أمـــة الله
2011-09-19, 04:30 PM
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس:اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: عباد الله، شريعة الإسلام نظمت العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأمة المسلمة،بنتها على قواعد مثلى، وركائز فضلى، دل عليها الكتاب والسنة، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ويقول صلى الله عليه وسلم: " لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تناجشوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يهجره، ولا يحقره، ولا يخذله، التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره ثلاثا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه "، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتي الناس ما يحب أن يؤتى إليه "، هذه النصوص العظيمة تدلك على اعتناء الشريعة بالروابط الاجتماعية بين المسلمين، وتؤكد هذه الروابط، وتسعى في بقاءها قوية متينة، فالنصوص دالة على تحريم أذى المسلم، وزاجرة على إيصال كل أذى لمسلم
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)، أي يؤذونهم بلا جرم صدر منهم، ولكنه مجرد البهتان والكذب والافتراء، ويقول -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: " إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا يا رسول الله: مجالسنا ما لنا منها بد قال: فإن أبيتم إلا ذلك فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله، قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر "، فجعل كف الأذى عن المسلمين من حقوق الطريق فمن وضع الأذى في طريقهم فقد أذاهم، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " لا تسبوا أمواتنا، فتؤذوا أحياءنا "، لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا، لأنك إذا سببت أموات الناس، وإن كانوا على ما كانوا عليه، فقد آذيت الأحياء، وذكرتهم مصائب أبائهم، وأحزنتهم بذلك، فدع الأموات، وقد أفضوا إلى ما عملوا.
أيها المسلم:
ولهذا جاءت العقوبات الشرعية في حق من آذى المسلمين، بأي نوع من أنواع الأذى؛ فأولاً: أخبر -صلى الله عليه وسلم-: أن إيذاء المسلمين يعرض المؤمن لسخط الله وغضبه،قال -صلى الله عليه وسلم-: " إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الثالث، فإن ذلك يحزنه "، وفي لفظ: " فإن ذلك يؤذيه، والله يكره أذى المؤمن"، فإذاً تناجي الإثنان مع وجود الثالث، دون إشراكه، ودون استئذانه، يحزنه، وربما ظن السوء إليه، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فمن تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته أخزاه في رحله "؛ فنهى عن إيذاء المسلمين، وعن تعييرهم بما يسوئهم، وعن تتبع عثراتهم، وزلاتهم وأن من تتبع عوراتهم باحثاً عن معائب فإن الله يتبع عورته، ونتائج ذلك أن يخزيه في رحله، وأن يكشف ستره، كما سعى في كشف ستر عورات الآخرين، وقال ابن عمر -رضي الله عنه- راو الحديث، وقد نظر يوماً إلى الكعبة " ما أعظمك ما أعظم حرمتك، وإن حرمة المؤمن عند الله أعظم ".
أيها المسلم:
ومن عقوبات أذى المسلمين أن المؤذي لهم يستحق لعنتهم، يقول -صلى الله عليه وسلم-: " من آذى المسلمين في طرقاتهم، وجبت عليه لعنتهم "، من آذى المسلمين في طرقاتهم، وجبت عليه لعنتهم، وإن أذى المسلمين من أسباب دخول النار، وفساد الأعمال، ذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم-: " امرأة ذكر من صيامها، وقيام ليلها إلا أنها تؤذي جيرانها بلسانها؛ فقال: لا خير فيها، هي في النار؛ فقال: لا خير فيها هي في النار "، فما شفع لها صيامها، ولا قيامها، لما كانت تؤذي الجيران بلسانها، وتفتري عليهم بالكذب، وتقول: فيهم ما هم براء منه.
