصبغها بالجفاء والغربة، وينزع منها مميزاتها وثقتها في ذاتها.
وحين تنهار النفوس تحت وطأة البلاء تصبح مغتربة في وطنها, مستسلمة لما يصنع بها، وهذا تحديدًا ما تعاني منه الحركة الإسلامية الآن.
كان الدكتور عبد العزيز كامل حفظه الله ورعاه يكرر على أذني أننا لسنا حركة ولا تيار ولا صحوة، بل نحن الأمة.
نحن الأمة بكل ما تحمله الكلمة من ثقل، وبكل ما تحمله من عظمة، و وبكل ما تحمله من قوة و وبكل ما تحمله من حق.
وبكل ما تقتضيه من مسئولية، ومن جهاد ومن عبء.
نحن الأمة بكل قضاياها وبكل حملها وبكل أطرافها وبكل عظمتها ، ولابد أن ننهي حالة الاغتراب النفسي التي تشعرنا دائما أننا على أطراف المشهد ولسنا في قلبه.
لابد أن ننهي حالة الاغتراب النفسي التي ورثناها من عهود الظلم البائد، والتي زرعت في نفوسنا أننا دائما أصحاب صيغة المفعول به وليس الفاعل، وأننا على هامش الحدث ولسنا أصحابه.
لابد أن يقف الإسلاميون الآن في وسط الميدان وفي قلب الحدث باعتبارهم الأمة المسلمة التي يقتات الجميع الآن على خيرها وفضلها، بينما يبقي وكلائها غائبون ساهون عن وزنهم الحقيقي وعن دورهم المنشود.
إن الأمة المسلمة سنة من سنن الله في خلقه، لا يصلح الكون إلا بها وستظل الأمة باقية بلا شك، لكن بأيدي من؟ وبجهد من؟ وبتضحيات من؟
إننا جميعا نعلم أنه ليس بيننا وبين الله تعالى نسب ولا رابطة ولا صلة سوى هذا الدين.
وسيبقى الالتزام به والتضحية في سبيله والرباط على ثغوره هو المعيار الوحيد للبقاء والخيرية.
يا وكلاء الأمة المسلمة إن أمتكم اليوم في أشد ما تحتاج إلى الجسور الذي تخلص من جهد البلاء، ومن الاغتراب النفسي عن وطنه وقضاياه، والذي يدرك أنه لا يملك خيارًا بالتراجع أو الخنوع أو الاستكانة.
وستبقى أمتنا؛ لأنها ملح الأرض، وسيبقي المرابطون؛ لأنهم أبناؤها الشرعيون.
وسيبقى أيضا المغتربون عنها وعن واقعها، المتقوقعون في مصالحهم الضيقة، ويحسبونها مصالح شرعية.
سيبقي هؤلاء طويلاً كما بقي اليهودي التائه في أسطورة العصور الوسطى لا يعرف له غاية ولا تستقر له قدم.
هامش
عاتبني أحد مشايخي الإجلاء قائلاً: أنت وفلان تغردون خارج السرب، ولا تحترمون رأى العلماء، ونظرتهم للواقع.
والحقيقة أنني أبعد الناس عن هذا، فالعلماء هم رأس الجسد الذي ننتمي إليه جميعًا، لكننا كشباب يعمل في الساحة لم يصلني حتى هذه اللحظة رأي العلماء، ولا نظرتهم للواقع، ولا خطتهم في الحركة.
وهو أقل حق لنا على مشايخنا الكرام الأفاضل، الذين يطالبوننا بالانقياد لرأي لا نعرفه، وبخطة نجهلها، ولم يناقشها أحد معنا حتى الساعة.
http://cdn.tanseerel.com/upload/home_pictures/2010-12-12_171954_4.jpg
خالد حربي
حال الإسلاميين اليوم يذكرني بأسطورة "اليهودي التائه" التي اخترعها القساوسة الكاثوليك في القرون الوسطى، والتي ملخصها أن المسيح - كما يزعمون - وهو في طريقه للصلب لكزه أحد اليهود في ظهره، وقال له: امضِ.. فالتفت إليه يسوع قائلاً: نعم أنا سأمضي، أما أنت فستبقى طويلاً.. وبعدها كتب على هذا اليهودي التيه، وظل حيًّا تائهًا لقرون طويلة، وكان يُرى هائمًا على وجهه في أطراف العالم، لا يُعرف له غاية، ولا تستقر له قدم.
