مشاهدة النسخة كاملة : زعيم المعارضه ... و عدو الثروات
ABO FARES
2011-09-25, 09:10 AM
أقبل على مكة نشوان مغتبطا .. صحيح أن وعثاء السفر وفيح الصحراء قد وقذاه بالضنى والالم بيد أن الغاية التى يسعى اليها أنسته جراحه وأفاضت على روحه الحبور والبشور ودخلها متنكرا , كأنه واحد من أولئك الذين يقصدونها ليطوفوا بألهة الكعبة العظام أو كأنه عابر سبيل ضل طريقه أو طال به السفر والترحال فأوى اليها يستريح ويتزود .
فلو علم أهل مكه أنه جاء يبحث عن محمداً صلى الله عليه وسلم ويستمع اليه لفتكوا به وهو لا يرى بأسا فى أن يفتكوا به ولكن بعد أن يقابل الرجل الذى قطع كل تلك المسافه لكى يقابله وبعد أن يؤمن به ان اقتنع بصدقه واطمأن لدعوته ولقد مضى يتسمع الانباء من بعيد وكلما سمع قوما يتحدثون عن الرسول صلى الله عليه وسلم أقترب منهم حتى جمع من نثرات الحديث ما يدله على مكانه .
فى صبيحة احد الايام فذهب الى المكان الذى دٌل عليه فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم جالسا وحده فاقترب منه وقال : نعمت صباحا يا أخا العرب
فأجاب الرسول عليه السلام : وعليك السلام أخاه
قال أبو ذر : أنشدنى مما تقول
فاجاب الرسول عليه الصلاة والسلام : ما هو بشعر فأنشدك ولكنه قـرآن كريم
قال ابو ذر : اقرأ على ..
فقرأ عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام : وأبو ذر يصغى .. ولم يمضى من الوقت غير القليل حتى هتف أبو ذر " أشهد أن لا اله الا الله وأشهد ان محمدا عبده و رسوله "
فسأله النبى : ممن أنت يا أخا العرب ... ؟
فأجابه ابو ذر : من غفار ...
فتألقت ابتسامه على وجه الرسول صلى الله عليه وسلم واكتسى وجهه الدهشة والعجب .
فضحك أبو ذر كذلك فهو يعرف سر ذلك العجب الذى كسا وجه الرسول صلى الله عليه وسلم حين أن هذا الذى يجهر بالإسلام امامه انما هو رجل من غفار ... !!!
فغفار هذه قبيلة لا يدرك لها شأن فى قطع الطريق وأهلها مضرب الامثال فى السطو غير المشروع أنهم حلفاء الليل والظلام والويل لمن يسلمه الليل الى واحد من قبيلة غفار أفيجئ منهم اليوم والإسلام دينا غصاً خفيا ..؟
ويقول ابو ذر وهو يروى القصه بنفسه في الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس : فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يرفع بصره ويصوبه تعجبا لما كان من غفار , ثم قال : ان الله يهدى من يشاء
ولقد كان أبو ذر رضى الله عنه أحد الذين شاء لهم الهدى وأراد بهم الخير وانه لذو صبر بالحق فقد روى عنه انه احد الذين يتألهون فى الجاهلية أى يتمرد على عبادة الأصنام ويذهب الى الايمان باله خالق عظيم وهكذا ما كاد يسمع بظهور نبى يسفه عبادة الاصنام وعبادها ويدعو الى عبادة الله الواحد القهار حتى حث اليه الخطى وشد الرحال .
******************
يتبع إن شاء الله
ABO FARES
2011-09-25, 09:18 AM
أسلم أبو ذر من فوره ، وكان ترتيبه في المسلمين الخامس أو السادس ، فقد أسلم في الايام الاولى للاسلام وحين أسلم كان الرسول عليه الصلاة والسلام يهمس بالدعوة همسا يهمس بها الى نفسه والخمسة الذين امنوا معه وكان من ابو ذر الا ان يحمل اسلامه بين جنباته ويتسلل به مغادرا مكه وعائدا الى قومه .. ولكن أبا ذر واسمه الكامل جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام من غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ان هذا الرجل خلق ليتمرد على الباطل أنى يكون . وما كان من هذا الثائر الجليل الا ان يصيح صيحة قبل ان يرحل .