أيها المسلم:
وإن أذى المسلمين جريمة لا تغتفر، بل لا بد أن يسامحك من آذيتهم، وإلا فالقصاص بين يدي الله يوم القيامة، فإن الدواوين عند الله ثلاثة ديوان لا يغفره الله: وهو الشرك به:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ)،وديوان لا يعبئ الله به ما بين العباد وربهم، من مظالم، من ترك واجب، أو فعل معصية، ورحمة الله واسعة، وفضله عظيم لمن تاب وأناب، والله ذو الفضل العظيم، وديوان لا يقصي الله منه شيء، مظالم العباد فيما بينهم، لا بد من قصاص لا يغني عنك عمل عملته، وأنت قد آذيت المسلمين بأي نوع من أنواع الأذى، في الحديث يقول: -صلى الله عليه وسلم-: " أتدرون من المفلس فيكم، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا مكان، قال: ولكن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بأعمال أمثال الجبال، فيأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن انقضت حسناته قبل أن يقضى عليه، أخذ من سيئاتهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار"، ومن عقوبات العباد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نفى كمال الإيمان عن من آذى المسلمين، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "، ويقول أيضاً -صلى الله عليه وسلم-: " والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن؛ قالوا: من يا رسول الله، قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه "، ومن عقوبات أذى المسلم أن المؤذي، والظالم يعرض نفسه لنقمة الله، وسخطه، فإن الله يستجيب لدعوة المظلوم على ظالمه، ودعوة المظلوم مرفوعة إلى السماء، يستجيبها الرب جل وعلا، فينزل بالظالم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، ربما يلج في طغيانه، وبطره، وأشره، فتأتيه عقوبة مفاجئة يندم ولآت ينفع الندم؛ يقول -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ لما وجهه وعمله: " واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها، وبين الله حجاب "، وفي لفظ أيضاً: " أنها تفتح لها أبواب السماء؛ ويقول: الله لها لأنصرنك ولو بعد حين ".
أخي المسلم:
فإذا علمت تلك العقوبات من يؤذي المسلمين بأي أنواع الأذى: قولي، أو فعلي؛ حسي، أو معنوي، فعليك أن تتقي أذى العباد بكل ما أعطيت من إمكان، وأن تتخلص من أذاهم في الدنيا قبل أن يكونوا لك خصوماً في يوم القيامة: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
أيها المسلم:
أذى الناس يكون في صور شتى، فأعظم أذى الناس، أعظمها سفك الدم الحرام بلا حق، فتلك المصيبة العظيمة، فإن الأصل حرمة دماء المسلمين، والمعاهدين، والمستأمنين؛ يقول الله جل وعلا: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)،وفي الحديث لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً، ومن صور أذى المسلمين أن تؤذيهم بلسانك سباباً، ولعناً، تفسيقاً، وتكفيراً، وتبديعاً بلا حق، ولا موجب في الحديث؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: " لعن المسلم كقتله "، لعن المسلم كقتله أي إثم لعنك إياه كإثمك إذا قتلته، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر "، ومن ذلك رميه بالتبديع، والتفسيق بلا حق، فإن من لعن أخاه، أو حكم عليه بالكفر، ولم يكن ما قيل فيه حقا، رجعت تلك المقالة على صاحبها، ولعنك المسلم بلا حق من كبائر الذنوب، تلك اللعنة تصعد إلى السماء فتغلق دونها أبواب السماء، تهبط إلى الأرض فتغلق دونها أبواب الأرض، فإن لم تجد مساغاً نفذت إلى من لعن، فإن لم يكن أهلاً لها، رجعت إلى قائلها؛ ومن صور أذى المسلمين أذاهم في أموالهم، إما سرقة، أو اغتصاباً، أو جحداً للحقوق، أو أيماناً فاجرة تأخذ بها المال بلا حق، يقول -صلى الله عليه وسلم-: " من اقتطع مال امرئ مسلمٍ بيمين هو فيها فاجر، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة "، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " إن دمائكم، وأموالكم ، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا "، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " من ظلم قيد شبر من أرض، طوقه يوم القيامة من سبع أراضين"، ومن صور ظلم الناس أن تكون تهتك عوراتهم، وتتبع عثراتهم، وتغتابهم، وتمشي بينهم بالنميمة، والكذب، والبهتان، فكل ذلك من أذى المسلمين، فإن الواجب احترام دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم.
أيها المسلم:
وإن وسائل الإيذاء تكون بالجوارح كالعينان، يكون بهما أذى المسلم، تطلع ببصرك للنظر إلى ما حرم الله عليك، النظر إليه، والله يقول: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ )، (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)،أو تنظر نظر الحاقد الحاسد على نعمه التي منحها الله عبداً من عباده، نظر الحاسد إلى تلك النعمة، الحاقد عليها، فتلك المصيبة، وباللسان يكون الأذى، غيبة تغتاب، نميمة تنقلها، سخرية، واستهزاء، وانتقاص، واحتقار للمسلم، وتؤذيهم بيدك، ورجلك، بطش، وضرب، وسعي في الفساد، وتؤذيهم بقلبك؛ ففي قلبك غل وحقد على الأمة، وفي قلبك كبر، وعجب، وتعال على الناس، واحتقار لهم، وكل هذا من أنواع الأذى.