وفي هذا المعنى يُروى أيضًا أن اليهودي حُيي بن أخطب حين قدم ليُقتل ضمن أسرى بني النضير التفت إلى اليهود وقال: "ملحمة كتبت على بني إسرائيل إلى يوم القيامة".
صورتان لنفس واحدة، استمرأت التيه، واستعذبت تكرار الخطأ.
وفي حركتنا الإسلامية ما زلنا نكرر نفس الخطأ منذ سقوط الخلافة..
الافتقاد للجسارة في مواجهة الواقع، والشعور دائمًا أننا أقل من الحدث، وأضعف من الإمساك بدفته، أو التحكم في حركته، ورضينا دائمًا باللعب على أطراف المشهد.
الواقع يشهد أن الحركة الإسلامية أدمنت هذا الخطأ، سواء كان إدمانًا عن رغبة أو عن اعتياد في التعاطي، إلا أنه صار إدمانًا بلا ريب.
منذ صعود محمد علي فوق جثث عمر مكرم ومشايخ الأزهر، مرورًا بثورة 1919 التي انطلقت من الأزهر في بدايتها ثم ركبها سعد زغلول، وثورة يوليو التي كان الإخوان عمادها ووقودها، ثم الحرب الصليبية الأخيرة في العالم الإسلامي، وأخيرًا ثورة 25 يناير التي نعيشها الآن.
في كل هذه الأحداث وغيرها كنا في قلب الحدث، وكنا أخطر وأقوى عناصره، لكننا في عجيبة غريبة انسحبنا وتركنا كل شيء لأيدي المتلقفين واللصوص الذين صعدوا على أجداثنا إلى مأربهم.
لا أفهم الآن لماذا صمت الإسلاميون وحدهم وتركوا الجميع يتحدث بلسان الثورة إلا هم؟!
لماذا الإسلاميون وحدهم هم الذين يثقون في الحكومة والمجلس العسكري بلا ضمانات واضحة ولا خطة معلنة؟!
لماذا ترك الإسلاميون الدفاع عن الثورة وعن حقوق شهدائها للعلمانيين والليبراليين وأصحاب النوايا الخبيثة؟!
لماذا فرط الإسلاميون في أصوات الشعب المسكين الذي استأمنهم على رغبته في الاستفتاء الأخير وتركوا العلمانيين يلاعبون المجلس العسكري حتى استصدروا منهم قرارًا بإصدار مواد فوق دستورية تعيق تحويل مصر لدولة إسلامية وتمنع الشعب من تحقيق أمنياته، ثم زادت الضغوط فأصدر المجلس قرارًا بتعيين أسامة الغزالي حرب – رئيس حزب الجبهة الذي اعترف ساويرس أنه الممول الأكبر له – ليقوم بوضع المبادئ الأساسية للدستور القادم، وهو ما يعني سيطرة علمانية نصرانية على الدستور القادم؟!
لما عجز الإسلاميون عن إقالة يحيى الجمل عراب الثورة المضادة بينما استطاع عشرات العلمانيين إقالته في ثلاثة أيام؟!
لماذا ترك الإسلاميون خيرة أبنائهم يقادون بعد الثورة إلى المحاكم الظالمة لتصفية حسابات قديمة معهم، وحسبك أبو يحيى البطل مثالاً صارخًا على هذا، بينما ينجح متطرفو الأقباط في حمل الحكومة على الإفراج عن مجرمين حقيقيين صدرت ضدهم أحكام قضائية نهائية؟!
الحقيقة أننا لم نعجز، لكننا لم نحاول أصلاً؛ لأننا لازلنا نعاني من آثار المذابح التي تعرضنا لها في العهد البائد، لقد مارس النظام البائد ضدنا أبشع ألوان القمع والتعذيب والإبادة على مدار سنوات طويلة حتى استطاع هدم الجسارة والإيجابية والمبادأة والمراغمة في نفوسنا.