لقد توجه الى الرسول عليه الصلاة والسلام فور اسلامه بهذا السؤال :
يارسول الله , بم تأمرنى ... ؟
فقال الرسول : ترجع الى قومك حتى يبلغك أمرى ..
فقال ابو ذر : والذى نفسه بيدى لا أرجع حتى أصرخ بالاسلام فى المسجد ..
الم أقل لكم تلك الطبيعه المتمرده الجياشه بعد أن ترى الحق على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ايرجع الى أهله صامتا ؟؟ هذا أمر فوق طاقته ...
هنالك دخل المسجد الحرام ونادى باعلى صوته :
" أشهد أن لا اله الا الله و أشهد أن محمدا رسول الله "
لقد كانت أول صيحة فى بالاسلام تحدت كبرياء قريش وقرعت أسماعها .. صاحها رجل غريب ليس له فى مكه حسب ولا نسب ولا حمى ولقد لقى ما لم يكن يغيب عن فطنته أنه ملاقيه فقد أحاط به المشركون وضربوه حتى صرعوه وترامى النبأ الى العباس عم النبى صلى الله عليه وسلم وما استطاع ان ينقذه من بين انيابهم الا بالحيلة الذكية قال لهم :
" يا معشر قريش أنتم تجار وطريقكم على غفار وهذا الرجل من رجالها ان يحرض قومه عليكم يقطعوا الطريق على قوافلكم " .
ولكن ابا ذر , وقد ذاق حلاوة الاذى فى سبيل الله , لا يريد ان يغادر مكه حتى يظفر بالمزيد ...
وهكذا لا يكاد اليوم التالى وربما فى نفس اليوم يلقى أمراتين تطوفان بصنمين ( أساف , واثله ) و دعوانهما حتى يقف عليهما ويسفه الصنمين تسفيها مهينا .. فتصرخ المرأتان ويهرول الرجال كالجراد ثم لا يفتون ضربه حتى يفقد وعيه .. وحين يفيق يصرخ مره أخرى بأنه " يشهد أن لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله "
. ويدرك الرسول عليه الصلاة والسلام طبيعة تلميذه الجديد الوافد وقدرته الباهره على مواجهة الباطل .
فيعيده مره أخرى الى قومه حتى اذا سمع بظهور الدين عاد وأدلى فى مجرى الاحداث دلوه , ويعود أبو ذر الى عشيرته فيحدثهم عن النبى الذى ظهر يدعو الى عبادة الله وحده ويهدى لمكارم الاخلاق ويدخل قومه فى الاسلام واحد تلو الاخر و لا يكتفى بقبيلته غفار بل ينتقل الى قبيله " أسلم " فيوقد فيها مصابيحه وتتابع الايام ويهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينه ويستقر بها المسلمون وذات يوم يرى اهل المدينه على مشارفها اقدام أثارت النقع ولولا تكبيرات المشاة والركبان لحسبهم الرائى جيشا مغيرا من جيوش الشرك .
لقد كان الموكب قبيلتى غفار و أسلم جاء بهما ابو ذر مسلمين جميعا رجالا ونساءا , شيوخا وشبابا وأطفالاً
وكان من حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يزداد عجبا ودهشة ...