أيها المسلم:
ويتضاعف إثم ذلك الأذى إذا كان بينك، وبين جارك، فإن أذاك لبعيد الناس معصية، ولكن الأذى على الجار أشد، يقول -صلى الله عليه وسلم-، يقول -صلى الله عليه وسلم-، فيما صح عنه: " والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه "، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذي جاره "، ويتضاعف الأذى إذا وجه لأهل الخير، والتقوى، والعلم النافع، إذا وجه الأذى، وسهام الإتهام إلى عالم صالح، ومستقيم، وإلى ذوي التقوى، والفضل، والمكافحين عن الحق، والداعين عن الهدى، فإن أذى أولئك لا يصدر إلا من قلب فيه نفاق، وغل، وحقد على الإسلام وأهله، ولهذا يقول -صلى الله عليه وسلم-، فيما عن ربه جل وعلا، قال: " من عادى لي ولياً، فقد آذنته بالحرب "، فمن آذى لله وليا، فقد آذنه الله بحرب من عنده، لأن هذا الأذى غالباً مصدره من نفاق امتلأ به قلب المؤذي، ومرض امتلأ به قلبه، فخطت يداه ما يعتقده، وتفوه لسانه بما انطوى عليه ضميره من الشر والفساد، ولذا يقول الله : (وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ)،أي المنافقين:(فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ)،فألحان كلامهم، ومقتضى أسلوبهم، وما يقولون، ويحدثون إنما يعبرون عن مكنونهم الخبيث، وكل إناء بما فيه ينضح، فاليتقي المسلم ربه في البعد عن أذى المسلمين عموماً، ولا سيما الرحم، ولا سيما ا لأبوين، فإن أذى الأبوين من الكبائر:" لعن الله من لعن والديه، قالوا: يا رسول الله أيلعن الرجل أبويه: قال نعم يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه "، فالوالدان إذا أوذيا ، فإن أذاهما من كبائر الذنب:" صعد النبي المنبر، فقال: آمين آمين آمين، فقيل: له، فقال أتاني جبريل، فقال: رغم امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله، قل: آمين، فقلت أمين، ورغم أنف امرئ أدرك أبويه؛ أحدهما أو كليهما فلم يدخلاه الجنة، قل: آمين، فقلت: آمين؛ ورغم امرئ ذكرت عنده فلم يصل علي، فأبعده الله، فقل: آمين، فقلت: آمين "، والله يقول في حق الرحم:(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ).
فليحذر المسلم الأذى لاسيما أذى الفقير العاجز الذي لا حيلة له، ولا استطاعة له، ولا قدرة له عن الدفاع عن نفسه، يتيماً تأكل ماله، وقليل الحيلة تتسلط عليه، ولا ترحم ضعفه وعجزه، والله مطلع عليك، والله مطلع عليك وناصيته بيدك، فاذكر قوة الله، وعظمته، وقدرته عليك، ليكون حاجزاً لك عن ظلم العباد، حاجزاً لك عن التعدي عليهم، قاهراً لك عن تعدى عليهم بلسانك، وفعلك، لو كان أمامك قوي مثلك، أو أقوى منك، لابتعدت عن أذاه ورأيت أن هذا خلقاً لأجل قوته، وبطشه، فكيف بضعيف مسلم تغرك ضعفه، وعجزه، فلا تبالي بظلمه، ولا بالتعدي عليه، ولا بأخذ ماله، ولا بتلفيق التهم به، فاتق الله في نفسك، وحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وقف قليلاً مع نفسك فرد المظالم، وأبعد شباب الأذى، وتفكر في مصيرك، ورحيلك قبل أن تنتقل من الدنيا إلى البرزخ، فتفارق الدنيا بتبعاتك، ولا ينفعك أحد يتبعك الأهل، والمال، والولد، فيرجع الأهل، يتبعك الأهل، والمال، والعمل، فيرجع الأهل، والمال، ويبقى العمل قريناً لك في لحدك، فإما صالحاً تزداد به أنسا، وإما سيئاً تزداد به مع الهم هماً، عافانا الله وإياكم من التبعات، وطهر أيدينا وألسنتنا وقلوبنا من أذى العباد، إنه على كل شيء قدير.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الأيات ، والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي، ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