وكنت كثيرًا ما أتأمل في استعاذة النبي صلى الله عليه من "جهد البلاء"، خاصة في تلك الفترات المتعددة التي اعتقلت فيها، حيث كنت أرى البلاء وهو يغير أخلاق الناس وطبائعهم، وأحيانا معتقداتهم.
حين يضغط البلاء على النفس فيصبغها بالجفاء والغربة، وينزع منها مميزاتها وثقتها في ذاتها.
وحين تنهار النفوس تحت وطأة البلاء تصبح مغتربة في وطنها, مستسلمة لما يصنع بها، وهذا تحديدًا ما تعاني منه الحركة الإسلامية الآن.
كان الدكتور عبد العزيز كامل حفظه الله ورعاه يكرر على أذني أننا لسنا حركة ولا تيار ولا صحوة، بل نحن الأمة.
نحن الأمة بكل ما تحمله الكلمة من ثقل، وبكل ما تحمله من عظمة، و وبكل ما تحمله من قوة و وبكل ما تحمله من حق.
وبكل ما تقتضيه من مسئولية، ومن جهاد ومن عبء.
نحن الأمة بكل قضاياها وبكل حملها وبكل أطرافها وبكل عظمتها ، ولابد أن ننهي حالة الاغتراب النفسي التي تشعرنا دائما أننا على أطراف المشهد ولسنا في قلبه.
لابد أن ننهي حالة الاغتراب النفسي التي ورثناها من عهود الظلم البائد، والتي زرعت في نفوسنا أننا دائما أصحاب صيغة المفعول به وليس الفاعل، وأننا على هامش الحدث ولسنا أصحابه.
لابد أن يقف الإسلاميون الآن في وسط الميدان وفي قلب الحدث باعتبارهم الأمة المسلمة التي يقتات الجميع الآن على خيرها وفضلها، بينما يبقي وكلائها غائبون ساهون عن وزنهم الحقيقي وعن دورهم المنشود.
إن الأمة المسلمة سنة من سنن الله في خلقه، لا يصلح الكون إلا بها وستظل الأمة باقية بلا شك، لكن بأيدي من؟ وبجهد من؟ وبتضحيات من؟
إننا جميعا نعلم أنه ليس بيننا وبين الله تعالى نسب ولا رابطة ولا صلة سوى هذا الدين.
وسيبقى الالتزام به والتضحية في سبيله والرباط على ثغوره هو المعيار الوحيد للبقاء والخيرية.
يا وكلاء الأمة المسلمة إن أمتكم اليوم في أشد ما تحتاج إلى الجسور الذي تخلص من جهد البلاء، ومن الاغتراب النفسي عن وطنه وقضاياه، والذي يدرك أنه لا يملك خيارًا بالتراجع أو الخنوع أو الاستكانة.
وستبقى أمتنا؛ لأنها ملح الأرض، وسيبقي المرابطون؛ لأنهم أبناؤها الشرعيون.
وسيبقى أيضا المغتربون عنها وعن واقعها، المتقوقعون في مصالحهم الضيقة، ويحسبونها مصالح شرعية.
سيبقي هؤلاء طويلاً كما بقي اليهودي التائه في أسطورة العصور الوسطى لا يعرف له غاية ولا تستقر له قدم.
هامش
عاتبني أحد مشايخي الإجلاء قائلاً: أنت وفلان تغردون خارج السرب، ولا تحترمون رأى العلماء، ونظرتهم للواقع.
والحقيقة أنني أبعد الناس عن هذا، فالعلماء هم رأس الجسد الذي ننتمي إليه جميعًا، لكننا كشباب يعمل في الساحة لم يصلني حتى هذه اللحظة رأي العلماء، ولا نظرتهم للواقع، ولا خطتهم في الحركة.
وهو أقل حق لنا على مشايخنا الكرام الأفاضل، الذين يطالبوننا بالانقياد لرأي لا نعرفه، وبخطة نجهلها، ولم يناقشها أحد معنا حتى الساعة.