إن عمالقة السطو وحلفاء الشيطان , قد أصبحوا عمالقة فى الخير وحلفاء الحق ... أليس الله يهدى من يشاء ؟؟
لقد ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجوههم الطيبة نظرات تفيض غبطة وحنانا وودا
ونظر الى قبيلة غفار وقال :
" غفار غفر الله لها "
ثم الى قبيلة أسلم فقال :
" و أسلم سالمها الله "
وأبو ذر هذا الداعيه الرائع القوى الشكيمه العزيز المنال ألا يختصه رسول الله عليه الصلاة والسلام بتحية ؟
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه " ما أقلت الغبراء ولا أظلت الصحراء أصدق لهجة من أبى ذر "
ولكن يعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالعوده الى قومه حتى اذا ظهر بظهور الدين عاد
**********
يتبع ان شاء الله
ABO FARES
2011-09-25, 09:23 AM
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصيرته الثاقبه عبر الغيب القصى والمجهول البعيد كل المتاعب الى سيفيئها على أبى ذر صدقه وصلابته فكان يأمره أن يجعل الأناة والصبر نهجه وسبيله .
و ألقى الرسول صلى الله عليه وسلم هذا السؤال :
- " يا أبا ذر كيف أنت اذا أدرك أمراء يستأثرون بالفئ ؟ "
فاجاب قائلا:
- " اذن والذى بعثك بالحق لاضربن بسيفى "
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
- " أفلا أدلك على خير من ذلك .. ؟
- اصبر حتى تلقانى
ولكن لماذا هذا السؤال ( المال ,, تولى الامار ) تلك هى قضية أبى ذر التى سيهبها حياته وتلك مشكلته مع المجتمع ومع المستقبل فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وقد علم بما سيحدث لابى ذر فها هى تلك النصيحه التى سيحفظها أبى ذر عن ظهر قلب ويعمل بها " أصبر حتى تلقانى "
ومضى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده عهد أبى بكر وعمر رضى الله عنهما فى تفوق كامل على مغريات الحياة ودواعى الفتنه ...
ولقد طال عقد أمير المؤمنين عمر فارضا على ولاة المسلمين وأمرائهم وأغنيائهم فى كل مكان من الارض زهداً وتقشفا وعدلا يكاد يكون فوق طاقة البشرية ...
ان واليا من ولاته فى العراق او الشام او صنعاء او فى اى من البلاد النائيه لا يكاد يصل اليها نوعا من الحلوى لا يجد عامة الناس قدرة على شرائها حتى يكون الخبر قد وصلى الى عمر بعد أيام وحتى تكون أوامره الصارمه قد ذهبت لتستدعى ذلك الوالى الى المدينه يتلقى حسابا عسيرا ...
ليهنأ ابو ذر أذن .... وليهنأ أكثر ما دام الفاروق أميرا للمؤمنين .. وما دام لا يضايق أبا ذر فى حياته شئ مثلما يضايق استغلال السلطه واحتكار الثروة فان ابن الخطاب بمراقبته الصارمه للسلطة وتوزيعه العادل للثروة سيتيح له الطمأنينة والرضا .... وتمضى الايام والسنون بأبا ذر .. ولكن ... !!
السلطه التى هى مسؤلية ترتعد من هول حساب الله عليها أفئدة الابرار تتحول الى سبيل للسيطرة وللثراء والترف المدمر الوبيل رأى ابو ذر هذا فلم يبحث عن واجبه ولا مسؤليته بل راح يمد يمينه الى سيفه وهز به الهواء فمزقه ونهض قائما يواجه المجتمع بسيفه الذى لم تعرف له كبوة لكن سرعان ما رن فى فؤاده صدى وصية الحبيب المصطفى صلواة الله سلامه عليه فأعاد السيف الى غمده فما ينبغى أن يرفعه فى وجه مسلم .
ليس دوره اليوم أن يقتل .. بل أن يعترض وليس السيف أداة التغيير والتقويم ولكن اللسان والكلمه الصادقه هى سيفه .
لقد أخبر الرسول يوما وعلى الملأ من أصحابه أ، الارض لم تقل وأن السماء لم تظل أصدق لهجة من أبى ذر
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمت أبى ذر هى سيف الحق القاسم للظلم .