فيا أيها الناس:اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: عباد الله، شريعة الإسلام نظمت العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأمة المسلمة،بنتها على قواعد مثلى، وركائز فضلى، دل عليها الكتاب والسنة، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ويقول صلى الله عليه وسلم: " لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تناجشوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يهجره، ولا يحقره، ولا يخذله، التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره ثلاثا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه "، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتي الناس ما يحب أن يؤتى إليه "، هذه النصوص العظيمة تدلك على اعتناء الشريعة بالروابط الاجتماعية بين المسلمين، وتؤكد هذه الروابط، وتسعى في بقاءها قوية متينة، فالنصوص دالة على تحريم أذى المسلم، وزاجرة على إيصال كل أذى لمسلم
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)، أي يؤذونهم بلا جرم صدر منهم، ولكنه مجرد البهتان والكذب والافتراء، ويقول -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: " إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا يا رسول الله: مجالسنا ما لنا منها بد قال: فإن أبيتم إلا ذلك فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله، قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر "، فجعل كف الأذى عن المسلمين من حقوق الطريق فمن وضع الأذى في طريقهم فقد أذاهم، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " لا تسبوا أمواتنا، فتؤذوا أحياءنا "، لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا، لأنك إذا سببت أموات الناس، وإن كانوا على ما كانوا عليه، فقد آذيت الأحياء، وذكرتهم مصائب أبائهم، وأحزنتهم بذلك، فدع الأموات، وقد أفضوا إلى ما عملوا.
أيها المسلم:
ولهذا جاءت العقوبات الشرعية في حق من آذى المسلمين، بأي نوع من أنواع الأذى؛ فأولاً: أخبر -صلى الله عليه وسلم-: أن إيذاء المسلمين يعرض المؤمن لسخط الله وغضبه،قال -صلى الله عليه وسلم-: " إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الثالث، فإن ذلك يحزنه "، وفي لفظ: " فإن ذلك يؤذيه، والله يكره أذى المؤمن"، فإذاً تناجي الإثنان مع وجود الثالث، دون إشراكه، ودون استئذانه، يحزنه، وربما ظن السوء إليه، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فمن تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته أخزاه في رحله "؛ فنهى عن إيذاء المسلمين، وعن تعييرهم بما يسوئهم، وعن تتبع عثراتهم، وزلاتهم وأن من تتبع عوراتهم باحثاً عن معائب فإن الله يتبع عورته، ونتائج ذلك أن يخزيه في رحله، وأن يكشف ستره، كما سعى في كشف ستر عورات الآخرين، وقال ابن عمر -رضي الله عنه- راو الحديث، وقد نظر يوماً إلى الكعبة " ما أعظمك ما أعظم حرمتك، وإن حرمة المؤمن عند الله أعظم ".
أيها المسلم:
ومن عقوبات أذى المسلمين أن المؤذي لهم يستحق لعنتهم، يقول -صلى الله عليه وسلم-: " من آذى المسلمين في طرقاتهم، وجبت عليه لعنتهم "، من آذى المسلمين في طرقاتهم، وجبت عليه لعنتهم، وإن أذى المسلمين من أسباب دخول النار، وفساد الأعمال، ذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم-: " امرأة ذكر من صيامها، وقيام ليلها إلا أنها تؤذي جيرانها بلسانها؛ فقال: لا خير فيها، هي في النار؛ فقال: لا خير فيها هي في النار "، فما شفع لها صيامها، ولا قيامها، لما كانت تؤذي الجيران بلسانها، وتفتري عليهم بالكذب، وتقول: فيهم ما هم براء منه.