**************
يتبع ان شاء الله
ABO FARES
2011-09-25, 09:32 AM
خرج أبو ذر الى معاقل السلطة والثروة يغزوها بمعارضته معقلا معقلا ... وأصبح فى أيام معدودات الرايه التى التفت حولها الجماهير والكادحون وكان شعاره وهتافه الذى يردده فى كل مكان ومان .. ةيردده الانس عنه كأنه نشيد هذه الكلمات " بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضه بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامه "لا يصعد جبلا ولا ينزل سهلا ولا يدخل مدينه ولا يواجه اميرا الا وهذه الكلمات على لسانه .
لقد بدأ بأكثر المعاقل سيطرة ورهبة .. هناك فى الشام حيث " معاوية بن أبى سفيان "يحكم من أكثر بلاد الاسلام خصوبة وخيرا وفيضا ... ولم يكد الناس العاديون يسمعون بمقدمه حتى استقبلوه فى حماسة وشوق والتفوا حوله اينما سار .. حدثنا يا أبا ذر ... حدثنا يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
ويلقى ابو ذر على الجموع نظرة فاحصه فيى أكثرها ذوى حصاصة وفقر ثم يرنو ببصره نحو المشارف القريبه فيرى القصور والضياع ثم يصرخ فى الحافين حوله قائلا :
" عجبت لمن لا يجد القوت فى بيته , كيف لا يخرج على الانس شاهرا سيفه ... ؟؟؟!!
لكنه يتذكر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيترك لغة الحرب هذه ويعود الى لغة المنطق والاقناع وفى أيام قلائل كانت الشام كلها كخلايا نحل وجدت ملكتها المطاعه ولو أعطى أبو ذر اشاره عابرة بالثورة لاشتعلت نارا ولقد بلغ خطره على الامتيازات الناشئه على مداه يوم ناظر معاويه على ملأ من الناس : وقف يسأل معاوية فى غير خوف ولا مداراة عن ثروته قبل ان يصبح حاكما وعن ثروته اليوم .. وعن البيت الذى كان يسكنه بمكه .. وعن قصوره بالشام اليوم .
ثم يوجه سؤاله للجالسين حوله ثم يصيح فيهم جميعا : أفأنتم الذين نزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهرانيهم ؟؟؟؟
فيجيب عنهم : نعم أنتم الذين نزل فيكم القران , وشهدتم مع رسول الله المشاهد ثم يعود ويسال : الا تجدون فى كتاب الله هذه الايه :
" ( والذين يكنزون الذهب والفضه ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم .. يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) صدق الله العظيم
فيقطع كلامه معاويه ويقول : لقد أنزلت هذه الايه فى أهل الكتاب
ويصيح أبو ذر : لا بل أنزلت لنا ولهم .. ويتابع ناصحا معاويه وأصحابه أن يخرجوا بكل ما بين أيديهم من ضياع وقصور وأموال وألا يدخر أحدهم لنفسه أكثر من حاجات يومه ..
وتتناقل المحافل والجموع نبأ هذه المناظره وأنباء أبى ذر ..
ويستشعر معاويه الخطر ويكتب على الفور للخليفه عثمان بن عفان رضى الله عنه له " ان أبا ذر قد أفسد الناس بالشام "
ويكتب عثمان لأبى ذر يستدعيه للمدينه ... ويسافر الى المدينه تاركا الشام فى يوم لم تشهد دمشق مثله ..!
**********************
يتبع ان شاء الله
ABO FARES
2011-09-25, 09:45 AM
( لا حاجه لى فى دنياكم )
هكذا قال أبو ذر للخليفة عثمان بن عفان بعد ان وصل الى المدينه ...
وكان الحوار طويلا بين الخليفه عثمان وأبا ذر ولقد عرض عثمان على ابى ذر عرضا رفيقا رقيقا فقال له " ابق هنا بجنبى تغدو عليك اللقاح وتروح "
فاجابه ابا ذر: ( لا حاجه لى فى دنياكم )
أجل لا حاجه له فى دنيا الناس .. انه من اولئك الذين يبحثون عن ثراء الروح ويحيون الحياه ليطعوا لا ليأخذوا ولقد طلب من الخليفة عثمان رضى الله عنه أن يأذن له الخروح الى الربده فأذن له.
ومن ثم لم يكن ابو ذر ليخفى انزعاجه حين يرى حين بعض المولعين بايقاد الفتنه يتخذون من دعوته سببا لاشباع ولعهم وكيدهم .
جاء يوم وهو فى الربدة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد الخليفة فزجرهم بكلمات حاسمه :
" والله لو أتى عثمان و صلبنى على أطول خشبة أو جبل لسمعت وأطعت وصبرت وأحتسبت ورأيت ذلك خيرا لى و لو سيرنى ما بين الافق الى الافق لسمعت وأطعت وصبرت وأحتسبت ورأيت ذلك خيرا لى ولو ردنى الى منزلى لسمعت وأطعت وصبرت وأحتسبت ورأيت ذلك خيرا لى " ذلك الرجل لا يريد غرضا من أغراض الدنيا , ومن ثم أفاء الله عليه نور البصيرة ... ومن ثم أدرك ما تنطوى عليه الفتنه المسلحة من خطر فتحاشاها .. كما أدرك ما ينطوى عليه الصمت من وبال خطر فتحاشاه أيضا ورفع صوته لا سيفه بكملة المعارضه الحق ولهجة الصدق .
ولقد كان أبو ذر يتمنى لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وألا يلى أحد منهم امارة أو يجمع ثروة , وأن يظلوا كما كانوا روادا للهدى وعبادا لله , وكان يدرك أن أبا بكر وعمر لن يتكررا .. ولطالما سمع النبى صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من اغراء الاماره ويقول عنها :
" إنها أمانه ويوم القيامة خذى وندامه ... إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها .. "
ولقد بلغ الامر بأبى ذر الى تجنب اخوانه ان لم يكن مقاطعتهم لأنهم ولو الامارات وصار لهم بطبيعة الحال ثراء ووفرة . لقيه أبو موسى الاشعرى يوما , فلم يكد يراه حتى فتح له ذراعيه وهو يصيح قائلا : مرحبا أبا ذر .. مرحبا أخى "
" ولكن أبا ذر دفعه عنه وهو يقول : " لست بأخيك . انما كنت أخاك قبل أن تكون واليا وأميرا.. "
كذلك لقيه أبو هريره يوما واحتضنه مرحَبا ولكن أبا ذر نحاه عنه بيده وقال له :
" اليك عنى .. ألست الذى وليت الاماره , فتطاولت فى البنيان , واتخذت لك ماشية وزرعا .. ؟؟ "
ومضى أبو هربرة يدافع عن نفسه ويبرئها من تلك الشائعات ..
وقد يبدو أبو ذر يبالغ فى موقفه من الحكم والثروة ,, ولكن لأبى ذر منطقه الذى يشكل صدقه مع نفسه وايمانه . فأبو ذر يقف بأحلامه وأعماله وبسلوكه ورؤاه عند المستوى الذى خلفه لهم رسول الله وصاحباه .. أبو بكر وعمر
واذا كان يرى البعض فى ذلك المستوى المثاليه لا يدرك شأوها فان ابا ذر يراها قدوة ترسم طريق الحياة والعمل.
ولقد عاش أبو ذر ما استطاع حاملا لواء القدوة العظمى للرسول عليه الصلاة والسلام ولصاحبيه أمينا عليها حارسا لها .. و كان أستاذ فى فن التفوق على مغريات الاماره والثروة ,,
عرضت عليه الاماره فى بالعراق فقال :
" لا والله .. لن تميلوا علىَ بدنياكم أبدا "
ورأه صاحبه يوما جلبابا قديما فساله :
أليس لك ثوب غير هذا .. ؟ لقد رأيت معك منذ أيام ثوبيين جديدين !!