أيها المسلم:
وإن أذى المسلمين جريمة لا تغتفر، بل لا بد أن يسامحك من آذيتهم، وإلا فالقصاص بين يدي الله يوم القيامة، فإن الدواوين عند الله ثلاثة ديوان لا يغفره الله: وهو الشرك به:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ)،وديوان لا يعبئ الله به ما بين العباد وربهم، من مظالم، من ترك واجب، أو فعل معصية، ورحمة الله واسعة، وفضله عظيم لمن تاب وأناب، والله ذو الفضل العظيم، وديوان لا يقصي الله منه شيء، مظالم العباد فيما بينهم، لا بد من قصاص لا يغني عنك عمل عملته، وأنت قد آذيت المسلمين بأي نوع من أنواع الأذى، في الحديث يقول: -صلى الله عليه وسلم-: " أتدرون من المفلس فيكم، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا مكان، قال: ولكن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بأعمال أمثال الجبال، فيأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن انقضت حسناته قبل أن يقضى عليه، أخذ من سيئاتهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار"، ومن عقوبات العباد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نفى كمال الإيمان عن من آذى المسلمين، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "، ويقول أيضاً -صلى الله عليه وسلم-: " والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن؛ قالوا: من يا رسول الله، قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه "، ومن عقوبات أذى المسلم أن المؤذي، والظالم يعرض نفسه لنقمة الله، وسخطه، فإن الله يستجيب لدعوة المظلوم على ظالمه، ودعوة المظلوم مرفوعة إلى السماء، يستجيبها الرب جل وعلا، فينزل بالظالم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، ربما يلج في طغيانه، وبطره، وأشره، فتأتيه عقوبة مفاجئة يندم ولآت ينفع الندم؛ يقول -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ لما وجهه وعمله: " واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها، وبين الله حجاب "، وفي لفظ أيضاً: " أنها تفتح لها أبواب السماء؛ ويقول: الله لها لأنصرنك ولو بعد حين ".
أخي المسلم:
فإذا علمت تلك العقوبات من يؤذي المسلمين بأي أنواع الأذى: قولي، أو فعلي؛ حسي، أو معنوي، فعليك أن تتقي أذى العباد بكل ما أعطيت من إمكان، وأن تتخلص من أذاهم في الدنيا قبل أن يكونوا لك خصوماً في يوم القيامة: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
أيها المسلم:
أذى الناس يكون في صور شتى، فأعظم أذى الناس، أعظمها سفك الدم الحرام بلا حق، فتلك المصيبة العظيمة، فإن الأصل حرمة دماء المسلمين، والمعاهدين، والمستأمنين؛ يقول الله جل وعلا: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)،وفي الحديث لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً، ومن صور أذى المسلمين أن تؤذيهم بلسانك سباباً، ولعناً، تفسيقاً، وتكفيراً، وتبديعاً بلا حق، ولا موجب في الحديث؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: " لعن المسلم كقتله "، لعن المسلم كقتله أي إثم لعنك إياه كإثمك إذا قتلته، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر "، ومن ذلك رميه بالتبديع، والتفسيق بلا حق، فإن من لعن أخاه، أو حكم عليه بالكفر، ولم يكن ما قيل فيه حقا، رجعت تلك المقالة على صاحبها، ولعنك المسلم بلا حق من كبائر الذنوب، تلك اللعنة تصعد إلى السماء فتغلق دونها أبواب السماء، تهبط إلى الأرض فتغلق دونها أبواب الأرض، فإن لم تجد مساغاً نفذت إلى من لعن، فإن لم يكن أهلاً لها، رجعت إلى قائلها؛ ومن صور أذى المسلمين أذاهم في أموالهم، إما سرقة، أو اغتصاباً، أو جحداً للحقوق، أو أيماناً فاجرة تأخذ بها المال بلا حق، يقول -صلى الله عليه وسلم-: " من اقتطع مال امرئ مسلمٍ بيمين هو فيها فاجر، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة "، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " إن دمائكم، وأموالكم ، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا "، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " من ظلم قيد شبر من أرض، طوقه يوم القيامة من سبع أراضين"، ومن صور ظلم الناس أن تكون تهتك عوراتهم، وتتبع عثراتهم، وتغتابهم، وتمشي بينهم بالنميمة، والكذب، والبهتان، فكل ذلك من أذى المسلمين، فإن الواجب احترام دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم.
أيها المسلم:
وإن وسائل الإيذاء تكون بالجوارح كالعينان، يكون بهما أذى المسلم، تطلع ببصرك للنظر إلى ما حرم الله عليك، النظر إليه، والله يقول: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ )، (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)،أو تنظر نظر الحاقد الحاسد على نعمه التي منحها الله عبداً من عباده، نظر الحاسد إلى تلك النعمة، الحاقد عليها، فتلك المصيبة، وباللسان يكون الأذى، غيبة تغتاب، نميمة تنقلها، سخرية، واستهزاء، وانتقاص، واحتقار للمسلم، وتؤذيهم بيدك، ورجلك، بطش، وضرب، وسعي في الفساد، وتؤذيهم بقلبك؛ ففي قلبك غل وحقد على الأمة، وفي قلبك كبر، وعجب، وتعال على الناس، واحتقار لهم، وكل هذا من أنواع الأذى.
أيها المسلم:
ويتضاعف إثم ذلك الأذى إذا كان بينك، وبين جارك، فإن أذاك لبعيد الناس معصية، ولكن الأذى على الجار أشد، يقول -صلى الله عليه وسلم-، يقول -صلى الله عليه وسلم-، فيما صح عنه: " والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه "، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذي جاره "، ويتضاعف الأذى إذا وجه لأهل الخير، والتقوى، والعلم النافع، إذا وجه الأذى، وسهام الإتهام إلى عالم صالح، ومستقيم، وإلى ذوي التقوى، والفضل، والمكافحين عن الحق، والداعين عن الهدى، فإن أذى أولئك لا يصدر إلا من قلب فيه نفاق، وغل، وحقد على الإسلام وأهله، ولهذا يقول -صلى الله عليه وسلم-، فيما عن ربه جل وعلا، قال: " من عادى لي ولياً، فقد آذنته بالحرب "، فمن آذى لله وليا، فقد آذنه الله بحرب من عنده، لأن هذا الأذى غالباً مصدره من نفاق امتلأ به قلب المؤذي، ومرض امتلأ به قلبه، فخطت يداه ما يعتقده، وتفوه لسانه بما انطوى عليه ضميره من الشر والفساد، ولذا يقول الله : (وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ)،أي المنافقين:(فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ)،فألحان كلامهم، ومقتضى أسلوبهم، وما يقولون، ويحدثون إنما يعبرون عن مكنونهم الخبيث، وكل إناء بما فيه ينضح، فاليتقي المسلم ربه في البعد عن أذى المسلمين عموماً، ولا سيما الرحم، ولا سيما ا لأبوين، فإن أذى الأبوين من الكبائر:" لعن الله من لعن والديه، قالوا: يا رسول الله أيلعن الرجل أبويه: قال نعم يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه "، فالوالدان إذا أوذيا ، فإن أذاهما من كبائر الذنب:" صعد النبي المنبر، فقال: آمين آمين آمين، فقيل: له، فقال أتاني جبريل، فقال: رغم امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله، قل: آمين، فقلت أمين، ورغم أنف امرئ أدرك أبويه؛ أحدهما أو كليهما فلم يدخلاه الجنة، قل: آمين، فقلت: آمين؛ ورغم امرئ ذكرت عنده فلم يصل علي، فأبعده الله، فقل: آمين، فقلت: آمين "، والله يقول في حق الرحم:(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ).
فليحذر المسلم الأذى لاسيما أذى الفقير العاجز الذي لا حيلة له، ولا استطاعة له، ولا قدرة له عن الدفاع عن نفسه، يتيماً تأكل ماله، وقليل الحيلة تتسلط عليه، ولا ترحم ضعفه وعجزه، والله مطلع عليك، والله مطلع عليك وناصيته بيدك، فاذكر قوة الله، وعظمته، وقدرته عليك، ليكون حاجزاً لك عن ظلم العباد، حاجزاً لك عن التعدي عليهم، قاهراً لك عن تعدى عليهم بلسانك، وفعلك، لو كان أمامك قوي مثلك، أو أقوى منك، لابتعدت عن أذاه ورأيت أن هذا خلقاً لأجل قوته، وبطشه، فكيف بضعيف مسلم تغرك ضعفه، وعجزه، فلا تبالي بظلمه، ولا بالتعدي عليه، ولا بأخذ ماله، ولا بتلفيق التهم به، فاتق الله في نفسك، وحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وقف قليلاً مع نفسك فرد المظالم، وأبعد شباب الأذى، وتفكر في مصيرك، ورحيلك قبل أن تنتقل من الدنيا إلى البرزخ، فتفارق الدنيا بتبعاتك، ولا ينفعك أحد يتبعك الأهل، والمال، والولد، فيرجع الأهل، يتبعك الأهل، والمال، والعمل، فيرجع الأهل، والمال، ويبقى العمل قريناً لك في لحدك، فإما صالحاً تزداد به أنسا، وإما سيئاً تزداد به مع الهم هماً، عافانا الله وإياكم من التبعات، وطهر أيدينا وألسنتنا وقلوبنا من أذى العباد، إنه على كل شيء قدير.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الأيات ، والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي، ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.