فأجابه أبو ذر : " يابن أخى .. لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما منى "
قال له : والله انك لمحتاج اليهما .
فأجاب أبو ذر : " اللهم أغفر .. انك لمعظم الدنيا ألست ترى على هذه البرده ؟؟ ولى أخرى لصلاة الجمعه ولى عنزة أحلبها وأتان أركبها فأى نعمة أفضل ما نحن فيه ..؟
وجلس يوما يحدث ويقول :
أوصانى خليلى بسبع :
" أمرنى بحب المساكين والدنو منهم .. وأمرنى أن أنظر الى من هو دونى ولا أنظر الى من هو فوقى .. وأمرنى ألا أسأل أحدا شيئا ... وأن أصل الرحم .. ,امرنى أن أقول الحق وان كان مرا .. وأمرنى أن لا أخاف فى الله لومة لائم ... وأمرنى ان أكثر من : لا حول ولا قوة الا بالله "
وقد عاش هذه الوصية حتى صار " ضميراً " بين قومه وأمته
وقول الامام على رضى الله عنه :
" لم يبق اليوم أحد لا يبالى فى الله لومة لائم غير أبى ذر .. "
عاش يجاهد فتنة المال والاماره عاش متبتلا لمسئولية النصح والارشاد , يمنعونه من الفتوى فيزداد صوته بها ارتفاعا ويقول لمانعيه " والذى نفسى بيده لو وضعتم السيف فوق عنقى , ثم ظننتم أنى منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان تحتزوا لأنفذتها .. "
والان يعالج أبو ذر سكرات الموت فى الربذة .. المكان الذى اختار الاقامة فيه اثر خلافة عثمان رضى الله عنه فتعالوا بنا اليه نؤد للراحل تحية الوداع .
ان هذه السيدة السمراء الضمرة الجالسه الى جواره تبكى , هى زوجته ..
وانه ليسألها : فيم البكاء والموت حق ...؟
فتجيبه بأنها تبكى : " لأنك تموت وليس عندى ثوب يسعك كفناً "
" لا تبكى فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وانا عنده فى نفر من أصحابه يقول : ليموتن رجل منكم بفلاة من الارض تشهده عصابة من المؤمنين ..
وكل من كان معى فى ذلك المجلس مات فى جماعة وقرية ولم يبق منهم غيرى .. وهاأنذا بالفلاة أموت فراقبى الطريق .. فستطلع علينا عصابة من المؤمنين فانى والله ماكذبت ولا كذبت "
وفاضت روحه الى الله ...
ولقد صدق .. فهذه هى القافله التى تغذ السير فى الصحراء تؤلف جماعة من المؤمنين وعلى رأسهم عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله وان ابن مسعود ليبصر المشهد قبل أن يبلغه .. مشهد جسد ممتد يبدو كأنه جثمان ميت , والى جواره سيدة وغلام يبكيان . ويلوى زمام دابته والركب معه صوب المشهد ولا يكاد يلقى نظرة على الجثمان حتى تقع عيناه على وجه صاحبه وأخيه فى الله والاسلام أبى ذر .
وتفيض عيناه بالدمع ويقف على جثمانه الطاهر يقول " صدق رسول الله .. تمشى وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك "ولكن لماذا قال ابن مسعود رضى الله عنه تلك العباره " تمشى وحدك ... وتموت وحدك .. وتبعث وحدك "
******************************
يتبع ان شاء الله
ABO FARES
2011-09-25, 09:57 AM
كان ذلك فى غزوة تبوك سنه تسع من الهجره وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتهييؤ لملاقاة الروم الذى شرعوا يكيدون للاسلام ويأتمرون به .
وكانت الايام التى دعى فيها للناس أيام الجهاد أيام عسر وقيظ ... وكانت الشقة بعيدة والعدو مخيف .. ولقد تقاعس عن الخروج نفر من المسلمين تعللوا بشتى المعاذير .
وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه .. وكلما أمعنوا فى السير ازدادوا جهدا ومشقة فجعل الرجل يتخلف ويقولون يا رسول الله تخلف فلان فيقول : دعوه .. فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم .. وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ..!!
وتلفت القوم ذات مره فلم يجدوا أبا ذر .. وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم : لقد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره ..
وأعاد الرسول صلى الله عليه وسلم مقولته الاولى ..
كان بعير أبى ذر قد ضعف تحت وطأة الجوع والظمأ والحر وتعثرت من الاعياء خطاه .. وحاول أبو ذر أن يدفعه للسير الحثيث بكل حيلة وجهد ولكن الاعياء كان يلقى ثقله على البعير ورأى أبو ذر أنه بهذا سيتخلف عن المسلمين وينقطع دونهم الاثر فنزل من فوق ظهر البعير وأخذ متاعه وحمله على ظهره ومضى ماشيا على قدميه مهرولا وسط صحراء ملتهبه حتى يدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه .
وفى الغداة وقد وضع المسلمين رحالهم ليستريحوا بصر أحدهم فرأى سحابة من النقع والغبار وراءها شبح رجل يغذ السير وقال الذى رأى :
يا رسول الله هذا رجل يمشى على الطريق وحده ..
وقال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( كن أبا ذر .. )
وعادوا لما كانوا فيه من حديث ريثما يقطع القادم المسافه التى تفصله عنهم وعندها يعرفون من هو ..
وأخذ المسافر الجليل يقترب منهم رويدا . يقتلع خطاه من الرمل المتلظى اقتلاعا وحمله فوق ظهره بتؤده .. ولكنه مغتبط فرخان لانه ادرك القافله المباركه ولم يتخلف عن رسول الله واخوانه المجاهدين ..
وحين بلغ أول القافله صاح صائحهم : يا رسول الله : انه والله أبا ذر
وسار أبو ذر صوب الرسول صلى الله عليه وسلم ..
ولم يكد صلى الله عليه وسلم ويراه حتى تألقت وجهه ابتسامه حانية واسية , وقال :
( يرحم الله أبا ذر ... يمشى وحده ... ويموت وحده ... ويبعث وحده )
وبعد مضى عشرين عاما على هذا اليوم مات اوذر وحيدا فى فلاة الربذة .. بعد أن سار حياته كلها وحيدا على طريق لم يتألق فوقه سواه .. ولقد بعث فى التاريخ وحيدا فى عظمة زهده وبطولة صموده
ولسوف يبعث عند الله وحيدا كذلك , لأن زحام فضائله المتعدده لن تترك بجانبه مكانا لأحد سواه ....
ولقد بعث فى التاريخ وحيدا فى عظمة زهده وبطولة صموده
ولسوف يبعث عند الله وحيدا كذلك , لأن زحام فضائله المتعدده لن تترك بجانبه مكانا لأحد سواه ....
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته
وهل انتشر الإسلام إلا بهمة أمثاله من الصحابة الأخيار
اللهم أجمعنا بهم وبنبيك الحبيب محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعليهم أجمعين
جزاك الله خيرا أخي الفاضل بامتاعنا بسيرة هذا الصحابي الجليل
الغد المشرق
2011-09-25, 11:04 AM
بارك الله فيكم أخانا الكريم , جمعنا الله تعالى بهم فى جنته وتحت لواء حبيبه وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم .
ABO FARES
2011-09-25, 11:34 AM
بارك الله فيكم .. رزقنا الله وإياكم الجنه مع حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وأخيار هذه الامه
سوفانا
2011-09-25, 09:57 PM
بارك الله فيك اخى الكريم
موضوع رائع
اذكر لنا المصدر بارك الله فيك
وننتظر جديد موضيعك
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir